المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل الثاني حصن المؤمن ‌ ‌تمهيد: قد يسأل المؤمن عند تلاوته لسورة الناس عن - التحصين من كيد الشياطين

[خالد الجريسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولبيان ألفاظ ومصطلحات مهمة

- ‌تمهيد:

- ‌1- الجنّ

- ‌2- المسُّ، ومن أثره الصَّرْع:

- ‌3- الاستعانة:

- ‌ الاستعاذة

- ‌ الاستمتاع

- ‌ الاستخدام

- ‌ الاستحضار

- ‌4 - المندل:

- ‌5 - الزار أو دَقّة الزار

- ‌6 - قياس الأثر:

- ‌10 - قراءة الزهر المرقّم:

- ‌11 - علم الأسارير

- ‌12 - قراءة الفنجان:

- ‌13 - الضرب بالحصى:

- ‌14 - الخط بالرمل:

- ‌15 - حساب الطالع:

- ‌16 - حساب السُّبحة:

- ‌17 - الحسد:

- ‌18 - العين:

- ‌ بيان العلاقة بين الحسد والعين

- ‌19 - السحر:

- ‌20- الطِّلَّسْم

- ‌21 - النَّفْث:

- ‌22 - النفخ:

- ‌23 - الهَمْز:

- ‌24- النَّزْغ

- ‌25 - الرَّكْضة:

- ‌26- الرَّبْط (العَقْد أو العَصْب)

- ‌27- التِّوَلة:

- ‌28- النُّشْرة:

- ‌29- التميمة

- ‌30- تحضير الأرواح

- ‌الفصل الثانيحصن المؤمن

- ‌تمهيد:

- ‌التحصينات الواقية:

- ‌الأول: احفظ الله بتحقيق الإخلاص في توحيده

- ‌الفصل الثالثأنواع الأمراض بعامة، وأصول التداوي المشروع

- ‌الباب الأولفي بيان أنواع الأمراض النازلة بابن آدم إجمالاً

- ‌الباب الثانيفي بيان نبذة من الهَدْي النبوي الشريف في مسائل التداوي

- ‌الفصل الرابعالتداوي بالرقى المشروعة

- ‌الباب الأولفي بيان معنى الرقى، وأنواعها ومسائل مهمة متعلقة بها

- ‌الباب الثانيفي ذكر رقى مشروعة، من كتاب الله تعالىوسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم

- ‌خاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: الفصل الثاني حصن المؤمن ‌ ‌تمهيد: قد يسأل المؤمن عند تلاوته لسورة الناس عن

الفصل الثاني

حصن المؤمن

‌تمهيد:

قد يسأل المؤمن عند تلاوته لسورة الناس عن علة وصف شيطان الإنس أو شيطان الجن بالوسواس الخناس، ولم خُصَّت الوسوسة من بين سائر أعمال الشياطين المُضِلّة؟ لكن، بتأمل دقيق لأقوال المفسرين رحمهم الله يتبين أن الخطر الأعظم على الإنسان يكمن في إغواء الشيطان له، وذلك من مبدأ خلقه إلى لفظه آخر أنفاسه، ويتبين له كذلك مستقر هذا الإغواء ومحلُّه الذي يَعْرُج إليه، والهدف الذي تنصبّ إليه سهام الوسوسة من كل جانب، ألا وهو القلب، تلك المضغة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» (1) ، فمنزلة القلب للمؤمن منزلةُ الحصن للهارب، يأوي إليه عند الملمات والشدائد، والعدو يطلبه رابضاً من حوله، يتحين فرصة سانحة للولوج إليه من مواضع ثُلَمه (2) وضعفه، فإذا غفل حراس الحصن (3) عن الجِدِّ في الحراسة - إلا أنهم لم يغادروا مواقع رباطهم - أرسل جنده

(1) جزء من حديث أخرجه البخاري، كتاب: الإيمان، باب: فضل من استبرأ لدينه، برقم (52) ، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، ومسلم؛ كتاب: المساقاة، باب: أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم (1599) ، عنه أيضاً.

(2)

الثُّلم: جمع ثلمة، وهي النافذة تكون في باب السور، والخلل في الحائط. انظر: مختار الصحاح، مادة:(ثَلَمَ) .

(3)

والمقصود بها النفس المحصّنة بالتقوى وبالأذكار، والواعظ على قلب كل مسلم.

ص: 107

بالوسوسة يتحسسون غفلة تامة من الحُرَّاس، فإذا علموا ذلك منهم وَلَجُوا الحصن وبَنَوْا فيه مساكن واهية سرعان ما تتهاوى بمعاول أولئك الحراس الذين يهدمونها بشدة وبأس، فيسارع ساكنوها إلى مغادرتها والإدبار نفوراً خارج الحصن الذي عادت إليه مَنَعتُه، فإذا فتر الحراس مرة أخرى، أقبل جند العدو المتربصين وهم لا يفترون، هذا مَثَل إلقاء الوسوسة من شياطين الإنس والجن في قلب ابن آدم، إلا أن العدو قد ينوّع في وسائل غزوه، وربما أغوى الحارسَ عند باب حصن القلب، فصار لحينٍ من جنده، فزيّن الحارس لصاحبه الشر بغلبة الهوى، أو في تحسين معصية، أو بإياس من رحمة، أو بإيقان هلاك، فلا يعبأ بعدها بمقارفة ذنب، أو بمعاندة حق، أو بميل إلى باطل، بل ربما أحب شراً أو دعا إليه!!

هذا حال الإنسان مع كيد الشيطان وجنده، صراع مستمر، لا راحة لمؤمن من ذلك إلا بلقاء ربه سبحانه، وهو راضٍ عنه.

لذا، كان على المؤمن الحصيف إدراك شدة عداوة الشيطان ووضوحها، والتبصّر الدقيق بمعرفة مداخل قلبه، والاشتغال الحثيث الجادّ بما يحصِّنها، فإن معرفة القلب وحقيقة أوصافه هو أصل الدين، وأساس معرفة طريق الوصول إلى رضى الله رب العالمين، وإن من سنن الله سبحانه في خلقه أن جعل ترتيب الأسباب على المسبِّبات، ومن بديع صنعه تعالى أن جعل القلب مستعداً بأصل فطرته لقبول الخواطر واللَّمّاتِ، ولو تواردت عليه من كل حدب وصوب، ثم يمحص القلبُ ويقلّب تلك الخواطر، ثم يتقلب هو معها؛ فإما أن يُرَغِّبَ بها، أو يصدّ عنها، تبعاً لتأثره بهوى النفس أو لاطمئنانه بذِكْرِ رَبِّه سبحانه، ففي

ص: 108

القلب تكمن مجامع الطبائع من محبة أو بغض، ومن شهوة غضبٍ أو خِصْلةِ حِلمٍ، ومن كِبْرٍ أو تواضع، ومن زهد أو حرص،....، فإن رجّح القلب طبع الهوى عند عَرَضِ وسواس الهوى من الشيطان تسلط الهوى على القلب فتقلَّب إليه، ولو اتبع مقتضى شهوة الغضب تسلط على القلب حتى غلب عليه، وذلك حاصل في الطبائع وأضدادها جميعاً، فالقلب بهذا الاعتبار أشرف الأعضاء، وأكثرها خطراً، وذلك لتوارد الخواطر إليه، وتمحيصها فيه، ولله در القائل:

ما سُمِّي القلبُ إلا من تَقَلُّبِه

فاحذرْ على القلب من قَلْبٍ وتحويلِ (1)

هذا، وقد خصّ الله تعالى القلب، وجعله محلاً للتعقل، ثم جعل الجوارح مسخَّرة له عاملة بأمره، قال تعالى:[الحَجّ: 46]{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ *} . فمن تسارعت على قلبه الوساوس فلم يرجح عليها طبائع الخير الكامنة في نفسه، تسلطت عليه الشياطين من إنس وجن، وتلاعبت به كما يتلاعب الصبية بالكُرَةِ، وقلَّبته كيف شاءت، أما لو جاهد المرء نفسه فصرف قلبه عن شهواتها، ثم صرفه إلى الاستعاذة بالله من شر من يوسوس من الجن والإنس، ثم ذكر ربه، لصار قلبه إذ ذاك حصناً حصيناً بالمجاهدة، وسراجاً مستنيراً

(1) ذكر البيتَ ابنُ دقيق العيد في شرحه لحديث: «إِنَّ الْحَلَال بَيِّنٌ

» من الأربعين النووية، وقال: سمي القلب كذلك لكثرة ورود الخواطر إليه، وترددها عليه حتى أنشد بعضهم: ما سمي القلب

إلى آخر البيت المذكور. اهـ.

ص: 109

بالذكر، فيَغْلِبُ نورُ القلب عندئذٍ وساوسَ الشياطين، ولا يلتفت إلى طبائع السوء التي تؤزُّه إليها نفسه، ولِتحقق ذلك كان لا بد من معرفة أمور ثلاثة غاية المعرفة:

الأول: اليقين التام بوضوح عداوة شياطين الإنس والجن، وتضافرهم مع الأخلاق السيئة المركبة في النفس.

الثاني: معرفة حقيقة الوسوسة، وأنها خواطر تُعْرَض على القلب، فإن قبلها، تحركت الإرادة بالرغبة في الفعل، ثم صارت الرغبة عزماً، والعزم نية، ومن ثَمَّ تحركت الأعضاء - وهي جنود مجندة تخدم القلب - لعمل ما يريده، وما تقلّب إليه من خير أو سوء.

الثالث: أن مبدأ التحصين للقلب يكون ابتداءً وانتهاءً بالالتجاء إلى الله تعالى، والاستجارة بعظمته من ذلك، إذ لا طاقة للإنسان - مهما بلغ من مجاهدة - على صرف وساوس الشهوات عن نفسه، ولا وساوس الشبهات عن عقله، ولا وساوس الخواطر عن قلبه، ولا في إزالة حُجُب الظلمات التي عَلَت روحه بما كسبت يداه، وفي رد سهام الشر من سحر أو حسد أو تعمُّدِ ضرٍّ، - وقد صار هدفاً لذلك كله من شرار الخلق - إلا بالعياذ بكَنَف الله تعالى وحِصْنه الحصين.

ص: 110