الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع الباب الأول:
ميثاق المؤاخاة بين المسلمين
1 -
الكتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الرسول المبلغ عن ربه، وهو الحاكم بشريعة الله سبحانه، وأمير المؤمنين من بعده يمثل سلطة التنفيذ.
2 -
الكتاب بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، فهو يمثل كتلة المسلمين الواحدة، أو ما نصطلح عليه اليوم بالجبهة الإسلامية.
3 -
ويعني هذا التحديد حرية التنظيم للعمل الإسلامي. فالفئات الإسلامية التي تعلن التزامها بالإسلام والجهاد في سبيله، وترتضي القيادة الجديدة للحكم الإسلامي فلا مساس بتنظيماتها.
4 -
هؤلاء جميعا أمة واحدة من دون الناس، فمفهوم الأمة قائم على أساس الدين.
5 -
المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم ويفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وقد ذابت الكيانات القبلية بين المهاجرين. فلا ضير أن تقوم الدولة الإسلامية بتنظيم المسلمين الوافدين إليها من خارج الدولة في تجمع واحد أو تجمعات حتى تحدد حقوقهم وواجباتهم.
6 -
لقد أخذ التنظيم الإسلامي في المدينة طابع القيادات القبلية فأبقى وضع الناس على حاله من هذه الناحية. والتنظيم الإسلامي اليوم يقوم على الارتباط بعالم أو داعية أو حزب
…
ولا بأس من بقاء ذلك.
7 -
ونحن هنا إذن أمام ثلاث نماذج من التنظيم:
آ - نموذج التنظيم الحزبي ((قريش)).
ب - نموذج التنظيم القبلي ((بنو
…
)).
ج - نموذج التنظيم العفوي ((وهؤلاء يتبعون للدولة مباشرة)).
8 -
وقد حدد الإسلام نوعين من الالتزامات المالية هي من مسؤولية هذا التنظيم،
هما: الدية وفك العاني. الدية تحملها القبيلة وكذلك فك الأسير من هذه القبيلة، وافتداؤه بالمال. والمقصود من هذا الأمر هو القضاء على السؤال والتسكع على الأبواب في المجتمع الإسلامي.
9 -
وإذن فلا بد من تكافل اجتماعي تحمله إحدى التنظيمات القائمة. الشخصية أو الحزبية أو العشائرية ويحدد انتساب الشخص في هذا المجتمع فلا يباد دون أن يدري به أحد.
10 -
والالتزام المالي الثالث الذي نظمه هذا الميثاق هو: المفرح: أي المثقل في الدين الكثير العيال وهذا يعني الجانب الاحتياطي حيث يتعاون المؤمنون عند عجز العاقلة من القبيلة أو التنظيم عن الوفاء بالحاجة.
11 -
وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم. فالظالم الباغي يحاربه كل المجتمع. ولقد كان هذا تطورا هائلا في التاريخ البشري من قول الشاعر:
لا يطلبون أخاهم حين يندبهم
…
في النائبات على ما قال برهانا
إلى أن يكون كل المؤمنين على الباغي الظالم. وحدد رسول الله صلى الله عليه وسلم نصر الأخ وهو ظالم بردعه عن ظلمه.
12 -
وكان لا بد من النص على هذا الموضوع والتأكيد عليه لأن البناء القبلي هو الذي يجعل للظالم سندا وسطوة من قبيلته. وطالما أنه أقر البناء القبلي في المجتمع، فلا بد من سلبه كل شروره وآثامه، وأن لا وجود للقبيلة أمام الشرع في تأييد الظالم ونصره.
13 -
وعلاقة هذا الأمر في حركتنا الإسلامية علاقة مباشرة. فلئن كان الظالم يأخذ سلطته وسطوته من قبل من نظام القبيلة. فلو أتيح للحركة الإسلامية والجبهة الإسلامية أن تحكم فسوف يأخذ أعضاؤها سطوتهم وسلطتهم واستغلالهم من خلالها، كما نرى في كل نظم العالم التي يستغل أبناء الحزب الحاكم مقدرات الأمة وأملاكها. ولعل أبشع ما نرى ذلك في سورية اليوم أمام
استغلال أبناء الطائفة النصيرية لكل مقدرات أمتنا يبتزونها حقوقها حتى صار الاستئثار الحزبي لا يذكر أمام الجشع الطائفي.
فما أحوج الحركة الإسلامية أن تربي أبناءها على هذا الفهم وأن تعلن للدنيا أن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين.
14 -
((وأن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم)). فهو تأكيد ثان وتنصيص آخر على أن الأمة كلها حرب على الظالم فيها. ويشترك في الحرب كل الأمة- ولو كان ولد أحدهم- إن هذا التطمين هو الذي يريح الطوائف الأخرى ويثلج صدرها وهي تتصور أن الحركة الإسلامية إن حكمت فهي نسخة جديدة عن الحزب القائد والحزب الرائد. والأمة كلها تنال العسف والظلم.
15 -
((ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرا على مؤمن)). هكذا بدون لجلجة ولا تردد، فالكافر في الأصل مباح الدم لأنه خرج على ربه وعصاه. فإذا تصرف الكافر بشر أو تحدى مشاعر مسلم. فقتله المسلم. فليس من حق المؤمن الآخر أن يأتي فيثأر لقتيله الكافر بدم المؤمن. ولا بد من التحقيق من قبل السلطة المسلمة، لتحق الحق. ويكفي أن نتصور عظمة هذا النص ومدى مفعوله لدى الشباب المؤمن من خلال جواب عبد الله بن عبد الله بن أبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم. يا رسول الله بلغني أنك قاتل أبي. فإن كنت لا بد فاعلا، فمرني فأنا آتيك برأسه. ولقد علمت الأنصار أنه ما أحد أبر بأبيه مني. فأخشى أن تأمر غيري بقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل رجلا مؤمنا بكافر، فأدخل النار.
فلقد بلغت القناعة بعبد الله بن عبد الله، أن قتله مؤمنا بكافر هو استحقاق للنار.
16 -
وكم كان هذا النص ضروريا والمسلمون يخوضون معارك دامية ضد
الكافرين. ولو لم يكن هذا القيد لقتلوا بعضهم حمية وثأرا لآبائهم وإخوانهم. إن هذا النص تحطيم ثالث للقبلية الجاهلية التي قد تدفع بعض أبناء القبيلة للانتقام من كافر فيها استحق القتل، فيستعر القتل بين المؤمنين.
17 -
والذي يعنينا من هذا النص في واقعنا الإسلامي المعاصر هو القضاء على النزعات الجاهلية الوطنية والقومية والقبلية التي تريدنا أن نثأر للعرب لكونهم عربا فقط ولو كانوا يحاربون الله ورسوله وجماعة المؤمنين. ولا بد حتى يفهم هذا النص على حقيقته من ربطة بالنص السابق، فالمؤمنون كلهم على الباغي والدولة المسلمة هي التي تحقق فتقتل الباغي وتنصر المظلوم.
18 -
((وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم)) فكرامة أدنى فرد من المسلمين وكلمته تسري على جميع المسلمين، وإجارته لشخص ينفذها رئيس الدولة. وجهاز السلطة. فأدنى المسلمين وأكبرهم سواء. وكما قلنا فهذا الميثاق هو في البناء الداخلي الذي يعلمنا قيمة الفرد في الجماعة المسلمة وقيمة المسلم مهما ضؤل شأنه فله حق الأجارة لكافر ويسري هذا الحق على المسلمين جميعا فلا يتعرض له أحد بسوء طالما أنه في إجارة هذا المسلم.
19 -
والولاء والنصرة بين المؤمنين، إن رابطة الولاء والتناصر قائمة على أساس العقيدة لا على أساس القرابة أو النسب أو الوطنية أو الأرضية المحلية أو القومية الكبيرة.
20 -
وليس هذا الولاء فقط للمؤمنين. بل حتى غير المؤمنين الذين ارتضوا ولاءهم وقيادتهم وساروا في مخططاتهم كما يقول النص النبوي ((وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم)).
فمثل هؤلاء الأفراد الذين يقدمون ولاءهم للحركة الإسلامية رغم اختلافهم معها في العقيدة يعرضون أنفسهم للخطر الماحق من فئاتهم أو
طوائفهم. والحركة الإسلامية مسؤولة عن حمايتهم والدفاع عنهم لهم حق النصر ولكن ليس لهم حق البغي، واحتمال بغيهم كبير لأن منطلقهم الإسلامي ضعيف. فحدد لهم النص النبوي ما لهم وما عليهم، واعتبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جزءا من البناء الداخلي، يأخذون أحكام الولاء بين المؤمنين.
21 -
((وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا)) وما عندنا اليوم هو العمليات الفدائية المباركة التي نذر شبابها أنفسهم لله. ومهمة القيادة أن ترفد هؤلاء الغزاة في سبيل الله بشكل دائم في العتاد والرجال والمال، ولا يجوز أن يقع الضغط كله على بلد أو شخص أو مجموعة. لا بد للقيادة العامة وقيادة العمليات أن تعد الكتائب المتلاحقة التي يعقب بعضها بعضا وتحمل راية الجهاد من يد إلى يد حتى يأذن الله تعالى بالنصر المبين.
22 -
((وأن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله)). إنه التعاون والتناصر كذلك في الدماء في سبيل الله يتعاونون ويتناصرون في التعويض عن الخسائر في الأرواح والأموال ويحملون آلام بعضهم بعضا فالمواساة في المال وكفالة اليتامى ورعاية الثكالى. فهو مجتمع متكامل متناصر متعاون. أسرة واحدة في سبيل الله.
23 -
((وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه)) فلا بد من أن يكون هذا الإعلان مدويا في كل أرض وتحت كل سماء. ليس الإسلام فقط هو خير الهدي بل كذلك المسلمون، الحركة الإسلامية، الدعاة إلى الله، الجبهة الإسلامية. هم جميعا على أحسن هدي وأقومه. والأصل أن يفيء الناس إليهم، وليس تهادنهم مع غير المسلمين يعني أن غير المسلمين على هدى، أبدا فالإسلام والمسلمون
المجاهدون في الأرض هم وحدهم على أحسن هدي وأقومه.
24 -
ولئن ذكرت الإجارة في البند 17 فهذا توضيح لحدودها ونوع جديد لها. فلا إجارة لعدو محارب من مشرك مهادن معنا. ولا أمان له إلا من القيادة مباشرة. ولا أمان لمال عدو محارب إلا من القيادة مباشرة ((وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن)). فعند إباحة دم الكافر المحارب وإباحة ماله فلا يستطيع مشرك مشترك معه في العقيدة أن يحول دونه أو دون ماله.
25 -
وقاتل المؤمن عندما يكون مشركا بلا جناية توجب القتل للمؤمن. فالأصل قتل المشرك إلا إذا رضي ولي المقتول. فكرامة المشرك المهادن محفوظة بشرطين: أن لا يكون قد قتل بباطل، أو أن يعفو ولي المقتول. فإذن من انضم للحركة الإسلامية في تنفيذ مهمة من مهماتها له الصلاحيات نفسها التي للمؤمنين، إلا حق الإجارة لغيره إن كان من المحاربين لأن الأصل عنده حنينه لمن هو على عقيدته.
26 -
وتأكيد آخر أن المؤمنين على الظالم - مؤمنا كان الظالم أو مشركا- حتى لا يتسكع أحد وراء وساطة بقريب أو متنفذ أو حسيب أو حاكم. ((وأن المؤمنين عليه كافة ولا يحل إلا قيام عليه)).
27 -
وطالما أن الأمر في البناء الداخلي، وأنه لا بد أن يعرف أعضاء الحركة الإسلامية وأتباعها ما لهم وما عليهم. فلا بد أن يعرفوا شيئا مهما جدا أن نصر الباغي والدفاع عنه وحمايته باسم قرابة أو سلطان أو صداقة هو خروج على الإيمان بالله واليوم الآخر. وليس نصره وحمايته فقط، بل وإخفاؤه أو إيواؤه أو التستر عليه ((
…
أن ينصر محدثا ولا يؤويه)).