الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه لما جاءه قتل مسيلمة المرتد الذي ألب عليه العرب وأشد الناس على المسلمين خرّ لله ساجداً، وعلي رضي الله عنه لما رأى ذا الثدية في الخوارج أسود مخدّج مقطوع اليد عند العضد مثل حلمة المرأة، وأنه علامة وآية أنه سيقاتل الخوارج أمرهم فبحثوا في جثث القتلى وأخرجوه؛ سجد علي رضي الله عنه شكراً لله. وكعب بن مالك سجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بتوبة الله عليه.
{تنبيه} : (السنة لم ترد بسجود الشكر يومياً لكنها وردت في النعم المتجددة والتي تذكر بالنعمة المستديمة، ولأن هذه النعم المتجددة العظيمة لها وقع في النفوس والقلوب أعلق بها وأهنأ والإنسان يُعزّى بفقدها فإن ما توجبه من فرح النفس وانبساطها والذي يدفع الأشر والبطر عند نزول النعمة فجأة.
ومن النعم المتجددة كما يقول أحد السلف: بشّرت الحسن بموت الحجاج وهو مختفٍ فخرّ لله ساجداً، فموت ظالم نعمة و ولادة مولود، وجاء الخبر في الانتصار.
(فصلٌ في منزلة الحياء:
[*] (عناصر الفصل:
(الحياء من منازل السائرين:
(تعريف الحياء:
(فضل الحياء:
(رقابة الله على عباده توجب الحياء منه سبحانه:
(أنواع الحياء:
(درجات الحياء:
(أفضل الحياء وأكمله:
(حياء الله تعالى:
(حياء الرسول صلى الله عليه وسلم:
(نماذج من الحياء:
وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:
(الحياء من منازل السائرين:
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الحياء
قال الله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1] وقال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 1
(ثم ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله الأحاديث الآتية:
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجلٍ وهو يعظُ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دَعْه فإن الحياء من الإيمان.
(حديث عمران ابن حصين في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحياءُ لا يأتي إلا بخير.
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإيمان بضع و سبعون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق و الحياء شعبة من الإيمان.
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه.
(حديث أبي مسعودٍ الأنصاري في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
(ثم قال رحمه الله تعالى:
وفي هذا قولان:
أحدهما: أنه أمر تهديد ومعناه الخبر أي من لم يستح صنع ما شاء.
والثاني: أنه أمر إباحة أي انظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحيى منه فافعله والأول أصح وهو قول الأكثرين.
(حديث ابن مسعود في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: استحيوا من الله تعالى حق الحياء، قلنا يا نبي الله إنا لنستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس و ما وعى والبطن و ما حوى وتذكر الموت و البِلى و من أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.
(تعريف الحياء:
الحياء خُلق يبعث على ترك القبائح، ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق، فالحياء مشتق من الحياة، فعلى قدر حياة القلب يكون الحياء. والحياء قسمان: حياء جبلي فطري وحياء مكتسب.
(القسم الاول الحياء الفطري: وهو ما فطر الله الإنسان عليه كحياء الرجل والمرأة من كشف العورة أمام الناس
…
ومن جنس هذا الحياء حياء آدم وحواء لما أكلا من الشجرة المحرمة فبدت سوءاتهما فأسرعا بالجبلة والفطرة بستر هذه العورة بورق من شجر الجنة، قال تعالى:(فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَعَصَىَ ءَادَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ)[طه: 121]
(القسم الثاني الحياء المكتسب: وهو الحياء الإيماني الذي يحجب ويمنع المؤمن من فعل المعاصي والدنايا حياء من الله سبحانه وتعالى، وهذا الحياء يتولد في القلب «من رؤية النعم مع رؤية التقصير في حق المنعم» فيستحيي العبد حينئذ من الله، إذ يرى نعم الله عليه تتوالى ويرى تقصيره لا ينقطع في حق سيده ومولاه.
لذلك لما احتضر الاسود بن يزيد رحمه الله تعالى بكى بكاء المرأة الثكلى، فدخل عليه بعض أحبابه وقالوا: ماهذا الجزع؟ لم هذا البكاء؟ فقال الأسود بن يزيد: ومالي لا أجزع، ومن أحق بذلك مني؟ ثم نظر إلى السماء وهو على فراش الموت وقال: والله وإن غفر لي ذنوبي لاستحييت منه مما صنعت يداي.
ولما دخل ابو حامد الخلقاني على إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى .. قال أبو حامد وهو ينظرإالى الإمام: إن قال لي يوما أما استحييت تعصيني وتخفي الذنب عن خلقى وبالعصيان تأتيني فما قولي له لما يعاتبني ويقصيني. فنظرإليه الإمام وقال: أَعِدْهَا بالله عليك فكرر له الأبيات فدخل الإمام داره وهو يبكي ويردد تلك الأبيات.
(فضل الحياء:
مسألة: ما هو فضل الحياء؟
خلق الحياء فإنه من أفضلِ الصفات وأجلَّ القربات، فالحياء خصلة حميدة، تكف صاحبها عما لا يليق والحياءُ لا يأتي إلا بخير، والحياء قرين الإيمان فإذا نزع أحدهما نزع الآخر، وهو مما أدركنا من كلام النبوة الأولى. وما انتشرت الفواحش والمعاصي والذنوب إلا بسبب نزع الحياء من قلوب الخلق، والحياء له فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم، فهو نعمةٌ عظيمة، وَمِنَّةٌ جسيمة، نعمة كبرى، ومنحة عظمى، شأنه عظيم، ونفعه عميم، له فضائل لا تحصى، وثمرات لا تعد، وله أهمية كبرى، وثمرات جليلة، وفضائل عظيمة، وأسرار بديعة، وهو طريق النجاة، وسلم الوصول، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين، وهو من أشرف العبادات و أجلّ الطاعات، وإليك غيض من فيض ونقطة من بحر مما ورد في فضل الحياء:
(أولا: الحياء صفة من صفات الله تعالى:
ولو لم يكن للحياء فضل سوى أنه صفةٌ من صفات الله عز وجل لكفى، فالله سبحانه وتعالى حييٌ ستير يستحيي من خلقه، والخلق لا يستحيون منه إلا من رحم ربي، خيره إلينا نازل، وشرنا إليه صاعد، رحماته تتنزل علينا وذنوبنا ترفع إليه، يتحبب إلينا بالنعم وهو الغني عنا، ونتبغض إليه بالمعاصي ونحن أحوج إليه بل ولا نستغني عنه طرفة عين ، ومع ذلك إذا رفعنا إليه أكف الضراعة غفر الذنب وفرح بالتوبة إليه، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث سلمان الثابت في صحيح أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا.
(قال ابن القيم رحمه الله:
ومن اتصف بصفة من صفات الله عز وجل قادته تلك الصفة الى ربه فأدخلته عليه وقربته من رحمته".
(ثانياً الحياء شعبةٌ من الإيمان:
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان).
((حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجلٍ وهو يعظُ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دَعْه فإن الحياء من الإيمان.
((حديث ابن عمر الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الحياء و الإيمان قرنا جميعا فإذا رُفِعَ أحدهما رفع الآخر.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار.
(حديث أبي أمامة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحياء والعي شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان شعبتان من النفاق.
(ثالثاًالحياء خلق الاسلام:
((حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء.
(رابعاً الحياءُ لا يأتي إلا بخير:
الحياءُ لا يأتي إلا بخير بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي:
(حديث عمران ابن حصين في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحياءُ لا يأتي إلا بخير.
(خامساً الحياءُ خُلُقٌ يبعث على اجتناب القبيح:
(حديث أبي مسعودٍ الأنصاري في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
(وأفضلُ الحياء أن تستحي من الله حق الحياء:
(حديث ابن مسعود في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: استحيوا من الله تعالى حق الحياء، قلنا يا نبي الله إنا لنستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس و ما وعى والبطن و ما حوى وتذكر الموت و البِلى و من أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.
[*] قال سفيان بن عينيه: "كما فتح القدير"1/ 488
(فليحفظ الرأس وما وعى: ما جمعه من الحواس الظاهرة والباطنة حتى لا يستعملها إلا فيما يحل.
(وليحفظ البطن وما حوى:
أي وما جمعه الجوف باتصاله به، من القلب والفرج واليدين والرجلين فان هذه الأعضاء متصلة بالجوف فلا يستعمل منها شيء في معصية الله فان الله ناظر إلى العبد لا يواريه شي.
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
والحياء من الحياة ومنه الحيا للمطر لكن هو مقصور وعلى حسب
حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء وقلة الحياء من موت القلب والروح فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم.
(قال الجنيد رحمه الله: «الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير» فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء «وحقيقته خلق يبعث على ترك القبائح» ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق.
(ومن كلام بعض الحكماء: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيي منه وعمارة القلب: بالهيبة والحياء فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير.
(وقال ذو النون: الحياء وجود الهيبة في القلب مع وحشة ما سبق منك إلى ربك والحب ينطق والحياء يسكت والخوف يقلق.
(وقال السري: إن الحياء والأنس يطرقان القلب فإن وجدا فيه الزهد والورع وإلا رحلا.
(رقابة الله على عباده توجب الحياء منه سبحانه:
(أخي الحبيب:
اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره، واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك، واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه، وخضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه. فالحياء على قدر حياة القلب، وكلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم. وأشد آية باعثة على الحياء قول الله عز وجل: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14]. وقول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16] أي: وملائكتنا أقرب إليه من حبل الوريد، وهذا بإجماع علماء التفسير. ويقول الله عز وجل: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80]. ويقول الله عز وجل: أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ [فصلت:54]. وقال الله عز وجل: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة:6]. وقال الله عز وجل: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا [الأحزاب:52]. وقال الله عز وجل: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الملك:13]. وقال الله عز وجل: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]. ومن أسماء الله عز وجل الرقيب والعليم والخبير والحكيم والمحصي والشهيد، وكلها خاصة بعلم الله عز وجل. فالعليم: الذي يعلم جميع المعلومات. والحكيم: الذي يعلم دقائق العلم. والشهيد: الذي يعلم ما غاب وما حضر، والمحصي: الذي لا تغيب عن علمه غائبة. والخبير: الذي يعلم دقائق العلم، ويعلم الكليات كما يعلم الجزئيات، وكلها خاصة بصفة العلم لله تبارك وتعالى. وعلم الله عز وجل ليس كعلم المخلوقين، فالله تبارك وتعالى يعلم ما كان وما هو كائن وما لم يكن لو كان كيف يكون. وهو العليم أحاط علماً بالذي في الكون من سر ومن إعلان وكذاك يعلم ما يكون غداً وما قد كان والموجود في ذا الآن وكذاك أمر لم يكن لو كان كيـ ـف يكون ذا الأمر ذا إمكان فعلم المخلوقين قاصر، «مبدوء بجهل ويعتريه النسيان» ، وأما علم الله عز وجل فهو علم كامل.
(قال ابن عمر رضي الله عنهما: لا يجد عبد صريح الإيمان حتى يعلم أن الله عز وجل معه، ويعلم أن الله تعالى يراه، فلا يعمل سراً يفتضح به يوم القيامة.
(أخي الحبيب:
احذر أن تكون ممن إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها: وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث ثوبان رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله عز وجل هباءاً منثوراً قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا جَلِّهِم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم قال أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها.
«فاحذر أن تكون ولياً لله في العلانية عدواً له في السر» ، وأن تكون حالك مثل حال كنيف مزين بالسراميك وباطنه وحشوه القاذورات، فلا تتجمل للناس وتطلع الله على القبيح من أمرك، «فلم جعلت الله أهون الناظرين إليك؟» أفكان الله عز وجل أهون عليك من بعض خلقه؟ لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى كبرياء من واجهته به. وموقف لك لا تنساه أبداً وإن نسيت نفسك، وهو موقفك بين يدي الله عز وجل، كما جاء في حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم أحد إلا سيخلو بربه ليس بينه وبينه ترجمان). فهذا الموقف لن تنساه أبداً، فليكن ولاؤك المطلق وخوفك المطلق وحياؤك المطلق من الله عز وجل، فاعمل لهذا اليوم حتى لا يموت القلب، وحتى لا يموت الورع،
(يقول الجراح قائد الجيوش الأموية: تركت الذنوب أربعين سنة حياء من الله عز وجل، ثم أدركني الورع. أي: بعد أربعين سنة مَنَّ عليَّ بالورع في النظر، وفي الشم، وفي الكلام. فهذا المقام إن ذكرته وجعلته منك على بال فلن تقرب المعصية أبداً، ومثلما تميت الذنوب الحياء فكذلك الحياء لا يأتي إلى فاسق أو فاجر أبداً.
(ويقول ابن دقيق العيد: والله ما تكلمت كلمة ولا فعلت فعلاً منذ أربعين سنة إلا وأعددت له جواباً بين يدي الله عز وجل. ولذلك كان من مقام المراقبة أن تقول: الله ناظر وشاهد ومطلع علي، وهذا درجة من درجات الحياء، وهذا مثل المرأة التي راودها رجل على الفاحشة، فقالت: انظر هل يرانا من أحد؟ فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب، قالت له: فأين مكوكبها؟ ورجل خلا بامرأة بعد أن نام أهل القافلة وكانت في طريقها إلى الحج، وقال لها: ما أتيت في هذه القافلة من أجل حج ولا غيره، وإنما أتيت فيها لتخرجي فيها فأخلو بك، فقالت: انظر هل نام أهل القافلة جميعاً؟ فقال لها: نعم، قالت: انظر فهل نام الله؟ ثم صعقت المرأة وغشي عليها، فولى الرجل هارباً.
(حقيقة الحياء:
والحياء رؤية آلاء الله تبارك وتعالى عليك، ورؤية التقصير منك في حق الله عز وجل، فيتولد منهما وبينهما خُلق يبعث على ترك القبيح. فرؤية الآلاء والتقصير يتولد منهما خُلق يسمى الحياء، يبعث على ترك القبيح، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث أبي مسعودٍ الأنصاري الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
(أنواع الحياء:
(أولاً الحياء من الله:
المسلم يتأدب مع الله تعالى ويستحيي منه؛ فيشكر نعمة الله، ولا ينكر إحسان الله وفضله عليه، ويمتلئ قلبه بالخوف والمهابة من الله، وتمتلئ نفسه بالوقار والتعظيم لله، ولا يجاهر بالمعصية، ولا يفعل القبائح والرذائل؛ لأنه يعلم أن الله مُطَّلِعٌ عليه يسمعه ويراه، وقد قال تعالى عن الذين يفعلون المعاصي دون حياء منه سبحانه: قال تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ)[النساء: 108]
فالحياء من الله: ألا يراك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك.
فالمسلم يستحي من ربه أن يراه على معصيته ومخالفته، وإذا فعل ذنبًا أو معصية، فإنه يخجل من الله خجلا شديدًا، ويعود سريعًا إلى ربه طالبًا منه العفو والغفران، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد. (
((حديث ابن مسعود الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: استحيوا من الله تعالى حق الحياء، قلنا يا نبي الله إنا لنستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس و ما وعى والبطن و ما حوى وتذكر الموت و البِلى و من أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.
فقد بيّن في هذا الحديث علامات الحياء من الله عز وجل أنها تكون بحفظ الجوارح عن معاصي الله، وبتذكر الموت، وتقصير الأمل في الدنيا، وعدم الانشغال عن الآخرة بملاذ الشهوات والانسياق وراء الدنيا، فالذي يستحي من الله يجتنب ما نهاه عنه في كل حالاته، في حال حضوره مع الناس وفي حال غيبته عنهم.
وهذا حياء العبودية والخوف والخشية من الله عز وجل وهو الحياء المكتسب من معرفة الله، ومعرفة عظمته، وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور. وهذا الحياء من أعلى خصال الإيمان، بل هو من أعلى درجات الإحسان. كما في الحديث:{الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}
(أركان الحياء من الله تعالى:
(الركن الأول: (فليحفظ الرأس وما وعى)، فالرأس وما فيه من جوارح تحفظها لله عز وجل، حتى الخطرات وحديث النفس تحفظه لله عز وجل، وأول خيانة الصديقين حديثهم مع أنفسهم، فاحفظ حديث النفس لله عز وجل، يقول بعضهم: ظللت عشرين سنة حارساً لنفسي من الخطرات، أي: يحاسب نفسه على الخطرات. فيا أخي! إذا مرت بك الوساوس والخطرات فاضبطها بضابطين من الكتاب والسنة. فيحفظ الرأس وما وعى، فلا يتأثر بأفكار الصحف الصفراء التي هي من ضمن الثقافات الضرار.
(الركن الثاني: (والبطن وما حوى) يعني: لا يدخل في بطنه وفي جوفه إلا الحلال، فيبحث عن الحلال ويدقق في هذه المسألة.
(الركن الثالث: (وتذكر الموت و البِلى)، فمن ذكر الموت هانت عليه شهواته.
(الركن الرابع: (و من أراد الآخرة ترك زينة الدنيا)، فيستحي من الله عز وجل أن يراه مرابطاً على مفسدة، مقيماً على جيفة، عاكفاً على دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضه، فيستحي من الله عز وجل أن يراه ملتفتاً إلى الدنيا، والدنيا لعب ولهو، واللعب واللهو لا يليق بمن شبوا عن الطوق وتركوا دنيا اللعب للصغار، فيعلم أن الملك يدعوه إلى جواره في أرض غرس غراسها الرحمن بيده، فكيف يراه منشغلاً بالدنيا وقد عكف قلبه على محبتها؟
(ثانياً الحياء من الملائكة:
ثم بعد ذلك الاستحياء من الملائكة ومن أخلاقهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه:(ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة). كما في الحديث الآتي:
(حديث عائشة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قالت * كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه قال محمد ولا أقول ذلك في يوم واحد فدخل فتحدث فلما خرج قالت عائشة دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة.
(حديث عائشة رضي الله عنه الثابت في صحيح الأدب المفرد) أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو مضطجعٌ على فراش عائشة، لابساً مرط عائشة- فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته، ثم انصرف. ثم استأذن عمر رضي الله عنه، فأذن له وهو كذلك، فقضى إليه حاجته، ثم انصرف. قال عثمان: ثم استأذنت عليه، فجلس. وقال لعائشة:"اجمعي إليك ثيابك". فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفتُ. قال: فقالت عائشة: يا رسول الله! لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت أن أذنتُ له- وأنا على تلك الحال- أن لا يبلغ إليّ في حاجته".
(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقضاهم علي بن أبي طالب وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأفرضهم زيد بن ثابت ألا وإن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح.
فسيدنا عثمان كان يغتسل في ثيابه حياء من الله عز وجل، وما يقيم صلبه إلا وثوبه عليه. فانظروا مقام الصحابة ومقامنا، فنحن مطالبون أن نستحيي من الملائكة، قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [الانفطار:10] أي: فاستحيوا منهم. كِرَامًا كَاتِبِينَ [الانفطار:11] يعني: لا ألأم ممن لا يستحي من الكرام. وقد تلقى رجلاً كبيراً عظيم القدر من الصالحين لا يقدر العاصي أن يعمل عيبه أمامه، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك).
(حديث سعيد بن يزيد بن الأزور رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(أوصيك أن تستحي من اللّه كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة وأبين دلالة بأوجز إيجاز وأوضح بيان إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح وذوي الهيئات والفضل أن يراه وهو فاعله واللّه مطلع على جميع أفعال خلقه فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه تجنب جميع المعاصي الظاهرة والباطنة فيا لها من وصية ما أبلغها وموعظة ما أجمعها. (تنبيه) قال الراغب: حق الإنسان إذا همّ بقبيح أن يتصوّر أحداً من نفسه كأنه يراه فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه ولذلك لا يستحي من الحيوان ولا من الأطفال ولا من الذين لا يميزون ويستحي من العالم أكثر مما يستحي من الجاهل ومن الجماعة أكثر ما يستحي من الواحد والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة: البشر ثم نفسه ثم اللّه تعالى ومن استحى من الناس ولم يستحي من نفسه فنفسه عنده أخس من غيره ومن استحى منها ولم يستح من اللّه فلعدم معرفته باللّه ففي ضمن الحديث حث على معرفة اللّه تعالى.
وقال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ [الانفطار:10 - 11].
(ويقول ابن أبي ليلى: ما على أحدكم إذا خلا بنفسه أن يقول: أهلاً بملائكة ربي، والله لا أعدمكم اليوم خيراً، خذوا على بركة الله، سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر. وكان الرجل يستشعر إذا خلا بنفسه أن معه الملائكة، فيقول: يا ملكاي! ادعوا الله لي، فأنتما أطوع لله مني. وهؤلاء السلف كان عندهم رقة، يعرفها من قرأ كتب التراجم، وأما نحن فخشب مسندة، لا ذوق ولا أدب ولا رقة شعور ولا علم ولا جهاد ولا شجاعة ولا أي شيء. ذهب الرجال الصالحون وأخرت نتن الرجال لذا الزمان المنتن.
(وكان يقول مالك بن دينار: ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب فنريد أن نرتفع إلى مقام الاستحياء من الملائكة، وما ظنك بالرجل الذي تستحيي منه الملائكة؟! وما ظنك بأناس تشتاق إليهم الجنة؟! فإذا قيل لك: إن الجنة تشتاق لناس، وناس يشتاقون إلى الجنة، فإن بينهما درجات كبيرة.
(ثالثاً الحياء من الرسول صلى الله عليه وسلم:
والمسلم يستحي من النبي صلى الله عليه وسلم، فيلتزم بسنته، ويحافظ على ما جاء به من تعاليم سمحة، ويتمسك بها ويعض عليها بالنواجذ لأنه يعلم علم اليقين الذي لا يخالطه شك أن النجاة من الضلال مقرونة بالتمسك بالوحيين كلاهما.
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض)
((حديث المقدام بن معد يكرب الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا وإني أُوتيت القرآن ومثله معه.
((حديث المقدام بن معد يكرب الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يوشك الرجل متكئأً على أريكته يُحدَّث بحديثٍ من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرَّم الله.
(رابعاً الحياء من الناس:
المسلم يستحي من الناس، فلا يُقَصِّر في حق وجب لهم عليه، ولا ينكر معروفًا صنعوه معه، ولا يخاطبهم بسوء، يكف العبد عن فعل ما لا يليق به، فيكره أن يطلع الناس منه على عيب ومذمة فيكفه الحياء عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ولا يكشف عورته أمامهم، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث معاوية بن حيده الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل: إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها قيل: إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: الله أحق أن يستحيا منه من الناس.
والذي يستحي من الناس لا بد أن يكون مبتعداً عما يذم من قبيح الخصال وسيء الأعمال والأفعال، فلا يكون سباباً، ولا نماماً أو مغتاباً، ولا يكون فاحشاً ولا متفحشاً، ولا يجاهر بمعصية، ولا يتظاهر بقبيح. فحياؤه من الله يمنعه من فساد الباطن، وحياؤه من الناس يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة، وصار كأنه لا إيمان له، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث أبي مسعودٍ الأنصاري الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
(ومعنى الحديث: إن لم يستح صنع ما شاء من القبائح والنقائص، فإن المانع له من ذلك هو الحياء وهو غير موجود، ومن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر، وهذا الحديث معناه واضحاً وضوح الشمس لأن الحياء و الإيمان قرنا جميعا فإذا رُفِعَ أحدهما رفع الآخر كما في الحديث الآتي:
((حديث ابن عمر الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الحياء و الإيمان قرنا جميعا فإذا رُفِعَ أحدهما رفع الآخر.
وقد دل الحديث على أن من فقد الحياء لم يبق ما يمنعه من فعل القبائح، فلا يتورع عن الحرام. ولا يخاف من الآثام، ولا يكف لسانه عن قبيح الكلام. ولهذا لما قل الحياء في هذا الزمان أو انعدم عند بعض الناس كثرت المنكرات، وظهرت العورات، وجاهروا بالفضائح، واستحسنوا القبائح. وقلت الغيرة على المحارم أو انعدمت عند كثير من الناس، بل صارت القبائح والرذائل عند بعض الناس فضائل، وافتخروا بها، فمنهم المطرب والملحن والمغني الماجن، ومنهم اللاعب الناعب الذي أنهك جسمه وضيّع وقته في أنواع اللعب، وأقل حياء وأشد تفاهة من هؤلاء المغنيين واللاعبين من يستمع لغوهم، أو ينظر ألعابهم، ويضيع كثيرا من أوقاته في ذلك.
(قال سلمان الفارسي رضي الله عنه:إن الله إذا أراد بعبده هلاكاً نزع منه الحياء، فإذ نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتاً ممقتاً. فإذا كان مقيتاً ممقتاً نزع منه الأمانة، فلم تلقه إلا خائناً مخوناً. فإذا كان خائناً مخوناً نزع منه الرحمة، فلم تلقه إلا فظاً غليظاً. فإذا كان فظاً غليظاً نزع ربقة الإيمان من عنقه، فإذا نزع ربقة الإيمان من عنقه، لم تلقه إلا شيطاناً لعيناً ملعناً.
(قال الشعبي رحمه الله تعالى:"مر عمر رضي الله عنه في طرق المدينة المنورة فسمع امرأة تقول:
ألا طال هذا الليل واسود جانبه، وأرقني ألا حبيبا ألاعبه. فوَ الله لولا الله لا شيء غيره، لزُعزِع من هذا السرير جوانبه.
مخافة ربي والحياء يكفني، وإكرام بعلي أن تنال مراكبه.
وقال عمر بعدما أتي بالمرأة: أي شيء منعك؟ قالت الحياء وإكرام عرضي.
فكتب عمر رضي الله عنه إلى صاحب زوجها فأقفله إليها".
(ولله درُّ من قال:
إذا لم تخش عاقبة الليالي، ولم تستحي فاصنع ما تشاء.
فلا والله ما في العيش خير، ولا الدنيا إذا ذهب الحياء.
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي الحياء.
{تنبيه} : (خلق الحياء لا يمنع المسلم من أن يقول الحق، أو يطلب العلم أو يسأل عن شيءٍ لا يعلمه، أو يأمر بمعروف، أو ينهي عن منكر، فإذا أدى الحياء إلى تفويت مصلحة شرعية كان مذموماً وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد. (
((حديث أم سلمة الثابت في الصحيحين) أن أم سليم قالت يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: إذا رأت الماء. فغططت أم سلمة تعني وجهها، وقالت يا رسول الله وتحتلم المرأة؟ قال نعم. تربت يمينك، فبم يشبهها ولدُها.
(وفي الحديث منقبة لنساء الصحابة رضي الله عنهن، حيث لم يمنعهن الحياء من السؤال والتفقّه في دين الله عز وجل.
ولذا قالت عائشة رضي الله عنها: نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. رواه مسلم
وهذا بخلاف بعض النساء في زماننا هذا، يخجلن أن يسألن عما أهمّهن من أمور دينهن، ولكنهن لا يخجلن من محادثة بائع أو سائق ونحوهم!
(درجات الحياء:
(الدرجة الأولى من درجات الحياء: أن تبغض إليك المعصية، فإذا علمت أن الله قريب منك فسيحملك هذا على استقباح الجناية، فتنظر إلى أدنى ذنب بأنه كبير في حق الله عز وجل؛ لأنك تعلم أن الله ناظر إليك في كل لحظة، وأنت مقيم على معصيته وعلى مخالفة أمره دق أو جل، صغر أم كبر، فقل: يا رب! أتراك ترحم من لم تقر عيناه بالمعاصي حتى علم أن لا عين تراه غيرك! فلا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى كبرياء من واجهته بها. فالدرجة الأولى من الحياء تبغض إليك المعصية، وتحملك على استقباح الجناية، وتمنعك عن الشكوى لغير الله عز وجل، إلى درجة أن إحدى العابدات عندما جاءت إلى الإمام أحمد تسأله الأسئلة التي لا يسأل عنها العلماء اليوم، فقالت له: يا إمام! أنين المريض شكوى؟ قال: ما سمعت مثل هذا السؤال من قبل، ونرجو ألا يكون كذلك، قالت: يا إمام! إذا مرت الظاهرية ـ وهم أناس من الأمراء الظلمة ـ غزلنا غزلنا على ضوئها، فهل نبينه للناس، قال: افعلي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ثم قال لابنه عبد الله: تتبعها إلى أي البيوت تدخل، فقال له: دخلت في بيت بشر، قال: من بيتهم خرج الورع. فالإمام أحمد غابت عنه هذه المسألة، حتى كان في مرض الموت، فقيل له: إن طاوساً يقول: أنين المريض شكوى، وفي البداية كان الإمام أحمد يقول: نرجو ألا يكون كذلك، فغابت عنه هذه المسألة، ثم فهمها الإمام عند الموت، فما أنَّ ابن حنبل حتى مات، ولذلك تجد العباد يقولون: تفقهوا في مذاهب الإخلاص.
وأشرف العلوم علم الأسماء الحسنى، فتعرف على كل اسم، وكيف تتعبد لله عز وجل بهذا الاسم والصفة، وانظر الصفات في المخلوقات، فتجد نفسك في وادٍ والناس في وادٍ آخر، فعندما تعرف مثلاً اسم المقيت من أسماء الله عز وجل، وتعرف أن المقيت هو الذي يعطي كل مخلوق قوته الضروري، وتعرف مثلاً أن عدد أنواع النمل 12000 نوع، وتحت كل نوع آلاف الملايين، وهذا صنف واحد، ثم الحشرات أكثر من ألف نوع، والطيور والأسماك كذلك، والنجوم لا يحصى عددها؟ والمجرات مائة ألف مليون مجرة، هذا في الجزء المرئي من السماء فقط، وعدد النجوم في كل مجرة ما يقرب من مائة ألف مليون نجم، وهذه تحتوي على نواة ونوية، وكل شيء حي يحتوي على خلايا حيه، والخلايا فيها سيتوبلازم وجدار للخلية ونواة ونوية، فمن الذي يعطي لكل مخلوق من هذه المخلوقات قوته الضروري في وقت واحد؟ وكم أمات وأحيا في وقت واحد؟ فإذا علمت هذا استحييت أن يراك الله راكناً إلى بعض خلقه، وهو ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض، ومن له ملك الدنيا والآخرة، وملك السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى: ورب عليم بذات الصدور يدين لعزته الكابر يدين له النجم في أفقه يدين له الفلك الدائر تدين البحار وحيتانها وماء سحاباتها القاطر تدين النجاد تدين الوهاد يدين له الزاحف الناشر فكل عبيد له، وكل له قانتون، قهرهم بحكمه وبملكه، وأمره ومشيئته نافذة في خلقه. إذا علمت أنه قريب منك فيقبح بك الشكوى إلى غيره: وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم قال تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]، والشكوى إلى الله ليست بشكوى.
(الدرجة الثانية من درجات الحياء: علمك بقرب الله عز وجل فتبغض إليك كثرة المخالطة.
(الدرجة الثالثة من درجات الحياء: وهي التي يقول عنها الإمام ابن القيم: شهود الحضرة وانجذاب القلب والروح من الكائنات وعكوفه على رب البريات. وهناك درجات في القرب من الله عز وجل لا تحيط بها الأفهام، فتطير القلوب إلى الله عز وجل وتسجد تحت العرش، فمثلاً: بالله عليك هل حال قلبك هذا اليوم كحاله وأنت في أيام الاعتكاف وعكوف القلب وجمعيته على الله عز وجل في العشر الأواخر من رمضان؟ وأنت تريد أن تختم المصحف كل يوم؟ ويجوز لك العلماء الوصال إلى قبل أكلة السحور بقليل، فتجمع ما بين السحور والإفطار وأنت في أيام جمعية القلب وعكوفه على رب البريات. فعندما يكون القلب عاكف على رب البريات في كل لحظه، في رمضان وشوال، وكل الأيام عنده ليلة القدر كيف يكون هذا الرجل! ولو أن شخصاً سمع الشيخ المنشاوي يقرأ الزمر أو آل عمران أنه يريد أن يطير طيراناً، فما ظنك إذا كنت كل لحظات حياتك هكذا، فإنك تجد معاني في القرب لا تكيفها الأفهام ولا تحيط بها العقول، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته.
فهذه لا تحيط بها الأفهام.
(أفضل الحياء وأكمله:
ونهاية الحياء وكماله ألا تستحيي من الحق، وقدم الحياء من الله عز وجل على الحياء من الناس، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث أبي سعيد الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنعنَّ رجلاً هيبةُ الناس أن يقول بحقٍ إذا علمه.
فيؤثر الحياء من الله عز وجل على الحياء من الناس. فالحياء الشرعي لا يمنعك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما الذي يمنعك شيء آخر غير الحياء، وهو الجبن والخوف والهلع، فتركك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حياء من الناس ليس من الحياء في شيء، بل هو من الخور والهلع والجبن.
(حياء الله تعالى:
من صفات الله تعالى أنه حَيِي سِتِّيرٌ، يحب الحياء والستر، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث يعلى الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حَييٌ سِتير يحبُ الحياءَ والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر.
(من استحيا من الله استحيا الله تعالى منه:
(حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه الثابت في الصحيحين): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما: فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه).
مسألة: ما معنى حياء الله تعالى من عبده؟
حياء الرب من عبده حياء كرم وبر وجود وجلال، فإنه تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً.
((حديث سلمان الثابت في صحيح أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا.
(حياء الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، وكان إذا كره شيئًا عرفه الصحابة في وجهه. وكان إذا بلغه عن أحد من المسلمين ما يكرهه لم يوجه له الكلام، ولم يقل: ما بال فلان فعل كذا وكذا، بل كان يقول: ما بال أقوام يصنعون كذا، دون أن يذكر اسم أحد حتى لا يفضحه، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، ولا صخابًا (لا يحدث ضجيجًا) في الأسواق.
وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه.
((حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه.
((حديث عائشة الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بلغه عن الرجل شيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ و لكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا و كذا.
((حديث عبد الله ابن عمرو الثابت في صحيح البخاري) قال لم يكن فاحشا ولا متفحشا وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أخيركم أحسنكم خلقا.
(نماذج من الحياء:
(حياء موسى عليه السلام:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن موسى كان رجلا حييا ستيرا، لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر، إلا من عيب بجلده: إما برص وإما أدرة، وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوما وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه، ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله تعالى:(يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَالّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىَ فَبرّأَهُ اللّهُ مِمّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ اللّهِ وَجِيهاً)[الأحزاب: 69]
(حياء النبي صلى الله عليه وسلم:
((حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه.
(حياء أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
قال: أيها الناس! استحيوا من الله، فوالله ما خرجت لحاجة ـ يعني: لقضاء حاجة ـ منذ أسلمت إلا وأنا مقنع رأسي حياء من الله عز وجل. فانظر إلى نفسك وأنت في هذه الحال، تحمل أمعاءك الغليظة ودورة المياه، فأنت كنيف متحرك، أفلا تستحي من الله عز وجل أن تعصيه، فقد خلقك من ماء مهين فاستحي منه، فما زال يخرج منك الغائط وأنت تأنف من رائحته، هذا حياء سيدنا أبو بكر الصديق.
(حياء محمد بن سيرين رحمه الله تعالى:
(قال محمد بن سيرين رحمه الله تعالى: ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا نوم حتى في المنام غير أم عبد الله، وإني لأرى المرأة في المنام، فأعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري. فهو متحكم في نفسه في المنام. فيا ليتنا في يقظتنا كابن سيرين في المنام، فهو في منامه إذا رأى المرأة لا تحل له يصرف بصره، وأنت في يقظتك أتصرف بصرك؟
وانظر إلى حياء المرأة في قوله تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص:25] وكأن الأرض حياء وهي تمشي عليها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس للنساء وسط الطريق) فالنساء يمشين على جنب.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس للنساء وسط الطريق.
(حياء سيدتنا فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيها، حين جاءت تسأله خادماً فاستحيت، فقال: (ما جاء بك يا بنية؟! قالت: جئت أسلم عليك، فاستحيت من أبيها مرة واثنتين وثلاثاً، وربما أتاها وهي في مخدعها وعلي وقد أوشكا على النوم، فتدخل رأسها في المتاع حياء من أبيها رضي الله عنها.
(حياء الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين فكان كمال الحياء في النساء، تقول: كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي رضي الله عنه واضعة ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فكانت تتخفف من بعض ثيابها، قالت: فلما دفن عمر رضي الله عنه كنت أدخل مجموعة معدودة علي الثياب حياء من عمر رضي الله عنه بعد موته.
فهذا هو الحياء في أكمل صوره. فلا والله ما في المرء خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء.
(ولله درُّ من قال:
أنا العبد الذي كسب الذنوبا
…
وصدته المعاصي أن يتوبا
أنا العبد الذي أضحى حزيناً
…
على زلاته قلقاً كئيبا
أنا العبد الذي سطرت عليه
…
صحائف لم يخف فيها الرقيبا
أنا العبد المسيء عصيت سراً
…
فمالي الآن لا أبدي النحيبا
أنا العبد المفرط ضاع عمري
…
فلم أرع الشبيبة والمشيبا
أنا العبد الغريق بلج بحرٍ
…
أصيح لربما ألقى مجيبا
أنا العبد السقيم من الخطايا
…
وقد أقبلت ألتمس الطبيبا
أنا العبد المخلف عن أناسٍ
…
حووا من كل معروفٍ نصيبا
أنا العبد الشرير ظلمت نفسي
…
وقد وافيت بابكم منيبا
أنا العبد الحقير مددت كفي
…
إليكم فادفعوا عني الخطوبا
أنا الغدار كم عاهدت عهداً
…
وكنت على الوفى به كذوبا
أنا المهجور هل لي من شفيعٍ
…
يكلم في الوصال لي الحبيبا
أنا المضطر أرجو منك عفواً
…
ومن يرجو رضاك فلن يخيبا
أنا المقطوع فارحمني وصلني
…
ويسر منك لي فرجاً قريبا
فوا أسفي على عمرٍ تقضى
…
ولم أكسب به إلا الذنوبا
وأحذر أن يعاجلني مماتٌ
…
يحير لهول مصرعه اللبيبا
ويا حزناه من نشري وحشري
…
ليومٍ يجعل الولدان شيبا
تفطرت السماء به ومارت
…
وأصبحت الجبال به كثيبا
إذا ما قمت حيراناً ظميا
…
حسير الطرف عرياناً سليبا
ويا خجلاه من قبح اكتسابي
…
إذا ما أبدت الصحف العيوبا
وذلة موقفٍ لحساب عدلٍ
…
أكون به على نفسي حسيبا
ويا حذراه من نار تلظى
…
إذا زفرت فأقلعت القلوبا
تكاد إذا بدت تنشق غيظاً
…
على من كان معتدياً مريبا
فيا من مدّ في كسب الخطايا
…
خطاه أما بدا لك أن تتوبا
ألا فاقلع وتب واجتهد فإنا
…
رأينا كل مجتهدٍ مصيبا
وأقبِل صادقاً في العزم واقصد
…
جناباً ناضراً عطراً رحيبا
وكن للصالحين أخاً وخلاً
…
وكن في هذه الدنيا غريبا
وكن عن كل فاحشةٍ جباناً
…
وكن في الخير مقداماً نجيبا
ولاحظ زينة الدنيا ببغضٍ
…
تكن عبداً إلى المولى حبيبا
فمن يخبر زخارفها يجدها
…
مخادعةً لطالبها حلوبا
وغض عن المحارم منك طرفاً
…
طموحاً يفتن الرجل الأريبا
فخائنة العين كأسد غابٍ
…
إذا ما أهملت وثبت وثوبا
ومن يغضض فضول الطرف عنها
…
يجد في قلبه روحاً وطيبا
ولا تطلق لسانك في كلامٍ
…
يجر عليك أحقاداً وحوبا
ولا يبرح لسانك كل وقتٍ
…
بذكر الله ريّاناً رطيبا
وصل إذا الدجى أرخى سدولاً
…
ولا تكن للظّلام به هيوبا
تجد أجرأ إذا أدخلت قبراً
…
فقدت به المعاشر والنسيبا
وصم مهما استطعت تجده رياً
…
إذا ما قمت ظمآناً سغيبا
وكن متصدقاً سراُ وجهراً
…
ولا تبخل وكن سمحاً وهوبا
تجد ما قدمته يداك ظلاً
…
عليك إذا اشتكى الناس الكروبا
وكن حسن الخلائق ذا حياءٍ
…
طليق الوجه لا شكساً قطوبا
فيا مولاي جد بالعفو وارحم
…
عبيداً لم يزل يشكي الذنوبا
وسامح هفوتي وأجب دعائي
…
فإنك لم تزل أبداً مجيبا
وشفِّع فيّ خير الخلق طراً
…
نبياً لم يزل أبداً حبيبا