المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[خبر أبي مسلم الخولاني لما جاء إلى دجلة] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٩

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَيَوَانَاتِ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ]

- ‌[مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِىِّ]

- ‌[سُجُودُ الْغَنَمِ لَهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[قِصَّةُ الذِّئْبِ وَشَهَادَتُهُ بِالرِّسَالَةِ]

- ‌[الْوَحْشُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[قِصَّةُ الْأَسَدِ]

- ‌[حَدِيثُ الْغَزَالَةِ]

- ‌[حَدِيثُ الضَّبِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ النَّكَارَةِ وَالْغَرَابَةِ]

- ‌[حَدِيثُ الْحِمَارِ]

- ‌[حَدِيثُ الْحُمَّرَةِ وَهِيَ طَائِرٌ مَشْهُورٌ]

- ‌[كَرَامَةٌ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ]

- ‌[كَرَامَةٌ لِوَلِيٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ]

- ‌[قِصَّةُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ]

- ‌[قِصَّةُ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ، وَكَلَامُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ]

- ‌[بَابٌ فِي كَلَامِ الْأَمْوَاتِ وَعَجَائِبِهِمْ]

- ‌[الصَّبِيُّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ فَدَعَا لَهُ عليه السلام، فَبَرَأَ]

- ‌[دُعَاؤُهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى بَعْضِ النَّاسِ]

- ‌[الْمَسَائِلُ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجَابَ فِيهَا بِمَا يُطَابِقُ الْحَقَّ]

- ‌[مُطَابَقَةُ قَوْلِ النَّبِيِّ لِمَا تَشْهَدُ بِهِ الْكُتُبُ السَّابِقَةُ]

- ‌[دَعْوَةُ النَّصَارَى إِلَى الْمُبَاهَلَةِ]

- ‌[اعْتِرَافُ الْيَهُودِ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[اشْتِمَالُ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى بِشَارَةِ النَّبِيِّ]

- ‌[جَوَابُهُ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ سَأَلَ عَمَّا سَأَلَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ]

- ‌[مَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْكَائِنَاتِ الْمُسْتَقْبِلَةِ فِي حَيَّاتِهِ وَبَعْدِهِ]

- ‌[إِخْبَارٌ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْمُسْتَقْبَلَةِ]

- ‌[الْإِخْبَارُ بِغُيُوبٍ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبِلَةٍ]

- ‌[تَرْتِيبُ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَا سَيَقَعُ مِنَ الْفِتَنِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْفِتَنِ الْوَاقِعَةِ فَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَقْتَلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَسِيَادَتُهُ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ غَزَاةِ الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُصَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ غَزْوَةِ الْهِنْدِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ قِتَالِ التُّرْكِ]

- ‌[خَبَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَوْتِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَقْتَلِ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ]

- ‌[خَبَرُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ عليه الصلاة والسلام بِمَا وَقَعَ مِنَ الْفِتَنِ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ عليه الصلاة والسلام بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ]

- ‌[مِنْ مُعْجِزَةِ رَسُولِ اللَّهِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَجَّاجِ فَتَى ثَقِيفٍ]

- ‌[الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ إِلَى دَوْلَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ]

- ‌[مَدْحُ النَّبِيِّ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ وَذَمُّهُ لِغَيْلَانَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَعِلْمِهِ]

- ‌[ذِكْرُ الْإِخْبَارِ بِانْخِرَامِ قَرْنِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ خُلَفَاءَ بَنِي أُمَيَّةَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمُورٍ وَقَعَتْ فِي دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشَّافِعِيِّ]

- ‌[مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُمَاثِلَةٌ لِمُعْجِزَاتِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ]

- ‌[مِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ]

- ‌[الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ نُوحٌ عليه السلام]

- ‌[خَبَرُ أَوَّلِ مَنِ اقْتَحَمَ دِجْلَةَ]

- ‌[خَبَرُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ لَمَّا جَاءَ إِلَى دِجْلَةَ]

- ‌[مَا أُوتِيَ هُودٌ عليه السلام]

- ‌[الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ صَالِحٌ عليه السلام]

- ‌[مِنْ مُعْجِزَاتِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عليه السلام]

- ‌[مِنْ آيَاتِ مُوسَى عليه السلام]

- ‌[أُعْطِيَ إِدْرِيسُ عليه السلام الرِّفْعَةَ]

- ‌[مَا أُوتِيَ دَاوُدُ عليه السلام]

- ‌[مَا أُوتِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السلام مِنَ الْمُعْجِزَاتِ]

- ‌[خَصَائِصُ وَمُعْجِزَاتُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام]

- ‌[مِنْ كَرَامَاتِ الْأَتْقِيَاءِ]

- ‌[الْأَعْمَى الَّذِي رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ بِدُعَاءِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فِي الزَّمَانِ وَوَفَيَاتُ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مُبَايَعَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ]

- ‌[خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ]

- ‌[أَبُو بَكْرٍ يُنْفِذُ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ]

- ‌[مَقْتَلُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ]

- ‌[صِفَةُ خُرُوجِهِ وَتَمْلِيكِهِ وَمَقْتَلِهِ]

- ‌[خُرُوجُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ]

- ‌[تَصَدِّي الصِّدِّيقِ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ]

- ‌[خُرُوجُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ]

- ‌[مَسِيرَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ]

- ‌[قِتَالُ خَالِدٍ فِي بُزَاخَةَ]

- ‌[أَبُو بَكْرٍ يَقْتُلُ الْفُجَاءَةَ]

- ‌[سَجَاحِ بِنْتُ الْحَارِثِ تَدَّعِي النُّبُوَّةَ]

- ‌[خَبَرُ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِيِّ التَّمِيمِيِّ]

- ‌[مَقْتَلُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ لَعَنَهُ اللَّهُ]

- ‌[رِدَّةُ أَهْلِ الْبَحْرِينِ]

- ‌[رِدَّةُ أَهْلِ عُمَانَ]

- ‌[مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ]

- ‌[سَنَةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[جُيُوشُ الصِّدِّيقِ وَأُمَرَاؤُهُ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ]

- ‌[بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْعِرَاقِ]

- ‌[خَالِدٌ يُحَاصِرُ الْخَوَرْنَقَ وَالسَّدِيرَ وَالنَّجَفَ]

- ‌[غَزْوَةُ ذَاتِ الْعُيُونِ]

- ‌[وَقْعَةُ عَيْنِ التَّمْرِ]

- ‌[خَبَرُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ]

- ‌[وَقْعَتَيِ الْحُصَيْدِ وَالْمُصَيَّخِ]

- ‌[وَقْعَةُ الْفِرَاضِ]

- ‌[مَا كَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[وَفَيَاتُ الْأَعْيَانِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ]

- ‌[سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[وَقْعَةُ الْيَرْمُوكِ]

- ‌[انْتِقَالُ إِمْرَةِ الشَّامِ مِنْ خَالِدٍ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ]

- ‌[وَقْعَةٌ جَرَتْ بِالْعِرَاقِ بَعْدَ مَجِيءِ خَالِدٍ إِلَى الشَّامِ]

- ‌[خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ]

- ‌[بِدَايَةُ خِلَافَتِهِ رضي الله عنه]

- ‌[فَتْحُ دِمَشْقَ]

- ‌[كِتَابُ الصُّلْحِ إِلَى أَهْلِ دِمَشْقَ]

- ‌[دِمَشْقُ هَلْ فُتِحَتْ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً]

- ‌[فَتْحُ الْبِقَاعِ]

- ‌[وَقْعَةُ فِحْلٍ]

- ‌[مَا وَقَعَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ]

- ‌[وَقْعَةُ النَّمَارِقِ]

- ‌[وَقْعَةُ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ]

- ‌[وَقْعَةُ الْبُوَيْبِ الَّتِي اقْتَصَّ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْفُرْسِ]

- ‌[بَعْثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى الْعِرَاقِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الْفُرْسِ عَلَى يَزْدَجِرْدَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْحَوَادِثِ]

- ‌[الْمُتَوَفَّوْنَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْقَادِسِيَّةُ]

- ‌[تَجْهِيزُ رُسْتُمَ لِلْخُرُوجِ لِسَعْدٍ]

- ‌[سَعْدٌ يَمْرَضُ فِي الْقَادِسِيَّةِ]

- ‌[مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذَا الْعَامِ مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[وَقْعَةُ حِمْصَ الْأُولَى]

- ‌[وَقْعَةُ قِنَّسْرِينَ]

- ‌[وَقْعَةُ قَيْسَارِيَّةَ]

- ‌[وَقْعَةُ أَجْنَادِينَ]

- ‌فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ

- ‌[وَقْعَةُ بَهُرَسِيرَ]

الفصل: ‌[خبر أبي مسلم الخولاني لما جاء إلى دجلة]

وَاقْتَحَمَ الْجَيْشُ وَرَاءَهُ، وَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمُ الْأَعَاجِمُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ جَعَلُوا يَقُولُونَ: دِيوَانُ دِيوَانُ. أَيْ مَجَانِينُ مَجَانِينُ. ثُمَّ وَلَّوْا مُدَبِّرِينَ، فَقَتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَغَنِمُوا مِنْهُمْ مَغَانِمَ كَثِيرَةً.

[خَبَرُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ لَمَّا جَاءَ إِلَى دِجْلَةَ]

قِصَّةٌ أُخْرَى شَبِيهَةٌ بِذَلِكَ.

رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى دِجْلَةَ وَهِيَ تَرْمِي الْخَشَبَ مِنْ مَدِّهَا، فَمَشَى عَلَى الْمَاءِ، وَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ مَتَاعِكُمْ شَيْئًا فَنَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى؟ ثُمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.

قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي مُسْلِمٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثُوَبٍ الْخَوْلَانِيِّ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا، مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَزَا أَرْضَ الرُّومِ فَمَرُّوا بِنَهَرٍ قَالَ: أَجِيزُوا بِسْمِ اللَّهِ. قَالَ: وَيَمُرُّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. قَالَ: فَيَمُرُّونَ بِالنَّهْرِ الْغَمْرِ فَرُبَّمَا لَمَّ يَبْلُغْ مِنَ الدَّوَابِّ إِلَّا إِلَى الرُّكَبِ، أَوْ

ص: 315

بَعْضِ ذَلِكَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَإِذَا جَازُوا قَالَ لِلنَّاسِ: هَلْ ذَهَبَ لَكُمْ شَيْءٌ؟ مَنْ ذَهَبَ لَهُ شَيْءٌ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ. قَالَ: فَأَلْقَى بَعْضُهُمْ مِخْلَاةً عَمْدًا، فَلَمَّا جَازُوا قَالَ الرَّجُلُ: مِخْلَاتِي وَقَعَتْ فِي النَّهْرِ. قَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي. فَإِذَا الْمِخْلَاةُ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِبَعْضِ أَعْوَادِ النَّهْرِ، فَقَالَ: خُذْهَا. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَنْهُ - عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ بَقِيَّةَ بِهِ.

ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ أَتَى عَلَى دِجْلَةَ وَهِيَ تَرْمِي بِالْخَشَبِ مِنْ مَدِّهَا، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ مَسِيرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ لَهَزَ دَابَّتَهُ فَخَاضَتِ الْمَاءَ، وَتَبِعَهُ النَّاسُ حَتَّى قَطَعُوا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ فَقَدْتُمْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِكُمْ فَأَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيَّ؟ .

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ رَشِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّي؛ أَخِي أَبِي، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي مُسْلِمٍ فِي جَيْشٍ، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهْرٍ عَجَاجٍ مُنْكَرٍ، فَقُلْنَا لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ: أَيْنَ الْمَخَاضَةُ؟ فَقَالُوا: مَا كَانَتْ هَا هُنَا مَخَاضَةٌ قَطُّ وَلَكِنَّ الْمَخَاضَةَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ عَلَى لَيْلَتَيْنِ. فَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: اللَّهُمَّ أَجَزْتَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ، وَإِنَّا عِبَادُكَ وَفِي سَبِيلِكَ، فَأَجِزْنَا هَذَا النَّهْرَ الْيَوْمَ. ثُمَّ قَالَ: اعْبُرُوا بِسْمِ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ عَمِّي: فَأَنَا عَلَى فَرَسٍ فَقُلْتُ:

ص: 316

لِأَقْذِفَنَّهُ أَوَّلَ النَّاسِ خَلْفَ فَرَسِهِ، وَكُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ قَذَفَ فَرَسَهُ خَلْفَ أَبِي مُسْلِمٍ، فَوَاللَّهِ مَا بَلَغَ الْمَاءُ بُطُونَ الْخَيْلِ حَتَّى عَبَرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، هَلْ ذَهَبَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ فَأَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرُدَّهُ؟ .

فَهَذِهِ الْكَرَامَاتُ لِهَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءِ هِيَ مِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا نَالُوا ذَلِكَ بِبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ، وَيُمْنِ سِفَارَتِهِ إِذْ فِيهَا حُجَّةٌ فِي الدِّينِ وَحَاجَةٌ أَكِيدَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ مُشَابِهَةٌ لِمُعْجِزَةِ نُوحٍ، عليه السلام، فِي مَسِيرِهِ فَوْقَ الْمَاءِ بِالسَّفِينَةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعَمَلِهَا، وَمُعْجِزَةِ مُوسَى، عليه السلام، فِي فَلْقِ الْبَحْرِ، وَهَذِهِ فِيهَا مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ، مِنْ جِهَةِ مَسِيرِهِمْ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ حَامِلٍ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَاءٌ جَارٍ وَالسَّيْرُ عَلَيْهِ أَعْجَبُ مِنَ السَّيْرِ عَلَى الْمَاءِ الْقَارِّ الَّذِي يُجَازُ، وَإِنْ كَانَ مَاءُ الطُّوفَانِ أَطَمَّ وَأَعْظَمَ، فَهَذِهِ خَارِقٌ، وَالْخَارِقُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَإِنَّ مَنْ سَلَكَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ الْخِضَمِّ الْجَارِي الْعَجَاجِ، فَلَمْ يَبْتَلَّ مِنْهُ نِعَالُ خُيُولِهِمْ، أَوْ لَمْ يَصِلْ إِلَى بُطُونِهَا، فَلَا فَرْقَ فِي الْخَارِقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَامَةً أَوْ أَلْفَ قَامَةٍ، أَوْ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا أَوْ بَحْرًا، بَلْ كَوْنُهُ نَهْرًا عَجَاجًا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ وَالسَّيْلِ الْجَارِفِ أَعْظَمُ وَأَغْرَبُ، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَرْقِ الْبَحْرِ، وَهُوَ جَانِبُ بَحْرِ الْقُلْزُمِ، حَتَّى صَارَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، أَيِ الْجَبَلِ الْكَبِيرِ، فَانْحَازَ الْمَاءُ يَمِينًا وَشِمَالًا حَتَّى بَدَتْ أَرْضُ الْبَحْرِ،

ص: 317

وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا الرِّيحَ حَتَّى أَيْبَسَتْهَا، وَمَشَتِ الْخُيُولُ عَلَيْهَا بِلَا انْزِعَاجٍ، حَتَّى جَاوَزُوا، عَنْ آخِرِهِمْ وَأَقْبَلَ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ، فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ، وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا تَوَسَّطُوهُ وَهَمَّ أَوَّلُهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ أَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ، فَارْتَطَمَ عَلَيْهِمْ فَغَرِقُوا عَنْ آخِرِهِمْ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ كَمَا لَمْ يُفْقَدْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاحِدٌ، فَفِي ذَلِكَ آيَةٌ عَظِيمَةٌ بَلْ آيَاتٌ مُتَعَدِّدَاتٌ، كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي " التَّفْسِيرِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِصَّةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، مِنْ مَسِيرِهِمْ عَلَى تَيَّارِ الْمَاءِ الْجَارِي، فَلَمْ يُفْقَدْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَمْ يَفْقِدُوا شَيْئًا مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ، هَذَا وَهُمْ أَوْلِيَاءُ، مِنْهُمْ صَحَابِيٌّ وَتَابِعِيَّانِ، فَمَا الظَّنُّ أَنْ لَوِ احْتِيجَ إِلَى ذَلِكَ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ ! سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَخَاتَمِهِمْ، وَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَإِمَامِهِمْ لَيْلَتَئِذٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ وِلَايَتِهِمْ، وَدَارُ بِدَايَتِهِمْ، وَخَطِيبِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً فِي الْجَنَّةِ، وَأَوَّلِ شَافِعٍ فِي الْمَحْشَرِ، وَفِي الْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ، وَفِي دُخُولِهِ الْجَنَّةَ، وَفِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ بِهَا، كَمَا بَسَطْنَا أَقْسَامَ الشَّفَاعَةِ وَأَنْوَاعَهَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ. وَسَنَذْكُرُ فِي الْمُعْجِزَاتِ الْمُوسَوِيَّةِ مَا وَرَدَ مِنَ

ص: 318

الْمُعْجِزَاتِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مَا هُوَ أَظْهَرُ وَأَبْهَرُ مِنْهَا، وَنَحْنُ الْآنُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُعْجِزَاتِ نُوحٍ، عليه السلام، وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْخُنَا سِوَى مَا تَقَدَّمَ.

وَأَمَّا الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِهِ فِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " وَهُوَ فِي مُجَلَّدَاتٍ ثَلَاثٍ: الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ فِي ذِكْرِ مُوَازَاةِ الْأَنْبِيَاءِ فِي فَضَائِلِهِمْ بِفَضَائِلِ نَبِيِّنَا، وَمُقَابَلَةِ مَا أُوتُوا مِنَ الْآيَاتِ بِمَا أُوتِيَ. إِذْ أُوتِيَ مَا أُوتُوا وَشِبْهَهُ وَنَظِيرَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ الرُّسُلِ نُوحٌ، عليه السلام، وَآيَتُهُ الَّتِي أُوتِيَ شِفَاءُ غَيْظِهِ، وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ فِي تَعْجِيلِ نِقْمَةِ اللَّهِ لِمُكَذِّبِيهِ، حَتَّى هَلَكَ مَنْ عَلَى بَسِيطِ الْأَرْضِ مِنْ صَامِتٍ وَنَاطِقٍ، إِلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ وَدَخَلَ مَعَهُ سَفِينَتَهُ، وَلَعَمْرِي إِنَّهَا آيَةٌ جَلِيلَةٌ وَافَقَتْ سَابِقَ قَدَرِ اللَّهِ، وَمَا قَدْ عَلِمَهُ فِي إِهْلَاكِهِمْ، وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَذَّبَهُ قَوْمُهُ وَبَالَغُوا فِي أَذِيَّتِهِ، وَالِاسْتِهَانَةِ بِمَنْزِلَتِهِ مِنَ اللَّهِ، عز وجل، حَتَّى «أَلْقَى الشَّقِيُّ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ سَلَا الْجَزُورِ عَلَى ظَهْرِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ» . ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " وَغَيْرِهِ فِي وَضْعِ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ عِنْدَ الْكَعْبَةِ سَلَا تِلْكَ الْجَزُورِ، وَاسْتِضْحَاكِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى جَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ مِنْ شِدَّةِ الضَّحِكِ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ظَهْرِهِ حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَتُهُ صلى الله عليه وسلم فَطَرَحَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ،

ص: 319

ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ فَسَبَّتْهُمْ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَلَاتِهِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ:" «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ» ". ثُمَّ سَمَّى فَقَالَ: " «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ» بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ وَكَذَلِكَ لَمَّا أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ فِي حَدِّهَا وَحَدِيدِهَا، فَحِينَ عَايَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَافِعًا يَدَيْهِ:«اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ جَاءَتْكَ بِفَخْرِهَا وَخُيَلَائِهَا، تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ أَحِنْهُمُ الْغَدَاةَ» . فَقُتِلَ مِنْ سَرَاتِهِمْ سَبْعُونَ، وَأُسِرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ سَبْعُونَ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَاسْتَأْصَلَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ حِلْمِهِ وَشَرَفِ نَبِيِّهِ أَبْقَى مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَ فِي قَدَرِهِ أَنْ سَيُؤْمِنُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ دَعَا عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ بِالشَّامِ، فَقَتَلَهُ الْأَسَدُ عِنْدَ وَادِي الزَّرْقَاءِ قِبَلَ مَدِينَةِ بُصْرَى. وَكَمْ لَهُ مِنْ مِثْلِهَا وَنَظِيرِهَا مَا سَلَفَ ذِكْرُنَا لَهُ وَمَا لَمْ نَذْكُرْهُ، وَكَذَلِكَ دَعَا عَلَى قُرَيْشٍ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَقُحِطُوا حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ، وَهُوَ الدَّمُ بِالْوَبَرِ، وَأَكَلُوا الْعِظَامَ وَكُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ تَوَسَّلُوا إِلَى مَرَاحِمِهِ وَشَفَقَتِهِ وَرَأْفَتِهِ، فَدَعَا لَهُمْ، فَفَرَّجَ اللَّهُ

ص: 320

عَنْهُمْ وَسُقُوُا الْغَيْثَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " وَهُوَ كِتَابٌ حَافِلٌ: ذِكْرُ مَا أُوتِيَ نُوحٌ، عليه السلام، مِنَ الْفَضَائِلِ، وَبَيَانُ مَا أُوتِيَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُضَاهِي فَضَائِلَهُ وَيَزِيدُ عَلَيْهَا. قَالُوا: إِنَّ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا بَلَغُوا مِنْ أَذِيَّتِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ، وَتَرْكِ الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ دَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ:{" رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا "} [نوح: 26] . فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دَعَوْتَهُ، وَغَرَّقَ قَوْمَهُ، حَتَّى لَمَّ يَسْلَمْ شَيْءٌ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالدَّوَابِّ إِلَّا مَنْ رَكِبَ السَّفِينَةَ، فَكَانَ ذَلِكَ فَضِيلَةً أُوتِيَهَا، إِذْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ، وَشُفِيَ صَدْرُهُ بِإِهْلَاكِ قَوْمِهِ. قُلْنَا: وَقَدْ أُوتِيَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ حِينَ نَالَهُ مِنْ قُرَيْشٍ مَا نَالَهُ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِخْفَافِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلِكَ الْجِبَالِ وَأَمَرَهُ بِطَاعَتِهِ فِيمَا يَأْمُرُهُ بِهِ مِنْ إِهْلَاكِ قَوْمِهِ، فَاخْتَارَ الصَّبْرَ عَلَى أَذِيَّتِهِمْ، وَالِابْتِهَالَ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ. قُلْتُ: وَهَذَا حَسَنٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ ذَهَابِهِ إِلَى الطَّائِفِ، فَدَعَاهُمْ فَآذَوْهُ، فَرَجَعَ وَهُوَ مَهْمُومٌ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ قَرْنِ الثَّعَالِبِ نَادَاهُ مَلَكُ الْجِبَالِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ لِأَفْعَلَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ، فَإِنْ شِئْتَ أَطْبَقْتُ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ. يَعْنِي جَبَلَيْ مَكَّةَ اللَّذَيْنِ يَكْتَنِفَانِهَا جَنُوبًا وَشَامًا، وَهُمَا أَبُو قُبَيْسٍ وَزُرْزُرٌ، فَقَالَ " «بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ لَا يُشْرِكُ

ص: 321

بِاللَّهِ شَيْئًا» ". وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {" فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: 10]" [الْقَمَرِ: 10 - 12] . أَحَادِيثَ الِاسْتِسْقَاءِ، عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِذَلِكَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ قَرِيبًا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُمْ ; لِمَا بِهِمْ مِنَ الْجَدْبِ وَالْجُوعِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "«اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا» ". فَمَا نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ حَتَّى رُئِيَ الْمَطَرُ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ الْكَرِيمَةِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَاسْتَحْضَرَ مَنِ اسْتَحْضَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، قَوْلَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فِيهِ:

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ

ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلْأَرَامِلِ

يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ

فُهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ

وَكَذَلِكَ اسْتَسْقَى فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ لِلْجَدْبِ وَالْعَطَشِ، فَيُجَابُ كَمَا يُرِيدُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ الْمَائِيَّةِ، لَا أَزْيَدَ وَلَا أَنْقَصَ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْمُعْجِزَةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا مَاءُ رَحْمَةٍ وَنِعْمَةٍ، وَمَاءُ الطُّوفَانِ مَاءُ غَضَبٍ وَنِقْمَةٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، كَانَ يَسْتَسْقِي بِالْعَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيُسْقَوْنَ، وَكَذَلِكَ مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ فِي غَالِبِ الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ يَسْتَسْقُونَ فَيُجَابُونَ فَيُسْقَوْنَ، وَلَا يُخَيَّبُونَ غَالِبًا وَلَا يَشْقَوْنَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

ص: 322

قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَلَبِثَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، فَبَلَغَ جَمِيعُ مَنْ آمَنَ بِهِ رِجَالًا وَنِسَاءً، الَّذِينَ رَكِبُوا مَعَهُ سَفِينَتَهُ، دُونَ مِائَةِ نَفْسٍ، وَآمَنَ بِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فِي مُدَّةِ عِشْرِينَ سَنَةً النَّاسُ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَدَانَتْ لَهُ جَبَابِرَةُ الْأَرْضِ وَمُلُوكُهَا، وَخَافَتْ زَوَالَ مُلْكِهِمْ، كَكِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَسْلَمَ النَّجَاشِيُّ وَالْأَقْيَالُ ; رَغْبَةً فِي دِينِ اللَّهِ، وَالْتَزَمَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مِنْ عُظَمَاءِ الْأَرْضِ الْجِزْيَةَ وَالْإِتَاوَةَ عَنْ صَغَارٍ ; أَهْلُ نَجْرَانَ وَهَجَرُ، وَأَيْلَةُ وَأَكَيْدَرُ دُومَةَ، فَذَلُّوا لَهُ مُنْقَادِينَ ; لِمَا أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الرُّعْبِ الَّذِي يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيْهِ شَهْرًا، وَفَتَحَ الْفُتُوحَ، وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا "} [النصر: 1]

[النَّصْرِ: 1، 2] .

قُلْتُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ الْمَدِينَةَ وَخَيْبَرَ وَمَكَّةَ وَأَكْثَرَ الْيَمَنِ وَحَضْرَمَوْتَ، وَتُوُفِّيَ عَنْ مِائَةِ أَلْفِ صَحَابِيٍّ أَوْ يَزِيدُونَ، وَقَدْ كَتَبَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ الْكَرِيمَةِ إِلَى سَائِرِ مُلُوكِ الْأَرْضِ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَانَعَ وَدَارَى عَنْ نَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَكَبَّرَ فَخَابَ وَخَسِرَ، كَمَا فَعَلَ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ حِينَ عَتَا وَبَغَى وَتَكَبَّرَ، فَمُزِّقَ مُلْكُهُ، وَتَفَرَّقَ جُنْدُهُ شَذَرَ مَذَرَ، ثُمَّ فَتَحَ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ - أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ التَّالِي عَلَى الْأَثَرِ - مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، مِنَ الْبَحْرِ

ص: 323

الْغَرْبِيِّ إِلَى الْبَحْرِ الشَّرْقِيِّ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . وَكَذَلِكَ وَقَعَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، فَقَدِ اسْتَوْسَقَتِ الْمَمَالِكُ الْإِسْلَامِيَّةُ عَلَى مُلْكِ قَيْصَرَ وَحَوَاصِلِهِ إِلَّا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَجَمِيعِ مَمَالِكِ كِسْرَى وَبِلَادِ الْمَشْرِقِ، وَإِلَى أَقْصَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ، إِلَى أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، رضي الله عنه، وَقَبَّحَ قَاتِلِيهِ، فَكَمَا عَمَّتْ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ النِّقْمَةُ بِدَعْوَةِ نُوحٍ، عليه السلام، لَمَّا رَأَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّمَادِي فِي الضَّلَالِ وَالْكُفْرِ وَالْفُجُورِ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ ; غَضَبًا لِلَّهِ وَلِدِينِهِ وَرِسَالَتِهِ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَغَضِبَ لِغَضَبِهِ، وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ بِسَبَبِهِ، كَذَلِكَ عَمَّتْ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ النِّعْمَةُ بِبَرَكَةِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَدَعْوَتِهِ، فَآمَنَ مَنْ آمَنَ مِنَ النَّاسِ، وَقَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ "} [الأنبياء: 107] . وَكَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» ".

ص: 324

وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ فِي كِتَابِ " الْمَبْعَثِ ": حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ "} [الأنبياء: 107] قَالَ: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ تَمَّتْ لَهُ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ عُوفِيَ مِنْ تَعْجِيلِ مَا كَانَ يُصِيبُ الْأُمَمَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْعَذَابِ وَالْفِتَنِ وَالْقَذْفِ وَالْخَسْفِ. وَقَالَ تَعَالَى:" {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ "} [إبراهيم: 28] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ النِّعْمَةُ مُحَمَّدٌ، وَالَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ. يَعْنِي: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَذَّبَ بِهِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{" وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ "} [هود: 17] .

قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ نُوحًا، عليه السلام، بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى فَقَالَ {" إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا "} [الإسراء: 3] . قُلْنَا: وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِاسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَائِهِ فَقَالَ: {" بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "} [التوبة: 128] . قَالَ: وَقَدْ خَاطَبَ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ بِأَسْمَائِهِمْ، يَا نُوحُ، يَا إِبْرَاهِيمُ، يَا مُوسَى، يَا دَاوُدُ، يَا يَحْيَى، يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ. وَقَالَ مُخَاطِبًا لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم:" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ "" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ "{" يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ " - " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ "} [المدثر: 1] وَذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْكُنْيَةِ بِصِفَةِ الشَّرَفِ، وَلَمَّا نَسَبَ الْمُشْرِكُونَ أَنْبِيَاءَهُمْ إِلَى السَّفَهِ، وَالْجُنُونِ، كُلٌّ أَجَابَ عَنْ نَفْسِهِ ; قَالَ نُوحٌ " {يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 61] " [الْأَعْرَافِ: 61]

ص: 325

وَكَذَا قَالَ هُودٌ، عليه السلام، وَلَمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ:{" وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا "} [الإسراء: 101] . قَالَ مُوسَى: " {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا "} [الإسراء: 102] . إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ. وَأَمَّا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى جَوَابَهُمْ عَنْهُ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، كَمَا قَالَ:{" وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ "} [الحجر: 6] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " {مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ "} [الحجر: 8]

[الْفُرْقَانِ: 5، 6] . {" أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ "} [الطور: 30]

[الْحَاقَّةِ: 41 - 43] . {" وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ "} [القلم: 51] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {" وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ "} [القلم: 52]

[الْقَلَمِ: 1 - 4] . وَقَالَ تَعَالَى: {" وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ "} [النحل: 103] .

ص: 326