المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌(فصل في منزلة المراقبة:

وأما هذا الشخص الذي جرد وصف المحبة، وعبد الله بها وحدها: فقد ربا بجهله على هذا، واعتقد أن له منزلة عند الله رفَعته عن حضيض العبودية، وضآلتها، وحقارة نفسه الخسيسة، وذلتها، إلى أوج المحبة، كأنه آمِنٌ على نفسه، وآخذٌ عهداً من ربِّه أنَّه من المقربين، فضلاً عن أصحاب اليمين، كلا بل هو في أسفل السافلين.

فالواجب على العبد: سلوك الأدب مع الله، وتضاؤله بين يديه، واحتقاره نفسه، واستصغاره إياها، والخوف من عذاب الله، وعدم الأمن من مكر الله، ورجاء فضل الله، واستعانته به، واستعانته على نفسه، ويقول بعد اجتهاده في العبادة:" ما عبدناك حق عبادتك "، ويعترف بالتقصير، ويستغفر عقيب الصلوات، إشارة إلى ما حصل منه من التقصير في العبادة، وفي الأسحار، إشارة إلى ما حصل منه من التقصير، وقد قام طول الليل، فكيف من لم يقم؟!.

" فتاوى السبكي "(2/ 560).

(وقال القرطبي – رحمه الله:

(وادعوه خوفاً وطمعاً) أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب، وتخوف، وتأميل لله عز وجل، حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر، يحملانه في طريق استقامته، وإن انفرد أحدهما: هلك الإنسان، قال الله تعالى:(نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) الحِجر/ 49، 50.

" تفسير القرطبي "(7/ 227).

‌(فصلٌ في منزلة المراقبة:

[*] (عناصر الفصل:

(تعريف المراقبة:

(من روائع القصص في المراقبة:

وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:

(تعريف المراقبة:

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة المراقبة

قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235] وقال تعالى {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً} [الأحزاب: 52] وقال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] وقال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14] وقال تعالى: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] وقال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] إلى غير ذلك من الآيات وفي حديث جبريل عليه السلام: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال له: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك،

ص: 70

«المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه» فاستدامته لهذا العلم واليقين: هي المراقبة وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيبٌ عليه ناظرٌ إليه سامعٌ لقوله وهو مطلعٌ على عمله كل وقت وكل لحظةٍ وكل نفسٍ وكلُ طرفةِ عينٍ، والغافل عن هذا بِمَعْزِلٍ عن حال أهل البدايات فكيف بحال المريدين فكيف بحال العارفين.

(قال الجريري: من لم يحكم بينه وبين الله تعالى التقوى والمراقبة: لم يصل إلى الكشف والمشاهدة.

(وقيل: من راقب الله في خواطره عصمه في حركات جوارحه.

(وقيل لبعضهم: متى يهش الراعي غنمه بعصاه عن مراتع الهلكة فقال: إذا علم أن عليه رقيبا.

(وقال الجنيد: من تحقق في المراقبة خاف على فوات لحظة من ربه لا غير.

علامة المراقبة إيثار ما أنزل الله وتعظيم ما عظم الله وتصغير ما صغر الله.

(وقيل: الرجاء يحرك إلى الطاعة والخوف يبعد عن المعاصي والمراقبة تؤديك إلى طريق الحقائق.

(وقيل: المراقبة مراعاة القلب لملاحظة الحق مع كل خطرة وخطوة.

(وقال الجريري: أمرنا هذا مبني على فصلين: أن تلزم نفسك المراقبة لله وأن يكون العلم على ظاهرك قائما.

(وقال إبراهيم الخواص: المراقبة خلوص السر والعلانية لله عز وجل.

(وقيل: أفضل ما يلزم الإنسان نفسه في هذه الطريق: المحاسبة والمراقبة وسياسة عمله بالعلم.

(وقال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري: إذا جلست للناس فكن واعظا لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك «فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك»

وأرباب الطريق مجمعون على أن مراقبة الله تعالى في الخواطر: سبب لحفظها في حركات الظواهر فمن راقب الله في سره: حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته و المراقبة هي التعبد باسمه الرقيب الحفيظ العليم السميع البصير فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها: حصلت له المراقبة والله أعلم.

(ولله درُ من قال:

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل

خلوت ولكن قل على رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة

ولا أن ما يخفى عليه يغيب

(من روائع القصص في المراقبة:

(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر، فدخلوا في غار في جبل، فانحطت عليهم صخرة، قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه.

ص: 71

فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى، ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب، فآتي أبواي فيشربان، ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي، فاحتبست ليلة، فجئت فإذا هما نائمان، قال: فكرهت أن أوقظهما، والصبية يتضاغون عند رجلي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما، حتى طلع الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجة نرى منها السماء، قال: ففرج عنهم.

وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فسعيت حتى جمعتها، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجة، قال: ففرج عنهم الثلثين.

وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة فأعطيته، وأبى ذلك أن يأخذ، فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، حتى اشتريت منه بقرا وراعيها، ثم جاء فقال: يا عبد الله أعطيني حقي، فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: فقلت: ما أستهزئ بك ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا، فكشف عنهم).

(الشاهد: «اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها» وأنه ما فعل ذلك إلا تيقظه لمراقبة الله تعالى وأنه مُطَّلعٌ على ظاهره وباطنه.

[*] (أورد الخرائطي رحمه الله تعالى في اعتلال القلوب عن وهب بن منبه قال: «قالت امرأة العزيز ليوسف: القيطون، فادخل معي. قال: إن القيطون لا يسترني من ربي»

[*] (وأورد الخرائطي رحمه الله تعالى في اعتلال القلوب عن محمد بن يحيى قال: سمعت شيخا يكنى أبا عبد الرحمن العتبي يحدث عن أعرابي قال: «خرجت في بعض ليالي الظلام، فإذا أنا بجارية كأنها علم، فأردتها عن نفسها، فقالت: ويلك أما كان لك زاجر من عقل، إذ لم يكن لك ناه من دين؟ فقلت: إنه والله ما يرانا إلا الكواكب. قالت: فأين مكوكبها؟»

[*](وأورد الخرائطي رحمه الله تعالى في اعتلال القلوب عن عن زر بن أبي أسماء: «أن رجلا دخل غيضة فقال: لو خلوت هاهنا بمعصية، من كان يراني؟ فسمع صوتا ملأ ما بين لابتي (1) الغيضة (2)(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك: 14]

(1)

اللابة: الصحراء تكثر بها الحجارة السوداء

(2)

الغيضة: الأجمة وهي الشجر الملتف

ص: 72