الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: الأحلاف في مرحلة الضعف
أ - حلف الفضول
ما كان لنا أن نتعرض لحلف الفضول. وهو حلف جاهلي في الأصل وقد حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة لولا حديث الرسول صلى الله عليه عليه وسلم الذي أسبغ عليه صفة شرعية حيث قال:
…
((لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت)) (1)
أما طبيعة هذا الحلف فكما ذكره ابن اسحاق (2): (كان سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة واشتراها منه العاص بن وائل وكان ذا قدر بمكة وشرف. فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف (عبد الدار ومخزوما وجمحا وسهما وعديا) فأبوا أن يعينوه على العاص بن وائل. فعلا جبل أبي قبيس - وقريش في أنديتهم حول الكعبة - فنادى بشعر يصف فيه ظلامته رافعا صوته، فمشى في ذلك (الزبير بن عبد المطلب) وقال: ما لهذا مترك. فاجتمعت هاشم وزهرة وتيم بن مرة في دار ابن جدعان، فصنع لهم طعاما وتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام قياما، فتعاهدوا وتعاقدوا بالله ليكونن يدا واحدا مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة فسمت قريش ذلك الحلف (الفضول) وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر. ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه وقال الزبير بن عبد المطلب:
إن الفضول تحالفوا وتعاقدوا
…
ألا يقيم ببطن مكة ظالم
أمر عليه توافقوا وتعاقدوا
…
فالجار والمعتر فيهم سالم
(1) رواه ابن إسحاق ((صدوق يدلس)) محمد بن زيد بن المهاجر ((ثقة)) عن طلحة بن عبد الله بن عوف ((تقة مكثر)) وتابعي في الحديث مرسل. ولا يضيره تدليس ابن إسحاق. فابن إسحاق هنا لم يدلس إنما ذكر سنده.
(2)
السيرة النبوية لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب [ص:20].
ونلاحظ في هذا الحلف الملاحظات التالية:
1 -
هو حلف قام على أساس قبلي وحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته فردا من بني هاشم قبيلته.
2 -
هدف هذا الحلف هو نصرة المظلوم على الظالم وإيصال حقه له. ومع أنه لم يقل: ولو أدعى إلى مثله. فلا ضير في ذلك طالما أن هدفه نصر المظلومين. ونصر المظلوم هدف أساسي في الإسلام.
3 -
ونفهم من هذا أن للحركة الإسلامية حرية التحالف مع أي جهة كانت من أجل نصر المظلومين والدفاع عن حقوقهم.
4 -
بل بتعبير أدق، أن الحوكة الإسلامية لو وصلت إلى الحكم، وكانت الدولة قبلها قد عقدت عهودا أو موثيق هدفها نصر المظلومين. فمن حقها اعتبار هذه العهود والمواثيق سارية المفعول.
ويؤكد لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث. أنه لا يحب أن ينكثه وأن له به حمر النعم.
وكان هذا الحلف بين المطيبين قد أدى إلى انتزاع بعض الميزات من بني عبد الدار وتم توزيعها على بقية القبائل. وكان من نصيب بني عبد مناف السقاية والرفادة. وبقي اللواء وبقيت الحجابة بيد بني عبد الدار. ثم اختصت السقاية والرفادة ببني هاشم. وبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم آثارا عملية يوم فتح مكة على هذا التحالف.
ونذكر جميعا يوم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة العبدري الذي انتهت إليه سدانة الكعبة. وصلى فيها ثماني ركعات صلاة الفتح.
قال علي رضي الله عنه: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع الرفادة، وحين يجمع الححابة لبني هاشم يعني هذا نقض الاتفاق الذي تم على آثار هذا التحالف فأجابه عليه الصلاة والسلام: اليوم يوم بر ووفاء.
ثم نادى: يا عثمان بن طلحة.
فجاء عثمان. فقال له عليه الصلاة والسلام:
هاك مفتاحك يا عثمان بن طلحة:
يا بني طلحة خذوها خالدة تالدة. لا ينزعها منكم إلا ظالم.
وبذلك أعطى عليه الصلاة والسلام هذا التأييد العظيم لحجابة الكعبة لبني عبد الدار بل اعتبر هذا جزءا من الإسلام، حين ألغى كل قيم الجاهلية. وأبقى على حجابة الكعبة. وسقاية ورفادة الحجيج فقال:
ألا كل مأثرة ودم تحت قدمي هاتين إلا الحجابة والرفادة.
وبقيت الحجابة تالدة خالدة لبني عبد الدار. حتى أيامنا هذه. فلا يزال مفتاح الكعبة بيد بني عبد الدار، أو بني طلحة بشكل أخص.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد أنه لن ينكث به. ولو أعطي به حمر النعم.
وهو درس بليغ لنا نحن الدعاة. بحيث نعرف قيمة العهد والميثاق الذي نعطيه حتى ولو لم نبرمه نحن إذا كان فيه رفع مظلمة أو دفع مأثمة.