الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) - (9) - بَابٌ: فِي الْإِيمَانِ
(55)
- 55 - (1) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثنَا سُفْيَان،
===
(9)
- (9) - (باب: في الإيمان)
أي: هذا باب معقود في بيان شعب الإيمان وخصاله وأموره التي تتشعب منه.
* * *
(55)
- 55 - (1)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق (الطنافسي) -بفتح المهملة وتخفيف النون وبعد الألف فاء ثم مهملة- أبو الحسن الكوفي مولى آل الخطاب، سكن الري وقزوين. روى عن: وكيع، وحفص بن غياث، وأبي معاوية، وابن عيينة، وابن نمير، وخلق، ويروي عنه:(ق)، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وآخرون.
قال أبو حاتم: كان ثقة صدوقًا، وهو أحب إليَّ من أبي بكر بن أبي شيبة في الفضل والصلاح، وأبو بكر أكثر حديثًا وأفهم، وذكره ابن حبان في "الثقات"، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ).
(حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ إمام، من التاسعة، مات آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ إمام، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْإِيمَان بِضْعٌ وَسِتُّونَ أَوْ
===
(عن سهيل بن أبي صالح) السمان، صدوق مدني، من السادسة، مات في خلافة المنصور. يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن المدني، ثقة، من الرابعة، مات سنة سبع وعشرين ومئة (127 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي صالح) السمان ذكوان مولى جويرية بنت الحارث القيسية المدني، ثقة ثبت، من الثالثة، مات سنة إحدى ومئة (101 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سباعياته؛ رجاله أربعة منهم مدنيون، وثلاثة منهم كوفيون، وحكمه: الصحة.
(قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان) أي: أبواب الإيمان وشعبه وخصاله (بضع وستون) بابًا؛ أي: ستون وزيادة، والبضع والبضعة -بكسر الباء فيهما وحكي فتحها-: القطعة من الشيء، قال الفراء: هو خاص بالعشرات إلى التسعين، فلا يقال: بضع ومئة ولا بضع وألف، وفي "القاموس": هو ما بين الثلاث إلى التسع، أو إلى الخمس، أو ما بين الواحد إلى أربعة، أو من أربع إلى تسع، أو هو سبع، وإذا جاوز العشر .. ذهب البضع، لا يقال: بضع وعشرون، أو يقال ذلك انتهى.
ويكون مع المذكر بهاء، ومع المؤنث بغير هاء، فتقول: بضعة وعشرون رجلًا، وبضع وعشرون امرأة، ولا تحكس. انتهى "ق".
(أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم، أو أبو هريرة، أو من دونه: الإيمان
سَبْعُونَ بَابًا؛ أَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَأَرْفَعُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،
===
بضع و (سبعون بابًا) أي: خصالًا، والشك من الراوي أو ممن دونه، وقد وقع عند مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار:(بضع وستون أو بعض وسبعون) على الشك، وعند أصحاب "السنن الثلاثة" من طريقه:(بضع وسبعون) من غير شك، وعند البخاري من طريق سليمان بن بلال:(الإيمان بضع وستون) بلا شك، ورجح البيهقي رواية البخاري بعدم شك سليمان، وعورض بوقوع الشك عنه عند أبي عوانة، ورجح، لأنه المتيقن، وما عداه مشكوك فيه، لا يقال بترجيح رواية (بضع وسبعون) لكونها زيادة ثقة؛ لأنا نقول الذي زادها لم يستمر على الجزم، لا سيما مع اتحاد المخرج.
وهل المراد حقيقة العدد أم المبالغة؟ قال الطيبي: الأظهر معنى التكثير، ويكون ذكر البضع للترقي؛ يعني: أن شعب الإيمان أعداد مبهمة لا نهاية لكثرتها، ولو أراد التحديد .. لم يبهم، وقال آخرون: المراد حقيقة العدد، ويكون النص وقع أولًا على البضع والستين، لكونه الواقع، ثم تجددت العشر الزائدة فنص عليها، وقد حاول جماعة عدها بطريقة الاجتهاد. انتهى "ق".
والمراد من الأبواب: الخصال، وهي كناية عن كثرتها (أدناها) أي: دونها مقدارًا؛ أي: أقلها أجرًا (إماطة الأذى) وإماطة الشيء عن الشيء: إزالته عنه وإذهابه، أي: إزالة ما يؤذي الإنسان؛ كالشوك والحجر (عن الطريق) المسلوك للناس؛ أي: إماطته عن أرضه أو عن هوائه؛ كالشوك النابت في هواء الطريق، (وأرفعها) أي: أكثرها أجرًا، وأساسها (قول لا إله إلا الله) محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمراد: مجموع الشهادتين؛ أي: قولهما عن صدق قلب، أو المراد:
وَالْحَيَاءُ شُعْبَة مِنَ الْإِيمَانِ".
===
الشهادة بالتوحيد فقط، كما هو ظاهر اللفظ، لكن عن صدق على أن الشهادة بالرسالة باب آخر.
(والحياء) بالمد لغة: تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وشرعًا: خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، والمراد هنا: استعمال هذا الخلق على قاعدة الشرع، وهو هنا مبتدأ خبره (شعبة)، و (من الإيمان) صفة لشعبة، وإنما خصه هنا بالذكر؛ لأنه كالداعي إلى باقي الشعب؛ لأنه يبعث على الخوف من فضيحة الدنيا والآخرة، فيأتمر وينزجر، ومن تأمل معنى الحياء، ونظر في قوله صلى الله عليه وسلم:"استحيوا من الله حق الحياء"، قالوا: إنا لنستحيي من الله يا رسول الله، والحمد لله، قال:"ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن يحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ويذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة .. ترك زينة الدنيا، وآثر الآخرة على الأولى، فمن يعمل ذلك .. فقد استحيا من الله حق الحياء". ورأى العجب العجاب.
وقيل: الحياء نوعان: نفسانيٌّ وإيمانيٌّ؛ فالنفساني الجبلي الذي خلقه الله في النفوس؛ كالحياء من كشف العورة، ومباشرة المرأة بين الناس حتى نفوس الكفرة، والإيماني ما يمنع الشخص من فعل القبيح بسبب الإيمان؛ كالزنا، وشرب الخمر، وغير ذلك من القبائح، وهذا هو المراد في الحديث.
والشعبة في الأصل: غصن الشجرة، وفرع كل أصل، والتنكير فيها -في قوله:"والحياء شعبة من الإيمان"- للتعظيم؛ أي: شعبة عظيمة؛ لأنه يمنع تمام المعاصي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الإيمان، باب
(55)
- 55 - (م) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ
===
أمور الإيمان، الحديث (9)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان، الحديث (151)، والحديث (152)، وأبو داوود في كتاب السنة، باب في رد الإرجاء، الحديث (4676) بنحوه، والترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه، الحديث (2614) بنحوه، والنسائي في كتاب الإيمان، باب ذكر شعب الإيمان، الحديث (5019) مطولًا، والحديث (5021) مختصرًا.
ودرجته: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه بسوقه: الاستدلال به على الترجمة، والله أعلم.
* * *
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فقال:
(55)
- 55 - (م)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م دس ق).
قال: (حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان -تحتانية- الأزدي الكوفي.
وثقه ابن معين، وابن المديني، وقال في "التقريب": صدوق يخطئ، من الثامنة، مات سنة تسعين ومئة، أو قبلها. يروي عنه:(ع).
(عن) محمد (بن عجلان) المدني أبي عبد الله القرشي مولاهم، قال في
ح وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْل جَمِيعًا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه.
===
"التقريب": صدوق، من الخامسة، ووثقه أحمد وابن معين، مات سنة ثمان وأربعين ومئة (148 هـ). يروي عنه:(م عم).
(ح وحدثنا عمرو بن رافع) بن الفرات القزويني البجلي، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة سبع وثلاثين ومئتين (237 هـ). يروي عنه:(ق).
قال: (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي.
قال في "التقريب": ثقة صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم، من الثامنة، مات سنة ثمان وثمانين ومئة (188 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن سهيل) -التصغير- ابن أبي حزم، اسمه مهران، وقيل: عبد الله القطيعي -بضم أوله وفتح ثانيه- نسبة إلى قطيعة؛ بطن من زبيد، أبي بكر البصري. روى عن: عبد الله بن دينار، ويروي عنه: جرير.
وثقه العجلي، وقال في "التقريب": ضعيف، من السابعة. يروي عنه:(عم).
حالة كون كل من محمد بن عجلان وسهيل بن أبي حزم (جميعًا) أي: مجتمعين في الرواية (عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) أي: نحو ما روى سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار، وغرضه بيان متابعة ابن عجلان وسهيل بن أبي حزم لسهيل بن أبي صالح في الرواية عن عبد الله بن دينار، فالمتابعة تامة، ويحتمل عود الضمير في نحوه إلى علي بن محمد الطنافسي، وكون جميعًا تأكيدًا لأبي بكر وعمرو بن رافع، وغرضه حينئذ: بيان متابعة أبي بكر وعمرو بن رافع لمحمد بن علي، ولكنها متابعة ناقصة.
(56)
- 56 - (2) حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَبِي سَهْل وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ،
===
والنحو في قوله: (نحوه) عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض ألفاظه ومعناه، كما بسطنا الكلام عليه وعلى نظائره في "الكوكب الوهاج على مسلم بن الحجاج".
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه تعالى عنهم، فقال:
(56)
- 56 - (2)(حدثنا سهل بن) زنجلة -بفتح فسكون ففتح- المكني بـ (أبي سهل) بن أبي الصُّغْدِي -بضم فسكون- نسبة إلى الصُّغْدِ؛ موضع بسمرقند، ويقال: بالسين بدل الصاد، أبو عمرو الرازي الخياط الأمير الحافظ، صدوق، من العاشرة، مات في حدود الأربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(ق).
(ومحمد بن عبد الله بن يزيد) القرشي العدوي مولى آل عمر، أبو يحيى المقرئ المكي. روى عن: أبيه، وابن عيينة.
قال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال النسائي: ثقة، وقال الخليلي: ثقة متفق عليه، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": ثقة، من العاشرة، مات سنة ست وخمسين ومئتين (256 هـ). يروي عنه:(س ق).
(قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي أبو محمد الأعور الكوفي، ثقة ثبت، من الثامنة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن الزهري) محمد بن مسلم المدني.
(عن سالم) بن عبد الله بن عمر العدوي المدني.
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ: "إِنَّ الْحَيَاءَ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ".
(57)
- 57 - (3) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ،
===
(عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المكي رضي الله عنهما.
وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم مكيون، واثنان مدنيان، أو مكيان ومدنيان ورازي، وحكمه: الصحة.
(قال) عبد الله بن عمر: (سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يعظ أخاه في) شأن (الحياء) أي: عاتب عليه في شأنه ويحثه على تركه، (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الواعظ: دعه واتركه على حيائه؛ فـ (إن الحياء شعبة) عظيمة كائنة (من) بعض شعب (الإيمان)، فلا تمنعه منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الإيمان، باب (13)، الحديث (153)، والترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء إن الحياء من الإيمان، الحديث (2615).
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به، كما مر آنفًا، والله أعلم.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(57)
- 57 - (3)(حدثنا سويد بن سعيد) الهروي، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(م ق).
قال: (حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي قاضي الموصل، ثقة، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنِ الْأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
===
(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أبي محمد الكوفي، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي) أبو الحسن العطار، ثقة، من العاشرة، مات سنة ست وأربعين ومئتين (246 هـ). يروي عنه:(س ق).
(حدثنا سعيد بن مسلمة) بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي نزيل الجزيرة.
قال الدارقطني: ضعيف يعتبر به، وقال ابن حبان في "الثقات": يخطئ، قلت: وذكره في "الضعفاء " فقال: فاحش الخطأ منكر الحديث جدًّا، وقال الساجي: صدوق منكر الحديث، وقال في "التقريب": ضعيف، من الثامنة، مات بعد التسعين والمئة. يروي عنه:(ت ق)، ولكن ذكره على سبيل المقارنة، فلا يقدح في السند.
(عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد النخعي أبي عمران الكوفي، ثقة إلا أنه يرسل كثيرًا، من الخامسة، مات سنة ست وتسعين (96 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن علقمة) بن قيس بن عبد الله بن علقمة النخعي أبي شبل الكوفي، ثقة مخضرم، من الثانية، مات بعد الستين، وقيل بعد السبعين، قيل: عن تسعين سنة. يروي عنه: (ع).
(عن عبد الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
وهذان السندان من سداسياته؛ رجال الأول منهما: كلهم كوفيون، إلا سويد بن سعيد؛ فإنه هروي، والثاني منهما: أربعة منهم كوفيون، وواحد جزري، وواحد رقي، وحكمهما: الصحة.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ".
===
(قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة) دخولًا أوليًا حتى يعذب على كبره إن لم يعف الله عنه إن لم يستحله، وإلا .. فلا يدخل أصلًا؛ لأنه خرج عن الملة باستحلاله (من كان في قلبه مثقال ذرة) أي: وزن نملة صغيرة (من خردل) والذرة -بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء-: واحدة الذر؛ وهو النمل الأحمر الصغير، وسئل ثعلبة عنها، فقال: إن مئة نملة وزن حبة من خردل، وقيل: الذرة لا وزن لها، ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس الداخل في الكوة النافذة، ذكره السيوطي.
وفي بعض النسخ: (مثال حبة من خردل) وهو الصواب؛ لأن الذرة لا تكون من خردل، وهو المحفوظ في رواية غيره، وفي رواية مسلم:(مثال ذرة من كبر)، بإسقاط خردل، والخردل: حب معروف من الأبازير.
وقوله: (من كبر) تمييز ذات لمثقال، والكبر -بكسر الكاف وسكون الباء-: دفع الحق وإنكاره ترفعًا عنه مع علمه، قال السندي: ظاهره يوافق قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} (1) ولعل المراد: لا يدخل الجنة أولًا، وقيل: المراد بالكبر: الترفع والإباء عن قبول الحق والإيمان، فيكون كفرًا، فلذلك قوبل بالإيمان المذكور في قوله:(ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان) والمراد: أنه لا يخلَّد في النار ومآله إلى الجنة، وقيل: المراد بالحديث أن من يدخل الجنة يخرج
(1) سورة القصص: (83).
(58)
- 58 - (4) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
===
من قلبه الكبر حينئذ؛ كقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} (1) وقيل: يحتمل أنه مبالغة في التثبيت على الإيمان والتشديد على الكبر. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الإيمان، باب (39)، الحديث (148)، والترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الكبر، الحديث (1998)، وأخرجه ابن ماجه أيضًا في كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع، الحديث (4116).
ودرجته: أنه صحيح، لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به، والله سبحانه وتعالن أعلم.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(58)
- 58 - (4)(حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد الذهلي النيسابوري.
قال النسائي: ثقة ثبت أحد الأئمة في الحديث، وقال ابن خزيمة: محمد بن يحيى الذهلي إمام أهل عصره بلا مدافعة، وقال الخطيب: كان أحد الأئمة العارفين والحفاظ المتقنين والثقات المأمونين، وقال في "التقريب": ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ) على الصحيح، وله ست وثمانون سنة. يروي عنه:(خ عم).
قال: (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومئتين (211 هـ). يروي عنه:(ع).
(1) سورة الأعراف: (43).
أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا خَلَّصَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ وَأَمِنُوا .. فَمَا مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَقِّ يَكُونُ لَهُ
===
قال: (أنبأنا) أي: أخبرنا (معمر) بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري، ثقة ثبت فاضل، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدني، ثقة عالم فقيه وكان يرسل، من الثالثة، مات سنة ست وثلاثين ومئة (136 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم مولى مميونة أم المؤمنين رضي الله عنها أبي محمد المدني، ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة، من صغار الثانية، مات سنة أربع وتسعين، وقيل بعد ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري) المدني رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته؛ رجاله ثلاثة منهم مدنيون، وواحد بصري، وواحد صنعاني، وواحد نيسابوري، وحكمه: الصحة.
(قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خَلَّص الله) من التخليص (المؤمنين من النار) ونجاهم منها (وأمنوا) من الأمن ضد الخوف؛ أي: حصل لهم الأمن من دخول النار .. (فما) الفاء رابطة لجواب (إذا)، و (ما) حجازية، وقوله:(مجادلة أحدكم) ومخاصمته ومطالبته (لصاحبه) وغريمه الذي عليه حقه .. اسمها، وقوله:(في الحق) متعلق بالمجادلة، وجملة (يكون له) عليه صفة للحق؛ لأن أل فيه جنسية لا تفيد التعريف، فيصح وصفه
فِي الدُّنْيَا أَشَدَّ مُجَادَلَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ فِي إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ أُدْخِلُوا النَّارَ، قَالَ: يَقُولُونَ:
===
بالجملة، نظير قوله تعالى:{كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} (1)، وقول الشاعر:
ولقد أَمُرُّ على اللئيم يَسُبُّنِي
…
فمضَيتُ ثمَّتَ قلتُ لا يَعْنِينِي
فصح وصف الحمار بجملة يحمل، ووصف اللئيم بجملة يسبني؛ لكون أل فيهما جنسية لا تفيد التعريف، فلا يكون خرقًا لقاعدتهم: إن الجمل بعد المعارف تكون أحوالًا، وبعد النكرات صفات.
وقوله: (في الدنيا) متعلق بمجادلة (أشد) بالنصب خبر (ما) الحجازية، وقوله:(مجادلة) بالنصب على التمييز، وفيه مبالغة حيث جعل المجادلة ذاتًا، فوصفت بكونها أشد ولا يمكن جر مجادلة بإضافة أشد إليها؛ لأن التنكير يأباهُ، ولأنه يلزم الجمع بين الإضافة ومِن، والقاعدة أن اسم التفضيل يستعمل بإحداهما واللام لا بهما. انتهى "سندي".
وقوله: (من المؤمنين) متعلق بأشد، والجاران في قوله:(من المؤمنين لربهم) يتعلقان بالمجادلة المقدرة، وكذا الجار في قوله:(في إخوانهم) أي: من مجادلة المؤمنين في شأن إخوانهم أو لأجل إخوانهم، والمعني: إذا خلص الله سبحانه وتعالى المؤمنين ونجاهم من النار وأمنوا على أنفسهم من دخولها .. فليست مطالبة أحدكم في الدنيا لغريمه الذي عليه حقه بالحق الذي كان له عليه .. أشد مطالبة من مطالبة المؤمنين لربهم وسؤالهم إياه يوم القيامة في شؤون إخوانهم (الذين أدخلوا النار) بالبناء للمفعول وإخراجهم منها.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقولون) أي: يقول المؤمنون الذين
(1) سورة الجمعة: (5).
رَبَّنَا؛ إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَحُجُّونَ مَعَنَا فَأَدْخَلْتَهُمُ النَّارَ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَأَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ، فَيَأْتُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ لَا تَأْكُلُ النَّارُ صُوَرَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَي أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى كَعْبَيْهِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا؛ أَخْرَجْنَا مَنْ قَدْ أَمَرْتَنَا،
===
نجاهم الله من النار في طلباتهم وشفاعاتهم لإخوانهم الذين في النار: يا (ربنا؛ إخواننا) الذين أدخلتهم النار (كانوا) في الدنيا (يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، فـ) مع ذلك (أدخلتهم النار) لحكمة لا نعلمها وأنت تعلمها، فأخرجهم لنا من النار، (فيقول) الله جل جلاله وعم نواله لأولئك المجادلين:(اذهبوا) إلى النار (فأخرجوا) منها (من عرفتم منهم) أي: من أهل النار.
(فيأتونهم) أي: فيأتي الشافعون أهل النار (فيعرفونهم) أي: فيعرفون إخوانهم الذين جادلوا في حقهم (بصورهم) أي: بألوانهم التي في وجوههم؛ فإن الوجه لا يتغير بالنار لأن النار لا تأكل أعضاء السجود، كما ورد في الخبر الصحيح، وفي "الكفاية": قوله: (بصورهم) أي: بوجوههم وهيئاتهم، وفي المخطوط (بصورتهم) بدل (بصورهم)، فانظر كيف يكون هذا الإخراج لمن لم يكن في قلوبهم محبة له في الدنيا، فلعل من لا يتحابون لا يشفعون هذه الشفاعة، أو أن الله تعالى يدخل المحبة في قلوبهم في تلك الحالة؛ أي: يعرفونهم بصورهم وألوانهم التي لهم في الدنيا؛ لأنه (لا تأكل النار) ولا تغير (صورهم) التي في أعضاء السجود.
(فمنهم) أي: فمن إخوانهم الذين يريدون إخراجهم (من أخذته) وأحرقته (النار إلى أنصاف ساقيه) جمع النصف فرارًا من كراهة إضافة المثنى إلى مثله؛ أي: إلى أوساط ساقيه، أو جمعه نظرًا إلى كثرة أفرادهم، (ومنهم من أخذته إلى كعبيه، فيخرجونهم فيقولون): يا (ربنا؛ أخرجنا من قد أمرتنا)
ثُمَّ يَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ دِينَارٍ مِنَ الْإِيمَانِ، ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ نِصْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ هَذَا فَلْيَقْرَأْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} .
===
بإخراجهم ممن نعرفهم، (ثم يقول) لهم سبحانه وتعالى:(أخرجوا) منها (من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان)، فيخرجونهم فيقولون: ربنا؛ أخرجنا من قد أمرتنا بإخراجهم، (ثم) يقول لهمْ أخرجوا (من كان في قلبه وزن نصف دينار) فيخرجونهم، فيقولون: ربنا؛ أخرجنا من أمرتنا بإخراجهم.
(ثم) يقول لهم: أخرجوا (من كان في قلبه مثقال حبة من خردل، قال أبو سعيد) الخدري: (فمن لم يصدق هذا) الحديث .. (فليقرأ) استشهادًا لهذا الحديث قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ} أي: لا ينقص من جزاء الحسنة ولا يزيد على جزاء السيئة {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ} فعلة العبد ({حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا})، ويزيد عليها في جزائها أضعافًا وأمثالًا كثيرة من عشرة إلى سبع مئة فما فوقها، ({وَيُؤْتِ}) فضلًا ({مِنْ لَدُنْهُ}) أي: من عنده ({أَجْرًا عَظِيمًا})(1) من غير جزاء الحسنة وأمثالها ما يشاء لمن شاء، والله سبحانه وتعالى أعلم بمعنى كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: النسائي في كتاب الإيمان (18)، باب زيادة الإيمان، الحديث (5025) عن أبي سعيد الخدري، وأحمد في "مسنده"(4/ 11898) من مسند أبي سعيد الخدري.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
(1) سورة النساء: (40).
(59)
- 59 - (5) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ نَجِيحٍ -وَكَانَ ثِقَةً- عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ،
===
ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث جندب بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(59)
- 59 - (5)(حدثنا علي بن محمد) الطنافسي الدمشقي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
(حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
قال: (حدثنا حماد بن نجيح) -بفتح النون وكسر الجيم آخره حاء مهملة- الإسكاف السدوسي -بفتح السين وضم الدال المهملتين- نسبة إلى سدوس بن ذهل، أبو عبد الله البصري. روى عن: أبي رجاء العطاردي: وأبي عمران الجوني، ويروي عنه: وكيع، له عند البخاري تعليقًا، وعند النسائي حديث واحد في أكثر أهل الجنة والنار، وعند ابن ماجه حديث آخر في تعلم الإيمان قبل القرآن.
قال أحمد: ثقة مقارب الحديث، وقال أبو حاتم: لا بأس به ثقة، وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة، وقال علي بن محمد الطنافسي:(حدثنا وكيع حدثنا حماد بن نجيح) ثم قال وكيع: (وكان) حماد بن نجيح (ثقة)، وجملة (وكان) في كلام المصنف من مقول وكيع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": صدوق، من السادسة. يروي عنه:(س ق).
(عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب (الجوني) -بفتح الجيم- نسبة إلى جون؛ بطن من الأزد، وهو الجون بن عوف البصري، ثقة، من كبار الرابعة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا.
===
(عن جندب بن عبد الله) بن سفيان البجلي أبي عبد الله البصري رضي الله تعالى عنه، سكن الكوفة ثم البصرة له صحبة، مات بعد الستين، له ثلاثة وأربعون حديثًا؛ اتفقا على سبعة، وانفرد مسلم بخمسة.
وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد دمشقي، وواحد كوفي، وحكمه: الصحة.
(قال) جندب: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان) -بكسر الفاء- جمع فتىً، وهو الرجل الشاب؛ أي: والحال أنا كنا غلمانًا أيفاعًا ونحن (حزاورة) جمع حَزْوَر -بفتح الحاء المهملة وسكون زاي معجمة وفتح واو ثم راء- ويقال: الحزوَّر -بتشديد الواو-: هو الغلام إذا اشتد وقوي وحزم، كذا في "الصحاح"، وفي "النهاية": الحزوَّر -بتشديد الواو-: هو الغلام الذي قارب البلوغ، وفي الكفاية: الحزاورة جمع حزور بتشديد الواو، والفتى الحزوَّر: هو الغلام إذا شب وقوي، ويطلق إجمالًا على الفتى إذا قارب الحلم فكاد يدركه أو جاوزه بقليل، والحزور من الأضداد؛ فهو القوي إذا وصفت به شابًا، والضعيف إذا وصفت به كبيرًا.
(فتعلمنا الإيمان) أي: أركانه (قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به) أي: بسبب القرآن (إيمانًا) أي: يقينًا.
وفي "الزوائد": إسناد هذا الحديث صحيح رجاله ثقات.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.
* * *
(60)
- 60 - (6) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نِزَارٍ، عَنْ أَبِيهِ،
===
ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، فقال:
(60)
- 65 - (6)(حدثنا علي بن محمد) الطنافسي الدمشقي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
قال: (حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
قال: (حدثنا علي بن نزار) -بكسر النون وبزاي وراء- ابن حيان -بمهملة مفتوحة وتحتانية مشددة- الأسدي مولاهم الكوفي. روى عن: أبيه، وزياد بن أبي زياد، وعكرمة مولى ابن عباس، ويروي عنه:(ت ق)، ومحمد بن فضيل، ومحمد بن بشر العبدي، وغيرهم.
قال الدوري عن ابن معين: ليس حديثه بشيء، وكذا قال ابن عدي: قال الأزدي: ضعيف جدا، روى له الترمذي وابن ماجه حديثًا واحدًا في ذم المرجئة والقدرية، وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم، وسمعت أصحابنا يضعفونه، وقال في "التقريب": ضعيف، من السادسة (ت ق).
(عن أبيه) نزار بن حيان الأسدي مولى بني هاشم الكوفي. روى عن: أبيه، وعكرمة، ويروي عنه:(ت ق)، وابنه على، وعبد الله بن محمد الليثي، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم.
ذكره ابن حبان في "الضعفاء"، وقال: يأتي عن عكرمة بما ليس من حديثه حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد، لذلك لا يجوز الاحتجاج به، وذكر ابن عدي في "الكامل" في ترجمة ابنه علي بن نزار حديثه عن عكرمة عن ابن عباس في المرجئة والقدرية، ثم قال: هذا الحديث أحد ما أنكر على علي بن نزار وعلى
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صِنْفَانِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَيْسَ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ:
===
والده. انتهى "تهذيب"، وقال في "التقريب": ضعيف، من السادسة.
(عن عكرمة) بن عبد الله مولى ابن عباس، أصله بربري، أبو عبد الله المدني، ثقة ثبت عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا يثبت عنه بدعة، من الثالثة، مات سنة أربع ومئة، وقيل بعد ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن) عبد الله (بن عباس) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته؛ رجاله ثلاثة منهم كوفيون، وواحد مدني، وواحد شامي، وواحد طائفي، وحكمه: الضعف؛ لأن علي بن نزار وأباه متفقون على ضعفهما.
(قال) ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفان) أي: طائفتان (من هذه الأمة) المحمدية، والصنف: النوع، وصنفان مبتدأ، سوغ الابتداء بالنكرة وصفه بما بعده، و (من هذه الأمة) صفة للمبتدأ، وجملة قوله:(ليس لهما في الإسلام) أي: في خصال الإسلام، أو في ثمراته (نصيب) أي: حظ خبر المبتدأ، وربما يستمسك بهذا الحديث من يكفر الفريقين.
قال التوربشتي: والصواب ألا يسارع إلى تكفير أهل القبلة المتأولين؛ لأنهم لا يقصدون بذلك اختيار الكفر، وقد بذلوا وسعهم في إصابة الحق، فلم يحصل لهم غير ما زعموا، فهم إذًا بمنزلة الجاهل والمجتهد المخطئ، وهذا القول هو الذي يذهب إليه المحققون من علماء الأمة نظرًا واحتياطًا، فيجري قوله:"ليس لهما في الإسلام نصيب" مجرى الإشاعة في بيان سوء حظهم وقلة نصيبهم من الإسلام؛ نحو قولك: ليس للبخيل من ماله نصيب. انتهى.
قلت: في صلاحية هذا الحديث للاستدلال به في الفروع .. نظر، كما
الْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ".
===
ستعرف من مباحث درجته فضلًا عن الأصول، والمطلوب فيها القطع، فكيف يصح التمسك به في التكفير.
وقوله: (المرجئة والقدرية) خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هما المرجئة والقدرية، وجعله بدلًا من صنفان يؤدي إلى الفصل بأجنبي بين التابع والمتبوع، ويجوز الجر على أنه بدل من ضمير (لهما) عند من يجوز البدل من الرابط، والنصب بتقدير أعني مشهور في مثله بين الطلبة، والمرجئة: هم الذين أرجؤوا الأعمال والفرائض، فقالوا: لا يضر مع الإسلام معصية، ولا ينفع مع الكفر طاعة، اسم فاعل من الإرجاء؛ وهو اعتقاد أن الكبيرة لا تضر مع الإيمان، وأن الإيمان إقرار باللسان ولو مع عدم الإيمان بالقلب.
وفي "السندي": والمرجئة اسم فاعل من أرجأت الأمر -بالهمزة- وأرجيت -بالياء- أي: أخرته؛ وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإسلام معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا بذالك لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم على المعاصي؛ أي: أخره عنهم وأبعده عنهم، وقيل: هم الجبرية القائلون بأن العبد كالجماد، سموا بذالك لأنهم يؤخرون إلى الله تعالى.
قال السيوطي: المرجئة هم الذين زعموا أنه لا يضر مع الإسلام معصية، كما أنه لا تنفع مع الكفر طاعة، وأن الله أرجأ تعذيبهم وأبعده عنهم، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن إيمان أحدهم مثل إيمان الرسل وكبار الصحابة، والقدرية: نفاة القدر، وهذا الاعتقاد وغيره نقلوه من اليونان، وكل فرق المعتزلة تجمعها هذه التسمية. انتهى منه.
قال السندي: والقدرية -بفتحتين أو بسكون الدال- هم عكس ما يفهم من ظاهر التسمية، فهم الذين نفوا القدر، ويقولون بأنف الأمور بلا سبق قدر،
(61)
- 61 - (7) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،
===
واشتهر بهذه التسمية من يقول بالقدر؛ لأجل أنهم تكلموا في القدر، وأقاموا الأدلة بزعمهم على نفيه، وتوغلوا في هذا المسألة حتى اشتهروا بهذا الاسم، وبسبب توغلهم وكثرة اشتغالهم صاروا هم أحق بهذه النسبة من غيرهم، فلا يراد أن المثبت أحق بهذه النسبة من النافي، على أن الأحاديث صريحة في أن المراد ها هنا النافي، فاندفع توهم القدرية أن المراد في هذا الحديث المثبت للقدر لا النافي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي؛ فقد أخرجه بهذا الطريق وطريق آخر في كتاب القدر، باب ما جاء في القدرية، الحديث (2149)، وسيذكره المصنف أيضًا بطريق آخر، وزعم الحافظ سراج الدين بُعدَه وبيَّن أنه موضوع، ورد عليه الحافظ صلاح الدين ثم الحافظ ابن حجر بما يبعده عن الوضع ويقربه إلى الحسن، وجعل نظرهما هو تعدد الطرق، والحديث جاء عن أبي بكر الصديق ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمر وجابر بطريق معاذ، وكثرة الطرق تفيد بأن له أصلًا، وبالجملة: فلا ينفع في الاستدلال في الأصول.
فدرجته: أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به (9)(9)؛ لأن في سنده راويين اتفقوا على ضعفهما، وغرضه: الاستئناس به.
* * *
ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(61)
- 61 - (7)(حدثنا علي بن محمد) الطنافسي الدمشقي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
قال: (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي، ثقة، من
عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ
===
التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن كهمس) بفتح أوله وثالثه مع سكون ثانيه آخره سين مهملة (بن الحسن) التميمي أبي الحسن البصري.
وثقه أحمد وابن معين وأبو داوود، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": ثقة، من الخامسة، مات سنة تسع وأربعين ومئة (149 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله بن بريدة) -مصغرًا- ابن الحصيب الأسلمي أبي سهل المروزي، ثقة، من الثالثة، قال ابن حبان: مات سنة خمس ومئة، وقيل: بل خمس عشرة ومئة (115 هـ). يروي عنه: (ع).
(عن يحيى بن يعمر) -بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة وبضم الميم أيضًا- القيسي الجدلي -بفتح الجيم- أبي سليمان البصري.
وثقه أبو حاتم والنسائي، وقال في "التقريب": ثقة فصيح، وكان يرسل، من الثالثة، مات قبل المئة بخراسان، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب العدوي أبي عبد الرحمن المكي رضي الله تعالى عنهما.
(عن) أمير المؤمنين (عمر) بن الخطاب العدوي أبي حفص المدني رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سباعياته؛ رجاله اثنان منهم بصريان، وواحد مدني، وواحد مكي، وواحد مروزي، وواحد كوفي، وواحد دمشقي، وحكمه: الصحة، ومن لطائفه: أن فيه رواية صحابي عن صحابي، وولد عن والد، وتابعي عن تابعي.
قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ قَالَ: فَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَهُ إِلَي رُكْبَتِهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ
===
(قال) عمر بن الخطاب: (كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، (فجاء رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى) ضبط بالتحتية المضمومة، أو بالنون المفتوحة (عليه أثر السفر) أي: علامة سفر من غبار وعرق، بالرفع على الضبط الأول، وبالنصب على الضبط الثاني، والرؤية على كلا الضبطين بصرية، (ولا يعرفه) أي: لا يعرف ذلك الرجل الجائي (منا أحد، قال) عمر بن الخطاب: (فجلس) ذلك الرجل (إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي: عند النبي صلى الله عليه وسلم، (فأسند) الرجل (ركبته إلى ركبته) صلى الله عليه وسلم، وفي رواية مسلم:(فاسند ركبتيه إلى ركبتيه) بالتثنية في الموضعين.
(ووضع) ذلك الرجل (يديه) أي: كفيه، كما في رواية مسلم (على فخذيه) أي: على فخذي نفسه جالسًا على هيئة المتعلم، كذا ذكره النووي، واختاره التوربشتي بأنه أقرب إلى التوقير من سماع ذو الأدب، أو على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره البغوي وغيره ويؤيده الموافقة لقوله:(فأسند ركبتيه إلى ركبتيه)، ورجحه ابن حجر بأن في رواية ابن خزيمة: (ثم وضع يديه على ركبة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: والظاهر أنه أراد بذلك المبالغة في تعمية أمره؛ ليقوى الظن بأنه من جفاة الأعراب.
قلت: وهذا الذي نقل من رواية ابن خزيمة هو رواية النسائي في حديث أبي هريرة وأبي ذر والواقعة متحدة.
ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ الْبَيْتِ"، فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَعَجِبْنَا مِنْهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ،
===
(ثم) بعد جلوسه (قال) ذلك الرجل: (يا محمد) كراهة النداء باسمه صلى الله عليه وسلم في حق الناس لا في حق الملائكة، فلا إشكال في نداء جبريل بذلك على أن التعمية كانت مطلوبة؛ (ما الإسلام؟ ) أي: ما حقيقة الإسلام وأساسه وأركانه؛ لأن "ما" يسأل بها عن الحقيقة، (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله: حقيقة الإسلام وأركانه (شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله) أي: اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان بوحدانية الله سبحانه وتعالى وبرسالتي، (وإقام الصلاة) المكتوبة؛ أي: أداؤها في أوقاتها بأركانها وشروطها وآدابها (وإيتاء الزكاة) المفروضة أي أداؤها إلى مستحقيها في وقت وجوبها، والتمكن من إخراجها، (وصوم) نهار شهر (رمضان) أي: الإمساك فيه عن المفطرات بنية العبادة، (وحج البيت) الحرام والمشاعر العظام بالنسك المعلوم في الإسلام؛ أي: قصده بنية العبادة وفعلها على الكيفية المبينة في الشرع لمن استطاع إليه سبيلًا، حاصله أن الإسلام هذه الأركان الخمسة الظاهرة.
(فقال) الرجل السائل للنبي صلى الله عليه وسلم: (صدقت) يا محمد فيما أخبرتني، قال عمر بن الخطاب:(فعجبنا) معاشر الحاضرين (منه) أي: من حال ذلك الرجل حال كونه (يسأله) صلى الله عليه وسلم، والسؤال يقتضي الجهل بالمسؤول عنه، (ويصدقه) صلى الله عليه وسلم، والصدق: هو الخبر المطابق للواقع، وهذا فرع معرفة الواقع والعلم به ليعرف مطابقة هذا له، قال النووي: سبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل، إنما هذا كلام
ثم قَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"،
===
خبير بالمسؤول عنه، ولم يكن في ذلك الوقت من يعلم هذا غير النبي صلى الله عليه وسلم.
(ثم قال) الرجل السائل ثانيًا: (يا محمد؛ ما الإيمان؟ ) أي: ما حقيقة الإيمان وأركانه وأساسه؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه: حقيقة الإيمان وأساسه (أن تؤمن بالله) أي: أن تصدق بوجوده وبصفاته الكمالية، فالمراد بالإيمان الواقع في الجواب: المعنى اللغوي الذي هو التصديق، والإيمان المسؤول عنه هو الشرعي، فلا دور، وفي هذا إشارة إلى أن هذا الفرق بين الإيمان الشرعي واللغوي بخصوص انمتعلق في الشرعي، وحاصل الجواب: أن الإيمان هو الاعتقاد الباطني.
(و) بوجود (ملائكته) الذين خلقوا من نور من غير أب ولا أم، لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، (و) بإرسال (رسله) الذين كانوا من الإنس إلى عباده المكلفين بتكاليفه الشرعية، (و) بإنزال (كتبه) التي هي دستور الشرائع لعباده على رسله، (و) بمجيء (اليوم الآخر) وصف بالآخر؛ لأنه كان آخر أيام الدنيا؛ أي: أن تُصدِّق بمجيئه وبجميع ما اشتمل عليه من الإعادة بعد الموت والحشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار.
(و) تؤمن بـ (القدر) أي: بتقدير الله سبحانه الكائنات في الأزل على هيئة وجودها فيما لا يزال؛ أي: علمه بمقاديرها وهيئاتها وأزمنتها وأمكنتها قبل وجودها (خيره وشره) بدل من القدر، بدل تفصيل من مجمل؛ أي: وأن تصدق بخير ذلك المقدر ونفعه للعباد كالإيمان والطاعات، وبشره وضره للعباد كالكفر والمعاصي .. من الله تعالى، وهو ما دل عليه قوله تعالى:
قَالَ: صَدَقْتَ، فَعَجِبْنَا مِنْهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ مَا الْإِحْسَانُ؛ قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ،
===
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (1)، وقوله تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (2)، ويدل عليه إجماع السلف والخلف على صدق قول القائل: ما شاء الله .. كان، وما لم يشاء .. لم يكن، وقوله صلى الله عليه وسلم:"كل شيء بقدر حتى العجز والكيس"، رواه مسلم ومالك في "الموطأ" من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وقد بسطنا الكلام هنا بما لا مزيد عليه في "الكوكب الوهاج"، فراجعه.
(قال) الرجل السائل: (صدقت) يا محمد؛ أي: نطقت كلامًا صادقًا فيما أخبرت به من الإيمان، قال عمر بن الخطاب:(فعجبنا منه) أي: من حال الرجل حالة كونه (يسأله) كأنه جاهل، (ويصدقه) كأنه عالم، (ثم قال) الرجل ثالثًا:(يا محمد؛ ما الإحسان؟ ) أي: ما حقيقة الإحسان؛ لأنه سؤال عن حقيقته ليعلمها الحاضرون، كالذي قبله، قال القاضي عياض: يعني بالإحسان: الإخلاص؛ لأنه فسره بما معناه ذلك، وقال الأبي: وقيل: يعني به: إجادة العمل، من أحسن في كذا إذا أجاد في فعله، ومنه حديث:"إذا قتلتم .. فأحسنوا القتلة"، وهو بهذا التفسير أخص من الأول؛ أي: ما حقيقة الإحسان في العبادة الذي حث الله تعالى عباده على تحصيله في كتابه بقوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (3).
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله: الإحسان هو (أن تعبد الله) سبحانه وتعالى (كأنك تراه) سبحانه، قال السندي: صفة لمصدر
(1) سورة الصافات: (96).
(2)
سورة القمر: (49).
(3)
سورة آل عمران: (134).
فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"،
===
محذوف؛ أي: أن تعبد الله عبادة مشبهة بعبادتك إياه حال رؤيتك إياه، أو حال من فاعل (تعبد) أي: أن تعبد الله حال كونك مستحضرًا خشية من يراه سبحانه، آتيًا بعبادته مستوفاة الشرائط والأركان؛ أي: أن تعبد الله والحال كانك تراه، وليس المقصود على تقدير الحالية أن ينتظر بالعبادة تلك الحال، فلا يعبد قبل تلك الحال، بل المقصود تحصيل تلك الحال في العبادة، وهذا إشارة إلى مقام المشاهدة؛ وهو أن تعبد الله كأنك تراه.
(فإنك إن لا تراه) سبحانه وتعالى .. (فإنه) تعالى (يراك) أي: فإنك إن لم تكن تراه سبحانه .. فإنه سبحانه يراك أيها العابد؛ أي: فإن لم تعبده وأنت من أهل الرؤية المعنوية .. فاعبده وأنت بحيث أنه يراك؛ أي: فصور نفسك كأنك أعمى يفعل شيئًا عند بصير يخاف منه، وهذا عندهم يسمى مقام المراقبة، وقد بسطنا الكلام هنا في "شرحنا على صحيح مسلم"، والحاصل: أن الإحسان هو مراعاة الخشوع والخضوع وما في معناهما في العبادة على وجه راعاه لو كان رائيًا، ولا شك أنه لو كان رائيًا حال العبادة .. لما تركَ شيئًا مما قدر عليه من الخشوع وغيره، ولا منشأ لتلك المراعاة حال كونه رائيًا إلا كونه تعالى رقيبًا عالمًا مطلعًا على حاله، وهذا موجود، وإن لم يكن العبد يراه تعالى، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في تعليله:"فإنك إن لا تراه .. فإنه يراك" أي: وهو يكفي في مراعاة الخشوع على ذلك الوجه انتهى "سندي".
فإن قلتَ: لم أخر السؤال عن الإحسان مع أنه مطلوب في كل من الإسلام والإيمان؟
قلتُ: أخره عنهما؛ لأنه صفة الفعل، أو شرط في صحته، والصفة بعد
قَالَ: فَمَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ"، قَالَ: فَمَا أَمَارَتُهَا؟ قَالَ: "أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا
===.
الموصوف، وبيان الشرط متأخر عن بيان المشروط. انتهى من "الكوكب" نقلًا عن "الآبي".
(قال) الرجل السائل رابعًا: (فمتى الساعة؟ ) يا محمد؛ أي: فأي وقت قيام الساعة؛ أي: القيامة؟ قال الزمخشري: سميت ساعة لسرعة قيامها، أو تفاؤلًا لما هي عليه من الطول؛ كما سمي المهمه مفازة؛ ولأنها عند الله تعالى كساعة، وليس السؤال عن وقت مجيئها؛ ليعلم الحاضرون كالمسؤول عنه في الأسئلة السابقة، بل لينزجروا عن السؤال عنها؛ فإنهم أكثروا السؤال عنها، كما قال تعالى:{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} (1).
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال الرجل: (ما المسؤول عنها) أي: عن الساعة، يريد نفسه (بأعلم من السائل) يريد جبريل عليه السلام، أو المراد التعميم لكل سائل ومسؤول، فلما أجيبوا بأنه لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى .. كفوا عن السؤال عنها؛ لأن معنى ما المسؤول عنها بأعلم من السائل: لا علم لي ولا لك ولا لأحد بها.
(قال) الرجل السائل: (فما أمارتها؟ ) أي: ما علاماتها الدالة على قربها؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمارتها (أن تلد) وتضع (الأمة) أي: الرقيقة المستفرشة (ربتها) أي: مالكها، هكذا جاء في رواية بالتأنيث، وفي أخرى:(ربها) بالتذكير، وفي أخرى:(بعلها) وهو السيد والرب المالك، وأنث في الرواية الأولى على معنى النسمة ليشمل الذكر والأنثى، واختلفوا في تفسير هذا على أقوال:
(1) سورة الأحزاب: (63).
-قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي: تَلِدُ الْعَجَمُ الْعَرَبَ- وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ
===
أحدها: أن المراد بها أن يستولي المسلمون على بلاد الكفار، فيكثر التسري، فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه بأبيه، وعلى هذا يكون من أشراط الساعة استيلاء المسلمين على المشركين وكثرة الفتوح.
وثانيها: أن يبيع السادة أمهات أولادهم، فيكثر ذلك فتتداول الأمهات المستولدة، فربما يشتريها ولدُها أو ابنتُها ولا يشعر بذلك، فيصير ولدها ربها، وعلى هذا فالذي يكون من الأشراط غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد والاستهانة بالأحكام الشرعية، وهذا على قول من يرى تحريم بيع أمهات الأولاد، وهم الجمهور، ويصح أن يحمل على بيعهن في حال حملهن، وهو محرم بالإجماع.
وثالثها: أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة والسب، وعلى هذا فمعنى قوله:(أن تلد الأمة ربتها) أي: أن تحكم البنت على الأم من كثرة العقوق حكم السيدة على أمتها، ولما كان العقوق في النساء أكثر .. خصت البنت والأمة بالذكر.
ومن المعنى الأول ما أدرجه عن وكيع حيث قال: قال لنا علي بن محمد: (قال وكيع: يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام أن (تلد العجم العرب) أي: أن تلد الأمة المسبية من العجم ولدًا من العرب، فيكون ذلك الولد بمنزلة سيدها في شرفه عليه، فهو كناية عن كثرة السراري.
(و) من أمارتها أيضًا (أن ترى) أنت يا محمد (الحفاة) -بضم أوله على وزن قضاة- جمع حافٍ؛ وهو الذي لا يلبس في رجله شيئًا، (العراة) -بضم أوله أيضًا- جمع عارٍ؛ وهو الذي لا يلبس على جسده ثوبًا، (العالة) -بفتح أوله وتخفيف اللام- جمع عائل؛ وهو الفقير من العيلة؛ وهو الفقر،
رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبِنَاءِ" قَالَ: ثُمَّ قَالَ: فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ثَلَاثٍ
===
يقال: عَالَ الرجلُ يعِيل عيلة إذا افتقر، (رعاء الشاء) -بالمد فيهما مع كسر أول أولهما وفتح أول ثانيهما- جمع راع، من الرعي بمعنى الحفظ، ويجمع أيضًا على رعاة بوزن غزاة، والشاء: جمع شاة؛ وهو من الجمع الذي يفرق بينه وبين واحده بالهاء، كشجرة وشجر، وإنما خص أهل الشاء بالذكر؛ لأنهم أضعف أهل البادية.
وجملةُ قوله: (يتطاولون) أي: يتفاخرون (في البناء) أي: في طُول وكثرة أدواره .. في محل النصب حال من مفعول ترى؛ لأن الرؤية هنا بصرية، والمراد: الأعراب وأصحاب البوادي يتطاولون بكثرة المال؛ لأن هذه الأوصاف هي الغالبة على أهل البادية، ومقصود هذا الحديث: الإخبار عن تبدل الحال وتغيره بأن يستولي أهل البادية الذين هم هذه صفاتهم على أهل الحاضرة، ويتملكوا بالقهر والغلبة، فتكثر أموالهم وتتسع في حطام الدنيا امالهم، فتنصرف هممهم إلى تشييد المباني وهدم الدين وشريف المعاني، وأن ذلك إذا وجد .. كان من أشراط الساعة، ويؤيد هذا ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس لكع ابن لكع"، رواه أحمد (5/ 389) والترمذي (3310)، واللكع: هو اللئيم، وقد شوهد هذا كله الآن عيانًا، فكان ذلك على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى قرب الساعة حجة وبرهانًا. انتهى من "الكوكب الوهاج"، وقد بسطنا الكلام فيه ها هنا من المسائل النفيسة بما لا مزيد عليه.
(قال) ابن عمر: (ثم) بعد رواية هذا الحديث لنا (قال) عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم ورآني (بعد ثلاث) ليالٍ،
فَقَالَ: "أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ؟ "، قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:"ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ مَعَالِمَ دِينِكُمْ".
===
(فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدري) يا عمر؛ أي: هل تعلم (من الرجل) الذي سألني عن الإسلام والإيمان؛ أي: هل تعلم جنسه واسمه؟ قال عمر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (الله ورسوله أعلم) بذلك السائل وجنسه واسمه وحكمة مجيئه.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذاك) الرجل الذي سألني هو (جبريل) الأمين (أتاكم يعلمكم) أي: يتسبب في تعلمكم (معالم دينكم) أي: أصول دينكم وأساسه بسؤاله إياي؛ أي: أتاكم حالة كونه معلمًا إياكم قواعد دينكم وأساسه وأصوله، أي: حالة كونه مريدًا التسبب في تعلمكم معالم دينكم وأصوله بسؤاله إياي، وجملة (يعلم) في محل النصب حال من فاعل (أتاكم) كما قدرنا في المحل، والمعالم: جمع معلم؛ بمعنى: مداركه ودلائله، والإضافة للبيان، أي: قواعد دينكم، أو كلمات دينكم.
قال النواوي: فيه أن الدين اسم للثلاثة: الإسلام والإيمان والإحسان، قال القاضي عياض: وهذا الحديث قد اشتمل على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة؛ من عقود الإيمان، وأعمال الجوارح، وإخلاص السرائر، والحفظ من آفات الأعمال، حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه، قال القرطبي: فيصلح هذا الحديث أن يقال فيه: إنه أم السنة؛ لما تضمنه من جمل علم السنة، كما سُمِّيت الفاتحةُ أم القرآن؛ لما تضمنته من جمل علوم القرآن، كما بسطنا الكلام فيها في "الحدائق".
ومن فوائده أنه يدل على أنه ينبغي لمن حضر مجلس العالم إذا علم بأهل المجلس حاجة إلى مسألة لا يسالون عنها .. أن يسأل هو عنها؛ ليحصل
(62)
- 62 - (8) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ،
===
الجواب للجميع، وعلى أنه ينبغي للعالم أن يرفق بالسائل ويُدنيه منه؛ ليتمكن من سؤاله غير هائب ولا منقبض، وأنه ينبغي للسائل أن يرفق في سؤاله، والله أعلم. انتهى من "الكوكب".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإسلام والإيمان والإحسان، وأبو داوود في كتاب السنة، باب في القدر، والترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في وصف جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام، والنسائي في كتاب الإيمان، باب نعت الإسلام.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.
* * *
ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:
(62)
- 62 - (8)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي.
(حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن عُلَّية) اسم أمه القرشي الأموي مولاهم أبو بشر البصري، ثقة حافظ، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين ومئة (193 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي حيان) -بالمهملة المفتوحة والتحتانية المشددة- يحيى بن سعيد بن حيان التيمي -من تيم الرباب- الكوفي المدني.
وثقه العجلي، وقال في "التقريب": ثقة عابد، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَلقَائِهِ،
===
(عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي. ثقة ثبت، من الثالثة، رأى عليًّا. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم كوفيون، وواحد مد في، وواحد بصري، وحكمه: الصحة.
(قال) أبو هريرة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا) من الأيام (بارزًا) أي: ظاهرًا بالبراز وهو الفضاء (للناس) أي: لأجلهم حتى يسألوه وينفع كل من يريد، (فأتاه) صلى الله عليه وسلم (رجل) غير معروف لهم، (فقال) ذلك الرجل:(يا رسول الله؛ ما الإيمان؟ ) أي: ما حقيقته وماهيته؟ وأما قوله هنا: يا رسول الله، وفي حديث عمر: يا محمد .. فهو نقل بالمعني، وحديث عمر نقل باللفظ، (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان؛ أي: حقيقته وأركانه (أن تؤمن) وتصدق (بالله) أي: بوحدانيته تعالى، (و) بوجود (ملائكته) أي: بوجود عباد له مكرمين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، (و) بإنزال (كتبه) التي أنزلها على بعض رسله؛ وهي مئة وعشرة كتب، وفي رواية مسلم:(وكتابه) بالإفراد نظرًا بمعنى الجنس.
(و) بإرسال (رسله) بشريعته إلى جميع المكلفين، ليأمروهم بها، (و (لقائه) سبحانه وتعالى بالموت، قيل: اللقاء في الكتاب والسنة يفسر بالثواب والحساب والموت والرؤية والبعث الآخر، ويحمل هنا على
وَتُؤمِنَ بِالبَعثِ الآخِرِ"،
===
غير البعث الآخر؛ لأنه مذكور من بعد، حيث قال: وتؤمن بالبعث الآخر.
قلت: إذا فسر اللقاء بالموت .. فالظاهر أن يُراد موتُ العالم وفناءُ الدنيا بتمامها، وإلا .. فكل أحد عالم بموته لا يمكن أن ينكره، فلا يحسن التكليف بالإيمان به، وأما الثواب والحساب .. فهما غير البعث، فلا تكرار إذا أريد أحدهما، وأما الرؤية .. فقال النواوي: ليس المراد باللقاء رؤية الله تعالى؛ فإن أحدًا لا يقطع لنفسه برؤية الله تعالى؛ لأن الرؤية مختصة بالمؤمنين، ولا يدري بماذا يختم له. انتهى.
قلت: وقد يقال: الإيمان بتحقيق هذا لمن أراد الله تعالى له ذلك من غير أن يخص أحدًا بعينه، وليس في الحديث أن يؤمن كل شخص برؤية الله تعالى له، كما لا يخفى، وهذا مثل الإيمان بالحساب أو بالثواب والعقاب مع عدم هذه الأشياء للكل؛ فإن منهم من يدخل الجنة بلا حساب، وكم من لا يعاقب أو يثاب. انتهى "سندي".
(و) أن (تؤمن بالبعث الآخر) -بكسر الخاء المعجمة- واللقاء المذكور أولًا الموت؛ أي: موت العالم كلهم بالنفخة الأولى، والبعث الآخر: القيام للحساب، قال القاضي عياض: وصف البعث بالآخر تأكيدًا، أو لأن الخروج من الأرحام بعث أول. انتهى.
قال النواوي: أما وصف البعث بالآخر .. فقيل: هو مبالغة في البيان والإيضاح؛ وذلك لشدة الاهتمام به، وقيل: سببه أن خروج الإنسان إلى الدنيا بعث من الأرحام، وخروجه من القبر للحشر بعث من الأرض، فقيد البعث بالآخر؛ ليتميز عن الأول، والله أعلم.
وإنما أعاد العامل في قوله: (وتؤمن بالبعث الآخر) وكذا الجار، ولم يكتف
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ،
===
بالعطف على لفظِ الجلالة؛ اهتمامًا بشأنه؛ لأن مشركي مكة وغيرهم من سائر المشركين ينكرونه.
(قال) الرجل السائل: (يا رسول الله) هذا نقل بالمعني، كما عرفت (ما الإسلام؟ ) أي: ما حقيقته وماهيَّتُهُ؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام كما صرح به في رواية مسلم؛ أي: حقيقته وماهيته (أن تعبد الله) سبحانه وتعالى وتوحده بلسانك على وجه يعتد به، فيشمل الشهادتين، فوافقت هذه الرواية روايته ثَمَّ؛ أي: في حديث عمر، وكذلك حديث بني الإسلام.
وقوله: (ولا تشرك به) سبحانه وتعالى (شيئًا) من المخلوقات حيوانًا أو غيره حيًّا أو غيره .. تفسير لما قبله، وهذا نقل بالمعنى، وأما حديث عمر:(أن تشهد أن لا إله إلا الله) .. فنقل باللفظ، وعبارة "الكوكب" هنا: وأما قوله: (ولا تشرك به شيئًا) .. فذكره بعد العبادة التي هي التوحيد مع دخول عدم الشرك فيها للتفسير، ولأن الكفار كانوا يعبدونه سبحانه وتعالى في الصورة، ويعبدون معه أوثانًا يزعمون أنها شركاء لله تعالى، فنفي به عملهم هذا؛ كما يقولون: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك. انتهى.
(و) أن (تقيم الصلاة المكتوبة) أي: تؤديها بأركانها وشرائطها، أو تديم إقامتها وتحافظ عليها (و) أن (تؤدي) أي: تصرف (الزكاة المفروضة) أي: الواجبة في مصارفها الثمانية المبينة في الكتاب العزيز، وفي "الكوكب": والكتب في الصلاة والفرض في الزكاة بمعنى واحد، وغاير بينهما كراهية تكرار اللفظ بعينه؛ فهو مذموم إلا أن يفيد معنى زائدًا، وهذا
وَتَصُومَ رَمَضَانَ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَتَى السَّاعَةُ؟
===
هو المسمى عند البديعيين بالتفنن؛ وهو ذكر نوعين من الكلام مع اتحاد المعنى؛ لثقل تكرار أحدهما على اللسان. انتهى منه، وهنا فيه نفائس مستجادات فراجعه.
(و) أن (تصوم) شهر (رمضان) قال القرطبي: وهذا دليل على جواز أن يقال: رمضان بلا إضافة شهر إليه، خلافًا لمن يقول: لا يقال: رمضان، بل يقال: شهر رمضان، متمسكًا في ذلك بحديث لا يصح، كما بينا فيه.
(قال) الرجل السائل: (يا رسول الله؛ ما الإحسان؟ ) أي: ما حقيقة الإحسان والإخلاص في العمل؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإحسان (أن تعبد الله) أي: أن تخلص عملك لله تعالى حالة كونك (كأنك تراه) وتشاهده؛ أي: أن الإحسان عبادتك له مستحضرًا في عملك خشوعًا وخضوعًا له حين تراه وتشاهده لو رأيته، (فإنك) أيها العابد لربه (إن لا تراه) أي: إن لم تر ربك حين تعبده .. (فإنه) سبحانه وتعالى (يراك) أي: يرى ذاتك وعملك ويعلم أنك أخلصت فيه أم لا.
والمعنى: أخلص عملك له تعالى إخلاصًا كإخلاص من يراه ويشاهده، ويقوم بين يديه، ولا يلتفت إلى غيره.
(قال) الرجل: (يا رسول الله؛ متى) قيام (الساعة؟ ) وأي وقت مجيء القيامة؛ قال القرطبي: مقصود هذا السؤال زجر السامعين عن السؤال عنها؛ لأنهم أكثروا السؤال عن تعيين وقتها، كما قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} (1) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، فلما أجابه النبي صلى الله عليه
(1) سورة النازعات: (42).
قَالَ: "مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ
===
وسلم بأنه لا يعلمها إلا الله تعالى .. يئس السائلون عن معرفتها، فانكفوا عن السؤال عنها، وهذا بخلاف الأسئلة الأخر، فإن مقصودها استخراج الأجوبة عنها ليسمعها السامعون ويعمل بها العاملون. انتهى.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له: (ما) نافية حجازية؛ أي: ليس (المسؤول عنها) يريد نفسه (بأعلم من السائل) يريد الرجل السائل، (ولكن) حدثني يا رسول الله عن أشراطها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(سأحدثك) أي: في الزمن القريب أخبرك (عن أشراطها) أي: عن أشراط الساعة وأماراتها التي تدل على قربها.
وإنما أولنا هذا الحديث هكذا؛ ليحصل الجمع بين هذا الحديث الوارد بطريق أبي هريرة وبين الحديث الوارد بطريق عمر السابق قبل هذا؛ لأن بين الحديثين معارضة؛ لأن قوله في حديث عمر: (فأخبرني عن أمارتها) يدل على أن المبتدئ بالسؤال جبريل عليه السلام، والمجيب هو النبي صلى الله عليه سلم، وقوله هنا في حديث أبي هريرة:(ولكن سأحدثك عن أشراطها) يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب وأخبر له بلا سبق سؤال منه، فيجمع بينهما بأن جبريل عليه السلام ابتدأ بالسؤال المقدر، كما قدرناه، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(سأحدثك عن أشراطها)، فذكر في حديث عمر السؤال والجواب، وذكر في حديث أبي هريرة الجواب وحذف السؤال، فبهذا يزول التعارض بين الحديثين، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى من "الكوكب"، وفيه هنا نفائس مستجدات، فراجعه.
ثم ذكر الأشراط الموعودة، فقال: منها (إذا ولدت) أي: وضعت (الأمة)
رَبَّتَهَا .. فَذلِكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْغَنَمِ فِي الْبُنْيَانِ .. فَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ"، فَتَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
===
أي: الرقيقة وفي بعض الروايات: (إذا ولدت المرأة) أي: حرة كانت أو رقيقة (ربتها) أي: سيدتها .. (فذلك) أي: ولادها ووضعها ربتها (من) بعض (أشراطها) أي: من بعض أشراط الساعة وأمارات قربها.
(و) منها (إذا تطاول رعاء الغنم) أي: تفاخر رعاة الغنم (في) طول (البنيان) والعمائر .. (فذلك) التطاول والتباهي (من أشراطها) أي: من أشراط قربها، كما هو شأن أهل زماننا، والرعاء -بكسر الراء- جمع راع، وقد مر لك أنه يجمع على رعاة؛ كغاز وغزاة، يقال: تطاول في البنيان إذا تفاخر وتباهى على غيره بطول بنيانه علي بنيانه، وقوله:(في خمس) متعلق بمحذوف، تقديره: هي في عداد خمس (لا يعلمهن) أحد (إلا الله) سبحانه وتعالى؛ أي: انفرد الله سبحانه وتعالى بعلمهن، فلا مطمع لأحد في علم شيء من تلك الأمور الخمس؛ لقوله تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} (1).
وعبارة السندي هنا: قوله: "في خمس" أي: وقت قيام الساعة في خمس لا يعلمهن إلا الله، فهو خبر لمحذوف، والجملة دليل على قوله:"ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، وهذا هو الموافق للأحاديث، وقيل:(في خمس) حال من (رعاء) أي: متفكرين في خمس، والمراد: التنبيه على جهلهم وحماقتهم.
(فتلا) وقرأ (رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيان تلك الخمس قوله
(1) سورة الأنعام: (59).
{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ
===
تعالى: ({إِنَّ اللَّهَ}) سبحانه وتعالى ({عِنْدَهُ}) لا عند غيره ({عِلْمُ}) وقت قيام ({السَّاعَةِ})، قال الفرَّاء: إن معنى هذا الكلام النفي؛ أي: ما يعلمه أحد إلا الله عز وجل، والساعة جزء من أجزاء الجديدين، سميت بها القيامة؛ لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا؛ أي: عنده تعالى علم وقت قيام الساعة وما يتبعه من الأحوال والأهوال؛ فهو تعالى متفرد بعلمه، فلا يعلمه أحد سواه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما قال تعالى:{لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} (1)، فلا يدري أحد في أي سنة وفي أي شهر وفي أي ساعة من ساعات الليل والنهار تقوم الساعة. انتهى من "الكوكب" نقلًا عن "الحدائق".
وجملة قوله: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} معطوف على ما يقتضيه الظرف في قوله: {عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} من الفعل، تقديره: إن الله سبحانه وتعالى يُثبت عنده علم الساعة، وينزل الغيث بالتشديد والتخفيف قراءتان سبعيتان، وهذا من حيث ظاهر الترتيب، وأما من حيث المعنى .. فهو معطوف على الساعة، فيكون العلم مسلطًا عليه؛ أي: وعنده علم وقت نزول الغيث، وسصي المطر غيثًا؛ لأنه غياث الخلق به رزقهم وعليه بقاؤهم، والغيث مخصوص بالمطر النافع، والمعني: أي وينزل الغيث في زمانه الذي قدره أزلًا من غير تقديم ولا تأخير إلى محلِّه الذي عيَّنه في علمه من غير خطأ ولا تبديل؛ فهو منفرد بعلم زمانه ومكانه وعدد قطراته.
({وَيَعْلَمُ}) سبحانه وتعالى ({مَا فِي الْأَرْحَامِ}) أي: ما في أرحام النساء من الجنين؛ أي: يعلم ذاته: أذَكَر أم أنثى؟ حيٌّ أم ميت؟ وصفاته: أتام الخلق أم ناقصه؟ حسن أم قبيح؟ أحمر أم أسود؟ سعيد أم شقي؟ أي: يعلم أوصافه
(1) سورة الأعراف: (187).
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
===
في حالة كونه نطفة قبل تمام خلقه، وما يعرفه الناس الآن بالجهاز .. فبعد تمام خلقه، والأرحام جمع رحم؛ وهو بيت منبت الولد ووعاؤه.
({وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ}) من النفوس وما تعرف ({مَاذَا}) أي: أي شيء ({تَكْسِبُ}) وتفعل ({غَدًا}) أي: يومًا تاليًا ليومها الذي هي فيه، بل وماذا يعرض لها في الدقيقة التي بعد دقيقتها؛ أي: لا يعرف أحد من الناس ماذا يفعل غدًا، وماذا يحصل له من خير أو شر، ووفاق وشقاق، وربما يعزم على خير فيفعل الشر وبالعكس، ({وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ}) من النفوس وإن أعملت حيلها ({بِأَيِّ أَرْضٍ}) ومكان ({تَمُوتُ}) أي: لا تدري أين مضجعها من الأرض؛ أفي البحر أم في البر؟ أو في سهل أم في جبل؟ كما لا تدري في أي وقت تموت، وإن كانت تدري أنها تموت في الأرض في وقت من الأوقات، وربما أقامت بمكان ناوية ألا تفارقه إلى أن تدفن به، ثم تدفن في مكان لم يخطر لها ببال قط، وأنشدوا:
إذا ما حِمامُ المرءِ كان ببلدةٍ
…
دعتْهُ إليها حاجةٌ فيَطِيرُ
ومن ادعى أنه يعلم شيئًا من هذه الخمس .. فقد كفر بالقرآن؛ لأنه خالفه.
({إِنَّ اللَّهَ}) سبحانه وتعالى ({عَلِيمٌ}) يعلم الأشياء كلها؛ هذه الخمسة وغيرها، ({خَبِيرٌ})(1) يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها، وهنا نفائس مستجادات، كتبناها في "الكوكب"، فراجعها إن أردت الغوص في بحث المغيبات.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الإيمان، باب سؤال
(1) سورة لقمان: (34).
(63)
- 63 - (9) حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ أَبُو الصلْتِ الْهَرَوِيُّ،
===
جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، الحديث (55)، وفي كتاب التفسير، باب إن الله عنده علم الساعة، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الإيمان ما هو وبيان خصاله، الحديث (97 - 98).
فدرجته: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استأنس المؤلف ثانيًا للترجمة بحديث علي رضي الله عنه، فقال:
(63)
- 63 - (9)(حدثنا سهل بن) زنجلة (أبي سهل) أبو عمرو الرازي الحناط الأشتر الحافظ.
قال أبو حاتم: صدوق، وقال مسلمة: رازي ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": صدوق، من العاشرة، مات في حدود الأربعين والمئتين. يروي عنه:(ق).
(ومحمد بن إسماعيل) بن سمرة الأحمسي أبو جعفر الكوفي السراج.
قال ابن أبي حاتم: صدوق ثقة، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو القاسم: مات سنة ستين ومئتين (260 هـ)، وقيل قبلها، من العاشرة. يروي عنه:(ت س ق).
(قالا: حدثنا عبد السلام بن صالح) بن سليمان القرشي مولاهم (أبو الصلت الهروي) نزيل نيسابور رحل في الحديث إلى الأمصار وخدم علي بن موسى الرضا.
قال العقيلي: رافضي خبيث، وقال مسلمة عن العقيلي: كذاب، وقال
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ،
===
ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وقال الحاكم والنقَّاش وأبو نعيم: روى مناكير، وقال محمد بن طاهر: كذاب له في "ابن ماجة" حديث (الإيمان إقرار بالقول فحسب). يروي عنه: (ق).
قال: (حدثنا علي بن موسى) بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما الهاشمي المدني، أبو الحسن الملقب بـ (الرضا) بكسر الراء وفتح الضاد المعجمة.
وقال ابن السمعاني: والخلل في رواياته عن رواته؛ فإنه ما روى عنه إلَّا متروك، وكان الرضا من أهل العلم والفضل مع شرف النسسب، مات بطوس سنة ثلاث ومئتين (203 هـ)، من كبار العاشرة. يروي عنه:(ق).
(عن أبيه) موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي الهاشمي العلوي أبي الحسين المدني، المعروف بال اظم، صدوق عابد، من السابعة، مات سنة ثلاث وثمانين ومئة (183 هـ). يروي عنه:(ت ق).
(عن جعفر) الصادق (بن محمد) الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدني، من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين ومئة (148 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبيه) محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر، ثقة فاضل، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب زين العابدين القرشي الهاشمي، ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور.
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ"،
===
قال ابن عيينة عن الزهري: ما رأيت قرشيًا أفضل منه، من الثالثة، مات سنة ثلاث وتسعين (93 هـ)، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن أبيه) حُسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، الهاشمي أبي عبد الله المدني سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، استشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين (61 هـ)، وله ست وخمسون سنة. يروي عنه:(ع).
(عن علي بن أبي طالب) بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبي الحسن المدني، من السابقين الأولين أحد العشرة المبشرة رضي الله عنه وعنهم أجمعين، مات في رمضان سنة أربعين (40 هـ)، وله ثلاث وستون سنة على الأرجح. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من تساعياته؛ رجاله سبعة منهم مدنيون، وواحد هروي، وواحد إما رازي أو كوفي، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه عبد السلام بن صالح، وهو كذاب.
(قال) علي بن أبي طالب: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان) الكامل (معرفة بالقلب) أي: تصديق بالقلب بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه بأنه حق جاء به من عند الله تعالى، أو تصديق بمعنى الشهادتين بالقلب، (وقول) أي: نطق بالشهادتين (باللسان) إن قدر عليه بعدم المانع في اللسان؟ كالخرس الأصلي أو الطاريّ، (وعمل) في الأعمال البدنية الظاهرة (بالأركان) أي: بالأعضاء والجوارح، كالصلاة والصوم والزكاة والحج، وفيه أن الإيمان الكامل لا يوجد بلا إسلام وانقياد ظاهري، وبه حصل التوفيق بين هذا الحديث - إن ثبت وصح - وبين حديث جبريل السابق.
قَالَ أَبُو الصَّلْتِ: لَوْ قُرِئَ هَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى مَجْنُونٍ .. لَبَرَأَ.
===
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة عن أصحاب الأمهات وغيرهم، ودرجته: أنه ضعيف أو موضوع (10)(10)، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.
(قال أبو الصلت) عبد السلام بن صالح الهروي: (لو قرئ هذا الإسناد) وذكرت أسماؤه من علي بن موسى إلى أَخره (على مجنون) أو مغمىً عليه مثلًا
…
(لبرأ) ذلك المجنون من جنونه وعوفي، لما في هذا الإسناد من خيار العباد وهم خلاصة أهل بيت النبوة رضي الله عنهم، وهذا يقوله من شدة غلوه في التشيع، وبرأ هنا من برأ المريض -بفتح الراء - من الداء إذا شفي، لا من برئت من الأمر - بكسر الراء - أي تبرأت" فإن أبا الصلت هو القائل هذا القول، ولا يستقيم منه أن يقول هذا القول بهذا المعنى الأخير لا بالنظر إلى نفسه ولا
بالنظر إلى من بعده؛ لأنه شيعي.
وهذا الحديث عده ابن الجوزي في الموضوعات، قال فيه: أبو الصلت متَّهم ممن لا يجوز الاحتجاج به، وتابعه على ذلك جماعة منهم بعض شراح الكتاب، وفي "الزوائد": إسناد هذا الحديث ضعيف" لاتفاقهم على ضعف أبي الصلت الراوي، قال السيوطي: والحق أنه ليس بموضوع، وأبو الصلت وثقه ابن معين، وقال: ليس ممن يكذب، وقال في "الميزان": رجل صالح إلَّا أنه شيعي، تابعه علي بن عراب، وقد روى له النسائي وابن ماجة، ووثقه ابن معين والدارقطني، قال أحمد: أراه صادقًا، وقال الخطيب: كان غاليًا في التشيع، وأما في روايته .. فقد وصفوه بالصدق، ثم ذكر له بعض المتابعات. انتهى من "السندي".
* * *
ثم استشهد المؤلف سابعًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(64)
- 64 - (10) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ، أَوْ قَالَ: لِجَارِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
===
(64)
- 64 - (10)(حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري.
(ومحمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري.
(قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري.
قال: (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري.
(قال) شعبة: (سمعت قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي أبا الخطاب البصري.
(يحدث عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته؛ ومن لطائفه: أن رجاله كلهم بصريون، وحكمه: الصحة.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم) أي: لا يكمل إيمان أحدكم أيها المؤمنون (حتى يحب) ويرضى (لأخيه) المسلم أو الإنسان فيدخل الكافر، قال قتادة:(أو قال) لي أنس؟ فالشك من قتادة، أو قال لي قتادة؟ فالشك من شعبة: الجاره) بدل قول: لأخيه (ما يحبـ) ـه (لنفسه) من الخيرات الدنيوية دينًا أو دنيا، وفي "البخاري": لأخيه دون شك، قال القاضي: والنفي هنا نفي كمال؛ أي: لا يتم إيمان أحدكم حتى يكون للمؤمنين بهذه الصفة؛ من كفه الأذى عنهم، وبذله المعروف لهم، وموادته الخير لجميعهم، وصرف الضر عنهم. والحديث والله أعلم إنما هو في أمور الدنيا، وأما في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الآخرة .. فقد قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (1) قيل: ظاهر الحديث على التسوية، وقيل: على التفضيل، والمعنى عليه: أي حتى يحب لأخيه أن يكون أحسن حالا منه؛ لأنه الذي يحب لنفسه؛ لأن كلّ أحد يحب أن يكون أفضل، فإذا أحب لغيره ما يحب لنفسه .. كان هو من المفضولين، وهذا المعنى قد يعد من الصعب الممتنع، وليس معنى الحديث كذلك، بل معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحبه لنفسه، والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئًا من النعمة عليه، وذلك سهل على القلب السليم، وإنما يصعب على القلب الدغل، عافانا الله من ذلك.
وعبارة السندي هنا قوله: "ما يحب" أي: من خيري الدنيا والآخرة، والمراد: الجنس لا الخصوص، وقد يكون خيرًا لا يقبل الاشتراك كالوسيلة ولا لغير مَن له، ونحو ذلك، ثم المراد بهذه الغايات وأمثالها: أنه لا يكمل الإيمان بدونها، لا أنَّها وحدها كافية، ولا يتوقف الكمال بعد حصولها على شيء آخر حتى يلزم التعارض بين هذه الغايات الواردة في هذه الأحاديث، فليتأمل. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه (13)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، والترمذي في كتاب صفة القيامة، باب (59)، والنسائي في كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان.
(1) سورة المطففين: (26).
(65)
- 65 - (11) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
===
ودرجته: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(65)
- 65 - (11)(حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثني، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.
وهذا الحديث حكم سنده: الصحة، وتركنا البحث عنه؛ لأنه نفس السند الذي قبله.
(قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم) أي: لا يصح إيمان أحدكم أيها المسلمون (حتى أكون) أنا مضارع (كان) المسند إلى المتكلم (أحب إليه) أي: أكثر محبوبية لديه، فاسم التفضيل مبني للمفعول، كما في "السندي، (من ولده ووالده والناس أجمعين) من سائر عشيرته وأقربائه وأصدقائه وأزواجه ومواليه، قال الخطابي: لَمْ يرد به حب الطبع، بل أراد به حب الاختيار؛ لأن حب الإنسان نفسه طبع ولا سبيل إلى قلبه، قال: فمعناه: لا تصدق في حبي حتى تفني في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك، وإن كان فيه هلاكك، وقال القاضي وابن بطال وغيرهما: المحبة ثلاثة أقسام: محبةُ إجلال
(66)
- 66 - (12) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ،
===
وإعظام؛ كمحبةِ الوالد، ومحبةُ شفقة ورحمة؛ كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان؛ كمحبة سائر الناس، فجمع صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في محبته، قال ابن بطال: ومعنى الحديث: أن من استكمل الإيمان .. علم أن حق النبي صلى الله عليه وسلم أَكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، وإذا تبين ما ذكرناه .. تبين أن حقيقة الإيمان لا يتم إلَّا بذلك. انتهى "كوكب".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، الحديث (15)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث (167)، والنسائي في كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان الحديث (5528).
فهذا الحديث درجثه: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى تاسعًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:
(66)
- 66 - (12)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
قال (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة عابد، من التاسعة، ماث في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي السعدي مولاهم الكوفي،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا،
===
ثقة من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع) وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه.
(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ، ولكنه يدلس، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة (148 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي صالح) السمان ذكوان مولى جويرية بنت الحارث القيسية المدني، ثقة ثبت، من الثالثة، مات سنة إحدى ومئة (151 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) عبد الرَّحمن بن صخر الدوسي المدني رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان مدنيان، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله كلهم ثقات.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي) أي: أقسمت لكم بالإله الذي (نفسي) وروحي (بيده) المقدسة، زاد القسم لتأكيد الكلام، وفي رواية مسلم: إسقاطه، (لا تدخلوا الجَنَّة) أيها المؤمنون ابتداء، أسقط النون لمشاكلة ما بعده، وإلا .. فالفعل مرفوع بثبات النون؛ لأن (لا) نافية لا جازمة، وفي رواية مسلم إثباتها، (حتى تؤمنوا) إيمانًا كاملًا باجتماع شُعبه بحذفها للناصب، (وَلَا تؤمنوا) إيمانًا كاملًا يوجب دخول الجَنَّة ابتداءً بحذف النون للمشاكلة أيضًا؛ لأن الفعل مرفوع بالنون؛ لأن (لا) نافية لا ناهية، (حتى تحابوا) وتوادوا في الله عز وجل بحذف النون للناصب، وفتح التاء؛ لأنه من باب تفاعل؛ أي: حتى يحب بعضكم بعضًا لأجل دين الله وأخوته وطلب
أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ .. تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ".
===
رضاه تعالى، لا لغرض من الأغراض الدنيوية من قرابة وصداقة وزوجية وعطية.
قال القرطبي: والإيمان المذكور أولًا هو التصديق الشرعي المذكور في حديث جبريل عليه السلام، والإيمان المذكور ثانيًا هو الإيمان العملي المذكور في قوله:"الإيمان بضع وسبعون بابًا" ولو كان الثاني هو الأول .. للزم منه ألا يدخل الجَنَّة من أبغض أحدًا من المؤمنين، وذلك باطل قطعًا، فتعين التأويل الذي ذكرناه. انتهى.
وعبارة السندي هنا: قوله: "لا تدخلوا الجَنَّة" لا يخفى أنه نفي لا نهي، وكذا قوله:"ولا تؤمنوا" فالقياس ثبوت النون فيهما، فكأنها حذفت للمجانسة والازدواج، وقد جاء حذفها للتخفيف كثيرًا، ثم الكلام محمول على المبالغة في الحث على التحاب وإفشاء السلام، والمراد: لا تستحقون دخول الجَنَّة أولًا حتى تؤمنوا إيمانًا كاملًا، ولا تؤمنون ذلك الإيمان الكامل حتى تحابوا -بفتح التاء- وأصله: تتحابون؛ أي: حتى يحب بعضكم بعضًا.
والهمزة في قوله: (أولا أدلكم على شيء) داخلة على محذوف، تقديره: أتستغربون ذلك ولا تفهمونه، أدلكم أيها المؤمنون على شيء (إذا فعلتموه) وقلتموه .. (تحاببتم؟ ) أي: يحصل لكم التحاب والتواد بينكم، أقول لكم في بيان ذلك الشيء:(أفشوا) من الإفشاء، فالهمزة فيه همزة قطع؛ أي: أكثروا وأشيعوا وأظهروا (السلام بينكم) أيها المؤمنون خاصة.
قال السندي: والمراد: نشر السلام بين الناس؛ ليحيوا سنته صلى الله عليه وسلم، قال النواوي: أقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه، فإن لَمْ يسمعه .. لَمْ يكن آتيًا بالسنة، ذكره السيوطي في "حاشية أبي داوود" في شرح هذا اللفظ.
(67)
- 67 - (13) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
===
قلت: ظاهره: أنه حمل الإفشاء على رفع الصوت به، والأقرب حمله على الإكثار، قال القرطبي: وإفشاء السلام إظهاره وإشاعته وإقراؤه على المعروف وغير المعروف، ومعنى "لا تؤمنوا حتى تحابوا" أي: لا يكمل إيمانكم ولا يكون حالكم حال من كمل إيمانه حتى تفشوا السلام الجالب للمحبة الدينية والألفة الشرعية، وقد بسطنا الكلام في "الكوكب" على هذا الحديث، فراجعه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الإيمان، والترمذي في كتاب الاستئذان، باب ما جاء في إفشاء السلام، وابن ماجة في كتاب الأدب، باب إفشاء السلام.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاسشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى عاشرًا لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(67)
- 67 - (13)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومئتين (234 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري أبو عثمان الصفار البصري، ثقة ثبت، من كبار العاشرة، مات بعد سنة تسع عشرة ومئتين بيسير. يروي عنه:(ع).
(حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري.
عَنِ الْأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ،
===
(عن الأعمش) سليمان بن مهران الأعمش الكاهلي الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(ح وحدثنا هشام بن عمار) بن نصير بن ميسرة بن أبان السلمي أبو الوليد الدمشقي خطيب المسجد الجامع بها، وثقه ابن معين والعجلي، وقال مرّة: صدوق ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).
قال: (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي، ثقة ثبت، مأمون، من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومئة، وقيل: سنة إحدى وتسعين (191 هـ). يروي عنه: (ع).
قال: (حدثنا الأعمش) الكاهلي الكوفي.
(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي أحد سادة التابعين، ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مئة سنة. يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله تعالى عنه.
وهذان السندان: الأول منهما من سداسياته؛ رجاله أربعة منهم كوفيون، واثنان بصريان، والثاني منهما من خماسياته؛ رجاله أربعة منهم كوفيون، وواحد دمشقي، وحكمهما: الصحة.
(قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم) -بكسر السين- أي: سب المسلم وشتمه؛ مثل: يا خائن، يا حمار، يا ثور، يا كلب، يا كبش، يا بطة .. (فسوق) أي: خروج عن الملة إن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
استحله، وخروج عن حيز الاستقامة والعدل إلى حيز الجهالة والظلم إن لَمْ يستحل؛ أي: فلا إيمان للساب إن استحله، وإلا .. فلا، فيستحق التأديب بما يراه الإمام، كما قاله الإمام مالك، والسباب مصدر ساب من باب فاعل، يقال: سابه سبابًا ومسابة؛ كقاتله قتالا ومقاتلة، ثم يحتمل أنه بمعنى سب الثلاثي، والمفاعلة ليست على بابها، والإضافة حينئذ يصح أن تكون للفاعل؛ أي: سب المسلم المسلم، وأن تكون للمفعول؛ أي: سب الرجل المسلم، ويحتمل أنه على بابه من المفاعلة؛ أي: تشاتمهما فسق، وخروج عن العدل إلى الظلم، فيعارض حينئذ حديث:"المتسابان ما قالا .. فعلى الباديّ، ما لَمْ يتعد المظلوم" لأنه نص في أن إثم تشاتمهما إنما هو على البادئ فقط، ويجاب بأن حديث الباب محتمل للمعنيين السابقين، فيرد لذلك النص.
قال النواوي: والسب في اللغة: الشتم والتكلم في عرض الإنسان بما يعيبه، والمحكم فيما هو سب .. العرف، ومن قال لرجل: يا شارب الخمر، أو يا آكل الربا، أو يا خائن، أو يا حمار، أو يا ثور، أو يا كلب، أو يا خنزير، أو يا فاسق، أو يا فاجر، أو يا بن الفاجرة .. عزر، وإن قال: يا فاجرًا بفلانة .. حد، إلَّا أن يدعي مخرجًا؛ مثل أن يراه ناظرًا لها أو مقبِّلَا، فيحلف على أنه أراد ذلك، فيعزر، ويستثنى من السب ما كان للتأديب؛ كسب الولد أو الزوجة.
وقال القاضي: والفسوق لغة: الخروج، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، وشرعًا: الخروج عن حد العدل إلى الظلم، وعن الطاعة إلى الجهالة، ومعنى سباب المسلم فسوق: أي: خروج عن امتثال الشرع وواجبه، وسمي
وَقِتَالُهُ كفْرٌ".
===
الفاسق فاسقًا؛ لخروجه عن ميزان الشرع وانسلاخه عن أعمال البر، وقال القرطبي: ومعنى (سباب المسلم فسوق) أي: خروج عن الذي يجب عليه من احترام المسلم وحرمة عرضه وسبه. انتهى من "الكوكب الوهاج".
(وقتاله) أي: قتال المسلم لأجل إسلامه لا لنحو المال .. (كفر) أي: خروج عن الملة وانسلاخ عن حكم الإسلام والإيمان إن استحل ذلك، أو جحد لنعمة أخوة الإسلام التي جعلها الله سبحانه بينهم، أو كفر لنعمته وإحسانه؛ ككفران الزوج، أو من عمل أهل الكفر، أو يؤول به بشؤمه إلى الكفر إن لَمْ يستحل ذلك، فهو عاص لا يخرجه عن الملة، وقال القاضي: قوله: "وقتاله كفر" أي: قتاله من أجل إسلامه واستحلال ذلك منه .. كفر حقيقي، وقيل: المعنى قتاله من أعمال أهل الكفر، أو يكون كفر طاعة وكفر نعمة، وغمطهما حيث جعلهما الله مسلمين، وألف بين قلوبهما، ثم صار هو بعد يقاتله.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن أن يحبط عمله، وفي كتاب الأدب، وفي كتاب الفتن، ومسلم في كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"سباب المسلم فسوق"، والترمذي في كتاب البر والصلة، والنسائي في كتاب التحريم، باب قتال المسلم.
فالحديث درجته: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى حادي عشره لحديث أبي هريرة بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(68)
- 68 - (14) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ،
===
(68)
- 68 - (14)(حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان -بضم المهملة وسكون الهاء- الأزدي أبو علي (الجهضمي) -بفتح الجيم وسكون الهاء وفتح الضاد المعجمة- نسبة إلى الجهاضمة؛ محلة معروفة في البصرة، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة مئتين وخمسين (250 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
قال: (حدثنا أبو أحمد) الزبيري محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي مولاهم الزبيري الكوفي. روى عن: أبي جعفر عيسى بن ماهان، وسفيان الثوري، ومسعر، ومالك بن مغول، ومالك بن أنس، وخلف، ويروي عنه:(ع)، وأحمد ابن حنبل، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وبندار، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعدة.
وقال العجلي: كوفي ثقة يتشيع، وقال ابن قانع: ثقة، وقال في "التقريب": ثقة ثبت، إلَّا أنه قد يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين (203 هـ). يروي عنه:(ع).
قال: (حدثنا أبو جعفر الرازي) التميمي مولاهم عيسى بن أبي عيسى ماهان، ويقال: عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان مروزي الأصل، وقيل: كان أصله من البصرة، وكان متجره إلى الرَّي، فنُسب إليها. روى عن: الربيع بن أنس، وحميد الطويل، وعاصم بن أبي النجود، وغيرهم، ويروي عنه:(عم)، وشعبة، وأبو عوانة، وأبو أحمد الزبيري، وغيرهم.
قال أبو حاتم: ثقة صدوق صالح الحديث، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن سعد: كان ثقة، وقال ابن حبان: كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير،
عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ
===
لا يعجبني الاحتجاج بحديثه إلَّا فيما وافق الثقات، وقال الحاكم: ثقة، وقال ابن عبد البر: هو عندهم ثقة عالم بتفسير القرآن، وقال في "التقريب": صدوق سيئ الحفظ، من كبار السابعة، مات في حدود الستين والمئة (160 هـ). يروي عنه:(عم).
(عن الربيع بن أنس) البكري، ويقال: الحنفي البصري، ثم الخراساني. روى عن: أنس بن مالك، وأبي العالية، والحسن البصري، ويروي عنه:(عم)، وأبو جعفر الرازي، والأعمش، وسليمان التيمي.
قال العجلي: بصري صدوق، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: الناس يتقون حديثه من رواية أبي جعفر عنه؛ لأن في أحاديثه عنه اضطرابًا كثيرًا، وقال في "التقريب": صدوق له أوهام رمي بالتشيع، من الخامسة، وذكر الذهبي أنه توفي سنة (139 هـ).
ورواه الحاكم من طريق أبي جعفر عن الربيع، وقال: صحيح الإسناد، قال السندي: والظاهر أن يقال: أبو جعفر ضعيف في الربيع، لا الربيع ضعيف إذا روى عنه أبو جعفر، فليتأمل. انتهى.
(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد رازي، وواحد كوفي، وحكمه: الحسن؛ لأنه إسناد مختلف فيه؛ لأن الاختلاف يرده من الصحة إلى الحسن ولا يوجب ضعفه، والله أعلم.
(قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من) مات و (فارق الدنيا) حالة كونه (على الإخلاص) أي: على إخلاص عمله (لله وحده)
وَعِبَادَتِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ .. مَاتَ وَاللهُ عَنْهُ رَاضٍ"، قَالَ أَنَسٌ: وَهُوَ دِينُ اللهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَبَلَّغُوهُ عَنْ رَبِّهِمْ قَبْلَ هَرْجِ الْأَحَادِيثِ وَاخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ
===
والإخلاص: تصفية العمل للخالق عن ملاحظة المخلوق بالشرك أو بالرياء أو بالسمعة، وقوله:(و) على (عبادته) لله سبحانه حالة كونه (لا شريك له) سبحانه وتعالى في عبادته .. عطف تفسير للإخلاص، (وإقام الصلاة) المكتوبة؛ أي: أدائها في أوقاتها بشرائطها وأركانها وآدابها، (و) على (إيتاء الزكاة) المفروضة في مصارفها .. (مات) موتةً إسلامية (والله عنه راض) أي: والحال أن الله سبحانه راض عن عمله وعبادته شاكر له عليه.
قال السندي: قوله: "وعبادته" أي: على توحيده، فهو كالتفسير للإخلاص، أو على طاعته مطلقًا، فذكر إقام الصلاة وإيتاء الزكاة بعدها تخصيص لأعظم العبادات، وعلى الثاني: قوله: "مات والله عنه راض" ظاهر، وعلى الأول: مبني على أن مثله يوفق لفعل الخيرات وترك المنكرات وللتوبة عند الموت.
(قال أنس) بالسند السابق: (وهو) أي: ما ذكر من الإخلاص وعبادته وحده وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة .. (دين الله) سبحانه وتعالى (الذي جاءت) وأرسلت (به الرسل، وبلغوه عن ربهم) إلى المكلفين من أممهم (قبل هرج) -بفتح الهاء وسكون الراء- أي: قبل كثرة (الأحاديث) والأقاويل واختلاطها بينهم، (و) قبل (اختلاف الأهواء) أي: اختلاف أهواء الأمم وخُرافاتهم في دينهم الذي جاءتهم به الرسل؛ كلّ فرقة يتخذ هواه دينًا فضلوا، وأضلوا عما جاءت به الرسل عليهم السلام.
قال أنس: (وتصديق ذلك) الذي ذكرته من اختلاف أهوائهم واختلاط
فِي كِتَابِ اللهِ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ يَقُولُ اللهُ: {فَإِنْ تَابُوا} قَالَ: خَلْعُ الْأَوْثَانِ وَعِبَادَتِهَا {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} .
===
أقاويلهم في دينهم؛ أي: شاهده ومصداقه مذكور (في كتاب الله) العزيز وقرآنه الكريم، وقوله:(في آخر ما نزل) من القرآن وهو (سورة التوبة) لأنَّها آخر سورة نزلت .. جملة بدل من الجار والمجرور قبله، وقوله:(يقول الله) سبحانه وتعالى بيان لذلك المصداق؛ أي: يقول الله سبحانه وتعالى في: ({فَإِنْ تَابُوا}).
(قال) أنس: المراد بالتوبة المفهومة من تابوا (خلع) وترك اتخاذ (الأوثان و) ترك (عبادتها)({وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ})(1)(وقال) سبحانه وتعالى (في آية أخرى) يعني: قوله سبحانه وتعالى: ({فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ})(2)؛ مفهوم الآيتين: فإن تابوا عن شركهم وأهوائهم، وتركوا أساطيرهم الباطلة، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وامتثلوا كلّ المأمورات، واجتنبوا كلّ المنكرات .. فإخوانكم في الدين، فالله راض عنهم كما رضي عنكم.
وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه حسن؛ لأن في سنده راويًا مختلفًا فيه، فيرد الحديث من درجة الصحة إلى درجة الحسن، كما هو القاعدة عندهم، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله تعالى عنه، فقال:
(1) سورة التوبة: (5).
(2)
سورة التوبة: (11).
(68)
- 68 - (م) حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ مِثْلَهُ.
===
(68)
- 68 - (م)(حدثنا أبو حاتم) محمد بن إدريس بن المنذر بن داوود بن مهران الحنظلي، الحافظ الكبير أحد الأئمة الأثبات. روى عن: عبيد الله بن موسى، وعبد الله بن صالح العجلي، وأبي توبة الربيع بن نافع، وأبي اليمان، وابن أبي مريم، وغيرهم، ويروي عنه:(د س)، والبخاري في "الصحيح" في باب المحصر، ومحمد بن إسماعيل الجعفي، ويونس بن عبد الأعلى، وغيرهم.
قال الخطيب: كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات مشهورًا بالعلم مذكورًا بالفضل، وقال في "التقريب": هو أحد الحفاظ، من الحادية عشرة، مات سنة سبع وسبعين ومئتين (277 هـ).
قال: (حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي) - بالموحدة الساكنة - مولاهم أبو محمد الكوفي، الحافظ صاحب "المسند". روى عن: ابن جريجٍ، وهشام بن عروة، والثوري، وأبي جعفر الرازي، وخلق، ويروي عنه:(ع)، وأبو حاتم الرازي، وإسحاق الحنظلي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وخلق.
وثقه ابن معين والعجلي، وقال في "التقريب": ثقة، من التاسعة، كان يتشيع، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ).
قال: (حدثنا أبو جعفر) عيسى بن أبي عيسى (الرازي عن الربيع بن أنس مثله) مفعول به لما عمل في المتابع؛ وهو عبيد الله بن موسى؛ أي: حدثنا عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي مثل ما روى أبو أحمد الزبيري عن أبي جعفر.
وغرضه بسوق هذا السند: بيان متابعة عبيد الله لأبي أحمد في رواية هذا الحديث عن أبي جعفر الرازي.
* * *
(69)
- 69 - (15) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
===
ثم استشهد المؤلف ثاني عشره لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:
(69)
- 69 - (15)(حدثنا أحمد بن الأزهر) بن منيع بن سليط بن إبراهيم العبدي أبو الأزهر النيسابوري. روى عن: عبد الله بن نمير، ومحمد بن يوسف، وروح بن عبادة، وغيرهم، ويروي عنه:(س ق)، والبخاري، ومسلم خارج الصحيح، وأبو زرعة الرازي، وغيرهم.
قال صالح جزرة: صدوق، وقال النسائي والدارقطني: لا بأس به، وقال ابن شاهين ثقة نبيل، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يخطئ، وقال في "التقريب": صدوق كان يحفظ، ثم كبر فصار كتابه أثبت من حفظه، من الحادية عشرة، مات سنة ثلاث وستين ومئتين (263 هـ).
قال: (حدثنا أبو النضر) هاشم بن القاسم بن مسلم الليثي البغدادي، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة سبع ومئتين (207 هـ). روى عنه:(ع).
قال: (حدثنا أبو جعفر) الرازي عيسى بن أبي عيسى، صدوق سيِّئ الحفظ، من كبار السابعة، مات في حدود الستين والمئة. يروي عنه:(عم) مر قريبًا.
(عن يونس) ابن أبي إسحاق السبيعي أبو إسرائيل الكوفي، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئة (152 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن الحسن) بن أبي الحسن يسار البصري أبي سعيد الأنصاري مولاهم، أحد أئمة الهدى والسنة، قال في "التقريب": ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلس، من الثالثة، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(ع). (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ".
(70)
- 70 - (16) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ،
===
وهذا السند من سداسياته؛ رجاله واحد منهم مدني، وواحد بصري، وواحد كوفي، وواحد رازي، وواحد بغدادي، وواحد نيسابوري، وحكمه: الصحة.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس) أي: أمرني ربي أن أجاهد الناس كافة لإعلاء كلمة التوحيد (حتى يشهدوا) ويقروا بألسنتهم ويذعنوا بقلوبهم (أن لا إله إلَّا الله، وأني رسول الله) إلى كافة الناس، (ويقيموا الصلاة) المكتوبة بأركانها وشرائطها، (ويؤتوا الزكاة) المفروضة إلى مصارفها المبينة في الكتاب العزيز.
قال السندي: قد جاءت الغاية مختلفة بالزيادة وبالنقصان، فينبغي أن يحمل على إظهار شعائر الإسلام، لا كمن حمل الحديث على أنه كان قبل شرع الجزية، أو على أن المراد بالناس: من لا يقبل منهم الجزية كمشركي العرب وعباد الأوثان.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالث عشره لحديث أبي هريرة بحديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(70)
- 70 - (16)(حدثنا أحمد بن الأزهر) بن منيع العبدي أبو الأزهر النيسابوري، من الحادية عشرة، مات سنة ثلاث وستين ومئتين (263 هـ). يروي عنه:(س ق).
قال: (حدثنا محمد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ،
===
أبو عبد الله الفريابي: نسبة إلى فرياب؛ مدينة ببلاد الترك، أدرك الأعمش. روى عن: عبد الحميد بن بهرام، ويونس بن أبي إسحاق، وفطر بن خليفة، ويروي عنه:(ع)، وأحمد بن الأزهر، وإسحاق الكوسج، ثقة فاضل، من التاسعة، مات سنة اثنتي عشرة ومئتين (212 هـ).
(حدثنا عبد الحميد بن بهرام) الفزاري المدائني. روى عن: شهر بن حوشب، وعاصم الأحول.
قال ابن المديني: هو ثقة عندنا، وإنما كان يروي عن شهر من كتاب عنده، وقال أبو داوود: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن عدي: هو في نفسه لا بأس به، وإنما عابوا عليه كثرة روايته عن شهر، وشهر ضعيف، وقال ابن شاهين في "الثقات": وقال أحمد بن صالح المصري: عبد الحميد بن بهرام ثقة يعجبني حديثه، أحاديثه عن شهر صحيحة، وقال الساجي: صدوق يهم، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يعتبر حديثه. انتهى "تهذيب"، وقال في "التقريب": صدوق، من السادسة. يروي عنه:(ت ق).
(عن شهر بن حوشب) الأشعري أبي سعيد الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن. روى عن: مولاته أسماء بنت يزيد، وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي هريرة، وعائشة، وأم حبيبة، وبلال المؤذن، وغيرهم، ويروي عنه:(م عم)، وعبد الحميد بن بهرام، وقتادة، وليث بن أبي سليم، وعاصم بن بهدلة، والحكم بن عتيبة، وثابت البناني، وخلق.
وقال النضر عن ابن عون: إن شهرًا نزكوه؛ أي: طعنوه، وقال الترمذي: قال أحمد: لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر، وقال الترمذي عن البخاري: شهر حسن الحديث، وقوى أمره، وقال عباس الدوري عن ابن معين: ثبت، وقال
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ
===
العجلي: شامي تابعي ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة على أن بعضهم قد طعن فيه، وقال أبو جعفر الطبري: كان فقيهًا عالمًا قارئًا، وقال أبو بكر البزار: لا نعلم أحدًا ترك الرواية عنه غير شعبة، وقال الساجي: فيه ضعف، وليس بالحافظ، وكان يشهد عليه أنه رافق رجلًا من أهل الشام فخانه، وقال ابن عدي: شهر ليس بالقوي في الحديث ضعيف جدًّا، قال هذا في ترجمة عبد الحميد بن بهرام.
قلت: وبالجملة: فهو مختلف فيه، فحديثه حسن، وقال في "التقريب": صدوق كثير الإرسال والأوهام، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة ومئة (112 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن عبد الرَّحمن بن غنم) -بفتح الغين المعجمة وسكون النون - الأشعري الشامي مختلف في صحبته. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ، وأبي ذر، وغيرهم، ويروي عنه:(عم)، وشهر بن حوشب، ومكحول الشامي، وعطية بن قيس، وغيرهم.
ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام، وقال: كان ثقة، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، مات سنة ثمان وسبعين (78 هـ).
(عن معاذ بن جبل) بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبي عبد الرَّحمن المدني الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه، له مئة وسبعة وخمسون حديثًا، مات بالشام في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة (18 هـ)، وله ثلاث وثلاثون سنة. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من سداسياته؛ رجاله اثنان منهم شاميان، وواحد مدني، وواحد مدائني، وواحد فريابي، وواحد نيسابوري، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه راويًا مختلفًا فيه؛ وهو شهر بن حوشب.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ".
(71)
- 71 - (17) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيُّ، أَنْبَأَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
===
(قال) معاذ: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت) أي: أمرني ربي (أن أقاتل) وأجاهد (الناس) الكفار (حتى يشهدوا أن لا إله إلَّا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة).
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه حسن، لأن في رجاله شهر بن حوشب، وهو مختلف فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استأنس المؤلف للترجمة ثالثًا بحديث ابن عباس وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(71)
- 71 - (17)(حدثنا محمد بن إسماعيل) بن أبي ضرار الضرائري أبو صالح (الرازي). روى عن: يونس بن محمد المؤدب، ويعلى بن عبيد، وأبي نعيم، والفريابي، ويروي عنه:(ق)، وأبو حاتم وقال: صدوق، وأبو جعفر الطبري، وقال في "التقريب": صدوق، من الحادية عشرة.
قال: (أنبأنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب الحافظ.
وثقه ابن معين، ويعقوب بن شيبة، وقال في "التقريب": ثقة ثبت، من صغار التاسعة، مات سنة سبع ومئتين (207 هـ). يروي عنه:(ع).
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ اللَّيْثِيُّ، حَدَّثَنَا نِزَارُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
===
قال: (حدثنا عبد الله بن محمد الليثي). روى عن: نزار بن حيان، ويروي عنه: يونس بن محمد المؤدب، روى له ابن ماجة حديثًا واحدًا في أهل الإرجاء والقدر.
وقال في "التقريب": مجهول، من السابعة، ويروي عنه:(ق).
(حدثنا نزار بن حيان) بالتحتانية المشددة الأسدي مولى بن هاشم. روى عن: أبيه، وعكرمة، ويروي عنه: ابنه، وعبد الله بن محمد الليثي.
قلت: ذكره ابن حبان في "الضعفاء"، وقال: يأتي عن عكرمة بما ليس من حديثه، حتى يسبق إلى القلب أنه المعتمد، لذلك لا يجوز الاحتجاج به، وذكره ابن عدي في "الكامل" في ترجمة ابنه علي بن نزار، حديثه عن عكرمة عن ابن عباس في المرجئة والقدرية، ثم قال: هذا الحديث أحد ما أنكر على علي بن نزار وعلى والده. انتهى "تهذيب"، وقال في "التقريب": ضعيف، من السادسة، ويروي عنه:(ت ق). (عن عكرمة) بن عبد الله الهاشمي مولاهم؛ مولى ابن عباس، أبي عبد الله البربري المدني، كان أصله من البربر.
(عن) عبد الله (بن عباس) الهاشمي الطائفي رضي الله تعالى عنهما.
(وعن جابر بن عبد الله) ابن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي المدني رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته؛ رجاله اثنان منهم مدنيان، أو مدني وطائفي، وواحد أسدي، وواحد ليثي، وواحد بغدادي، وواحد رازي، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه راويين ضعيفين.
قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ: أَهْلُ الْإِرْجَاءِ وَأَهْلُ الْقَدَرِ".
(72)
- 72 - (18) حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ الْبُخَارِيُّ سَعِيدُ بْنُ سَعْدٍ
===
(قالا) أي: قال ابن عباس وجابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان) أي: طائفتان (من أمتي) قد تقدم هذا الحديث قريبًا في رقم (60) عن ابن عباس، (ليس لهما في) دين (الإسلام نصيب) أي: حظ: (أهل الإرجاء) وهم المرجئة الذين يزعمون أنه لا يضر مع الإسلام معصية كما لا تنفع الطاعة مع الكفر، (وأهل القدر) وهم الذين ينفون القدر.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه ضعيف (11)(11)؛ لضعف سنده، وغرضه بسوقه: الاستئناس به، والله أعلم.
* * *
ثم استأنس المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بالأثر الموقوف على ابن عباس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(72)
- 72 - (18)(حدثنا أبو عثمان البخاري سعيد بن سعد) بن أيوب بن سعيد نزيل الري. روى عن: الهيثم بن خارجة، والقعنبي، وأبي نعيم، وغيرهم. يروي عنه:(ق)، وابن أبي حاتم، وأبو الحسن القطان صاحب ابن ماجة، قال: وكان صدوقًا، وقال الحافظ الضياء: روى عنه ابن ماجة في الجزء الأول حديثين موقوفين، قال المزي: والصواب أنه من زيادات أبي الحسن القطان، ولكن وقع في بعض النسخ مدرجًا في الأصل كنسختنا هذه، ومن الدليل على أنه من زيادات القطان أنه لا ذكر له في رواية إبراهيم بن دينار عن ابن ماجة، فلما سقط من روايته .. دل على أنه من زيادات القطان. انتهى من "التهذيب"، وقال في "التقريب": صدوق، من الحادية
قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِي: ابْنَ عَيَّاشِ - عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
===
عشرة، مات قبل أبي حاتم الرازي بأشهر. يروي عنه:(ق). قال أبو عثمان: قال: (حدثنا الهيثم بن خارجة) الخراساني أبو أحمد الحافظ المروزي نزيل بغداد. روى عن: إسماعيل بن عياش، ومالك، والليث، وغيرهم، ويروي عنه:(خ س ق)، وأحمد ابن حنبل، وابنه عبد الله بن أحمد، وخلق.
قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال السراج وابن أبي الحارث: رأينا الهيثم بن خارجة أبيض الرأس واللحية، وقال في "التقريب": صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة سبع وعشرين ومئتين (227 هـ) ببغداد في آخر يوم من ذي الحجة، وقال ابن قانع: ثقة، وقال الخليلي: ثقة متفق عليه.
قال: (حدثنا إسماعيل؛ يعني) الهيثم بإسماعيل الذي أبهمه: إسماعيل (بن عياش) ابن سليم العنسي أبو عتبة الحمصي، صدوق في روايته عن أهل بلده، مُخلِّطٌ في روايته عن غيرهم، من الثامنة، مات سنة إحدى أو اثنتين وثمانين ومئة. يروي عنه:(عم).
(عن عبد الوهاب بن مجاهد) بن جبر المكي، متروك، وكذبه الثوري، من السابعة. يروي عنه:(ق).
(عن مجاهد) بن جبر -بفتح الجيم وسكون الموحدة- المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي الإمام المقرئ المفسر.
وثقة ابن معين وأبو زرعة، وقال في "التقريب": ثقة إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومئة، وله ثلاث وثمانون سنة. يروي عنه:(ع).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا: الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.
(73)
- 73 - (19) حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ،
===
(عن أبي هريرة وابن عباس) رضي الله تعالى عنهم.
وهذا السند من سداسياته؛ رجاله اثنان منهم مكيان، وواحد طائفي أو مدني، وواحد شامي، وواحد مروزي، وواحد بخاري، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه راويًا متروكًا كذابًا، وهو عبد الوهاب بن مجاهد.
(قالا) أي: قال أبو هريرة وابن عباس: (الإيمان يزيد) بكثرة النظر ووضوح الأدلة وبكثرة الطاعات، (وينقص) بكثرة المعاصي والشهوات، ولذلك سمي أبو بكر رضي الله عنه صديقًا؛ لأنه كان أقوى إيمانًا من غيره.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه ضعيف (12)(12)؛ لكونه موقوفًا، وغرضه: الاستئناس به، والله أعلم.
لكن الآثار بهذا عن السلف مستفيضة في كتب السنة، وقد روي مرفوعًا ولا يصح.
* * *
ثم استأنس المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة بأثر أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(73)
- 73 - (19)(حدثنا أبو عثمان البخاري، حدثنا الهيثم) بن خارجة المروزي.
(حدثنا إسماعيل) بن عياش الحمصي (عن حريز) بالحاء المهملة المفتوحة والراء المكسورة آخره زاي (ابن عثمان) الرحبي -بفتح الراء والحاء المهملة
عَنِ الْحَارِثِ - أَظُنُّهُ عَنْ مُجَاهِدٍ - عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ...........................
===
بعدها موحدة - الحمصي، ثقة ثبت رمي بالنصب، من الخامسة، مات سنة ثلاث وستين ومئة (163 هـ)، وله ثلاث وثمانون سنة. يروي عنه:(خ عم).
(عن الحارث) بن عبد الله الأعور الهمداني الخارفي - بكسر الراء - نسبة إلى خارف؛ بطن من همدان، أبي زهير الكوفي، وكان الحارث فقيهًا فرضيًا ويفضل عليًّا على أبي بكر متشيعًا غاليًا، والعلة عند من رده التشيع، مات في خلافة ابن الزبير. يروي عنه:(عم).
وقد وثقه ابن معين، والنسائي، وأحمد بن صالح، وابن أبي داوود، وغيرهم، وتكلم فيه الثوري، وابن المديني، وأبو زرعة، وابن عبدي، والدارقطني، وابن سعد، وأبو حاتم، وغيرهم، ومن جرحه إما لتشيعه، وإما لغير ذلك غير مفسر لجرحه، والصحيح عند أرباب الصناعة أن التشيع وحده ليس يجرح في الرواية، والمدار على الظن بصدق الراوي أو كذبه، والجرح الذي لَمْ يفسر لا يقبل، ولذا حمل قول من كذبه على الكذب في الرأي والعقيدة، ولذا قال الذهبي: والجمهور على توهينه مع رواياتهم لحديثه في الأبواب، قال: والظاهر أن الشعبي يكذبه في حكاياته لا في الحديث. انتهى "تقرير التقريب".
قال حريز بن عثمان: (أظنه) أي: أظن الحارث، روى:
(عن مجاهد) بن جبر التابعي، والشك من حريز.
(عن أبي الدرداء) عويمر بن زيد بن عبد الله بن قيس الأنصاري الخزرجي الدمشقي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، له مئة وتسعة وسبعون حديثًا؛ اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثمانية، انتقل إلى الشام، ومات بها في آخر خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين (32 هـ)، وقيل: عاش بعد ذلك، وقبره بدمشق. يروي عنه:(ع).
قَالَ: الْإِيمَانُ يَزْدَادُ وَيَنْقُصُ.
===
وهذا السند من سباعياته؛ رجاله ثلاثة منهم شاميون، وواحد مكي، وواحد كوفي، وواحد مروزي، وواحد بخاري، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه الحارث الأعور.
(قال) أبو الدرداء: (الإيمان يزداد) بكثرة الطاعات، (وينقص) بكثرة المعاصي.
وهذا الأثر مما انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه ضعيف (13)(13)؛ لأنه موقوف كالذي قبله، وغرضه: الاستئناس به.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: واحد وعشرون حديثًا:
الأول للاستدلال، واثنان للمتابعة، وخمسة منها للاستئناس، والباقي وهي ثلاثة عشر للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم