الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: الفصل والوصل بين عناصر الجملة الواحدة
(1)
مقدمة عامّة
يُراد بالوصل الربط بين أجزاء الكلام بحرف عطف، ويراد بالفصل عدمُ الربط بين أجزاء الكلام بحرف عطف.
وأجزاء الكلام قسمان:
القسم الأوّل: "المفرد" ويراد به هنا ما يُقَابل الجملة، وهو الذي لا تتحقّق به وحْدَهُ الفائدة من عناصر الجملة.
القسم الثاني: "الجملة" وهي القول المفيد معنىً تامّاً مُكْتَفِياً بنفسه.
***
(2)
عناصر الجملة
سبق في فصل "بناء الجملة في اللّسان العربي وتقسيمها" أنّ الجملة تتألف من العناصر التالية:
(1)
المسند إليه.
(2)
المسند.
(3)
الإِسناد الذي لا يُصَرّحُ به في اللّفظ.
(4)
ما يتعلّق بواحد ممّا سَبق من توابع وأدواتٍ إِنْ وُجِدَتْ.
والعنصر من عناصر الجملة:
* إمّا أنْ يكون عُنصُراً بسيطاً غير مُرَكّب.
* وإمّا أن يكون عُنْصراً مُرَكَّباً (وما تركَّبَ منه هذا العنصر من أجزاء قد صار بالتركيب جزءاً واحداً فلا تُوصَلُ بحرف عطف) .
وينقسم العنصر المركب إلى سبعة أقسام:
القسم الأول: "المركّب الإِضافي" مثل: "كتابُ اللهِ - صَلاةُ الْجُمْعَةِ - رأسُ الحكمةِ - بَابُ الْعِلمِ".
ومعلوم أنّه لا عطف بين المضاف والمضاف إليه، لأنّهما صارَا بالتركيب الإِضافي بمثابة الكلمة الواحدة، ذات الأجزاء الملتحمة، والإِضافةُ على تقدير حرف جرٍّ بين المضافِ والمضاف إليه.
القسم الثاني: "المركَّبُ الوصْفيُّ" مثل: "الرَّجُلُ الْعَالِمُ زَارَني - أكلتُ طعاماً طيّباً - وسقاهم ربُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً".
ومعلوم أنَّهُ لا عطف في الأصل بيْنَ النَّعْتِ والمنعوتِ به، لأنّ الصفة جزءٌ من الموصوف فهما متشابكان، فلا معنى لعطف الصفة على الموصوف بها، إذ العطفُ في أصل معناه يقتضي التغايرُ، ويكفي للدلالة على كونها صفة إتباعها للموصوف بها في الإِعراب ضمن الشروط المبينة عند النحويين.
القسم الثالث: "المركَّبُ التَّوكيديّ" مثل: "حضر الضيوفُ كلُّهم - فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون".
ومعلوم أنّه لا عطف بين المؤكَّد والمؤكَّدِ به، لأنَّ المؤكِّدَ بهِ محقِّقٌ للمرادِ
من المؤكَّد، فهما بمثابة شيءٍ واحدٍ، فلا معنى للعطف بينهما، والتوكيد تابع من التوابع.
القسم الرابع: "المركّب الْبَدَلِيُّ" سواء أكان بدلاً مطابقاً، أوْ بدلَ بعضٍ من كلٍّ، أو بدَلَ اشتمال، أو بدلاً مُبَايناً، مثل:
{اهدنا الصراط المستقيم * صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (في البدل المطابق) - {قُمِ اليل إِلَاّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} (في بدل البعض من الكُلّ) - أفادني الشيخ عِلْمُه (في بدل الاشتمال) نَاوِلْني كتابَ النحو كتابَ اللُّغَةِ (في البدل المباين) وهكذا
…
".
ومعلوم أنّه لا عطف بين البدل والمبدَلِ منه إذ المراد أن يَحُلَّ البدلُ مكان المُبْدَل منه، والعطف يقتضي اجتماعهما.
القسم الخامس: "المركّب البيانيُّ" وهو ما يكون الجزء الثاني منه معطوفاً على الأوّل عطف بيان، مثل:"أقسم باللهِ أبو حفْصٍ عُمَرُ".
ومعلم أنه لا تتوسط أداة عطف بين البيان والمبيَّنِ، إذْ هُمَا: إمّا بمثابة المركّب الوصفيّ، أو بمثابة المركّب الْبَدَلِيّ.
القسم السادس: "المركب المزجيُّ" مثل: "بعلبَكّ - حضرموت - معديكرب" ونحو ذلك.
ومعلومٌ أنّ المركّب المزجي هو في الحقيقة كلمةٌ واحدة يُلاحَظُ في لفظها أصلُها قبل أن تمتزج عناصرها في كلمة واحدة.
القسم السابع: "الأسْماءُ المركبة من أكثر من كلمة" مثل: "عبد الله - شابَ قرناها - ذو نُوَاس - ذو الخويصرة" ونحو ذلك.
ومعلوم أنَّ الأعلام المركبة من كلمتين فأكثر صارت بالنقل إلى العملية كلمةً واحدة جديدة، تُقال كما كانت قبل النقل إلى العلميّة، وكذلك الألفاظ المتعدّدة
التي تُطْلَق بهيئتها التركيبيَّة على أشياء إطلاقَ النكرات على أجناسها وأنواعها.
القسم الثامن: "المركّب العددي" مثل: "أَحدَ عشر - ثلاثَةَ عشر". والمركب العددي هو بمثابة كلمة واحدة كانت كلمتين، وكان ينبغي عطف الثانية منهما على الأولى بحرف العطف، إلَاّ أنّه اسْتُغْنِيَ عن حرف العطف بينهما باعتبارهما قد صارتا مُرَكَّبَتَيْنِ تركيبَ كَلِمَةٍ واحدة.
***
(3)
الاحتمالات التي يتعرّض لها "المفرد" وكذلك "الجملة التي لها محل من الإِعراب"
"المفرد" المقابل للجملة (ومثله الجملة التي لها محلٌّ من الإِعراب إذ هي مؤوّلة بالمفرد) لا يخلوا عن أن يكون واحداً من الاحتمالات التاليات:
الاحتمال الأوّل: أنْ يكون حرفاً من المعاني أو من الحروف التي تُزاد للتأكيد، في أي موقع من مواقع الجملة.
ومن الملاحظ أنّ الحرف يدخل في الجملة كالجزء من العنصر الذي دخل قبله، كحرف النفي، وحرف الجرّ، وحرف التوكيد، والجزء من العنصر الذي التحق به، كنون التوكيد، ونون الوقاية.
فالحرف بطبيعته ملتحم أو شبه ملتحم بالعنصر الذي دخل عليه أو التحق به من عناصر الجملة، ولهذا كان بطبيعته لا يحتاج وصلاً بحرف عطفٍ بداهةً.
الاحتمال الثاني: أنْ يأتي العنصر في صدر الكلام، وهذا بطبيعة حاله لا يُلاحَظُ وصْلُه بشيء قبله حتى يدخل عليه حرف عطف، إلَاّ أن يُسْبَق بكلامٍ مُقَدَّرٍ ذِهْناً، فقد يكون للمقدّرات الذهنيّة اعتبارات تُلاحظُ في المنطوق من الكلام، مثل:
قَالَتْ بَنَاتُ الْعَمِّ يَا سَلْمَى وإنْ
…
كَانَ فَقِيراً مُعْدِماً قَالت: وَإِنْ
الاحتمال الثالث: أن يكون خبراً لمبتدأً أو لما كان مبتدأ، كاسم "كان" واسم "إنّ".
ومعلومٌ أنّ الرابط بين المبتدأ والخبر رابط معنويٌّ هو الإِسناد الذي يجعل الْمُسْنَدَ وصفاً من جهة المعنى للمسند إليه في الإِيجاب، أو نفي ذلك في السلب، ودليل الإِسناد مع المعنى علامةُ الإِعراب.
الاحتمال الرابع: أن يكون فاعلاً، والرابط بين الفعل أو ما يعمل عمله وبين الفاعل رابط معنوي، وهو الإِسناد الذي يجعل المسند وصفاً من جهة المعنى للمسند إليه في الإِيجاب، أو نفي ذلك في السلب، ودليله مع المعنى علامة الإِعراب.
الاحتمال الخامس: أن يكون مفعولاً به (واحداً أو أكثر إذا تعدَّدت المفاعيل". والرابط بين الفعل أو ما يعمل عمَلَهُ وبين المفعول به رابط معنويٌّ أيضاً مُشْتَقٌ من الإِسناد، ودليله مع المعنى في الجملة علامةُ الإِعراب، ويُلْحَقُ بالمفعول به المجرورُ بحرف جرٍّ، لأنَّ تعدية الفعل إلى المفعول به إمَّا أنْ تكون بغير أداة، أو بأداة حرف الجرّ سواء أكان لمجرّد التعدية أو لإِضافة معنى يدلُّ عليه حرف الجرّ.
الاحتمال السادس: أن يكون مفعولاً فيه (ظَرْفَ زمانٍ أو ظرفَ مكان) والرابط بين الفعل أو ما يعمل عمله وبين المفعول فيه رابطٌ معنويّ أيضاً مشتقٌّ من الإِسناد، وهو رابط يدخل في عموم رابط المفعول به، ودليله مع المعنى علامة الإِعراب، وهو على تقدير حرف الجرّ "في" فلمّا حُذِف نُصِبَ الاسم الذي كان مجروراً به، وأُلْحِقَ بالمفاعيل.
الاحتمال السابع: أن يكون مفعولاً مطلقاً، وهو في الحقيقة كالجزء من
عامله، فهو لا يحتاج ربطاً بحرف عطف، لأنّ الربط بحرف العطف يقتضي في الأصل التغاير، وهذا جزء مكمّلٌ للعامل به، لا مغاير له، وحركته الإِعرابيّة النصب لأنه يدخل في عموم المفاعيل.
الاحتمال الثامن: أن يكون مفعولاً لأجله، وهو في الحقيقة على تقدير حرف علة، ولو كان مصرّحاً به في اللفظ لكان جارّاً لأنه من حروف الجرّ، فلما حذف نُصِبَ الاسم الذي كان مجروراً به وأُلْحِقَ بالمفاعيل.
الاحتمال التاسع: أن يكون مفعولاً معه، مثل:"سِرْتُ والجبَلَ" إنّ مثل هذا التعبير الَّذِي يُفِيدُ المعيَّةَ والمصاحبة أصْلُهُ: سِرْتُ مع الجبل، أي: مصاحباً لأجزاء الجبَلِ في مسيري، فلمّا وُضِعتِ الواو الّتي من معانيها المعيّة بدلَ "مع" والواو ليست اسماً حتَّى تُعتَبَر مضافةً إلى ما بعدها، نُصِبَ ما بعدها إلحاقاً له بالمفاعيل، ولأنّ واو المعية هذه يُمْكِنُ أنْ يُعَبَّر عنها بالحال، فيقال: سِرْتُ مصاحباً الجبلَ، فألْقِيتْ حركة النصْب على المفعول معه.
فالواو في المفعول معه ليست في الحقيقة حرْف عطف، والكلام لا وصل فيه.
الاحتمال العاشر: أن يكون تمييزاً، ومعلومٌ أنّ التمييز هو والمميَّز شيءٌ واحد، فلا يُعْطَفُ عليه بحرف عطف، لأنه في الحقيقة بيانٌ له، والتمييز:
* إمّا منصوبٌ على تقدير حذف حرف "مِنْ" الجارّة، مثل:"اشتريتُ عشرين كتاباً" إذ المعنى اشتريت عشرين من الكتب، وتعليل النصب هنا كالتعليل النصب في المفعول فيه والمفعول لأجله.
* وإمّا مجرورٌ بالإِضافة، مثل:"ثلاثةُ رِجالٍ وعَشْر نِسْوَةٍ" وهذا يدخل في عموم المضاف إليه.
وطبيعيٌّ أن لا يحتاج التمييز إلى الوصل بحرف العطف.
الاحتمال الحادي عشر: أن يكون منادىً، وهو في الحقيقة بمثابة المفعول به، لأنّ أداة النداء نائبة مناب أدعو أوأُنَادي.
الاحتمال الثاني عشر: أن يكون مستثنى، وهو في الحقيقة على وجهين:
* إمّا أن يكون بمثابة المفعول به، لأنّ أداة الاستثناء "إلَاّ" نائبه مناب "استثني".
* وإمّا أن يكون ما بعد أداة الاستثناء معمولاً لما قبلها، ويكون هذا في الاستثناء المفرّغ.
وفي كلٍّ من الوجهين لا يحتاج المستثنى إلى الوصل بحرف عطف.
الاحتمال الثالث عشر: أن يكون حالاً مفرداً غير جملة، والحال في الحقيقة صفة لصاحبها، وهي مع صاحبها كالصفة مع الموصوف، فهي كالجزء منه، فلا تُعْطَفُ عليه بحرف عطف.
الاحتمال الرابع عشر: أن يُرادَ إدْخال عُنْصرٍ في الجملة شريكاً لأحد العناصر السابقة في الحكم، استغناءً بذلك عن تكرار الجمل.
والوسيلة لذلك في معظم الأحوال الوصل بالعطف بحرف من حروف العطف حسب اقتضاء المعنى.
وينبغي أن تُلاحظ هُنا معاني حروف العطف، وشروط العطف بها، على ما فصّله النحويّون واللّغويّون.
وإجمال معاني حروف العطف فيما يلي:
(1)
"الواو" لمطلق الجمع فلا تقتضي بأصل الوضع ترتيباً ولا تعقيباً.
(2)
"الفاء" للترتيب مع التعقيب حقيقةً أو مجازاً.
(3)
"ثُمّ" للترتيب مع التراخي حقيقةً أو مجازاً.
(4)
"حتّى" لانتهاء الغاية.
(5)
"بل" وتأتي على وجهين:
الوجه الأول: للإِضراب والعدول عن شيءٍ إلى آخر بعد كلامٍ مثبت خبراً كان أو أمراً.
الوجه الثاني: للاستدراك بمنزلة "لكن" إذا وقعت بعد نفي أو نَهْي.
(6)
"لكن" للاستدراك.
(7)
"لا" بعد المثبت، وهي تفيد تأكيد إثبات الحكم لما قبلها، ونَفْيَهُ عمّا بعدها.
(8)
"أم" وتأتي على وجهين:
الوجه الأول: "أَمْ" المتصلة، وهي الّتي يكون ما بعدها متًّصِلاً بما قَبْلَها، ومشاركاً له في الحكم، وتقع بعد همزة الاستفهام مثل:"أعليٌّ في الدار أمْ خالد؟ " أو بعد همزة التسوية، مثل:{سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} .
وسُمِّيتْ متّصلة لأنَّ ما قَبْلها وما بَعْدها لا يُسْتَغْنَى بأحدهما عن الآخر.
الوجه الثاني: "أَمْ" المنقطعة، وهي التي تكون لقطع الكلام الأوّل واستئناف ما بَعْدَه، ومعناه الإِضراب، مثل قول الله عز وجل في سورة (الرعد/ 13 مصحف/ 96 نزول) :
هذه هي القاعدة العامّة فيما يراد جعله شريكاً لعنصر من عناصر الجملة التي سبق بيانُها، باستثناء تعدُّد الأخبار، وتعدّد الصفات أو تعدّد الأحوال.
أمّا القاعدة بالنّسبة إلى تعدّد الأخبار.
فإذا جاء في الجملة أخبارٌ متعدّدة لمُبتَدأ أو لما أصله مبتدأ فإذا كان الخبران متكاملين فيما بينهما ومفردَيْن، وهما بقوّة الخبر الواحد، لم يَجُزْ عطفُ الثاني على الأول، مثل:"هذا الرُّمّان حُلْوٌ حامض" لأنهما بمعنى خبَرٍ واحدٍ تقديره: "مِزّ".
والأصل عند تعدّد الأخبار إذا كان اللاّحق مفرداً لا جملة، أَنْ لا يُعْطَفَ اللَاحِقُ منها على السّابق، مثل قول الله عز وجل في سورة (البروج/ 85 مصحف/ 27 نزول) :
{وَهُوَ الغفور الودود * ذُو العرش المجيد * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [الآيات: 14 - 16] .
ويجوز عطف بَعْضِها على بعضٍ لدى ملاحظة غَرَضٍ بلاغيٍّ خاصٍّ بدلُّ عليه العطف، فتقول مثلاً:"عليٌّ بْنُ أبي طالبٍ شجاعٌ ذُو بأسٍ لا تَلِينُ له قناةٌ، وعَالِمٌ وَبليغ، وذُو بَصَرٍ في الأَقْضِية، حتَّى قيلَ: قضيَّةٌ ولَا أبا حَسَنٍ لها".
أمّا إذا كان اللاّحق جُمْلةً فيأتي موصولاً بحرف العطف، مثل قول الله عز وجل في سورة (البروج) أيضاً:
{إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ} [الآية: 13] .
***
وأما القاعدة بالنسبة إلى تعدّد الصفات:
فإذا كان الموصوف لا يتعيّن إلَاّ بعدد من الصفات فيجب إتباعُها وعدم عطف بعضها على بعض.
وإذا كان الموصوف لا يحتاج إلى تعيين أو كان يتعيّن ببضعها فقط، فما يتحقَّقُ به تعيينُ الموصوف منها فإنَّهُ يُذْكَرُ دون توسط حرف عطف، وأمّا سائر الصفات فيجوز فيها وجهان:
الأول: أن تذكَرَ توابع بلا عطف، وهو الأصل، مثل:
{بسم اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم - للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ -} .
الثاني: أن تُذكَرَ معطوفةً، وينبغي أن يُلَاحظ في العطف غرضٌ بلاغيٌ، لأنّ الأصل في النعوت أن تأتي تَوابعَ دون أن تُوصَلَ بحرف عطف.
* ومما جاء من ذلك معطوفاً لغرض بلاغي قول الله عز وجل حكاية لمقالة إبراهيم لقومه في سورة (الشعراء/ 26 مصحف/ 47 نزول) :
فعطف الصفات للتأكيد على أنّ كلَّ واحدةٍ منها كافيةٌ لعابدة الرّب وحده.
* ومنه أيضاً قول الشاعر:
إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وابْنِ الْهُمَامِ
…
وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ في الْمُزْدَحَمِ
الْقَرْمُ: السيّد المعظَّم.
الهُمَامُ: السيّد الشجاع السَّخِيُّ من الرِّجال، والأسد.
فعطفَ الصِّفاتِ مع أنّ الأصل عدمُ عطفها، ليَلْفِتَ النظر إلى أنّه مع كونه ملكاً قَرْماً هو ابْنُ سيِّدٍ شجاع سخي، وهو أيضاً شجاعٌ كالأسد.
* ومن الصفات المتعدّدة الّتي اجتمع فيها الفصل والوصل قول الله عز وجل في سورة (غافر/ 40 مصحف/ 60 نزول) :
{حم* تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم * غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ذِي الطول لَا إلاه إِلَاّ هُوَ إِلَيْهِ المصير} [الآيات: 1 - 3] .
إنَّ صفات {العزيز العليم غَافِرِ الذنب} جاءت منفصلة دون حرف عطف كما هو الأصلُ في الصفات.
وبعدها جاءت: {وَقَابِلِ التوب} صفة معطوفة بالواو على خلاف الأصل لغرضَ بلاغي، وهو فيما أرى دفع توهُّم المطابقة بين غُفْرانِ الذّنْبِ وقبول التوبة، فغفرانُ الذَّنْب قد يكون دون أن يتوبَ الْمذنِبُ من ذنبه، بل يسأل اللهَ الغفران فقط، أمّا قبولُ التوبةِ، بمعنى رجوعِ اللهِ إلى التائب من عباده بفيوضاتِ عطاءاته التي يُعْطِيها المتقين إذا كان منهم، أوَ الأبرار أو المحسنين إذا كان منهم، فهو شيءٌ آخر غير غفران الذنب.
وعاد النص بعد هذا إلى ذكر سائر الصفات دون عطف، وهذا من بدائع القرآن.
***
(4)
الجمل التي لها محلٌّ من الإِعراب
كلُّ جملة صحَّ تأويلها بمفرد فلَهَا محلٌّ من الإِعراب: "الرفع أو النصب أو الجرّ" كالمفرد الذي تُؤَوَّل به، ويكون إعرابُهَا كإعرابه، إذْ تكون واقعة موقعة.
وكلُّ جملة لا يصحُّ تأويلها بمفرد، لأنّها غير واقعة موقع مفرد فليس لها محلُّ من الإعراب.
والجمل التي لها محلٌّ من الإِعراب سبعٌ:
الجملة الأولى: هي الواقعة خبراً، ومحلُّها من الإِعراب الرفع أو النصب بحسب الخبر المفرد الذي وقعت موقعه، مثل:"العلمُ يَرْفَعُ مَنزلةَ صاحبه - كان رسُولُ الله يُواظبُ على قيام اللّيل".
الجملة الثانية: هي الواقعة مفعولاً به، ومحلُّها من الإعراب النصبّ، مثل:{قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله} فجملة "إنّي عبد الله" في محلّ نصب مفعول به لفعل "قال".
الجملة الثالثة: هي الواقعة موقع المضاف إليه، ومحلّها من الإعراب الجرّ، مثل:{هاذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ} فجملة {يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ} في محل جرّ لأنّها في تأويل مفرد هو مضافٌ إليه، والتقدير: يَوْمُ نَفْعِ الصِدْقِ للصادقين.
الجملة الرابعة: هي الواقعة جواباً لشرطٍ جازِمٍ، وشرطها أنْ تقترن بالفاء أو بإذا الفجائيّة، ومحلُّها من الإِعراب الجزم، مثل:{وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} ، {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} .
فكل جملة من هاتين الجملتين: {فماله من هاد - إذا هم يقنطون} واقعة موقع فعل مجزوم هو جواب الشرط.
الجملة الخامسة: هي الواقعة موقع الصفة، ومحلُّها من الإِعراب بحسب الموصوف بها، مرفوعاً كان أو منصوباً أو مجروراً، مثل:"وجاء رجلٌ مِنْ أقْصَى المدينة يَسْعَى - الزَمْ عالماً يُعَلِّمُ عُلُومَ الدِّينِ الإِسْلامي - اعتَصِمْ بِحَبْلٍ يَصِلُكَ باللهِ".
فكل جملة من هذه الجمل الثلاث "يَسْعَى - يُعَلّم علوم الدين الإِسلامي - يَصِلُكَ بالله" واقعة موقع صفة للاسم النكرة الذي قبلها.
الجملة السادسة: هي الجملة التابعة لجملة لها محلُّ من الإِعراب، ومحلُّها من الإِعراب يكون بحسب الجملة التي هي تابعة لها، رفعاً أو نَصْباً أوْ جرّاً، مثل:"كُلُّ حيوانٍ يأْكُلُ وَيَشْرَبُ - كَانَ رَسُولُ الله يَحْمِلُ الكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ ويُعِينُ عَلَى نَوائب الدهر - مرَرْتُ بِرَجُلٍ يأكُلُ بِشَرَهٍ، يأْكُلُ بِشَرَهٍ".
الجملة السابعة: هي الجملة الواقعة موقع الحال، ومحلُّها من الإِعراب النصب، كالحال التي جاء لفظها "مفرداً غير جملة" ومؤولة بمفرد، فقول القائل:"وُلِدَ الطفْل يَبْكي" هو بمثابة قوله: "وُلِدَ الطفلُ بَاكياً".
وكان الأصل في الجملة الحالية أن تكون خالية من الواو، لأنّها كالنعت مع المنعوت به، وأن يكون الربط بين الجملة الحالية وصاحبها ضميراً فيها يعود عليه.
ولكن قد تكون الجملة الحاليّة خاليةً من هذا الضمير الرابط، مثل:"صلَّى المتهجّد -الناسُ نَائمون" إذا أُريد أن تكون جملة "الناسُ نائمون" جملةً حاليَّة. أو يكون هذا الضمير الرابط صدر الجملة الحالية، مثل:"سافر خالد - هو صائم" إذا أريد أن تكون جملة "هو صائم" حاليّة. إلَاّ أنّ مثل هذين التعبيرين لا دليل فيهما على أنّ جملة كلّ منهما جملة حاليّة، فجاء في اللّغة العربية اختيار حرف "الواو" التي تستعمل في العطف، رابطاً يدلُّ على أنّ الجملة حالية، سواء قلنا بتجريد هذه الواو من معنى العطف، أو قلنا بأنّ معنى العطف ما زال باقياً يجمع الصفة التي دلَّتْ عليها الحال مع الصفة المسندة إلى صاحب الحال التي دلّ عليها الْمُسْنَدُ فِعلاً كان أو غيره، وقد أُضيف إلى معنى الجمع بين الوصفين معنى الحاليّة.
ودعت ذَوْقِيَّةٌ جماليَّةٌ وفكريَّةٌ في الجمل الحاليّة أن تجب واو الحال في بعضها، وأن تَمْتَنِعَ في بَعْضِها، وأن يجوز ذكرها وتركها في بعضها.
* فتجب واو الحال في ثلاث صور.
* وتمتَنِعُ في سبْع صُور.
* ويجوز ذكرها وتركها فيما سوى ذلك.
على ما فصله النحويّون في باب الحال، وذكره البلاغيّون في باب "الفصل والوصل" استكمالاً لذكر أحوال "الواو" في الْجُمَل وجوداً وعدماً، على اعتبار أنّ "واو" الحال تدخل في عموم الواو العاطفة، إلَاّ أنني رأيت إحالة أمر هذه الواو على مقرّره النحاة بشأنها.
وممّا سبق ظهر لنا أنّ الجمل التي لها محلُّ من الإِعراب هي بمثابة المفرد،
لأنَّها تُؤَوَّلُ بمفرد، وتَشْمَلُها أحكام المفرد في الوصل والفصل، حتَّى الجملة الحالية التي تدخل عليها واو الحال رابطةً، إذا لاحظنا أنَّ هذه الواو قد استدعاها حاجة الجملة الحالية إلى رابط، والأصل فيه أن يكون ضميراً يعود على صاحب الحال، وحين تُسْتَخْدَمُ واو الحال للربط فليس ذلك من وصل الجمل بالعطف، وإنما هو للدلالة على معنى الحالية بحرف رابط.
***