الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فِي الزَّمَانِ وَوَفَيَاتُ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]
[مُبَايَعَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ تَارِيخِ الْإِسْلَامِ الْأَوَّلِ مِنَ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ فِي الزَّمَانِ، وَوَفَيَاتِ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ
تَقَدَّمَ مَا كَانَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَذَلِكَ الثَّانِي عَشَرَ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
[خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ]
ِ، رضي الله عنه، وَمَا كَانَ فِي أَيَّامِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْأُمُورِ.
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَذَلِكَ ضُحًى، فَاشْتَغَلَ النَّاسُ بِأَمْرِ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، ثُمَّ فِي الْمَسْجِدِ الْبَيْعَةُ الْعَامَّةُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَصَبِيحَةَ الثُّلَاثَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ بِطُولِهِ، ثُمَّ أَخَذُوا فِي غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا، بَقِيَّةَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ، وَدَفَنُوهُ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُبَرْهَنًا فِي مَوْضِعِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي السَّقِيفَةِ وَكَانَ الْغَدُ، جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَامَ عُمَرُ فَتَكَلَّمَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ قُلْتُ لَكُمْ بِالْأَمْسِ مَقَالَةً مَا كَانَتْ مِمَّا وَجَدْتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا كَانَتْ عَهْدًا عَهِدَهُ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنِّي قَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيُدَبِّرُ أَمْرَنَا - يَقُولُ: يَكُونُ آخِرَنَا - وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْقَى فِيكُمْ كِتَابَهُ الَّذِي بِهِ
هَدَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ هَدَاكُمُ اللَّهُ لِمَا كَانَ هَدَاهُ لَهُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَمَعَ أَمْرَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ ; صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ. فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ بَيْعَةَ الْعَامَّةِ بَعْدَ بَيْعَةِ السَّقِيفَةِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ، وَالضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقَّهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا يَدْعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِّ، وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ إِلَّا عَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْبَلَاءِ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ، قُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ، رضي الله عنهم، عَلَى بَيْعَةِ الصِّدِّيقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَتَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، رضي الله عنهما وَأَرْضَاهُمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ حَيْثُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَافِظُ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَا: ثَنَا بُنْدَارُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، ثَنَا أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ فِي دَارِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
قَالَ: فَقَامَ خَطِيبُ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَخَلِيفَتَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَنَحْنُ كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَحْنُ أَنْصَارُ خَلِيفَتِهِ، كَمَا كُنَّا أَنْصَارَهُ. قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: صَدَقَ قَائِلُكُمْ، وَلَوْ قُلْتُمْ غَيْرَ هَذَا لَمْ نُتَابِعْكُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ. فَبَايَعَهُ عُمَرُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، قَالَ: فَصَعِدَ أَبُو بَكْرٍ الْمِنْبَرَ، فَنَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، فَلَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ. قَالَ: فَدَعَا بِالزُّبَيْرِ فَجَاءَ، قَالَ: قُلْتُ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحِوَارِيُّهُ، أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ؟ ! قَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَامَ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَرِ عَلِيًّا، فَدَعَا بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَجَاءَ فَقَالَ: قُلْتَ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَتَنُهُ عَلَى ابْنَتِهِ، أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ؟ ! قَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ. فَبَايَعَهُ. هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُولُ: جَاءَنِي مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، فَسَأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَكَتَبْتُهُ لَهُ فِي رُقْعَةٍ وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ يُسَاوِي بَدَنَةً. فَقُلْتُ: يَسْوَى بَدَنَةً؟ ! بَلْ هَذَا يَسْوَى بَدْرَةً. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ وُهَيْبٍ مُخْتَصَرًا. وَأَخْرَجَهُ
الْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ وُهَيْبٍ مُطَوَّلًا كَنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْمَحَامِلِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي مُبَايَعَةِ عَلَيٍّ وَالزُّبَيْرِ، رضي الله عنهما، يَوْمَئِذٍ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي " مَغَازِيهِ " عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ مَعَ عُمَرَ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ كَسَرَ سَيْفَ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ، وَاعْتَذَرَ إِلَى النَّاسِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى الْإِمَارَةِ يَوْمًا وَلَا لَيْلَةً، وَلَا سَأَلْتُهَا اللَّهَ فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ. فَقَبِلَ الْمُهَاجِرُونَ مَقَالَتَهُ، وَقَالَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ: مَا غَضِبْنَا إِلَّا لِأَنَّنَا أُخِّرْنَا عَنِ الْمَشُورَةِ، وَإِنَّا نَرَى أَبَا بَكْرٍ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنَّهُ لَصَاحِبُ الْغَارِ، وَإِنَّا لَنَعَرِفُ شَرَفَهُ وَخَيْرَهُ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ، وَهَذَا اللَّائِقُ بَعَلِيٍّ، رضي الله عنه، وَالَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثَارُ ; مِنْ شُهُودِهِ مَعَهُ الصَّلَوَاتِ، وَخُرُوجِهِ مَعَهُ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا سَنُورِدُهُ، وَبَذْلِهِ لَهُ النَّصِيحَةَ وَالْمَشُورَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَمَّا مَا يَأْتِي مِنْ مُبَايَعَتِهِ إِيَّاهُ بَعْدَ مَوْتِ فَاطِمَةَ - وَقَدْ مَاتَتْ بَعْدَ أَبِيهَا، عليه الصلاة والسلام، بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ - فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا بَيْعَةٌ ثَانِيَةٌ أَزَالَتْ مَا
كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْ وَحْشَةٍ بِسَبَبِ الْكَلَامِ فِي الْمِيرَاثِ، وَمَنْعِهِ إِيَّاهُمْ ذَلِكَ بِالنَّصِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ:" «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكَنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ» ". كَمَا تَقَدَّمَ إِيرَادُ أَسَانِيدِهِ وَأَلْفَاظِهِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَدْ كَتَبْنَا هَذِهِ الطُّرُقَ مُسْتَقْصَاةً فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَفْرَدْنَاهُ فِي سِيرَةِ الصِّدِّيقِ، رضي الله عنه، وَمَا أَسْنَدَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ مُبَوَّبَةً عَلَى أَبْوَابِ الْعِلْمِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: نَادَى مُنَادِي أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْغَدِ مِنْ مُتَوَفَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِيَتِمَّ بَعْثُ أُسَامَةَ، أَلَا لَا يَبْقَيَنَّ بِالْمَدِينَةِ أَحَدٌ مِنْ جُنْدِ أُسَامَةَ إِلَّا خَرَجَ إِلَى عَسْكَرِهِ بِالْجُرْفِ. وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا مِثْلُكُمْ، وَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّكُمْ سَتُكَلِّفُونَنِي مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُطِيقُ، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، وَعَصَمَهُ مِنَ الْآفَاتِ، وَإِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ، فَإِنِ اسْتَقَمْتُ فَتَابِعُونِي، وَإِنْ زِغْتُ فَقَوِّمُونِي، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُبِضَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ ; ضَرْبَةِ سَوْطٍ فَمَا دُونَهَا، وَإِنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي، فَإِذَا أَتَانِي فَاجْتَنِبُونِي، لَا أُؤَثِّرُ فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ، وَإِنَّكُمْ تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ فِي أَجَلٍ قَدْ غُيِّبَ عَنْكُمْ عِلْمُهُ، وَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا
يَمْضِيَ إِلَّا وَأَنْتُمْ فِي عَمَلٍ صَالِحٍ فَافْعَلُوا، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَسَابِقُوا فِي مَهْلِ آجَالِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُسْلِمَكُمْ آجَالُكُمْ إِلَى انْقِطَاعِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ قَوْمًا نَسُوا آجَالَهُمْ وَجَعَلُوا أَعْمَالَهُمْ لِغَيْرِهِمْ، فَإِيَّاكُمْ أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ، الْجِدَّ الْجِدَّ، النَّجَاءَ النَّجَاءَ، الْوَحَا الْوَحَا، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ طَالِبًا حَثِيثًا، وَأَجَلًا مَرُّهُ سَرِيعٌ، احْذَرُوا الْمَوْتَ، وَاعْتَبِرُوا بِالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَانِ، وَلَا تَغْبِطُوا الْأَحْيَاءَ إِلَّا بِمَا تَغْبِطُونَ بِهِ الْأَمْوَاتَ. قَالَ: وَقَامَ أَيْضًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ، عز وجل، لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهَهُ، فَأَرِيدُوا اللَّهَ بِأَعْمَالِكُمْ، فَأَيَّمَا أَخْلَصْتُمْ لِلَّهِ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَطَاعَةً أَتَيْتُمُوهَا، وَحَظًّا ظَفِرْتُمْ بِهِ، وَضَرَائِبَ أَدَّيْتُمُوهَا، وَسَلَفًا قَدَّمْتُمُوهُ مِنْ أَيَّامٍ فَانِيَةٍ لِأُخْرَى بَاقِيَةٍ لِحِينِ فَقْرِكُمْ وَحَاجَتِكُمْ، اعْتَبَرُوا عِبَادَ اللَّهِ بِمَنْ مَاتَ مِنْكُمْ، وَتَفَكَّرُوا فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَيْنَ كَانُوا أَمْسِ؟ وَأَيْنَ هُمُ الْيَوْمَ؟ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ ذِكْرُ الْقِتَالِ وَالْغَلَبَةِ فِي مَوَاطِنِ الْحُرُوبِ؟ ! قَدْ تَضَعْضَعَ بِهِمُ الدَّهْرُ، وَصَارُوا رَمِيمًا، قَدْ تُرِكَتْ عَلَيْهِمُ الْقَالَاتُ، الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثَيْنِ، وَالْخِبِّيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ، وَأَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ أَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا؟ ! قَدْ بَعُدُوا وَنُسِيَ ذِكْرُهُمْ، وَصَارُوا كَلَا