المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حد السرقة - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ٩

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌باب حد السرقة

‌باب حد السرقة

1021 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا". متفق عليه (1) واللفظ لمسلم. ولفظ البخاري: "تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا". وفي رواية لأحمد (2): "اقطعوا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك".

الحديث فيه دلالة على أنه يعتبر في الشيء المسروق أن يبلغ هذا القدر وهو ربع دينار فأكثر من ذلك؛ لأن معنى قوله: "فصاعدًا". أي فزائدًا على ذلك، وهو منصوب على الحالية، ويستعمل بالفاء وبثم، ولا يستعمل بالواو، قال ابن جني (3): هو حال مؤكدة؛ لأن معناه: ولو زاد. وإذا زاد لم يكن إلا صاعدًا. وقد جاء في بعض ألفاظ الحديث: "فما فوقه". بدل قوله: "صاعدًا".

واشتراط النصاب هو قول الجمهور، والخلاف في ذلك للحسن

(1) البخاري، كتاب الحدود، باب قول الله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 12/ 96 ح 6789، 6790، ومسلم، كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها 3/ 1312 ح 1684/ 2 - 4، وأبو داود، كتاب الحدود، باب ما يقطع فيه السارق 3/ 133 ح 4384، والترمذي، كتاب الحدود، باب ما جاء في كم تقطع يد السارق 4/ 40 ح 1445، والنسائي، كتاب قطع السارق، باب ذكر اختلاف أبي بكر بن محمد وعبد الله بن أبي بكر عن عمرة في هذا الحديث 8/ 79، 80، وابن ماجه، كتاب الحدود، باب حد السارق 2/ 862 ح 2585.

(2)

أحمد 6/ 80.

(3)

الفتح 12/ 100.

ص: 81

البصري والخوارج والظاهرية، فقالوا: يقطع في القليل والكثير. وقال به أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي (1)؛ لعموم قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآية (2). وربما احتجوا بما أخرجه البخاري (3) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال صلى الله عليه وسلم:"لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده". والجواب عليهم (أ): أن الآية الكريمة مطلقة في جنس المسروق وقدره، والحديث بيان لها، وأما البيضة فليس المقصود أنه يقطع بسرق البيضة والحبل، وإنما المراد تحقير شأن السارق وخسارة ما ربحه من السرقة؛ وهو أنه إذا تعاطى هذه الأشياء الحقيرة وصار ذلك خلقًا له، جرأه على سرقة ما هو أكثر؛ الذي يبلغ قدر ما يقطع به، فليحذر هذا القليل قبل أن تملكه العادة، فيتعاطى سرقة ما هو أكثر من ذلك. ذكر معنى هذا التأويل [الخطابي](ب)(4) وسبقه إليه ابن قتيبة (5)، ونظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم:"من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة"(6). وقوله:

(أ) في جـ: عنه.

(ب) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

الفتح 12/ 106.

(2)

الآية 38 من سورة المائدة.

(3)

البخاري 12/ 97 ح 6799.

(4)

الفتح 12/ 82.

(5)

ينظر شرح البخاري لابن بطال 8/ 400، والفتح 12/ 82.

(6)

مفحص القطاة: موضعها الذي تجثم فيه وتبيض. والقطاة: واحدة القطا، وهو نوع من اليمام يؤثر الحياة في الصحراء. النهاية 3/ 415، والوسيط (ق ط ي).

والحدث أخرجه أحمد 1/ 241 من حديث ابن عباس، وابن ماجه 1/ 244 ح 738 من حديث جابر بن عبد الله.

ص: 82

"تصدَّقي ولو بظلف محرق"(1). ومن المعلوم أن مفحص القطاة لا يصح تسبيله (2)، ولا الصدقة بالظلف [المحرق](أ)؛ لعدم الانتفاع بهما فيما قصدوا، إنما المراد المبالغة في الترغيب، وأن القاصد لتسبيل المسجد يصل إلى الخير الذي ينتفع به، وأما تأويل الأعمش للحديث بأن المراد بالبيضة بيضة الحديد، والحبل حبل السفن، فغير مناسب؛ لأنهما ليسا علما لكثرة المسروق ولا لقلته، فلا يناسب المقام من تقبيح حال (ب) السارق ودناءة همته وخسران صفقته، وبعضهم صحيح تأويل الأعمش بما أخرجه ابن أبي شيبة (3) عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه، أنه قطع يد سارق في بيضة حديد، ثمنها ربع دينار. ورجاله ثقات مع انقطاعه، فيبطل حينئذ احتجاج المحتج به، إذا كان هذا الحديث واردًا في سياق هذه القصة. والقائلون بأن الموجب للقطع هو نصاب معروف اختلفوا في ذلك اختلافًا كثيرًا، انتهت الأقوال إلى عشرين قولًا، والمشهور المستند إلى أدلة ثابتة هو قولان؛ أحدهما: قول فقهاء الحجاز والشافعي وغيرهم.

والثاني: قول فقهاء العراق وأكثر أهل البيت.

(أ) ساقطة من: الأصل.

(ب) ساقطة من: جـ.

_________

(1)

الظلف: الظفر المشقوق للبقرة والشاة، والظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل، والحف للبعير. النهاية 3/ 159، والوسيط (ظ ل ف).

والحديث أخرجه أحمد 4/ 70، وأبو داود 1/ 387 ح 1668، والترمذي 3/ 52، 53 ح 665، والنسائي 5/ 81، 82 بنحوه.

(2)

أي جعله وقفا في سبيل الله. ينظر اللسان (س ب ل).

(3)

ابن أبي شيبة 9/ 470.

ص: 83

أما فقهاء الحجاز فإنهم أوجبوا القطع في ثلاثة دراهم من الفضة، وربع دينار من الذهب، واختلفوا فيما يقوَّم به غير الذهب والفضة؛ فقال مالك في المشهور: يقوَّم بالدراهم لا بربع دينار؛ يعني إذا اختلف صرفهما، مثل أن يكون ربع الدينار صرف درهمين مثلًا. وقال الشافعي: الأصل في تقويم الأشياء هو الذهب؛ لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها. قال الخطابي (1): ولذلك إن الصكاك القديمة كان يكتب فيها: عشرة دراهم وزن سبعة مثاقيل. فعرفت الدراهم بالدنانير وحصرت بها، حتى قال الشافعي: إن الثلاثة الدراهم إذا لم تكن قيمتها ربع الدينار لم توجب القطع. ويحتج له بما أخرجه ابن المنذر من طريق عمرة (2): أتي عثمان بسارق سرق أترجة، قوِّمت بثلاثة دراهم من حساب الدينار باثني عشر، فقطع. ومن طريق جعفر بن محمد عن أبيه، أن عليّا رضي الله عنه قطع في ربع دينار (أ) كانت قيمته درهمين ونصفًا (3). وقال مالك: يقوَّم بالدراهم لا بربع الدينار. وكل واحد منهما إذا سرق معتبر في نفسه لا يقوَّم بالآخر. وذكر بعض البغداديين عنه أنه ينظر في تقويم العروض بما كان غالبًا في نقود أهل البلد (4). قال ابن رشد من المالكية: وأظن أن في المذهب من يقول: إن ربع الدينار يقوَّم بالثلاثة دراهم. وقال يقول الشافعي في التقويم أبو ثور والأوزاعي وداود، وقال يقول مالك

(أ) زاد بعده في الأصل: و.

_________

(1)

معالم السنن 3/ 303، وينظر الفتح 12/ 106.

(2)

ابن أبي شيبة 9/ 471، 472، والبيهقي 8/ 260 عن عمرة به.

(3)

البيهقي 8/ 260.

(4)

الهداية في تخريج أحاديث البداية 8/ 597.

ص: 84

في التقويم بالدراهم أحمد.

وأما فقهاء العراق فالنصاب الموجب للقطع عندهم هو عشرة دراهم، ولا يجب في أقل من ذلك.

فعمدة القول الأول حديث عائشة رضي الله عنها، وهو مبين لإطلاق الآية الكريمة، وهو حديث ثابت في "الصحيحين"، وإن رواه مالك موقوفًا فقد أسنده غيره.

وعمدة القول الثاني ما أخرجه مالك (1) عن نافع عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن (2) قيمته ثلاثة دراهم. وأخرجاه في "الصحيحين"(3)، وأخرجه البيهقي (4) من طرق متعددة بهذا اللفظ، قالوا: فقد ثبت أنه قطع في المجن، ولكن [قيمته] (أ) ليس كما في هذه الرواية: ثلاثة دراهم. بل قيمته عشرة دراهم، فأخرج البيهقي والطحاوي (5) من حديث محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال: كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوَّم عشرة دراهم. وروي محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان ثمن (ب) المجن على

(أ) ساقطة من: الأصل.

(ب) في جـ: على.

_________

(1)

الموطأ 2/ 831.

(2)

المجن: الترس؛ لأنه يواري حامله، أي يستره، والميم زائدة. النهاية 1/ 308.

(3)

البخاري 12/ 97 ح 6795، ومسلم 3/ 1313، 1314 ح 1686/ 6.

(4)

البيهقي 8/ 256 - 262.

(5)

البيهقي 8/ 257، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 163 عن محمد بن إسحاق به.

ص: 85

عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم (1). فهذه الرواية معارضة للرواية الأولى أن قيمته ثلاثة دراهم، وإذا كان هذا الاختلاف فيما بين الصحابة في قيمة المجن، فالواجب الاحتياط فيما يستباح به العضو المحرم قطعه إلا بحقه، فيجب الأخذ بالمتيقن وهو الأكثر، وبمثل هذا قال ابن العربي المالكي (2) حيث قال: ذهب سفيان الثوري مع جلالته في الحديث على أن القطع لا يكون إلا في عشرة دراهم؛ وذلك أن اليد محترمة بالإجماع، فلا تستباح إلا بما أجمع عليه، والعشرة متفق على القطع بها عند الجميع، فيتمسك به ما لم يقع الاتفاق على ما دون ذلك. وهذا كلام حسن، وقد أجيب عن حديث ابن عباس بأن محمد بن إسحاق قد خالفه الحكم بن [عتيبة] (أ)؛ فرواه عن عطاء ومجاهد عن أيمن الحبشي قال: كان يقال: لا يقطع السارق إلا في ثمن المجن وأكثر. قال: وكان ثمن المجن يومئذ دينارًا (3). قال البخاري (4): تابعه شيبان عن منصور، وأيمن الحبشي من أهل مكة مولى ابن أبي (ب) عمرة (جـ) المكي، سمع عائشة، [روى](د) عنه ابنه عبد الواحد بن أيمن. قال

(أ) في جـ: عيينة.

(ب) ساقطة من: جـ.

(جـ) كذا في الأصل، جـ، وسنن البيهقي 8/ 257. وفي التاريخ الكبير: عمرو. وهو مولى عبد الله بن أبي عمرو

وقيل: مولى ابن أبي عمرة. تهذيب الكمال 3/ 451.

(د) في الأصل: رواه. وينظر مصدر التخريج.

_________

(1)

النسائي 8/ 84، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 163، والبيهقي 8/ 259 عن ابن إسحاق به.

(2)

الفتح 12/ 106.

(3)

أخرجه النسائي 8/ 82، 83، والبيهقي 8/ 257 عن الحكم به.

(4)

البخاري في تاريخه 2/ 25.

ص: 86

البيهقي (1): وروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعة. وكذا حديث ابن عمر [أخرجاه](أ) في "الصحيحين": أن قيمته ثلاثة دراهم. وأخرج البيهقي (2) من حديث عائشة رضي الله عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يقطع السارق فيما دون ثمن المجن". فقيل لعائشة رضي لله عنها: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار. قال الشافعي رحمه الله تعالى (3): وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم؛ وذلك أن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر درهمًا، وكان كذلك بعده، وفرض عمر الدية على أهل الورق اثنى عشر ألف درهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار. وأخرج (4) أن سارقًا سرق في زمن عثمان أترجة، فأمر بها عثمان فقوِّمت ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهمًا دينار، فقطع يده. قال مالك: وهي الأترجة التي يأكلها [الناس](ب). وأخرج (5) عن علي من حديث جعفر عن أبيه عن علي: القطع في ربع دينار فصاعدًا. ومن حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن علي، أنه قطع يد سارق في بيضة من حديد؛ ثمن ربع دينار (6).

إذا عرفت هذا، فقد ظهر صحة الاحتجاج بحديث الباب، وما اعتل به

(أ) في الأصل، جـ: أخرجه. وتقدم ص 85.

(ب) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

البيهقي 8/ 257.

(2)

البيهقي 8/ 256.

(3)

الأم 6/ 130، والبيهقي 8/ 256.

(4)

الأم 6/ 147، والبيهقي 8/ 262.

(5)

البيهقي 8/ 260 من طريق الشافعي عن غير واحد عن جعفر به.

(6)

عبد الرزاق 10/ 237 ح 18975، والبيهقي 8/ 260 عن جعفر بن محمد به.

ص: 87

الطحاوي في إعلاله، بأن الزهريّ اضطرب فيه لاختلاف الرواة عنه، فإن ابن عيينة رواه بلفظ: كان يقطع. وهذا كان كان هذا اللفظ ظاهرا في الإخبار عن زمن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن التقويم لما وقع لأجله القطع من عندها، فقولها: في ربع دينار. أي بما غلب في ظنها تقويمه به، ويحتمل أن تكون قيمته أكثر في نفس الأمر، وهذا غير وارد، فإن من البعيد أن تجزم بالأمر بالنظر إلى ظنها، ثم التقويم لا يتفاوت في العادة مثل هذا التفاوت، بأن يكون مقومه له بربع دينار، وهو يسوى عند غيرها دينارًا [أو](أ) يقل منه قليلًا، وجل الرواة عن الزهريّ رووه بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا لا يكون اضطرابًا مع إمكان الترجيح، مع أن ابن عيينة قد رواه مثل رواية الأكثر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وخالف في بعض رواياته، فيكون الاضطراب في روايته، فلا تكون قادحة في رواية غيره، ولا يسلم ترجيح روايته في الزهريّ كما ادعاه الطحاوي؛ فإن يحيى بن معين وأحمد بن صالح المصري رجحا يونس عليه، مع أنه يجوز أن تكون عائشة أخبرت يقول النبي صلى الله عليه وسلم وبفعله، فنقل عنها الروايتان، ولا مخالفة بينهما، مع أن حديث ابن إسحاق في تقويم المجن بعشرة دراهم رواه الطحاوي بلفظ: كان قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم. وفيه الاحتمال الذي أورده في حديث عائشة، وفي إسناده اضطراب كثير، وفي لفظ الطحاوي من رواية أيمن ابن أم أيمن: لا يقطع السارق إلا في حجفة (1). وقومت يومئذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

(أ) في الأصل، جـ: و. والمثبت يقتضيه السياق.

_________

(1)

الحجفة: الترس. النهاية 1/ 345.

ص: 88

دينارًا أو عشرة دراهم. وفي لفظ له: أدنى ما يقطع فيه السارق ثمن المجن، وكان يقوم يومئذ بدينار. وجمع المذاهب في المسألة العشرين:

الأول: القطع في كل قليل وكثير، تافه أو غير تافه. وهو قول أهل الظاهر والخوارج والحسن البصري [وأبي](أ) عبد الرحمن ابن بنت الشافعي، وإن كان الإمام المهدي ذكر في "البحر"(1) أنه قام الإجماع على أنه لا يقطع في اليسير كالبصلة، ولعله يحمل قولهم في التافه، هو ما كان له قيمة في نفسه.

ومقابل هذا القول القول الثاني: أنه لا يجب القطع إلا في أربعين درهمًا أو أربعة دنانير. نقله القاضي عياض (2) عن إبراهيم النخعي.

الثالث: مثل الأول (ب إلا الشيء التافه ب)؛ لحديث عروة: لم يكن القطع في الشيء التافه (3). وروي عن ابن الزبير، أنه قطع في نعلين (4). وعثمان في فخارة (2). وعمر بن عبد العزيز في مد أو مدين (2).

الرابع: تقطع في درهم فصاعدًا. وهو قول عثمان البتي (2) -بفتح

(أ) في الأصل، جـ: وأبو. والمثبت من الفتح 12/ 106.

(ب- ب) ساقط من: جـ.

_________

(1)

البحر 6/ 175.

(2)

ينظر الفتح 12/ 106.

(3)

ابن أبي شيبة 9/ 475، والبيهقي 8/ 255.

(4)

ابن أبي شيبة 9/ 472، 473.

ص: 89

الموحدة وتشديد التاء المثناة- من فقهاء البصرة، وربيعة من فقهاء المدينة، ونسبه القرطبي إلى عثمان ظنًّا أنه الخليفة، فأطلق.

الخامس: في درهمين. وهو قول الحسن البصري، جزم به ابن المنذر عنه (1).

السادس: فيما زاد على درهمين ولم يبلغ الثلاثة. أخرجه أبن أبي شيبة (2) بسند قوي عن أنس: أن أبا بكر قطع في شيء ما يساوي درهمين.

وفي لفظ: لا يساوي ثلاثة دراهم.

السابع: في ثلاثة دراهم، ويقوَّم ما عداها بها ولو كان ذهبًا. وهو رواية عن أحمد، وحكاه الخطابي عن مالك (3).

الثامن: مثله، لكن إذا كان المسروق ذهبًا فنصابه ربع دينار، وإن كان فضة فنصابه ثلاثة دراهم، وإن كان غيرهما؛ فإن بلغت قيمته ثلاثة دراهم قطع به، وإن لم تبلغ لم يقطع ولو كان نصف دينار. وهو قول لمالك المعروف عند أتباعه، وهو رواية عن أحمد، ويحتج له بما أخرجه أحمد (1) من تأويل عمرة لحديث عائشة: اقطعوا في ربع دينار، ولا تقطعوا في أدنى من ذلك. قالت: وكان ربع الدينار قيمته ثلاثة دراهم. ويجاب عنه بأن المرفوع نص فلا يرجع إلى الموقوف.

التاسع: مثله، إلا أنه إذا كان المسروق من غيرهما فما بلغ قيمة

(1) الفتح 12/ 106.

(2)

ابن أبي شيبة 9/ 471.

(3)

معالم السنن 3/ 302، وينظر الفتح 12/ 106.

ص: 90

أحدهما [قُطع به](أ). وهذا هو المشهور عن أحمد، ورواية عن إسحاق (1).

العاشر: مثله، لكن لا يكتفي بأحدهما إلا إذا كانا غالبين، فإن كان أحدهما غالبًا فهو المعول عليه. وهو قول جماعة من المالكية، وهذا هو الحادي عشر.

الثاني عشر: ربع دينار أو ما بلغ قيمته من فضة أو عرض. وهو مذهب الشافعي كما تقدم تقريره، وهو قول عائشة وعمرة وأبي بكر بن حزم وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والليث، ورواية عن إسحاق وعن داود، ونقله الخطابي (2) وغيره عن عمر وعثمان وعلي، وقد أخرجه ابن المنذر عن عمر بسند منقطع (3).

الثالث عشر: أربعة دراهم. نقله عياض عن بعض الصحابة، ونقله ابن المنذر عن أبي هرورة وأبي سعيد (3).

الرابع عشر: ثلث دينار. حكاه ابن المنذر عن أبي جعفر الباقر (3).

الخامس عشر: خمسة دراهم. وهو قول ابن شبرمة وابن أبي ليلى من فقهاء الكوفة، ونقل عن الحسن البصري (4)، وعن [سليمان بن](ب) يسار

(أ) ساقطة من: الأصل، جـ. والمثبت من مصدر التخريج.

(ب) في الأصل: سليمان، وفي جـ: سلمان ابن. والمثبت من مصدر التخريج.

_________

(1)

الفتح 12/ 106.

(2)

معالم السنن 3/ 302، وينظر الفتح 12/ 107.

(3)

ابن أبي شيبة 9/ 471، والبيهقي 8/ 262، وينظر الفتح 12/ 107.

(4)

الفتح 12/ 107.

ص: 91

أخرجه النسائي (1)، وجاء عن عمر: لا تقطع الخمس إلا في خمس. أخرجه ابن المنذر (2) من طريق منصور عن مجاهد عن سعيد بن المسيب عنه، وأخرج ابن أبي شيبة (3) عن أبي هريرة وأبي سعيد مثله، ونقله أبو زيد الدبوسي عن مالك وشذ بذلك.

السادس عشر: عشرة دراهم أو ما بلغ قيمتها من ذهب أو عرض. (أوهو قول أكثر أهل البيت وأبي حنيفة والثوري، وقد تقدم تقرره.

السابع عشر: دينار أو ما بلغ قيمته من فضة أو عرض أ). حكاه ابن حزم عن طائفة، وجزم ابن المنذر بأنه قول النخعي (4).

الثامن عشر: دينار أو عشرة دراهم أو ما يساوي أحدهما. حكاه ابن حزم أيضًا (4)، وأخرجه ابن المنذر (5) عن علي بسند ضعيف، وعن ابن مسعود بسند منقطع، قال: وبه قال عطاء (6).

التاسع عشر: ربع دينار فصاعدًا من الذهب، ومن غير الذهب كالفضة والعروض في القليل والكثير. وهو قول ابن حزم، ونقل ابن عبد البر نحوه عن

(أ- أ) ساقطة من: جـ.

_________

(1)

النسائي 8/ 82.

(2)

ينظر ابن أبي شيبة 9/ 472 عن سعيد بن المسيب، والفتح 12/ 107.

(3)

الفتح 12/ 107.

(4)

المحلي 11/ 351، وينظر الفتح 12/ 107

(5)

ينظر ابن أبي شيبة 9/ 474، والبيهقي 8/ 261، والخطابي في معالم السنن 3/ 303، وينظر الفتح 12/ 107.

(6)

ينظر ابن أبي شيبة 9/ 474، والنسائي 8/ 84، والبيهقي 8/ 260، والفتح 12/ 107.

ص: 92

داود، إلا إذا كان الشيء تافهًا، واحتج بأن التحديد في الذهب ثبت منصوصًا، ولم يثبت التحديد صريحًا في غيره، فتبقى الآية الكريمة على عمومها.

العشرون: المعتبر في التقويم بغالب نقد البلد؛ إن ذهبًا قوِّم ما عداه به، وإن فضة قوم بالفضة. وهذا مخرج من قول جماعة من المالكية.

1022 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في معين قيمتة ثلاثة دراهم. متفق عليه (1).

تقدم الكلام فيه.

1023 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده". متفق عليه (2).

تقدم الكلام فيه.

1024 -

وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أتشفع في حد من حدود الله؟ ". ثم قام فخطب. فقال: "أيها الناس، إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". متفق

(1) البخاري، كتاب الحدود، باب قول الله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} . وفي كم يقطع. 12/ 97 ح 6795، ومسلم، كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها 3/ 1313 ح 1686.

(2)

البخاري، كتاب الحدود، باب العبد السارق إذا لم يسم 12/ 81 ح 6783، ومسلم، كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها 4/ 1313 ح 1687.

ص: 93

عليه (1) واللفظ لمسلم. وله (2) من وجه آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها.

الحديث ورد في قصة المخزومية، واسمها فاطمة بنت الأسود بن عبد [الأسد](أ) بن عبد الله بن عمر، وهي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم، قتل أبوها كافرًا يوم بدر، قتله الحمزة بن عبد المطلب، ووهم من زعم أن له صحبة، وهي منسوبة إلى مخزوم بن يقظة -بفتح التحتانية والقاف بعدها ظاء معجمة مشالة- بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن مخزوم، ومخزوم أخو كتاب بن مرة الذي ينسب إليه بنو عبد مناف. وقيل: هي أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد. وهي بنت عم المذكورة، أخرجه عبد الرزاق (3). والأول أصح، وقد ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب"، وابن سعد في ترجمتها (ب) في "الطبقات" (4). وأما عبد الغني في "المبهمات" (5) فقال:

(أ) في الأصل: الأشد. وكتب فوقها: كذا. وينظر الإصابة 8/ 60.

(ب) في جـ: ترجمتهما.

_________

(1)

البخاري، كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان 12/ 87 ح 6788، ومسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود 3/ 1315 ح 1688.

(2)

مسلم 3/ 1315 ح 1688/ 10.

(3)

عبد الرزاق 10/ 203 ح 18832.

(4)

الاستيعاب 4/ 1891، والطبقات 8/ 263، 264،

(5)

المبهمات 2/ 1140.

ص: 94

فاطمة بنت أبي الأسود بنت أخي أبي (أ) سلمة. ولا منافاة؛ لاحتمال أن يكون الأسود كنيته أبو الأسود. وأما أم عمرو فلها قصة أخرى، ذكر ابن سعد (1) أنها خرجت ليلًا فوقعت بركب نزلوا، فأخذت عيبة (2) لهم، فأخذها القوم فأوثقوها، فلما أصبحوا أتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم، فعاذت بحقوي أم سلمة، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت. وكان ذلك في حجة الوداع، وقصة المخزومية في عام الفتح، وأخطأ ابن الجوزي لما جعلها واحدة وأنها أم عمرو (3)، وابن طاهر وابن بشكوال (4) ترددا في القصة بين فاطمة وأُم عمرو، بناء على أنها قصة واحدة.

وقوله: "أتشفع في حد من حدود الله؟ ". الاستفهام فيه للإنكار، وكأنه قد كان سبق من النبي صلى الله عليه وسلم المنع من الشفاعة في الحد، فحسن الإنكار والجواب (ب) بالإنكار على أسامة.

وأصل الحديث واللفظ اللبخاري: أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلم رسوله الله صلى الله عليه وسلم، فقاله: "أتشفع

" الحديث. وبعد قوله: "أقاموا عليه الحد": "وايم الله، لو أن فاطمة بنت

(أ) زاد بعده في جـ: ابن.

(ب) بعد في جـ: علي.

_________

(1)

الطبقات 8/ 263.

(2)

العيبة: وعاء من أدم يكون فيها المتاع، والجمع عِياب وعيب. اللسان (ع ي ب).

(3)

الفتح 12/ 89.

(4)

إيضاح الأشكال لابن طاهر ص 132، وغوامض الأسماء لاين بشكوال 1/ 415، 416.

ص: 95

محمد سرقت لقطع محمد يدها".

وقد جاء أنها عاذت بأم سلمة، وأخرج الحاكم موصولًا وأبو داود (1) تعليقًا أنها عاذت بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد استشكل بأن زينب قد سبق موتها في جمادى في سنة سبع، وهذه غزوة الفتح في رمضان سنة ثمان، وقيل: المراد زينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم. ونسبتها إلى النبي مجاز، وقد جاء مصرحًا في رواية أحمد (2): بربيب (أ) النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء أيضًا من رواية عبد الرزاق (3) أنها عاذت بعمر بن أبي سلمة، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي أبه، إنها عمتي. وأراد بالعمة وإن كانت بنت عمه، لكبر سنها. والجمع بين الروايات أنها عاذت بأم سلمة وبنتها، وأنهم شفعوا فلم يشفعهم النبي صلى الله عليه وسلم، فطلب الجماعة من قريش من أسامة الشفاعة عسى أن يخصه النبي صلى الله عليه وسلم بالقبول، ولذلك قالوا: حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ب فلذلك رد ب) عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالإنكار، وقد جاء في رواية أنه قال: استغفر لي يا رسول الله. وقد جاء في مرسل حبيب بن أبي ثابت (4): فلما أقبل أسامة ورآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكلمني". فظاهره أنه لم يتكلم، وهي تخالف رواية البخاري: فكلمه. ويمكن الجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أقبل عرف ما يريد

(أ) في الأصل، جـ: زينب ربيبة. والمثبت من مصدر التخريج، والفتح 12/ 94.

(ب- ب) في جـ: فرد.

_________

(1)

الحاكم 4/ 379، وأبو داود 4/ 130 ح 4374.

(2)

أحمد 3/ 395.

(3)

عبد الرزاق 10/ 202 ح 18831.

(4)

ابن سعد في الطبقات 8/ 263.

ص: 96

من الكلام، فقال:"لا تكلمني". ثم حصل منه الاجتراء وكلم النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك جاء في رواية النسائي (1): فزبره. بفتح الزاي والموحدة؛ أي: أغلظ له في النهي حتى نسبه إلى الجهل. وفي رواية (2): فكلمه فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففي هذا دلالة على أنه وقع الكلام من أسامة بعد النهي؛ لما عرف من خلق النبي صلى الله عليه وسلم الكريم من حسن التعليم، وأنه ما زبر إلا لما وقع الاجتراء بعد النهي. وظاهر الإطلاق أن الشفاعة في الحد لا تصلح، وإن لم يكن قد رفع (أ) إلى السلطان، إلا أن البخاري أورد الحديث بعد أن ترجم الباب: باب كراهة الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان. وكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه من مرسل حبيب بن أبي ثابت، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسامة لما شفع فيها:"لا تشفع في حد، فإن الحدود إذا انتهت إلي فليس بمترك". وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رفعه:"تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب". فترجم له أبو داود (3): العفو عن الحد ما لم يبلغ السلطان. وصححه الحاكم (4). وسنده إلى عمرو ابن شعيب صحيح، وأخرج أبو داود أيضًا، وأحمد، وصححه الحاكم (5)، من طريق يحيى بن راشد، قال: خرج علينا ابن عمر فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله

(أ) بعده في جـ: الأمر.

_________

(1)

النسائي 8/ 74.

(2)

مسلم 3/ 1315 ح 1688/ 9، والنسائي 8/ 74، 75.

(3)

أبو داود 4/ 131 ح 4376.

(4)

الحاكم 4/ 383.

(5)

أبو داود 3/ 304 ح 3597، وأحمد 2/ 70، والحاكم 2/ 27.

ص: 97

فقد ضاد الله في أمره". وأخرجه ابن أبي شيبة (1) من وجه [آخر] (أ) أصح منه عن ابن عمر موقوفًا. وللمرفوع شاهد من حديث أبي هريرة في "الأوسط" للطبراني (2)، وقال: "فقد ضاد الله في ملكه". وأخرجه أبو يعلى (3) عن علي، فذكر قصة ثم قال: قالوا: يا رسول الله -وقد أتي بسارق- أفلا عفوت؟ قال: "ذلك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود بينكم". وأخرج الطبراني (4) عن عروة بن الزبير قال: لقي الزبير سارقًا فشفع فيه، فقيل له: حتى يبلغ الإمام. قال: إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافعي والمشفع. وأخرج ابن أبي شيبة (5) بسند حسن أن الزبير وعمارًا وابن عباس أخذوا سارقًا فخلوا سبيله، قال عكرمة: فقلت: بئس ما صنعتم حين خليتم سبيله. فقالوا: لا أم لك، أما لو كنت أنت لسرك أن يخلى سبيلك. وأخرجه الدارقطني (6) مرفوعًا من حديث الزبير موصولَا بلفظ: "اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي، فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه". والموقوف هو المعتمد، وفي حديث صفوان عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم (7) في قصة الذي

(أ) ساقطة من: الأصل، جـ. والمثبت من الفتح 12/ 87.

_________

(1)

ابن أبي شيبة 9/ 465، 466.

(2)

الطبراني في الأوسط 7/ 252 ح 8552.

(3)

أبو يعلى 1/ 275 ح 328.

(4)

الطبراني في الأوسط 2/ 380 ح 2284.

(5)

ابن أبي شيبة 9/ 468.

(6)

الدارقطني 3/ 204، 205.

(7)

أحمد 3/ 401، وأبو داود 4/ 136 ح 4394، والنسائي 8/ 68، وابن ماجه 2/ 865 ح 2595، والحاكم 4/ 380.

ص: 98

سرق رداءه، وأراد ألا يقطعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"هلا قبل أن تأتيني به؟ ". وحديث ابن مسعود في قصة الذي سرق، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعه، وقال:"إنه ينبغي للإمام إذا انتهى إليه حد أن يقيمه، والله عفو يحب العفو"(1). وادعى ابن عبد البر الإجماع (2)، وكذا في "البحر" أنه يجب على السلطان الإقامة إذا بلغه الحد. وذكر الخطابي وغيره (3) عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذية الناس وغيره، فقال: لا يشفع في الأول مطلقا قبل الرفع وبعده، وفي الثاني تحسن الشفاعة قبل الرفع لا بعده. وفي حديث عائشة مرفوعًا:"أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم إلا في الحدود"(4). ويستفاد منه جواز الشفاعة فيمن يقتضي منه التعزير، ونقل ابن عبد البر الاتفاق على ذلك (5)، وتحمل الأحاديث الواردة في الستر على المسلم أن ذلك قبل الرفع إلى الإمام.

وقوله: "إنما أهلك". كذا في رواية قتيبة، وجاء في رواية أبي الوليد:"إنما ضل". وفي رواية سفيان عن النسائي (6): "إنما هلك بنو إسرائيل". وظاهر الحصر أنه كان سبب هلاك من تقدم على جهة العموم، و (أ) بني إسرائيل كما في رواية سفيان؛ بسبب تضييع حد السرقة. ولعل المراد من

(أ) في جـ: أو.

_________

(1)

أحمد 1/ 419.

(2)

التمهيد 11/ 224.

(3)

الفتح 12/ 95.

(4)

أبو داود 4/ 131 ح 4375.

(5)

الاستذكار 24/ 176، 177.

(6)

النسائي 8/ 72.

ص: 99

"أهلك" بسبب تضييع الحدود، فيكون عاما مخصوصا، وذكر حد السرقة في هذا الحديث؛ لأنه من جملة تضييع الحدود لأجل المحاباة، وقد أخرج أبو الشيخ في كتاب "السرقة"(1) عن عائشهّ مرفوعًا، أنهم عطلوا الحدود عن الأغنياء، وأقاموها على الضعفاء. وقد ذكر عن بني إسرائيل في قصة اليهوديين اللذين زنيا، وفي حديث ابن عباس أنهم كانوا يأخذون الدية من الشريف إذا قتل عمدًا، والقصاص من الضعيف (2)، وغير ذلك.

وقوله: "إذا سرق فيهم الشريف تركوه". جاء في رواية سفيان عند النسائي: "إذا أصاب فيهم الشريف الحد تركوه ولم يقيموه عليه".

وفي رواية إسماعيل بن أمية: "وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه".

وقوله: كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده. تقدم الكلام في المرأة، وهذه الرواية أخرجها مسلم، وأبو داود (3)، وأخرجه النسائي (4) من حديث الزهريّ بلفظ: استعارت [امرأة](أ) على ألسنة ناس -يُعرفون وهي لا تعرف-[حليًّا](ب) فباعته وأخذت ثمنه. الحديث. وأخرجه عبد الرزاق (5) بسند صحيح إلى أبي بكر بن عبد الرحمن أن امرأة جاءت، فقالت: إن

(أ) في الأصل، جـ: المرأة. والمثبت من مصدر التخريج، والفتح 12/ 89.

(ب) ساقطة من: الأصل، جـ. والمثبت من مصدر التخريج، والفتح 12/ 89.

_________

(1)

أبو الشيخ في كتاب السرقة -كما في الفتح 12/ 94.

(2)

البخاري 8/ 176 ح 4498، والنسائي 8/ 37.

(3)

مسلم 3/ 1316 ح 1688/ 10، وأبو داود 4/ 130 ح 4374.

(4)

النسائي 8/ 73.

(5)

عبد الرزاق 10/ 202، 203 ح 18832.

ص: 100

فلانة، [تستعيرك](أ) حليًّا. فأعارتها إياه، فمكثت لا تراه، فجاءت إلى التي استعارت لها تسألها، فقالت: ما استعرتك شيئًا. فرجعت إلى الأخرى فأنكرت، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاها فسألها، فقالت: والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئًا. فقال: "اذهبوا إلى بيتها تجدوه تحت فراشها". فأتوه فأخذوه، وأمر بها فقطعت. الحديث.

وأخرج النسائي (1) أيضًا عن إسحاق بن راهويه [عن سفيان](ب) عن الزهريّ عن عروة بلفظ: كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده. الحديث. وأخرج أبو داود والنسائي وأبو عوانة في "صحيحه"(2) من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر، أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها. وأخرجه النسائي وأبو عوانة (3) أيضًا من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ: استعارت حليا. فهذه الروايات تصحح رواية الاستعارة، وبهذا يرد على من قدح في الرواية بأن معمرا تفرد (جـ) عن الزهريّ بقوله: استعارت وجحدت. فإنه قد تابعه عن الزهريّ شعيب ويونس، وتأيدت بما عرفت من الطرق الدالة على ثبوت الرواية.

والحديث فيه دلالة على أن جاحد العارية يجحب عليه القطع، وقد ذهب

(أ) في الأصل، جـ: تستعير. والمثبت من مصدر التخريج، والفتح 12/ 90.

(ب) ساقطة من: الأصل، جـ. والمثبت من مصدر التخريج، والفتح 12/ 90.

(جـ) في جـ: انفرد.

_________

(1)

النسائي في الكبرى 4/ 332 ح 7381.

(2)

أبو داود 4/ 136 ح 4395، والنسائي 8/ 70، وأبو عوانة 4/ 114 ح 6243.

(3)

النسائي 8/ 71، وأبو عوانة 4/ 119 ح 6244.

ص: 101

إلى هذا أحمد بن حنبل وإسحاق وأهل الظاهر، وانتصر له ابن حزم من الظاهرية، وفيه دلالة واضحة، فإنه رتب القطع على جحد العارية في القصة المذكورة، وذهب الجمهور إلى أنه لا يوجب القطع، قالوا: لأن الآية الكريمة ذكر فيها السارق، والجاحد لا يسمى سارقًا. ورد هذا ابن القيم (1)، وقال: إن الجحد داخل في اسم السرقة. قال: ولا يلزم القطع في جحد الغاصب والمختلس؛ للفرق في ذلك، وهو أن السارق وجاحد العارية لا يمكن الاحتراز منهما، بخلاف المختلس والمنتهب. قال: ولا شك أن الحاجة ماسة بين الناس إلى العارية، فلو علم المعير أن المستعير إذا جحد لا شيء عليه [لجر](أ) ذلك إلى سد باب العارية، وهو خلاف ما تدل عليه حكمة الشرع، بخلاف ما إذا علم أنه يقطع، فإن ذلك يكون أدعى لاستمرار العارية. انتهى.

وقد [فرَّ من](ب) هذا بعض من قال بذلك، فخص القطع بمن استعار على لسان غيره مخادعًا للمستعار منه، ثم تصرف في العارية، وأنكرها لما طولب بها، فإن هذا لا يقطع بمجرد الخيانة، بل لمشاركة السارق في أخذ المال خفية. [غير] (جـ) أن ابن المنذر نقل عن إياس بن معاوية أنه قال: المختلس يقطع. وكأنه ألحقه بالسارق؛ لاشتراكهما في الأخذ خفية، ولعله يسميه

(أ) في الأصل، جـ: بحر. والمثبت من الفتح 12/ 92.

(ب) في الأصل، جـ: قرر. والمثبت من الفتح 12/ 93.

(جـ) في الأصل، جـ: مع. والمثبت أنسب للسياق، وينظر الفتح 12/ 92.

_________

(1)

زاد المعاد 5/ 50، وإعلام الموقعين 2/ 80 - 82، وينظر الفتح 12/ 92.

ص: 102

سارقًا كما قال ابن الجوزي. وأخرج (أ) البيهقي (1) عن الفقهاء من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون: على الطَّرَّار (2) القطع. وكانوا يقولون: لا [قطع](ب) إلا فيما بلغت قيمته ربع دينار فصاعدًا. وقال الجمهور: إنه ورد حديث المخزومية من طريق عائشة وجابر وعروة بن الزبير ومسعود بن الأسود، أخرجها البخاري ومسلم والبيهقي وغيرهم مصرحًا فيه بذكر السرقة، بل في رواية مسعود أنها سرقت قطفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحديث مسعود صححه الحاكم، وأخرجه ابن ماجه، وعلقه أبو داود والترمذي (3). وأخرجه أبو الشيخ في "كتاب السرقة"، ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليًّا (4). والجمع ممكن بأن يكون الحلي في القطيفة، فسرقت الظرف والمظروف، وأفرد الرواة ذكر أحدهما عن الآخر. وأخرج عبد الرزاق (5) من حديث عمرو بن دينار، أن الحسن أخبره قال: سرقت امرأة -قال عمرو: وحسبت أنه قال: من ثياب الكعبة. الحديث. وسنده إلى الحسن صحيح.

(أ) زاد بعده في الأصل: أيضًا.

(ب) في الأصل: يقطع.

_________

(1)

البيهقي 8/ 269.

(2)

الطَّرَّارُ: النشال يشق ثوب الرجل ويسل ما فيه. الوسيط (ط ر ر).

(3)

ابن ماجه 2/ 851 ح 2548، وأبو داود 4/ 130 ح 4374 تعليقا، والبيهقي 8/ 281، وصححه الحاكم 4/ 379، 380، وتقدم تخريج حديث عائشة وجابر وعروة بن الزبير. ولم يخرجه الترمذي كما قال المصنف، بل أخرج حديث عائشة وقال عقبه: وفي الباب عن مسعود بن العجماء. وهو مسعود بن الأسود. وينظر الفتح 12/ 89.

(4)

تقدم تخريجه ص 96.

(5)

عبد الرزاق 10/ 202 ح 18831.

ص: 103

وقد يمكن الجمع مع بُعده أن ذلك الثوب هو قطيفة، وأنه من ثياب الكعبة، ولعله كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوضع على الكعبة، وهو مهدى لها، والأرجح الأول، فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرقة، فرواية أنها جحدت العارية لا تدل على أن القطع كان لها؛ أما أولًا: فلأنها مخالفة لمفهوم الآية الكريمة، فإن مفهوم الصفة يدل على أنه لا قطع بغير السرقة. وثانيًا: إمكان أن يقال: إن ذكر العارية إنما هو لمجرد التعريف بما اشتهر من وصف المرأة المذكورة، فالعارية وجحدها قد صار لها خلقًا معروفًا، فعرفت المرأة به، والقطع كان للسرقة. وهذا معنى ما أجاب به الخطابي (1)، وتلقاه عنه غيره من الأئمة كالبيهقي والنووي (أ)(2). ويؤيد هذا ما قيل في ذكر فاطمة رضي الله عنها، وقد نزهها الله تعالى وطهرها عن نسبة مثل هذا النقص إليها. ويؤيد هذا حديث (3):"ليس على خائن، ولا مختلس، ولا منتهب، قطع". وهو حديث قوي، أخرجه الأربعة، وصححه أبو عوانة والترمذي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر رفعه. وصرح ابن جريج في رواية النسائي بقوله: أخبرني أبو الزبير. وقال النسائي: رراه الحفاظ من أصحاب ابن جريج عنه عن أبي الزبير، ولم يصرح أحد منهم بالتحديث عن أبي الزبير، في لا أحسبه سمعه منه. وصرح ابن القطان بأنه من معنعن أبي الزبير، إلا أنه يخدش فيه أن أبا الزبير مدلس، وقد عنعنه عن جابر. لكن أخرجه ابن حبان من وجه آخر عن جابر بمتابعة أبي الزبير،

(أ) في جـ: الثوري.

_________

(1)

معالم السنن 3/ 309.

(2)

الفتح 12/ 91.

(3)

سيأتي ح 1025.

ص: 104

وأخرجه عبد الرزاق (1) بتصريح سماع أبي الزبير من جابر، فقوي الحديث، وأجمعوا على العمل [به](أ) إلا من شذ، كما نقل عن إياس بن معاوية.

1025 -

وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس على خائن، ولا منتهبٍ، ولا مختلس، قطع". رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان (2).

الحديث أخرجوه، والحاكم والبيهقي (3) من حديث أبي الزبير عن جابر. وفي رواية عند ابن حبان (4) عن ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي الزبير عن جابر. وليس فيه ذكر "الخائن". ورواه ابن الجوزي في "العلل"(5) من طريق مكي بن إبراهيم عن ابن جريج، وقال: لم يذكر فيه "الخائن". غير مكي.

قال المصنف (6) رحمه الله تعالى: قد رواه ابن حبان (7) أيضًا من حديث سفيان عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: "ليس على المختلس ولا على الخائن

(أ) ساقطة من: الأصل، جـ. والمثبت من الفتح 12/ 92.

_________

(1)

عبد الرزاق 10/ 206 ح 18844، 18845.

(2)

أحمد 3/ 380، وأبو داود 4/ 135 ح 4391 - 4393، والنسائي 8/ 88، 89، والترمذي 4/ 42 ح 1448، وابن ماجه 2/ 864 ح 2591، وابن حبان 10/ 309، 310 ح 4456، 4457.

(3)

البيهقي 8/ 279، وعزاه الحافظ في التلخيص 4/ 65 إلى الحاكم، ولم نجده فيه.

(4)

ابن حبان 10/ 309 ح 4456. 132

(5)

العلل المتناهية 2/ 308 ح 6.

(6)

التلخيص 4/ 65.

(7)

ابن حبان 10/ 311 ح 4458.

ص: 105

قطع". وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (1) عن أبيه: لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير، إنما سمعه من ياسين بن معاذ الزيات، وهو ضعيف (2). وكذا قال أبو داود، [وزاد] (أ): وقد رواه المغيرة بن أسلم عن أبي الزبير عن جابر. وأسنده النسائي (3) من حديث المغيرة. ورواه سويد بن نصر عن ابن المبارك عن ابن [جريج] (5): أخبرني أبو الزبير (4). وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن عوف، رواه ابن ماجه (5) بإسناد صحيح، وآخر من رواية الزهريّ عن أنس، أخرجه الطبراني في "الأوسط" (6) في ترجمة أحمد بن القاسم، ورواه ابن الجوزي في "العلل" (7) من حديث ابن عباس وضعفه.

قوله: "ليس على خائن". والمراد بالخائن الذي يظهر ما لا يضمره في نفسه، والخائن هنا هو الذي يأخذ المال خفية من مالكه مع إرائه له النصيحة والحفظ، والخائن أعم، فإنه قد تكون الخيانة في غير المال، ومنه {خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} (8). أي: ما يخون النظر من مسارقة النظر إلى ما لا يحل.

(أ) ساقطة من: الأصل، جـ. والمثبت من التلخيص.

(ب) في الأصل، جـ: جرير. والمثبت من مصدر التخريج والتلخيص.

_________

(1)

العلل 1/ 450.

(2)

ياسين بن معاذ الزيات أبو خلف، كان من كبار فقهاء الكوفة ومفتيها، قال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير 8/ 429، ميزان الاعتدال 4/ 358.

(3)

النسائي 8/ 89.

(4)

النسائي في الكبرى 4/ 347 ح 7463.

(5)

ابن ماجه 2/ 864 ح 2592.

(6)

الأوسط 1/ 162 ح 509.

(7)

العلل المتناهية 2/ 308 ح 1325.

(8)

الآية 19 من سورة غافر.

ص: 106

و "المنتهب": المغير، من النهبة، وهي الغارة والسلب. ولعل المراد به هنا ما كان على جهة الغلبة والقهر. و "المختلس": السالب، من: اختلسه إذا سلبه، قال في "النهاية" (1) في قوله صلى الله عليه وسلم:"ليس في النهبة ولا الخليسة قطع". أي ما يؤخذ سلبًا ومكابرة.

وقد تقدم الكلام في أحكام الحديث قريبا.

1026 -

وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا قطع في ثمر ولا أكثر". رواه المذكورون، وصححه أيضًا الترمذي وابن حبان (2).

وأخرج الحديث أيضًا مالك والحاكم والبيهقي (3)، واختلفوا في وصله وإرساله، وقال الطحاوي (4): هذا الحديث تلقته الأمة بالقبول. ورواه أحمد وابن ماجه (5) من حديث أبي هريرة، وفيه سعد بن سعيد المقبري، وهو ضعيف (6).

(1) النهاية 2/ 61.

(2)

أحمد 3/ 463، 4/ 140، وأبو داود 4/ 134، 135 ح 4388، 4389، والنسائي 8/ 86، 87، والترمذي 4/ 42 ح 1449، وابن ماجه 2/ 865 ح 2593، وابن حبان 10/ 316، 317 ح 4466.

(3)

مالك 2/ 839، والبيهقي 8/ 263، والحديث عزاه الحافظ في التلخيص 4/ 65 إلى الحاكم، ولم نجده فيه.

(4)

التلخيص 4/ 65.

(5)

ابن ماجه 2/ 865 ح 2594. وعزاه الحافظ في التلخيص 4/ 65 إلى أحمد ولم نجده فيه.

(6)

سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري المدني أبو سهل. قال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ. وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج بخبره وقال الحافظ: لين الحديث. الكامل 3/ 1190، والمجروحين 1/ 357، والتقريب ص 231.

ص: 107

والثمر، قال المنذري (أ): المراد به ما كان معلقًا في النخل قبل أن يجذ. وعلى هذا تأوله الإمام الشافعي، وقال: حوائط المدينة ليست بحرز وأكثرها تدخل من جوانبها. والثمر (ب): اسم جامع للرطب واليابس من التمر والعنب وغيرهما. كذا قاله في "البدر المنير"، والكثر؛ بفتح الكاف والثاء المثلثة: الجُمّار، كما وقع في رواية النسائي. ويقال: طلعها. وقد أكثر النخل. أي: طلع. ذكره في "الصحاح"(1).

وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم (2) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر العلق، فقال:"من سرق منه شيئًا بعد أن [يؤويه] (جـ) الجرين، فبلغ ثمن المجن، فعليه القطع". وأخرج ابن أبي شيبة، وفي "الموطأ"(3)، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا قطع في ثمر معلق، ولا في حريسة جبل". وهو معضل.

الحديث فيه دلالة على أنه لا يجب القطع في سرقة الثمر والكثَر،

(أ) في جـ: ابن المنذر.

(ب) في جـ: التمر.

(جـ) في الأصل: يأويه.

_________

(1)

الصحاح (ك ث ر).

(2)

أبو داود 3/ 140، 4/ 135 ح 1710، 4390، والنسائي 8/ 84، 85، وابن ماجه 2/ 865، 866 ح 2596، والحاكم 4/ 381.

(3)

الموطأ 2/ 831.

ص: 108

وظاهره سواء كان على أصل المنبت له أو قد جدّ. وقد ذهب إلى هذا أبو حنيفة، ولذلك قال في الكثر: ولا يقطع بفاكهة رطبة ولو على شجر. وكذا قال في "نهاية المجتهد"(1). وقال أبو حنيفة، لا قطع في الطعام، ولا فيما أصله مباح؛ كالصيد، والحطب، والحشيش. وعمدته في منعه القطع في الطعام الرطب قوله صلى الله عليه وسلم:"لا قطع في ثمر ولا كثر" انتهى. وقال في "الكنز": ولا يقطع بخشب أو حشيش وقصب وسمك وطير وصيد وزِزنِيخ (2) ونُورة (3). قال في "الهداية"(4): لأن ذلك تافه؛ لأن ما صورته في الأصل غير مرغوب فيه، حقير تقل الرغبات [فيه](أ)، والطباع لا تضن به -أي تبخل- فقلما يوجد أخذه على كره (ب) من المالك، فلا حاجة إلى شرع الزاجر، ولهذا لم يجب القطع بسرقة ما دون النصاب، ولأن الحرز فيها ناقص، ألا ترى أن الخشب تُلقى على الأبواب، وإنما تدخل الدار للعمارة لا للإحراز، والطر يطير، والصيد يفر. واستثنى الإمام المهدي لأبي حنيفة الساج (5)

(أ) ساقطة من: الأصل، جـ، والمثبت من الهداية.

(ب) في جـ: كثرة.

_________

(1)

الهداية في تخريج أحاديث البداية 8/ 606 وما بعدها.

(2)

الزرنيخ: عنصر شبيه بالفلزات، له بريق الصلب ولونه، ومركباته سامة، يستخدم في الطب، وفي قتل الحشرات. الوسيط (زرنيخ).

(3)

النورة: أخلاط من أملاح الكالسيوم والباريون تستعمل لإزالة الشعر. الوسيط (ن ور).

(4)

الهداية شرح البداية 2/ 119.

(5)

الساج: ضرب من الشجر من الفصيلة الأرثدية، يعظم جدًّا، ويذهب طولا وعرضا، وله ورق كبير، وخشبه صلب جدَّا، والجمع سيجان. الوسيط (س ى جـ).

ص: 109

والآبنوس (1)[والصندل](أ) والمصوغ (ب) والذهب والفضة. وكذا في "الكنز". وأما الإمام المهدي فقال في "البحر": مسألة؛ الهدوية والحنفية: ولا قطع فيما أخذ من منبته ولو أحرز عليه إلا بعد قطعه. فجعل كلام الحنفية فيما كان معلقًا في أصله، وهذا هو المذكور في حديث عمرو بن شعيب المتقدم. وذهب الجمهور إلى أنه يجب القطع في كل محرز، سواء كان على أصله باقيًا أو قد جذ، كان أصله مباحا؛ كالحشيش أو غيره. قالوا: لعموم الآية الكريمة والأحاديث الواردة في اشتراط النصاب، وأما حديث:"لا قطع في ثمر". فقال الشافعي: إنه خرج على ما كان عليه عادة أهل المدينة من عدم إحراز حوائطها، فذلك لعدم الحرز، فإذا أحرزت الحوائط كانت كغيرها.

1027 -

وعن أبي أمية المخزومي رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلص قد اعترف اعترافا، ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما إخالك سرقت". قال: بلى. فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا، فأمر به فقطع، وجيء به، فقال:"استغفر الله وتب إليه". فقال: أستغفر الله وأتوب إليه. فقال: "اللهم تب عليه". ثلاثا. أخرجه أبو داود واللفظ له، وأحمد والنسائي (2)، ورجاله ثقات.

(أ) في الأصل، جـ: الصندلة. والمثبت من الهداية 2/ 121. والصندل: شجر خبه طيب الرائحة، يظهر طيبه بالدلك أو بالإحراق، ولخشبه ألوان مختلفة، حمر وبيض وصفر. الوسيط (صندل).

(ب) في جـ: المصبوغ.

_________

(1)

الآبنوس: بضم الباء خشب معروف، وهو معرب، ويجلب من الهند، واسمه بالعربية سأسم بهمزة وزان جعفر، والآبنس بحذف الواو لغة فيه. المصباح المنير (أب ن).

(2)

أبو داود، كتاب الحدود، باب في التلقين في الحد 4/ 132 ح 4380، وأحمد 5/ 293، والنسائي، كتاب قطع السارق، باب تلقين السارق 8/ 67.

ص: 110

وأخرجه الحاكم (1) من حديث أبي هريرة، فساقه بمعناه وقال فيه:"اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه". وأخرجه البزار (2) أيضًا وقال: لا بأس بإسناده.

أبو أمية المخزومي لا يعرف له اسم، عداده في أهل الحجاز، روى عنه أبو المنذر مولى أبي ذر له هذا الحديث (3). قال الخطابي (4): في إسناده مقال.

قال: والحديث إذا رواه مجهول لم يكن حجة، ولم يجب الحكم به. قال عبد الحق (5): أبو المنذر (6)[المذكور](أ) في إسناده لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة.

وحديث أبي هريرة أخرجه أبو داود في "المراسيل"(7) من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان. ووصله الدارقطني والحاكم والبيهقي (8) بذكر أبي هريرة، ورجح ابن خزيمة وابن المديني وغير واحد إرساله، وصحح ابن

(أ) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

الحاكم 4/ 381.

(2)

كشف الأستار 2/ 220 ح 1560.

(3)

الإصابة 7/ 23.

(4)

معالم السنن 3/ 301.

(5)

الأحكام الوسطى 4/ 98.

(6)

أبو المنذر، مولى أبي ذر، مقبول. التقريب ص 676.

(7)

المراسيل ص 204 ح 244.

(8)

الدارقطني 3/ 102، والحاكم 4/ 381، والبيهقي 8/ 271، 275، 276.

ص: 111

القطان الموصول (1).

والحديث فيه دلالة على أنه يشرع للإمام تلقين السارق أن ينكر السرقة، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لسارق:"أسرقت؟ قل: لا". قال الرافعي (1): ولم يصححوا هذا الحديث. وكذا قال الغزالي في "الوسيط"(2): وقوله: "قل: لا". لم تصححه الأئمة. وقال الجويني في "النهاية"(1): سمعت بعض أئمة الحديث لا يصحح هذا اللفظ. وذكر في تعليق الشيخ أبي حامد وغيره أن أبا بكر [قال](أ) لسارق أقر عنده. وقد رواه البيهقي (3) موقوفًا على أبي الدرداء، أنه أتىِ بجارية سرقت، فقال لها: أسرقت؟ قولي: لا. فقالت: لا. فخلى سبيلها. وفي "مصنف عبد الرزاق"(4) عن ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: كان من مضى يؤتى إليهم بالسارق فيقول: أسرقت؟ قل: لا. وسمَّى [أبا](ب) بكر وعمر. وعن معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد قال: أتي عمر بن الخطاب برجل فسأله: أسرقت؟ قل: لا. فقال: لا. فتركه (5).

(أ) كتب فوقه في الأصل: قاله نسخة.

(ب) في الأصل، جـ: أبو. والمثبت من مصدر التخريج، والتلخيص 4/ 65.

_________

(1)

التلخيص 4/ 66.

(2)

الوسيط 6/ 483.

(3)

البيهقي 8/ 276.

(4)

عبد الرزاق 10/ 224 ح 18919.

(5)

عبد الرزاق 10/ 224 ح 18920.

ص: 112

وروى ابن أبي شيبة (1) من طريق أبي المتوكل، أن أبا هريرة أتي بسارق -وهو يومئذ أمير- فقال: أسرقت؟ قل: لا. مرتين أو ثلاثًا. وفي "جامع سفيان" عن حماد عن إبراهيم قال: أتي [أبو](أ) مسعود الأنصاري بامرأة سرقت جملًا، فقال: أسرقت؟ قولي: لا (2). فهذه الروايات تدل على ثبوت التلقين. واحتج به الإمام المهدي على أنه لا يثبت إلا بالإقرار (ب) مرتين، كما [هو] (جـ) مذهب العترة وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأحمد وإسحاق. قال: وذهب الفريقان ومالك أن الإقرار يكفي مرة واحدة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حق الله"(3). ولم يفصل. قلنا: لا ينافي ما ذكرناه. انتهى كلامه في "البحر".

وأنت خبير بأن التلقين الظاهر من الحديث إنما هو لإسقاط الحد لا لإعادة الجواب ليثبت عليه الحد، وأن ذلك لو كان شرطًا لبين، وقد جاء في رواية أنه قال له:"لا إخالك سرقت". ثلاث مرات. ولا قائل بأنه يشترط في الإقرار ثلاث مرات، فما كان ذلك إلا لقصد التلقين، وقد ذكر عدة أحاديث كما في حديث المجن ورداء صفوان، ولم يذكر إعادة لفظ آخر،

(أ) في الأصل: ابن.

(ب) في جـ: بإقرار.

(جـ) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

ابن أبي شيبة 10/ 23، 24.

(2)

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 10/ 224 ح 18921 عن سفيان به. وعزاه الحافظ في التلخيص 4/ 67 إلى سفيان في جامعه.

(3)

تقدم ح 1016.

ص: 113

والآية الكريمة تؤيد ذلك. والله سبحانه أعلم.

وإذا رجع عن الإقرار إلى غير شبهة يدعيها، فعن مالك روايتان. وظاهر الحديث خلافه، فإن قوله: لا. رجوع عن الإقرار من دون ادعاء شبهة. والله أعلم.

وقوله: "ثم احسموه". ظاهر الحديث وجوب الحسم، والمراد به الكي بالنار، أي يكوى محل القطع لينقطع الدم؛ لأن منافذ الدم تنسد به، لأنه ربما استرسل الدم فيؤدي إلى التلف. وفي "البحر" (1): وندب حسم موضع القطع، ويكون بإذن السارق، فإن كره لم يحسم. انتهى.

وهو مشكل، لأنه يؤدي إلى تلفه، وهو لا يجاب إلى إتلاف نفسه، والأمر بالقطع والحسم فيه دلالة على أنه يتولى ذلك الإمام، وتكون أجرة القطع من بيت المال، وكذلك قيمة الدهن الذي يحسم به؛ لأن ذلك واجب على غيره. وإن اختار أن يقطع نفسه فوجهان، قال الإمام: أصحهما أنه لا يمكَّن من ذلك، كالمقتص منه، فإنه لا يمكَّن من قتل نفسه، وسائر الحدود كذلك، لأن الله سبحانه وتعالى نهى الإنسان عن قتل نفسه، فقال:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (2). ووجهه أنه يمكَّن من قطع نفسه لحصول المقصود من الزجر، بخلاف القصاص، فالمقصود التشفي، وهو لا يحصل بفعل نفسه.

(1) البحر 6/ 190.

(2)

الآية 29 من سورة النساء.

ص: 114

ومن السنة أن تعلق يد السارق في عنقه، وقد أخرج البيهقي (1) من حديث ابن محيريز قال: قلت لفَضالة بن عبيد: أرأيت تعليق يد السارق في العنق، أمن السنة؟ قال: نعم، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقًا، ثم أمر بيده فعلقت في عنقه. وفي إسناده حجاج بن أرطاة، وقد ضعفه النسائي (2)، وكذلك مَن رواه عن حجاج، وهو المُقَدَّمي (أ) عمر بن علي (3). قال المصنف (4) رحمه الله: هما مدلسان. وأخرج (5) أن عليًّا رضي الله عنه قطع سارقًا، فمروا به ويده معلقة في عنقه.

1028 -

وعن عبد الرحمن بن عوف، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد". رواه النسائي (6)، وبين أنه منقطع، وقال أبو حاتم (7): هو منكر.

الحديث رواه النسائي من حديث المِسور بن إبراهيم، عن عبد الرحمن

(أ) زاد بعده في الأصل، جـ: وعنه.

_________

(1)

البيهقي 8/ 275.

(2)

التلخيص 4/ 69.

(3)

عمر بن علي بن عطاء بن مُقَدَّم المقدمي، بصري، أصله واسطي ثقة، وكان يدلس شديدًا. التقريب ص 416، وينظر تهذيب الكمال 21/ 470.

(4)

التلخيص 4/ 69.

(5)

البيهقي 8/ 275.

(6)

النسائي، كتاب قطع السارق، باب تعليق يد السارق في عنقه 8/ 92.

(7)

علل ابن أبي حاتم 1/ 452.

ص: 115

ابن عوف. والمسور لم يدرك جده عبد الرحمن بن عوف، قال النسائي: هو مرسل وليس بثابت. وكذا أخرجه البيهقي (1)، وزاد في إعلاله بأنه اختلف على المفضل بن فَضالة قاضي مصر؛ فرُوي عنه عن يونس بن يزيد الأيلي عن سعد بن إبراهيم عن المسور عن عبد الرحمن، كما في رواية النسائي. وروي عنه عن يونس عن الزهري. عن سعد. ورُوي عنه عن يونس عن سعد بن إبراهيم عن أخيه المسور. قال: فإن كان سعد [هذا](أ) ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، فلا يعرف في التواريخ له أخ معروف بالرواية يقال له: المسور. ولا يثبت للمسور الذي ينسب إليه سجد بن محمد بن المسور بن إبراهيم سماع من جده عبد الرحمن، ولا رؤية ولا رواية، فهو منقطع، وإن كان غيره، فلا نعرفه ولا نعرف أخاه، ولا يحل لأحد من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه. انتهى.

ولعل النسائي أشار بقوله: وليس بثابت. إلى هذا الذي ذكره البيهقي. والله أعلم.

الحديث فيه دلالة على أن العين المسروقة إذا تلفت في يد السارق لم يغرمها بعد أن وجب عليه القطع، سواء أتلفها قبل القطع أم بعده. وقد ذهب إلى هذا الهدوية. ورواه أبو يوسف عن أبي حنيفة، وهو المشهور. قال في "شرح الكنز": لأن وجوب الضمان ينافي القطع؛ لأنه يتملكه بأداء

(أ) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

البيهقي 8/ 277.

ص: 116

الضمان مستندًا إلى وقت الأخذ فيبرأ به، ورد على ملكه، [فينتفي](أ) القطع، وما يؤدي إلى انتفائه فهو المنتفي، ولأن اجتماع حقين في حق واحد مخالف للأصول، فصار القطع بدلًا من الغرم، ولذلك إذا ثنى سرقة (ب) ما قد قطع به لم يقطع. وذهب الشافعي وأحمد وأبو ثور والليث، ورواه الحسن عن أبي حنيفة وجماعة، إلى أنه يغرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"على اليد ما أخذت حتى ترد"(1). والحديث لا تقوم [به](جـ) حجة مع ما سمعت فيه، وقد قال الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (2). و: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه"(3). ولأنه اجتمع في السرقة حقان؛ حق لله تعالى وحق للآدمي، فاقتضى كل حق موجبه، ولأنه قام الإجماع بأنه إذا كان موجودًا بعينه أُخذ منه، فيكون إذا لم يوجد في ضمانه؛ قياسًا على سائر الأموال الواجبة، واجتماع الحقين بسبب السرقة غير مخالف للأصول، فإن الحكمة فيهما مختلفة؛ فالقطع لحكمة الزجر، والتغريم لتفويت حق الآدمي، كما في الغصب. وذهب مالك وأصحابه إلى أنه يغرم إن كان موسرًا، وإن كان معسرًا لم يتبع. وحكى عنه ابن القاسم أنه

(أ) في الأصل: فينبغي.

(ب) في جـ: سارق.

(جـ) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

تقدم ح 720 بلفظ: تؤديه. بدل: ترد.

(2)

الآية 29 من سورة النساء.

(3)

تقدم تخريجه في 6/ 255.

ص: 117

يشترط دوام اليسر (أ) إلى يوم القطع.

وهذا استحسان من مالك مبني على غير قياس. كذا قال ابن رشد (1). وقال الإمام المهدي في "البحر": كنفقة (ب) القريب، والجامع كونه مالًا يثبت في الذمة لا بمعاوضة. قال: وما خرج عن يده وتعذر رده فكالتالف، وإن أمكن استرجع كالباقي. قيل: إلا حيث يوجب الاسترجاع ضمانًا. قلت: وهو قوي. انتهى.

ووجهه أنه حيث كان يوجب ضمانًا يكون حكمه حكم التضمين للفائت، فهو قياس على ما ورد فيه الحديث. والله أعلم.

1029 -

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سئل عن الثمر (جـ) المعلق، فقال:"من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه الغرامة والعقوبة، ومن خرج بشيء منه بعد أن يؤويه الجرين، فبلغ ثمن المجن، فعليه القطع". أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم (2).

(أ) في جـ: اليسير.

(ب) في جـ: كيفية.

(جـ) في جـ: التمر.

_________

(1)

الهداية في تخريج أحاديث البداية 8/ 607.

(2)

أبو داود، كتاب الحدود، باب ما لا قطع فيه 4/ 135 ح 4390، والنسائي، كتاب قطع السارق، باب الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين 8/ 85، 86، والحاكم، كتاب الحدود 4/ 381.

ص: 118

المراد بالثمر (أ) المعلق ما كان معلقا في النخل قبل أن يجذ ويُجرَّن. كذا قال المنذري. والثمر (ب) اسم جامع للرطب واليابس من التمر والعنب وغيرهما.

وقوله: "خُبنة". بضم الخاء، وهي معطف الإزار وطرف الثوب، أي لا يخبئ في ثوبه، يقال: أخبن الرجل، إذا خبأ شيئًا في خُبنة ثوبه أو سراويله.

وقوله: "الجرين". هو موضع التمر الذي يجفف فيه، مثل البيدر للحنطة.

والحديث فيه دلالة على أنه إذا أخذ المحتاج بفيه لسد فاقته، فإن ذلك مباح له، ثم إذا خرج بشيء منه؛ فإن كان قبل أن يجذ فعليه الغرامة والعقوبة، وإن كان بعد أن قطع وأواه الجرين وبلغ نصاب القطع فعليه القطع. وهذا بناء على الأغلب؛ [لأن](جـ) الجرين يكون محرزًا، وأما إذا كان بغير إحراز فلا قطع فيه. وقد تقدم الكلام في الثمر المعلق.

وأما قوله: "فعليه الغرامة والعقوبة". وقد جاءت الغرامة مفسرة في رواية البيهقي (1): "غرامة مثليه"، والعقوبة:"جلدات نكال".

والحديث يدل على جواز العقوبة بالمال، فإن "غرامة مثليه" من باب العقوبة، وقد قال به الشافعي في القديم ثم رجع عنه، وقال: لا تضعف (د)

(أ) في جـ: بالتمر.

(ب) في جـ: التمر.

(جـ) في الأصل: بأن.

(د) في جـ: تضاعف.

_________

(1)

البيهقي 4/ 152، 153.

ص: 119

الغرامة على أحد في شيء، إنما العقوبة في الأبدان لا في الأموال. وقال: ذلك منسوخ، والناسخ له قضاء النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الماشية أن ما أفسدته بالليل فهو ضامن على أهلها (1). قال: وإنما يضمنونه بالقيمة. وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الزكاة في حديث بهز (2). والله أعلم.

1030 -

وعن صفوان بن أمية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أمر بقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه:"هلا كان قبل أن تأتيني به". أخرجه أحمد والأربعة، وصححه ابن الجارود والحاكم (3).

الحديث أخرجوه من طرق؛ منها، عن طاوس عن صفوان، ورجحها ابن عبد البر (4)، وقال: إن سماع طاوس من صفوان ممكن؛ لأنه أدرك زمن عثمان، وقال: أدركت سبعين شيخًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.وقال البيهقي (5): روي [عن](أ) طاوس عن ابن عباس، وليس بصحيح. ورواه مالك عن الزهري عن عبد الله بن صفوان عن أبيه، أنه طاف بالبيت وصلى، ثم لف رداء له من برد، فوضعه تحت رأسه فنام، فأتاه لص فاستله من تحت

(أ) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

أحمد 4/ 295 من حديث البراء بن عازب.

(2)

ينظر ما تقدم في 4/ 307 - 309.

(3)

أحمد 3/ 401، وأبو داود، كتاب الحدود، باب من سرق من حرز 2/ 136 ح 4394، والنسائي، كتاب قطع السارق، باب ما يكون حرزًا وما لا يكون 8/ 68، 69، وابن ماجه، كتاب الحدود، باب من سرق من الحرز 2/ 865 ح 2595، وابن الجارود، باب القطع في السرقة ص 313 ح 828، والحاكم، كتاب الحدود 4/ 380.

(4)

التمهيد 11/ 218، 219.

(5)

البيهقي 8/ 265.

ص: 120

رأسه فأخذه. فذكر الحديث. أخرجه ابن ماجه (1). وله شاهد في "الدارقطني"(2) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وسنده ضعيف. وأخرج البيهقي (3) من رواية الشافعي عن مالك، أن صفوان بن أمية قيل له: من لم يهاجر هلك. فقدم صفوان المدينة فنام في المسجد متوسدًا رداءه، فجاء سارق فأخذ رداءه من تحت رأسه، فأخذ السارق فجاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يده، فقال صفوان: إني لم أرد هذا، هو عليه صدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فهلّا قبل أن تأتيني به". وأخرجه (3) من طريق أخرى عن غير مالك عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله. وقد روي من وجه آخر عن طاوس عن ابن عباس موصولًا، وليس بصحيح. وأخرج (3) عن عطاء بن أبي رباح قال: بينما صفوان بن أمية مضطجع بالبطحاء، إذ (أ) جاء إنسان فأخذ برده من تحت رأسه، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بقطعه، فقال: إني أعفو عنه وأتجاوز. قال: "فهلَّا قبل أن تأتينا (ب) به". وأخرج (3) من حديث حميد ابن أخت صفوان عن صفوان قال: كنت نائمًا في المسجد على خميصة لي ثمن ثلاثين درهما، فجاء رجل فاختلسها مني. فأخذ الرجل فأتى به النبي

(أ) في جـ: إذا.

(ب) في جـ: تأتيني.

_________

(1)

ابن ماجه 2/ 865 ح 2595.

(2)

الدارقطني 3/ 204، 205.

(3)

البيهقي 8/ 265.

ص: 121

- صلى الله عليه وسلم، فأمر به ليقطع. قال: فأتيته فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهما؟ أنا أبيعه وأُنسئه ثمنها. قال: "ألا كان هذا قبل أن تأتيني به؟ ". هكذا رواه جماعة عن عمرو بن حماد. قال الشافعي: ورداء صفوان كان محرزا باضطجاعه عليه، فقطع النبي صلى الله عليه وسلم سارق ردائه.

الحديث فيه دلالة على أنه يقطع سارق ما كان مالكه حافظا له، وإن لم يكن مغلقا عليه في مكان، فإن الأحاديث الواردة في القصة بعضها بأنه كان نائمًا وهو تحت رأسه في المسجد، وبعضها في البطحاء كما عرفت، وقد ذهب إلى هذا الشافعي والمالكية والحنفية، قال ابن رشد من المالكية (1): وإذا توسد النائم شيئًا، فتوسُّده له حرز، على ما جاء في حديث صفوان. وقال في "الكنز" للحنفية: ومن سرق من المسجد متاعًا وربه عنده قُطع؛ لأنه وإن كان غير محرز بالحائط (أ)، لأن المسجد ما بني لإحراز الأموال -فلم يكن المال محرزا بالمكان. واسترجح هذا الإمام المهدي في "البحر"، ورد على الإمام يحيى القائل، بأنه لا يقطع، بخبر صفوان.

وفيه دلالة على أنه لا تجوز الشفاعة بعد الرفع إلى الإمام، وقد تقدم الكلام.

وجاء في الرواية التي تقدمت أنه تصدق به على السارق ولم يسقط عنه، ففيه دلالة على أن التملك بعد الرفع لا يسقط القطع. وقد ذهب إلى

(أ) في جـ: فالحافظ.

_________

(1)

الهداية في تخريج أحاديث البداية 8/ 604، 605.

ص: 122

هذا مالك والشافعي؛ لأنه قد رفع، ولا عفو بعد الرفع. وذهب أبو حنيفة إلى أنه يسقط الحد مطلقًا، سواء كان قبل الرفع أو بعده؛ إذ هو شبهة، وحد السرقة يدرأ بها. ويجاب بالحديث. وأما إذا اتهبه قبل الرفع [أو](أ) تملكه؛ فذهب العترة وأبو يوسف وابن أبي ليلى وبعض أصحاب الحديث وقول عن الشافعي، أنه يسقط، وذهب الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق إلى أنه لا يسقط؛ لعموم الآية الكريمة، ولحديث صفوان.

وقوله: "فهلا كان قبل أن تأتيني به". وهذا اللفظ محتمل لأن يكون المراد: هلا كان التصدق قبل أن تأتيني. يعني: ولا تأتي به؛ لأنه إذا تصدق عليه تركه. ويحتمل أن يكون المراد: هلا كان التصدق قبل أن تأتي به. وأن الإتيان به بعد التصدق لا يضر، فيكون حجة للقول الأول. وأما العفو عن السارق قبل الرفع، فيسقط به إجماعًا.

واختلف العلماء في اعتبار الحرز، وأنه شرط في القطع؛ فذهب الظاهرية وطائفة من أهل الحديث، ونسبه الإمام المهدري في "البحر" إلى أحمد وإسحاق والخوارج وزفر، إلى أنه لا يشترط الحرز، وأنه يقطع من سرق النصاب مطلقًا. وحجتهم ظاهر الآية الكريمة، واشتراط النصاب دل عليه الحديث الصحيح، فكان مقيدًا لإطلاق الآية الكريمة، والإطلاق في الحرز باق على إطلاقه. وذهب الجمهور إلى اشتراط الحرز، وأنه لا قطع فيما لم يحرز. قالوا: لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا آواه الجرين". وقوله: "لا قطع في ثمر، ولا في حريسة جبل، فإذا آواه الجرين والمُراح، فالقطع فيما بلغ ثمن المجن"(1).

(أ) ساقطة من: الأصل.

_________

(1)

النسائي 8/ 84، 85 من حديث عبد الله بن عمرو.

ص: 123

ولأن الإحراز مأخوذ في مفهوم السرقة، فإن السرقة والاستراق هو المجيء مستترًا لأخذ مال غيره من حرز. كذا فسره في "القاموس"(1)، وكذا قال ابن الخطب في "تيسير البيان" أن السرقة أخذ المال على حين خفية من الأعين مع قيام (أ) ملاحِظِها (ب) أو ما يقوم مقامها من الأحراز الموجبة للاستخفاء في العادة، ومنه قولهم: فلان يسارق النظر إلى فلان. إذا راقب غفلته لينظر إليه. فالحرز ركن في السرقة لا تتصور إلا به، لا شرط في وجوب القطع، ولهذا لا يقال لمن خان أمانته: سارق. انتهى كلامه، وهو كلام حسن، فإنه لا يفترق الحال بين الخائن والمنتهب والمختلص والسارق إلا بالحرز، لا بالأخذ خفية، فإن الأخذ خفية واقع في (جـ) غير المنتهب.

وحريسة الجبل؛ قيل: هي السرقة نفسها، تقول: حرس يحرس حرسًا. إذا سرق. وقيل: هي المحروسة. يعني: ليس فيما يحرس بالجبل إذا سرق قطع؛ لأنه ليس بموضع حرز. وحريسة الجبل: الشاة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها. والمرُاح الموضع الذي تأوي إليه الماشية ليلًا. كذا في "جامع الأصول"(2).

واعلم أنه اختلف المشترطون للحرز؛ فقال الشافعي ومالك والإمام

(أ) في جـ: مقام.

(ب) شي جـ: ملاحظتها.

(جـ) في جـ: من.

_________

(1)

القاموس المحيط 3/ 253 (س ر ق).

(2)

جامع الأصول 3/ 567.

ص: 124

يحيى: إن لكل مال حرزًا يخصه، فحرز الماشية ليس حرزًا للذهب والفضة. وقال أبو حنيفة والهدوية: ما أحرز فيه مال فهو حرز لغيره؛ إذ الحرز ما وضع لمنع الداخل والخارج ألا يخرج، (أوما أ) ليس كذلك فليس بحرز، لا لغة ولا شرعا، والدار المفتوح بابها لا تكون حرزًا إلا إذا كان فيها حافظ، والباب الخارجي إذا كان فيه إكليل حرز لنفسه ولما داخله، والخيم المطنَّبة مشدودة الأذيال حرز. وتردد المؤيد (ب) في المضروبة في البراري. قال الإمام يحيى [والطحاوي] (جـ): والمساجد والشوارع والخانكات (د) ليست حرزًا ولو ثَمَّ حارس؛ إذ قد يشغل فيذهل عن المتاع وينام عنه. ويرد عليه حديث صفوان.

وذهب جماعة من السلف والشافعي ومالك والهادي وأبو يوسف إلى أن النباش سارق يقطع؛ لأنه أخذ المال خفية من حرز له. وقد روي عن علي رضي الله عنه: حد النباش حد السارق. وعن عائشة: سارق أمواتنا كسارق أحيائنا (1). وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد: لا يقطع؛ لأنه ليس بحرز، ولا يكون القبر حرزًا لغير الكفن المشروع. وكذا الكعبة والمسجد حرزان لآلاتهما وكسوتهما. ذهب إلى هذا الشافعي والهدوية. وقد تقدم

(أ- أ) في جـ: و.

(ب) زاد بعده في جـ: بالله.

(جـ) في الأصل: الصحاوي. وكتب فوقها: كذا.

(د) في جـ: والحار كان.

_________

(1)

البيهقي في المعرفة 6/ 409 ح 5171.

ص: 125

في حديث المخزومية أنها سرقت من ثياب الكعبة. وعثمان رضي الله عنه قطع مَن سرق قُبْطيَّة من منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (1). ولم ينكر عليه. وهي ثوب من كتان ينسج في مصر. وذهب أبو حنيفة وأصحابه والإمام يحيى إلى أنه لا قطع.

وذهب أبو حنيفة والشافعي والهدوية إلى أنه لا يقطع مَن سرق مِن بيت المال. وقد روي عن عمر أنه لا قطع عليه (2). ولم يذكر. وذهب مالك وقول للشافعي إلى أنه يقطع.

ولا قطع في الخمس والغنيمة إجماعًا وإن لم يكن غانمًا، إذ قد يشارك فيها بالرضخ أو من الخمس.

1031 -

وعن جابر قال: جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اقتلوه". فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق. قال:"اقطعوه". فقطع، ثم جيء به الثانية فقال:"اقتلوه". فذكر مثله. ثم جيء به الثالثة. فذكر مثله .. ثم جيء به الرابعة كذلك. ثم جيء به الخامسة فقال: "اقتلوه". أخرجه أبو داود والنسائي واستنكره (3).

وأخرج (4) من حديث الحارث بن حاطب نحوه. وذكر الشافعي (5) أن

(1) قال الحافظ: لم أجده عنه. التلخيص 4/ 69.

(2)

ابن أبي شيبة 10/ 20.

(3)

أبو داود، كتاب الحدود، باب في السارق يسرق مرارًا 4/ 140 ح 4410، والنسائي، كتاب قطع السارق، باب قطع اليدين والرجلين من السارق 8/ 90.

(4)

النسائي، كتاب قطع السارق، باب قطع الرجل من السارق بعد اليد 8/ 89.

(5)

اختلاف الحديث للشافعي ص 215.

ص: 126

القتل في الخامسة منسوخ.

قال النسائي: حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث (1). وحديث الحارث أخرجه النسائي والحاكم (2). وأخرج أبو نعيم في "الحلية" (3) عن عبد الله بن [زيد] (أ) الجهني. وقال ابن عبد البر (4): حديث القتل منكر لا أصل له. وقد قال الشافعي: هذا الحديث منسوخ لا خلاف فيه عند أهل العلم. قال ابن عبد البر: وهذا يدل على أن ما حكاه أبو مصعب عن عثمان وعمر بن عبد العزيز أنه يقتل لا أصل له. وجاء في رواية النسائي بعد ذكر قطع قوائمه الأربع: ثم سرق الخامسة في عهد أبي بكر، فقال أبو بكر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال: "اقتلوه". ثم دفعه إلى فتية من قريش فقتلوه. ثم قال النسائي: لا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا.

والحديث فيه دلالة على قتل السارق في الخامسة، وأن قوائمه الأربع تقطع في الأربع المرات. وقد نسب الباجي (5) هذا القول في "اختلاف

(أ) في الأصل: يزيد.

_________

(1)

مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي، ضعفه ابن معين وأحمد بن حنبل والنسائي وغيرهم. وقال الحافظ: لين الحديث، وكان عابدا. تهذيب الكمال 28/ 18، والتقريب ص 533.

(2)

النسائي 8/ 89، والحاكم 4/ 382.

(3)

الحلية 2/ 6.

(4)

الاستذكار 24/ 196.

(5)

الفتح 12/ 100.

ص: 127

العلماء" إلى مالك. قال: وله قول آخر أنه لا يقتل. وقال عياض: لا أعلم أحدًا من أهل العلم قال به إلا ما ذكره أبو مصعب صاحب مالك في "مختصره" عن مالك وغيره من أهل المدينة، ونسب ذلك إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن عبد العزيز. انتهى. ونقل المنذري (1) تبعًا لغيره الإجماع أنه لا يقتل. ولعلهم أرادوا أنه استقر على ذلك الإجماع بعد خلاف مالك. وقال بعضهم: كان القتل خاصًّا بذلك الرجل، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على أنه واجب القتل، فلذلك أمر بقتله من أول مرة، ولعله كان من المفسدين في الأرض.

والواجب في القطع قطع اليمنى إجماعًا، وقراءة ابن مسعود مبينة:(فاقطعوا أيمانهما)(2). فإن عاد قطعت الرجل اليسرى عند الأكثر؛ قياسًا على المحارب، ولفعل الصحابة. وعن طاوس: يده اليسرى؛ لقربها من اليمين. ورواية عنه أنه يسقط القطع. فإن عاد في الثالثة؛ فذهب أبو حنيفة والعترة إلى أنه يحبس، وقد روى البيهقي (3) من حديث علي رضي الله عنه، أنه قال بعد أن قطع رجله وأتي به في الثالثة: بأي شيء يتمسح؟ وبأي شيء يأكل؟ لا قيل له: تقطع يده اليسرى. ثم قال: أقطع رجله؟! على أي شيء يمشي؟ إني لأستحي من الله. ثم ضربه وخلده في السجن. وأخرج (4) أن أبا بكر رضي الله عنه أراد أن يقطع رجلًا بعد اليد والرجل، فقال عمر رضي الله عنه: السنة اليد. وذهب الشافعي ومالك إلى أنه يقطع في كل مرة

(1) الفتح 12/ 100.

(2)

قراءة شاذة، البحر المحيط 3/ 483.

(3)

البيهقي 8/ 275.

(4)

البيهقي 8/ 273، 274.

ص: 128

طرفًا؛ لما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق: "إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله". أخرجه الدارقطني (1)، وفي إسناده الواقدي (2). ورواه الشافعي (3) عن بعض أصحابه عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا:"السارق إذا سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله". ونحوه عن عصمة بن مالك، رواه الطبراني والدارقطني (4). وإسناده ضعيف. وأجاب الإمام المهدي في "البحر"(5) عن ذلك بأن عمل الصحابة بخلافه دليل نسخه، أو أنه عارضه دليلٌ عرفوه. انتهى. ويرد عليه ما أخرجه البيهقي من حديث القاسم بن محمد عن أبيه، أن أبا بكر رضي الله عنه أراد أن يقطع رِجلًا بعد اليد والرجل، فقال عمر رضي الله عنه: السنة اليد. وأخرج (6) عن ابن عباس قال: شهدت عمر قطع يدًا بعد يد ورجل. وقال بعد رواية إنكار عليٍّ علَى عمر لما أراد أن يقطع رجل مقطوع اليد والرجل: فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها؛ إما أن [تعزره](أ)، أو تستودعه السجن. قال: فاستودعه السجن. الرواية الأولى عن عمر أولى أن تكون صحيحة، وكيف تصح هذه عن عمر وقد أنكر في الرواية الأولى

(أ) في الأصل: تعزروه، وفي جـ: يعزر. والمثبت من البيهقي.

_________

(1)

الدارقطني 3/ 181.

(2)

تقدمت ترجمته في 1/ 66.

(3)

الشافعي -كما في التلخيص 4/ 68.

(4)

الطبراني 17/ 182 ح 483، والدارقطني 3/ 137، 138.

(5)

البحر 6/ 188.

(6)

البيهقي 8/ 274.

ص: 129

قطع الرجل بعد اليد والرجل وأشار باليد؟ فهذان شيخا الإسلام قطعا في كل سرقة، فكيف [يتم] (أ) قوله: عمل الصحابة بخلافه؟ وقوله: أو أنه عارضه دليل عرفوه. مجرد تحسين ظن لا يكفي في الاحتجاج، لا سيما مع وجود الرواية المخالفة.

والقطع يكون من مفصل الكف، إذ هو أقل ما يسمى يدًا، ولأن اليد كانت محترمة قبل السرقة، فلما (5) جاء الأمر بقطع اليد -واليد تطلق على جميعها إلى الإبط، وعلى بعضها إلى المرفق، وعلى بعضها إلى مفصل الكف- فمع الاحتمال يجب الاقتصار على المتيقن (جـ)، ولفعله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الدارقطني (1) من رواية عمرو بن شعيب: أتي [النبي](أ) صلى الله عليه وسلم بسارق، فقطع من مفصل الكف. وفي إسناده مجهول. وأخرج ابن أبي شيبة (2) من مرسل رجاء بن حيوة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع من المفصل. وأخرجه أبو الشيخ (3) من وجه آخر عن رجاء عن عدي رفعه. وعن جابر رفعه. وأخرج (د) سعيد بن منصور (4) عن عمر أيضًا. وذهب ابن سريج (هـ) والإمامية ورواية عن علي رضي الله عنه، أنه يقطع من أصول الأصابع، إذ هو أقل ما يسمى يدًا.

(أ) ساقطة من: الأصل.

(ب) في جـ: فلا.

(جـ) في جـ: التيقن.

(د) زاد بعده في جـ: عن.

(هـ) في جـ: شريح.

_________

(1)

الدارقطني 3/ 204.

(2)

ابن أبي شيبة 10/ 30.

(3)

أبو الشيخ في كتاب "السرقة" -كما في الفتح 12/ 99.

(4)

سعيد بن منصور -كما في الفتح 12/ 99.

ص: 130

ويجاب عنه بأنه لا يسمى يدًا، ولا يقال: مقطوع [اليد](أ). لا لغة ولا عرفًا، وإنما يقال: مقطوع الأصابع. وذهب الزهري والخوارج إلى أنه يقطع من الإبط، إذ هو اليد الحقيقية. والجواب، أن الكف هو المراد، وبين الآية الحديثُ، وفعل علي وأبي بكر وعمر ولم ينكر، والرواية عن علي روتها الإمامية، فهي غير مقبولة. كذا قال الإمام المهدي. وهو غير مسلم، فإنه أخرج عبد الرزاق (1) عن معمر عن قتادة عن علي، أنه قطع اليد من الأصابع، والرجل من مشط القدم. وهو منقطع، ورجاله رجال الصحيح. ولكنه معارَض بما أخرجه عبد الرزاق (2) من وجه آخر أن عليًّا كان يقطع الرجل من [الكعب](ب). وذكر الشافعي في (جـ كتاب الاختلاف عن علي وابن مسعود جـ)(3)، أن عليًّا كان يقطع من يد السارق الخنصر والبنصر والوسطى خاصة، ويقول: أستحي من الله أن أتركه بلا عمل. وكذا القدم يقطع من مفصل القدم. وذهبت الإمامية، ورواية عن علي رضي الله عنه، أنه من معقِدِ الشِّراكِ (4)، وهو نصف القدم. وأجيب بأن ذلك لا يسمى رجلًا في اللغة، والمتعارف إنما هو من مفصل القدم، وقياسًا على اليد. والله أعلم.

(أ) ساقطة من: الأصل.

(ب) في الأصل: الكفر، وفي جـ: الكف. والمثبت من مصدر التخريج، والفتح 12/ 99.

(جـ - جـ) كذا في الأصل، جـ، وفي الفتح: كتاب اختلاف علي وابن مسعود.

والكتاب ضمن كتاب الأم 7/ 163.

_________

(1)

عبد الرزاق 10/ 185 ح 18760.

(2)

عبد الرزاق 10/ 185 ح 18762.

(3)

الفتح 12/ 99.

(4)

الشراك: سير النعل. القاموس المحيط (ش ر ك).

ص: 131