المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الأطعمة 1103 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٩

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌ ‌كتاب الأطعمة 1103 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن

‌كتاب الأطعمة

1103 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل ذي ناب من السباع فأكله حرام". رواه مسلم (1). وأخرجه من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ: نهى. وزاد: "وكل ذي مخلب من الطير"(2).

الحديث فيه دلالة على تحريم ما له ناب يتقوى به ويصطاد من السباع، وقد ذهب إلى هذا العترة والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وداود، والخلاف في ذلك لمالك في رواية ابن القاسم عنه، أنه يكره من السباع ما كان له ناب. وعلى هذه الرواية عول جمهور أصحابه، وهو المنصور عندهم.

وذكر مالك في "الموطأ"(3) حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أكل كل ذي ناب من السباع حرام". ثم قال: وعلى ذلك الأمر هو المعول عندنا. وذهب إلى هذا أشهب. هكذا حكى ابن رشد (4) عن مالك، وفي "البحر": وعن مالك: بل يجوز أكل كل حيوان إلّا الأسد والنمر والفهد والذئب. وعنه تحريم لحوم السباع من الوحوش. والقائلون بتحريم السباع اختلفوا في جنس السباع المحرمة؛ فقال أبو حنيفة (5): كل ما أكل اللحم فهو

(1) مسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير 3/ 1534 ح 1933/ 15.

(2)

مسلم 3/ 1534 ح 1934/ 16.

(3)

الموطأ 2/ 496.

(4)

بداية المجتهد 6/ 302.

(5)

كما في بداية المجتهد 6/ 302.

ص: 315

سبع حتى الفيل [والضبع](أ) واليربوع والسنَّور. وقال الشافعي (1): يحرم من السباع ما يعدو على الناس؛ كالأسد والنمر والذئب. وأما الضبع والثعلب فيحلان عنده لأنهما لا يعدوان. وقد ورد الحديث بحل الضبع كما سيأتي (2)، وأما الثعلب فقد ورد في تحريمه حديث أخرجه ابن ماجه وهو ضعيف (3).

وحجة من أباح لحوم السباع قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} الآية (4). فالآية تدل على أن المحرم إنما هو ما ذكر في الآية، فيحل ما عداها. وقد قال بهذا من السلف -فيما حكاه ابن عبد البر- ابن عباس على اختلاف عليه، وكذا عائشة، وجاء عن ابن عمر من وجه ضعيف، وقال به الشعبي وسعيد بن جبير.

وأجاب الجمهور بأن الآية مكية، وحديث أبي هريرة بعد الهجرة، فيكون ناسخًا، على قول من يجوِّز نسخ القرآن بالسنة.

وقد يجاب بأن الآية خاصة ببهيمة الأنعام ردًّا على من حرم بعضها كما ذكر الله سبحانه قبلها من قوله: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ} (5) إلى آخر الآيات. فقيل في الرد عليهم: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا

(أ) في ب، جـ: والضب. والمثبت من سبل السلام 4/ 149، ونيل الأوطار 8/ 131.

_________

(1)

الأم 2/ 242.

(2)

سيأتي ح 1108.

(3)

ابن ماجه 2/ 1077، 1078 ح 3235.

(4)

الآية 145 من سورة الأنعام.

(5)

الآيات 139 - 144 من سورة الأنعام.

ص: 316

أُوحِيَ إِلَيَّ} الآية. إن الذي أحللتموه هو المحرم والذي حرمتموه هو الحلال، وإن ذلك افتراء على الله سبحانه. وقرن بها لحم الخنزير؛ لكونه شاركها في علة التحريم وهو كونه رجسًا، وقد نقل إمام الحرمين (1) عن الشافعي أنه يقول بقصر العام على سببه إذا ورد في مثل هذه القصة؛ لأنها وردت في الكفار الذين يحلون الميتة والدم والخنزير وما أهل لغير الله به، ويحرمون كثيرًا مما أباحه الشرع، فكان الغرض من الآية بيان حالهم وأنهم يضادون الحق، فكأنه قيل: لا حرام إلّا ما أحللتموه. مبالغة في الرد عليهم. وأما ما حكاه القرطبي (2) عن قوم أن الآية الكريمة نزلت في حجة الوداع فتكون ناسخة للأحاديث المعارضة لها، فهو مردود بأن الكثير من العلماء صرحوا بأنها مكية، وهو متأيد بأن ما قبل الآية رد على المشركين فيما اختلقوه من التحريم والتحليل، وذلك قبل الهجرة قطعًا.

وقوله: "وكل ذي مخلب من الطير". المخلب بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح اللام بعدها موحدة، هو للطير كالظفر لغيره، لكنه أشد منه وأغلظ وأحدُّ، فهو له كالناب للسبع، وقد أخرج الترمذي (3) من حديث جابر تحريم كل ذي مخلب من الطير، ومن حديث العرباض بن سارية (4)، وزاد: يوم خيبر.

فيه دلالة على تحريم أكل ما له مخلب من الطير. قال النووي (5) في

(1) ينظر البرهان في أصول الفقه 1/ 372، 373.

(2)

تفسير القرطبي 7/ 116.

(3)

الترمذي 4/ 61 ح 1478.

(4)

الترمذي 4/ 59 ح 1474.

(5)

شرح مسلم 13/ 82، 83.

ص: 317

"شرح مسلم": وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وداود والجمهور، وقال مالك: يكره ولا يحرم. والإمام المهدي في "البحر" نسب التحريم إلى العترة والفريقين الحنفية والشافعية. وابن رشد في "نهاية المجتهد"(1) قال: وأما سباع الطير فالجمهور على أنها حلال، لمكان الآية المذكورة، وحرمها قوم لما جاء في حديث ابن عباس؛ يعني الحديث المذكور. وقال: إلا أن هذا الحديث لم يخرجه الشيخان وإنما ذكره أبو داود. انتهى. وقد ذهل عن تخريج مسلم له، ووقع الخلاف في غراب الزرع؛ فقال أبو طالب والإمام يحيى: إنه حرام كالأبقع. وعند الحنفية والشافعية أنه يحل، قالوا: لأنه يأكل الحب، وليس من سباع الطير ولا من الخبائث.

1104 -

وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل. متفق عليه (2). وفي لفظ البخاري: ورخص.

الحديث فيه دلالة على تحريم الحمر الأهلية، وقد ذهب إلى هذا جماهير الصحابة والتابعين ومن بعدهم، لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة. وقد وقع في أكثر الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد القدور تغلى بلحمها فأمر بإراقتها، وقال:"لا تأكلوا من لحومها شيئًا"(3).

(1) بداية المجتهد 6/ 308.

(2)

البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الحمر الإنسية 9/ 653 ح 5524، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب في أكل لحوم الخيل 3/ 1541 ح 1941/ 36.

(3)

مسلم 3/ 1539 ح 1937/ 27.

ص: 318

وفي رواية: نُهينا عن لحوم الحمر الأهلية (1). وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هريقوها واكسروها". فقال رجلٌ: يا رسول الله، أوْ نُهَرِيقُها ونغسلُها، قال:"أوْ ذاك"(2). وفي رواية: نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: ألا إن الله ورسوله [ينهَيانكم](أ) عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان (3). وفي رواية: ينهيانكم عن لحوم الحمر، فإنها رجس أو نجس. [وأكفئت] (ب) القدور بما فيها (4). وقال ابن عباس: ليست بحرام. وفي رواية ابن جريج عن ابن عباس: وأبي ذلك البحرُ (5)، وتلا قوله تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} الآية. وروي ذلك عن عائشة (6). وعن مالك ثلاث روايات أشهرها أنها مكروهة كراهة تنزيه شديدة، والثانية حرام، والثالثة مباحة. وحجتهم الآية الكريمة. وجاء في رواية ابن مردويه وصححه الحاكم (7) عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآية، قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرًا، فبعث الله نبيه وأنزل كتابه، وأحل حلاله وحرم حرامه، فما

(أ) في ب، جـ: ينهاكم. والمثبت من مصدر التخريج.

(ب) في ب، جـ: وأكفينا. والمثبت من مصدر التخريج.

_________

(1)

مسلم 3/ 1539 ح 1937/ 30.

(2)

مسلم 3/ 1540 ح 1802/ 33.

(3)

مسلم 3/ 1540 ح 1940/ 34.

(4)

مسلم 3/ 1540 ح 1940/ 35.

(5)

يعني بالبحر ابن عباس كما في سنن أبي داود 6/ 353 ح 3808.

(6)

ينظر مصنف عبد الرزاق 4/ 520 ح 8708، والمحلى 8/ 98، وتفسير القرطبي 7/ 118.

(7)

ابن مردويه -كما في تفسير ابن كثير 3/ 347، والحاكم في المستدرك 2/ 317.

ص: 319

أحل فيه فهو حلال، وما حرم فيه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو. وتلا هذه الآية.

وأخرج أبو داود (1) عن غالب بن أبجر، قال: أصابتنا سنة، فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلَّا سِمان حمر، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنك حرمت لحوم الحمر الأهلية وقد أصابتنا سنة. فقال: "أطعم أهلك من سمين حمرك، فإنما حرمتها من جهة جوَّال القرية". يعني الجلالة. وأخرج الطبراني (2) عن أم نصر المحاربية، أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية، فقال:"أليس ترعى الكلأ وتأكل الشجر؟ ". قال: نعم. قال: "فأصب من لحومها". وأخرجه ابن أبي شيبة (3) من طريق رجل من بني مرة قال: سألت. فذكر نحوه. وأجابوا عن أحاديث النهي بما أخرجه الطبراني وابن ماجه (4) عن ابن عباس قال: إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمر الأهلية مخافة قلة الظهر. وفي حديث ابن أبي أوفى (5): فتحدثنا أنه إنما نهى عنها لأنها لم تُخَمَّس. والجواب عن حديث ابن عباس بأنه لا يتم الاستدلال به إلا فيما لم يأت فيه نص من النبي صلى الله عليه وسلم بالتحريم، وقد تواترت الأخبار بذلك، والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل، مع أنه قد أخرج البخاري (6) في المغازي عن ابن عباس أنه توقف في النهي عن الحمر هل من

(1) أبو داود 3/ 356 ح 3809.

(2)

الطبراني 25/ 161 ح 390.

(3)

ابن أبي شيبة 8/ 193 ح 24704 بنحوه.

(4)

الطبراني 11/ 432، 433، وابن ماجه -كما في الفتح 9/ 655.

(5)

البخاري 6/ 255 ح 3155.

(6)

البخاري 7/ 482 ح 4227.

ص: 320

لمعنى خاص أو للتأبيد؟ ففيه عن الشعبي عنه أنه قال: لا أدري أنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرمها البتة يوم خيبر. وهذا التردد أصح من الخبر الذي جاء عنه بالجزم بالعلة المذكورة، وقد أخرج الدارقطني (1) بسند قوي عن ابن عباس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأمر بلحوم الخيل. وحديث غالب إسناده ضعيف والمتن شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة. وحديث أم نصر وما أخرجه ابن أبي شيبة في إسنادهما مقال، ولو ثبتا احتمل أن يكون قبل التحريم، وحديث الطبراني وابن ماجه إسناده ضعيف، فتقرر العمل بالمحرم. والتصريح بأنها رجس أو نجس دافع لاحتمال ما ذكر من أن ذلك لأجل الجلَّالة والخمُس، أو كون ذلك لحاجة الظهر.

وقوله: وأذن في لحوم الخيل. ورواية البخاري: ورخص. فيه دلالة على حل لحم الخيل، وقد ذهب إلى ذلك زيد بن علي والشافعي وصاحبا أبي حنيفة وأحمد وإسحاق والجمهور من السلف، واحتجوا بهذا الحديث وغيره من الأحاديث المتواترة. وأخرج ابن أبي شيبة (2) بسند على شرط الشيخين عن عطاء أنه قال لابن جريج: لم يزل سلفك يأكلونه. قال ابن جريج: قلت له: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. وأخرج في "الصحيح"(3) عن أسماء بنت أبي بكر قالت: نحرنا على عهد رسول الله

(1) الدارقطني 4/ 290 ح 73.

(2)

ابن أبي شيبة -كما في الفتح 9/ 650.

(3)

البخاري 9/ 640 ح 5512.

ص: 321

- صلى الله عليه وسلم فرسًا فأكلناه. وسيأتي في رواية أخرى قالت: أكلنا لحم فرس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره (1). وأخرج الدارقطني (2) عن ابن عباس بسند قوي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأمر بلحوم الخيل. وذهب أبو حنيفة إلى كراهة أكل الخيل؛ قال أبو حنيفة في "الجامع الصغير": أكره لحم الخيل. فحمله أبو بكر الرازي على التنزيه، وقال: لم يطلق أبو حنيفة فيه التحريم، وليس هو عنده كالحمار الأهلي. وصحح أصحاب "المحيط" و "الهداية" و "الذخيرة" التحريم، وهو قول أكثر الحنفية، وصح القول بالكراهة عن الحكم بن عتيبة (أ) ومالك. قال الفاكهي: المشهور عند المالكية الكراهة، والصحيح عند المحققين منهم التحريم. وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك التحريم. وقال القرطبي في "شرح مسلم" (3): مذهب مالك الكراهة. وفي "نهاية المجتهد"(4): الرواية عن مالك بالتحريم، وروي ذلك عن أبي حنيفة أيضًا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الرزاق (5) عن ابن عباس القول بالكراهة، إلّا أن في الإسناد ضعفًا، وذهب الأكثر من العترة إلى تحريم الخيل؛ لقوله تعالى:{لِتَرْكَبُوهَا} (6). فجعل المنة في جعلها هو

(أ) في جـ: عيينة. وينظر الإكمال 6/ 121.

_________

(1)

أخرجه أحمد 6/ 346، والطبراني 24: 113 ح 304، دون لفظ:"فلم ينكره".

(2)

تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.

(3)

كما في الفتح 9/ 650.

(4)

بداية المجتهد 6/ 309.

(5)

ابن أبي شيبة 8/ 189 ح 24684، وعبد الرزاق -كما في الفتح 9/ 650.

(6)

الآية 8 من سورة النحل.

ص: 322

الركوب، فلو كانت للأكل لما اقتصر على بعض النعم، وكان ما ترك منها هو الأعظم، فإن الأكل لبقاء بنية الإنسان بغير واسطة، والحكيم لا يمتن بأدنى النعم ويترك أعلاها، ولا سيما وقد وقع الامتنان بالأكل فيما ذكر قبلها من الأنعام، ولأن اللام للتعليل فالعلة المنصوصة تقتضي أنها لم تخلق لغيره، ولأنها عُطف عليها البغال والحمير، فدل على اشتراكها معها في حكم التحريم، ولأنه لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع به الامتنان من الركوب والزينة.

هذه وجوه أربعة تلخص ما وقع به التمسك من الآية الكريمة، ولما أخرجه أبو داود والبيهقي (1) عن صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع. وفي رواية بزيادة: يوم خيبر. قال البيهقي: هذا إسناد مضطرب مخالف لحديث الثقات. وقال البخاري (2): يروي عن صالح ثور بن يزيد وسليمان بن سليم، فيه نظر. وقال موسى بن هارون (3): لا يعرف صالح بن يحيى ولا أبوه إلا بجده، وهو ضعيف (4).

وضعَّف الحديث أيضًا أحمد والدارقطني والخطابي وابن عبد البر

(1) أبو داود 3/ 351 ح 37090، والبيهقي 9/ 328.

(2)

التاريخ الكبير 4/ 292، 293.

(3)

كما في الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي 2/ 51.

(4)

أما صالح فذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ. وقال فيه الحافظ: لين. وأما يحيى فذكره ابن حبان في الثقات، وقال فيه الحافظ: مستور. الثقات 5/ 524، 6/ 459، والتقريب ص 274، 596. وينظر تهذيب الكمال 13/ 105، 31/ 570.

ص: 323

وعبد الحق (1). قال المصنف (2) رحمه الله تعالى: شهود خالد لخيبر خطأ، فإنه لم يسلم إلا بعدها على الصحيح، والذي جزم به الأكثر أن إسلامه كان سنة الفتح، وكذا قال مصعب الزبيري (3) وهو أعلم الناس بقريش، وذكر أن خالدًا فرَّ من مكة في عام القضية حتى لا يرى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة. فهذا متمسك المحرِّمين من جهة النقل، ومن جهة القياس أنها تشبه في الخلقة البغال والحمير في الهيئة وزهومة اللحم والغلظ وصفة الروث وأنها لا تجتر، فبعدت عن الأنعام التي [تؤكل](أ) وأشبهت ما لا يؤكل. والجواب عن الآية الكريمة؛ أما الامتنان بالركوب فخصه لأنه غالب ما ينتفع بالخيل عند العرب، فخوطبوا بما يتبادر إلى أفهامهم. وأما كون اللام للتعليل فهو لا يقتضي الحصر وأنها لم تخلق إلّا لذلك، وإنما خص الركوب والزينة من بين سائر المنافع [لكونهما](ب) أغلب ما يطلب له الخيل، ونظيره حديث البقرة المذكور في "الصحيحين" (4) حين خاطبت راكبها فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث. مع أنها ينتفع بها في الأكل وغيره، فذكرت أغلب المنافع منها. وأما العطف عليها فهي من دلالة الاقتران، وهي ضعيفة. وأما أنه لو أبيح أكلها لفاتت منفعة الركوب لكونها تفنى، فهذا يلزم في سائر الأنعام؛

(أ) في ب، جـ: لا تؤكل. والمثبت من الفتح 9/ 650.

(ب) في ب: ولكونها.

_________

(1)

ينظر المغني 13/ 325، وسنن الدارقطني 4/ 287، ومعالم السنن 4/ 245، والتمهيد 10/ 128، والأحكام الوسطى 4/ 116، 117.

(2)

الفتح 9/ 651.

(3)

نسب قريش لمصعب ص 320.

(4)

البخاري 5/ 8 ح 2324، ومسلم 4/ 1857، 1858 ح 2388.

ص: 324

فإن الإبل حل أكلها ولم تَفُتْ بذلك منفعة الحمل عليها وغيرها. وأما الحديث فقد عرفت ما فيه، فلا يقاوم الأحاديث الصحيحة المحلة لها. وأجاب أبو داود (1) بأن حديث خالد منسوخ، ولم يبين ناسخه، وكذا قال النسائي (2): الأحاديث في الإباحة أصح، وهذا إن صح كان منسوخًا. وكأنه لما تعارض عنده الحديثان، ورأى في حديث خالد: نَهَى. وفي حديث جابر: أذِن. حمل الإذن على نسخ التحريم، وهذا احتمال لا يثبت به النسخ. وقرر الحازمي (3) النسخ، وقال: حديث خالد ذهب نفر إلى أن الحكم فيه منسوخ. وذكر حديث جابر، ثم قال: قالوا: والرخصة تستدعي سابقية منع، وكذلك لفظ الإذن، قالوا: ولو لم يرد لفظ الرخصة والإذن لكان يمكن أن يقال: القطع بنسخ أحد الحكمين متعذر؛ لاستبهام التاريخ في الجانبين، وإذ ورد لفظ الإذن تبين أن الحظر مقدم والرخصة متأخرة، فتعين المصير إليها. قال: وقال الآخرون ممن أجاز الأكل: الاعتماد على الأحاديث التي تدل على جواز الأكل لثبوتها وكثرة رواتها، وأما حديث النهي فهو ورد في [قضية] (أ) معينة وليس هو مطلقًا دالًّا على الحظر. ثم قال: وذلك إنما نهى عن أكل [الخيل](ب) يوم خيبر؛ لأنهم تسارعوا في طبخها قبل أن تخمَّس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور تشديدًا عليهم وإنكارًا لصنيعهم،

(أ) في ب، جـ: قصة. والمثبت من مصدر التخريج.

(ب) في ب: الحمر. وينظر مصدر التخريج.

_________

(1)

أبو داود 3/ 351 عقب ح 3790.

(2)

ينظر الفتح 9/ 651.

(3)

الاعتبار ص 126، 127.

ص: 325

ولذلك أمر أولًا بكسر القدور ثم رجع إلى غسلها. قال: وروينا هذا عن عبد الله بن أبي أوفى، فاعتقدوا أن سبب التحريم في المنهيات واحد، حتى نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، فإنها رجس. فتبين أن سبب التحريم مختلف، فيكون قوله: رخص. و: أذن. دفعًا لهذه الشبهة. انتهى. ولكنه يعكر عليه بأن الأمر بإكفاء القدور إنما كان لطخهم فيها الحمر -كما هو مصرح به في "الصحيح"- لا الخيل، فلا يتم ما أراد، فالأولى الجواب بما تقدم من معارضة الأحاديث الصحيحة. وأما القياس، فالجواب أنه ساقط عند وجود النص. والله سبحانه أعلم.

1105 -

وعن ابن أبي أوفى قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد. متفق عليه (1).

قوله: سبع عزوات. في رواية شعبة (2) عن أبي يعفور: سبع أو ست. بالشك. وفي رواية سفيان (3) وأبي عوانة (4) وإسرائيل (5) عن أبي يعفور: سبع. مجزوما به. وكذا أخرجه الترمذي (6) من وجه آخر عن الثوري، وأفاد

(1) البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب أكل الجراد 9/ 620 ح 5495، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الجراد 3/ 1546 ح 1952/ 52.

(2)

البخاري 9/ 620 ح 5495.

(3)

أخرجه أحمد 4/ 353، والدارمي 2/ 1277 ح 2053 من طريق سفيان الثوري به.

(4)

أخرجه مسلم 3/ 1546 ح 1952/ 52، والبزار 8/ 268 ح 3330، وأبو عوانة 5/ 45 ح 7728 من طريق أبي عوانة به.

(5)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما في تغليق التعليق 4/ 512 من طريق إسرائيل به.

(6)

الترمذي 4/ 236 ح 1822.

ص: 326

أن سفيان بن عيينة روى هذا الحديث عن أبي يعفور: ست غزوات. وكذا أخرجه أحمد بن حنبل (1) عن ابن عيينة جازمًا بالست. وكذا قال الترمذي (2): قال ابن عيينة: ست. وقال غيره: سبع. قال المصنف (3) رحمه الله تعالى: ودلت رواية شعبة على أن شيخهم كان يشك، فيُحمل على أنه جزم مرة بالسبع، ثم لما طرأ عليه الشك صار يجزم بالست لأنه المتيقن، ولكنه وقع عند ابن حبان (4) من رواية أبي الوليد شيخ البخاري فيه: سبعًا أو ستا. شك شعبة، ووقع في "توضيح ابن مالك" (5): سبع غزوات أو ثماني. وقال: الأجود أن يقال: أو ثمانيا. لأن ثماني منصرف، لأن الياء ياء النسب، والألف مبدل عن أحد يائي النسب، فليس مثل جواري. قال: وإنما ورد بغير تنوين لأنه مضاف، فحذف المضاف إليه وأبقي المضاف على ما هو عليه قبل الحذف، أوأنه كتب المنصوب بغير ألف على لغة ربيعة.

وقوله: نأكل الجراد. هذا لفظ مسلم من دون زيادة، وفي رواية البخاري بزيادة لفظ: معه. وكذا في رواية غير البخاري إلا النسائي (6). فيه دلالة على حل أكل الجراد. وقال النواوي (7): وهو إجماع. وقد أخرج ابن ماجه (8) عن أنس أنه قال: كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد في الأطباق.

(1) أحمد 4/ 380.

(2)

الترمذي 4/ 236.

(3)

الفتح 9/ 622.

(4)

ابن حبان 12/ 61، 62 ح 5257.

(5)

شواهد التوضيح ص 47.

(6)

النسائي 7/ 210.

(7)

شرح مسلم 13/ 103.

(8)

ابن ماجه 2/ 1073 ح 3220.

ص: 327

وفي "الموطأ"(1) من حديث ابن عمر: سئل عن الجراد، فقال: وددت أن عندي قفعة (أ) آكل منها. إلا أن ابن العربي في "شرح الترمذي"(2) فصل بين جراد الحجاز وجراد الأندلس، فقال في جراد الأندلس: لا يؤكل؛ لأنه ضرر محض. ولكنه إذا ثبت ذلك، فتحريمه لأجل الضرر، فهو مستثنى كغيره من الضارات. وفي زيادة "معه". يحتمل أن يراد المعية في الغزو تأكيدًا لقوله: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. دون ما عطف عليه من الأكل، ويحتمل المعية في الأكل، ويتأيد هذا بما وقع في رواية أبي نعيم (3) في "الطب": ويأكله معنا. وهذا يرد على الصيمري من الشافعية حيث زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم عافه كما عاف الضب، ومستنده ما أخرجه أبو داود (4) من حديث سلمان: سئل فيم عن الجراد، فقال:"لا آكله ولا أحرمه". وأعله المنذري بالإرسال، ووصله ابن ماجه (5)، وما أخرجه ابن عدي (6) في ترجمة ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر، أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب، فقال:"لا آكله ولا أحرمه". وسئل عن الجراد، فقال مثل ذلك، إلّا أن ثابتًا قال [فيه](ب)

(أ) في هامش ب: القفعة كالزنبيل من خوص بلا عروة. قاموس.

(ب) ساقط من: ب، جـ. والمثبت من الفتح 9/ 622.

_________

(1)

الموطأ 2/ 933.

(2)

عارضة الأحوذي 8/ 16.

(3)

ينظر تاريخ أصبهان 1/ 296.

(4)

أبو داود 3/ 357 ح 3813.

(5)

ابن ماجه 2/ 1073 ح 3219.

(6)

الكامل 2/ 521.

ص: 328

النسائي (1): ليس بثقة (2).

وذهب الجمهور إلى أنه يؤكل على أي حال ولو مات بغير سبب، والمشهور عن المالكية اشتراط التذكية بأن يكون سبب آدمي؛ إما أن يقطع رأسه أو [بعضه](أ) أو يسلق أو يلقى في النار حيًّا أو يشوى، فإن مات حتف أنفه أو في وعاء لم يحل، وحجة الجمهور حديث ابن عمر:"أحلت لنا ميتتان ودمان؛ السمك والجراد، والكبد والطحال". أخرجه أحمد والدارقطني (3) مرفوعًا وقال: إن الموقوف أصح. ورجح البيهقي (4) الموقوف، إلا أنه قال: له حكم الرفع. ولفظ الجراد جنس، والواحدة منه جرادة، تقع على الذكر والأنثى كحمامة، ويسمى جرادًا لأنه لا ينزل على شيء إلا جرده، أو لأنه أجرد، أي أملس، يقال: نوق جُرد. أي ملس، وخِلقة الجراد عجيبة فيها عشر من خِلقة جبابرة الحيوان، وجه فرس، وعينا فيل، وعنق ثور، وقرنا أيل، وصدر أسد، وبطن عقرب، وجناحا نسر، وفخذا جمل، ورجلا نعامة، وذنب حية. وقد أحسن القاضي محيي الدين [الشهرزوري] (ب) في وصف الجراد في ذلك بقوله (5):

(أ) في ب، جـ: يعضه. والمثبت يقتضيه السياق. وينظر شرح مسلم 13/ 104.

(ب) في ب: السهروردي. وفي جـ: السهوررودي. والمثبت من الفتح 9/ 620. وينظر سير أعلام النبلاء 21/ 60، 61.

_________

(1)

الضعفاء والمتروكين ص 27.

(2)

وقال فيه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث. التاريخ الكبير 2/ 163، والجرح والتعديل 2/ 452.

(3)

أحمد 2/ 97، والدارقطني 4/ 271.

(4)

البيهقي 1/ 254.

(5)

ينظر حياة الحيوان للدميري 1/ 267.

ص: 329

لها فخذا بكر ورجل نعامة

وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم

حبتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت

عليها جياد الخيل بالرأس والفم

والجراد من صيد البر وإن كان أصله بحريًّا عند الأكثر من العلماء، وقيل: إنه بحري. لما روى ابن ماجه (1) من حديث أنس مرفوعًا: "إن الجراد نثرة حوت من البحر". أي عطسته، فيحل للمُحرم اصطياده. وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه (2) بسند ضعيف عن أبي هريرة أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة، فاستقبلنا رِجل من جراد، فجعلنا نضربهن بنعالنا وأسواطنا، فقال صلى الله عليه وسلم:"كلوه فإنه من صيد البحر". وأخرج أبو داود والترمذي (3) من حديث أبي المهُزِّم -بضم الميم وكسر الزاي المعجمة وفتح الهاء بينهما، واسمه يزيد بن سفيان- عن أبي هريرة: قال أصبنا ضربا من جراد، وكان رجل يضرب بسوطه وهو محرم، فقيل له: إن هذا لا يصلح. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما هو من صيد البحر". ولكنْ أبو المهزِّم ضعيف باتفاق (4)، وظاهر هذا أنه لا جزاء على المحرم في قتل الجراد؛ لأنه من صيد البحر، وجمهور العلماء على لزوم الجزاء فيه. قال ابن المنذر: لم يقل أنه لا جزاء فيه إلا أبو سعيد الخدري وعروة بن الزبير. واحتج

(1) ابن ماجه 2/ 1073، 1074 ح 3221.

(2)

أبو داود 2/ 177، 178 ح 1854، والترمذي 3/ 207 ح 850، وابن ماجه 2/ 1074 ح 3222، واللفظ للترمذي، وابن ماجه.

(3)

حديث أبي المهزم عن أبي هريرة هو الحديث المتقدم في الحاشية السابقة، واللفظ هنا لأبي داود.

(4)

أبو المهزم التميمي، البصري، اسمه يزيد -وقيل: عبد الرحمن- بن سفيان، ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وغيرهم. وقال الحافظ: متروك. ينظر تهذيب الكمال 34/ 327، والتقريب ص 676.

ص: 330

الجمهور بما رواه الشافعي (1) بإسناد صحيح أو حسن، عن عبد الله بن أبي عمار قال: أقبلت مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس مُحرمين من بيت المقدس بعمرة، حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي فمرت به رِجلٌ من جراد، فأخذ جرادتين فقتلهما ونسي إحرامه، ثم ذكر إحرامه فألقاهما، فلما قدمنا المدينة دخل القوم على عمر رضي الله عنه ودخلت معه، فقص القصة على عليٍّ وعمر فقال: ما جعلت على نفسك يا كعب؟ قال: درهمين. قال: بخ، درهمان خير من مائة جرادة، اجعل ما جعلت في نفسك. وبإسناد الشافعي (2) الصحيح عن القاسم بن محمد قال: كنت جالسًا عند ابن عباس، فسأله رجل عن جرادة قتلها وهو محرم، فقال ابن عباس رضي الله عنه: قبضة من طعام، ولتأخذن بقبضة جرادات. قال الشافعي: أشار بذلك إلى أن فيها القيمة على المحرم. وفي الحرم ولو عم الجراد المسالك ولم يجد بدًّا من وطئه فالأظهر أنه لا ضمان. كذا ذكره الدميري (3).

1106 -

وعن أنس رضي الله عنه في قصة الأرنب قال: فذبحها فبعث بوركها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله. متفق عليه (4).

الحديث، لفظ البخاري عن أنس قال: أنفجنا أرنبا ونحن بمر الظهران، فسعى القوم فلغبوا، فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة فذبحها، فبعث

(1) الأم 2/ 195، 196.

(2)

الأم 2/ 196.

(3)

حياة الحيوان 1/ 269.

(4)

البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب الأرنب 9/ 661 ح 5535، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الأرنب 3/ 1547 ح 1953.

ص: 331

بوركيها -أو قال: بفخذيها- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها. وجاء في رواية (1). بعجزها.

قوله: في قصة الأرنب. هي واحدة الأرانب، وهي حيوان يشبه العَناق، قصير اليدين، طويل الرجلين، عكس الزرافة، يطأ الأرض على مؤخَّر قوائمه، وهو اسم جنس يطلق على الذكر والأنثى، وذكرها يقال [له] (أ): الخُزَز. بضم الخاء المعجمة وزايين معجمتين مفتوحة أولاهما، بوزن عُمَر، ويقال للأنثى: عِكرِشَة. ولصغيرها: خِرنَق (ب). بكسر الخاء المعجمة، فهي أولًا خِرنَق، ثم سَخلة، ثم أرنب، ويكون عامًا ذكرًا وعامًا أنثى.

والحديث فيه دلالة على حِل أكلها. وقوله: فقبلها. لا يدل على أنه أكل منها. وفي رواية البخاري (2) في كتاب الهبة، قال الراوي -وهو هشام بن زيد-: قلت لأنس: وأكل منه؟ قال: وأكل منه. ثم قال: فقبله. فكأنه تردد في الأكل فلم يجزم وجزم بالقبول، ولذلك رجع إليه، وقد أخرج الدارقطني (3) من حديث عائشة: أُهدِي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرنب وأنا نائمة فخبأ لي منها العجز، فلما قمت أطعمني. وهذا يشعر بأنه أكل منها، ولكن إسناده فيه ضعف، ووقع في "الهداية"(4) للحنفية أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل

(أ) ساقطة من: ب، جـ. والمثبت يقتضيه السياق، وينظر حياة الحيوان للدميري 1/ 31.

(ب) في هامش ب: الخرنق كزبرج، الفتي من الأرانب أو ولده. قاموس.

_________

(1)

أخرجه أحمد 3/ 291، وأبو داود 3/ 352 ح 3791، وابن ماجه 2/ 1080 ح 3243.

(2)

البخاري 5/ 202 ح 2572.

(3)

الدارقطني 4/ 291.

(4)

الهداية شرح البداية 9/ 502.

ص: 332

من الأرنب حين أهدي إليه مشويًّا وأمر أصحابه بالأكل منه. قال المصنف (1) رحمه الله تعالى: وكأنه تَلقاه من حديثين؛ فأوله من حديث البخاري وقد ظهر ما فيه، والآخر من حديث أخرجه النسائي (2) من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها، فوضعها بين يديه، فأمسك وأمر أصحابه أن يأكلوا. ورجاله ثقات، إلا أنه اختلف على موسى بن طلحة اختلافًا كثيرًا، وقد أخرج البيهقي (3) الأمر بأكلها من حديث محمد بن صفوان وجابر بن عبد الله وغيرهما. وقد وقع الإجماع على حِل أكلها، وجاء عن عبد الله بن عمر وعن عكرمة من التابعين وعن محمد بن أبي ليلى من الفقهاء -وهو مذهب الهادي- أنها مكروهة (4). وحجتهم حديث خزيمة بن جَزء (5): قلت: يا رسول الله، ما تقول في الأرنب؟ قال:"لا آكله ولا أحرمه". قلت: فإني آكل ما لا تحرمه، ولِمَ يا رسول الله؟ قال:"نبئت أنها تدمى". وسنده ضعيف. وأخرج أبو داود والبيهقي (6) من حديث ابن [عمرو](أ) أنه جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها ولم ينه عنها. وزعم أنها تحيض. وأخرج البيهقي (7) عن عمر وعمار مثل

(أ) في ب، جـ: عمر. والمثبت من مصدري التخريج.

_________

(1)

الفتح 9/ 662.

(2)

النسائي 7/ 196.

(3)

البيهقي 9/ 320، 321.

(4)

ينظر مصنف ابن أبي شيبة 8/ 249.

(5)

أخرجه ابن ماجه 2/ 1081 ح 3245، والطبراني 4/ 118 ح 3795.

(6)

أبو داود 3/ 352 ح 3792، والبيهقي 9/ 321.

(7)

البيهقي 9/ 321.

ص: 333

ذلك، وأنه أمر بأكلها ولم يأكل منها. وكذا أخرج عن عمر في "مسند إسحاق بن راهويه"(1)، ولكن عدم أكله لا يدل على الكراهة، وحكى الرافعي عن أبي حنيفة التحريم. قال المصنف رحمه الله (1): وغلط النووي في النقل عن أبي حنيفة حلها.

وقوله في صدر الحديث: أنفجنا. بفاء مفتوحة وجيم ساكنة، أي: أثَرْنا.

وقوله: بمَرِّ الطَّهران. مر بفتح الميم وتشديد الراء، والظهران بفتح المعجمة وبلفظ المثنى، اسم موضع على مرحلة من مكة، وهو الذي يسميه عوام المصريين بطن مرو، والصواب مرّ بتشديد الراء.

وقوله: فلغبوا. بالغين المعجمة وموحدة؛ أي: تعبوا. وزنا ومعنى، وقال النووي (2): بفتح الغين المعجمة في اللغة الصحيحة والمشهورة، وفي لغة ضعيفة كسرها، حكاها الجوهري (3) وغيره وضعفوها.

فائدة: ذكر الدميري في "حياة الحيوان"(4) أن الذي يحيض من الحيوان المرأة والضبع والخفاش والأرنب، ويقال: إن الكلبة كذلك. والله أعلم.

1107 -

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب؛ النملة والنحلة والهدهد والصرد. رواه أحمد

(1) ينظر الفتح 9/ 662.

(2)

شرح مسلم 13/ 104، 105.

(3)

الصحاح (ل غ ب) 1/ 220.

(4)

حياة الحيوان 1/ 32.

ص: 334

وأبو داود، وصححه ابن حبان (1).

الحديث رجاله رجال الصحيح، قال البيهقي (2): هو أقوى ما ورد في هذا الباب. ثم رواه من حديث سهل بن سعد، وزاد فيه الضفدع، وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد وهو ضعيف (3).

الحديث فيه دلالة على تحريم قتل الأربع المذكورة (أ)، ويلزم منه تحريم أكلها؛ لأنه لو حل أكلها لما نهى عن القتل، وجعل الإمام المهدي في "البحر" أصول تحريم الحيوان سبعة أشياء هذا أحدها، والقول بتحريم أكلها هو قول الجمهور، وفي كل واحدة خلاف إلا في النمل فالظاهر أنه إجماع، وإنما الرافعي نقل وجها عن أبي الحسن العبادي أنه يجوز بيعه في قرية من الأهواز تسمى عسكر مُكْرَم؛ لأنه يعالج بها السَّكَر، بفتح السين والكاف، وفي نصيبين؛ لأنه يعالج به العقارب الطيارة. وعن الخطابي (4) أن النهي الوارد في قتل النمل المراد به السليماني، أي لانتفاء الأذى منه دون الصغير، وكذا في "شرح السنة"(5). والعقارب الطيارة المراد بها الجرارة، وقد جاء في حديث خوات بن جبير عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يؤكل ما حملت النملة

(أ) في جـ: المذكورات.

_________

(1)

أحمد 1/ 332، وأبو داود، كتاب الأدب، باب في قتل الذر 4/ 369 ح 5267، وابن حبان، كتاب الحظر والإباحة، باب قتل الحيوان 12/ 462، ح 5646.

(2)

البيهقي 9/ 317، 318.

(3)

تقدمت ترجمته في 3/ 168.

(4)

معالم السنن 4/ 157.

(5)

شرح السنة 12/ 198.

ص: 335

بفيها وقوائمها. أخرجه أبو نعيم في "الطب". وأما النحلة فقد روي عن بعض السلف أنه أباح أكلها. وأما الهدهد فقيل: إنه يحل أكله. وهو مأخوذ من قول الشافعي: إنه يلزم الفدية في قتله. وعنده لا يجب الفدية إلا في الصيد المأكول. وأما الصرد فهو طائر فوق العصفور، وقال مالك: إنه يؤكل. قال الفاضي أبو بكر بن العربي (1): إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله، لأن العرب كانت تتشاءم به، فنهى عن قتله ليزول ما في قلوبهم من اعتقاد التشاؤم. وقول للشافعي مثل مالك، لأنه أوجب فيه الجزاء على المحرم إذا قتله.

1108 -

وعن ابن أبي عمار قال: قلت لجابر رضي الله عنه: الضبع صيد هي؟ قال: نعم. قلت: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. رواه أحمد والأربعة، وصححه البخاري وابن حبان (2).

هو عبد الرحمن بن أبي عمار المكي، وثّقه أبو زرعة والنسائي ولم يتكلم فيه أحد، وسمي القس لعبادته (3). ووهم ابن عبد البر في إعلاله (4)، وصحح

(1) عارضة الأحوذي 6/ 277.

(2)

أحمد 3/ 318، 322، وأبو داود، كتاب الأطعمة، باب في أكل الضبع 3/ 354 ح 3801، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الضبع يصيبها المحرم 3/ 207 ح 851، وفي كتاب الأطعمة، باب ما جاء في أكل الضبع 4/ 222 ح 1791، وابن ماجه، كتاب الصيد، باب الضبع 2/ 1078 ح 3236، والنسائي، كتاب المناسك، باب ما لا يقتله المحرم 5/ 191، وكتاب الصيد، باب الضبع 7/ 200، وابن حبان، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم وما لا يباح 9/ 278 ح 3965، وينظر علل الترمذي للقاضي ص 298.

(3)

ووثقه ابن سعد، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحافظ: ثقة عابد. الطبقات 5/ 484، والجرح والتعديل 5/ 249، والثقات 5/ 113، والتقريب ص 344، وينظر تهذيب الكمال 17/ 229.

(4)

التمهيد 1/ 155.

ص: 336

الحديث المذكور البيهقي وابن خزيمة (1). قال الشافعي (2): وما يباع لحم الضباع إلا بين الصفا والمروة. وفي رواية أبي داود زيادة: ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم.

والحديث فيه دلالة على حل أكل الضبع، وقد تقدم ذكر الخلاف فيه (أ). ويحتج لمن قال بالتحريم بعموم لفظ:"كل ذي ناب من السباع" المتقدم (3)، وبما أخرجه الترمذي (4) من حديث خزيمة بن [جزء] (ب) قال:"أو يأكل الضبع أحد؟ ". ويجاب عنه بأن العموم مخصوص. وهذا الحديث في إسناده عبد الكريم أبو أمية، والراوي عنه إسماعيل بن مسلم، وهو متفق على ضعف عبد الكريم (5). وقد روي إباحتها عن علي رضي الله عنه (6).

1109 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه سئل عن القنفذ فقال:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} (7) الآية. فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "خبيثة من الخبائث".

(أ) ساقطة من: جـ.

(ب) في ب، جـ: حري. والمثبت من مصدر التخريج، وينظر تهذيب الكمال 8/ 245.

_________

(1)

البيهقي 5/ 183، وابن خزيمة 4/ 182 ح 2645.

(2)

الأم 2/ 249.

(3)

تقدم ح 1103.

(4)

الترمذي 4/ 222، 223 ح 1792.

(5)

تقدمت ترجمته في 1/ 263.

(6)

عبد الرزاق 4/ 513 ح 8684.

(7)

الآية 145 من سورة الأنعام.

ص: 337

أخرجه أحمد وأبو داود وإسناده ضعيف (1).

الحديث (أضعف بجهالة أ) الشيخ المذكور. وقال الخطابي (2): ليس إسناده بذاك. وقد أخرجه أبو داود من حديث عيسى بن نميلة -بالنون- عن أبيه. وقال البيهقي (3): فيه ضعف ولم يرو إلا بهذا الإسناد. قال البيهقي: لم يرو إلا من وجه ضعيف. وعن سعيد بن جبير قال: جاءت أم حفيد بقنفذ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته بين يديه فنحَّاه ولم يأكله. وفيه إرسال. والقنفذ بضم القاف وفتحها الذكر منه، وكنيته أبو سفيان وأبو الشوك، والأنثى أم دلدل (4).

الحديث فيه دلالة على أنه يحرم أكله؛ لأن المستخبث محرم، وقد ذهب إلى هذا أبو طالب والإمام يحيى. وقال الرافعي: في القنفذ وجهان؛ أحدهما، أنه يحرم. وبه قال أبو حنيفة وأحمد؛ لما روى في الخبر أنه من الخبائث. والثاني، وهو الأصح، أنه يحل. وقال القفال (5): إن صح الخبر فهو حرام، وإلا رجعنا إلى العرب، والمنقول عنهم أنهم يستطيبونه. وذهب

(أ- أ) في جـ: ضعيف لجهالة.

_________

(1)

أحمد 2/ 381، وأبو داود، كتاب الأطعمة، باب في أكل حشرات الأرض 3/ 353، 354 ح 3799.

(2)

معالم السنن 4/ 248.

(3)

البيهقي 9/ 326.

(4)

حياة الحيوان الكبرى للدميري 2/ 231.

(5)

ينظر التلخيص الحبير 4/ 155.

ص: 338

مالك وابن أبي ليلى إلى أنه حلال، والحديث فيه ما سمعت. وذهب المؤيد إلى أنه يكره أكله كالضب. ويتأيد القول بحله بما أخرج أبو داود (1) من حديث ملقام بن التلب (أ) عن أبيه قال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أسمع لحشرة الأرض تحريمًا. والحشرة صغار دواب الأرض كاليرابيع والضباب والقنافذ، إلا أن قوله: لم أسمع. لا تصريح فيه بالحل؛ لجواز أن يكون غيره قد سمع التحريم، وعلى أنه لم يسمع فيه التحريم فالخلاف بين الأصوليين في الأصل في الأشياء الحظر أو الإباحة، وهي مسألة مشهورة، وذهب بعضهم إلى أن الإطلاق لا يصح، فلا بد من أن يكون بعضها محظورًا وبعضها مباحًا، والدليل يغني عن حكمه في مواضعه. ورخص في اليربوع والوبر ونحوهما عروة والشافعي والهدوية، وكرهه ابن سيرين وأصحاب الرأي. وسئل عنه مالك فقال: لا أدري. وفي تحريمه حديث رواه أبو داود (2)، وليس إسناده بذاك.

1110 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة وألبانها. أخرجه الأربعة إلا النسائي، وحسنه الترمذي (3).

(أ) في جـ: التب. وينظر تهذيب الكمال 28/ 483.

_________

(1)

أبو داود 3/ 353 ح 3798.

(2)

هو حديث الباب.

(3)

أبو داود، كتاب الأطعمة، باب النهي عن أكل الجلالة وألبانها 3/ 350 ح 3785، والترمذي، كتاب الأطعمة، باب ما جاء في أكل لحوم الجلالة وألبانها 4/ 238 ح 1824، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب النهي عن لحوم الجلالة 2/ 1064 ح 3189.

ص: 339

وأخرج الحاكم والدارقطني والبيهقي (1) من حديث ابن عمرو بن العاص نحوه وقال: حتى تعلف أربعين ليلة. ورواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم (2) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: نهى عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلَّالة وعن ركوبها. ولأبي داود (3): أن يركب عليها أو يشرب ألبانها.

الحديث فيه دلالة على تحريم لحم الجلالة؛ وهي التي تأكل العذرة والنجاسات، سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم أو الدجاج، وكذا شرب لبنها، وسواء كان الغالب على علفها النجاسة أو غيرها، وقيل: لا تكون جلالة إلا إذا غلب على علفها النجاسة. وهذا مقتضى كلام النووي (4) في "التحرير"، والصحيح أنه لا اعتبار بالكثرة بل بالرائحة والنتن كما جزم به النووي. وذكر مثل هذا الإمام يحيى، قال: ولا يطهر بالطبخ وإلقاء التوابل وإن زال الريح إذ ليس باستحالة بل تغطية، وحرمت لأنها صارت من الخبائث. وقيل: تكره لأن النهي الوارد فيه إنما كان لتغير اللحم، وهو لا يوجب التحريم بدليل المذكَّى إذا [جفَّ](أ). وهذا نقله الرافعي في "الشرح والتذنيب" عن إيراد الأكثرين، فإن علفت طاهرًا وطاب لحمها بأن

(أ) في ب، جـ: جاف. والمثبت من سبل السلام 4/ 160.

_________

(1)

الحاكم 2/ 34، والدراقطني 4/ 283، والبيهقي 9/ 333.

(2)

أحمد 2/ 219، وأبو داود 3/ 356 ح 3811، والنسائي 7/ 239، والحاكم 2/ 103.

(3)

أبو داود 3/ 351 ح 3787.

(4)

المجموع 9/ 27، 28.

ص: 340

زال عنها التغير حل لزوال العلة. وقد ذهب إلى العمل بظاهر الحديث أحمد والثوري. قال الإمام المهدي في "البحر" ردًّا عليهما: ولا وجه له. ويجاب عنه بأن الوجه النهي عن ذلك. وقال الخطابي (1): كرهه أحمد وأصحاب [الرأي](أ) والشافعي، وقالوا: لا تؤكل حتى تحبس أيامًا. وفي حديث، أن البقر تعلف أربعين يومًا ثم يؤكل لحمها. وكان ابن عمر يحبس الدجاجة (ب ثلاثة أيام ب). ولم يرَ بأكلها بأسًا مالك من دون حبس. انتهى. وقال المهدي: المذهب: ويكره ما علت جله، أو استوى هو أو علفه قبل حبسه. ثم قال: فإن لم تحبس وجب غسل أمعائها ما لم يستحل ما فيه استحالة تامة. وقال المذهب والفريقان: ونُدب حبس الجلالة قبل الذبح؛ الدجاجة ثلاثة أيام، والشاة سبعة، والبقرة والناقة أربعة عشر. وقال مالك: لا وجه له. قلنا: لتطيب أجوافها. انتهى. وقد عرفت أن في الحديث: تحبس أربعين ليلة. وكان الوقوف مع السنة هو الواجب. وقوله: وألبانها. يعني أن حكم لبن الجلالة حكم لحمها. فالحديث يدل على تحريم لبنها، ولعله يجيء في اللبن الخلاف الذي في اللحم، وكذا البيض، وفي رواية الركوب، يكون حكم الركوب حكمهما، ولعله إذا كان بغير حائل على وجه يترطب الراكب بجسمها. وحكم السخلة (2) المغتذية بلبن كلبة حكم الجلالة.

1111 -

وعن أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي: فأكل منه

(أ) في ب: الرازي.

(ب- ب) في جـ: ثلاثًا.

_________

(1)

معالم السنن 4/ 244.

(2)

السخلة: تطلق على الذكر والأنثى من أولاد الضأن والمعز ساعة تولد، والجمع سخال. المصباح المنير (س خ ل).

ص: 341

النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه (1).

تقدم قصة الحمار في كتاب الحج. والحمار الوحشي يقال له أيضًا: حمار وحش. وهو العَير، وربما أطلق العير عليه وعلى الحمار الأهلي، ويسمى الفراء (2).

والحديث فيه دلالة على أنه يحل أكله، وهو مجمع على حِل أكله، إلا ما روي عن مطرف أنه إذا أنس واعتلف صار كالأهلي، وأهل العلم على خلافه.

فائدة: يقال: إن الحمار الوحشي يتعمر مائتي سنة وأكثر. وذكر ابن خلكان (3) في ترجمة يزيد بن زياد (4) أن حمارًا وحشيًّا عاش أكثر من مائتي سنة. وألوانه مختلفة، والأخدرية أطولها عمرًا وأحسنها شكلا، وهي منسوبة إلى أخدر؛ فحل كان لكسرى أردشير، توحش واجتمع [بعانات](أ) فضرب فيها، فالمتولد منها يقال له: أخدري. وقال الجاحظ (ب): أعمار حمر الوحش تزيد على أعمار الحمر الأهلية، ولا نعرف حمارًا أهليًّا عاش أكثر من

(أ) في ب، جـ: بغابات. والمثبت من الحيوان 1/ 139، وحياة الحيوان الكبرى 1/ 361. والعانات جمع عانة وهي القطيع من حمر الوحش. اللسان (ع ون).

(ب) في ب: الحافظ. والمثبت موافق لما في حياة الحيوان، وانظر الحيوان 1/ 139.

_________

(1)

تقدم تخريجه في 5/ 252، 253 ح 569.

(2)

انظر حياة الحيوان الكبرى 1/ 361.

(3)

وفيات الأعيان 6/ 354، وينظر حياة الحيوان 1/ 361.

(4)

هو يزيد بن مفرغ الحميري الشاعر المشهور وهو من كبار الشيعة. انظر ترجمته في الأغاني 18/ 254، ووفيات الأعيان 6/ 342.

ص: 342

حمار أبي سيارة، وهو عُميلة بن خالد (أ) كان له حمار أسود أجاز [الناس](ب) عليه من مزدلفة إلى منى أربعين سنة.

1112 -

وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا فأكلناه. متفق عليه (1).

مع زيادة: ونحن بالمدينة. تقدم الكلام في حل الخيل والخلاف فيه. وهذا الحديث فيه دلالة على الحل، وقد جاء في رواية الدارقطني (2) زيادة: فأكلنا نحن وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. ويستفاد من قولها: ونحن بالمدينة. أن ذلك بعد فرض الجهاد. وفيه رد (جـ) على من قال: إنها حرمت لعلة أنها من آلات الجهاد، والحل كان قبل فرض الجهاد. ولا يقال: إن ذلك من فعلهم ولم يذكر تقرير (د) النبي صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك. لأن الظاهر من مثل هذه الصيغة دعوى تقرير النبي صلى الله عليه وسلم واطلاعه على ذلك، إذ من البعيد أن يقدموا على فعل شيء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعلمون حله، وهذا هو المختار عند أهل الأصول المحققين أن قول الصحابي: كنا نفعل. و: كانوا يفعلون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. له (هـ) حكم الرفع، وإذا كان هذا في مطلق الصحابة فكيف

(أ) في الحيوان: أعزل. وما هنا موافق لما في حياة الحيوان 1/ 362.

(ب) ساقطة من: ب، جـ. والمثبت من حياة الحيوان الكبرى 1/ 362.

(جـ) في جـ: دلالة.

(د) في جـ: تقدير.

(هـ) ساقطة من: جـ.

_________

(1)

البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب النحر والذبائح 9/ 640 ح 5510، 5512، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب في أكل لحوم الخيل 3/ 1541 ح 1942/ 38.

(2)

الدارقطني 4/ 290 ح 77.

ص: 343

بآل أبي بكر واتصالهم برسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وأما مع زيادة الدارقطني فالأمر أشد ظهورًا.

وقولهما: نحرنا. وقد جاء في رواية الدارقطني: ذبحنا. وفي هذا دلالة على أن الذبح والنحر بمعنى واحد، إذ القصة واحدة، وإن كان النووي (1) قال: اختلاف الرواة بلفظ: نحرنا، و: ذبحنا. يدل على تعدد القصة. وقال: ويجوز أن تكون قصة (أ) واحدة، وأحد اللفظين مجاز عن الآخر.

والنحر إنما هو للإبل خاصة؛ وهو الضرب بالحديدة في لبة البدنة حتى تفرى أوداجها، والذبح، وهو قطع الأوداج، في غير الإبل، وقد جاءت أحاديث في ذبح الإبل وفي نحر غيرها. وقال ابن التين (2): الأصل في الإبل النحر وفي غيرها الذبح، وجاء في القرآن في البقرة:{فَذَبَحُوهَا} (3). وفي السنة: نحرها. وقد اختلف العلماء في ذبح ما ينحر ونحر ما يذبح، فأجازه الجمهور، ومنع ابن القاسم من المالكية. وروى إسماعيل بن أبي أويس عن مالك فيمن نحر البقر، قال مالك: بئس ما صنع. وتلا الآية (4). وعن أشهب: إن ذبح بعيرًا من غير ضرورة لم يؤكل. وقال ابن عباس (5): موضع الذكاة الحلق واللَّبَّة، بفتح اللام وتشديد الباء. وعن عمر مثله (5). وجاء

(أ) في ب: قضية.

_________

(1)

ينظر الفتح 9/ 642.

(2)

ينظر الفتح 9/ 640.

(3)

الآية 71 من سورة البقرة.

(4)

ينظر الفتح 9/ 641.

(5)

أخرجه البيهقي 9/ 278.

ص: 344

أيضًا مرفوعًا من وجه واه (1). واللبة: موضع القلادة من الصدر وهي المنحر. والذبح: قطع الودَجَين، بفتح الدال المهملة والجيم، وهما عرقان محيطان بالحلقوم. وقولهم: الأوداج. من باب التغليب على الحلقوم والمريء، فسميت الأربعة أوداجًا (أ). وذهبت الحنفية إلى أنه يكفي قطع ثلاثة أوداج من أي جانب. وعن أبي يوسف ثلاث روايات، أحدها، كالقول الذي قبله. والثاني، قطع الحلقوم واثنين من الثلاثة الباقية. والثالثة، الحلقوم والمريء وأحد الودجين. وحكى ابن المنذر (2) عن محمد بن الحسن، أنه إذا قطع الحلقوم والمريء وأكثر من نصف الأوداج أجزأ. وقال الشافعي (3): يكفي قطع الحلقوم والمريء وإن لم يقطع الودجين. قال: لأنهما قد يسلبان من الإنسان وغيره فيعيش. وعن الثوري: إن قطع الودجين أجزأ ولو لم يقطع الحلقوم والمريء. وعن مالك: يشترط قطع الحلقوم والودجين. واحتج له بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث رافع: "ما أنهر الدم"(4). وإنهاره إجراؤه؛ وذلك يكون بقطع الأوداج لأنها مجرى الدم. وأما المريء فهو مجرى الطعام، وليس به من الدم ما يحصل به إنهاره. ورواية عن مالك أنه يكفي قطع الودجين، وعنه اشتراط قطع الأربعة. وذهب الهدوية إلى أنه يشترط ذبح

(أ) في جـ: أوداج.

_________

(1)

البيهقي 9/ 278.

(2)

ينظر الفتح 9/ 641.

(3)

الأم 2/ 237.

(4)

سيأتي ح 1123.

ص: 345

الأربعة، ولا يجب استكمالها، فيعفى إذا بقي من كل دون ثلثه. والوجه أنه يطلق الكل على الأكثر.

1113 -

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: أُكل الضَّب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه (1).

هذا الحديث بهذا اللفظ من رواية ابن عباس. والحديث قال: أهدت خالتي أم حُفَيد، بضم الحاء المهملة وبالفاء، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سمنًا وأقطًا وأَضُبًّا، فأكل من السمن والأقط وترك الضب تقذرًا، وأُكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية له (2): فدعا بِهنّ فأُكلن (أ) على مائدته وتركهن كالمتقذر لهن، ولو كن حرامًا ما أُكلن على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم (ب ولا أمر ب) بأكلهن. وجاء في روايات (3) أنه كان معه خالد بن الوليد. وفي بعض الروايات (4) أنه روي ذلك عن خالد بن الوليد. وفي ذلك روايات أخر.

قال الحميدي: وعلى روايات ذكر خالد عول البخاري وجعله من

(أ) في جـ: فأكلوا.

(ب- ب) في جـ: والأمر.

_________

(1)

البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب الضب 9/ 663 ح 5537، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب 3/ 1544 ح 1947/ 46.

(2)

البخاري 9/ 530 ح 5389.

(3)

مسلم 3/ 1543 ح 1945/ 43.

(4)

البخاري 9/ 534، 663 ح 5391، 5537، ومسلم 3/ 1543، 1544 ح 1946/ 44، 45.

ص: 346

مسند خالد. والجمع بين هذه الروايات أن ابن عباس كان حاضرًا هو وخالد بن الوليد، وكانت ميمونة خالتهما جميعًا، وكأن ابن عباس استثبت في الرواية من خالد لكونه الذي باشر السؤال للنبي صلى الله عليه وسلم عنه كما جاء في الروايات، وهو الذي اجتر الضب وأكله، وكان ابن عباس ربما رواه عنه. وقد جاء في رواية الطحاوي (1) أنها أهدت ضبًّا وقنفذًا. وذكر القنفذ فيه غريب.

والحديث فيه دلالة على حل أكله. وحكى القاضي عياض عن قوم تحريمه، وعن الحنفية كراهته. وأنكر ذلك النووي وقال (2): لا أظنه يصح عن أحد، فإن صح فهو محجوج بالنص ولإجماع من قبله. قال الطحاوي (3) في معنى الآثار: كره قوم أكل الضب، منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن. قال (4): واحتج محمد بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أُهدي له ضب فلم يأكله، فقام عليهم سائل فأرادت عائشة أن تعطيه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتعطنه ما لا تأكلين؟ ". إلا أنه لا يدل على الكراهة؛ لأن الصدقة حقها أن تكون مما يحبه المتصدق. كذا قاله الطحاوي. إلا أنه يحتج لذلك بما أخرجه أبو داود (5) بإسناد حسن عن عبد الرحمن بن شبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الضب. وفي إسناده إسماعيل بن عياش، ولكن رجاله

(1) الفتح 9/ 664.

(2)

شرح مسلم 13/ 99.

(3)

شرح معاني الآثار 4/ 200.

(4)

شرح معاني الآثار 4/ 201.

(5)

أبو داود 3/ 353 ح 3796.

ص: 347

شاميون وهو في الشاميين قوي (1). فقول الخطابي (2): ليس إسناده بذاك. غير مسلَّم، وكذا قول ابن حزم (3): فيه ضُعَفاء ومجهولون. غير مسلم؛ فإن رجاله ثقات، وقول البيهقي (4): تفرد به إسماعيل بن عياش، وليس بحجة. مدفوع بما عرفت. وأخرج أبو داود (5) من حديث عبد الرحمن بن حسنة، أنهم طبخوا ضبابا، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن أمة من بني إسرائيل مُسخت دواب في الأرض، فأخشى أن يكون هذه، فألقوها". وأخرجه أحمد (6)، وصححه ابن حبان (7) والطحاوي (8)، وسنده على شرط الشيخين. وقد يجاب عن هذا بأنه وقع من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلم أن الممسوخ لا يَنْسِل (9). وقد أخرج الطحاوي (10) عن عبد الله بن مسعود قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير؛ أهي مما مسخ؟ قال: "إن الله لم يهلك قومًا -أو يمسخ قوما- فيجعل لهم نسلًا ولا عاقبة". وأصل الحديث في مسلم (11). ويتعجب من ابن العربي حيث قال (12): قولهم: إن الممسوخ لا ينسل. دعوى، فإنه أمر لا

(1) تقدمت ترجمته في 1/ 92.

(2)

معالم السنن 4/ 144.

(3)

المحلى 8/ 144.

(4)

البيهقي 9/ 326.

(5)

أبو داود 3/ 353 ح 3795 من حديث ثابت بن وديعة.

(6)

أحمد 4/ 196.

(7)

ابن حبان 12/ 73 ح 5266.

(8)

شرح معاني الآثار 4/ 197.

(9)

يَنْسِل: يلد. وينظر المصباح المنير (ن س ل).

(10)

شرح معاني الآثار 4/ 198، 199.

(11)

مسلم 4/ 2050 - 2052 ح 2663.

(12)

عارضة الأحوذي 7/ 290.

ص: 348

يعرف بالعقل، وإنما طريقه النقل، وليس فيه أمر يعول عليه. ولعله غفل عما في "صحيح مسلم"، وبأن كونه ممسوخًا لا يقتضي تحريم أكله، فإن كونه آدميا قد زال حكمه ولم يبق له أثر أصلًا، وإنما كره صلى الله عليه وسلم الأكل منه لما وقع عليه من سخط الله سبحانه وتعالى، كما كره الشرب من مياه ثمود. ومسألة تحريم أكل الآدمي إذا مسخ حيوانا مأكولا لم يتعرض لها الفقهاء، وظاهر كلام الهدوية في قولهم: إنه يعتبر في الحيوان بالأم. أن أول الممسوخات لا يحل أكلها؛ لأن أمها آدمية، وأما نسلها -إذا فُرِض- فيحل؛ لأن أمهاتها حيوان من الأنعام التي جنسها يؤكل.

وفي قوله: "فأخشى". دلالة على عدم الجزم بما ذكر، وإنما ذلك من باب التقذر (أ) والبعد عن الشبهة. وأخرج مسلم (1) من حديث يزيد بن الأصم، أنه قال بعض القوم عند ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الضب: "لا آكله ولا أنهى عنه ولا أحرمه". فقال ابن عباس: بئس ما قلتم، ما بعث (ب) نبي الله إلّا محرِّمًا أو محلِّلًا.

وأخرج الحديث أبو بكر بن أبي شيبة (2) شيخ مسلم بالسند الذي ساقه مسلم بلفظ: "لا آكله ولا أنهي عنه ولا أحله ولا أحرمه". ولعل مسلمًا حذف زيادة: "ولا أحله". عمدًا لشذوذها؛ فإن في حديث

(أ) في جـ: التقرير.

(ب) في ب: بعد.

_________

(1)

مسلم 3/ 1545 ح 1948/ 47.

(2)

ابن أبي شيبة 8/ 195، 196.

ص: 349

ابن (أ) عمر: "لا آكله ولا أحرمه". ولم يذكر: "ولا أحله". ويزيد بن الأصم وإن كان ثقة فهو أخبرنا بها عن قوم كانوا عند ابن عباس وكانوا مجهولين، ولم يقل يزيد أنهم أصحاب ابن عباس، ويتأول لفظ:"ولا أحله". بأني لا أحله على وجه أكله لا على معنى التحريم؛ لقوله: "ولا أحرمه". فيتحصل من هذا كراهة أكله لا تحريمه، ويتأيد هذا بما جاء في رواية لمسلم (1):"كلوه، فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي".

1114 -

وعن عبد الرحمن بن عثمان رضي الله عنه أن طبيبًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضِّفدِع يجعلها في دواء، فنهى عن قتلها. أخرجه أحمد وصححه الحاكم (2).

هو عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي القرشي، ابن أخي طلحة بن عبيد الله، صحابي، وقيل: إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وليست له رواية. وأسلم يوم الحديبية، وقيل: يوم الفتح. وقتل مع عبد الله بن الزبير في يوم واحد، روى عنه ابناه معاذ وعثمان، ومحمد بن المنكدر (أ)، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب (3).

(أ) ساقطة من: ب.

(ب) في جـ: المنذر. وينظر تهذيب الكمال 17/ 274.

_________

(1)

مسلم 3/ 1542، 1543 ح 1944/ 42.

(2)

أحمد 3/ 453، والحاكم، كتاب الطب 4/ 410، 411.

(3)

تقدمت ترجمته في 6/ 467.

ص: 350

الحديث أخرجه أحمد وأبو داود (1) والنسائي (2) والبيهقي (3) بلفظ: ذكر طبيب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دواء وذكر الضِّفدِع يجعل فيه، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضِّفدِع، قال البيهقي (3): هو أقوى ما ورد في النهي عن قتل الضِّفدِع. وأخرج (4) من حديث أبي هريرة النهي عن قتل الصُّرَد والضفدع والنملة والهدهد. وفي إسناده إبراهيم بن الفضل وهو متروك (5). وأخرج (6) من حديث سهل بن سعد مثله، وفي إسناده عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد وهو ضعيف (7). وأخرج (3) من حديث عبد الله بن عمرو موقوفًا: لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح، ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت المقدس قال: يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم. قال البيهقي: (أإسناد صحيح أ). وعن أنس: لا تقتلوا الضفادع، فإنها مرت على نار إبراهيم فجعلت في أفواهها الماء وكانت ترشه على النار.

(أ- أ) في جـ: إسناده ضعيف.

_________

(1)

أبو داود 4/ 6 ح 3871.

(2)

النسائي 7/ 210.

(3)

البيهقي 9/ 318.

(4)

ابن ماجه 2/ 1074 ح 3223، وليس عند البيهقي.

(5)

إبراهيم بن الفضل المخزومي أبو إسحاق المدني، ضعفه ابن معين وأحمد بن حنبل وأبو حاتم والبخاري وغيرهم وقال الحافظ: متروك. وينظر تهذيب الكمال 2/ 165، والتقريب ص 92.

(6)

البيهقي 9/ 317، 318.

(7)

تقدمت ترجمته في 3/ 168.

ص: 351

والحديث فيه دلالة على تحريم أكلها؛ لأنه نهي عن قتلها، وهو يقتضي تحريم الأكل، وهو إجماع، لأنه لو حل أكلها لما حرم قتلها. قال بعض الفقهاء: المناسب لتحريمها أنها كانت جار الله سبحانه في الماء الذي كان عليه العرش قبل خلق السماوات والأرض، قال الله تعالى:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (1). والله سبحانه أعلم.

والضِّفدِع بوزن الخِنصِر واحد الضفادع، والأنثى ضِفدِعة، وقد يقال بفتح الدال، قال الخليل (2): ليس في الكلام فعلَل إلّا أربعة أحرف؛ درهم، وهِجْرَع للطويل، وهِثلَع للأكول، و [قلعم] (أ) وهو اسم. وقال ابن الصلاح (3): الأشهر فيه من حيث اللغة كسر الدال، وفتحها أشهر في أَلْسنة العامة وأشباهِ العامة من الخاصة، وقد أنكره بعض أئمة اللغة.

(أ) في ب، جـ: فلعم. والمثبت من اللسان (قلعم) ومعناه: الشيخ الكبير المسن الهرم.

_________

(1)

الآية 7 من سورة هود.

(2)

اللسان (ض ف ع).

(3)

حياة الحيوان ص 646.

ص: 352