الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البابُ الخَامِسُ والعشرُون
في أنَّ الله تعالى عَرجَ [مِن هُناك إلى السَّماءِ]
(1)
قد ذَكَرنَا
(2)
عن النَّبيِّ عليه السلام أنَّ جبرِيلَ أتَى الصَّخرَةَ، وقال: «من هاهُنا عَرَجَ [ربُّك]
(3)
إلى السَّماء».
62 -
أنبَأَنَا أبُو المُعمَّر الأنصَارِيُّ، ثنا أبُو الحُسَين [ابنُ]
(4)
الفرَّاءِ، [أنبَأَنَا](4) عبدُ العزيز بنُ أحمدَ، ثنا أبُو بكرٍ مُحمَّدُ بنُ أحمد الخطيبُ، [ثنا عُمَرُ بنُ الفضلِ بنِ المُهاجِرِ، قال: ثنا أبي، ثنا الوليدُ، ثنا عبدُ الله بنُ إبراهِيمَ، عن إِبراهِيمَ بنِ أَعيَن، عن رُدَيحِ بنِ عطيَّةَ بنِ النُّعمان،](4) عن عبدِ الله بنِ [بُسْرٍ]
(5)
الحِمصِيِّ،
عن كعبِ الأَحبارِ، قال: يقُولُ اللهُ عز وجل لبيتِ المَقدِس: «أَنتَ عَرشِيَ [الأدنَى]
(6)
. مِنكَ ارتَفَعتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَمِنكَ بَسَطتُ الأَرضَ، وَمِن تَحتِكَ جَعَلتُ كُلَّ مَاءٍ عَذبٍ يَطلُعُ في رُؤُوسِ الجِبَالِ»
(7)
.
(1)
في «الأصل» : في أنَّ الله تعالى عَرَج بنبيِّه من هناك إلى السَّماء. وما أثبتُّه من «ن» ، و «م» . والآثارُ الواردةُ تحت هذا الباب تُؤَيِّدُ التَّبويبَ الذي أثبتُّه. والله أعلم.
(2)
برقم (41).
(3)
في «الأًصل» : بك. وما أثبتُّه من «ن» ، و «م» .
(4)
ليست في «الأصل» . وهي في «ن» ، و «م» .
(5)
في النُّسخ: بشر. والتَّصويب من مصادر ترجمته، و «فضائل الواسطيِّ» .
(6)
في النُّسخ: الذي. وما أثبتُّه من «فضائل الواسطيِّ» حيثُ رواه المؤلِّف من طريقه.
(7)
أخرجه الواسطيُّ في «فضائله» (41 - بتحقيقي). وسندُهُ ضعيفٌ جدًّا.
63 -
قال الوليدُ: ثنا إبراهيمُ بنُ مُحمَّدٍ، ثنا [رَوَّادٌ]
(1)
، عن صَدَقَةَ بنِ يزيدَ، عن ثَورِ بنِ يَزيدَ، عن عبدِ الله بنِ [بُسْرٍ]
(2)
،
عن كعبٍ، قال: إِنَّ في التَّوراة: أنَّهُ يقُولُ لصَخرَةِ بيتِ المَقدِس: «أنتِ عَرشِيَ الأَدنَي، وَمِنكِ ارتَفَعتُ إِلَى السَّمَاءِ، وَمِن تَحتِكِ بَسَطتُ الأَرضَ، وَكُلُّ مَاءٍ يَسِيلُ مِن ذِروَةِ الجِبَالِ مِن تَحتِكِ
(3)
»
(4)
.
واعلم! أنَّ الحديثَ المرفُوعَ قد سَبَقَ بأورَاقٍ
(5)
.
و [رواية]
(6)
بَكرِ بنِ زِيادٍ، قال أبُو حاتِمٍ ابنُ حِبَّانَ الحافظُ:«هذا حديثٌ لا يشُكُّ عوامُّ أهلِ الحديثِ أنَّهُ موضُوعٌ»
(7)
.
وكان بكرُ بنُ زِيادٍ يَضَعُ الحديثَ على الثِّقاتِ.
وأمَّا الحديثُ بعدَهُ عن كعبٍ، فيرويه إبراهيمُ بنُ أَعيَنَ.
قال أبُو حاتِمٍ الرَّازِيُّ: «هو مُنكَرُ الحديثِ. لم يَروِهِ عن عبدِ الله بن [بُسْرٍ] (2)، هو والحديثَ الذي بَعدَهُ» .
(1)
في «الأصل» : داوُد. والصَّواب ما أثبتُّه.
(2)
في النُّسخ: بشر. وإنَّما هو: عبد الله بن بُسْر، كما في مصادر ترجمته.
(3)
قوله: من تحتك، ليست في «فضائل الواسطيِّ» .
(4)
أخرجه الواسطيُّ في «فضائله» (109، 114 - بتحقيقي). وسندُهُ ضعيفٌ جدًّا.
(5)
في «ن» : بأوزاقٍ. ويقصدُ الحديث الماضي برقم (41).
(6)
بياضٌ بـ «الأصل» ، و «ن» . وأثبتُّه من «م» .
(7)
«كتاب المجروحين» (1/ 225).
قال يحيى بنُ عبدِ الله: «ليس بشَيءٍ» .
وقال النَّسائِيُّ: «ليس بثقةٍ» .
وقد رَوَت خَوْلةُ بنتُ حَكِيمٍ، عن النَّبيِّ عليه السلام أنَّه قال:«آخِرُ وَطئَةٍ وَطِئَهَا الرَّحمَنُ بِوَجٍّ»
(1)
.
وقد [رَوَوْا عن]
(2)
كعبٍ، أنَّه قال:«وَجٌّ وادٍ مُقَدَّسٌ؛ منهُ عَرَجَ ربُّك إلى السَّماء يومَ قضَى خَلقَ الأَرضِ»
(3)
.
[وقد اغتَرَّ بهذا بعضُ المُشَبِّهةِ
(4)
، فقال:«يُحمَلُ على ظاهِرِه» ، وقال:]
(5)
«إنَّ الوَطأَةَ حَصَلَت بالذَّاتِ» .
وهذا قَولُ مَن لا يَعرِفُ اللُّغَة، ولا التَّوَارِيخَ، ولا أدلَّة العُقُولِ.
(1)
أخرَجَهُ أحمدُ في «مُسنَده» (6/ 409)، وغيرُهُ، بسندٍ ضعيفٍ.
(2)
كذا في «م» . وفي «الأصل» : وقد رَوَى كعبٌ، أنه قال:.
(3)
أخرجه الحُمَيدِيُّ في «مُسنَده» (337). وإسنادُهُ ضعيفٌ.
(4)
يقصد به القاضي أبا يعلَى الحَنبَليَّ رحمه الله، حيثُ يقُولُ في كتابه «إبطال التَّأوِيلَاتِ لأخبارِ الصِّفات» (1/ 377 - 378 - ط. إيلاف) بعد ذِكرِه لحديث خَولَةَ بنتِ حكيمٍ، وأثرِ كعبٍ:«اعلم! أنَّهُ غيرُ مُمتنِعٍ على أُصُولِنا حَملُ هذا الخَبَرِ على ظاهِرِهِ، وأنَّ ذلك معنًى يتعلَّق بالذَّاتِ دُون الفِعلِ؛ لأنَّا حَمَلنَا الخَبَرَ على ظاهِرِه في قولِهِ: «يَنزِلُ اللهُ إلى السَّماء الدُّنيا» ، وقولِهِ:«يَضَعُ قَدمَهُ في النَّار» ، وقولِهِ:«يَتَجَلَّى لهم في رمال الكَافُورِ» ، وقولِهِ تعالَى:{وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22]، وقولِهِ:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210]. كذلك هاهُنا؛ إذ لَسنَا نَحمِلُ الوَطئَةَ على مماسَّتِه جارحةٌ لبعض الأَجسَامِ، بل نُطلِقُ هذه الصِّفة كما أَطلَقنَا استواءَهُ على العَرشِ لا على وجه المُمَاسَّةِ والانتِقَالِ من حالٍ إلى حالٍ، وكما أطلَقنَا قولَهُ تعالى:{خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] لا علَى وجهِ المُمَاسَّةِ، كذلك هاهُنا».
(5)
ليست في «الأصل» . وهي في «م» .
وإنَّما وَجٌّ بالطَّائِفِ. والمُرادُ بالوَطئَةِ: الوَقعَةُ، وهي: آخِرُ وَقعَةٍ أوقَعَهَا اللهُ بالمُشرِكين على يَدِ رسُولِه عليه السلام، ومنه قولُهُ عليهم السلام:«اللَّهُمَّ! اشدُد وَطأتَكَ على مُضَرَ» .
وإلى هذا ذَهَبَ العُلماءُ، منهُم ابنُ قُتَيبَةَ
(1)
.
وقال سُفيانُ بنُ عُيينَةَ في تفسير هذا: «آخِرُ غَزاةٍ غَزَاهَا رسُولُ الله عليه السلام الطَّائفُ»
(2)
.
وأين الطَّائِفُ من بيتِ المَقدِس؟!
ولو صَحَّ عن كعبٍ، احتَمَل أمرَين:
أحدهما: أن يكُونَ حكاهُ عن أهلِ الكِتابِ. وكثيرًا ما كان يَحكِي عَنهُم.
والثَّاني: أنَّ ذلك المكانَ آخِرُ ما استَوَى من الأَرضِ لمَّا خُلِقَت ثُمَّ عَرَجَ
(1)
الأدقُّ أن يُقال: استحسنه ابنُ قُتيبةَ؛ ولم يرجِّحْهُ، حيثُ يقُولُ في «تأويل مُختلَف الحديثِ» (ص:213 - ط. دار الجيل): «ونحنُ نقُولُ إنَّ لهذا الحديثِ مَخرَجًا حسَنًا، قد ذهب إليه بعضُ أهل النَّظَر وبعضُ أهل الحديث، فقالُوا: إنَّ آخرَ ما أَوقَعَ اللهُ عز وجل بالمُشرِكين بالطَّائف، وكانت آخرُ غَزَاةٍ غزاها رسُولُ الله عليه السلام بوَجٍّ. ووَجٌّ: وادٍ قبل الطَّائف.
وكان سفيانُ بنُ عُيَينة يذهَبُ إلى هذا، قال: وهُو مِثلُ قولِهِ في دُعائِهِ: «اللَّهُمَّ! اشدُد وَطأَتَك على مُضَرَ، وابعث عليهم سِنينَ كَسِنِي يُوسُف» ، فتتابع القَحطُ عليهم سَبعَ سِنينَ، حتَّى أَكَلُوا القَدَّ والعِظامَ. وتقُولُ في الكلام: اشتَدَّت وَطأةُ السُّلطان على رعيَّتِه، وقد وَطِئَهُم وطئًا ثقيلًا، وَوَطءُ المقيَّد، قال الشَّاعرُ:
ووطِئتَنَا وطأً على حنقٍ
…
وطء المقيَّد ثابتَ الهرم
والمقيَّد: أثقلُ شيءٍ وطئًا؛ لأنَّهُ يَرسُفُ في قيدِهِ فيضعُ رِجلَيه معًا. والهرمُ: نبتٌ ضعيفٌ، فإذا وطِئَهُ كَسَرَهُ وفتَّه.
وهذا المذهبُ بعيدٌ من الاستكراه، قريبٌ من القُلُوب، غير أنِّي لا أَقضِي به على مُرادِ رسُولِ الله عليه السلام
…
الخ» انتهى.
(2)
أخرجه الفاكهي في «أخبار مكَّة» (3/ 192 - ط. دار خضر) عقب حديث خولة بنت حكيم.
الرَّبُّ [تعالَى إلى]
(1)
خَلقِ السَّماء، فهو كَقَولِهِ تعالَى:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11]
(2)
.
فأمَّا مَن حَمَلَهُ على الحِسِّيَّاتِ، فما عَرف النَّقلَ ولا العَقلَ
(3)
.
* * *
(1)
بياض بـ «الأصل» . وهو في «م» .
(2)
يُشبهُ قولُهُ بأنَّهُ يُريدُ تأويلَ صِفةِ الاستواءِ. والسَّلَفُ على إِمرارِها على ظَاهِرِها.
(3)
معلومٌ أنَّ الاستدلالَ فرعٌ على الثُّبُوت. ولم يَثبُت الخبرُ، فلا يُستَدَلُّ به.
ولكن، لو صحَّ الخبرُ، فنقُولُ: إنَّ الإضافةَ لله تعالى نوعان:
1 -
إضافةُ أَعيانٍ.
…
2 - إضافةُ معانٍ.
وإضافةُ الأعيانِ نوعانِ:
أ- ملكيَّةٌ.
…
ب- تشريفيَّةٌ.
وإضافةُ المعاني نوعانِ:
أ- إذا كانت تقُومُ بالله فهي صفاتٌ.
ب- وإن كانت تقُومُ بغير الله فهي إضافةُ تشريفٍ.
فإضافةُ المعاني إلى الله هي من بابِ إضافةِ الصِّفةِ إلى الموصُوفِ جَزْمًا. وإضافةُ الأعيانِ إلى الله من باب التَّملُّك أو التَّشريف جَزْمًا.
وهُناك نصُوصٌ اتَّفَقَ السَّلَفُ على أنَّها من نُصُوص الصِّفات. وهذه لم يُؤَوِّلها أحدٌ منهم، كالسَّمعِ والبَصَرِ و
…
.
وهناك أُمُورٌ تَنَازَع فيها السَّلَفُ، كقوله تعالى:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]: هل المُرادُ الوِجهَةُ أم صفة الوَجهِ.
واختلافُ سُفيانَ بنِ عُيَينةَ وأبي يَعلَى في المقصُودِ من هذا الحديث ـ على ضَعفِه ـ يُشبِهُ اختلافَهُم على قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} .
وليس كلامُ سُفيانَ من باب التَّأويلِ، وإنَّما هو المعنى المقصُودُ من اللَّفظ.
فالقَولَان لا يَخرِقَان الأصلَ العَامَّ، وهو أنَّ السَّلَفَ لا يُنكِرون الصِّفاتِ أو يُعَطِّلُونها.
* يُنظَر:
«درءَ تعارُض العقل والنَّقل» لشيخ الإسلام (4/ 9)، و «إبطال التَّأوِيلاتِ لأخبار الصِّفاتِ» لأبي يَعلَى (1/ 377)، و «المُختَار في أُصُول السُّنَّة لابنِ البَنَّا» شرح عبد العزيز الرَّاجِحِيِّ (ص:484).