المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فتح بيت المقدس - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٩

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَيَوَانَاتِ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ]

- ‌[مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِىِّ]

- ‌[سُجُودُ الْغَنَمِ لَهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[قِصَّةُ الذِّئْبِ وَشَهَادَتُهُ بِالرِّسَالَةِ]

- ‌[الْوَحْشُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[قِصَّةُ الْأَسَدِ]

- ‌[حَدِيثُ الْغَزَالَةِ]

- ‌[حَدِيثُ الضَّبِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ النَّكَارَةِ وَالْغَرَابَةِ]

- ‌[حَدِيثُ الْحِمَارِ]

- ‌[حَدِيثُ الْحُمَّرَةِ وَهِيَ طَائِرٌ مَشْهُورٌ]

- ‌[كَرَامَةٌ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ]

- ‌[كَرَامَةٌ لِوَلِيٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ]

- ‌[قِصَّةُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ]

- ‌[قِصَّةُ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ، وَكَلَامُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ]

- ‌[بَابٌ فِي كَلَامِ الْأَمْوَاتِ وَعَجَائِبِهِمْ]

- ‌[الصَّبِيُّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ فَدَعَا لَهُ عليه السلام، فَبَرَأَ]

- ‌[دُعَاؤُهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى بَعْضِ النَّاسِ]

- ‌[الْمَسَائِلُ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجَابَ فِيهَا بِمَا يُطَابِقُ الْحَقَّ]

- ‌[مُطَابَقَةُ قَوْلِ النَّبِيِّ لِمَا تَشْهَدُ بِهِ الْكُتُبُ السَّابِقَةُ]

- ‌[دَعْوَةُ النَّصَارَى إِلَى الْمُبَاهَلَةِ]

- ‌[اعْتِرَافُ الْيَهُودِ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[اشْتِمَالُ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى بِشَارَةِ النَّبِيِّ]

- ‌[جَوَابُهُ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ سَأَلَ عَمَّا سَأَلَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ]

- ‌[مَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْكَائِنَاتِ الْمُسْتَقْبِلَةِ فِي حَيَّاتِهِ وَبَعْدِهِ]

- ‌[إِخْبَارٌ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْمُسْتَقْبَلَةِ]

- ‌[الْإِخْبَارُ بِغُيُوبٍ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبِلَةٍ]

- ‌[تَرْتِيبُ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَا سَيَقَعُ مِنَ الْفِتَنِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْفِتَنِ الْوَاقِعَةِ فَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَقْتَلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَسِيَادَتُهُ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ غَزَاةِ الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُصَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ غَزْوَةِ الْهِنْدِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ قِتَالِ التُّرْكِ]

- ‌[خَبَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَوْتِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَقْتَلِ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ]

- ‌[خَبَرُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ عليه الصلاة والسلام بِمَا وَقَعَ مِنَ الْفِتَنِ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ عليه الصلاة والسلام بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ]

- ‌[مِنْ مُعْجِزَةِ رَسُولِ اللَّهِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَجَّاجِ فَتَى ثَقِيفٍ]

- ‌[الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ إِلَى دَوْلَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ]

- ‌[مَدْحُ النَّبِيِّ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ وَذَمُّهُ لِغَيْلَانَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَعِلْمِهِ]

- ‌[ذِكْرُ الْإِخْبَارِ بِانْخِرَامِ قَرْنِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ خُلَفَاءَ بَنِي أُمَيَّةَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمُورٍ وَقَعَتْ فِي دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشَّافِعِيِّ]

- ‌[مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُمَاثِلَةٌ لِمُعْجِزَاتِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ]

- ‌[مِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ]

- ‌[الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ نُوحٌ عليه السلام]

- ‌[خَبَرُ أَوَّلِ مَنِ اقْتَحَمَ دِجْلَةَ]

- ‌[خَبَرُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ لَمَّا جَاءَ إِلَى دِجْلَةَ]

- ‌[مَا أُوتِيَ هُودٌ عليه السلام]

- ‌[الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ صَالِحٌ عليه السلام]

- ‌[مِنْ مُعْجِزَاتِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عليه السلام]

- ‌[مِنْ آيَاتِ مُوسَى عليه السلام]

- ‌[أُعْطِيَ إِدْرِيسُ عليه السلام الرِّفْعَةَ]

- ‌[مَا أُوتِيَ دَاوُدُ عليه السلام]

- ‌[مَا أُوتِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السلام مِنَ الْمُعْجِزَاتِ]

- ‌[خَصَائِصُ وَمُعْجِزَاتُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام]

- ‌[مِنْ كَرَامَاتِ الْأَتْقِيَاءِ]

- ‌[الْأَعْمَى الَّذِي رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ بِدُعَاءِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فِي الزَّمَانِ وَوَفَيَاتُ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مُبَايَعَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ]

- ‌[خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ]

- ‌[أَبُو بَكْرٍ يُنْفِذُ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ]

- ‌[مَقْتَلُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ]

- ‌[صِفَةُ خُرُوجِهِ وَتَمْلِيكِهِ وَمَقْتَلِهِ]

- ‌[خُرُوجُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ]

- ‌[تَصَدِّي الصِّدِّيقِ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ]

- ‌[خُرُوجُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ]

- ‌[مَسِيرَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ]

- ‌[قِتَالُ خَالِدٍ فِي بُزَاخَةَ]

- ‌[أَبُو بَكْرٍ يَقْتُلُ الْفُجَاءَةَ]

- ‌[سَجَاحِ بِنْتُ الْحَارِثِ تَدَّعِي النُّبُوَّةَ]

- ‌[خَبَرُ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِيِّ التَّمِيمِيِّ]

- ‌[مَقْتَلُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ لَعَنَهُ اللَّهُ]

- ‌[رِدَّةُ أَهْلِ الْبَحْرِينِ]

- ‌[رِدَّةُ أَهْلِ عُمَانَ]

- ‌[مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ]

- ‌[سَنَةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[جُيُوشُ الصِّدِّيقِ وَأُمَرَاؤُهُ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ]

- ‌[بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْعِرَاقِ]

- ‌[خَالِدٌ يُحَاصِرُ الْخَوَرْنَقَ وَالسَّدِيرَ وَالنَّجَفَ]

- ‌[غَزْوَةُ ذَاتِ الْعُيُونِ]

- ‌[وَقْعَةُ عَيْنِ التَّمْرِ]

- ‌[خَبَرُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ]

- ‌[وَقْعَتَيِ الْحُصَيْدِ وَالْمُصَيَّخِ]

- ‌[وَقْعَةُ الْفِرَاضِ]

- ‌[مَا كَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[وَفَيَاتُ الْأَعْيَانِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ]

- ‌[سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[وَقْعَةُ الْيَرْمُوكِ]

- ‌[انْتِقَالُ إِمْرَةِ الشَّامِ مِنْ خَالِدٍ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ]

- ‌[وَقْعَةٌ جَرَتْ بِالْعِرَاقِ بَعْدَ مَجِيءِ خَالِدٍ إِلَى الشَّامِ]

- ‌[خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ]

- ‌[بِدَايَةُ خِلَافَتِهِ رضي الله عنه]

- ‌[فَتْحُ دِمَشْقَ]

- ‌[كِتَابُ الصُّلْحِ إِلَى أَهْلِ دِمَشْقَ]

- ‌[دِمَشْقُ هَلْ فُتِحَتْ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً]

- ‌[فَتْحُ الْبِقَاعِ]

- ‌[وَقْعَةُ فِحْلٍ]

- ‌[مَا وَقَعَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ]

- ‌[وَقْعَةُ النَّمَارِقِ]

- ‌[وَقْعَةُ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ]

- ‌[وَقْعَةُ الْبُوَيْبِ الَّتِي اقْتَصَّ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْفُرْسِ]

- ‌[بَعْثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى الْعِرَاقِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الْفُرْسِ عَلَى يَزْدَجِرْدَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْحَوَادِثِ]

- ‌[الْمُتَوَفَّوْنَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْقَادِسِيَّةُ]

- ‌[تَجْهِيزُ رُسْتُمَ لِلْخُرُوجِ لِسَعْدٍ]

- ‌[سَعْدٌ يَمْرَضُ فِي الْقَادِسِيَّةِ]

- ‌[مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذَا الْعَامِ مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[وَقْعَةُ حِمْصَ الْأُولَى]

- ‌[وَقْعَةُ قِنَّسْرِينَ]

- ‌[وَقْعَةُ قَيْسَارِيَّةَ]

- ‌[وَقْعَةُ أَجْنَادِينَ]

- ‌فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ

- ‌[وَقْعَةُ بَهُرَسِيرَ]

الفصل: ‌فتح بيت المقدس

عَمْرٌو إِلَى عُمَرَ يَسْتَمِدُّهُ وَيَقُولُ لَهُ: إِنِّي أُعَالِجُ حَرْبًا كَئُودًا صَدُومًا، وَبِلَادًا ادُّخِرَتْ لَكَ، فَرَأْيَكَ. فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى عُمَرَ عِلْمَ أَنَّ عَمْرًا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إِلَّا لِأَمْرٍ عَلِمَهُ، فَعَزَمَ عُمَرُ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى الشَّامِ لِ‌

‌فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ

كَمَا سَنَذْكُرُ تَفْصِيلَهُ.

قَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ شُيُوخِهِ: وَقَدْ دَخَلَ عُمَرُ الشَّامَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ; الْأُولَى كَانَ رَاكِبًا فَرَسًا حِينَ فَتَحَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَالثَّانِيَةَ عَلَى بَعِيرٍ، وَالثَّالِثَةَ وَصَلَ إِلَى سَرْعٍ، ثُمَّ رَجَعَ لِأَجْلِ مَا وَقَعَ بِالشَّامِ مِنَ الْوَبَاءِ، وَالرَّابِعَةَ دَخَلَهَا عَلَى حِمَارٍ. هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ.

[فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ]

ِ عَلَى يَدَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ رِوَايَةِ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ، وَمُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ، هُوَ وَغَيْرُهُ، أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ دِمَشْقَ، كَتَبَ إِلَى أَهْلِ إِيلِيَاءَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، أَوْ يَبْذُلُونَ الْجِزْيَةَ أَوْ يُؤْذَنُونَ بِحَرْبٍ. فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ. فَرَكِبَ إِلَيْهِمْ فِي جُنُودِهِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى دِمَشْقَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، ثُمَّ حَاصَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَجَابُوا إِلَى الصُّلْحِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْدَمَ إِلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ بِذَلِكَ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِأَنْ لَا يَرْكَبَ إِلَيْهِمْ ; لِيَكُونَ أَحْقَرَ

ص: 655

لَهُمْ وَأَرْغَمَ لِأُنُوفِهِمْ، وَأَشَارَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ ; لِيَكُونَ أَخَفَّ وَطْأَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي حِصَارِهِمْ بَيْنَهُمْ، فَهَوِيَ مَا قَالَ عَلِيٌّ وَلَمْ يَهْوَ مَا قَالَ عُثْمَانُ. وَسَارَ بِالْجُيُوشِ نَحْوَهُمْ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَسَارَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الشَّامِ تَلَقَّاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَرُءُوسُ الْأُمَرَاءِ كَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَتَرَجَّلَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَتَرَجَّلَ عُمَرُ، فَأَشَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِيُقَبِّلَ يَدَ عُمَرَ، فَهَمَّ عُمَرُ بِتَقْبِيلِ رِجْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَكَفَّ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَكَفَّ عُمَرُ. ثُمَّ سَارَ حَتَّى صَالَحَ نَصَارَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ إِجْلَاءَ الرُّومِ إِلَى ثَلَاثٍ، ثُمَّ دَخَلَهَا إِذْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَبَّى حِينَ دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَصَلَّى فِيهِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِمِحْرَابِ دَاوُدَ، وَصَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ فِيهِ صَلَاةَ الْغَدَاةِ مِنَ الْغَدِ، فَقَرَأَ فِي الْأَوْلَى بِسُورَةِ " ص " وَسَجَدَ فِيهَا وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ " بَنِي إِسْرَائِيلَ " ثُمَّ جَاءَ إِلَى الصَّخْرَةِ فَاسْتَدَلَّ عَلَى مَكَانِهَا مِنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ كَعْبٌ أَنْ يَجْعَلَ الْمَسْجِدَ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَالَ: ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ. ثُمَّ جَعَلَ الْمَسْجِدَ فِي قِبْلِيِّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهُوَ الْعُمَرِيُّ الْيَوْمَ، ثُمَّ نَقَلَ التُّرَابَ عَنِ الصَّخْرَةِ فِي طَرَفِ رِدَائِهِ وَقَبَائِهِ، وَنَقَلَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ. وَسَخَّرَ أَهْلَ الْأُرْدُنِّ فِي نَقْلِ بَقِيَّتِهَا، وَقَدْ كَانَتِ الرُّومُ جَعَلُوا الصَّخْرَةَ مَزْبَلَةً ; لِأَنَّهَا قِبْلَةَ الْيَهُودِ، حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تُرْسِلُ خِرْقَةَ حَيْضَتِهَا مِنْ دَاخِلِ الْحَوْزِ لِتُلْقَى فِي الصَّخْرَةِ، وَذَلِكَ مُكَافَأَةً لِمَا كَانَتِ الْيَهُودُ عَامَلَتْ بِهِ الْقُمَامَةَ، وَهِيَ الْمَكَانُ الَّذِي كَانَتِ الْيَهُودُ صَلَبُوا فِيهِ الْمَصْلُوبَ، فَجَعَلُوا يُلْقُونَ عَلَى قَبْرِهِ الْقُمَامَةَ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ سُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ الْقُمَامَةَ، وَانْسَحَبَ الِاسْمُ عَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي بَنَاهَا

ص: 656

النَّصَارَى هُنَالِكَ. وَقَدْ كَانَ هِرَقْلُ حِينَ جَاءَهُ الْكِتَابُ النَّبَوِيُّ وَهُوَ بِإِيلِيَاءَ، وَعَظَ النَّصَارَى فِيمَا كَانُوا قَدْ بَالَغُوا فِي إِلْقَاءِ الْكُنَاسَةِ عَلَى الصَّخْرَةِ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى مِحْرَابِ دَاوُدَ، قَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ لَخَلِيقٌ أَنْ تُقْتَلُوا عَلَى هَذِهِ الْكُنَاسَةِ مِمَّا امْتَهَنْتُمْ هَذَا الْمَسْجِدَ، كَمَا قُتِلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى دَمِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا. ثُمَّ أُمِرُوا بِإِزَالَتِهَا، فَشَرَعُوا فِي ذَلِكَ، فَمَا أَزَالُوا ثُلُثَهَا حَتَّى فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فَأَزَالَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَقَدِ اسْتَقْصَى هَذَا كُلَّهُ بِأَسَانِيدِهِ وَمُتُونِهِ الْحَافِظُ بَهَاءُ الدِّينِ ابْنُ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ " الْمُسْتَقْصَى فِي فَضَائِلِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ".

وَذَكَرَ سَيْفٌ فِي سِيَاقِهِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه، رَكِبَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى فَرَسٍ ; لِيُسْرِعَ السَّيْرَ بَعْدَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَسَارَ حَتَّى قَدِمَ الْجَابِيَةَ، فَنَزَلَ بِهَا وَخَطَبَ بِالْجَابِيَةِ خُطْبَةً طَوِيلَةً بَلِيغَةً، مِنْهَا: أَيُّهَا النَّاسُ، أَصْلِحُوا سَرَائِرَكُمْ تَصْلُحْ عَلَانِيَتُكُمْ، وَاعْمَلُوا لِآخِرَتِكُمْ تُكْفَوْا أَمْرَ دُنْيَاكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ رَجُلًا لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ أَبٌ حَيٌّ وَلَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ هَوَادَةٌ، فَمَنْ أَرَادَ لَحْبَ وَجْهِ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ ; فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَعَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، وَلَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ ; فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا، وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَهِيَ خُطْبَةٌ طَوِيلَةٌ اخْتَصَرْنَاهَا. ثُمَّ صَالَحَ عُمَرُ أَهْلَ الْجَابِيَةِ وَرَحَلَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

ص: 657

وَقَدْ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يُوَافُوهُ فِي الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ إِلَى الْجَابِيَةِ، فَتَوَافَوْا أَجْمَعُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى الْجَابِيَةِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَلَقَّاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ، ثُمَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خُيُولِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ يَلَامِقُ الدِّيبَاجِ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ عُمَرُ لِيَحْصِبَهُمْ، فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ بِأَنَّ عَلَيْهِمُ السِّلَاحَ، وَأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي حُرُوبِهِمْ، فَسَكَتَ عَنْهُمْ وَاجْتَمَعَ الْأُمَرَاءُ كُلُّهُمْ بَعْدَمَا اسْتَخْلَفُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ سِوَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَشُرَحْبِيلَ فَإِنَّهُمَا مُوَافِقَانِ الْأَرْطَبُونَ بِأَجْنَادِينَ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ فِي الْجَابِيَةِ إِذَا بِكُرْدُوسٍ مِنَ الرُّومِ بِأَيْدِيهِمْ سُيُوفٌ مُسَلَّلَةٌ، فَسَارَ إِلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ بِالسِّلَاحِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَسْتَأْمِنُونَ. فَسَارُوا نَحْوَهُمْ، فَإِذَا هُمْ جُنْدٌ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ وَالصُّلْحَ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ سَمِعُوا بِقُدُومِهِ، فَأَجَابَهُمْ عُمَرُ، رضي الله عنه، إِلَى مَا سَأَلُوا، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابَ أَمَانٍ وَمُصَالَحَةٍ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا ذَكَرَهَا ابْنُ جَرِيرٍ، وَشَهِدَ فِي الْكِتَابِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ كَاتِبُ الْكِتَابِ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ.

ثُمَّ كَتَبَ لِأَهْلِ لُدٍّ وَمَنْ هُنَالِكَ مِنَ النَّاسِ كِتَابًا آخَرَ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، وَدَخَلُوا فِيمَا صَالَحَ عَلَيْهِ أَهْلَ إِيلِيَاءَ. وَفَرَّ الْأَرْطَبُونُ إِلَى بِلَادِ مِصْرَ، فَكَانَ بِهَا حَتَّى فَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، ثُمَّ فَرَّ إِلَى الْبَحْرِ، فَكَانَ يَلِي بَعْضَ السَّرَايَا الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ، فَظَفِرَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ، فَقَطَعَ يَدَ الْقَيْسِيِّ، وَقَتَلَهُ الْقَيْسِيُّ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ:

فَإِنْ يَكُنْ أَرْطَبُونُ الرُّومِ أَفْسَدَهَا

فَإِنَّ فِيهَا بِحَمْدِ اللَّهِ مُنْتَفَعَا

ص: 658

وَإِنْ يَكُنْ أَرْطَبُونُ الرُّومِ قَطَّعَهَا

فَقَدْ تَرَكْتُ بِهَا أَوْصَالَهُ قِطَعَا.

وَلَمَّا صَالَحَ أَهْلَ الرَّمْلَةِ وَتِلْكَ الْبِلَادَ، أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَشُرَحْبِيلُ ابْنُ حَسَنَةَ حَتَّى قَدِمَا الْجَابِيَةَ، فَوَجَدَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَاكِبًا، فَلَمَّا اقْتَرَبَا مِنْهُ أَكَبَّا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَبَّلَاهَا وَاعْتَنَقَهُمَا عُمَرُ مَعًا، رضي الله عنهم.

قَالَ سَيْفٌ: ثُمَّ سَارَ عُمَرُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنَ الْجَابِيَةِ، وَقَدْ تَوَجَّى فَرَسُهُ، فَأَتَوْهُ بِبِرْذَوْنٍ، فَرَكِبَهُ فَجَعَلَ يُهَمْلِجُ بِهِ، فَنَزَلَ عَنْهُ وَضَرَبَ وَجْهَهُ، وَقَالَ: لَا عَلَّمَ اللَّهُ مَنْ عَلَّمَكَ، هَذَا مِنَ الْخُيَلَاءِ. ثُمَّ لَمْ يَرْكَبْ بِرْذَوْنًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فَفُتِحَتْ إِيلِيَاءُ وَأَرْضُهَا عَلَى يَدَيْهِ مَا خَلَا أَجْنَادِينَ فَعَلَى يَدَيْ عَمْرٍو، وَقَيْسَارِيَّةَ فَعَلَى يَدَيْ مُعَاوِيَةَ. هَذَا سِيَاقُ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ، وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السِّيَرِ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حِصْنِ بْنِ عَلَّاقٍ قَالَ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدَةَ: فُتِحَتْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَفِيهَا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْجَابِيَةَ. .

وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ دُحَيْمٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: ثُمَّ عَادَ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ، فَرَجَعَ مِنْ سَرْعٍ، ثُمَّ قَدِمَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ

ص: 659

الْأُمَرَاءُ، وَسَلَّمُوا إِلَيْهِ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ فَقَسَمَهَا وَجَنَّدَ الْأَجْنَادَ وَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثُمَّ كَانَ فَتْحُ الْجَابِيَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ. وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: ثُمَّ كَانَ عَمَوَاسُ وَالْجَابِيَةُ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ ثُمَّ كَانَتْ سَرْعٌ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ، ثُمَّ كَانَ عَامُ الرَّمَادَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ. قَالَ: وَكَانَ فِيهَا طَاعُونُ عَمَوَاسَ. يَعْنِي فَتْحَ الْبَلْدَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِعَمَوَاسَ، فَأَمَّا الطَّاعُونُ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهَا، فَكَانَ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ. كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ فَرَأَى غُوطَةَ دِمَشْقَ، وَنَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْقُصُورِ وَالْبَسَاتِينِ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى:{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الدخان: 25]

[الدُّخَانِ: 25 - 28] . ثُمَّ أَنْشَدَ قَوْلَ النَّابِغَةِ:.

هُمَا فَتَيَا دَهْرٍ يَكُرُّ عَلَيْهِمَا

نَهَارٌ وَلَيْلٌ يَلْحَقَانِ التَّوَالِيَا

إِذَا مَا هُمَا مَرَّا بِحَيٍّ بِغِبْطَةٍ

أَنَاخَا بِهِمْ حَتَّى يُلَاقُوا الدَّوَاهِيَا

وَهَذَا يَقْتَضِي بَادِيَ الرَّأْيِ أَنَّهُ دَخَلَ دِمَشْقَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ دَخَلَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ قَدَمَاتِهِ الثَّلَاثِ إِلَى الشَّامِ ; أَمَّا الْأُولَى، وَهِيَ هَذِهِ، فَإِنَّهُ

ص: 660

سَارَ مِنَ الْجَابِيَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، كَمَا ذَكَرَ سَيْفٌ وَغَيْرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَمَّا رِوَايَةُ أَهْلِ الشَّامِ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ الشَّامَ مَرَّتَيْنِ، وَرَجَعَ الثَّالِثَةَ مِنْ سَرْعٍ، فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَإِنَّمَا قَدِمَ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامَ الْجَابِيَةِ حِينَ صَالَحَ أَهْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَرَجَعَ مِنْ سَرْعٍ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَهُمْ يَقُولُونَ: دَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ دِمَشْقَ وَحِمْصَ، وَأَنْكَرَ الْوَاقِدِيُّ ذَلِكَ.

قُلْتُ: وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ دَخَلَ دِمَشْقَ إِلَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي " سِيرَتِهِ ".

وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ عُمَرَ حِينَ دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ، عَنْ مَكَانِ الصَّخْرَةِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذْرِعْ مِنَ الْحَائِطِ الَّذِي يَلِي وَادِي جَهَنَّمَ، كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا فَهِيَ ثَمَّ. فَذَرَعُوا فَوَجَدُوهَا وَقَدِ اتَّخَذَهَا النَّصَارَى مَزْبَلَةً كَمَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ بِمَكَانِ الْقُمَامَةِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ الْمَصْلُوبُ الَّذِي شُبِّهَ بِعِيسَى، فَاعْتَقَدَتِ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ أَنَّهُ الْمَسِيحُ، وَقَدْ كَذَبُوا فِي اعْتِقَادِهِمْ هَذَا كَمَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خَطَإِهِمْ فِي ذَلِكَ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّصَارَى لَمَّا حَكَمُوا عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ الْبِعْثَةِ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ، طَهَّرُوا مَكَانَ الْقُمَامَةِ، وَاتَّخَذُوهُ كَنِيسَةً هَائِلَةً بَنَتْهَا أَمُّ الْمَلِكِ

ص: 661

قُسْطَنْطِينَ بَانِي الْمَدِينَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِ، وَاسْمُ أُمِّهِ هَيْلَانَةُ الْحَرَّانِيَّةُ الْفُنْدُقَانِيَّةُ، وَأَمَرَتِ ابْنَهَا فَبَنَى لِلنَّصَارَى بَيْتَ لَحْمٍ عَلَى مَوْضِعِ الْمِيلَادِ، وَبَنَتْ هِيَ عَلَى مَوْضِعِ الْقَبْرِ، فِيمَا يَزْعُمُونَ. وَالْغَرَضُ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا مَكَانَ قِبْلَةِ الْيَهُودِ مَزْبَلَةً أَيْضًا، فِي مُقَابَلَةِ مَا صَنَعُوا فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ، فَلَمَّا فَتَحَ عُمَرُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَتَحَقَّقَ مَوْضِعَ الصَّخْرَةِ، أَمَرَ بِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْكُنَاسَةِ حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ كَنَسَهَا بِرِدَائِهِ ثُمَّ اسْتَشَارَ كَعْبًا أَيْنَ يَضَعُ الْمَسْجِدَ؟ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ وَرَاءِ الصَّخْرَةِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: يَا ابْنَ أُمِّ كَعْبٍ، ضَارَعْتَ الْيَهُودِيَّةَ، وَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فِي مُقَدَّمِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ وَأَبِي مَرْيَمَ وَأَبِي شُعَيْبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ بِالْجَابِيَةِ، فَذَكَرَ فَتَحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ: قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: فَحَدَّثَنِي أَبُو سِنَانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ، سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِكَعْبٍ: أَيْنَ تُرَى أَنْ أَصَلِّيَ؟ قَالَ: إِنْ أَخَذْتَ عَنِّي صَلَّيْتَ خَلْفَ الصَّخْرَةِ، فَكَانَتِ الْقُدْسُ كُلُّهَا بَيْنَ يَدَيْكَ. فَقَالَ عُمَرُ: ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ، لَا وَلَكِنْ أُصَلِّي حَيْثُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَتَقَدَّمَ إِلَى الْقِبْلَةِ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ وَكَنَسَ الْكُنَاسَةَ فِي رِدَائِهِ وَكَنَسَ النَّاسُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ اخْتَارَهُ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْمُسْتَخْرَجِ ". وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى رِجَالِهِ فِي كِتَابِنَا الَّذِي أَفْرَدْنَاهُ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ، مَا

ص: 662

رَوَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ، وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْآثَارِ الْمَوْقُوفَةِ مُبَوَّبًا عَلَى أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَقَدْ رَوَى سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ شُيُوخِهِ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ عُمَرُ الشَّامَ تَلَقَّاهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودِ دِمَشْقَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا فَارُوقُ، أَنْتَ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ، لَا هَا اللَّهِ لَا تَرْجِعْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ إِيلِيَاءَ.

وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الدِّينَوَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَدِمَ دِمَشْقَ فِي تُجَّارٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا خَرَجُوا تَخَلَّفَ عُمَرُ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الْبَلَدِ إِذَا هُوَ بِبِطْرِيقٍ يَأْخُذُ بِعُنُقِهِ، فَذَهَبَ يُنَازِعُهُ فَلَمْ يَقْدِرْ، فَأَدْخَلَهُ دَارًا فِيهَا تُرَابٌ وَفَأْسٌ وَمِجْرَفَةٌ وَزِنْبِيلٌ، وَقَالَ لَهُ: حَوِّلْ هَذَا مِنْ هَا هُنَا إِلَى هَا هُنَا. وَغَلَّقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَانْصَرَفَ، فَلَمْ يَجِئْ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ. قَالَ: وَجَلَسْتُ مُفَكِّرًا، وَلَمْ أَفْعَلْ مِمَّا قَالَ لِي شَيْئًا. فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: مَا لَكَ لَمْ تَفْعَلْ؟ وَلَكَمَنِي فِي رَأْسِي بِيَدِهِ، قَالَ: فَأَخَذْتُ الْفَأْسَ فَضَرَبْتُهُ بِهَا فَقَتَلْتُهُ، وَخَرَجْتُ عَلَى وَجْهِي فَجِئْتُ دَيْرًا لِرَاهِبٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ مِنَ الْعَشِيِّ، فَأَشْرَفَ عَلَيَّ، فَنَزَلَ وَأَدْخَلَنِي الدَّيْرَ فَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَأَتْحَفَنِي، وَجَعَلَ يُحَقِّقُ النَّظَرَ فِيَّ، وَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرِي، فَقُلْتُ: إِنِّي أَضْلَلْتُ عَنْ أَصْحَابِي. فَقَالَ: إِنَّكَ

ص: 663

لَتَنْظُرُ بِعَيْنِ خَائِفٍ. وَجَعَلَ يَتَوَسَّمُنِي، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ أَهْلُ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِهِمْ، وَإِنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي تُخْرِجُنَا مِنْ بِلَادِنَا هَذِهِ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمَانٍ عَلَى دَيْرِي هَذَا؟ فَقُلْتُ: يَا هَذَا، لَقَدْ ذَهَبْتَ غَيْرَ مَذْهَبٍ. فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى كَتَبْتُ لَهُ صَحِيفَةً بِمَا طَلَبَ مِنِّي، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الِانْصِرَافِ أَعْطَانِي أَتَانًا، فَقَالَ لِيَ: ارْكَبْهَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَى أَصْحَابِكَ فَابْعَثْ إِلَيَّ بِهَا وَحْدَهَا فَإِنَّهَا لَا تَمُرُّ بِدَيْرٍ إِلَّا أَكْرَمُوهَا. فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ لِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَتَاهُ ذَلِكَ الرَّاهِبُ وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ بِتِلْكَ الصَّحِيفَةِ، فَأَمْضَاهَا لَهُ عُمَرُ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُرْشِدَهُمْ إِلَى الطَّرِيقِ. رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ سَاقَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فِي تَرْجَمَةِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ الْقُرَشِيِّ الْبَلْقَاوِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا عَجِيبًا، هَذَا بَعْضُهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الشُّرُوطَ الْعُمَرِيَّةَ عَلَى نَصَارَى الشَّامِ مُطَوَّلًا فِي كِتَابِنَا " الْأَحْكَامِ " وَأَفْرَدْنَا لَهُ مُصَنَّفًا عَلَى حِدَةٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا خُطْبَتَهُ فِي الْجَابِيَةِ بِأَلْفَاظِهَا وَأَسَانِيدِهَا فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَفْرَدْنَاهُ لِمُسْنَدِ عُمَرَ، وَذَكَرْنَا تَوَاضُعَهُ فِي دُخُولِهِ الشَّامَ فِي السِّيرَةِ الَّتِي أَفْرَدْنَاهَا لَهُ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ ثَعْلَبٍ، نَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الشَّامِيِّ قَالَ:

ص: 664

قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْجَابِيَةَ عَلَى طَرِيقِ إِيلِيَاءَ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ تَلُوحُ صَلْعَتُهُ لِلشَّمْسِ، لَيْسَ عَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ وَلَا عِمَامَةٌ، تَصْطَفِقُ رِجْلَاهُ بَيْنَ شُعْبَتِي الرَّحْلِ بِلَا رِكَابٍ، وِطَاؤُهُ كِسَاءٌ أَنْبِجَانِيٌّ ذُو صُوفٍ، هُوَ وِطَاؤُهُ إِذَا رَكِبَ، وَفِرَاشُهُ إِذَا نَزَلَ، حَقِيبَتُهُ نَمِرَةٌ أَوْ شَمْلَةٌ مَحْشُوَّةٌ لِيفًا، هِيَ حَقِيبَتُهُ إِذَا رَكِبَ، وَوِسَادَتُهُ إِذَا نَزَلَ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ مِنْ كَرَابِيسَ قَدْ دَسِمَ وَتَخَرَّقَ جَيْبُهُ. فَقَالَ: ادْعُوا لِي رَأْسَ الْقَوْمِ. فَدَعَوْا لَهُ الْجَلَوْمَسَ، فَقَالَ: اغْسِلُوا قَمِيصِي وَخَيِّطُوهُ، وَأَعِيرُونِي قَمِيصًا أَوْ ثَوْبًا، فَأُتِيَ بِقَمِيصِ كَتَّانٍ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: كَتَّانٌ. قَالَ: وَمَا الْكَتَّانُ؟ فَأَخْبَرُوهُ، فَنَزَعَ قَمِيصَهُ فَغُسِلَ وَرُقِّعَ، وَأُتِيَ بِهِ، فَنَزْعَ قَمِيصَهُمْ وَلَبِسَ قَمِيصَهُ. فَقَالَ لَهُ الْجَلَوْمَسُ: أَنْتَ مِلْكُ الْعَرَبِ، وَهَذِهِ بِلَادٌ لَا تَصْلُحُ بِهَا الْإِبِلُ. فَأُتِيَ بِبِرْذَوْنٍ فَطُرِحَ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ بِلَا سَرْجٍ وَلَا رَحْلٍ، فَرَكِبَهُ فَقَالَ: احْبِسُوا احْبِسُوا، مَا كُنْتُ أَظُنُّ النَّاسَ يَرْكَبُونَ الشَّيْطَانَ قَبْلَ هَذَا، هَاتُوا جَمَلِي. فَأُتِيَ بِجَمَلِهِ فَرَكِبَهُ.

ص: 665

وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ الطَّائِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ عَرَضَتْ لَهُ مَخَاضَةٌ، فَنَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ وَنَزَعَ مُوقَيْهِ، فَأَمْسَكَهُمَا بِيَدِهِ وَخَاضَ الْمَاءَ وَمَعَهُ بَعِيرُهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ صَنِيعًا عَظِيمًا عِنْدَ أَهْلِ الْأَرْضِ ; صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَصَكَّ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: أَوْهِ، لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ! إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَذَلَّ النَّاسِ وَأَحْقَرَ النَّاسِ وَأَقَلَّ النَّاسِ، فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَمَهْمَا تَطْلُبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِهِ يُذِلَّكُمُ اللَّهُ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ - كَانَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفَارِسَ وَقَعَاتٌ فِي قَوْلِ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيُّ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَعَاتٍ كَثِيرَةً كَانَتْ بَيْنَهُمْ، وَذَلِكَ حِينَ بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْمَدَائِنِ، وَأَنْ يُخَلِّفَ النِّسَاءَ وَالْعِيَالَ بِالْعَقِيقِ فِي خَيْلٍ كَثِيرَةٍ كَثِيفَةٍ، فَلَمَّا تَفَرَّغَ سَعْدٌ مِنْ أَمْرِ الْقَادِسِيَّةِ بَعَثَ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ زُهْرَةَ بْنَ حَوِيَّةَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِالْأُمَرَاءِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، ثُمَّ سَارَ فِي الْجُيُوشِ، وَقَدْ جَعَلَ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى خِلَافَتِهِ مَكَانَ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ، وَجَعَلَ خَالِدًا هَذَا عَلَى السَّاقَةِ، فَسَارُوا فِي خُيُولٍ عَظِيمَةٍ، وَسِلَاحٍ كَثِيرٍ، وَذَلِكَ

ص: 666