المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌(فصل في منزلة الفتوة:

[*] (أورد ابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى في كتابه التواضع والخمول عن جميل بن زيد قال رأى بن عمر رجلا يجر إزاره فقال إن للشيطان إخوانا مرتين أو ثلاثا.

‌(فصلٌ في منزلة الفتوة:

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الفتوة هذه المنزلة

«حقيقتها هي منزلة الإحسان إلى الناس وكف الأذى عنهم واحتمال أذاهم» فهي استعمال حسن الخلق معهم فهي في الحقيقة نتيجة حسن الخلق واستعماله، والفرق بينها وبين المروءة: أن المروءة أعم منها فالفتوة نوع من أنواع المروءة فإن المروءة استعمال ما يجمل ويزين مما هو مختص بالعبد أو متعد إلى غيره وترك ما يدنس ويشين مما هو مختص أيضا به أو متعلق بغيره و الفتوة إنما هي استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق فهي ثلاثة منازل: منزلة التخلق وحسن الخلق ومنزلة الفتوة، ومنزلة المروءة، وقد تقدمت منزلة الخلق وهذه منزلة شريفة لم تعبر عنها الشريعة باسم الفتوة بل عبرت عنها باسم مكارم الأخلاق كما في حديث يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، وأصل الفتوة من الفتى وهو الشاب الحديث السن قال الله تعالى عن أهل الكهف:{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف: 13] وقال عن قوم إبراهيم أنهم {قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60] وقال تعالى عن يوسف {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} [يوسف: 36] وقال لفتيانه: {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} [يوسف:62]

فاسم الفتى لا يشعر بمدح ولا ذم كاسم الشاب والحدث ولذلك لم يجيء اسم الفتوة في القرآن ولا في السنة ولا في لسان السلف وإنما استعمله من بعدهم في مكارم الأخلاق وأصلها عندهم: أن يكون العبد أبدا: في أمر غيره وأقدم من علمته تكلم في الفتوة جعفر بن محمد ثم الفضيل بن عياض والإمام أحمد وسهل بن عبد الله والجنيد ثم الطائفة فيذكر أن جعفر بن محمد سئل عن الفتوة فقال للسائل: ما تقول أنت فقال: إن أعطيت شكرت وإن منعت صبرت فقال: الكلاب عندنا كذلك فقال السائل: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما الفتوة عندكم فقال: «إن أعطينا آثرنا وإن منعنا شكرنا»

(وقال الفضيل بن عياض: الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان.

ص: 445

(وقال الإمام أحمد رضي الله عنه في رواية ابنه عبد الله عنه وقد سئل عن الفتوة فقال: ترك ما تهوى لما تخشى ولا أعلم لأحد من الأئمة الأربعة فيها سواه.

(وسئل الجنيد عن الفتوة فقال: لا تنافر فقيرا ولا تعارض غنيا.

(وقال الحارث المحاسبي: الفتوة أن تنصف ولا تنتصف.

(وقال عمر بن عثمان المكي: الفتوة حسن الخلق.

(وقال محمد بن علي الترمذي: الفتوة أن تكون خصما لربك على نفسك.

(وقيل: الفتوة أن لا ترى لنفسك فضلا على غيرك.

(وقال الدقاق: هذا الخلق لا يكون كماله إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كل أحد يقول يوم القيامة: نفسي نفسي وهو يقول: أمتي أمتي.

(وقيل: الفتوة كسر الصنم الذي بينك وبين الله تعالى وهو نفسك فإن الله حكى عن خليله إبراهيم عليه السلام: أنه جعل الأصنام جذاذا فكسر الأصنام له فالفتى من كسر صنما واحدا في الله.

(وقيل: الفتوة أن لا تكون خصما لأحد يعني في حفظ نفسك وأما في حق الله فالفتوة: أن تكون خصما لكل أحد ولو كان الحبيب المصافيا.

(وقال الترمذي: الفتوة أن يستوي عندكم المقيم والطارىء.

(وقال بعضهم: الفتوة أن لا يميز بين أن يأكل عنده ولي أو كافر.

(وقال الجنيد أيضا: الفتوة كف الأذى وبذل الندى.

(وقال سهل: هي اتباع السنة.

(وقيل: هي الوفاء والحفاظ.

(وقيل: فضيلة تأتيها ولا ترى نفسك فيها.

(وقيل: أن لا تحتجب ممن قصدك.

(وقيل: أن لا تهرب إذا أقبل العافي يعني طالب المعروف.

(وقيل: إظهار النعمة وإسرار المحنة.

(وقيل: أن لا تدخر ولا تعتذر.

(وقيل: تزوج رجل بامرأة فلما دخلت عليه رأى بها الجدري فقال: اشتكيت عيني ثم قال: عميت فبعد عشرين سنة ماتت ولم تعلم أنه بصير فقيل له في ذلك فقال: كرهت أن يحزنها رؤيتي لما بها فقيل له: سبقت الفتيان وقيل: ليس من الفتوة أن تربح على صديقك.

(واستضاف رجل جماعة من الفتيان فلما فرغوا من الطعام خرجت جارية تصب الماء على أيديهم فانقبض واحد منهم وقال: ليس من الفتوة أن تصب النسوان الماء على أيدي الرجال فقال آخر منهم: أنا منذ سنين أدخل إلى هذه الدار ولم أعلم أن امرأة تصب الماء على أيدينا أو رجلا.

ص: 446