المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ بيعة العقبة الأولى - التحالف السياسي في الإسلام

[منير الغضبان]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي البحث

- ‌ ابتدأت الحركة الإسلامية مسارها الأول

- ‌كانت المرحلة الثانية

- ‌ كانت المرحلة الثالثة)

- ‌أولا: الحلف لغة وشرعا:

- ‌ثانيا: الأحلاف في مرحلة الضعف

- ‌أ - حلف الفضول

- ‌ب - حلف المطيبين

- ‌حلف أبي طالب مع رسول الله

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌المرحلة الثالثة

- ‌المرحلة الرابعة:

- ‌عودة إلى الحلف السابق

- ‌جـ - حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والمطعم بن عدي

- ‌د - صور من الأحلاف لم تنجح

- ‌ثالثا: التحالف في مرحلة تأسيس الدولة

- ‌ بيعة العقبة الأولى

- ‌بيعة العقبة الثانية:

- ‌بنود البيعة:

- ‌التأكيد على خطورة البيعة:

- ‌اثنا عشر نقيبا:

- ‌شيطان يكشف المعاهدة:

- ‌استعداد الأنصار لضرب قريش:

- ‌قريش تقدم الاحتجاج إلى رؤساء يثرب:

- ‌تأكد الخبر عند قريش ومطاردة المبايعين:

- ‌ميثاق الدولة الجديد

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني

- ‌الباب الثالث

- ‌((الباب الرابع))

- ‌ ملاحظات

- ‌مع الباب الأول:

- ‌مع الباب الثاني

- ‌مع الباب الثالث

- ‌مع الباب الرابع:

- ‌أولا: ميثاق الجبهة الإسلامية

- ‌ثانيا: ميثاق عامة الشعب

- ‌ثالثا: ميثاق الفئات والتجمعات غير الإسلامية

الفصل: ‌ بيعة العقبة الأولى

الخارجية، أو في بنائها الداخلي، ولا يغيب عن ذهننا أن لقاء العقبة الأول والثاني هو بيعة وليس حلفا، وهذا يعني أنه دليلنا في العمل داخل حركتنا الإسلامية الواحدة أو داخل جبهتنا الإسلامية المتحدة. وهذا لعمري هو أحوج ما نكون إليه في مجال القدوة أو الأسوة. ونبادر إلى القول سلفا. أن الحلف الوحيد في هذه المرحلة هو ميثاق المدينة الذي حدد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيعة العلاقة مع الفئات غير المسلمة في دولته الجديدة. وهو ما نحرص على تحديده اليوم. والذي سندرسه إن شاء الله عقب الحديث المختصر الضروري عن بيعتي العقبة.

انتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم عاما كاملا على الموعد الذي تم بينه وبين النفر الستة من الخزرج، وتم لقاء جديد في العقبة أطلق عليه فيما بعد-‌

‌ بيعة العقبة الأولى

- وهو كما رواه ابن إسحاق: (حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا. فلقوه بالعقبة وهي العقبة الأولى. فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب

) (1).

وعن عبادة بن الصامت قال: كنت فيمن حضر العقبة الأولى. وكنا اثني عشر رجلا. فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء. وذلك قبل أن تفترض الحرب. على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف فإن وفيتم فلكم الجنة. وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر (2).

(1) تهذيب السيرة لابن هشام [ص:102].

(2)

روى البخاري هذه الرواية بهذا المعنى. عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

ص: 55

والذي يعنينا من هذه البيعة هو النقاط التالية:

1 -

إتجه الخط السياسي الإسلامي كله للبناء الداخلي. والتركيز على يثرب بالذات ولقد كان لهؤلاء النفر الستة دور كبيرفي بث الدعوة إلى الإسلام خلال هذا العام. فكما يقول ابن إسحاق:

(فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشى فيهم فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلقد توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي البناء الداخلي في المدينة، وإلى بث الفكرة في صفوفها.

2 -

حضر بيعة العقبة الأولى اثنان من الأوس، وهذا تطور خطير لمصلحة الإسلام، فبعد الحرب العنيفة في بعاث استطاع النفر الستة من الخزرج أن يتجاوزوا قصة الصراعات الدموية الداخلية، ويحضروا معهم سبعة جددا، فيهم اثنان من الأوس، وهذا يعني أنهم وفوا بالتزاماتهم التي قطعوها على أنفسهم في محاولة رأب الصدع، وتوجيه التيار لدخول الإسلام في المدينة أوسها وخزرجها وتجاوز الصراعات القبلية القائمة.

3 -

وكان التطور الجديد الذي أثمرته بيعة العقبة بعث مصعب بن عمير ممثلا شخصيا للرسول صلى الله عليه وسلم إلي المدينة، يشرف على تطور الموقف، ويفقه المسلمين بهذا الدين الجديد، وكل هذا ضمن النشاط الفكري والسياسي، والاتجاه للتعبئة وتكوين الأنصار المعتنقين لهذه العقيدة.

4 -

واستطاع الدبلوماسي الإسلامي الأول في المدينة بحكمته وحصافته وذكائه السياسي أن يجر أكبر قيادات الأوس للإسلام، أسيد بن حضير وسعد بن

ص: 56

معاذ، خلال العام الجديد، ولم يبق في بني عبد الأشهل- بطن كبير من الأوس- رجل ولا امرأة ولا طفل إلا ودخل في الإسلام.

لقد أصبح التيار عارما، والاتجاه معبأ لقيام الدولة الإسلامية في المدينة- إذا صح التعبير- وأصبحت مهمة القيادة تنظيم هذه الطاقات كلها لصالح المعركة.

5 -

وهذا ما خطط له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن بذل كل ما يملك من جهد لتعبئة الطاقات الإسلامية في المدينة. ولم يكن هناك أدنى تقصير في الجهد البشري الممكن في بناء القاعدة الصلبة التي تقوم على أكتافها الدولة الجديدة واحتمل هذا الجهد سنتين كاملتين من الدعوة والتنظيم. وتفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصب جهده عليه، تاركا- لفترة مؤقتة- الانشغال في الجهود السياسية الخارجية موجها كل طاقاته عليه الصلاة والسلام لبناء الصف الداخلي الواحد المتراص. من قوم كان بينهم قبل أقل من عام دماء وثارات.

6 -

وتمت التعبئة الكاملة. حين شعرت القاعدة الصلبة أنه قد آن الأوان لقيام الدولة الجديدة، وكما يقول جابر رضي الله عنه وهو يمثل هذه الصورة الرفيعة الرائعة:(حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف؟)(1).

لقد أصبحت النفوس جاهزة للانطلاق، وتنتظر إشعال الفتيل للحرب ضد الجاهلية المستحكمة.

7 -

ووصل مصعب رضي الله عنه إلى مكة قبيل الموسم الثالث عشر للبعثة، ونقل الصورة الكاملة التي انتهت إليها أوضاع شباب الإسلام هناك،

(1) السيرة النبوية لابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رواية إلى الزبير عن جابر.

ص: 57

والقدرات والإمكانات المتاحة، وكيف تغلغل الإسلام في جميع قطاعات الأوس والخزرج، وأن القوم جاهزون لبيعة جديدة قادرة على حماية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعته.

8 -

واستجابت إرادة الله تعالى وأذن للمسلمين بالقتال. فخطوات بناء الدولة المسلمة لا تتم إلا بعد بناء قاعدتها الصلبة. يقول ابن اسحاق: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب، ولم تحلل له الدماء، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى، والصفح عن الجاهل، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم، ونفوهم من بلادهم، فهم بين مفتون في دينه، وهم بين معذب في أيديهم وبين هارب في البلاد فرارا منهم، ومنهم بأرض الحبشة ومنهم من بالمدينة وفي كل وجه، فلما عتت قريش على الله عز وجل وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم، وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه. أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم. فكانت أول آية أنزلت في إذنه له في الحرب وإحلاله له الدماء والقتال، فيما بلغني عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء قول الله تبارك وتعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (*) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (*) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (1) أي إني إنما أحللت لهم القتال لأنهم ظلموا ولم يكن لهم

(1) - الحج- 39 - 42 -

ص: 58