الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا نفسه)) ولعل هذا يعني أن بني ثعلبة كانوا جميعا يهودا لم يسلم منهم أحد، فأكد في فقرتهم على ذكر الظلم والإثم كما أكد في بند آخر على مواليهم بأنهم مثلهم ولهم نفس حقوقهم، وبين في بند آخر أن جفنة بطن من ثعلبة.
35 -
((وإن البر دون الإثم)) فالأصل في معاملة المسلمين لهؤلاء برهم، والثقة وترك التجريح. البر بهم هو الأصل، والمتهم بريء حتى يدان. والذي يعيش في ظل الإسلام يرفعه الإسلام إلى مستوى الثقة به والتعامل الكريم معه طالما أنه استسلم لنظام الإسلام ورضيه.
36 -
((وإن بطانة يهود كأنفسهم)) فالكرامة لهم ولأتباعهم.
37 -
لكن البر والثقة لا يعني الغفلة وترك الحذر. لذلك ذكر الميثاق قيدين:
38 -
أولهما: أنه لا يخرج أحد منهم إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم. لضبط تحركاتهم واتصالاتهم.
39 -
والثاني: ((وإنه لا ينحجز ثأر على جرح)) فلا تجوز الثارات واشعال الحروب من أجل جروح تقع. فحق الثأر مرتبط بالقتل، أما الجرح فيمكن علاجه بصورة أهون.
40 -
والذي لا يلتزم بهذا القيد فقد أهلك نفسه وأهل بيته وأصبح مهدر الدم إلا إذا كان مظلوما.
41 -
وهذا كله ليس كسبا جماهيريا في فترة محددة، وليس وعودا معسولة أو إغراء لهؤلاء الخصوم
…
بل هو العهد الذي يلتزم به الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه ((وإن الله على أبر هذا)) فالمسلم أبعد ما يكون في تعامله عن الميكيافيلية.
مع الباب الثالث
وهو أقرب ما يكون لأن يمثل الحلف السياسي. فاليهود هنا تجمعات كبيرة احتاج إنهاؤهم عندما نقضوا العهد إلى حروب وحصار. لهم سلطانهم الخاص
وأراضيهم وقلاعهم وبيوتهم ورغم أن البنود قصيرة جدا وهي تخصهم بالذات. إلا أن الأحكام العامة في الباب الرابع تكاد تتناولهم كذلك.
42 -
((وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين)) فهو نفس النص السابق من حيث النفقة للتجمعات الصغيرة.
43 -
((وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم)) إذ رأينا من قبل أن التجمعات اليهودية الصغيرة تشارك بمقدار ما يلحقها في كيان قبيلتها العام. أما هنا فالتجمعات اليهودية الضخمة تشارك في النفقات بما يوازي نفقات المسلمين جميعا من قريش ويثرب. فعلى اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم. وهذا يقتضي على الأقل والحلفاء السياسيون للمسلمين اليوم أن يشاركوا بنصيبهم في المال: إن الأرض يوم تتحرر -بإذن الله- فسوف ينعم بها المسلمون وغير المسلمين، فليس من الحكمة أن تكون دماء المسلمين وأعراضهم وأرواحهم وأموالهم مستباحة مهدورة محكوم عليها بالإعدام، وأموال غيرهم وممتلكاتهم وأعراضهم مصونة. إن المبدأ الإسلامي العادل هو الغرم بالغنم. وإن كان الله تعالى قد حملنا نحن عبء التضحية والفداء والموت ليقيم دولة الإسلام، وقدمنا أرتال الشهداء والضحايا يعقب بعضها بعضا فهذا لا يعني أبدا الحلفاء والسياسيين من مسؤوليتهم المالية. فعليهم نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وليس هذا تفضلا منهم ولا كرما، بل هو واجب أصلي عليهم، حتمته مفاهيم الإسلام.
44 -
((وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة)) وهذه هي حدود التحالف السياسي، فالتناصر قائم بين الفريقين على من حارب أهل هذه الصحيفة. وما يدفع الناس للتحالف إلا وقد نالهم المأثم ووقع بهم البلاء، وحرموا حرية الحياة وحرية الرأي، وحرية الكرامة. إنما يدفعهم للتحالف كراهتهم لهذا العدو المشترك الذي أهانهم وأذلهم. ولا أرى مندوحة
من عقد هذه المقارنة البسيطة فلم يكن بين قريش واليهود أدنى ثارات أو دماء أو خلاف، لكنها حين تضطر لحرب محمد صلى الله عليه وسلم فهي تهدد يثرب كلها. علما بأن قريشا ليست حريصة على حرب اليهود. ورأينا حلفها معها يوم قريظة. أما الوضع اليوم مع عدونا الكافر في سورية فما من فئة إلا وله معها ثارات ودماء. وهذا يعني أن الواجب يحتم على كل حليف بذل ماله، وبذل دمه كذلك حتى تزول الغمة. إننا نرحب بأن يتحرك الحلفاء ويبذلوا دماءهم دفاعا عن حقوقهم المهدورة، ولا نمنع أحدا من ذلك، لكنا لا نحول الحلف إلى حركة واحدة، ولا نعتبر من بذل قتيلا مثل من بذل جيشا، ولا من قدم مجموعة صغيرة مثل من حكم على كل فرد من أفراده بالإعدام، ولا كل من قدم تسهيلا لمجاهد مثل من قدم مئات الشهداء في مجزرة واحدة.
فالحكم للإسلام لأن الإسلام والمسلمين هم الذين يجاهدون، والمناصرة الجزئية من الفئات الأخرى جهد مشكور ينالون ثمرته أمنا وعدلا واستقلالا ذاتيا وبرا يرفع عنهم الحيف والظلم.
إننا لا بد أن نكون صريحين مع أعدائنا وأصدقائنا على السواء، ولم ننطلق في الأصل ونحن ننتظر عونا من قوى هذه الأرض بل انطلقنا على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. على حرب الأحمر والأسود من الناس. والله تعالى من عنده النصر، فلن نطلبه من غيره.
إنه ليس استطرادا مزاجيا بل هو قواعد مقررة. فحق التناصر قائم، والاستفادة من حرب الحليف للعدو قائم. وهذا ميثاقنا إمامنا وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينس حق اليهودي الضائع في قرية، ولا حق يهود المجتمعين في قبيلة. ولا حق اليهود القائمين في دولة. دون أن يفرضه عليه أحد إنما هو تنفيذ لتشريع الله. ومن أصدق من الله قيلا؟ والحركة السياسية المسلمة هي