الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حد القذف
القذف في اللغة بمعنى الرمي بالشيء، يقال: قذفه بالحجر. أي رماه به، ومنه قوله تعالى:{بَل نَقذِفُ بِالحقِ عَلَى الباطِل} (1). وفي الشرع: الرمي بوطء يوجب الحد على المقذوف.
1017 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا الحد. أخرجه أحمد والأربعة وأشار إليه البخاري (2).
قولها: عذري. أي البراءة لها مما نسب إليها أهل الإفك، والمراد بالقرآن الذي تلاه هو ما أنزل في (أ) التبرئة، وهو قوله تعالى:{إِنَ الَذِينَ جَاءُو بالإفكِ} . إلى قوله: {وَرِزقٌ كَرِيمٌ} (3) ثماني عشرة آية. كذا رواه ابن أبي حاتم والحاكم في "الإكليل" من مرسل سعيد بن جبير (4)، وفي البخاري (5):
(أ) في جـ: من.
_________
(1)
الآية 8 من سورة الأنبياء.
(2)
أحمد 6/ 35، وأبو داود، كتاب الحدود، باب في حد القذف 4/ 160 ح 4474، والترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة النور 5/ 314 ح 3181، وابن ماجه، كتاب الحدود، باب حد القذف 2/ 857 ح 2567، والنسائي في الكبرى، كتاب أبواب التعزيرات والشهود، باب حد القذف 4/ 325 ح 7351.
(3)
الآيات 11 - 16 من سورة النور.
(4)
تفسير ابن أبي حاتم 8/ 2544 - 2561، والحاكم في الإكليل -كما في الفتح 8/ 477.
(5)
البخاري 7/ 431 ح 4141.
العشر الآيات إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .
وفي رواية عطاء الخراساني عن الزهريّ: إلى قوله: {وَاللَّهَ غفور رَحِيمٌ} (1). وعدد الآيات إلى هذا الموضع ثلاث عشرة آية، فلعل قول عائشة: عشر آيات. مجاز بطريق إلغاء الكسر. وفي رواية الحكم بن عتيبة (أ) مرسلًا عند الطبراني: فأنزل الله خمس عشرة آية من سورة النور حتى بلغ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} (2). وهذا فيه تجوز، وعدة الآي إلى هذا الموضع ست عشرة. وعند أبي داود (3) من طريق حميد الأعرج عن الزهريّ [عن عروة] (ب) عن عائشة: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف الثوب عن وجهه ثم قال: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} . وفي رواية ابن إسحاق (4): ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم. ويجمع بين الروايتين بأنه قرأ ذلك عند (جـ) عائشة، ثم خرج فقرأها على الناس.
وقوله: أمر برجلين وامرأة. الرجلان هما حسان ومسطح، والمرأة حمنة بنت جحش، وظاهر هذا أن عبد الله بن أبي لم يقم عليه الحد، وكذا في
(أ) في جـ: عيينة.
(ب) ساقط من: الأصل. وينظر مصدر التخريج.
(جـ) في جـ: عن.
_________
(1)
الفتح 8/ 477.
(2)
الطبراني 23/ 160 ح 251.
(3)
أبو داود 1/ 207 ح 785.
(4)
الفتح 8/ 478.
حديث أبي هريرة عند [البزار](أ)(1)، وبنى على ذلك ابن القيم (2)، وهو وجه قول من قال: إن للإمام إسقاط الحد وتأخيره لمصلحة. وأخرج الحاكم (3) في "الإكليل" عن الحسن بن زيد عن عبد الله بن أبي بكر، أنه من جملة من حده. ويفهم من البخاري في آخر رواية هشام بن عروة حيث قال (4): وكان الذي تكلم به مسطح وحسان بن ثابت والمنافق عبد الله بن أبي. وصحح الماوردي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدهم، واستند إلى أن الحد إنما يثبت ببينة أو إقرار، وورد عليه بأنه قد ثبت ما يوجبه بنص القرآن الكريم، وحد القذف يثبت بعدم ثبوت ما قذفوا به، ولا يحتاج في إثباته إلى بينة، والذي ذكر إنما هو في حد الزنى والسرقة والشرب. والله أعلم.
1018 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أول لعان كان في الإسلام، أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.:"البينة وإلا فحد في ظهرك"الحديث. أخرجه أبو يعلى، ورجاله ثقات (5)، و (ب) في البخاري نحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنه (6).
(أ) في النسخ: البرا. والمثبت من الفتح 8/ 479.
(ب) زاد بعده في الأصل: هو.
_________
(1)
كشف الأستار 3/ 241 ح 2663.
(2)
زاد المعاد 5/ 45.
(3)
الفتح 8/ 479.
(4)
البخاري 8/ 487، 488 ح 4757.
(5)
أبو يعلى 5/ 207، 208 ح 2824.
(6)
البخاري، كتاب الشهادات، باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطق لطلب البينة 5/ 283 ح 2671.
حديث أنس أخرجه أبو يعلى، وأخرجه مسلم (1) أيضًا من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس، وأخرجه البخاري من طريق هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس، وقد أعل هذا الحديث باختلاف الطريقين عن هشام، والجمع ممكن بأن لهشام شيخين؛ أحدهما محمد بن سيرين، والآخر عكرمة، فروي الحديث من الطريقين، وأخرج البخاري إحداهما، ومسلم الأخرى.
وقوله: أول لعان. قد اختلفت الروايات في سبب نزول آية اللعان؛ ففي رواية ابن عباس وأنس أنها في قصة هلال، وفي حديث سهل -أخرجه البخاري أيضًا- أنها نزلت في قصة عويمر العجلاني؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك"(2). ومن العلماء من رجح أنها نزلت في شأن عويمر، ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال، وصادف مجيء عويمر أيضًا، فكانت في شأنهما معًا، وقد جنح النووي (أ) إلى هذا (3)، وسبقه الخطيب (4) وقال: لعله اتفق كونهما معًا في وقت واحد، مع أنه روى البزار (5)
(أ) في جـ: الثوري.
_________
(1)
مسلم 2/ 1143 ح 1496/ 11.
(2)
أحمد 5/ 336، 337، والبخاري 8/ 448 ح 4745، ومسلم 2/ 1129، 1130 ح 1/ 1492، وأبو داود 2/ 280، 281 ح 2245، والنسائي 6/ 143، 144.
(3)
شرح مسلم 10/ 120، وينظر الفتح 8/ 450.
(4)
الفتح 8/ 450.
(5)
البزار 7/ 343 ح 2940 من طريق زيد بن يثيع.
من طريق زيد بن [يُثيع](أ) عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "لو رأيت مع أم رومان رجلًا ما كنت فاعلًا به؟ ". قال: كنت فاعلًا به (ب) شرًّا. قال: "فأنت يا عمر؟ ". قال: كنت أقول: لعن الله الأبعد. قال: فنزلت. وأجاب ابن الصباغ في "الشامل"(1) بأن الآية نزلت في هلال، وأما قوله لعويمر:"قد نزل فيك وفي صاحبتك". فمعناه [ما](جـ) نزل في قصة هلال. وجوز القرطبي (2) أن تكون الآية نزلت مرتين، والجمع بين الروايات وحملها على الوجه الممكن أولى، وقد أنكر أبو عبد الله بن أبي صفرة أخو المهلب بن أبي صفرة ذكر هلال بن أمية، قال: وهو خطأ، والصحيح أنه عويمر. وقال ابن العربي (3): قال الناس: هو وهم من هشام بن حسان ولم يقله غيره، وإنما القصة لعويمر العجلاني. وقال النووي في "البهمات": اختلفوا في الملاعن علي ثلاثة أقوال؛ عويمر العجلاني، وهلال بن أمية، وعاصم بن عدي. ثم نقل عن الواحدي أن أظهر هذه الأقوال أنه عويمر، وقد تعقب على هذا بأن التخطئة خطأ، فإن حديث هلال ثابت في "الصحيحين"، ولم يتفرد به هشام بن حسان، بل وافقه عباد بن
(أ) في جـ: نفيع، وكذا في الأصل ولكن غير منقوطة، وفي الفتح 8/ 450: تبيع. والمثبت من مصدر التخريج، وينظر تهذيب الكمال 10/ 115.
(ب) ساقطة من: جـ.
(جـ) ساقط من: الأصل، جـ. والمثبت من مصدر التخريج.
_________
(1)
شرح مسلم 10/ 120.
(2)
تفسير القرطبي 12/ 183، وينظر الفتح 8/ 450.
(3)
عارضة الأحوذي 5/ 188.
منصور (1)، وكذا جرير بن حازم عن أيوب أخرجه الطبري (أ) وابن مردويه موصولًا (2)، قال: لما قذف هلال بن أمية امرأته. وترجيح الواحدي مرجوح؛ لأن الجمع الممكن أولى من (ب) الترجيح. وقوله: وعاصم بن عدي. فيه نظر؛ لأن عاصمًا إنما أتى إليه عويمر، وذكر له أن يسأل له النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن ملاعنًا.
والحديث فيه دلالة على أن الزوج إذا عجز عن البينة وجب عليه الحد، ولكنه نسخ وجوب الحد بالملاعنة، ويكون هذا من نسخ السنة بالقرآن. والله أعلم.
وإن كانت الآية الأولى، وهي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (3). سابقة على آية اللعان، كانت هذه الآية إما ناسخة على فرض تراخي النزول عند من (جـ يشترطه لقذف جـ) الزوج، أو مخصصة إذا لم يتراخ النزول؛ لعموم:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} . أو تكون هذه الآية قرينة على أن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} . عموم أريد به الخصوص،
(أ) في جـ: الطبراني.
(ب) في جـ: في.
(جـ-جـ) في جـ: يشترط ذلك القذف.
_________
(1)
أحمد 1/ 238، 239، وأبو داود 2/ 284، 285 ح 2256، والطبري 17/ 180 - 182 (طبعة هجر) من طريق عباد به.
(2)
أحمد 1/ 273، والطبري 17/ 182، 183 (طبعة هجر)، وابن مردويه -كما في الفتح 8/ 450 من طريق جرير به.
(3)
الآية 4 من سورة النور.
وهو من عدا القاذف لزوجته مجازًا، من استعمال العام في الخاص بخصوصه.
1019 -
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة: لقد أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم، فلم أرهم يضربون المملوك في القذف إلا أربعين. رواه مالك والثوري في "جامعه"(1).
هو أبو عمران عبد الله بن عامر اليحصبي (2)؛ بفتح الياء تحتها نقطتان وسكون الحاء المهملة وكسر الصاد المهملة وقد تفتح وبالباء الموحدة، القارئ الشامي، كان عالمًا ثقة حافظًا فيما رواه، من التابعين في الطقة الثانية، أحد القراء السبعة، روى عن واثلة بن الأسقع ومعاوية ولقيهما، وقرأ القرآن على المغيرة بن أبي شهاب المخزومي عن عثمان بن عفان، ولد سنة إحدى وعشرين من الهجرة في أولها، ومات يوم عاشوراء سنة ثماني عشرة ومائة بدمشق، وله سبع وتسعون سنة، وتولى القضاء [زمن](أ) الوليد بن عبد الملك.
والحديث فيه دلالة على أن الحد هنا ينصف على المملوك، كما في
(أ) في الأصل، جـ: من. وينظر تهذيب الكمال 15/ 144، 145.
_________
(1)
7 الموطأ، كتاب الحدود، باب الحد في القذف والنفي والتعريض 2/ 828 ح 17، وعبد الرزاق 7/ 437 ح 13793، وابن أبي شبية 9/ 502، والبيهقي 8/ 251 من طريق الثوري، وليس عند مالك وعبد الرزاق ذكر أبي بكر، وذكره ابن عبد البر في الاستذكار 24/ 117، 118 عن الثوري بذكر أبي بكر.
(2)
ليس هذا هو راوي الحدث بل راويه هو محمد الله بن عامر بن ربيعة العنزي، أبو محمد المدني حليف بني على. ينظر تهذب الكمال 15/ 140، والإصابة 4/ 138.
حد (أ) الزنى، وقد ذهب إلى هذا الخلفاء الأربعة، وعليه جمهور فقهاء الأمصار، وذلك للقياس على حد الزنى، فيكون مخصصًا لعموم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} الآية (1). وذهب ابن مسعود (2) وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وأبو ثور والظاهرية إلى أنه لا ينصف، قالوا: لعموم الآية الكريمة. والجواب ما عرفت.
1020 -
وعن أبي هرورة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قذف مملوكه يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال". مفق عليه (3).
الحديث فيه دلالة على أن السيد إذا قذف عبده لا يقام عليه الحد؛ لأنه لو وجب عليه الحد [في الدنيا](ب) لذكره كما ذكر الحد يوم القيامة، بل ولأنه لو حُدَّ في الدنيا لم يجب عليه الحد يوم القيامة، كما قد جاء في هذا أن الحد كفارة لمن أقيم عليه. وأما إذا قذف المملوك غير مالكه، فأجمع العلماء على أنه لا يجب الحد، ومستند الإجماع القياس على تنصيف الحد لو وجب عليه، فلم يساو الحر، فكذلك لا يساوي الحر في أنه يحد قاذفه لنقصان مرتبته، فلم يجب حد على قاذفه، إلا أم الولد، فإن في قذفها
(أ) في جـ: حديث.
(ب) ساقطة من: الأصل.
_________
(1)
الآية 4 من سورة النور.
(2)
أخرجه وكيع في أخبار القضاة 3/ 9.
(3)
البخاري، كتاب الحدود، باب قذف العبيد 12/ 185 ح 6858، ومسلم، كتاب الأيمان، باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنى 3/ 1283 ح 1660/ 37.
خلافًا؛ فذهبت الهدوية والشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه لا حد على قاذفها؛ لأنها مملوكة قبل موت السيد، وقال مالك وجماعة ومنهم الحسن البصري وأهل الظاهر: إنه يجب الحد. وأخرج عبد الرزاق (1) عن معمر عن أيوب عن نافع، أنه سأل ابن عمر عن قذف أم الولد، فقال: يضرب الحد صاغرًا. وهذا سند صحيح، وذهب محمد بن الحسن الشيباني إلى أنه إن كان معها ولد حد قاذفها، وإلا لم يحد.
(1) عبد الرزاق 7/ 439 ح 13799.