الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْيَمَامَةِ فَقَالَ: أَيْنَ مُسَيْلِمَةُ؟ قَالُوا: مَهْ، رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ: لَا، حَتَّى أَرَاهُ. فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: أَنْتَ مُسَيْلِمَةُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَنْ يَأْتِيكَ؟ قَالَ: رَحْمَنٌ. قَالَ: أَفِي نُورٍ أَمْ فِي ظُلْمَةٍ؟ فَقَالَ: فِي ظُلْمَةٍ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ كَذَّابٌ وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَادِقٌ، وَلَكِنْ كَذَّابُ رَبِيعَةَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ صَادَقِ مُضَرَ. وَاتَّبَعَهُ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ الْجِلْفُ، لَعَنَهُ اللَّهُ، حَتَّى قُتِلَ مَعَهُ يَوْمَ عَقْرَبَاءَ، لَا رحمه الله.
[رِدَّةُ أَهْلِ الْبَحْرِينِ]
ذَكْرُ رِدَّةِ أَهْلِ الْبَحْرِينِ وَعَوْدِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ.
كَانَ مِنْ خَبَرِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَدْ بَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى مَلِكِهَا الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَأَقَامَ فِيهِمُ الْإِسْلَامَ وَالْعَدْلَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ الْمُنْذِرُ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، وَكَانَ قَدْ حَضَرَ عِنْدَهُ فِي مَرَضِهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَمْرُو، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْعَلُ لِلْمَرِيضِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الثُّلُثَ. قَالَ: مَاذَا أَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ تَصَدَّقَتْ بِهِ عَلَى أَقْرِبَائِكَ، وَإِنْ شِئْتَ عَلَى الْمَحَاوِيجِ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ صَدَقَةً مِنْ بَعْدِكَ حَبْسًا مُحَرَّمًا، فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَجْعَلَهُ كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي، وَلَكِنِّي أَتَصَدَّقُ بِهِ. فَفَعَلَ، وَمَاتَ فَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَتَعَجَّبُ مِنْهُ، فَلَمَّا مَاتَ الْمُنْذِرُ ارْتَدَّ أَهْلُ الْبَحْرَيْنِ وَمَلَّكُوا عَلَيْهِمُ الْغَرُورَ، وَهُوَ
الْمُنْذِرُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيًّا مَا مَاتَ. وَلَمْ يَبْقَ بِهَا بَلْدَةٌ عَلَى الثَّبَاتِ سِوَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: جُوَاثَى. كَانَتْ أَوَّلَ قَرْيَةٍ أَقَامَتِ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ حَاصَرَهُمُ الْمُرْتَدُّونَ وَضَيَّقُوا عَلَيْهِمْ، حَتَّى مُنِعُوا مِنَ الْأَقْوَاتِ وَجَاعُوا جَوْعًا شَدِيدًا حَتَّى فَرَّجَ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَذَفٍ أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ، وَقَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْجُوعُ:
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ رَسُولًا
…
وَفِتْيَانَ الْمَدِينَةِ أَجَمْعِينَا
فَهَلْ لَكَمُ إِلَى قَوْمٍ كِرَامٍ
…
قُعُودٍ فِي جُوَاثَى مُحْصَرِينَا
كَأَنَّ دِمَاءَهُمْ فِي كُلِّ فَجٍّ
…
شُعَاعُ الشَّمْسِ يَغْشَى النَّاظِرِينَا
تَوَكَّلْنَا عَلَى الرَّحْمَنِ إِنَّا
…
وَجَدْنَا الصَّبْرَ لِلْمُتَوَكِّلِينَا
وَقَدْ قَامَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَهُوَ الْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى، وَكَانَ مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا، وَقَدْ جَمَعَهُمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ عَبْدِ الْقَيْسِ، إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ أَمْرٍ، فَأَخْبِرُونِي إِنْ عَلِمْتُمُوهُ وَلَا تُجِيبُونِي إِنْ لَمْ تَعْلَمُوهُ. فَقَالُوا: سَلْ. قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ لِلَّهِ أَنْبِيَاءُ قَبْلَ مُحَمَّدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: تَعْلَمُونَهُ أَمْ تَرَوْنَهُ؟ قَالُوا: نَعْلَمُهُ. قَالَ: فَمَا فَعَلُوا؟ قَالُوا: مَاتُوا. قَالَ: فَإِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مَاتَ كَمَا مَاتُوا، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالُوا: وَنَحْنُ أَيْضًا نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْتَ أَفْضَلُنَا وَسَيِّدُنَا، وَثَبَتُوا عَلَى إِسْلَامِهِمْ، وَتَرَكُوا بَقِيَّةَ النَّاسِ فِيمَا هُمْ فِيهِ. وَبَعَثَ الصِّدِّيقُ، رضي الله عنه، كَمَا قَدَّمْنَا إِلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْبَحْرَيْنِ، جَاءَ إِلَيْهِ ثُمَامَةُ بْنُ
أَثَالٍ فِي جَحْفَلٍ كَثِيرٍ، وَجَاءَ كُلُّ أُمَرَاءِ تِلْكَ النَّوَاحِي، فَانْضَافُوا إِلَى جَيْشِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَأَكْرَمَهُمُ الْعَلَاءُ وَتَرَحَّبَ بِهِمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ. وَقَدْ كَانَ الْعَلَاءُ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ الْعُلَمَاءِ الْعُبَّادِ مُجَابِي الدَّعْوَةِ، اتَّفَقَ لَهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلًا، فَلَمْ يَسْتَقِرَّ النَّاسُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى نَفَرَتِ الْإِبِلُ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ زَادِ الْجَيْشِ وَخِيَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ، وَبَقُوا عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ سِوَى ثِيَابِهِمْ، وَذَلِكَ لَيْلًا، وَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهَا عَلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ، فَرَكِبَ النَّاسُ مِنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوَصَفُ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُوصِي إِلَى بَعْضٍ، فَنَادَى مُنَادِي الْعَلَاءِ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَسْتُمُ الْمُسْلِمِينَ؟ أَلَسْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ أَلَسْتُمْ أَنْصَارَ اللَّهِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَأَبْشِرُوا، فَوَاللَّهِ لَا يَخْذِلُ اللَّهُ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِكُمْ. وَنُودِيَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَجَثَا النَّاسُ، وَنَصِبَ فِي الدُّعَاءِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَفَعَلَ النَّاسُ مِثْلَهُ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى سَرَابِ الشَّمْسِ يَلْمَعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَهُوَ يَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ، فَلَمَّا لَمَعَ الثَّالِثَةَ إِذَا قَدْ خَلَقَ اللَّهُ إِلَى جَانِبِهِمْ غَدِيرًا عَظِيمًا مِنَ الْمَاءِ الْقَرَاحِ، فَمَشَى وَمَشَى النَّاسُ إِلَيْهِ، فَشَرِبُوا وَاغْتَسَلُوا فَمَا تَعَالَى النَّهَارُ حَتَّى أَقْبَلَتِ الْإِبِلُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ بِمَا عَلَيْهَا، لَمْ يَفْقِدِ النَّاسُ مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ سِلْكًا، فَسَقَوُا الْإِبِلَ عَلَلًا بَعْدَ نَهَلٍ، فَكَانَ هَذَا مِمَّا عَايَنَ النَّاسُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ بِهَذِهِ السَّرِيَّةِ، ثُمَّ لَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ جُيُوشِ الْمُرْتَدَّةِ - وَقَدْ حَشَدُوا وَجَمَعُوا خَلْقًا عَظِيمًا - نَزَلَ وَنَزَلُوا، وَبَاتُوا مُتَجَاوِرِينَ فِي الْمَنَازِلِ، فَبَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي
اللَّيْلِ إِذْ سَمِعَ الْعَلَاءُ أَصْوَاتًا عَالِيَةً فِي جَيْشِ الْمُرْتَدِّينَ، فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْشِفُ لَنَا خَبَرَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَذَفٍ، فَدَخَلَ فِيهِمْ فَوَجَدَهُمْ سُكَارَى لَا يَعْقِلُونَ مِنَ الشَّرَابِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَرَكِبَ الْعَلَاءُ مِنْ فَوْرِهِ هُوَ وَالْجَيْشُ مَعَهُ، فَكَبَسُوا أُولَئِكَ فَقَتَلُوهُمْ قَتْلًا عَظِيمًا، وَقَلَّ مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ، وَاسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ وَحَوَاصِلِهِمْ وَأَثْقَالِهِمْ، فَكَانَتْ غَنِيمَةً عَظِيمَةً جَسِيمَةً وَكَانَ الْحُطَمُ بْنُ ضُبَيْعَةَ - أَخُو بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ مِنْ سَادَاتِ الْقَوْمِ - نَائِمًا، فَقَامَ دَهِشًا حِينَ اقْتَحَمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، فَرَكِبَ جَوَادَهُ، فَانْقَطَعَ رِكَابُهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: مَنْ يُصْلِحُ لِي رِكَابِي؟ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي اللَّيْلِ فَقَالَ: أَنَا أُصْلِحُهَا لَكَ، ارْفَعْ رَجْلَكَ. فَلَمَّا رَفَعَهَا ضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَطْعَهَا مَعَ قَدَمِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَجْهِزْ عَلَيَّ. فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ. فَوَقَعَ صَرِيعًا، كُلَّمَا مَرَّ بِهِ أَحَدٌ يَسْأَلُهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَيَأْبَى، حَتَّى مَرَّ بِهِ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ فَقَالَ لَهُ: أَنَا الْحُطَمُ فَاقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ. فَلَمَّا رَأَى رِجْلَهُ مَقْطُوعَةً نَدِمَ عَلَى قَتْلِهِ وَقَالَ: وَاسَوْأَتَاهْ، لَوْ أَعْلَمُ مَا بِهِ لَمْ أُحَرِّكْهُ. ثُمَّ رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ فِي آثَارِ الْمُنْهَزِمِينَ، يَقْتُلُونَهُمْ بِكُلِّ مَرْصَدٍ وَطَرِيقٍ، وَذَهَبَ مَنْ فَرَّ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ فِي الْبَحْرِ إِلَى دَارِينَ، رَكِبُوا إِلَيْهَا السُّفُنَ، ثُمَّ شَرَعَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَنَفْلِ الْأَنْفَالِ، وَفَرَغَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى دَارِينَ ; لِنَغْزُوَ مَنْ بِهَا مِنَ الْأَعْدَاءِ، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ سَرِيعًا، فَسَارَ بِهِمْ حَتَّى أَتَى سَاحِلَ الْبَحْرِ ; لِيَرْكَبُوا فِي السُّفُنِ، فَرَأَى أَنَّ الشُّقَّةَ بَعِيدَةٌ، لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِمْ فِي السُّفُنِ حَتَّى
يَذْهَبَ أَعْدَاءُ اللَّهِ، فَاقْتَحَمَ الْبَحْرَ بِفَرَسِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، يَا حَلِيمُ يَا كَرِيمُ، يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ، يَا حَيُّ يَا مُحْيِي الْمَوْتَى، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ يَا رَبَّنَا. وَأَمَرَ الْجَيْشَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَيَقْتَحِمُوا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَأَجَازَ بِهِمُ الْخَلِيجَ بِإِذْنِ اللَّهِ يَمْشُونَ عَلَى مِثْلِ رَمْلَةٍ دَمِثَةٍ، فَوْقَهَا مَاءٌ لَا يَغْمُرُ أَخْفَافَ الْإِبِلِ، وَلَا يَصِلُ إِلَى رُكَبِ الْخَيْلِ، وَمَسِيرَتُهُ لِلسُّفُنِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقَطَعَهُ إِلَى السَّاحِلِ الْآخَرِ، فَقَاتَلَ عَدُوَّهُ وَقَهَرَهُمْ، وَاحْتَازَ غَنَائِمَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَطَعَهُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَعَادَ إِلَى مَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَوْمٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ مِنَ الْعَدُوِّ مُخْبِرًا، وَاسْتَاقَ الذَّرَارِيَّ وَالْأَنْعَامَ وَالْأَمْوَالَ، وَلَمْ يَفْقِدِ الْمُسْلِمُونَ فِي الْبَحْرِ شَيْئًا سِوَى عُلَّيْقَةِ فَرَسٍ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ هَذَا رَجَعَ الْعَلَاءُ فَجَاءَهُ بِهَا، ثُمَّ قَسَّمَ غَنَائِمَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ، فَأَصَابَ الْفَارِسُ أَلْفَيْنِ وَالرَّاجِلُ أَلْفًا، مَعَ كَثْرَةِ الْجَيْشِ، وَكَتَبَ إِلَى الصِّدِّيقِ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ، فَبَعَثَ الصِّدِّيقُ يَشْكُرُهُ عَلَى مَا صَنَعَ، وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مُرُورِهِمْ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ ذَلَّلَ بِحَرَهُ
…
وَأَنْزَلَ بِالْكُفَّارِ إِحْدَى الْجَلَائِلِ
دَعَوْنَا الَّذِي شَقَّ الْبِحَارَ فَجَاءَنَا
…
بِأَعْجَبَ مِنْ فَلْقِ الْبِحَارِ الْأَوَائِلِ
وَقَدْ ذَكَرَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِفِ