الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَاجِلُوهُمْ، وَإِنْ أَقَرُّوا قَبِلَ مِنْهُمْ وَحَمَلَهُمْ عَلَى مَا يَنْبَغِي لَهُمْ. رَوَاهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.
[مَسِيرَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ]
فَصْلٌ فِي مَسِيرَةِ الْأُمَرَاءَ مِنْ ذِي الْقَصَّةِ عَلَى مَا عُوهِدُوا عَلَيْهِ.
وَكَانَ سَيِّدَ الْأُمَرَاءِ وَرَأْسَ الشُّحْعَانِ الصَّنَادِيدِ أَبُو سُلَيْمَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ.
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لَمَّا عَقَدَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو الْعَشِيرَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، سَلَّهُ اللَّهُ، عز وجل، عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ» .
وَلَمَّا تَوَجَّهَ خَالِدٌ مِنْ ذِي الْقَصَّةِ وَفَارَقَهُ الصِّدِّيقُ، وَاعَدَهُ أَنَّهُ سَيَلْقَاهُ مِنْ نَاحِيَةِ خَيْبَرَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَأَظْهَرُوا ذَلِكَ لِيُرْعِبُوا الْأَعْرَابَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ
أَوَّلًا إِلَى طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيِّ، ثُمَّ يَذْهَبَ بَعْدَهُ إِلَى بَنِي تَمِيمٍ، وَكَانَ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ فِي قَوْمِهِ بَنِي أَسَدٍ، وَفِي غَطَفَانَ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِمْ بَنُو عَبْسٍ وَذُبْيَانُ، وَبَعَثَ إِلَى بَنِي جَدِيلَةَ وَالْغَوْثِ وَطَيِّئٍ يَسْتَدْعِيهِمْ إِلَيْهِ، فَبَعَثُوا أَقْوَامًا مِنْهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، لِيَلْحَقُوا عَلَى أَثَرِهِمْ سَرِيعًا، وَكَانَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ قَدْ قَدِمَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِصَدَقَاتِ قَوْمِهِمَا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيَتَقَوَّى بِهَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَلَمْ يَزَلْ لِعَدِيِّ وَالزِّبْرِقَانِ بِذَلِكَ الشَّرَفُ عَلَى قَوْمِهِمَا وَمَنْ سِوَاهُمَا، وَكَانَ الصِّدِّيقُ قَدْ بَعَثَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ قَبْلَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَقَالَ لَهُ: أَدْرِكْ قَوْمَكُ لَا يَلْحَقُوا بِطُلَيْحَةَ فَيَكُونَ دَمَارُهُمْ. فَذَهَبَ عَدِيٌّ إِلَى قَوْمِهِ بَنِي طَيِّئٍ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُبَايِعُوا الصِّدِّيقَ، وَأَنْ يُرَاجِعُوا أَمْرَ اللَّهِ، فَقَالُوا: لَا نُبَايِعُ أَبَا الْفَصِيلِ أَبَدًا، يَعْنُونَ أَبَا بَكْرٍ، رضي الله عنه، فَقَالَ: وَاللَّهِ لِيَأْتِيَنَّكُمْ جَيْشٌ، فَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّهُ أَبُو الْفَحْلِ الْأَكْبَرِ. وَلَمْ يَزَلْ عَدِيٌّ يَفْتِلُ لَهُمْ فِي الذِّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتَّى لَانُوا، وَجَاءَ خَالِدٌ فِي الْجُنُودِ، وَعَلَى مُقَدِّمَةِ الْأَنْصَارِ الَّذِينَ مَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ وَعُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ طَلِيعَةً، فَتَلَقَّاهُمَا طُلَيْحَةُ وَأَخُوهُ سَلَمَةُ فِيمَنْ مَعَهُمَا، فَلَمَّا وَجَدَا ثَابِتًا وَعُكَّاشَةَ تَبَارَزُوا، فَقَتَلَ عُكَّاشَةُ حِبَالَ بْنَ طُلَيْحَةَ - وَقِيلَ: بَلْ كَانَ قَتَلَ حِبَالًا قَبْلَ ذَلِكَ - وَأَخَذَ مَا مَعَهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ طُلَيْحَةُ فَقَتَلَهُ، وَقَتَلَ هُوَ وَأَخُوهُ سَلَمَةُ ثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ، وَجَاءَ خَالِدٌ بِمَنْ مَعَهُ فَوَجَدُوهُمَا صَرِيعَيْنِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمَا فَدُفِنَا بِدِمَائِهِمَا فِي ثَوْبَيْهِمَا. وَقَدْ قَالَ طُلَيْحَةُ فِي ذَلِكَ:
عَشِيَّةَ غَادَرْتُ ابْنَ أَقْرَمَ ثَاوِيًا
…
وَعُكَّاشَةَ الْغَنْمِيَّ تَحْتَ مَجَالِ
أَقَمْتُ لَهُ صَدْرَ الْحَمَالَةِ إِنَّهَا
…
مُعَوَّدَةٌ قَبْلَ الْكُمَاةِ نِزَالِ
فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجُلَالِ مَصُونَةً
…
وَيَوْمًا تَرَاهَا فِي ظِلَالِ عَوَالِي
وَإِنْ تَكُ أَذْوَادٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ
…
فَلَمْ يَذْهَبُوا فِرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ
وَمَالَ خَالِدٌ إِلَى بَنِي طَيِّئٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ فَقَالَ: أَنْظِرْنِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ; فَإِنَّهُمْ قَدِ اسْتَنْظَرُونِي حَتَّى يَبْعَثُوا إِلَى مَنْ تَعَجَّلَ مِنْهُمْ إِلَى طُلَيْحَةَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَخْشَوْنَ إِنْ تَابَعُوكَ أَنْ يَقْتُلَ طُلَيْحَةُ مَنْ سَارَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ يُعْجِّلَهُمْ إِلَى النَّارِ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ جَاءَهُ عَدِيٌّ فِي خَمْسِمِائَةِ مُقَاتِلٍ مِمَّنْ رَاجَعَ الْحَقَّ، فَانْضَافُوا إِلَى جَيْشِ خَالِدٍ، وَقَصَدَ خَالِدٌ بَنِي جَدِيلَةَ، فَقَالَ لَهُ عَدِيٌّ: أَجِّلْنِي أَيَّامًا حَتَّى آتِيَهُمْ، فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُنْقِذَهُمْ كَمَا أَنْقَذَ طَيِّئًا، فَأَتَاهُمْ عَدِيٌّ فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى بَايَعُوهُ، فَجَاءَ خَالِدًا بِإِسْلَامِهِمْ، وَلَحِقَ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَلْفُ رَاكِبٍ، فَكَانَ عَدِيٌّ خَيْرَ مَوْلُودٍ وَأَعْظَمَهُ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهِ، رضي الله عنه. قَالُوا: ثُمَّ سَارَ خَالِدٌ حَتَّى نَزَلَ بِأَجَأٍ وَسَلْمَى، وَعَبَّأَ جَيْشَهُ هُنَالِكَ، وَالْتَقَى مَعَ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيِّ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: بُزَاخَةُ. وَوَقَفَتْ أَحْيَاءٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْأَعْرَابِ يَنْظُرُونَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّائِرَةُ، وَجَاءَ طُلَيْحَةُ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنِ الْتَفَّ مَعَهُمْ وَانْضَافَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ حَضَرَ مَعَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْ قَوْمِهِ
بَنِي فَزَارَةَ، وَاصْطَفَّ النَّاسُ، وَجَلَسَ طُلَيْحَةُ مُلْتَفًّا فِي كِسَاءٍ لَهُ يَتَنَبَّأُ لَهُمْ، يَنْظُرُ مَا يُوحَى إِلَيْهِ فِيمَا يَزْعُمُ، وَجَعَلَ عُيَيْنَةُ يُقَاتِلُ مَا يُقَاتِلُ، حَتَّى إِذَا ضَجِرَ مِنَ الْقِتَالِ يَجِيءُ إِلَى طُلَيْحَةَ وَهُوَ مُلْتَفٌّ فِي كِسَائِهِ فَيَقُولُ: أَجَاءَكَ جِبْرِيلُ؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيَرْجِعُ فَيُقَاتِلُ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ لَهُ: هَلْ جَاءَكَ جِبْرِيلُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا قَالُ لَكَ؟ قَالَ: قَالَ لِي: إِنَّ لَكَ رَحًا كَرَحَاهُ، وَحَدِيثًا لَا تَنْسَاهُ. قَالَ: يَقُولُ عُيَيْنَةُ: أَظُنُّ أَنْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ سَيَكُونُ لَكَ حَدِيثٌ لَا تَنْسَاهُ. ثُمَّ قَالَ: يَا بَنِي فَزَارَةَ، انْصَرِفُوا. وَانْهَزَمَ، وَانْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ طُلَيْحَةَ، فَلَمَّا جَاءَهُ الْمُسْلِمُونَ رَكِبَ عَلَى فَرَسٍ كَانَ قَدْ أَعَدَّهَا لَهُ، وَأَرْكَبَ امْرَأَتَهُ النَّوَارَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، ثُمَّ انْهَزَمَ بِهَا إِلَى الشَّامِ وَتَفَرَّقَ جَمْعُهُ، وَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ طَائِفَةً مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا أَوْقَعَ اللَّهُ بِطُلَيْحَةَ وَفَزَارَةَ مَا أَوْقَعَ، قَالَتْ بَنُو عَامِرٍ وَسُلَيْمٍ وَهَوَازِنُ: نَدْخُلُ فِيمَا خَرَجْنَا مِنْهُ، وَنُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَنُسَلِّمُ لِحُكْمِهِ فِي أَمْوَالِنَا وَأَنْفُسِنَا.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ طُلَيْحَةُ الْأَسَدِيُّ ارْتَدَّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ بِمُؤَازَرَتِهِ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ، وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ لِقَوْمِهِ: وَاللَّهِ لِنَبِيٌّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَبِيٍّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَدْ مَاتَ مُحَمَّدٌ، وَهَذَا طُلَيْحَةُ فَاتِّبِعُوهُ. فَوَافَقَهُ قَوْمُهُ بَنُو فَزَارَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَسَرَهُمَا خَالِدٌ هَرَبَ طُلَيْحَةُ بِامْرَأَتِهِ إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ عَلَى بَنِي كَلْبٍ، وَأَسَرَ خَالِدٌ
عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَبَعَثَ بِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَجَعَلَ الْوِلْدَانُ وَالْغِلْمَانُ يَطْعَنُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ، وَيَقُولُونَ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، ارْتَدَدْتَ عَنِ الْإِسْلَامِ؟ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ آمَنْتُ قَطُّ. فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الصِّدِّيقِ اسْتَتَابَهُ وَحَقَنَ دَمَهُ، ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنَّ عَلَى قُرَّةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، وَكَانَ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ مَعَ طُلَيْحَةَ، فَأَسَرَهُ مَعَ عُيَيْنَةَ، وَأَمَّا طُلَيْحَةُ فَإِنَّهُ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَذَهَبَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا أَيَّامَ الصِّدِّيقِ وَاسْتَحْيَا أَنْ يُوَاجِهَهُ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ وَقَدْ رَجَعَ فَشَهِدَ الْقِتَالَ مَعَ خَالِدٍ، وَكَتَبَ الصِّدِّيقُ إِلَى خَالِدٍ أَنِ اسْتَشِرْهُ فِي الْحَرْبِ وَلَا تُؤَمِّرْهُ، يَعْنِي مُعَامَلَتَهُ لَهُ بِنَقِيضِ مَا كَانَ قَصَدَهُ مِنَ الرِّيَاسَةِ فِي الْبَاطِلِ. وَهَذَا مِنْ فِقْهِ الصِّدِّيقِ، رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ.
وَقَدْ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لِبَعْضِ أَصْحَابِ طُلَيْحَةَ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ: أَخْبِرْنَا عَمَّا كَانَ يَقُولُ لَكُمْ طُلَيْحَةُ مِنَ الْوَحْيِ. فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: وَالْحَمَامِ وَالْيَمَامِ، وَالصُّرَدِ الصَّوَّامِ، قَدْ صُمْنَ قَبْلَكُمْ بِأَعْوَامٍ، لَيَبْلُغَنَّ مُلْكُنَا الْعِرَاقَ وَالشَّامَ. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْهَذَيَانَاتِ السَّمِجَةِ.
وَقَدْ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ حِينَ جَاءَهُ أَنَّهُ كَسَرَ طُلَيْحَةَ وَمَنْ كَانَ فِي صَفِّهِ، وَقَامَ بِنَصْرِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لِيَزِدْكَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا، وَاتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، جِدَّ فِي أَمْرِكَ وَلَا تَنِيَنَّ، وَلَا تَظْفَرْ بِأَحَدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا نَكَّلَتَ بِهِ، وَمَنْ
أَخَذْتَ مِمَّنْ حَادَّ اللَّهَ أَوْ ضَادَّهُ مِمَّنْ يَرَى أَنَّ فِي ذَلِكَ صَلَاحًا فَاقْتُلْهُ. فَأَقَامَ خَالِدٌ بِبُزَاخَةَ شَهْرًا، يُصَعِّدُ فِيهَا وَيُصَوِّبُ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهَا فِي طَلَبِ الَّذِينَ وَصَّاهُ بِسَبَبِهِمُ الصِّدِّيقُ، فَجَعَلَ يَتَرَدَّدُ فِي طَلَبِ هَؤُلَاءِ شَهْرًا، يَأْخُذُ بِثَأْرِ مَنْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حِينَ ارْتَدُّوا ; فَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّقَهُ بِالنَّارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَضَخَهُ بِالْحِجَارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَمَى بِهِ مِنْ شَوَاهِقَ الْجِبَالِ، كُلُّ هَذَا لِيُشَرِّدَ بِهِمْ مَنْ يَسْمَعُ بَخَبَرِهِمْ مِنْ مُرْتَدَّةِ الْعَرَبِ. رضي الله عنه.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمْ، عَنْ، طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بُزَاخَةَ ; أَسَدٌ وَغَطَفَانُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ، خَيَّرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بَيِّنَ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ أَوْ حِطَّةٍ مُخْزِيَةٍ. فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، أَمَّا الْحَرْبُ الْمُجْلِيَةُ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْحِطَّةُ الْمُخْزِيَةُ؟ قَالَ: تُؤْخَذُ مِنْكُمُ الْحَلْقَةُ وَالْكُرَاعُ، وَتُتْرَكُونَ أَقْوَامًا يَتَّبِعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ وَالْمُؤْمِنَيْنِ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ، وَتُؤَدُّونَ مَا أَصَبْتُمْ مِنَّا، وَلَا نُؤَدِّي مَا أَصَبْنَا مِنْكُمْ، وَتَشْهَدُونَ أَنَّ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ، وَتَدُونَ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا قَوْلُكَ: تَدُونَ قَتْلَانَا. فَإِنَّ قَتْلَانَا قُتِلُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا دِيَاتِ لَهُمْ. فَاتَّبَعَ عُمَرَ. وَقَالَ عُمَرُ فِي الثَّانِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ بِسَنَدِهِ مُخْتَصَرًا.