المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(10) - (10) - باب: في القدر - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ١

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌اسمه

- ‌مولده

- ‌نشأته

- ‌رحلته

- ‌مؤلفاته

- ‌هجرته

- ‌خطبة الكتاب

- ‌مقدمة الشارح

- ‌المقدمة

- ‌(1) - (1) - بَابُ اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) - (2) - بَابُ تَعْظِيمِ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالتَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ عَارَضَهُ

- ‌(3) - (3) - بَابُ التَّوَقِّي فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(4) - (4) - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي تَعَمُّدِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) - (5) - بَابُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا وَهُوَ يُرَى أَنَّهُ كَذِب

- ‌(6) - (6) - بَابُ اتِّبَاعِ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ

- ‌فائدة

- ‌(7) - (7) - بَابُ اجْتِنَابِ الْبِدَع وَالْجَدَلِ

- ‌(8) - (8) - بَابُ اجْتِنَابِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ

- ‌(9) - (9) - بَابٌ: فِي الْإِيمَانِ

- ‌(10) - (10) - بَابٌ: فِي الْقَدَرِ

- ‌(11) - (11) - بَابٌ: فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(11) - (1) - فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه

- ‌(11) - (2) - فَضْلُ عُمَرَ رضي الله عنه

- ‌(11) - (3) - فَضْلُ عُثْمَانَ رضي الله عنه

- ‌(11) - (4) - فَضْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه

- ‌تنبيه

- ‌(11) - (5) - فَضْلُ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رضي الله عنه

الفصل: ‌(10) - (10) - باب: في القدر

(10) - (10) - بَابٌ: فِي الْقَدَرِ

(74)

- 74 - (1) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيُّ،

===

(10)

- (10) - (باب: في القدر)

والقدر -بفتحتين وهو المشهور، وقد يسكن الدال-: أن يعتقد أن كلّ ما يوجد في العالم حتى أفعال العبد بقضاء الله تعالى وتأثيره؛ أي: هذا باب معقود في ذكر الأحاديث الدالة على وجوب الإيمان بالقدر وإثباته.

* * *

(74)

- 74 - (1)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق أبو الحسن الطنافسي -بفتح المهملة وتخفيف النون وبعد الألف فاء ثم مهملة- الكوفي، عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).

(حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(ومحمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (190 هـ). يروي عنه:(ع).

(وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).

(ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي) أبو الحسن العطار. روى عن: أبي معاوية، ومحمد بن عبيد، وابن عيينة، وغيرهم، ويروي عنه:(س ق)، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم.

ص: 281

حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ:

===

قال أبو حاتم: ثقة، وقال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: في "التقريب": ثقة، من العاشرة، مات سنة ست وأربعين ومئتين (246 هـ). يروي عنه:(س ق).

قال: (حدثنا أبو معاوية، ومحمد بن عبيد) - مصغرًا بلا إضافة - ابن أبي أمية؛ اسمه عبد الرَّحمن الطنافسي، أبو عبد الله الكوفي الأحدب. روى عن: الأعمش، وهشام بن عروة، ويروي عنه:(ع)، وعلي بن ميمون، وإسحاق، وأحمد.

وثقه ابن معين، والنسائي، والدارقطني، وقال في "التقريب": ثقة يحفظ، من الحادية عشرة، مات سنة أربع ومئتين (204 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن زيد بن وهب) الجهني أبي سليمان الكوفي، ثقة مخضرم، هاجر ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق.

وقال في "التقريب": ثقة جليل، ولم يصب من قال: في حديثه خلل، مات بعد الثمانين، وقيل: سنة ست وتسعين (96 هـ). يروي عنه: (ع).

(قال) زيد بن وهب: (قال عبد الله بن مسعود) الهذلي الكوفي رضي الله تعالى عنه.

وهذان السندان من خماسياته، ومن لطائفهما: أن رجالهما كلهم كوفيون إلَّا علي بن ميمون؛ فإنه رقي، وفيه رواية تابعي عن تابعي؛ الأعمش عن زيد، وحكمهما: الصحة.

ص: 282

حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصادِقُ الْمَصْدُوقُ: "إِنَّهُ يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا،

===

(حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق) فيما أخبر عن الله سبحانه وتعالى إلى الخلق (المصدوق) أي: المخبر عن الله بالحق الصدق، وعبارة السندي:(وهو الصادق) أي: الكامل في الصدق، أو الظاهر كونه صادقًا بشهادة المعجزات الباهرات، وليس المراد: أنه الصادق دون غيره، (المصدوق) أي: الذي جاءه الصدق من ربه، وليس بمعنى الذي بفتح الدال المشددة؛ أي: الذي صدقه المؤمنون وإن كان هو في الواقع موصوفًا بكونه مصدقًا أيضًا.

وعبارة القسطلاني هنا: وهو الصادق في قوله، المصدوق فيما وعده ربه تعالى، والأولى أن تجعل هذه الجملة اعتراضية لا حالية؛ لتعم الأحوال كلها، وأن يكون من عادته ودأبه ذلك، في أحسن موقعها. انتهى.

(إنه) بفتح الهمزة نظرًا للفظ حدثنا، وبكسرها نظرًا إلى أنه بمعنى قال لنا، وقال السندي: بكسر الهمزة على حكاية لفظه صلى الله عليه وسلم، أو بفتحها نظرًا للفظ حدثنا؛ أي: إن الشأن والحال (يجمع) بصيغة المجهول (خلق أحدكم) أي: مادة خلقه وأصله وهو الماء الدافق بعد جريانه في سائر بدنها حتى تحت الأظافير (في بطن أمه أربعين يومًا) أي: يضم بعضه إلى بعض بعد الانتشار، ليتخمر فيها حتى يتهيأ للخلق، وفي قوله:(خلقه) تعبير بالمصدر عن الجثة، وحُمِل على أنه بمعنى المفعول؛ كقولهم: هذا ضرب الأمير؛ أي: مضروبه.

وقال الخطابي: روي عن ابن مسعود في تفسيره أن النطفة إذا وقعت في الرحم، فأراد الله سبحانه أن يخلق منها بشرًا .. طارت في بشرة المرأة تحت كلّ ظفر وشعر، ثم يمكث أربعين ليلة، ثم تنزل دمًا في الرحم، فذلك جمعها، وهذا رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره".

ص: 283

ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ،

===

وقد رجح الطيبي هذا التفسير، فقال: والصحابة أعلم الناس بتفسير ما سمعوه وأحقهم بتأويله وأولاهم بالصدق فيما يتحدثون به وأكثرهم احتياطًا للتوقي عن خلافه، فليس لمن بعدهم أن يرد عليهم، قال في "الفتح": وقد وقع في حديث مالك بن الحويرث رفعه ما ظاهره يخالف ذلك، ولفظه:"إذا أراد الله خلق عبد إذا جامع الرجل المرأة .. طار ماؤه في كلّ عرق وعضو منها، فإذا كان يوم السابع .. جمعه الله، ثم أحضره كلّ عرق له دون آدم، {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} "(1)(ثم يكون) خلقه (علقة) أي: دمًا غليظًا جامدًا (مثل ذلك) أي: في قدر ذلك الزمان المذكور؛ يعني: أربعين ليلة.

وعبارة السندي: والمراد (ببطن أمه) رحمها؛ أي: يتم جمعه في الرحم في هذه المدة، وهذا يقتضي التفرق، وهو كما روي أن النطفة في الطور الأول تسري في جسد المرأة، ثم تجمع في الرحم، فتصير هناك علقة؛ أي: دمًا جامدًا يخلط تربة قبر المولود بها على ما قيل، (ثم يكون مضغة) أي: قطعة لحم قدر ما يمضغ (مثل ذلك) الزمان.

واختلف في أول ما يتشكل من الجنين: فقيل: قلبه؛ لأنه الأساس ومعدن الحركات الغريزية، وقيل: الدماغ؛ لأنه مجمع الحواس، ومنه تنبعث، وقيل: الكبد؛ لأن فيه النمو والاغتذاء الذي هو قوام البدن، ورجحه بعضهم بأنه مقتضى النظام الطبيعي؛ لأن النمو هو المطلوب أولًا، ولا حاجة له حينئذ إلى حس ولا حركة إرادية، وإنما يكون له قوة الحس والإرادة عند تعلق النفس به بتقديم الكبد ثم القلب ثم الدماغ.

(1) سورة الإنفطار: (8).

ص: 284

ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَقُولُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَأَجَلَهُ وَرِزْقَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ،

===

(ثم يبعث الله) سبحانه وتعالى (إليه) أي: إلى مادة خلق أحدكم (الملك) الموكل بالرحم؛ لأن أل فيه للعهد الذهني في الطور الرابع حين تكامل بنيانه وتشكلت أعضاؤه؛ أي: يرسل الله الملك إليه بعد تمام خلقته وتشكله بشكل الآدمي في الطور الآخر؛ كما قال تعالى: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} (1)؛ أي: ينفخ الروح، ولعل الأطوار المذكورة في الحديث بعد الأربعين الثالث يحصل في مدة يسيرة؛ فلذا اعتبر البعث بعد الأربعين الثالث، وكذا اشتهر بين الناس في نفخ الروح عقب أربعة أشهر، ويحتمل أن يكون بعث الملك بأربع قبيل تمام الخلق.

(فيؤمر) الملك بالبناء للمفعول (بأربع كلمات) يكتبها كما قال: (فيقول) الله سبحانه وتعالى للملك: (اكتب عمله) حسنة أو سيئة (وأجله) طويلًا أو قصيرًا، والأجل المدة التي أجلها الله تعالى لعباده في دار الفناء (ورزقه) أي: غذاءه حلالًا أو حرامًا قليلًا أو كثيرًا، أو كلّ ما ساقه الله تعالى إليه لينتفع به كالعلم وغيره (وشقي أم سعيد) حسب ما اقتضته حكمته، ورفع (شقي) على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وتاليه عطف عليه، وكان حق الكلام أن يقول: واكتب سعادته وشقاوته، فعدل عن ذلك حكاية لصورة ما يكتب؛ لأنه يكتب شقي أو سعيد، والظاهر: أن الكتابة هي الكتابة المعهودة في صحيفته، وقد جاء ذلك مصرحًا به في رواية لمسلم في حديث حذيفة بن أسيد:"ثم تطوى الصحيفة، فلا يزاد فيها ولا ينقص"، ووقع في حديث أبي ذر:"فيقضي الله ما هو قاض، فيكتب ما هو لاق بين عينيه".

(1) سورة المؤمنون: (14).

ص: 285

فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا".

===

(فوالذي نفسي بيده) أتى بالقسم لتأكيد الكلام، (إن أحدكم) أيها الناس (ليعمل بعمل أهل الجَنَّة) طولَ حياته (حتى ما يكون بينه وبينها) أي: بين الجَنَّة (إلَّا ذراع)، وهذا كناية عن غاية القرب؛ أي: حتى ما يبقى بينه وبين أن يصل إلى الجَنَّة إلَّا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض إلَّا ذراع، فهو تمثيل بقرب حاله إلى الموت، وضابط ذلك بالغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة، (فيسبق عليه الكتاب) أي: المكتوب الذي كتبه الملك وهو في بطن أمه، والفاء للتعقيب الدال على حصول السبق بغير مهلة؛ أي: يغلب عليه الكتاب، (فيعمل) عند ذلك (بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها) أي: بين النار (إلَّا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجَنَّة فيدخلها) وفيه: أن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق من القضاء وجرى به القدر، والحديث لا ينافي عموم المواعيد المذكورة في الآياتِ القرآنية والأحاديث المرفوعة، مثل قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (1) لأن المعتبر في كلها الموت على سلامة العاقبة وحسن الخاتمة، رزقنا الله تعالى إياها وجميع المسلمين بمنه وكرمه، آمين.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب القدر، وفي كتاب التوحيد، وفي كتاب بدء الخلق، وفي غيرها، ومسلم في كتاب القدر،

(1) سورة الكهف: (30).

ص: 286

(75)

- 75 - (2) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سِنَانٍ،

===

وأبو داوود؛ أخرجه في كتاب السنة، والترمذي؛ أخرجه في كتاب القدر.

ودرجته: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، فقال:

(75)

- 75 - (2)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).

(حدثنا إسحاق بن سليمان) الرازي - براء فزاي - منسوب إلى مدينة الري بزيادة زاي على خلاف القياس، كوفي الأصل أبو يحيى العبدي. روى عن: مالك، وابن أبي ذئب، وأفلح بن حميد، وغيرهم، ويروي عنه:(ع)، وأحمد بن حنبل، وقتيبة، وأبو خيثمة.

وثقه العجلي والنسائي وابن سعد، وقال في "التقريب": ثقة فاضل، من التاسعة، مات سنة مئتين (200 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(ع).

(قال) إسحاق: (سمعت أبا سنان) الأصغر سعيد بن سنان الشيباني البرجمي -بضم الموحدة والجيم بينهما راء ساكنة - الكوفي نزيل قزوين.

وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال أحمد: ليس بالقوي في الحديث، وقال في "التقريب": صدوق له أوهام، من السادسة. يروي عنه:(م د ت س ق).

ص: 287

عَنْ وَهْبِ بْنِ خَالِدٍ الْحِمْصِيِّ، عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ

===

(عن وهب بن خالد) الحميري أبو خالد (الحمصي). روى عن: ابن الديلمي، ويروي عنه: أبو سنان، وأبو عاصم النبيل.

قال الآجري عن أبي داوود: ثقة، لقبه أبو عاصم بمكة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال العجلي: وهب بن خالد حمصي ثقة، وقال في "التقريب": ثقة من السابعة. يروي عنه: (د ت ق).

(عن) عبد الله (بن) فيروز (الديلمي) أبي بشر الشامي أخي الضحاك بن فيروز، وكان يسكن بيت المقدس. روى عن: أبيه، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وغيرهم، ويروي عنه:(د س ق)، ووهب بن خالد الحمصي، وأبو إدريس الخولاني، وغيرهم.

قال ابن معين: ثقة، وقال العجلي: شامي تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات".

قلت: ذكره ابن قانع في "معجم الصحابة"، وأبو زرعة الدمشقي في تابعي أهل الشام، وأما ابن حبان .. فقال: هو عبد الله بن ديلم بن هوشَع الحميري عداده في أهل مصر، كذا قال، وقال في "التقريب": ثقة من كبار التابعين، ومنهم من ذكره في الصحابة.

(قال) ابن الديلمي: (وقع في نفسي) وقلبي (شيء من) الشبه في (هذا القدر) والإنكار به. انتهى من "البذل"، وعبارة السندي: قوله: (شيء من هذا القدر) أي: لأجل هذا القدر؛ أي: القول به؛ يريد: أنه وقع في نفسه من الشبه لأجل القول بالقدر، أو المراد بالقدر هو القول بنفي القدر الذي هو مذهب القدرية. انتهى.

ص: 288

خَشِيتُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيَّ دِينِي وَأَمْرِي، فَأَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ: أَبَا الْمُنْذِرِ؛ إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ، فَخَشِيتُ عَلَى دِينِي وَأَمْرِي، فَحَدِّثْنِي مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ اللهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ .. لَعَذَّبَهُمْ

===

أي: وقع في نفسي شيء وشبهة من نفي هذا القدر الذي يجب الإيمان به

حتى (خشيت) وخفت (أن يفسد عليَّ) ذلك الشيء الواقع في قلبي (ديني) أي: عقيدتي الباطنة (وأمري) أي: أمر ديني الظاهر؛ لأنه إذا فسدت العقيدة .. فَسَدَت الأعمالُ الظاهرةُ، (فأتيتُ أُبيَّ بنَ كعب) بن قيس الأنصاريَّ الخزرجيَّ أبا المنذر المدنيَّ الفراءَ رضي الله تعالى عنه، له مئة وستة وأربعون حديثًا، مات سنة اثنتين وثلاثين (32 هـ)، وقيل سنة تسع عشرة، وقيل غير ذلك، وقال بعضهم: صلى عليه عثمان، وكان نحيفًا أبيض الرأس واللحية لا يخضب. يروي عنه:(ع).

(فقلت) لأبي بن كعب: يا (أبا المنذر؛ إنه) أي: إن الشان والحال (قد وقع في نفسي شيء من) نفي (هذا القدر) الذي يجب الإيمان به، (فخشيت على) فساد (ديني) وعقيدتي (و) فساد (أمري) وعملي، (فحدثني) أي: أخبرني يا أبا المنذر (من ذلك بشيء) أي: مما يتعلق بمسألة القدر ثبوتًا؛ أي: أخبرني بشيء من الأدلة يدلُّ على ثبوت القدر، (لعل الله) سبحانه وتعاليّ، أي: عسى الله (أن ينفعني به) أي: بما تحدثني في ديني وأمري بإزالة الشبهة عن قلبي ودخول (أن) في خبر لعل للتشبيه، وفي رواية أبي داوود:(لعل الله أن يذهبه) أي: يزيل من قلبي.

(فقال) أبي بن كعب: (لو أن الله) سبحانه وتعالى (عذب أهل سماواته) من الملائكة (وأهل أرضه) من الجن والإنس .. (لـ) كان (عذبهم) بعدله،

ص: 289

وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ .. لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا أَوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ .. مَا قُبِلَ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ،

===

(وهو) أي: والحال أنه (غير ظالم لهم) بتعذيبه إياهم؛ لأنه متصرف في ملكه، (ولو رحمهم) أي: جميعًا من المؤمنين والكفار .. (لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم)، قال الطيبي: هذا إرشاد عظيم وبيان شاف لإزالة ما طلب منه؛ لأنه هدم به قاعدة القول بالحسن والقبيح عقلًا، وبين أنه مالك الملك، فله أن يتصرف في ملكه كيف شاء، ولا يتصور في تصرفه ظلم؛ لأنه تصرف في ملك الغير، ولا ملك لغيره أصلًا، ثم بين بقوله: (ولو رحمهم

) إلى آخره: أن النجاة من العذاب برحمته لا بالأعمال، فالرحمة خير منها. انتهى منه.

(ولو كان لك مثل جبل أحد ذهبًا أو) قال أبي - والشك من ابن الديلمي -: ولو كان لك (مثل جبل أحد) مالًا بلا ذكر ذهبًا (تنفقه) أي: تصرفه ذلك المثل في سبيل الله) أي: في طاعة الله؛ يعني: سبيل الخير من الفقراء والمساكين مثلًا، والجملة الفعلية صفة للمثل .. (ما قبل منك) بالبناء للمفعول؛ أي: ما قبل الله منك ذلك المثل الذي أنفقته في سبيل الله (حتى تؤمن بالقدر) أي: بتقدير الله للكائنات أزلًا لا يتم إيمانك إلَّا بالإيمان به، فإذا لَمْ يتم إيمانك .. فلا يقبل منك جميع عملك ماليًا كان أوغيره.

قال السندي: وهذا يشير إلى أنه لا قبول للمبتدع عند الله تعالى، أو هو مبني على القول بكفر منكره. انتهى.

وفي رواية أبي داوود: (ولو أنفقت مثل أحد ذهبًا في سبيل الله تعالى .. ما قبل الله منك حتى تؤمن بالقدر).

ص: 290

فَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ .. لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ .. لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وإنَّكَ إِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ، وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ أَخِي عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَتَسْأَلَهُ، فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَسَأَلْتُهُ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَا قَالَ أُبَيٌّ وَقَالَ لِي:

===

(فتعلم أن ما أصابك) أي: أن ما قدر أزلًا إصابته إياك .. (لَمْ يكن) ذلك المقدر عليك (ليخطئك) ويجاوزك ويعدوك فيما لا يزال لا محالة، واللام في (ليخطئك) لام الجحود مكسورة؛ لوقوعها بعد (يكن) المنفي بلم؛ كما قال بعضهم في ضابطها:

وكل لام قبلها ما كانا

أو لم يكن فللجحود بانا

(وما أخطأك) معطوف على اسم أنَّ؛ أي: وحتى تعلم أن ما قُدِّر خطؤه إياك أزلًا ومجاوزته لك .. (لَمْ يكن ليصيبك) في الدنيا؛ أي: ليحصل لك أو عليك خيرًا كان أو شرًّا، (وإنك) - بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها عطفًا على أنَّ الأولى - أي: وإنك (إن مت على غير هذا) الاعتقاد الذي هو الإيمان بالقدر .. (دخلت النار) دخولًا مؤبدًا؛ لعدم كمال إيمانك وحصوله، ورواية أبي داوود:(ولو مت على غير هذا .. لدخلت النار).

و(لا) في قوله: (وَلَا عليك) زائدة لتأكيد الكلام، أو داخلة على محذوف؛ أي: ولا تمهل، وعليك اسم فعل أمر بمعنى الزم، أو خبر مقدم للمصدر المنسبك من قوله:(أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود) أي: وعليك الإتيانُ بأخي عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه (فتسأله) أي: فسؤاله عن هذه المسألة، ولا تهمل الإتيان إليه فتسأله، بالنصب معطوف على (تأتي).

قال ابن الديلمي: (فأتيت عبد الله بن مسعود، فسألته) عن القدر، (فذكر) لي عبد الله (مثل ما قال) لي (أبيٌّ) في جواب سؤالي، (وقال لي) عبد الله

ص: 291

وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ حُذَيْفَةَ، فَأَتَيْتُ حُذَيْفَةَ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَا، فَقَالَ: ائْتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَاسْأَلْهُ، فَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَوْ أَنَّ اللهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ .. لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ .. لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا

===

أيضًا: (وَلَا عليك) أي: وعليك (أن تأتي حذيفة) بن اليمان رضي الله تعالى عنه (فأتيت حذيفة) بن اليمان، (فسألته) أي: فسألت حذيفة عن ذلك، (فقال) لي حذيفة في الجواب (مثل ما قالا) أي: مثل ما قال أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود، ثم أمرني حذيفة بزيد بن ثابت، (فقال) لي حذيفة:(ائت زيد بن ثابت) أي: اذهب إلى زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه (فاسأله) أي: فاسأل زيد بن ثابت عن حكم هذا القدر، وقوله كما عند البيهقي في "الاعتقاد":(فسله) لغة في: فاسأله؛ كمره وأْمره، كما هو مبيَّنٌ في محله.

قال ابن الديلمي: (فأتيت زيد بن ثابت) بن الضحاك بن زيد بن لوذان -بالمعجمة- ابن عمرو الأنصاري النجاري المدني أحد نجباء الأنصار، شهد بيعة الرضوان، كاتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، له اثنان وتسعون حديثًا، مات سنة خمس وأربعين (45 هـ)، وقيل: سنة ثمان، وقيل بعد الخمسين. يروي عنه:(ع).

(فسألته) أي: فسألت زيدًا عن القدر.

وهذا السند من سداسياته؛ رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان شاميان، وواحد مدني، وحكمه: الصحة.

(فقال) لي زيد في جواب سؤالي: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو أن الله) سبحانه وتعالى (عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه .. لعذَّبهم) أي: لكان عذَّبهم (وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم .. لكانت رحمته خيرًا

ص: 292

لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ جَبَلُ أُحُدٍ ذَهَبًا أَوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ .. مَا قَبلَهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، فَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ".

(76)

- 76 - (3) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،

===

لهم من أعمالهم، ولو كان لك جبل أحد ذهبًا أو) قال الرسول صلى الله عليه وسلم، أو زيد بن ثابت، والشك من زيد، أو من ابن الديلمي: لو كان لك (مثل جبل أحد ذهبًا) بزيادة لفظة مثل (تنفقه في سبيل الله .. ما قبله) الله سبحانه (منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك) أزلًا (لَمْ يكن ليخطئك) فيما لا يزال، (وما أخطأك) أزلًا (لَمْ يكن ليصيبك) فيما لا يزال، (وأنك إن مت على غير هذا) الاعتقاد .. (دخلت النار) لكفرك أو لبدعتك.

(وَلَا عليك) أي: وعليك (أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود) فتسأله؛ لأنه أعلم مني، والفرق بين أقوالهم: أن أبي بن كعب وحذيفة وابن مسعود ذكروا قولهم، وأما زيد بن ثابت .. فحدَّثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا مرفوعًا.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب السنة، باب في القدر، الحديث (4699).

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(76)

- 76 - (3)(حدثنا عثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم أبو الحسن الكوفي.

ص: 293

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ،

===

قال ابن معين: ثقة أمين، وقال في "التقريب": ثقة أمين حافظ شهير له أوهام، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومئتين (239 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).

قال: (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(ح وحدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي أبو الحسن الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).

قال: (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي مولاهم الكوفي.

(ووكيع) بن الجراح الكوفي.

(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أبي محمد الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن سعد بن عبيدة) -بضم العين- السلمي أبي حمزة الكوفي زوج بنت أبي عبد الرَّحمن السلمي، تابعي ثقة، من الثالثة، مات في ولاية عمر بن هبيرة على العراق. يروي عنه:(ع).

(عن أبي عبد الرَّحمن المسلمي) عبد الله بن حبيب بن رُبيعة -بضم المهملة وفتح الموحدة وتشديد الياء المكسورة- المقرئ الكوفي مشهور بكنيته، ولأبيه صحبة، أقرأ القرآن أربعين سنة.

وثقه النسائي، وقال في "التقريب": ثقة ثبت، من الثانية، مات بعد السبعين. يروي عنه:(ع).

ص: 294

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِيَدِهِ عُودٌ، فَنَكَتَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:"مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛

===

(عن علي بن أبي طالب) الهاشمي ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وختنه على فاطمة رضي الله تعالى عنهما، أبي الحسن المدني.

وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه: أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا علي بن أبي طالب؛ فإنه مدني، وأن فيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض؛ الأعمش عن سعيد عن أبي عبد الرَّحمن، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) على: (كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم أي: حوله في بقيع الغرقد عند نجنازة، (وبيده عود) أي: مخصرة، كما في رواية البخاري - بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وبالصاد المهملة - قال في "القاموس": ما يتوكأ عليه كالعصا ونحوه، وما يأخذه الملك يشير به إذا خاطب، والخطيب إذا خطب، وسميت بذلك؛ لأنَّها تحمل تحت الخصر غالبًا للاتكاء عليها، (فنكت) به؛ أي: ضرب به في الأرض) ضربًا أثر فيها، ورواية البخاري:(فنكس) أي: خفض رأسه وطأطأ به إلى الأرض على هيئة المهموم المتفكر، (فجعل ينكت) أي: يضرب في الأرض (بمخصرته).

(ثم رفع رأسه) بعدما طأطأه، (فقال: ما منكم) أيها الناس (من أحد إلَّا وقد كتب) بالبناء للمفعول؛ أي: إلَّا وقد كتب الله سبحانه (مقعده) أي: منزلته (من الجَنَّة) إن كان من أهل الجَنَّة، (ومقعده) الواو بمعنى (أو) التنويعية أو على بابها (من النار) إن كان من أهلها، (قيل) له:(يا رسول الله)، وفي رواية البخاري هنا:(فقال رجل) هو علي بن أبي طالب، كما صرح به البخاري في التفسير، لكن بلفظ:(قلنا)، أو هو سراقة بن مالك بن جعشم، كما

ص: 295

أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: "لَا، اعْمَلُوا وَلَا تَتَّكِلُوا؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ"، ثُمَّ قَرَأَ:

===

في "مسلم"، أو هو عمر بن الخطاب، كما في "الترمذي"، أو هو أبو بكر الصديق، كما عند أحمد والبزار والطبراني، أو هو رجل من الأنصار.

وجمع بين هذه الروايات بتعدد السائلين عن ذلك، ففي حديث عبد الله بن عمر: فقال أصحابه: يا رسول الله؛ (أفلا نتكل؟ ) ونعتمد على ما كتب لنا، ونترك العمل، والهمزة في قوله:(أفلا) داخلة على محذوف؛ تقديره: أي: إذا كان الأمر كذلك .. فلا نعمل شيئًا، ونتكل؛ أي: نعتمد على ما كُتب وقدر لنا أزلًا، (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا) تتركوا العمل، ولا تتكلوا على ذلك، بل (اعملوا) ما أمرتم به، (وَلَا تتكلوا) أي: لا تعتمدوا على ذلك؛ (فكل) منكم (ميسر) أي: موفق (لما خلق له) أي: لعمل ما خلق له من عمل أهل الجَنَّة إن كان من أهلها، أو من أهل النار إن كان من أهلها.

قال السندي: مرادهم أن العمل لا يرد القضاء والقدر السابق، فلا فائدة فيه، فنبَّه على الجواب عنه بأن الله تعالى دبر الأشياء على ما أراد، ورتبها بعضها على بعض، وجعلها أسبابًا ومسببات، ومن قدَّره من أهل الجَنَّة .. قدر له ما يقرّبه إليها من الأعمال، ووفقه لذلك بإقداره عليه، ويُمكِّنه منه ويُحرِّضُهُ عليه بالترغيب والترهيب، ومن قدر له أنه من أهل النار .. قدر له خلاف ذلك، وخذله حتى اتبع هواه، وترك أمر مولاه.

والحاصل: أنه جعل الأعمال طريقًا إلى نيل ما قدَّره من جنة أو نار، فلا بد من المشي في الطريق، وبواسطة التقدير السابق يتيسر ذلك المشي لكل في طريقه ويسهل عليه.

(ثم قرأ) هذه الآية استشهادًا على أنَّ التيسير منه تعالى؛ يعني: قوله

ص: 296

{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} .

===

تعالى: ({فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}) أي: أعطى الطاعة، وفعل بالمأمورات، ({وَاتَّقَى}) المعصية، واجتنب المنهيات، ({وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}) أي: الكلمة الحسنيّ، وهي التي دلت على حق؛ ككلمة التوحيد .. ({فَسَنُيَسِّرُهُ}) أي: سنهيئه ({لِلْيُسْرَى}) أي: للخصلة التي تُؤدِّي إلى يُسر وسهولة وراحةٍ؛ كدخول الجَنَّة، ({وَأَمَّا مَن بَخِلَ}) بما أمر به ({وَاسْتَغْنَى}) بشهوات الدنيا عن العقبى .. ({وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ}) أي: سنُهَيِّئُهُ ({لِلْعُسْرَى})(1) أي: للخلة الموصلة إلى العسر والشدة؛ كدخول النار.

هذا الحديث أصلٌ لأهل السنة في أن السعادة والشقاوة بتقدير الله القديم، واستدل به على إمكان معرفة الشقي من السعيد في الدنيا؛ كمن اشتهر له لسان صدق، وعكسه؛ لأن العمل أمارة على الجزاء على هذا الخبر.

والحق: أن العمل علامة وأمارة، فيحكم بظاهر الأمر، وأمر الباطن إلى الله تعالى، وقال بعضهم: إن الله أمرنا بالعمل، فوجب علينا الامتثال، وغيّب عنا المقادير لقيام الحجة، ونصب الأعمال علامةً على ما سبق في مشيئته، فمن عدل عنه .. ضل؛ لأن القدر سر من أسراره لا يطلع عليه إلَّا هو، فإذا دخلوا الجَنَّة .. كشف لهم، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى "قسطلاني".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في مواضع كثيرة؛ في كتاب الجنائز، وفي كتاب التفسير في أبواب كثيرة، وفي كتاب الأدب، وفي كتاب القدر، إلى غير ذلك، وأبو داوود في كتاب السنة، في باب القدر، والترمذي.

(1) سورة الليل: (5 - 10).

ص: 297

(77)

- 77 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

===

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركه فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن مسعود بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(77)

- 77 - (4)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، (وعلي بن محمد الطنافسي) الكوفي.

(قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرَّحمن الأودي - بسكون الواو - أبو محمد الكوفي، ثقة فقيه عابد، من الثامنة، مات سنة اثنتين وتسعين ومئة (192 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن ربيعة بن عثمان) بن ربيعة بن عبد الله بن الهُدير التيمي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه:(م س ق).

(عن محمد بن يحيى بن حبان) -بفتح المهملة وتشديد الموحدة- ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني أبي عبد الله المدني الفقيه، كانت له حلقة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة، من الرابعة، مات سنة إحدى وعشرين ومئة (121 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داوود المدني القاريّ، ثقة عالم، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومئة (117 هـ) بالإسكندرية. يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله تعالى عنه.

ص: 298

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ؛

===

وهذا السند من سداسياته؛ رجاله أربعة منهم مدنيون، واثنان كوفيان، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي) أي: على أعمال البر ومشاق الطاعة، والصبور على تحمل ما يصيبه من البلاء، والمتيقظ في الأمور، المهتدى إلى التدبير والمصلحة بالنظر إلى الأسباب واستعمال الفِكر في العاقبة .. (خير) أي: أكثر أجرًا (وأحب) أي: أشدُّ محبوبية (إلى الله) أي: عند الله عز وجل (من المؤمن الضعيف) أي: المتصف بالضعف فيما ذكر، قال النواوي: والمراد بالقوة هنا: عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأسرع خروجًا إليه في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كلّ ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشطَ طلبًا لها ومحافظة عليها، ونحو ذلك.

(وفي كلّ) من القوي والضعيف (خير) لاشتراكهما في الإيمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات، (احرص) - بكسر الراء وفتحها من باب ضرب وعلم - أي: كن شديد الحرص والإقبال (على) تحصيل (ما ينفعك) في الدنيا والآخرة؛ أي: احرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده، (واستعن بالله) أي: واطلب الإعانة من الله تعالى على تحصيل ما ينفعك، (وَلَا تعجز) - بكسر الجيم وفتحها من باب ضرب وعلم أيضًا - أي: لا تكسل عن طلب الطاعة والإعانة عليها.

ص: 299

فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَلكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".

===

(فإن أصابك) ووقع بك ونزل (شيء) مما لا يوافقك ويشق تحمُّلهُ عليك .. (فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا) من الأسباب التي تعارضه .. لما أصابني هذا الشيء، (ولكن قل: قدر الله) سبحانه وتعالى هذا الشيء عليّ في سابق علمه وكتبه على، فلا بد من وقوعه، ولا ترده الأسباب والحيل، (وما شاء) سبحانه وتعالى وحكم .. (فعل) في مخلوقاته لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه.

(فإن لو) أي: قولك: لو فعلت كذا وكذا .. لَما أصابني (تفتح عمل الشيطان) أي: وسوسته، و (لو) هنا كلمة مفيدة للتمني، وعمل الشيطان: هو اعتقاد أن الأمر منوط بتدبير العبد وأن تدبيره هو المؤثر، قال القاضي عياض: فالذي عندي في معنى الحديث أن النهي على ظاهره وعمومه، لكنه نهي تنزيه، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"فإن لو تفتح عمل الشيطان" أي: يُلقي في القلب معارضة القدر ويوسوس به، قال النوواي: والظاهر أن النهي إنما هو عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه فيكون نهي تنزيه لا تحريم، فأما ما قاله تأسفًا على ما فات من طاعة لله تعالى، أو هو متعذر عليه منها، ونحو ذلك .. فلا بأس به، وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث، كحديث" لو استقبلت من أمري ما استدبرت .. ما سقت الهدي".

والمؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب القدر، باب (8)، الحديث (1716).

ودرجته: أنه صحيح لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به، والله أعلم.

* * *

ص: 300

(78)

- 78 - (5) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَ طَاوُوسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

===

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن مسعود بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(78)

- 78 - (5)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير -مصغرًا- ابن أبان السلمي أبو الوليد الدمشقي خطيب المسجد الجامع بها، صدوق مقرئ، كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ)، وله اثنتان وتسعون سنة. يروي عنه:(خ عم).

(ويعقوب بن حميد بن كاسب) المدني نزيل مكة، صدوق ربما وهم، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ)، أو إحدى وأربعين ومئتين. يروي عنه:(ق)، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند.

(قالا: حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي أبو محمد الأعور المكي، ثقة، من الثامنة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن عمرو بن دينار) الجمحي مولاهم أبي محمد المكي، ثقة ثبت، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين ومئة (126 هـ). يروي عنه:(ع).

(سمع طاووس) بن كيسان اليماني أبا عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي، يقال: اسمه ذكوان، وطاووس لقبه، ثقة فقيه فاضل، من الثالثة، مات سنة ست ومئة (106 هـ) يوم التروية. يروي عنه:(ع).

(يقول: سمعت أبا هريرة يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم).

وهذا السند من خماسياته؛ رجاله اثنان منهم مدنيان أو مدني ودمشقي، وواحد يماني، واثنان مكيان، وحكمه: الصحة.

ص: 301

قَالَ: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى؛ فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ؛ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى؛ اصْطَفَاكَ اللهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللهُ

===

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احتج آدم وموسى) بن عمران عليهما السلام؛ أي: تحاجا وتخاصما، قال أبو الحسن القابسي: التقت أرواحمها في السماء، فوقع الحجاج والخصام بينهما، قال القاضي عياض: ويحتمل أنه على ظاهره، وأنهما اجتمعا بأشخاصهما، وقد ثبت في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في السماوات وفي بيت المقدس، وصلى بهم، فلا يبعد أن الله عز وجل أحياهم كما جاء في الشهداء.

قال: ويحتمل أن ذلك جرى في حياة موسى، سأل الله تعالى أن يريه آدم، فحاجه (فقال موسى: يا آدم؛ أنت أبونا خيبتنا) أي: أوقعتنا في الخيبة؛ وهي الحرمان والخسران، يقال: خاب يخيب ويخوب؛ أي: جعلتنا خائبين محرومين، (وأخرجتنا من الجنة بذنبك) بأكل الشجرة؛ فلو لم تأكل الشجرة .. لم نقع في الخيبة، وفي رواية:(أنت آدم الذي أغويت الناس، وأخرجتهم من الجنة)، وفي رواية:(أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض)، ومعناه: كنت سبب خيبتنا وإغوائنا بالخطيئة التي ترتب عليها إخراجك من الجنة، ثم تعرضنا نحن لإغواء الشيطان، والغيُّ: الانهماك في الشر، وفيه جواز إطلاق الشيء على سببه، وفيه ذكر الجنة وهي موجودة من قبل آدم، هذا مذهب أهل الحق.

(فقال له آدم: يا موسى) أنت الذي (اصطفاك الله) سبحانه وخصك (بكلامه) في الدنيا، (وخط) أي: كتب (لك التوراة بيده) المقدسة وفيها تعليم القدر والأمر بالإيمان به، (وتلومني على أمر قدره الله) سبحانه وتعالى

ص: 302

عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ ! فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى"، ثَلَاثًا.

===

(عليّ قبل أن يخلقني) وينفخ فيّ الروح (بأربعين سنة؟ ! ) حين خمَّر طينتي، فكيف يمكنني الامتناع من أكلي للشجرة بعدما قدره عليَّ؟ !

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (فحج آدم) وغلب (موسى) بالحجة؛ بأن ألزمه بأن العبد ليس بمستقل بفعله، ولا متمكن من تركه بعد أن قضي عليه من الله تعالى، وما كان كذلك .. لا يحسن اللوم عليه عقلًا، وأما اللوم شرعًا .. فكان منتفيًا بالضرورة؛ إذ ما شُرع لموسى أن يلوم آدم في تلك الحالة، وأيضًا هو في عالم البرزخ، وهو غير عالم التكليف حتى يتوجَّه فيه اللوم شرعًا، وأيضًا لا لوم على تائب، ولذلك ما تعرض لنفيه آدم في الحجة، وعلى هذا لا يرد أن هذه الحجة ناهضة لفاعل ما يشاء؛ لأنه ملومٌ شرعًا بلا ريب. انتهى "سندي".

فإن قلتَ: فعلى هذا يمكن أن يغلب بالحجة كل من يرتكب الكبائر وينتهك المحرمات أن يتخلص من الإلزام بإحالته على التقدير الأزلي.

قلنا: لا، هذا في دار التكليف، فلا يجوز مثل ذلك في نشأة الدنيا؛ لما يلزم عليه من إبطال التكليف فيها، فلا محل هناك للإلزام. انتهى "بذل".

قوله: (قدره الله علي) المراد بالتقدير: الكتابة في اللوح المحفوظ، وفي صحف التوراة وألواحها؛ أي: كتبه على قبل خلقي بأربعين سنة، وكرَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ثلاثًا) أي: ثلاث مرات للتوكيد، قال النووي: هكذا الرواية (فحج آدم موسى) برفع آدم، وهو فاعل في جميع كتب الحديث باتفاق الناقلين والرواة والشراح وأهل الغريب؛ أي: غلبه بالحجة، وظهر عليه بها، ومعنى كلام آدم: إنك يا موسى تعلم أن

ص: 303

(79)

- 79 - (6) حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ،

===

هذا كتب عليّ قبل أن أخلق وقُدّر عليّ، فلا بد من وقوعه، ولو حرصتُ أنا والخلائق أجمعون على ردِّ مثقال ذرة منه .. لم نقدر، فلِمَ تلومني على ذلك؟ ولأن اللوم على الذنب شرعي لا عقلي إذا تاب الله تعالى على آدم وغفر له .. زال عنه اللوم، فمَن لامه .. كان محجوبًا بالشرع؛ فإن قيل: فالعاصي منا لو قال: هذه المعصية قدرها الله عليّ .. لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك، وإن كان صادقًا فيما قاله؟

فالجواب: أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها، وفي عقوبته ولومه زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل، وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، فأما آدم .. فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر، فلم يكن في القول المذكور له فائدة، بل فيه إيذاء وتخجيل، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى منه.

وشارك المؤلف في روابة هذا الحديث: البخاري في كتاب القدر، باب تحاج آدم وموسى، ومسلم في كتاب القدر، باب (2)، وأبو داوود في كتاب السنة، باب في القدر.

ودرجته: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث ابن مسعود بحديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(79)

- 79 - (6)(حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة) الحضرمي مولاهم أبو محمد الكوفي. روى عن: شريك، ويروي عنه:(م د ق)، وأبو يعلى، والحسن بن سفيان.

ص: 304

حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ

===

قال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: مستقيم الحديث، وقال في "التقريب": صدوق، من العاشرة، مات سنة سبع وثلاثين ومئتين (237 هـ).

قال: (حدثنا شريك) بن عبد الله بن أبي شريك النخعي أبو عبد الله الكوفي.

قال ابن معين: ولم يكن شريك بن عبد الله عند يحيى -يعني: القطان- بشيء، وهو ثقة ثقة، إلا أنه لا يتقن ويغلط، وقال في "التقريب": صدوق يخطئ كثيرًا، من الثامنة، مات سنة سبع وسبعين ومئة (177 هـ)، أو ثمان وسبعين ومئة. يروي عنه:(م عم).

(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب -بمثناة ثقيلة ثم موحدة- الكوفي، ثقة ثبت، من الخامسة، وكان لا يدلس، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن ربعي) بن حراش -بكسر الحاء المهملة- العبسي -بموحدة- أبي مريم الكوفي، ثقة عابد مخضرم، من الثانية، مات سنة مئة (100 هـ)، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).

(عن علي) بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-.

وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه: أن رجاله كلهم كوفيون إلا عليًّا؛ فإنه مدني، وحكمه: الصحة.

(قال) علي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن عبد) أي: لا يحصل إيمان عبد؛ أي: شخص رجلًا أو امرأة، حرًّا أو رقيقًا (حتى يؤمن)

ص: 305

بِأَرْبَعٍ: بِاللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْقَدَرِ".

(80)

- 80 - (7) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،

===

ويصدق ويذعن بقلبه ويقر بلسانه (بأربع) خصال، وقوله:(بالله وحده) في ذاته وصفاته (لا شريك له) في أفعاله .. بدل من قوله: "بأربع" بدل تفصيل من مجمل، وما بعده معطوف عليه، (و) حتى يؤمن بـ (أني رسول الله) سبحانه إلى كافة الثقلين، (و) حتى يؤمن (بالبعث) من القبور (بعد الموت) للمجازاة، أعاد العامل هنا اهتمامًا بشأنه؛ لأن المشركين ينكرونه، (و) حتى يؤمن بـ (القدر) خيره وشره من الله تعالى، وهذا محل الترجمة، وقوله:"لا يؤمن عبد" نفي لأصل الإيمان لا نفي لكماله؛ فمن لم يؤمن بواحد من هذه الأمور الأربعة .. لم يكن مؤمنًا، ويلزم منه أن يكون القدري كافرًا، وهو خلاف ما عليه الجمهور، فليتأمل.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب القدر، باب ما جاء في الإيمان بالقدر خيره وشره، الحديث (3145).

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث ابن مسعود بحديث عائشة -رضي الله تعالى عنهما-، فقال:

(80)

- 80 - (7)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي.

(وعلي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي.

(قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي.

ص: 306

حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي اللهُ تَعَالى عَنْهَا قَالَتْ: دُعِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جِنَازَةِ غُلَامٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ طُوبَى لِهَذَا؛ عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ؛

===

قال: (حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله) التيمي المدني نزيل الكوفة.

وثقه العجلي وابن معين، وقال في "التقريب": صدوق يخطئ، من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين ومئة (148 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن عمته عائشة بنت طلحة بن عبيد الله) التيمية أم عمران المدنية، كانت فائقة الجمال، وهي ثقة من الثالثة. روى عنها:(ع).

(عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها-).

وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان مدنيان، وحكمه: الصحة.

(قالت) عائشة: (دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى) صلاة (جنازة غلام) أي: صبي (من الأنصار، فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ طوبى) أي: الجنة (لهذا) الغلام، وطوبى فُعلى؛ من طاب يطيب أصله طُيبى -بضم الطاء وسكون الياء- قلبت الياء واوًا؛ لوقوعها إثر ضمة؛ أي: له البشرى بطيب العيش؛ هو (عصفور من عصافير الجنة) أي: مثلها من حيث إنه لا ذنب عليه، وينزل في الجنة حيث يشاء، وهذا هو وجه الشبه عندي؛ لأن الكلام فيه تشبيه بليغ؛ لما في رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"صغارهم دعاميص الجنة" أي: عصافيرها، قال القاري: أي: إنهم سياحون في الجنة لا يمنعون

إلى آخره، لا يمنعون من موضع؛

ص: 307

لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ، قَالَ:"أَوْ غَيْرُ ذَلِكِ يَا عَائِشَةُ؛ إِنَّ اللهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ".

===

كما أن الصبيان في الدنيا لا يمنعون من الدخول على الحرم، ولا يحتجب منهم. انتهى.

والظاهر: أن مستقرهم في روضة في أصل شجرة؛ كما في رؤياه صلى الله عليه وسلم بلفظ: "انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان

" الحديث، وفُسر الشيخ بإبراهيم عليه السلام والصبيان بأولاد الناس، والعصفور: طائر معروف، وقيل: طوبى اسم الجنة، أو اسم شجرة فيها، وفُسرت بالمعنى الأصلي؛ فقيل: أطيبُ معيشة له، وقيل: فرح له وقرة عين.

وجملة قوله: (لم يعمل السوء) علة لما قبلها؛ أي: طوبى له؛ لأنه لم يعمل السوء والذنب، (ولم يدركه) أي: ولم يدرك أوان الذنب بالبلوغ، (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أو غير ذلك يا عائشة) أي: بل غير ذلك الذي قلته أحسن وأولى من الذي قلته؛ وهو التوقف؛ فـ (أو) بمعنى (بل) الإضرابية، و (غير) مبتدأ خبره محذوف، كما قدرنا، وعبارة:"البذل" هنا (أو) بفتح الواو (غير ذلك) بضم الراء وكسر الكاف هو الصحيح المشهور من الروايات؛ والتقدير: أتعتقدين ما قلت؟ والحقُّ غير ذلك؛ وهو عدم الجزم بكونه من أهل الجنة.

(إن الله) سبحانه (خلق للجنة أهلًا) أي: سكانًا (خلقهم لها) أي: للجنة (وهم في أصلاب آبائهم) أي: قبل ولادتهم، (وخلق للنار أهلًا) أي: سكانًا (خلقهم لها) أي: للنار (وهم في أصلاب آبائهم)، فهم في النار بحكم القدر

ص: 308

(81)

- 81 - (8) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،

===

قبل ولادتهم، قال النواوي: أجمع من يُعتدُّ به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين .. فهو من أهل الجنة، والجواب عن هذا الحديث: أنه لعله نهاها من المسارعة إلى القطع من غير دليل، أو قال ذلك قبل أن يُعلم أن أطفال المسلمين في الجنة. انتهى.

قلت: قد صرح كثير من أهل التحقيق أن التوقف في مثله أحوط؛ إذ ليست المسألة مما يتعلق بها العمل، ولا عليها إجماع، وهي خارجة عن محل الإجماع على قول الأصوليين؛ إذ محل الإجماع ما يدرك بالاجتهاد دون الأمور المغيبة، فلا اعتداد بالإجماع في مثله لو تمَّ على قواعدهم، فالتوقف أسلم على أن الإجماع لو تم وثبت .. لا يصح الجزم في مخصوص؛ لأن إيمان الأبوين تحقيقًا غيب، وهو المناط عند الله تعالى.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، وأبو داوود في كتاب السنة، باب في ذراري المشركين، والنسائي في كتاب الجنائز، باب الصلاة على الصبيان.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

ثم استشهد المؤلف سابعًا لحديث ابن مسعود بحديت آخر لأبي هريرة -رضي الله تعالى- عنهما، فقال:

(81)

- 81 - (8)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي.

(وعلي بن محمد) الطنافسي الكوفي.

(قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي.

ص: 309

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَدَرِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:

===

(حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق (الثوري) أبو عبد الله الكوفي.

(عن زياد بن إسماعيل المخزومي) المكي. روى عن: محمد بن عباد، ويروي عنه: الثوري، وابن جريج.

قال ابن معين: ضعيف، وقال علي بن المديني: رجل من أهل مكة معروف، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، له عندهم حديث واحد في القدر؛ وهو هذا الحديث الذي نحن فيه، وقال في "التقريب": صدوق سيئ الحفظ، من السادسة. يروي عنه:(م ت ق).

(عن محمد بن عباد بن جعفر) بن رفاعة بن أمية المخزومي المكي.

وثقه ابن معين، وقال في "التقريب": ثقة من الثالثة. يروي عنه: (ع).

(عن أبي هريرة) -رضي الله تعالى عنه-.

وهذا السند من سداسياته؛ رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان مكيان، وواحد مدني، وحكمه: الحسن؛ لأن في رجاله راويًا مختلفًا فيه؛ وهو زياد بن إسماعيل المخزومي.

(قال) أبو هريرة: (جاء مشركو قريش) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونهم (يخاصمون) أي: يجادلون وينازعون (النبي صلى الله عليه وسلم في) إثبات (القدر) والقضاء الأزلي؛ لأنهم كانوا ينكرونه، (فنزلت هذه الآية) المذكورة قريبًا في ردهم، وتلك الآية هي قوله تعالى:

ص: 310

{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} .

===

({يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ}) أي: اذكر لهم يا محمد يوم يجرون ({عَلَى وُجُوهِهِمْ}) إلى النار، يقال لهم:({ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}) أي: قاسوا حر جهنم وألمها على إنكاركم ({إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ}) من الكائنات ({خَلَقْنَاهُ}) مُلتبسًا ({بِقَدَرٍ})(1)؛ أي: إنا خلقنا كل شيء من المخلوقات وأوجدناه في دار الفناء في حالة كونه ملتبسًا بقدر.

والمعنى: أن الله تعالى قدر الأشياء في القدم، وعلم أنها ستقع في أوقات معلومة عنده تعالى، وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها الله تعالى، قال الواحدي في "الوجيز": وهذه الآيات كلها نزلت في القدرية الذين يكذبون بالقدر وينكرونه، قال النواوي: المراد بالقدر هنا: القدر المعروف؛ وهو ما قدره الله وقضاه، وسبق به علمه وإرادته، وفي هذه الآية الكريمة والحديث تصريح بإثبات القدر، وأنه عام في كل شيء؛ فكل شيء مقدر في الأزل معلوم لله مراد له.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب القدر، باب (4)، الحديث (6694)، والترمذي في كتاب القدر، باب (19)، الحديث (2157).

ودرجته: أنه حسن؛ لأن في سنده راويًا مختلفًا فيه؛ وهو زياد بن إسماعيل المخزومي، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث عائشة -رضي الله تعالى عنها-، فقال:

(1) سورة القمر: (48 - 49).

ص: 311

(82)

- 82 - (9) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ،

===

(82)

- 82 - (9)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي.

(قال) أبو بكر: (حدثنا مالك بن إسماعيل) بن درهم النهدي مولاهم أبو غسان الكوفي.

قال ابن معين: ليس في الكوفة أتقن منه، وقال في "التقريب": ثقة متقن عابد صحيح الكتاب، من صغار التاسعة، مات سنة سبع عشرة ومئتين (217 هـ). يروي عنه:(ع).

قال: (حدثنا يحيى بن عثمان) القرشي التيمي مولاهم (مولى أبي بكر) الصديق أبو سهل البصري صاحب الدستوائي. روى عن: يحيى بن عبد الله بن أبي مليكة، وعبد الله بن أبي نجيح، وأيوب السختياني، وغيرهم، ويروي عنه: أبو غسان النهدي.

ضعفه ابن معين والبخاري والنسائي وابن حبان، وزاد ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، وقال العقيلي: روى عن يحيى بن أبي مليكة، ولا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، وقال في "التقريب": ضعيف، من الثامنة، وبالجملة: اتفقوا على ضعفه. يروي عنه: (ق).

قال: (حدثنا يحيى بن عبد الله) بن عبيد الله بن عبد الله (بن أبي مليكة) القرشي التيمي المكي. روى عن: أبيه، ويروي عنه: يحيى بن عثمان التيمي مولى أبي بكر، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يعتبر حديثه إذا روى عنه غير يحيى بن عثمان، وقال في "التقريب": لين الحديث، من السابعة، مات سنة ثلاث وسبعين ومئة (173 هـ). يروي عنه:(ق).

ص: 312

عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَذَكَرَ لَهَا شَيْئًا مِنَ الْقَدَرِ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقَدَرِ .. سُئِلَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ .. لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ".

===

(عن أبيه) عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة -بالتصغير- زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي أبي بكر المكي، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومئة (117 هـ). يروي عنه:(ع).

(أنه) أي: أن عبد الله ابن أبي مليكة (دخل على عائشة) رضي الله تعالى عنها.

وهذا السند من سداسياته؛ رجاله اثنان منهم مكيان، واثنان كوفيان، وواحد مدني، وواحد بصري، وحكمه: الضعف؛ لأن في رجاله راويًا متفقًا على ضعفه؛ وهو يحيى بن عثمان مولى أبي بكر، وأيضًا يحيى بن عبد الله ابن أبي مليكة ضعيف فيما روى عنه يحيى بن عثمان.

أي: دخل عبد الله على عائشة (فذكر لها) أي: لعائشة (شيئًا من القدر) أي: مما يتعلق به من إثباته أو نفيه، (فقالت) عائشة:(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تكلم في شيء) ولو يسيرًا (من القدر) أي: مما يتعلق بالقدر إثباتًا أو نفيًا .. (سئل عنه) أي: عما قال فيه؛ أي: في القدر من إثباته أو نفيه سؤال تهديد ووعيد (يوم القيامة، ومن لم يتكلم فيه) أي: في القدر إثباتًا أو نفيًا

(لم يسأل عنه) أي: عن القدر.

قال السندي: ويحتمل أن المراد بقوله: "سئل عنه" مطلق السؤال، وبقوله:"لم يسأل عنه" بأن يقال له: لم تركت التكلم فيه؟ فصار ترك الكلام فيه خيرًا من التكلم فيه.

ص: 313

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَطَّانُ: حَدَّثَنَاهُ حَازِمُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سِنَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.

===

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف (14)(14)؛ لكون إسناده ضعيفًا، وغرضه بسوقه: الاستئناس به.

(قال أبو الحسن) علي بن إبراهيم بن سلمة بن بحر (القطان) القزويني من رواة المؤلف، كما سبق في أول الكتاب:

(حدثناه) أي: حدثنا الحديث المذكور؛ يعني: حديث عائشة (حازم) بالحاء المهملة، وقيل: بالخاء المعجمة (بن يحيى) العنزي أبو محمد البصري، قيل: اسم أبيه مروان، مجهول.

قال: (حدثنا عبد الملك بن سنان)، مجهول.

قال: (حدثنا يحيى بن عثمان) أبو سهل التيمي. روى عن: ابن أبي مليكة الصغير، عن أبيه، تكلم فيه ابن حبان، فقال فيه: منكر الحديث جدًّا يروي أشياء منكرة مقلوبة، لا يتابع عليها. انتهى "ميزان"، وقال في "التقريب": ضعيف، من الثامنة. يروي عنه:(ق).

(فذكر) عبد الملك بن سنان (نحوه) أي: نحو ما حدث مالك بن إسماعيل عن يحيى بن عثمان.

وهذا الإسناد: ضعيف جدًّا، وغرضه بسوقه: بيان متابعة عبد الملك بن سنان لمالك بن إسماعيل، وهو من زيادة أبي الحسن القطان راوي المؤلف، ولهذا سقط في بعض النسخ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث ابن مسعود بحديث عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهم-، فقال:

ص: 314

(83)

- 83 - (10) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُودُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،

===

(83)

- 83 - (10)(حدثنا علي بن محمد) الطنافسي الكوفي.

(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي.

(حدثنا داوود بن أبي هند) -اسمه دينار- القشيري مولاهم أبو محمد البصري، كان من خيار أهل البصرة من المتقنين في الرواية، ثقة متقن كان يهم بأخرة، من الخامسة، مات سنة أربعين ومئة (140 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(م عم).

(عن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي أبي إبراهيم المدني.

قال في "التقريب": صدوق، من الخامسة، مات سنة ثماني عشرة ومئة (118 هـ). يروي عنه:(ع) قال يحيى القطان: إذا روى عنه الثقات .. فهو ثقة يحتج به، وقال علي بن المديني عن يحيى القطان: حديثه عندنا واهي، وقال أبو عمرو بن العلاء: كان يعاب على قتادة وعمرو بن شعيب أنهما كانا لا يسمعان شيئًا إلا حدثاه، وقال أبو داوود عن أحمد ابن حنبل: أصحاب الحديث إذا شاؤوا .. احتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وإذا شاؤوا .. تركوه، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: إذا حدث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .. فهو كتاب، ومن هنا جاء ضعفه، وإذا حدث عن سعيد بن المسيب، أو سليمان بن يسار، أو عروة .. فهو ثقة عن هؤلاء، وقال العجلي والنسائي: ثقة، وقال أبو جعفر الدرامي: عمرو بن شعيب ثقة، روى عنه الذين نظروا في الرجال؛ مثل أيوب والزهري والحكم، واحتج أصحابنا بحديثه، وبالجملة: فهو مختلف فيه يرد السند إلى الحسن. انتهى "تهذيب".

ص: 315

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ، فكَأَنَّمَا يُفْقَأُ

===

(عن أبيه) أي: روى عمرو عن أبيه شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فالضمير في أبيه عائد إلى عمرو الحجازي الطائفي القرشي السهمي، وقد ينسب شعيب إلى جده عبد الله، ثبت سماعه من جده عبد الله بن عمرو، وذكر البخاري وأبو داوود وغيرهما أنه سمع من جده، ولم يذكر أحد منهم أنه يروي عن أبيه محمد، ولم يذكر أحد لمحمد هذا ترجمة إلا القليل، وقال في "التقريب": صدوق ثبت سماعه من جده، من الثالثة. يروي عنه:(عم).

(عن جده) أي: عن جد شعيب، فالضمير عائد إلى أبيه؛ أي: روى أبوه شعيب عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي أبو عبد الرحمن الطائفي أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة الفقهاء -رضي الله تعالى عنه وعنهم أجمعين-، له سبع مئة حديث، مات بالطائف في ذي الحجة ليالي الحرة سنة خمس وستين (65 هـ).

وهذا السند من سداسياته؛ رجاله اثنان منهم طائفيان، واثنان كوفيان، وواحد مدني، وواحد بصري، وحكمه: الحسن؛ لأن عمرو بن شعيب عن أبيه مختلف فيه.

(قال) جد شعيب عبد الله بن عمرو بن العاص: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بيته (على أصحابه وهم) في المسجد (يختصمون) أي: يناقشون وينازعون (في) شأن (القدر) بالإثبات والنفي، وكأن كلًّا منهم كان يستدل بما يناسب مطلوبه ومدعاه من الآيات، ولذالك أنكر عليهم بقوله:"تضربون القرآن بعضه ببعض" فغضب لاختصامهم حتى صار (فكأنما يفقأ)

ص: 316

فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الْغَضَبِ فَقَالَ: "بِهَذَا أُمِرْتُمْ؟ ! أَوْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ؟ ! ، تَضْرِبُونَ الْقرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ ! بِهَذَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ"، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ تَخَلَّفْتُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا غَبَطْتُ نَفْسِي

===

بالبناء للمفعول من فقأ -بهمز في آخره- بمعنى شق؛ أي: غضب عليهم حتى كأنما شق وشدخ (في وجهه حب الرمان)، ونثرت لبابته فيه (من) شدة (الغضب) أي: احمر وجهه من أجل الغضب لخصامهم احمرارًا يشبه لبابة الرمان المنثورة على وجهه.

(فقال) لهم: (بهذا) الخصام والنزاع في القدر (أمرتم؟ ! ) بالبناء للمفعول؛ أي: بهذا الخصام أمركم ربكم؟ ! (أو) قال عبد الله بن عمرو: (لهذا) الخصام (خلقتم؟ ! ) أي: خلقكم ربكم، والشك من شعيب أو ممن دونه؛ أي: هذا البحث على القدر والاختصام فيه، هل هو المقصود من خلقكم؟ أو هو الذي وقع التكليف به حتى اجترأتم عليه؟ ! يريد أنه ليس لشيء من الأمرين، فأي حاجة إليه حالة كونكم (تضربون) أي: تعارضون (القرآن بعضه ببعض؟ ! بهذا) الخصام والاختلاف (هلكت الأمم) التي مضت (قبلكم، قال) شعيب بن محمد بالإسناد السابق: (فقال) جدي (عبد الله بن عمرو: ما غبطت) من غبط من بابي ضرب وسمع؛ إذا تمنى ما له، والمراد: ما استحسنت فعل نفسي؛ أي: ما تمنيت ولا استحسنت كون (نفسي بمجلس تخلفت فيه) أي: في ذلك المجلس (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).

و(ما) في قوله: (ما غبطت نفسي) مصدرية؛ أي: ما غبطت كون نفسي بمجلس تخلفت فيه عن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتباطًا مثل

ص: 317

بِذلِكَ الْمَجْلِسِ وَتَخَلُّفِي عَنْهُ.

(84)

- 84 - (11) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،

===

اغتباط كون نفسي (بذلك المجلس) الذي حصلت فيه مفارقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (وتخلفي عنه) صلى الله عليه وسلم فيه، وقوله:(وتخلفي) معطوف على محذوف، كما قدرناه.

وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه حسن؛ لأن في سنده راويًا مختلفًا فيه؛ وهو عمرو بن شعيب، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.

وعبارة السندي هنا: في "الزوائد": هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

قلت: هذا مبني على عدم الاعتبار بالتكلم في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وإلا .. فالكلام فيها مشهور، وبالغ بعضهم حتى عدوا هذا الإسناد مطلقًا في الموضوعات، فلذا ما خرج صاحبا "الصحيحين" في "الصحيحين" شيئًا بهذا الإسناد، فلو قال صاحب "الزوائد": هذا إسناد حسن .. كان أحسن وأوفق لقاعدتهم، وهذا المتن قد أخرجه الترمذي من رواية أبي هريرة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى تاسعًا لحديث ابن مسعود بحديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهم-، فقال:

(84)

- 84 - (11)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي.

(وعلي بن محمد) الطنافسي الكوفي.

(قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي.

ص: 318

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبي حَيَّةَ أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا عَدْوَى

===

قال: (حدثنا يحيى بن أبي حية) -بفتح المهملة والياء المشددة- اسم أبي حية حي (أبو جناب) بجيم مفتوحة ونون خفيفة آخره موحدة (الكلبي) الكوفي.

ضعفه ابن معين وابن نمير، وقال: ضعف حديثه بالتدليس، وضعفه عثمان الدرامي، وقال العجلي: كوفي ضعيف الحديث يكتب حديثه وفيه ضعف، وبالجملة: اتفقوا على تضعيفه، وقال في "التقريب": مشهور بكنيته، ضعفوه لكثرة تدليسه، من السادسة، مات سنة خمسين ومئة (150 هـ)، أو قبلها. يروي عنه:(د ت ق).

(عن أبيه) أبي حية الكلبي الكوفي. روى عن: ابن عمر، وقال في "التقريب": مجهول، من الرابعة. يروي عنه:(ق).

(عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب -رضي الله تعالى عنهما- العدوي أبي عبد الرحمن المكي.

وهذا السند من خماسياته؛ رجاله أربعة منهم كوفيون، وواحد مكي، وحكمه: أنه ضعيف جدًّا؛ لأن أبا جناب ضعيف جدًّا، وأبا حية مجهول.

(قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عدوى) في الشرع؛ أي: لا مجاوزة للمرض من صاحبه إلى غيره بالمجاورة أو بالقرب منه، قال ابن الأثير في "النهاية": العدوى اسم مصدر من الإعداء؛ كالرعوى والبقوى من الإرعاء والإبقاء؛ يقال: أعداه الداء يعديه إعداء؛ وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء؛ وذلك أن يكون ببعير جرب مثلًا، فتتقى مخالطته بإبل أخرى حذرًا أن يتعدى ما به من الجرب إليها، فيصيبها ما أصابه، وقد أبطله الإسلام؛

ص: 319

وَلَا طِيَرَةَ

===

لأنهم كانوا يظنون أن المرض بنفسه يتعدى، فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس الأمر كذلك، وإنما الله سبحانه هو الذي يمرض وينزل الداء، ولهذا قال في بعض الأحاديث: فمن أعدى البعير الأول؟ أي: من أين صار فيه الجرب. انتهى منه.

وقال السندي: وهو يحتمل أن المراد به نفي ذلك وإبطاله من أصله، وعلى هذا فما جاء من الأمر بالفرار من المجذوم ونحوه .. فهو من باب سد الذرائع؛ لئلا يتفق الشخص يخالط مريضًا، فيمرضه الله تعالى مثل مرضه بتقدير الله سبحانه وتعالى ابتداءً لا بالعدوى المنفية، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته، فيعتقد صحة العدوى، فيقع في الحرج، ويحتمل أن المراد: نفي التأثير وبيان أن مجاورة المريض من الأسباب العادية لا هي مؤثرة، كما يعتقده أهل الطبيعة، وعلى هذا فالأمر بالفرار وغيره ظاهره من الأسباب العادية.

(ولا طيرة) -بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن-: وهو التشاؤم بالشيء والتقابح به، وهو مصدر سماعي لتطير، يقال: تطير طيرة، وتخير خيرة، ولم يجيء من المصادر هكذا غيرهما، وأصله -فيما يقال- أنهم كانوا في الجاهلية إذا خرجوا لحاجة .. فإن رأوا الطير طار عن يمينهم، أو الظباء يمر على يمينهم .. فرحوا به واستمروا في حاجتهم، وإن طار عن يسارهم .. تشاءموا به ورجعوا، وربما هيجوا الطير لتطير، فيعتمدوا على ذلك، فكان يصدهم ذلك عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله، ونهى عنه وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع أو دفع ضر.

قال البوصيري: والطيرة منشؤها عيافة الطير وزجرها، فإن طارت باتجاه

ص: 320

وَلَا هَامَةَ"، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ

===

اليمين .. تفاءلوا بالخير، ومنه اشتقت كلمة التيامن، وإن طارت باتجاه الشام .. كان فألًا رديئًا، ومنه اشتقت كلمة التشاؤم، وأصل التيامن: أن أصل العرب من اليمن، وكانت كل الهجرات باتجاه الشمال منه، فما طار صوب الموطن الأصلي .. حصل معه الحب والحنين للموطن، فكان فأل خير، وما طار صوب مناطق الهجرة .. كان فيه إحساس الغربة، فكان الفأل الرديء، ثم نسي الناس أصل هذه الفكرة، وبقيت العادة في عيافة الطير وزجره، والتيامن والتشاؤم وكل هذا منهي عنه؛ لأن فيه الكهانة وادعاء معرفة الغيب وما سيكون ولا يعرف الغيب إلا الله وحده، وقد حرم الإسلام العمل بهذه الأمور؛ لأنها من أبواب السحر. انتهى "كفاية الحاجة".

ومعنى قوله: "ولا طيرة": أي: لا تيامن ولا تشاؤم بمرور الطير في الشرع، فحذف التيامن من باب الاكتفاء.

(ولا هامة) في الشرع؛ أي: لا تشاؤم بنزول الهامة في القرى أو جنب الدار في الليل وصياحها؛ لأنهم يزعمون أن ذلك يدل على موت صاحب القرية أو صاحب الدار، والهامة -بتخفيف الميم وجوز تشديدها-: دابة تظهر في الليل وتختفي في النهار من الطيور، لها جناح كجناح الطيور ووجه كوجه الهرة في الأرميا "أرنغو"، وتقول جاهلية العرب: هي دابة تخرج من رأس القتيل أو تتولد من دمه، فلا تزال تصيح: أنا عطشان حتى يؤخذ بثأره، فإذا أخذ ثأره .. ارتوى هذا الطير وسكت، وقد نفى الإسلام هذه العقائد الباطلة التي هي من عقائد الجاهلية.

(فقام إليه) صلى الله عليه وسلم (رجل أعرابي) أي: من الأعراب وهم

ص: 321

فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله؛ أَرَأَيْتَ الْبَعِيرَ يَكُونُ بِهِ الْجَرَبُ فَيُجْرِبُ الْإِبِلَ كُلَّهَا؟ قَالَ: "ذَلِكُمُ الْقَدَرُ، فَمَنْ أَجْرَبَ الْأَوَّلَ؟ ".

===

سكان البوادي، (فقال: يا رسول الله؛ أرأيت البعير) أي: أخبرني عن حال البعير (يكون به الجرب) -بفتحتين- داء معروف، (فيجرب) -بضم أوله- من أجرب الرباعي؛ أي: يصير (الإبل) جُرْبًا؛ أي: ذوات جرب، وبفتحته من باب سمع؛ أي: فتصير الإبل (كلها) جرباء بسبب مخالطته إياها؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذلكم) الجرب الذي عم الإبل كلها (القدر) -بفتحتين- أي: هو الأمر المقدر المكتوب عليها أزلًا، أو سببه القدر؛ أي: القضاء الذي كتب عليها أزلًا لا مخالطة البعير الأجرب، فإن قلت بالعدوى .. (فمن أجرب) البعير (الأول)، فكما أن الله سبحانه هو المؤثر في جرب البعير الأول، كذلك هو المؤثر في جرب سائر الإبل، فلا عدوى.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه بروايته بهذا السند، ولكن أخرج هذا المتن الترمذي في كتاب القدر من طريق ابن مسعود، بل وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داوود في كتاب الطب من طريق أبي هريرة إلا قوله:"ذلكم القدر".

فهو مما تفرد به ابن ماجه، فهذا الحديث درجته: أنه صحيح؛ لأن له شاهدًا من حديث أبي هريرة وابن مسعود، إلا ما تفرد به ابن ماجه من قوله:"ذلكم القدر" فهو ضعيف، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى عاشرًا لحديث ابن مسعود بحديث عدي بن حاتم -رضي الله تعالى عنهما-، فقال:

ص: 322

(85)

-85 - (12) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى الْجَرَّارُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَبِي الْمُسَاوِرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ

===

(85)

- 85 - (12)(حدثنا علي بن محمد) ابن إسحاق الطنافسي الكوفي.

قال: (حدثنا يحيى بن عيسى الجرار) -بجيم ورائين أولاهما مشددة- نسبة إلى عمل الجرة؛ إناء معمول من الطين المشوي، ابن عبد الرحمن التميمي النهشلي الفاخوري -بضم المعجمة- أبو زكرياء الكوفي نزيل رملة. روى عن: عبد الأعلى بن المساور.

وثقه العجلي، وضعفه ابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": صدوق يخطئ ورمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة إحدى ومئتين (201 هـ). روى عنه (م د ت ق).

قال: (عن عبد الأعلى بن أبي المساور) الجرار -بجيم وراءين- الزهري أبو مسعود الكوفي نزيل المدائن. روى عن: الشعبي، ويروي عنه:(ق)، ويحيى بن عيسى الرملي.

وقال إبراهيم ابن الجنيد: هو كذاب، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال عثمان بن أبي شيبة: ضعيف، وضعفه علي بن المديني وأبو حاتم والدارقطني، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث، وبالجملة: اتفقوا على تضعيفه، وقال في "التقريب": متروك، من السابعة، مات بعد الستين ومئة.

(عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري أبي عمرو الكوفي الإمام العلم، ولد لست سنين خلت من خلافة عمر، قال: أدركت خمس مئة من الصحابة.

ص: 323

قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الْكُوفَةَ .. أَتَيْنَاهُ فِي نَفَرٍ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ؛ أَسْلِمْ تَسْلَمْ"،

===

وقال في "التقريب": ثقة فاضل فقيه مشهور، من الثالثة، مات بعد المئة وله نحو من ثمانين سنة. يروي عنه:(ع).

(قال) الشعبي: (لما قدم عدي بن حاتم) بن عبد الله بن سعد بن حشرج -بفتح المهملة وسكون المعجمة آخره جيم- ابن امرئ القيس بن عدي الطائي الجواد ابن الجواد أبو طريف الكوفي صحابي مشهور -رضي الله تعالى عنه-، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة تسع، له ست وستون حديثًا؛ اتفقا على ستة، وانفرد (خ) بثلاثة، و (م) بحديثين، مات سنة ثمان وستين (68 هـ)، وله مئة وعشرون سنة.

وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه: أن رجاله كلهم كوفيون، وحكمه: أنه ضعيف جدًّا؛ لاتفاقهم على ضعف عبد الأعلى بن أبي المساور.

أي: لما قدم من بلاد طيء إلى (الكوفة أتيناه) أي: أتينا عديًا وزرناه (في نفر) أي: مع جماعة (من فقهاء أهل الكوفة، فقلنا له) أي: لعدي: (حدثنا ما سمعت من) حديث (رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال) لنا عدي: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عدي بن حاتم؛ أسلم) من الإسلام، والمراد: الإسلام مع طهارة القلب، كما يدل عليه تفسيره، فلا يرد أن الإسلام بالمعنى الذي سبق في حديث جبريل لا يستلزم السلامة من النار، فكيف قال:(تسلم) -بفتح اللام- من السلامة؟ أي: ألفظ بكلمة الإسلام مع الإذعان والتصديق القلبي .. تكن سالمًا من الخلود في النار، فلا دلالة فيه على أن المسلم لا يعذب.

ص: 324

قُلْتُ: وَمَا الْإِسْلَامُ؟ فَقَالَ: "تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَتُؤْمِنُ بِالْأَقْدَارِ كُلِّهَا خَيْرِهَا وَشَرِّهَا حُلْوِهَا وَمُرِّهَا".

(86)

- 86 - (13) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ،

===

قال عدي: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (وما الإسلام؟ ) أي: ما حقيقة الإسلام الذي أمرتني به؟ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن (تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) إلى كافة الناس؛ أي: أن تقر بلسانك وتصدق بقلبك بوحدانية الله تعالى وبرسالتي، ويجوز نصب (تشهد) على تقدير أن المصدرية، ورفعه على عدم تقديرها؛ إقامة للمضارع مقام المصدر على حد قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، ولكن المحذوف هنا مبتدأ و (تشهد) خبره على كلا التقديرين.

(وتؤمن) أي: تصدق (بالأقدار كلها) أي: بتقدير الله سبحانه الكائنات أزلًا بكلياتها وجزئياتها قبل وجودها فيما لا يزال (خيرها) خير الأقدار ونفعها للعباد؛ كالإيمان والطاعات، (وشرها) أي: ضرها على العباد؛ كالكفر والمعاصي، (حلوها) محبوبها للنفس؛ كالمفارح والشهوات، (ومرها) أي: مكروهها للنفس؛ كالمصائب والمكارب من الله سبحانه وتعالى.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ومتنه صحيح لغيره؛ لأن له شاهدًا من حديث جابر بن عبد الله أخرجه الترمذي، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به، فهو: صحيح المتن، ضعيف السند.

* * *

ثم استطرد المؤلف رحمه الله تعالى بحديث أبي موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه-، فقال:

(86)

- 86 - (13)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي.

ص: 325

حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ،

===

(حدثنا أسباط بن محمد) بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة القرشي مولاهم مولى السائب بن يزيد أبو محمد الكوفي. روى عن: الأعمش، وزكريا بن أبي زائدة، وعدة، ويروي عنه:(ع)، ومحمد بن نمير، وأحمد وابنه عبيد بن أسباط.

وثقه ابن معين وابن سعد، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال يعقوب بن شيبة: كوفي ثقة، والكوفيون يضعفونه له في "البخاري" فرد حديث، وقال في "التقريب": ثقة ضعف في الثوري، من التاسعة، مات سنة مئتين (200 هـ). يروي عنه:(ع).

قال: (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن يزيد) بن أبان (الرقاشي) -بتخفيف القاف ثم معجمة- أبي عمرو القاص -بتشديد المهملة- البصري الزاهد. روى عن: غنيم بن قيس، وأنس بن مالك، والحسن البصري، ويروي عنه:(ت ق)، والأعمش، وأبو الزناد، وصفوان بن سليم وهم من أقرانه.

قال ابن سعد: كان ضعيفًا قدريًا وكان يحيى القطان لا يحدث عنه، وضعفه أحمد وابن معين والدارقطني ويعقوب بن سفيان، وقال النسائي والحاكم: متروك الحديث، وكان شعبة يقول: لأن أزني .. أحب إلي من أن أحدث عن يزيد الرقاشي، وبالجملة: اتفقوا على ضعفه، وقال في "التقريب": ضعيف، من الخامسة، مات قبل عشرين ومئة.

(عن غنيم) مصغرًا (بن قيس) المازني الكعبي أبي العنبر البصري، أدرك

ص: 326

عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْقَلْبِ مَثَلُ الرِّيشَةِ تُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ بِفَلَاةٍ".

===

النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وفد على عمر، وغزا مع عقبة بن غزوان. روى عن: أبيه وله صحبة، وسعد بن أبي وقاص، ويروي عنه:(م عم)، وسليمان التيمي، وعاصم الأحول.

ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل البصرة، وقال: كان ثقة قليل الحديث، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال في "التقريب": مخضرم ثقة، من الثانية، مات سنة تسعين (90 هـ).

(عن أبي موسى الأشعري) عبد الله بن قيس الكوفي الصحابي الجليل المشهور -رضي الله تعالى عنه-، هاجر إلى الحبشة، أمَّره عمر ثم عثمان، له ثلاث مئة وستون حديثًا؛ اتفقا على خمسين، وانفرد (خ) بأربعة، و (م) بخمسة وعشرين، مات سنة خمسين (50 هـ)، أو بعدها.

وهذا السند من سداسياته؛ رجاله أربعة منهم كوفيون، واثنان بصريان، ومن لطائفه: أنه اجتمع فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض؛ الأعمش عن يزيد عن غنيم، وحكمه: الضعف، وفي "الزوائد": إسناده ضعيف؛ لأن فيه يزيد بن أبان الرقاشي، وقد أجمعوا على ضعفه.

(قال) أبو موسى: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل القلب) المثل -بفتحتين- بمعنى الصفة لا بمعنى القول السَّائر؛ أي: صفة القلب العجيبة الشأن في تفكرها، وورود ما يرد عليها من عالم الغيب من الدواعي وسرعة تقلبها بسبب الدواعي .. (مثل الريشة) أي: كصفة الريشة الواحدة المعلقة في الهواء، (تقلبها) أي: تحركها (الرياح) المختلفة (بفلاة) أي: بأرض خالية عن العمران؛ فإن الرياح أشد تأثيرًا فيها منها في عمران،

ص: 327

(87)

- 87 - (14) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَالِي يَعْلَى،

===

وقوله: "تقلبها" إما بفتح التاء وسكون القاف وكسر اللام من باب ضرب، من القلب؛ أي: تقلب وجهيها من جانب إلى جانب، أو بضم التاء وتشديد اللام المكسورة، من التقليب، وهو الأشهر الأظهر في مقام المبالغة؛ لدلالته على التكثير، وهو الأوفق بجمع الرياح؛ ليظهر التقلب؛ إذ لو استمر الريح على جانب واحد .. لم يظهر التقلب، وجملة (تقلّبها) صفة للريشة؛ لكون تعريفها للجنس، وقوله:"بفلاة" -بفتح الفاء-: الأرض الخالية من العمران، وذكرها للمبالغة في التقليب، قيل: ولكثرة التقلب سمي القلب قلبًا، كما قال بعضهم شعرًا:

وما سُمِّي الإنسان إلا لنسيه

وما القلب إلا أنه يتقلب

والمراد بالقلب هنا: اللطيفة المعنوية الحالة في داخل القلب التي تستمد من نور العقل، لا اللحمة الصنوبرية التي حلت في داخل صدر كل حيوان.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف؛ لكون إسناده ضعيفًا، وليس له شاهد يعضده، فهو ضعيف متنًا وسندًا (15)(15)، وغرضه بسوقه: الاستطراد؛ لأن تقلب القلب يناسب جريان المقادير على الشيء.

* * *

ثم استشهد المؤلف حادي عشره لحديث ابن مسعود بحديث جابر -رضي الله تعالى عنهما-، فقال:

(87)

- 87 - (14)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي.

قال: (حدثنا خالي يعلى) بن عبيد بن أبي أمية الإيادي مولاهم أبو يوسف الطنافسي الكوفي. روى عن: الأعمش، ويحيى بن سعيد الأنصاري،

ص: 328

عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّ لِي جَارِيَةً أَعْزِلُ عَنْهَا؟

===

وإسماعيل بن أبي خالد، وعدة، ويروي عنه:(ع)، وابن أخته علي بن محمد الطنافسي، وإسحاق بن راهويه، وابنا أبي شيبة، وغيرهم.

وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال الدارقطني: بنو عبيد كلهم ثقات، وقال ابن عمار الموصلي: أولاد عبيد كلهم ثبت، وأحفظهم يعلى، وأبصرهم بالحديث محمد، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ضعيف في سفيان ثقة في غيره، من التاسعة، مات في رمضان سنة بضع ومئتين.

(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي.

(عن سالم بن أبي الجعد) اسمه رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، وكان يرسل كثيرًا، من الثالثة، مات سنة سبع أو ثمان وتسعين (98 هـ)، وقيل: مئة، أو بعد ذلك. يروي عنه:(ع).

(عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبي عبد الله المدني الصحابي الشهير -رضي الله تعالى عنهما-.

وهذا السند من خماسياته؛ رجاله كلهم كوفيون إلا جابرًا؛ فإنه مدني، وحكمه: الصحة.

(قال) جابر بن عبد الله: (جاء رجل من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ إن لي جارية) أي: أمة (أعزل عنها) أي: هل يجوز لي عزل المني عنها عند جماعها أم لا؟ والعزل: هو إنزال المني خارج الفرج خوفًا من العلوق، والكلام على تقدير

ص: 329

قَالَ: "سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا"، فَأَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: قَدْ حَمَلَتِ الْجَارِيَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا قُدِّرَ لِنَفْسٍ شَيْءٌ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ".

===

همزة الاستفهام، وعزل من باب ضرب، فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: سواء عزلت عنها أم تركت (سيأتيها) في مستقبلها (ما قدر لها) أزلًا من الإحبال وعدمه.

(فأتاه) صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل (بعد) فترة من (ذلك) اليوم الذي قال له فيه ذلك، (فقال) له صلى الله عليه وسلم:(قد حملت) وأحبلت (الجارية) أي: الأمة التي ذكرتها لك سابقًا وقلت لي فيها ما قلت مع عزلي عنها، (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما قدر لنفس) أي: ما حكم وقضي على نفس (شيء) من المقادير الأزلية؛ كالإحبال وعدمه هنا .. (إلا هي) أي: تلك النفس (كائنة) عليه؛ أي: على ذلك الشيء المقدر عليها؛ كالإحبال هنا، ويحتمل أن يكون ضمير (هي) عائدًا على (شيء) نظرًا إلى كونه بمبنى الخصلة والحالة، والمعنى عليه: ما قدر لنفس شيء؛ أي: خصلة من الخصال .. إلا هي؛ أي: تلك الخصلة كائنة؛ أي: واقعة عليها. انتهى "سندي".

والاستثناء من أعم الأحوال؛ أي: ما قدر لنفس شيء في حال من الأحوال .. إلا حالة كونها عليه، والله أعلم.

وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته: مسلم وأبو داوود؛ أخرجاه في كتاب النكاح بسندهما عن جابر.

ودرجته: أنه صحيح متنًا وسندًا، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثاني عشره لحديث ابن مسعود بحديث ثوبان -رضي الله تعالى عنهما-، فقال:

ص: 330

(88)

- 88 - (15) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ

===

(88)

- 88 - (15)(حدثنا علي بن محمد) الطنافسي الكوفي.

(حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي.

(عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي.

(عن عبد الله بن عيسى) بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبي محمد الكوفي.

وثقه ابن معين والنسائي، وقال ابن المديني: هو عندي منكر الحديث، وقال في "التقريب": ثقة فيه تشيع، من السادسة، مات سنة ثلاثين ومئة (130 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن عبد الله بن أبي الجعد) الأشجعي الغطفاني. روى عن: ثوبان، وجُعَيْلٍ الأشجعي، ويروي عنه:(س ق)، وعبد الله بن عيسى.

ذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى له النسائي حديثين: أحدهما عند ابن ماجه؛ وهو: "إن العبد ليحرم الرزق"، وقال ابن القطان: إنه مجهول الحال، وقال في "التقريب": مقبول، من الرابعة.

(عن ثوبان) بن بُجْدَدٍ الهاشمي مولاهم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي عبد الله الشامي -رضي الله تعالى عنه-، خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وفاته، ولازمه سفرًا وحضرًا، ثم نزل الشام له مئة وسبعة وعشرون حديثًا، ومات بحمص.

وسند هذا الحديث من سداسياته؛ رجاله أربعة منهم كوفيون، وواحد شامي، وواحد غطفاني، وحكمه: الحسن؛ لأن عبد الله بن أبي الجعد مختلف فيه.

ص: 331

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا".

===

(قال) ثوبان: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزيد في العمر) ولا يبارك فيه (إلا البر) أي: إلا فعل الخير؛ إما لأن البار ينتفع بعمره وإن قل أكثر مما ينتفع به غيره وإن كثُر، وإما لأنه يزاد له في العمر حقيقة؛ بمعنى: أنه لو لم يكن بارًا .. لقصر عمره عن القدر الذي كان إذا بر، لا بمعنى أنه يكون أطول عمرًا من غير البار، ثم التفاوت إنما يظهر في التقدير المعلق لا فيما يعلم الله تعالى أن الأمر يصير إليه؛ فإن ذلك لا يقبل التغير، وإليه يشير قوله تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (1)، ومثله قوله:(ولا يرد القدر) أي: لا يدفع الحكم المقدر على العبد أزلًا (إلا الدعاء) والمراد بالقدر: الحكم المقدر أزلًا، ولا يخفى ما بين الحصرين؛ أعني: قوله: "إلا البر"، وقوله:"إلا الدعاء" من التناقض، فيجاب بحمل المقدر في الثاني على غير العمر، فليتأمل.

قال الغزالي: فإن قيل: فما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ يقال: إن من جملة القضاء رد البلاء ووجود الرحمة؛ كما أن البذر سبب لخروج النبات من الأرض، وكما أن الترس يدفع السهم، كذلك الدعاء يرد البلاء. انتهى.

قلت: يكفي في فائدة الدعاء أنه عبادة وطاعة، وقد أمر به العبد، فكون الدعاء ذا فائدة لا يتوقف على ما ذكر، فليتأمل.

(وإن الرجل) أي: الشخص رجلًا كان أو امرأة (ليحرم) بالبناء للمفعول من الحرمان أي: يمنع (الرزق) الذي جاء ودخل في يده، ويُتلَفُ عليه بوجه من الوجوه الرزقُ الذي قُدِّر له لو لم يعص (بخطيئة) أي: بسبب معصية (يعملها)

(1) سورة الرعد: (39).

ص: 332

(89)

-89 - (16) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَفَّافُ،

===

وحينئذ لا بد من التقدير في قوله: "ولا يرد القدر إلا الدعاء" أي: وإلا المعصية، فلا يبطل الحصر. انتهى "سندي".

وشارك المؤلف في القطعة الثالثة من هذا الحديث: النسائي، والأوليان: رواهما الترمذي عن سلمان.

فدرجته: أنه حسن، وغرضه: الاستشهاد به.

وفي "الزوائد": سألت شيخنا أبا الفضل العراقي عن هذا الحديث، فقال: حسن.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثالث عشره لحديث ابن مسعود بحديث سراقة -رضي الله تعالى عنهما-، فقال:

(89)

- 89 - (16)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير-مصغرًا- السلمي الدمشقي، صدوق، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).

(حدثنا عطاء بن مسلم الخفاف) -بفتح الخاء المعجمة وتشديد الفاء الأولى- لقب لعطاء، وهذه النسبة إلى عمل الخِفاف التي تلبس كما في "الأنساب"، أبو مخلد الكوفي.

قال الدرامي عن ابن معين: ثقة، وقال الآجري عن أبي داوود: ضعيف، وذكره ابن حبان في "الثقات"، فقال: مات في رمضان سنة تسعين ومئة (190 هـ)، وقال: دفن كتبه، ثم جعل يحدث فيخطئ، فبطل الاحتجاج به، وقال في "التقريب": صدوق يخطئ كثيرًا، من الثامنة. يروي عنه:(س ق).

ص: 333

عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ سُرَاقَةَ ابْنِ جُعْشُمٍ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ الْعَمَلُ فِيمَا جَفَّ الْقَلَمُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ،

===

(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي.

(عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي المقرئ المفسر، ثقة، من الثالثة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومئة (104 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن سراقة) -بضم السين وتخفيف الراء وبقاف- ابن مالك (بن جعشم) -بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة- ابن مالك (بن عمرو) المدلجي أبي سفيان المكي -رضي الله تعالى عنه-، كان ينزل قديدًا، وهو الذي لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر حين خرجا مهاجرين إلى المدينة، وقصته مشهورة. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عنه: جابر بن عبد الله، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، مات في صدر خلافة عثمان سنة أربع وعشرين (24 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(خ عم).

قال الحافظ ابن حجر: رواية الحسن وطاووس وعطاء وكذا مجاهد عنه .. منقطعة.

وهذا السند من خماسياته؛ رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان مكيان، وفي "الزوائد": في هذا السند مقال؛ فإن مجاهدًا لم يسمع من سراقة، فلزم الانقطاع، وعطاء بن مسلم مختلف فيه. انتهى. فحكمه: الضعف؛ لانقطاعه.

(قال) سراقة: (قلت: يا رسول الله) هل (العمل) الذي نعمله -بتقدير حرف الاستفهام- معدود (فيما جف القلم) أي: في جملة المقدر المكتوب الذي فرغ القلم من كتبه حتى جف، (وجرت به المقادير) أي: الأقضية الأزلية،

ص: 334

أَمْ فِي أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ؟ قَالَ: "بَلْ فِيمَا جَفَّ بِهِ الْقَلَمُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ".

(90)

- 90 - (17) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى الْحِمْصِيُّ،

===

(أم في أمر مستقبل؟ ) أي: أم هو معدود في جملة ما يستقبله ويستأنفه الفاعل بفعله؛ أي: لم يسبق له قضاء، وهذا يكفي فيه فرض ما يستقبله الفاعل ولا يحتاج إلى أن يكون له تحقيق؟

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل) العمل الذي يعمل الإنسان معدود (فيما جف به القلم، وجرت به المقادير) الأزلية، (وكل) إنسان (ميسر) أي: موفق (لما خلق له) من خير أو شر.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن قال السندي: وهذا المتن قد أخرجه أبو داوود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ودرجته: أنه حسن لغيره، وإن كان سنده ضعيفًا؛ لأن له شاهدًا، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف رابع عشره بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فقالا:

(90)

- 90 - (17)(حدثنا محمد بن المصفى) بن بهلول -بضم الباء وسكون الهاء- القرشي أبو عبد الله (الحمصي) روى عن: أبيه، وبقية بن الوليد، ويروي عنه:(د س ق)، وأبو زرعة الدمشقي، وأبو حاتم الرازي.

قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: صالح، وقال صالح بن محمد: كان مخلِّطًا، وأرجو أن يكون صدوقًا، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: وكان

ص: 335

حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ

===

يخطئ، وقال في "التقريب": صدوق له أوهام وكان يدلس، من العاشرة، مات بمنىً سنة ست وأربعين ومئتين (246 هـ).

قال: (حدثنا بقية بن الوليد) بن صائد بن كعب الكلاعي: نسبة إلى الكلاع -بفتح الكاف واللام المخففة- قبيلة كبيرة نزلت بحمص، أبو يحمد بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم.

صدوق كثير التدليس، له في (م) فرد حديث متابعة، وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات، وقال النسائي: إذا قال: حدثنا وأخبرنا .. فهو ثقة، وقال في "التقريب": صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، من الثامنة، مات سنة سبع وتسعين ومئة (197 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي الإمام العلم الفقيه، ثقة جليل، من السابعة.

وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا فاضلًا كثير الحديث والعلم والفقه، مات سنة سبع وخمسين ومئة (157 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبي الوليد المكي، ثقة فقيه وكان يدلس ويرسل، من السادسة، مات سنة خمسين ومئة (150 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تَدْرُس الأسدي مولاهم، صدوق إلا أنه يدلس، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين ومئة (126 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني -رضي الله تعالى عنهما-.

وهذا السند من سداسياته؛ رجاله ثلاثة منهم شاميون، واثنان مكيان، وواحد

ص: 336

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مَجُوسَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُكَذِّبُونَ بِأَقْدَارِ اللهِ؛ إِنْ مَرِضُوا .. فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا .. فَلَا تَشْهَدُوهُمْ، وَإِنْ لَقِيتُمُوهُمْ .. فَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ".

===

مدني، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه بقية بن الوليد وهو مدلس وقد عنعنه. انتهى من هامش "السندي"، ولكن قد ذكرنا آنفًا أنه إذا عنعن عن الثقات .. فهو ثقة عند الجمهور، وعنعن هنا عن الأوزاعي فهو ثقة مأمون، فإذًا حكم هذا السند الصحة، والله أعلم.

(قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مجوس هذه الأمة) المحمدية؛ يعني: أمة الإجابة (المكذبون بأقدار الله) سبحانه وتعالى وأقضيته الأزلية؛ أي: ينكرونها فجانبوهم ولا تواصلوهم؛ (إن مرضوا .. فلا تعودوهم) من أمراضهم، (وإن ماتوا .. فلا تشهدو) جنازتـ (هم) بالصلاة عليهم والدفن، (وإن لقيتموهم) وقابلتموهم في الطريق مثلًا .. (فلا تسلموا عليهم) والمعنى: إنهم كالمجوس، ففي الكلام تشبيه بليغ؛ فإن المجوس يقولون: بتعدد الخالق، وكذلك من يقول بنفي القدر.

وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجه، كما في "تحفة الأشراف"، ولكن روى هذا المعنى أبو داوود في "سننه" عن حذيفة، وقد جاء أصل هذا المتن من حديث ابن عمر أيضًا عند أبي داوود، وأخرجه الترمذي وحسنه، وقد صححه الحاكم، وحقق الحافظ ابن حجر أنه صحيح على شرط مسلم في الاكتفاء بالمعاصرة، فلا وجه للحكم بضعفه، كما قيل.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، ولأن له شواهد، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ص: 337

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث: سبعة عشر:

واحد منها للاستدلال، وإحدى عشر منها للاستشهاد، والخمسة الباقية: ما كان منها ضعيف المتن والسند .. فهو للاستئناس أو للاستطراد، وما كان منها صحيح المتن ضعيف السند .. فهو للاستشهاد، وقد مر تفصيله.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 338