الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدار الجزية
1093 -
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل حالم دينارًا، أو عدله معافريا. أخرجه الثلاثة، وصححه ابن حبان والحاكم (1).
الحديث أعله ابن حزم (2) بالانقطاع، وأن مسروقًا لم يلق معاذًا، وفيه نظر. وقال التِّرمذيُّ: حديث حسن، وذكر أن بعضهم رواه مرسلًا، وأنه أصح. وقال أبو داود (3): إنه منكر، قال: وبلغني عن أحمد أنَّه كان ينكر هذا الحديث إنكارًا شديدًا. قال البيهقي (4): إنَّما المنكر رواية أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن معاذ، فأمَّا رواية الأعمش عن أبي وائل عن مسروق فإنَّها محفوظة، قورواها عن الأعمش جماعة؛ منهم سفيان الثوري (5)، وشعبة (6)، ومعمر (7)، وجرير (8)، وأبو عوانة (8)، ويحيى بن
(1) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة 2/ 103، 104 ح 1576، 1577، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر 3/ 20 ح 623، والنَّسائيُّ، كتاب الزكاة، باب زكاة البقر 5/ 26، وابن حبان، كتاب السير، باب الذمي والجزية 11/ 244، 245 ح 4886، والحاكم 1/ 398.
(2)
المحلى 5/ 429.
(3)
الذي في السنن 3/ 165 أن قول أبي داود هذا تعليق على حديث عليّ (3040) قال: لئن بقيت نصارى بني تغلب لأقتلن المقاتلة ولأسبين الذرية، فإني كتبت الكتاب بينهم وبين النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على أن لا ينصروا أبناءهم. وذكر البيهقي 9/ 193 عن أبي داود هذا التعليق على حديث الباب.
(4)
السنن الكبرى 9/ 193.
(5)
أبو داود 2/ 104 ح 1578.
(6)
الطيالسي 1/ 416 ح 568.
(7)
عبد الرَّزاق 6/ 89، 10/ 330 ح 10099، 19268.
(8)
الشاشي في مسنده 3/ 253 ح 1353.
سعيد"؛ وحفص بن غياث، وقال بعضهم: عن معاذ، وقال بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن. أو ما في معناه.
والحديث فيه دلالة على تقدير الجزية بالدينار من الذَّهب على كل حالم؛ أي محتلم، والمراد البالغ، سمى البالغ حالًا باعتبار الأغلب، وقد جاء في بعض رواياته بلفظ محتلم، فظاهره: سواء كان غنيًّا أو فقيرًا. وقد ذهب إلى هذا الشَّافعي، قال (1): أقل ما يؤخذ من الجزية دينار، ويجوز الصلح بأكثر من ذلك. وذهب العترة وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن الجزية تكون من الغني ثمانية وأربعين درهمًا، ومن المتوسط أربعة وعشرين درهمًا، ومن الفقير اثني عشر درهمًا، وذلك كما وضعه عمر على أهل السواد لما بعث عثمان بن خيف (2).
قال الإمام المهدي: ولم ينكر فكان إجماعًا. وذهب مالك إلى أن القدر الواجب في ذلك إن كانوا من أهل الذَّهب فأربعة دنانير، وإن كانوا من أهل الفضة فأربعون درهمًا، كما فعل عمر (3)، وضيافة ثلاثة أيَّام، ومع ذلك أرزاق المسلمين لا يزاد على ذلك ولا ينقص. وقال أحمد بن حنبل: الجزية دينار أو عدله من المعافري لا يزاد عليه ولا ينقص؛ عملًا منه بحديث معاذ، وأن ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص. والشّافعيّ جعل ذلك حدا في جانب القلة، وأمَّا الزيادة فتجوز كما فعله عمر، وكما أخرجه أبو داود (4) من
(1) الأم 4/ 179.
(2)
ينظر مصنف أبن أبي شيبة 3/ 216، 217، 12/ 241، 242، والبيهقي 6/ 169.
(3)
ينظر الموطأ 1/ 279، والأم 4/ 180، من مصنف عبد الرزاق 6/ 87 ح 10095.
(4)
أبو داود 3/ 165 ح 3041.
حديث ابن عباس، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صالح أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صفر، والنصف في رجب يؤدونها إلى المسلمين، وعارية ثلاثين درعًا، وثلاثين فرسًا، وثلاثين بعيرًا، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح، يعيرونها المسلمين ضامنين لها حتَّى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد. قال الشَّافعي، رحمه الله تعالى (1): وقد سمعت أهل العلم من المسلمين ومن أهل الذمة من أهل نجران، يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر من دينار، وروى عن عمر أنَّه قال: دينار الجزية اثنا عشر درهمًا. وفي رواية: عشرة دراهم (2). فجعل ذلك من باب التقويم، ولعل الذَّهب كان الدينار منه يساوي ما ذكر من الفضة، وحديث معاذ متأيد بأحاديث أخرجها البيهقي (3). وقد ذهب البعض أنه لا توقيف في الجزية على حد في القلة ولا في الكثرة، وأن ذلك موكول إلى نظر الإمام، ويجعل هذه الأحاديث محمولة على التخيير والنظر في المصلحة.
وقوله: على كل حالم. فيه دلالة على أن الجزية تجب على الذكر دون الأنثى، قال ابن رشد (4): اتفقوا على أنها تجب بثلاثة أوصاف؛ الذكورية والبلوغ والحرية. قال: لأنها عوض عن القتل، وهو لا يقتل النساء والصبيان والعبيد، واختلفوا في المجنون والمقعد والشيخ وأهل الصوامع والفقير. قال: وكل هذه مسائل اجتهادية، ليس فيها توقيف شرعي، وسبب اختلافهم هل
(1) الأم 4/ 179.
(2)
ينظر التلخيص 4/ 127.
(3)
البيهقي 9/ 193، 194.
(4)
الهداية في تخريج أحاديث البداية 6/ 96.
يقتلون أم لا؟ ومثل هذا ما ذكره الإمام المهدي حيث قال: وإنَّما تؤخذ ممن جوز قتله، ولم يحك فيه في "البحر" خلافًا في هذا. وقد أخرج البيهقي (1)، عن الحكم بن عتيبة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كتب إلى معاذ باليمن:"على كل حالم أو حالمة دينار أو قيمته". وهو منقطع، وقد وصله أبو شيبة، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنه بلفظ:"فعلى كل حالم دينار أو عدله من المعافر، ذكرًا أو أنثى، حرًّا أو مملوكًا". قال البيهقي (2): وأبو شيبة ضعيف. وأخرج من كتاب عمرو بن حزم: "وعلى كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه من الثياب"(2). وفي إسناده انقطاع. وأخرج من حديث عروة نحوه، وفيه انقطاع أيضًا (2). قال الشَّافعي رحمه الله تعالى (3): سألت محمد بن خالد وعبد الله بن عمرو بن مسلم وعددًا من علماء أهل اليمن، وكلهم حكوا لي عن عدد مضوا قبلهم يحكون عن عدد مضوا، كلهم ثقة أن صلح النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لهم كان لأهل ذمة اليمن على دينار كل سنة، ولا يثبتون أن النساء كن فيمن يؤخذ منه الجزية، وقال عامتهم: ولم يؤخذ من زروعهم، وقد كان لهم زروع، ولا من مواشيهم شيئًا علمنا. وقال لي بعضهم؛ قد جاءنا بعض الولاة فخمس زروعهم، فأنكر ذلك عليه، فكل من وصف أخبرني أن عامة ذمة أهل اليمن من حمير. قال: وسألت عددًا كثيرًا من ذمة أهل اليمن متفرقين في بلدان اليمن، كلهم أثبت
(1) البيهقي 9/ 193، 194.
(2)
البيهقي 9/ 194.
(3)
الأم 4/ 179.
لي لا يختلف قولهم أن معاذًا أخذ منهم دينارًا عن كل بالغ منهم، وسموا البالغ حالمًا، قالوا: وكان في كتاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مع معاذ أن على كل حالم دينارًا. وكذلك روى الشَّافعي (1)، عن مطرف بن مازن قال: ليس أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذ من النساء ثابتًا عندنا. وأمَّا ما رواه عبد الرَّزاق (2)، عن معمر، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ أن على كل حالم أو حالمة دينارًا، فمعمر إذا روى عن غير الزُّهريّ يغلط كثيرًا. والله أعلم. وقد حمله ابن خزيمة إن كان محفوظًا على أخذها منها إذا طابت بها نفسًا.
وقوله: معافريًّا. بفتح الميم؛ أي ثيابًا منسوبة إلى معافر، وهي بلد باليمن واسم أبي حي بن هَمدان تنسب إليها الثياب، وأعلم أن ظاهر سياق حديث معاذ وحديث بريدة مر أنَّه يجب قبول الجزية ممن بذلها ويحرم قتله، ويفهم من قوله سبحانه وتعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} (3). أن غاية وجوب قتال أهل الكتاب إلى إعطاء الجزية، وينقطع وجوب القتال بذلك، وأمَّا جوازه وعدم قبول الجزية فلا تدل عليهما الآية، إلَّا أنَّه إذا كان الأمر بالقتال مغيًّى بهذه الغاية، فينتفي الأمر عند حصول الغاية، وإذا انتفى الأمر كان محصورًا؛ لأنَّه يرجع إلى التحريم العقلي لإيلام الحيوان، فلا يكون ذلك مباحًا؛ لعدم دليل الإباحة. والله أعلم (4).
(1) الأم 4/ 179.
(2)
عبد الرَّزاق 6/ 89 ح 10099.
(3)
الآية 29 من سورة التوبة.
(4)
بعده في بلوغ المرام ص 295: وعن عائذ بن عمرو المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسلام يعلو ولا يعلى". أخرجه الدارقطني. وليس في المخطوط. وينظر سبل السَّلام 4/ 140.
1094 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه". رواه مسلم (1).
الحديث فيه دلالة على أنَّه لا يبتدئ المسلمُ اليهوديَّ والنصرانيَّ بالسلام إذا كان منفردًا عن مسلم، وأن النَّهي على ظاهره من اقتضائه التحريم، وقد ذهب إلى هذا أكثر العلماء وعامة السلف، وذهب طائفة إلى جواز الابتداء لهم بالسلام، وروي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز (2). وهو وجه لبعض الشَّافعية، حكاه الماوردي، قال: لكنَّه يقول: السَّلام عليك، ولا يقال: السَّلام عليكم. بالجمع. ويحتج لذلك بعموم قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (3). وعموم الأحاديث الواردة في (أ) إفشاء السَّلام، ويجاب عن ذلك بأنه عموم مخصوص. وذهب بعض الشَّافعية إلى أنَّه يكره ولا يحرم. ويجاب عنه بأن النَّهي حقيقة في التحريم، وحكى القاضي عياض (4) أنَّه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة والسبب. وهو قول علقمة والنخعي. وعن الأوزاعي أنَّه قال: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن
(أ) هنا ينتهي الخرم في مخطوط (ب) المشار إليه في 7/ 295.
_________
(1)
مسلم، كتاب السَّلام، باب النَّهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم 4/ 1707 ح 2167.
(2)
ابن أبي شيبة 8/ 625 - 628.
(3)
الآية 83 من سورة البقرة.
(4)
ينظر شرح مسلم 14/ 145.
تركت فقد ترك الصالحون. وأمَّا إذا كان مع المسلم كافر فيجوز الابتداء بالسلام ويقصد بذلك المسلم، وقد سلم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين، وظاهر مفهوم "لا تبدءوا". أنَّه يجوز الجواب عليهم بل يجب، ولعموم قوله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} (1). الآية، وقد جاء الأمر بذلك في عدة أحاديث، قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم"(2). وفي رواية: إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم؟ قال: "قولوا: وعليكم"(3). وفي رواية: "إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم: السام عليكم. فقل (أ): عليك"(4). وفي رواية: "فقل: وعليك"(5). أخرجها مسلم وغير ذلك. وقد اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا، لكن لا يقال لهم: وعليكم السَّلام، بل يقتصر على: وعليكم. أو بدون الواو فيقول: عليكم. وقد جاء ذلك في روايات (ب) مسلم، وأكثرها بإثبات الواو. وقال الخطابي (6): عامة المحدثين يروون هذا الحرف: "وعليكم"، بالواو، وكان ابن عيينة يرويه بغير الواو. قال الخطابي: وهذا هو الصواب؛ لأنَّه إذا حذف الواو صار كلامه بعينه مردودًا عليهم، خاصة وإذ أثبت الواو اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه. قال
(أ) في جـ: فقولوا.
(ب) في جـ: رواية.
_________
(1)
الآية 86 من سورة النساء.
(2)
مسلم 2163/ 6.
(3)
مسلم 2163/ 7.
(4)
مسلم 2164/ 8.
(5)
مسلم 2164/ 9.
(6)
معالم السنن 4/ 154.
النووي (1): إثبات الواو وحذفها جائز إن صحت به الروايات، وإن الواو وإن اقتضت المشاركة، فالموت هو علينا وعليهم فلا امتناع. قال القاضي عياض: وقال بعضهم: يقول: عليكم السِّلام. بكسر السِّين؛ أي الحجارة. وهذا ضعيف. فإن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يقر (أ) عائشة لمَّا قالت في الجواب عليهم: بل عليكم السام واللعنة. قال: "يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله". فالوقوف على الأدب النبوي والخلق المرضي هو الواجب.
وقوله "فاضطروه". فيه دلالة على أنَّه لا يترك للذمي صدر الطريق، بل يُدفع إلى أضيقه إذا كان في الوقت الذي يطرقه المسلمون، فإن خلت الطريق عن الزحمة فلا حرج، ويكون دفعه إلى أضيق الطريق بحيث لا يقع في [وهدة](ب)، ولا يصدمه جدار ونحوه. والله أعلم.
1096 -
وعن المسور بن مخرمة ومروان، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية. فذكر الحديث بطوله، وفيه:"هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض". أخرجه أبو داود، وأصله في البُخاريّ (2). وأخرج مسلم (3) بعضه من حديث أنس وفيه: أن من جاء
(أ) في ب: يقرر.
(ب) في ب، جـ: هذه. والمثبت من شرح مسلم 14/ 147.
_________
(1)
شرح مسلم 14/ 144، 145.
(2)
أبو داود، كتاب الجهاد، باب في صلح العدو 3/ 85، 86 ح 2765، 2766، والبخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط 5/ 329 ح 2731، 2732.
(3)
مسلم كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية في الحديبية 3/ 1411 ح 1784.
منكم لم نردَّه عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا. فقالوا: نكتب هذا يا رسول الله؟ قال: "نعم، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجًا ومخرجًا".
الحديث فيه دلالة على جواز مهادنة المسلمين مدة معلومة من غير جزية لمصلحة للمسلمين يراها الإمام، كما وقع في صلح الحديبية، فإنَّه كان على عشر سنين.
وفي قوله: "هذا ما صالح" إلى آخره. دليل على أنَّه يجوز أن يكتب في أول الوثائق وكتب الأملاك والصداق والعتاق ونحوها: هذا ما اشترى فلان. أو نحوه. وهذا الذي عليه جمهور العلماء، وعليه عمل المسلمين في جميع الأزمان والبلدان من غير إنكار، وأنه يكتفى (أ) بذكر الاسم المشهور من غير زيادة عليه، خلافًا لمن قال: لا بد من أربعة أسماء، المذكور وأبيه (ب) وجده ونسبه، وأنه يجوز مثل هذا الشرط، وهو أن نرد من جاءنا من الرجال مسلمًا ويكون الرد تخلية (جـ) لا مباشرة كما وقع في القصة المذكورة (د)، وعدم رد النساء لنزول قوله تعالى:{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} (1). فكانت ناسخة لعموم (هـ رد الجميع هـ)، وقيل: مُخصص. وقيل: إن الصلح إنَّما وقع
(أ) في جـ: يكفي.
(ب) في جـ: ابنه.
(جـ) في جـ: تجلية.
(د) ساقط من: ب.
(هـ- هـ) في ب: الرد للجميع.
_________
(1)
الآية 10 من سورة الممتحنة.
في حق الرجال دون النساء. وطلب قريش رجوع أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، إنَّما هو إرادة منهم أن يعمموا ذلك في حق الجميع، فأبى الله ذلك وأنزل فيه، وذكر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الحكمة في ذلك بقوله:"إنه من ذهب منا" إلى آخره.
فائدة: جاء في هذا الحديث أنَّه كتب الكاتب (أ): "هذا ما قاضى عليه". وفي رواية: "كاتب"(1). وفي رواية: "صالح عليه محمد رسول الله"(2). فقال سهيل بن عمرو: لو نعلم أنك رسول الله ما كذبناك ولا صددناك عن البيت، اكتب: محمد بن عبد الله. ثم قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أرني مكانها". (ب فأراه مكانها ب) فمحاها وكتب: بن عبد الله. فظاهر هذا اللفظ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كتب ذلك بيده على ظاهر هذا اللفظ، وهذا لفظ مسلم (3). وقد ذكر البُخاريّ (4) نحوه، وقال فيه: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وكتب. وزاد في طريق أخرى (5): ولا يحسن أن يكتب فكتب. فقيل: إن الله تعالى أجرى ذلك على يده، إما بأن كتب ذلك (جـ) بيده وهو غير عالم بما يكتب، أو
(أ) في ب: الكتاب.
(ب- ب) ساقط من: جـ.
(جـ) زاد بعده في ب: القلم.
_________
(1)
مسلم 3/ 1409 ح 90 - 1783.
(2)
أحمد 1/ 342.
(3)
مسلم 3/ 1410 ح 92 - 1783.
(4)
البُخاريّ 5/ 303 ح 2699.
(5)
هكذا قال المصنف، وإسناد الحديثين واحد. وينظر البُخاريّ 7/ 499 ح 4251. ولكن زاد في طريق أخرى: وكان لا يكتب. ينظر البُخاريّ 6/ 282 ح 3184.
أن الله تعالى علمه ذلك حينئذ حتَّى كتب، وجعل هذا زيادة في معجزته، فإنَّه كان أميًّا، فكما علمه ما لم يكن يعلم من العلم وجعله يقرأ ما لم يقرأ ويتلو ما لم يكن يتلو (أ)، كذلك علمه أن يكتب ما لم يكن يكتب وخط ما لم يخط بعد النبوة، أو أجرى ذلك على يده (ب). قالوا: وهذا لا يقدح في وصفه بالأمية وقد جاء (ب مؤيدًا لهذا ب) آثار عن الشعبي (1) وبعض السلف، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتَّى كتب، وقد روي مثل هذا عن أبي ذر وغيره، وذهب الأكثرون إلى منع هذا، وأنه يبطله (جـ) وصف الله تعالى له بالأمية وقوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} (2). وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنا أمة أميَّة لا نكتب ولا نحسب"(3). وهذا اللفظ الواقع في الرّواية أنَّه كتب، أي أمر بالكتابة كما جاء في رجم ماعز وقطع السارق وجلد الشارب ونحو ذلك؛ أي أمر بذلك، والقرينة على هذا ما جاء (د) في الرّواية الأخرى أنَّه قال لعلي:"اكتب: محمد بن عبد الله". وأجاب الأولون عن قوله: [وَلَا تَخُطُّه بِيَمِينِكَ}. أي من قبل تعليمه، كما قال: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ
(أ) بعده في جـ: و.
(ب) في ب: يديه.
(جـ- جـ) في جـ: بهذا.
(د) في جـ: يبطل.
(هـ) ساقط من: الأصل.
_________
(1)
ينظر الفتح 7/ 503، 504.
(2)
الآية 48 من سورة العنكبوت.
(3)
أخرجه البُخاريّ 4/ 126 ح 1913، ومسلم 2/ 761 ح 15 - 1080.
كِتَابٍ}. أي من قبل التعليم، فإن المعجزة أنَّه كان أولًا أميًّا، ثم جاء بالقرآن وبعلوم (أ) لا يعلمها الأمي. ورواية البُخاريّ: ولا يحسن أن يكتب فكتب. نص صريح في أنَّه الكاتب بنفسه، فالعدول إلى غيره مجاز لا ضرورة إليه، وأما أمره لعلي فيمكن الجمع بأنه أمر أولًا، ثم لما لم يكتب علي ويمح الاسم الشريف قال له صلى الله عليه وسلم:"أرني مكانها". فأراه مكانها، فمحاها وكتب، وكأن عليًّا رضي الله عنه لم يستحسن مَحْيَ (ب) ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبادر إلى ذلك رجاء إعفائه عن ذلك. والله سبحانه أعلم.
1097 -
وعن عبد الله بن عمرو (جـ) رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا". أخرجه البُخاريّ (1).
الحديث أخرجه البُخاريّ في الجزية في باب: إثم من قتل معاهدًا بغير جرم. وذكره في الديات (2) في باب: من قتل ذميًّا بغير جرم. وذكر في
(أ) في جـ: معلوم.
(ب) في جـ: محو. وكلاهما بمعنى.
(جـ) كذا في ب، جـ، وبلوغ المرام ص 296، وسبل السَّلام 4/ 144، وفي صحيح البُخاريّ: عمرو. قال ابن حجر في الفتح 6/ 270: اتفقت النسخ على أن الحديث من مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، إلَّا ما رواه الأصيلي عن الجرجاني عن الفربري فقال: عبد الله بن عمر. بضم العين بغير واو وهو تصحيف نبه عليه الجباني. وينظر تحفة الأشراف 6/ 377.
_________
(1)
البُخاريّ، كتاب الجزية والموادعة، باب إثم من قتل معاهدًا بغير جرم 6/ 269، 270 ح 3166.
(2)
البخاري 12/ 259 ح 6914.
الحديث: "معاهدًا"، والمراد بالمعاهد من له عهد مع (أ) المسلمين، سواء كان بعقد جزية، أو بأمان من مسلم، أو عقد هدنة من سلطان، وقد جاء في رواية للبخاري (1) بلفظ:"من قتل نفسًا معاهدًا له ذمة الله وذمة رسوله" الحديث. ولم يكن في هذه الرّواية تقييد: "بغير جرم". وقد جاء في بعض روايات البُخاريّ (2) تقييد بلفظ: "بغير حق". وأخرج النَّسائيّ وأبو داود (3) بلفظ: "بغير حلها". والتقييد مستفاد أيضًا من قواعد الشرع.
وقوله: "لم يرح". بفتح الياء والراء المهملة وأصله يراح؛ أي لم يجد الريح. وحكى ابن التين ضم أوله وكسر الراء. قال: والأول أجود وعليه الأكئر. وحكى ابن الجوزي فتح أوله وكسر ثانيه؛ من راح يريح.
وقوله: "من مسيرة أربعين". كذا وقع لجميع الطرق التي في البُخاريّ، وجاء عند الإسماعيلي "سبعين عامًا". وكذا عند التِّرمذيِّ (4) من حديث أبي هريرة:"سبعين خريفًا". وكذا عند البيهقي (5) من رواية صفوان بن سليم عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذا عند أحمد (6)
(أ) في جـ: من.
_________
(1)
الحديث ليس في البُخاريّ بل عند التِّرمذيِّ 4/ 13 ح 1403، وينظر الفتح 12/ 259.
(2)
هذه الرّواية ليست عند البُخاريّ، ولكنها رواية أبي معاوية عند ابن أبي شيبة 9/ 426. وينظر الفتح 6/ 270.
(3)
النَّسائيّ 8/ 25، وأبو داود 3/ 84 ح 2760.
(4)
هو الحديث المتقدم تخريجه في حاشية (1).
(5)
البيهقي 9/ 205.
(6)
أحمد 4/ 61.
عن رجل عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. وعند الطّبرانيّ (1) من حديث أبي هريرة بلفظ: "من مسيرة مائة عام". وفي الطّبرانيّ (2) عن أبي بكرة: "خمسمائة عام". وفي "الموطأ"(3) من حديث آخر كذلك. وفي "مسند الفردوس"(4) عن جابر: "إن ريح الجنة ليدرك من مسيرة ألف عام". وقد جمع العلماء بين هذه الروايات المختلفة؛ فقال ابن بطال (5): الأربعين والسبعين هي باعتبار المدة التي تكون عمرًا للإنسان، فمن بلغ عمره أربعين سنة، وهي زمان الأشد، زاد عمله ويقينه وندمه (أ)، فكأنه قد وجد ريح الجنة الذي يبعثه على الطاعة، والسبعون هي آخر المعترك، ويعرض [عندها](ب) الندم وخشية هجوم الأجل فتزداد الطاعة، فكأنه قد وجد ريح الجنة، وقال في الخمسمائة: إنَّها مدة الفترة بين الأنبياء، فمن جاء في آخرها وآمن بالنبيين يكون أفضل من غيره. وقال الكرماني (6): إن العدد ليس مقصودًا في نفسه، والمقصود المبالغة في التكثير؛ لأنَّ الأربعين اشتملت على الآحاد؛ آحاده عشرة، والمائة عشرات، والألف مئات، والسبعين (7) عدد فوق العدد الكامل؛ وهو ستة، إذ أجزاؤه
(أ) في جـ: قدمه.
(ب) في ب، جـ: عنها. والمثبت من مصدر التخريج.
_________
(1)
الطّبرانيّ في الأوسط 1/ 206 ح 663.
(2)
الطّبرانيّ في الأوسط 1/ 137 ح 431.
(3)
الموطأ 2/ 913.
(4)
مسند الفردوس 2/ 398 ح 3079.
(5)
شرح ابن بطال 8/ 564.
(6)
فتح الباري 12/ 260.
(7)
في مصدر التخريج: (والسبع).
مقدرة وهي النصف والثلث والسدس بغير زيادة ولا نقصان، والخمسمائة هي بُعْدُ ما بين السماء والأرض. وقال المصنف (1) رحمه الله تعالى ما حاصله أن ذلك الإدراك في موقف القيامة، وأنه يتفاوت بتفاوت مراتب الأشخاص، فالذي يدركه من مسيرة خمسمائة أفضل من صاحب السبعين، إلى آخر ذلك. قال: وقد أشار إلى ذلك شيخنا في "شرح التِّرمذيِّ". ثم قال: ورأيت نحوه في كلام ابن العربي. قال ابن بطال (2): وقد احتج المهلب بهذا الحديث على أن المسلم إذا قتل المعاهد أو الذمي لا يقتص منه. قال: لأنَّه اقتصر فيه على الوعيد الأخروي دون الدنيوي. وقد تقدم الكلام في ذلك.
(1) الفتح 12/ 260.
(2)
شرح ابن بطال 8/ 563.