الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها
…
] (1) . فحذار أخي المسلم الحصيف، من تلبيس إبليس وجنده الضعيف، بقولهم: ما دام قد فعله نبي من الأنبياء، فما المانع من فِعْله في حقنا؟! والإجابة كما سلف:(ذلك النبيُّ لا منعَ في حقه، وكذا لو علمنا موافقته، ولكن لا علم لنا بها، وقد حصل اتفاق من العلماء على النهي عنه الآن)(2) .
15 - حساب الطالع:
وهو ادعاء معرفة حصول السعادة أو الشقاء لشخص ما، بطريق معرفة اسمه واسم أمه، ومعرفة ما يمثله مجموع الاسمين من الأعداد، بحسب حساب الجُمَّل، (أبجد هوز....) ، وبعد جمع تلك الأعداد، فإنها تقسم على عدد الأبراج الإثني عشر المعروفة (أولها الحَمَل، وآخرها الحوت) ، ومن ثَمّ قسمتها على (12) ، لينظر العرّاف المنجّم بعدها في باقي القسمة، فبحسب هذا الباقي ينظر في جدول لديه مطابق لترقيم باقي القسمة، فيخبره بطالعه وبحظه تبعاً لما احتواه الجدول (3) . وهي طريقة من طرق العرافة المعتمدة على التنجيم المحرم، ثم إن كلاً من العرّاف وطالب قراءة الطالع إن اعتقد أن منزلة الكوكب من القمر تتحكم بمستقبل المرء، وذلك بحسب سعد النجم أو نحسه، فإن ذلك - ولا ريب - أمر موقع بالشرك الأكبر، والعياذ بالله تعالى.
16 - حساب السُّبحة:
وهو أشبه ما يكون بعادة الطِّيَرة
(1) انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (5/22) .
(2)
انظر: شرح النووي أيضًا بالعزو السابق عينه.
(3)
انظر: القول المعين لأسامة المعاني، ص 324.
الشركية (1) ، التي كانت في الجاهلية، ثم أبطلها الإسلام، حيث كان أهل الجاهلية يعتمدون على الطير فإن كان سانحاً (أي طار عن يسارك وأعطاك ميامنه) تيمن به المسافر فمضى في سفره، وإن كان بارحاً (أي طار عن يمينك وأعطاك مياسره) تشاءم المسافر به وتطير، وحجزه ذلك عن سفره أو عن أمره الذي عزم عليه. فانظر، وفقك الله، كيف نفى الإسلام الطيرة الشركية التي تردّ صاحبها عن المطلوب، فقال عليه الصلاة والسلام: مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ حَاجَتِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ (2) ، لاعتقاده أن ذلك سبب مؤثر في جلب نفع أو دفع ضر، فاعجبْ بعدها من أقوام لم يَكْفهم تشاؤم من كان قبلهم بمرئي، كجهة طيران طير، أو رؤية غراب، أو رجلٍ أعورَ، أو تشاؤمهم بمسموع كصراخ هامة (بوم) ،
(1) قُيِّدت الطيرةُ هنا بالشركية، للتحرز عن الطيرة التي بمعنى التشاؤم الذي لا يَرُدُّ عن المطلوب، وكذلك تحرزاً من الشؤم الجائز، والذي هو مستثنى من الطيرة بنص الأحاديث الصحاح، وهو الذي انحصر في: المرأة، والدار، والدابة، والفرس، والسيف. والمقصود به: أن تكون المرأة مثلاً سليط اللسان أو غير ولود، أو يكون جار الدار جار سوء، أو يكون في الدار ضيق، أو تكون الدابة لم يُغْزَ عليها أو تكون جَمُوحاً فلا يُنتَفع بها، أو يكون السيف لم يُضْرَبْ به في سبيل الله، أو اعتز به مشرك ونحوه. فإنه لكثرة ملازمة هذه الأشياء للإنسان جوّز له الشرع إبدالها بغيرها، إن وقع في نفسه كُرْهٌ لها لسبب ينفّر منها.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: المعنى أن هذه الأشياء أكثر ما يتشاءم به الناس، لملازمتهم إياها، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فله إبداله بغيره، مما يسكن له خاطره، مع اعتقاده أنه تعالى الفعال لما يريد، وليس لشيء منها أثر في الوجود. اهـ.
وقال الإمام النووي رحمه الله ينقله عن الإمام الخطابي، وكثير من العلماء: الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس، أو خادم، فليفارق الجميع بالبيع ونحوه، وطلاقِ المرأة. اهـ.
انظر: في ذلك كله صحيح مسلم بشرح النووي: (14/220) .
(2)
أخرجه أحمد في مسنده (2/202) ، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
أو نعق غراب، وكذا تشاؤمهم بأزمنة كصفر أو شوال، وبأمكنة يزعمون كثرة تغوّل (ظهور) الغِيْلان (أنواع من الجن) فيها، أقول: لم يكفهم ذلك جميعه، حتى عمدوا إلى التشاؤم بعدد حبات السبحة، وبرقم بعينه، وباسم حوى حروفاً كان مجموع أعدادها - للأسف - رقماً كارثياً يجلب الشؤم للمسمى به، فانظر كيف استخف أولئك الدجاجلة ومن أزّهم من شياطينهم بعقول الناس فأطاعوهم.
هذا، وإن طرق العرافة عديدة ليس المراد هنا التعريف بجميعها، لكنِ التحذيرُ من مسلك هؤلاء، ومن الاغترار بهم، فإن أحدنا يتملكه العجَب، بل ويأخذه الذهول أحياناً، حين يرى أحدهم لم يدَعَ سبيلاً للإضلال إلا واتبعه، همه في ذلك كله جمع شيء من فتات الدنيا وحطامها، فتراه يهرع طارقاً أبواب الفضائيات يروّج لكهانته، ويسوّق لعرافته، وقد تجد بعضها يحفِل بهم، يستضيفونهم مكرمين، يستشفون منهم رأيهم في حاضر الأحداث ومستقبلها، ثم تجد بعدها مجلدات لعلماء سموا بالروحانيين حملت عنوان: توقعات سنة كذا، قد انتشرت بين أظهر المسلمين انتشار النار في الهشيم، فيضرب إليهم بعض من عَلِيَّة القوم أكباد الإبل شادّين رحالهم إليهم، مشمِّرين عن ساعد الجِدّ، طلباً لتنبؤات هؤلاء، ولا يرتضون عنها بدلاً، باذلين في سبيل ذلك النفيس من المال، متفاخرين بين أقرانهم بعلو همتهم في ذلك، حتى صار أولئك العرّافون لديهم يتملكون حركاتهم وسكناتهم، فترى أحدهم لا يمكن له اتخاذ أي قرار - حتى لو كان مصيراً له أو لغيره - إلا بعد شَوْر الفلكي، حيث تحول الفلكي لديهم مشعوذاً منجّمًا كاهنًا عرافًا، جمع الشرَّ من أطرافه، لم يَدَعْ شيئاً من التكهن بعلم الغيب المطلق إلا وقال به قوله الذي لا يرد، ومَشُورته التي لا تُخالَف، فإن لم يفعلوا فقد امتنع النفع