الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: البلاغة - البلاغة في اللّغة
البلاغة في اللّغة:
البلاغة عند أهل اللّغة هي حُسْنُ الكلام مع فصاحته وأدائه لغاية المعنى المراد.
والرجل البليغ هو من كان فصيحاً حسَنَ الكلام يَبْلُغُ بعبارة لسانه غايةَ المعاني الّتي في نفسه، ممّا يُرِيد التعبير عنه وتوصيلَهُ لمن يُرِيد إبلاغه ما في نفسه.
وأصل مادّة الكلمة في اللّغة تدور حول وُصُولِ الشيء إلى غايته ونهايته، أو إيصال الشيء إلى غايته ونهايته.
تقول لغةً: بلغَ الشّيءُ يَبْلُغُ بُلوغاً وبلاغاً، إذا وصل وانتهى إلى غايته.
وتقول: أبلغْتُ الشيءَ إبلاغاً وبَلَاغاً، وبلَّغتُهُ تَبْليغاً، إذا أوصلته إلى غايته ونهايته.
وبَلَغَ الْغُلَامُ وبَلغت الجارية، إذا وصَلا إلى انتهاء مرحلة ما دون التكليف، ودخلا في مرحلة التكليف، ويكون ذلك باحتلام الغلام وحيض الجارية، ويُقَال: ذكَرٌ بالغ، وأنثى بالغٌ وبالغة.
والأمر البالغ، هو الأمر الذي وصل إلى غايته فكان نافذاً.
والبلاغَةُ تكون وصفاً للكلام، ووصفاً للمتكلّم.
بلاغة الكلام في الاصطلاح:
هي مطابقة الكلام لمقتضى حَال من يُخَاطبُ به مع فصاحة مفرداته وجُمَله.
فيشترط في الكلام البليغ شرطان:
الشرط الأول: أن يكون فصيح المفردات والجمل.
الشرط الثاني: أن يكون مطابقاً لمقتضى حال من يُخَاطبُ به.
ولمّا كانت أحوال المخاطبين مختلفة، وكانت كلُّ حالةٍ منها تحتاج طريقةً من الكلام تلائمها، كانت البلاغة في الكلام تستدعي انتقاء الطّريقة الأكثر ملاءمة لحالة المخاطب به، لبلُوغ الكلام من نفسه مبلغ التأثير الأمْثل المرجوّ.
الأحوال التي تستدعي اختلافاً في طرائق الكلام وأساليبه:
أمّا الأحوال التي تستدعي اختلافاً في طرائق الكلام وأساليبه، فتكادُ لا تُحْصرُ.
* فمنها ما يستدعي من الكلام إيجازاً.
* ومنها ما يستدعي من الكلام بَسْطاً متوسّطاً.
* ومنها ما يستدعي من الكلام بَسْطاً مطوْلاً.
* ومنها ما يستدعي خطاباً بصورة مباشرة.
* ومنها ما يستدعي خطاباً بصورة غير مباشرة.
* ومنها ما يستدعي تنكيراً، أو يستدعي تعريفاً.
* ومنها ما يستدعي إطلاقاً، أو يستدعي تقييداً.
* ومنها ما يستدعي ذِكراً، أو يستدعي حذفاً.
* ومنها ما يستدعي وصلاً بحرف العطف، أو يستدعي فصلاً.
* وخطاب الذكيّ يُخَالف خطاب الغبيّ.
* وحال الوعظ يستدعي خطاباً غير حال البيان العلمي.
* وحال الدعاء والتماس مطلوب، يستدعي خطاباً غير حال التكليف من ذي سلطان.
* وخطاب أهل العلم والمعرفة يخالف خطاب الذين لا علم لديهم.
* وخطاب الملوك والأمراء والرُّؤساء يخالف خطاب العامّة.
* وخطاب أهل الحضر يُخَالف خطاب أهل البداوة وأهل المدَر.
* ولكل أهل صنعة خطابٌ يُلائم صناعتهم.
* والصغارُ وأحْداثُ الأسنان لَهُم ألوان من الخطاب تلائم حداثتهم، وصِغَر أَعْمَارِهم.
* إلى غير ذلك من أصناف المخاطبين، وأحوالهم النفسيّة والاجتماعية، وأحوال المتكلّم وظروف الكلام.
واختيار الأسلوب من الكلام الملائم للمخاطب، أو الأكثر ملاءمة له يحتاج فطنةً عاليةً، وذكاءً حادّاً، وخيرات كثيرات بخطاب الناس.
ويُلْحَقُ بمطابقة الكلام لمقتضى حال المخاطب وجوهٌ أُخَرُ كثيرةٌ تورثُ الكلامَ حُسْناً.
وَكُلَّما كان الكلام مع فصاحة مفرداته وجمله أكثر مطابقة لحال المخاطب وتأثيراً في نفسه، كانَ أعلَى حُسْناً، وأرفَعَ منزلةً في مراتب البلاغة ودرجاتِها.
وتتنازلُ الدرجات وتنحطُّ بمقدار بُعْدِ الكلام عن مطابقة مقتضى حال المخاطب وضَعْفِ تأثيره في نفسه.
وللكلام البليغ حدٌّ أعْلَى رفيعٌ، وهو حدُّ الإِعجاز، وما يَقْربُ منه. ولَهُ حدٌّ أسْفَلُ مُنْحطٌّ إذ نزلَ عنْهُ درجَةً واحدةً الْتحقَ عند البلغاء بأصواتِ الحيوانات.
وبين الحدّ الأعلى والحدّ الأسفل مراتب ودرجاتٌ كثيراتٌ يتعذَّرُ على الناس إحصاؤها.
بلاغة المتكلّم في الاصطلاح:
هي ملكَةٌ "أي: صفةٌ ثابتةٌ مستقرّة في ذاتِ المتكلّم" يستطيع بها تأليف كلامٍ بليغ.
ولمّا كان كلُّ كلام بليغٍ لا بدّ أن يكون فصيح المفردات والْجُمَل كان كلُّ كلامٍ بليغٍ كلاماً فصيحاً، وَكان كلُّ متكلِّمٍ بليغٍ متكلّماً فصيحاً.
لكن قد يكون الكلام فصيحاً وَلا يكون بليغاً، لأنّ الفصاحة أعمُّ، والبلاغةَ أخصُّ دائماً، فكلُّ بليغٍ فصيحٌ، كلاماً أَوْ متكلّماً، وليْسَ كلُّ فصيحٍ بليغاً، فالكلام الفصيح لا يكون كلاماً بليغاً حتَّى يكون مطابقاً لمقتضى حالِ المخاطب به.
عناصر البلاغة في الاصطلاح:
ممّا سبق يتبيّن لنا أنّ البلاغة ترجع في أصولها العامة إلى تحقّق العناصر السّتَّةِ التالية:
العنصر الأول: الالتزام بما ثبت في متن اللّغة وقواعد النحو والصرف، واختيار الفصيح من المفردات والْجُمَل والقواعدِ.
العنصر الثاني: الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد.
العنصر الثالث: الاحتراز عن التعقيد في أداء المعاني المرادة، سواء من جهة اللّفظ أو من جهة المعنى.
العنصر الرابع: انتقاء الكلمات والعبارات الجميلة، الّتي يُدْرِكُ جمالَها الحسُّ المرهف، والذّوْقُ الرفيع لدى البلغاء.
العنصر الخامس: تصيُّد المعاني الجميلة، وتقديمها في قوالب لفظيّةٍ ذاتِ جمالٍ.
العنصر السادس: تزيين الكلام بالمحسِّنَات التي تَسْتَثِيرُ إعجاب المخاطَبِين.
والمحسّنَاتُ التي تُزَيّنُ الكلامَ وتَزِيدُه جمالاً لا تُحْصَرُ، وباستطاعة الموهوبين أن يبتكروا فيها دواماً أشياء جديدةً لم يتوصَّلْ إليها البلغاء السّابقون من الناس.
***