الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتعلق بهذا مباحث مهمة:
المبحث الأول: ما في ظاهر ألفاظ بعض السلف من اختلاف عما نقلنا وجوابه
سبقت الإشارة إلى أن بعض السلف عبروا عن المعنى الواحد المجمع عليه بينهم بعبارات مختلفة، ولما كان ظاهر بعض هذه العبارات قد يفهم منه مخالفته للعبارة المختارة المنقولة عن الأكثر وهي:"قول وعمل يزيد وينقص"، فإنه يحسن بنا إيضاح المسألة ورفع هذا الاحتمال، فنقول:
قد نقلت كتب السنة - المذكور أكثرها قريباً - مثل كتاب الخلال والسنة لعبد الله بن الإمام أحمد واللالكائي والآجري وابن بطة والطبري - أقوالاً من هذا القبيل عن بعض السلف - كسفيان والأوزاعي ونحوهم، وبعضها عن المتقدمين من الصحابة والتابعين.
ومدار هذه الأقوال على وجوه:
1 -
من عرف الإيمان ببعض خصاله، كمن قال: الإيمان هو الصبر واليقين. أو الإيمان هو الصبر والشكر ونحوها، ومعلوم أن هؤلاء لم يقصدوا حقيقة التعريف الاصطلاحي، وإنما قصدوا بيان أهمية هذه الخصلة، وقد ورد نحو ذلك في أحاديث مرفوعة يأتي بعضها في مبحث أعمال القلوب.
2 -
من زاد في التعريف زيادة قد يحسبها الناظر ركناً أو قيداً لا يتم التعريف إلا به، وأكثر ما ورد من ذلك زيادة بعضهم لفظ (النية) فقالوا:"هو قول وعمل ونية" ومنهم من زاد عليها: "موافقة السنة". ومن الواضح أن هذه الزيادات لم يقصد بها أن الكلمة المتواتر نقلها: "قول وعمل" ناقصة فاستدركوا على قائليها بهذا الزيادة، وإنما قصدوا التنبيه على صحة النية وموافقة السنة، مع دخولها في أعمال القلب والجوارح التي تشملها جميعاً كلمة "قول وعمل" على ما سيأتي تفصيله في المبحث التالي.
وإنما لم يذكرها الأكثرون لأنها شرط لصحة كل عمل شرعي بلا استثناء، فلا حاجة لذكرها في كل تعريف، وأيضاً فإن العبارة هي أشبه بالحد العقلي، والحدود لا تذكر فيها الشروط وإنما تذكر الأركان. ومما يوضح ذلك أن الإمام أحمد رحمه الله قال هو أيضاً:"الإيمان قول وعمل ونية صادقة" لكن لما سأله بعض تلاميذه: هل لا بد من النية؟ وهو سؤال يشعر بأن من لم يذكرها قد أخل بالمراد - قال الإمام: "النية متقدمة"(1) ، أي فمن لم يذكرها فلبداهتها، ومن ذكرها فلأهميتها، ففي كلام الإمام هذا إشارة لسبب ترك أكثر السلف، وهو أيضاً في أكثر كلامه (2) .
3 -
من عبّر بألفاظ أخرى قد يفهم منها أنها تخالف تلك الكلمة أو استدراك عليها وأشهر هذه الألفاظ قول من قال منهم: "هو اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان" وهذه العبارة شاعت عند المتأخرين من أهل السنة، والظاهر أنهم اختاروها احترازاً من الفهم الخطأ الذي فهمه المبتدعة - وغيرهم - من قول السلف:"قول وعمل" حيث فهموا أن القول خاص باللسان، والعمل خاص بالجوارح، فكأن السلف غفلوا عن الإيمان القلبي. وهذا من أسوأ الفهم، ولهذا اقتضى الأمر تبيين معنى كلام السلف على النحو الآتي في المبحث الثاني.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "
…
ومن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الإيمان، فتارة يقولون: هو قول وعمل ونية، وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية واتباع سنة، وتارة يقولون: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح.
قال: وكل هذا صحيح، فإذا قالوا: قول وعمل، فإنه يدخل في القول قول القلب واللسان، وهذا هو المفهوم من لفظ القول والكلام ونحو ذلك إذا أطلق
…
"
وذكر اختلاف الأقوال في مسمى الكلام، ثم قال: "والمقصود هنا أن من قال من السلف: الإيمان قول وعمل، أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح.
(1) الخلال، لوحة 98 ب.
(2)
مثلما في لوحة 99 وغيرها.
ومن أراد الاعتقاد، رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب.
ومن قال: قول وعمل ونية، قال: القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان وأمّا العمل فقد لا يفهم منه النيّة فزاد ذلك.
ومن زاد اتباع السنة، فلأن ذلك كله لا يكون محبوباً لله إلا باتباع السنة.
وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل، إنما أرادوا ما كان مشروعاً من الأقوال والأعمال، ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولاً فقط، فقالوا: بل هو قول وعمل.
"والذين جعلوه أربعة أقسام فسروا مراده، كما سئل سهل بن عبد الله التستري (1) عن الإيمان ما هو فقال: قول وعمل ونية وسنة، لأن الإيمان إذا كان قولاً بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سنة فهو بدعة"(2) .
من وضع بدل كلمة: "قول" كلمة: "إقرار" أو "تصديق وعمل"، أو نحو ذلك، وهذا أيضاً مما أساء المرجئة فهمه وتأولوه على مذهبهم، مع أن السلف لم يقصدوا المغايرة بين القول والإقرار، أو القول والتصديق، كما أن معنى الإقرار والتصديق عندهم يختلف عما قررته المرجئة وعلى ما يأتي تفصيله في المبحث الثاني، وما أكثر ما ضل المبتدعة بسبب عدم أخذ معاني اصطلاحات السلف من مصادرهم وكلامهم.
(1) هذه الأقسام منقولة عمن هو أقدم من سهل وأفضل، كالأوزاعي انظر: الإيمان280، والشافعي الإيمان 197. وإنما ميزة كلام سهل أنه فسر، وسهل من قدماء المتصوفة الذين كانوا في الأسماء والصفات على مذهب السلف.
(2)
الإيمان 162- 163