المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الجزية والهدنة - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٩

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌باب الجزية والهدنة

‌باب الجزية والهدنة

مأخوذ من جزأت الشيء إذا قسمته، ثم سهلت الهمزة. وقيل: من الجزاء؛ أي لأنها جزاء تركهم ببلاد الإسلام. أو من الإجزاء؛ لأنها تكفي من توضع عليه في عصمة دمه، وهي تكون مع أهل الذمة، والهدنة هي متاركة أهل الحرب مدة معلومة لمصلحة، واختلف في سنة مشروعيتها، فقيل: في سنة ثمان. وقيل: في سنة تسع. وقد دل قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} (1) الآية. على أنها لا تؤخذ إلَّا من أهل الكتاب، والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى بالاتفاق.

1091 -

عن عبد الرحمن بن عوف أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذها -يعني الجزية- من مجوس هجر. رواه البُخاريّ، وله طريق في "الموطأ" فيها انقطاع (2).

الانقطاع: هو ما يذكر قريبًا عن ابن شهاب، أنَّه بلغه

إلخ. وقد رواه الشَّافعي (3) عن مالك.

الحديث فيه دلالة على أخذ الجزية من مجوس هجر نصًّا، ويلحق بهم غيرهم من المجوس، وقد ورد فيهم عمومًا، وهو ما أخرجه الشَّافعي (3) من

(1) الآية 29 من سورة التوبة.

(2)

البُخاريّ، كتاب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب 6/ 257 ح 3156، 3157، ومالك، كتاب الزكاة، باب جزية أهل الكتاب والمجوس 1/ 278.

(3)

الأم 4/ 174.

ص: 283

حديث عبد الرحمن، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر المجوس، فقال: لا أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال له عبد الرحمن: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب".

وأخرج الشَّافعي (1) أيضًا، عن ابن شهاب، أنَّه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين، وأن عثمان بن عفَّان رضي الله عنه أخذها من البربر. زاد ابن وهب في روايته أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذها من مجوس فارس. قال البيهقي (2): وابن شهاب إنما أخذ حديثه هذا عن ابن المسيب، وابن المسيب حسن المرسل، كيف وقد انضم إليه ما تقدم.

وأخرجه البيهقي (2) عن ابن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس [هجر](أ). وقد أخرج أبو داود والبيهقيّ (3)، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جاء رجل من مجوس هجر إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما خرج قلت له: ما قضى الله ورسوله فيكم؟ قال: شرا. قلت: مه. قال: الإسلام أو القتل. قال عبد الرحمن بن عوف: قبل منهم الجزية. قال ابن عباس: وأخذ النَّاس بقول عبد الرحمن، وتركوا ما سمعت أنا. وأخرج الطّبرانيّ (4) عن مسلم ابن العلاء الحضرمي في آخر حديثه بلفظ:"سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب". وأخرج البيهقي (5)، عن المغيرة في حديثه الطَّويل مع فارس، وقال فيه: فأمرنا

(أ) في جـ: بربر. والمثبت من مصدر التخريج.

_________

(1)

الأم 4/ 174.

(2)

البيهقي 9/ 190.

(3)

أبو داود 3/ 165، 166 ح 3044، والبيهقيّ 9/ 190.

(4)

الطّبرانيّ 19/ 437 ح 1059.

(5)

البيهقي 19/ 191.

ص: 284

نبينا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتَّى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية. وكان أهل فارس مجوسًا.

فهذه الأحاديث تدل على أخذ الجزية من المجوس عربًا كانوا أو عجمًا، وقد ذهب إلى هذا جمهور السلف والخلف، وروي عن الحنفية أنَّه تؤخذ من مجوس المعجم، ولا تؤخذ من مجوس العرب، والحديث دليل عليهم.

واختلف العلماء فيمن تؤخذ منه الجزية، فذهب أبو حنيفة والعترة إلى أنها تؤخذ من أهل الكتاب عجمًا كانوا أو عربًا، ومن غير الكتابي العجمي، ولا تقبل من العربي الذي ليس بكتابي، وروى في "البحر" قولًا للشافعي أنَّه تقبل من العربي الذي ليس بكتابي إلَّا القرشي، ولعل حجتهم ما تقدم في حديث بريدة:"فإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك وإلا فسلهم الجزية"(1). وتخصيص قريش لما ظهر من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم يأخذها من أحد من قريش ولا دعاهم إليها، والمشهور عن الشَّافعي أنها تقبل من أهل الكتاب عجمًا كانوا أو عربًا ومن المجوس، ولا تقبل من غيرهم، وحديث بريدة وارد على من ذهب إلى التّقييد، وقد يجاب عنه بأن حديث بريدة متقدم، وآية "براءة" في قتال المشركين عامة متأخرة في عام الفتح فتكون ناسخة، إلَّا ما ذكر فيها من آية الجزية من أهل الكتاب وحديث المجوس. ولكنه لا يتم الجواب على قول من بنى العام على الخاص مطلقًا، أو يجعل الخاص المتقدم مخصصًا للعام المتأخر، فيلزم الشَّافعي العمل به دون أبي حنيفة، وفي حديث:"سنوا بهم سنة أهل الكتاب". ما يدل على أن المجوس ليسوا أهل كتاب، وقد روى الشَّافعي وعبد الرَّزاق (2) وغيرهما

(1) تقدم ح 1057.

(2)

الشَّافعي في الأم 4/ 173، وعبد الرَّزاق 10/ 327، 328 ح 19262.

ص: 285

بإسناد حسن عن علي رضي الله عنه: كان المجوس أهل كتاب يقرءونه وعلم يدرسونه، فشرب أميرهم الخمر، فوقع على أخته أو علي بنته، فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم، وقال: إن آدم كان ينكح أولاده بناته. فأطاعوه وقتل من خالفه، فأسري على كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه، فلم يبق عندهم منه شيء. وروى عبد بن حميد (1) في تفسير سورة "البروج" عن علي نحوه، وقال في آخره: فوضع الأخدود لمن خالفه. إلَّا أنَّه يقال بعد أن أسري على كتابهم وعلى ما في قلوبهم من الكتاب: لم يبقوا حينئذ أهل كتاب؛ لأنَّ الظاهر من إطلاق إضافة الأهل إلى الكتاب أن يكون الكتاب معروفًا عندهم معلومة ألفاظه، فلا يدخلوا في عموم الآية؛ ولذلك احتيج إلى الاحتجاج بحديث عبد الرحمن. وقال الإمام يَحْيَى: وأمَّا المتمسكون بصحف إبراهيم وإدريس وزبور داود فلهم حكم الكتابيين في الجزية والمناكحة والذبائح. وقيل: يكونون كالوثني؛ لأنَّ كتبهم لم يكن فيها أحكام بل مواعظ وقصص، فلا حكم لها، وأمَّا الصابئة من النصارى والسامرية من اليهود فلهم حكمهم. وقيل: لا؛ لمخالفتهم كتابهم، وأمَّا عابدو الأفلاك، يعني الأفلاك السبعة فكالوثني. قال الإمام يَحْيَى: ولذراري أهل الكتاب حكمهم في أخذ الجزية وتقريرهم، سواء بدلوا كتبهم أم لا؛ لعموم:{وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (2).

انتهى ما رواه في "البحر" عن الإمام يَحْيَى وغيره.

(1) عبد بن حميد -كما في تخريج أحاديث الكشاف 4/ 183.

(2)

الآية 29 من سورة التوبة.

ص: 286