الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: سعيد بن سليمان الضبي الواسطي: ثقة ثبت حافظ، وهو أحفظ من هذين اللذين وصلاه، وعليه: فالمحفوظ: أنه من مرسل الحسن البصري، والله أعلم.
351 - باب من قال: هي من الطُّوَل
1459 -
. . . جرير، عن الأعمش، عن مسلم البَطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أُوتي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطُّوَل، وأوتي موسى عليه السلام ستاً، فلما ألقى الألواح، رُفعت ثنتان، وبقي أربعٌ.
حديث صحيح
سبق تخريجه بطرقه في فضل الرحيم الودود (8/ 501/ 788).
352 - باب ما جاء في آية الكرسي
1460 -
. . . عبد الأعلى: حدثنا سعيد بن إياس، عن أبي السَّليل، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "أبا المنذر، أيُّ آيةٍ معك في كتاب الله أعظمُ؟ "، قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال:"أبا المنذر، أيُّ آيةٍ معك من كتاب الله أعظمُ؟ "، قال: قلت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ، قال: فضرب في صدري، وقال:"لِيَهْنَ لك يا أبا المنذر العلمُ".
حديث صحيح
أخرجه مسلم (810)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 406/ 1836)، وعبد بن حميد (178)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 424/ 1847)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 250)، وفي معرفة الصحابة (1/ 216/ 749)، والبيهقي في الشعب (4/ 455/ 2169)، وابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 66)، وفي جامع بيان العلم (1410)، والبغوي في تفسيره (1/ 310)، وفي شرح السُّنَّة (4/ 459/ 1195)، وقال:"هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، إلى قوله: "ليهنك العلم"". والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 361 - 362/ 710)، وقال:"هذا حديث صحيح". وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 330). [التحفة (1/ 127/ 38)، المسند المصنف (1/ 150/ 60)].
رواه عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي: محمد بن المثنى [أبو موسى الزمن: ثقة ثبت][واللفظ له]، وأبو بكر بن أبي شيبة [ثقة حافظ].
وهذا إسناد صحيح، وقد صححه مسلم وغيره، وعبد الأعلى: ثقة، ممن روى له الشيخان عن سعيد بن إياس الجريري، قال ابن معين لما سئل عن رواية عبد الأعلى ويزيد بن زريع عن الجريري:"هؤلاء كتبوا قبل أن ينكرا على الجريري وسعيد"؛ يعني: ابن أبي عروبة [سؤالات ابن طهمان (328)]، وقال العجلي في معرض كلامه عمن سمع من الجريري قبل الاختلاط:"وعبد الأعلى أصحهم سماعاً، سمع منه قبل أن يختلط بثماني سنين"[معرفة الثقات (576)].
ولفظ ابن أبي شيبة [وعنه مسلم]: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا المنذر! أتدري أيُّ آيةٍ من كتاب الله معك أعظم؟ "، قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال:"يا أبا المنذر! أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟ "، قال: قلت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، قال: فضرب في صدري، وقال:"والله! ليَهْنِكَ العلمُ أبا المنذر".
* ورواه عن ابن أبي شيبة هكذا بدون الزيادة الآتية في آخره: ابن أبي عاصم.
* لكن رواه جمع من الحفاظ وأصحاب ابن أبي شيبة: عبد بن حميد، والحسن بن سفيان، ومحمد بن وضاح، وحميد بن زنجويه، وعبيد بن غنام:
عن ابن أبي شيبة به، وزادوا في آخره بعد قوله:"ليهنك العلم أبا المندر"، زادوا:"والذي نفس محمد بيده إن لهذه الآية لساناً وشفتين تُقدِّسُ الملِكَ عند ساقِ العرش".
وقال عبد الحق في الأحكام الكبرى (4/ 31): "زاد أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده بهذا الإسناد: "والذي نفسي بيده إن لهذه الآية لساناً وشفتين، تقدس الملك عند ساق العرش".
قلت: فكأن مسلماً حذف هذه الزيادة عمداً.
قال أبو عبد الله الحميدي في الجمع بين الصحيحين (1/ 532/ 659): "زاد أبو مسعود:
"والذي نفسي بيده، إن لهذه الآية للساناً وشفتين، تقدس الملك عند ساق العرش"، ولم أجد ذلك فيما عندنا من كتاب مسلم".
ويبدو أنه وقع وهم لأبي مسعود الدمشقي في أطرافه حين زادها ونسبها لمسلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (6/ 280):"زاد أبو مسعود الدمشقي صاحب أطراف البخاري ومسلم: "والذي نفسي بيده إن لهذه الآية لساناً وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش" لكن هذه الزيادة ليست موجودة فيما بأيدي الناس من صحيح مسلم".
وقد نص على ذلك ابن كثير في تفسيره (1/ 512) حيث قال: "وقد رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن الجريري به، وليس عنده زيادة: "والذي نفسي بيده
…
"".
قلت: هي ثابتة من حديث الجريري، فقد توبع عليها ابن أبي شيبة.
تابع عبد الأعلى على إسناده:
سفيان الثوري [ثقة حجة، إمام فقيه، روى عن الجريري قبل اختلاطه][ورواه عنه: عبد الرزاق بن همام، ومحمد بن عبد الوهاب السكري القناد الكوفي، وهو: ثقة]، ويزيد بن هارون [ثقة ثبت، سمع من الجريري في الاختلاط]، وعباد بن العوام [ثقة، ممن سمع من الجريري بعد الاختلاط]، وعلي بن عاصم [الواسطي: كثير الغلط والوهم، فإذا روجع أصر ولم يرجع، لذا فقد تركه بعضهم، وهو من طبقة من سمع من الجريري بعد الاختلاط]، وصباح بن سهل [بصري، منكر الحديث، وهو: مجهول. اللسان (4/ 301)]:
عن سعيد الجريري، عن أبي السليل، عن عبد الله بن رباح، عن أبي بن كعب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أيُّ آيةٍ في كتاب الله أعظم؟ "، فقال: الله ورسوله أعلم، يكررها مراراً، ثم قال أبيٌّ: آية الكرسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليهنك العلم أبا المنذر، والذي نفسي بيده إن لها لساناً وشفتين تُقدِّسُ الملِكَ عند ساق العرش". لفظ عبد الرزاق. ولم يأت بالزيادة السكري، ولا يزيد بن هارون.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 370/ 6001)، وعنه: أحمد (5/ 141)، وابن الضريس في فضائل القرآن (186)، وأبو عوانة (2/ 486/ 3937)(11/ 141/ 4378)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 211/ 81)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 213)(2/ 274/ 686 - ط التأصيل)، والطبراني في الكبير (1/ 197/ 526)، والحاكم (3/ 304)(7/ 24/ 5410 - ط الميمان)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 250)، وابن بشران في الأمالي (248)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (726)، وابن الآبنوسي في مشيخته (14)، والبيهقي في السنن الصغرى (1/ 270/ 974)، وفي الشعب (4/ 454/ 2168 و 2169)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 280)، وأبو الحسن الواحدي في تفسيره الوسيط (1/ 365)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 330)، وأبو طاهر السلفي في الخامس عشر من المشيخة البغدادية (12)(1326 و 1327 - مشيخة المحدثين البغدادية). [الإتحاف (1/ 222/ 65)، المسند المصنف (1/ 155/ 60)].
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".
وتعقبه ابن حجر في الإتحاف، فقال:"قلت: هو في مسلم، فلا يستدرك".
وقال العقيلي بعد أن رواه من طريق الصباح بن سهل: "وفي آية الكرسي رواية من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا"؛ يعني: من غير رواية الصباح، فقد رواه سفيان الثوري وعبد الأعلى وغيرهما عن الجريري به.
وقد اختلف في إسناده على سعيد الجريري:
أ - فرواه سفيان الثوري، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، ويزيد بن هارون، وعباد بن العوام، وعلي بن عاصم، وغيرهم [وفيهم اثنان ممن سمع الجريري قبل الاختلاط]:
عن الجريري، عن أبي السليل، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره.
أخرجه مسلم (810)، وتقدم.
ب - ورواه جعفر بن سليمان، قال: حدثنا سعيد الجريري، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن أبي، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم؟ "، قلت: آية الكرسي؟ فقال لي: "ليهنك العلم أبا المنذر! فوالذى نفسي بيده إن لها للساناً يوم القيامة يقدِّس الله عند ساق العرش".
أخرجه الطيالسي (552).
قال الطيالسي: "وسفيان يقول: عن سعيد عن أبي السليل عن عبد الله بن رباح".
* هكذا رواه أبو داود الطيالسي، عن جعفر بن سليمان به.
قلت: قصر بإسناده جعفر بن سليمان الضبعي، وهو: صدوق، ليس بذاك الحافظ، وله أوهام [انظر: التهذيب (1/ 306)، الميزان (1/ 408)]، روى له مسلم عن الجريري فيما توبع عليه [صحيح مسلم (2750)]، ولم أجد من ذكره فيمن سمع من الجريري قبل الاختلاط [انظر: الكواكب النيرات (24)، شرح علل الترمذي (2/ 742)، التقييد والإيضاح (426)].
وهو هنا أسقط من إسناده: أبا السليل بين الجريري وعبد الله بن رباح، والدليل على أنه لم يضبط إسناده، اختلاف الثقات عليه، فرواه عنه بإسقاط الواسطة: أبو داود الطيالسي سليمان بن داود، وهو: ثقة حافظ.
* وخالفه: عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري [ثقة ثبت]، قال: حدثنا جعفر بن سليمان: حدثنا الجريري، عن بعض أصحابه، عن عبد الله بن رباح، عن أبي؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله:
…
فذكر الحديث بنحوه.
أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (5/ 141 - 142).
[الإتحاف (1/ 222/ 65)، المسند المصنف (1/ 150/ 60)].
وهذه الرواية أولى بالصواب، حيث زاد في الإسناد رجلاً، وبهذا يتضح أن بين الجريري وعبد الله بن رباح: واسطة، وهو أبو السليل ضريب بن نقير على ما بينه الثوري وابن عليه وعبد الأعلى ومن تابعهم في روايتهم عن الجريري، والله أعلم.
ج- ورواه إسماعيل بن إبراهيم [ابن علية، وهو: ثقة ثبت، ممن سمع من الجريري قبل اختلاطه]، عن سعيد بن إياس الجريري، عن أبي السليل، عن عبد الله بن رباح؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب:
…
فذكر نحوه، وقال: فضرب صدره وقال: "ليهنك العلم أبا المنذر، والذي نفسي بيده إن لها للساناً وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش".
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (229)، ومن طريقه: أبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (21).
قلت: هكذا قصر بإسناده ابن علية، حين جعله في صورة المرسل، وهو متصل، إنما حمله عبد الله بن رباح عن أبي بن كعب، كما جاء في رواية الثوري وعبد الأعلى.
* قال علي بن المديني: "ومن أهل المدينة: عبد الله بن رباح الأنصاري، ولا أعلم أحداً روى عن عبد الله بن رباح الأنصاري إلا أهل البصرة، ولم يرو عنه أهل المدينة شيئاً، ولكنه قدم من المدينة فنزل البصرة فروى عنه من أهل البصرة: ثابت البناني وأبو السليل وخالد بن سمير السدوسي وأبو عمران الجوني، وقد روى عبد الله بن رباح هذا عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، روى عن أبي قتادة الأنصاري، وعن أبي حصين، وأبي بن كعب، ولا نعلمه روى عن أبي بن كعب إلا هذا الحديث"؛ يعني: حديثاً في فضل آية الكرسي. [كذا في تاريخ دمشق (28/ 72)].
قلت: وعبد الله بن رباح: أثبت له البخاري السماع من أبي قتادة وأبي هريرة [التاريخ الكبير (5/ 84)]، كما ثبت سماعه أيضاً من عمران بن حصين [صحيح مسلم (681)، فضل الرحيم الودود (437)]، ووفد إلى معاوية [صحيح مسلم (1780)]، وقد ثبت هذا السماع بالأسانيد الصحيحة، والتاريخ يشهد بإمكان ذلك السماع، حيث إن بين وفاة عبد الله بن رباح وبين أبي قتادة وعمران بن حصين أقل من أربعين سنة، وأقل من ذلك فيما بينه وبين أبي هريرة، وأما أبي بن كعب فإنه متقدم الوفاة عن هؤلاء الصحابة بأكثر من عشرين سنة، ومثل هذا يحتاج إلى قرائن تدل على سماعه منه، كأن يكون عبد الله بن رباح قديم الولادة وعمر فوق السبعين، فالتأريخ يدل على أن بين وفاتيهما ما يقرب من ستين سنة، وهي مدة طويلة يغلب على الظن فيها عدم الإدراك، ولكني وجدت قرائن تدل على إدراكه.
وأبي بن كعب: شهد العقبة وبدراً، قديم الوفاة؛ قيل: توفي في خلافة عمر، وقيل: في خلافة عثمان، وهو الصواب، قال ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 69):"والأكثر على أنه مات في خلافة عمر"، وأرخه الذهبي في وفيات سنة تسع عشرة من تاريخ الإسلام (3/ 191)، وقال في السير (1/ 400):"والظاهر وفاة أبي في زمن عمر"، ومال إلى أنه مات سنة اثنتين وعشرين (22)، لكن أرخ خليفة وفاته سنة اثنتين وثلاثين (32)، وأسند البخاري في تاريخه الأوسط والكبير بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قلت لأبي بن كعب لما وقع الناس في أمر عثمان رضي الله عنه: أبا المنذر ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: "كتاب الله تبارك وتعالى [وسنة نبيه]؛ ما استبان لك فاعمل به، وما اشتبه عليك فكِلْه إلى عالمه"[وهذا الأثر أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (4/ 315)، وابن أبي شيبة (7/ 518/ 37681)، والحاكم (3/ 303) (7/ 21/ 5405 - ط الميمان)، وابن حزم في الأحكام (6/ 93)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (155 و 735)، الإتحاف (86)]، ولذا فقد أرخ البخاري وفاته فيمن توفي في خلافة عثمان، ونقل عن ابن المديني أنه مات في ست من خلافة عثمان رضي الله عنه[التاريخ الكبير (2/ 39)، التاريخ الأوسط (1/
64/ 244) و (1/ 69/ 266)(1/ 155/ 209 - ط الصميعي) و (1/ 162 - ط الصميعي)، الجرح والتعديل (2/ 290)، الثقات (2/ 5)، الطبقات الكبرى (3/ 498)، الطبقات لخليفة بن خياط (562)، تاريخ خليفة (167)، مستدرك الحاكم (3/ 302 - 303)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 214)]، ومن سياق هذا الأثر الصحيح يتبين أن أبي بن كعب قد بقي إلى آخر زمن عثمان، حتى وقعت الفتنة، ويزيد ذلك تأكيداً، ما صح عن زر بن حبيش، قال:"وفدت إلى عثمان بن عفان فلقيت أبي بن كعب"[وهو حديث صحيح، أصله في مسلم (762/ 220). راجع تخريجه برقم (1378)]، قال أبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 214) في وفاته:"وقيل: سنة ثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه، وهو الصحيح؛ لأن زر بن حبيش لقيه في خلافة عثمان".
وقد روى خالد بن سُمَير [صدوق، له أوهام]، قال: قدم علينا عبد الله بن رباح الأنصاري من المدينة - وكانت الأنصار تُفَقِّهُه - فحدثنا، قال: حدثني أبو قتادة الأنصاري - فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكر الحديث [تقدم برقم (438)، وخالد بن سمير وإن كان قد وهم في هذا الحديث بعينه، وأتى فيه بزيادات منكرة، وقدَّم وأخَّر؛ إلا أن خبره عن عبد الله بن رباح في قدومه من المدينة إلى البصرة، وأن الأنصار كانت تفقهه، قد قبله البخاري وغيره، بشأن حال عبد الله بن رباح، ثم عقب البخاري بأنه قد أنكر عليه ما انفرد به عن جماعة الثقات عن عبد الله بن رباح، فقال: "لا يتابع في قوله: "من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، ولوقتها من الغد""].
وموضع الشاهد من هذا النقل: أن عبد الله بن رباح مدني، وأنه قد حمل حديثه عن أهل المدينة، ومنهم أبي بن كعب، ثم إنه أنصاري، وأبي من الأنصار، وعليه: فهو بلدي له، ومن قومه، وقد اعتنى الأنصار بعبد الله بن رباح، فكانوا يفقهونه، وليس ذلك إلا لكونهم يرونه أهلاً لحمل العلم، وضبطه، ونشره، وهذا مما يجعلنا نثق بنقله عن أبي بن كعب، فيما رواه عنه من هذا الحديث، وذلك فضلاً عن توثيق الأئمة النقاد له، فقد وثقه النسائي والعجلي وابن سعد، وروى عنه جماعة من صغار التابعين [التهذيب (2/ 330)]، وقيل ليحيى بن معين: قتادة سمع من عبد الله بن رباح؟ قال: "نعم، يشبه"[سؤالات ابن الجنيد (642)]، مما يدل على أنه كان كبيراً عنده، حتى إن قتادة يشبه أنه أدركه وسمع منه.
يبقى أن يقال: فما تقول فيما بينه وبين أبيِّ من تباعد سني الوفاة، فيقال: لعل عبد الله بن رباح أدرك أبياً، وهو صغير، فحمل عنه، ثم طال به العمر حتى حدث به أبا السليل، ولعل مسلماً كان عنده من القرائن الدالة على إدراك عبد الله بن رباح لأبي بن كعب مما لم نقف عليه، ولا سيما وهو يشترط المعاصرة التي تجيز للراوي إمكان السماع والمشافهة واللقاء.
وباجتماع هذه القرائن: فهو محمول على الاتصال، لكونه بلدياً له، ومن نفس قومه،
وأنهم كانوا يعتنون به، فيسمعونه صغيراً من أكابر الصحابة كأبي بن كعب، ولذا فلم يحمل عنه سوى هذا الحديث، ثم إنه هنا قد عُدم المعارض القائل بالانقطاع بينهما، ولعدم الجازم أيضاً بعدم السماع، كذلك فإنه لم يوصف بتدليس ولا بإرسال، فالعنعنة هنا محمولة على الاتصال، وهي صيغة مستعملة في موضع السماع، ما لم تدل قرينة على الانقطاع، فهو إسناد صحيح؛ لما سبق ذكره، وكذلك لتصحيح مسلم له، ومتابعة النقاد له على ذلك، مثل: أبي عوانة، والحاكم، والبغوي، والجوزقاني، والله أعلم.
وقول ابن المديني: "ولا نعلمه روى عن أبي بن كعب إلا هذا الحديث"[تاريخ دمشق (28/ 72)]؛ يعني: حديثنا هذا في فضل آية الكرسي، ثم عدم إنكاره عليه، وسكوته عنه، يدل على أنه متصل عنده، بخلاف ما سبق معنا في فضل الرحيم الودود (11/ 511/ 1091) من حديث أبي رفاعة العدوي [وهو عند مسلم أيضاً (876)]، وقد أعله ابن المديني بالانقطاع، فقال: "حديث أبي رفاعة: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على كرسي من حديد؛ رواه سليمان بن المغيرة عن أبي هلال [لعلها تحرفت عن ابن هلال، عن أبي رفاعة، ولم يلق عندي أبا رفاعة، [العلل (138)، التهذيب (1/ 500)، تحفة التحصيل (85)، فضل الرحيم الودود (11/ 511)، والشاهد أن ابن المديني لم يسكت على انقطاع حديث أبي رفاعة، بينما في حديثنا هذا سكت عنه، مع تقدم وفاة أبي، ولو كان عبد الله بن رباح ممن لم يدركه لصاح بذلك ابن المديني، فهو محمول عنده على الاتصال، والله أعلم.
* وقد رواه محمد بن جعفر غندر [ثقة]، ويحيى بن سعيد القطان [ثقة حجة، إمام ناقد]:
حدثنا عثمان بن غياث [بصري: ثقة]، قال: سمعت أبا السليل، قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس حتى يكثر عليه، فيصعد على ظهر بيت، فيحدث الناس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي آية في القرآن أعظم؟ "، فقال رجل:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ، قال: فوضع يده بين كتفي، قال: فوجدت بردها بين ثديي، أو قال: فوضع يده بين ثديي، فوجدت بردها بين كتفي، قال:"يهنك يا أبا المنذر العلم العلم".
أخرجه أحمد (5/ 58)، ومسدد في مسنده (6/ 183/ 5632 - إتحاف الخيرة). [الإتحاف (16/ 735/ 21192)، المسند المصنف (1/ 150/ 60)].
قلت: جود الجريري إسناد هذا الحديث، وضبطه، وأتى به على الوجه، وروايته هي الصواب، وقد قصر به عثمان بن غياث، فلم يقم إسناده، والله أعلم.
وأبو السليل ضُرَيب بن نُقَير بن سمير القيسي الجريري البصري، يروي عن عبد الله بن رباح وغيره، روى عنه الجريري وغيره: ثقة [التاريخ الكبير (4/ 342)، معجم الصحابة للبغوي (1/ 211/ 82)، الجرح والتعديل (4/ 470)، المؤتلف للدارقطني (3/ 1252) و (4/ 2247)، إكمال ابن ماكولا (1/ 340) و (4/ 372) و (7/ 134 و 172)، توضيح المشتبه (5/ 146 و 366) و (9/ 113)، تاريخ الإسلام (3/ 189 - ط الغرب)، إكمال
مغلطاي (7/ 34)، التهذيب (2/ 228)]؛ فرواية الجريري عنه أولى من رواية الغرباء؛ فهو أعلم بحديث أبي السليل من غيره، وهو من أروى الناس عنه.
* والحاصل: فإن حديث أبي بن كعب: حديث صحيح، صححه مسلم، وأبو عوانة، والحاكم، والبغوي، والجوزقاني، والله أعلم.
فإن قيل: ألا يعارضه حديث:
العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب وهو يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إيهِ أبيُّ، فالتفت أبيُّ ولم يجبه، ثم صلى أبيُّ فخفَّف، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سلام عليك يا رسول الله، قال: "[وعليك السلام]، ويحك! ما منعك أبيُّ أن دعوتُك أن لا تجيبني"، قال: يا رسول الله! كنت في صلاةِ، قال: "فليس تجد فيما أوحى الله إليَّ أنِ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ؟ "، قال: بلى، يا رسول الله، لا أعود، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتحب أن أعلمك سورةً لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها؟ "، قال: نعم، أي رسول الله! قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو ألا تخرج من هذا الباب حتى تعلمها"، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني، وأنا أتبظَّأ مخافة أن تبلغ الباب قبل أن ينقضي الحديث، فلما دنونا من الباب، قلت: يا رسول الله! ما السورة التي وعدتني؟ قال: "كيف تقرأ في الصلاة؟ "، فقرأت عليه أم القرآن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده! ما أُنزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها، إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت". وهو حديث صحيح، تقدم ذكره تحت الحديث رقم (1458)، وقد سبق تخريجه مفصلاً بطرقه في فضل الرحيم الودود (9/ 132/ 821).
فيقال: يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله مرتين، مرة عن أفضل سورة في القرآن، ما أُنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، ثم سأله مرة أخرى وفي واقعة أخرى عن أعظم آية في القرآن، واختلاف السياق يدل على ذلك، والله أعلم.
وله شواهد كثيرة، منها حديث ابن عباس:
رواه يحيى بن السكن، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن الشعبي، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعظم سورة في القرآن: البقرة، وأعظم آية فيها: آية الكرسي".
أخرجه الجوزقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 362/ 711).
قال الجوزقاني: "هذا حديث غريب حسن من حديث شعبة عن أبي إسحاق، لا أعرفه إلا من حديث يحيى بن السكن عنه".
وقال ابن أبى حاتم في العلل (4/ 584/ 1657): "وسألت أبي عن حديث رواه يحيى بن السكن، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن التميمي [كذا]، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أعظم سورة في القرآن سورة البقرة، وأعظم آية آية الكرسي"؟
قال أبي: هذا خطأ؛ إنما هو: عن ابن عباس قوله. ويحيى بن السكن: ضعيف الحديث".
قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به: يحيى بن السكن البصري، وهو: ضعيف، يتفرد عن كبار الثقات بما لا يتابع عليه [راجع ترجمته في فضل الرحيم الودود (8/ 431/ 782)].
وقال الدارقطني في الأفراد (1/ 512/ 2907 - أطرافه): "تفرد به يحيى بن السكن عن شعبة، ورواه هلال بن العلاء عن يحيى بن السكن بلفظ آخر، وهذا أصح".
* قلت: خالفه فأوقفه، وفضح التحريف الواقع في إسناد الجوزقاني حين قال بعضهم: عن الشعبي، وإنما هو: التميمي:
عمرو بن مرزوق [من ثقات أصحاب شعبة المكثرين عنه، ويحتمل عنه التفرد في مثل هذا من الآثار]: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن رجل من بني تميم، عن ابن عباس، قال: ما خلق الله سماء ولا أرضاً، ولا سهلاً ولا جبلاً؛ أعظم من سورة البقرة، وأعظم آية فيها آية الكرسي.
أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن (188).
* ورواه أبو الأحوص سلام بن سليم، وسفيان الثوري، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [وهم ثقات أثبات، الثوري وشعبة أقدمهم سماعاً من أبي إسحاق، وإسرائيل من اْثبت الناس في جده أبي إسحاق، وأبو الأحوص من أروى الناس عنه، وأكثرهم حديثاً]، والجراح بن مليح [صدوق]، ومحمد بن جابر [السحيمي اليمامي: ضعيف]:
عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: قلت لابن عباس: أي القرآن أشرف؟ قال: البقرة، قال: قلت: فأي آية أشرف؟ قال: آية الكرسي. لفظ أبي الأحوص. وفي رواية الثوري وإسرائيل: أي آية فيها أعظم؟.
أخرجه جعفر الفريابي في فضائل القرآن (42 و 43)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (725 و 730).
والتميمي المذكور في هذا الإسناد، هو أحد شيوخ أبي إسحاق المجاهيل، الذين تفرد بالرواية عنهم، واسمه أربدة، قال العجلي:"كوفي تابعي، ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن البرقي:"مجهول"، وهو ممن تُقبل روايته عند المتابعة، وإنما تُرَدُّ رواية مثله عند المخالفة، وعند التفرد بما لا يتابع عليه، والله أعلم [راجع ترجمته مفصلة في فضل الرحيم الودود (9/ 575/ 899)].
* ورواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن مسروق، قال: قال عبد الله: ما خلق الله من أرض ولا سماء، ولا إنس ولا جان؛ أعظم من آية الكرسي.
أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن (194).
وهذا معروف عن ابن مسعود قوله، وله عنه طرق أخرى.
* وأما الشعبي؛ فالمعروف عنه:
ما رواه منصور بن المعتمر، وسعيد بن مسروق، وغيرهما: عن الشعبي، عن شتير بن شكل، قال: حدثنا عبد الله [ابن مسعود]: أن أعظم آية في كتاب الله عز وجل: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} إلى آخر الآية. فقال مسروق: صدقت. [موقوفاً على ابن مسعود].
أخرجه عبد الرزاق (3/ 371/ 6002)، وسعيد بن منصور (3/ 953/ 426)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (230 و 276)، وابن الضريس في فضائل القرآن (187)، والطبراني في الكبير (9/ 132 و 133/ 8658 - 8660)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1153)، والبيهقي في الشعب (4/ 458/ 2173).
وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح.
وقد أخرج له أبو داود شاهداً آخر في آخر السنن:
رواه حجاج بن محمد المصيصي [ثقة ثبت، من أثبت الناس في ابن جريج]، وسعيد بن سالم القداح [صدوق]، ومسلم بن خالد الزنجي [ليس بالقوي، كثير الغلط، قال البخاري وأبو حاتم: "منكر الحديث". التهذيب (4/ 68)]:
عن ابن جريج [ثقة حافظ فقيه، أحد الأعلام]، قال: أخبرني عمر بن عطاء [عمر بن عطاء بن أبي الخوار: مكي، ثقة، روى له مسلم]؛ أن مولى لابن الأسقع - رجل صدق - أخبره؛ عن ابن الأسقع [واثلة بن الأسقع: صحابي، حديثه عند أهل الشام] أنه سمعه؛ يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في صُفَّة المهاجرين، فسأله إنسان: أيُّ آيةٍ في القرآن أعظم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} . حديث حجاج، وبنحوه حديث سعيد، ورواه الزنجي بنحوه إلا أنه وهم فيه فقال: عن الأسقع البكري [عند الطبراني في معجمه الكبير، ولذا أخرجه في ترجمة الأسقع البكري].
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 430) في ترجمة ابن الأسقع البكري، وأبو داود (4503)، والطبراني في الكبير (1/ 334/ 999)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 358/ 1097) و (6/ 3055/ 7068)، وعلقه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 315). [التحفة (8/ 326/ 11756)، المسند المصنف (34/ 721/ 16664)].
قال ابن أبي حاتم متابعاً للبخاري: "ابن الأسقع البكري: من أصحاب الصفة مديني، له صحبة".
ونقل بعضهم الاختلاف فيه هل هو بالفاء أم بالقاف، قال ابن ماكولا في الإكمال (1/ 79):"أما الأسفع بالفاء: فهو الأسفع البكري، يختلف فيه، يقال: له صحبة؛ ويقال: ابن الأسفع"؛ قلت: إنما هو ابن الأسقع، بالقاف، كما وقع عند البخاري وابن أبي حاتم، وكذا هو في مصادر التخريج.
وابن الأسقع راوي هذا الحديث، هو الصحابي المشهور: واثلة بن الأسقع الليثي، وذلك من وجهين:
الأول: أن كلاً منهما كان من أصحاب الصفة.
والثاني: أن كلاً منهما بكري، وإن كان المشهور في نسبة واثلة أنه ليثي، فهو: من بني ليث بن بكر بن عبد مناة، وهو: واثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل بن ناشب بن غِيَرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن علي بن كنانة بن خزيمة [طبقات ابن سعد (1/ 255) و (8/ 407)، الطبقات لخليفة بن خياط (2832)، التاريخ الكبير (8/ 187)، الجرح والتعديل (9/ 47)، معجم الصحابة لابن قانع (3/ 183)، الثقات (3/ 426)، المؤتلف للدارقطني (4/ 2286)، فتح الباب (617)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (5/ 2715)، الاستيعاب (4/ 1563)، إكمال ابن ماكولا (6/ 301) و (7/ 297)، السير (3/ 383)، التهذيب (4/ 350 و 611)].
قلت: لكن لما كان الراوي عنه هو أحد مواليه، قد نسبه لجده الأعلى، والمشهور أنه ليثي، فأشكل ذلك على النقاد، وفرقوا بينه وبين واثلة، ويؤكد ذلك أنه من أصحاب الصفة، فاجتمع فيه الوصفان، من جهة النسب ومن جهة محل إقامته، والله أعلم.
لذا قال ابن عساكر: "هو واثلة؛ لأنه من بني ليث بن بكر بن عبد مناة، وهو من أهل الصفة"[التهذيب (4/ 300 و 611)][تاريخ دمشق (61/ 379)، وفيه: "واثلة بن الأسقع أخو بني بكر"].
وقال المزي في التحفة مستشهداً بما نقل عن ابن عساكر: "جعله ابن أبي حاتم ممن لا يعرف له اسم، وقال: هو البكري، مدني له صحبة، من أصحاب الصفة، وهو واثلة بغير شك؛ لأنه من بني ليث بن بكر بن عبد مناة، وهو من أهل الصفة".
وبناء على ما تقدم: فإن إسناد هذا الحديث إسناد متصل، سمع بعضهم من بعض، ورجاله كلهم ثقات مشاهير؛ عدا التابعي المبهم، مولى ابن الأسقع، لكن الراوي عنه قد عدله، وشهد له بالصدق، فهذا مما يرفع من حاله، وإن كان مبهماً مجهول العين، ومثل هذا يحسن بالشواهد، وقد صح معناه من حديث أبي بن كعب، فهو حديث حسن بشاهده، والله أعلم.
* خالفهم فوهم في إسناده، وسلك فيه الجادة والطريق السهل:
يحيى بن سعيد العبشمي: حدثنا ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قلت يا رسول الله: أي آية أنزلها الله عليك أعظم؟، قال:"آية الكرسي"، ثم قال:"يا أبا ذر ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة".
وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1325)، وقلت هناك:
وكذلك ما روي عن عبيد بن عمير عن أبي ذر بحديثه الطويل، الذي يأتي ذكره في
الشواهد، فليس من حديث عبيد بن عمير في شيء؛ إذ المتفرد به: يحمى بن سعيد الكوفي السعدي العبشمي: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في المجلس جالس وحده، فاغتنمت خلوته، فقال:"يا أبا ذر! إن للمسجد تحية"
…
، وذكر الحديث بطوله في سؤال أبي ذر النبي صلى الله عليه وسلم عما سأله.
أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 404)، وابن حبان في المجروحين (3/ 129)، وابن عدي في الكامل (7/ 244)(10/ 633/ 18594 - ط الرشد)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (6)، وأبو الشيخ في العظمة (2/ 570/ 206)، والمعافى بن زكريا النهرواني في الجليس الصالح (608) مطولاً، والحاكم في المستدرك (2/ 597)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 168)، والبيهقي في السنن (9/ 4)، وفي الأسماء والصفات (2/ 299/ 861)، وفي الشعب (131 و 4592)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (23/ 277) مطولاً، وفي الأربعين في الحث على الجهاد (10). [الإتحاف (14/ 169/ 17577)].
قال العقيلي: "يحيى بن سعيد العبشمي عن ابن جريج: لا يتابع على حديثه، وليس بمشهور بالنقل"، ثم قال:"وهذا يروى من غير هذا الوجه بإسناد صالح".
وقال ابن حبان: "يروي عن ابن جريج المقلوبات، وعن غيره من الثقات الملزقات، لا يحل الاحتجاج به إذا انفرد".
ثم قال: "وليس من حديث ابن جريج، ولا عطاء، ولا عبيد".
وقال ابن عدي: "وهذا الحديث منكر من هذا الطريق، عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر، وهذا الحديث ليس له من الطرق إلا من رواية أبي إدريس الخولاني، والقاسم بن محمد، عن أبي ذر، والثالث: حديث ابن جريج هذا، وهذا أنكر الروايات، ويحيى بن سعد هذا يعرف بهذا الحديث".
وقال أبو نعيم: "ورواه ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر، بطوله.
تفرد به عنه: يحيى بن سعيد العبشمي".
وقال البيهقي: "تفرد به يحيى بن سعيد السعدي".
قلت: يحيى بن سعيد القرشي العبشمي السعدي، وقيل: السعيدي الشهيد، وصوب ابن عدي أنه يحيى بن سعد، بسكون العين [تاريخ الإسلام (5/ 478 - ط الغرب)، اللسان (8/ 443)]، وإنما يُعرف بعض هذا الحديث الطويل من حديث عبيد بن عمير مرسلاً [راجع فضل الرحيم الودود (1325)، [وراجع تخريج حديث أبي ذر المطول بطرقه في فضل الرحيم الودود (5/ 403/ 468)، وتحت الحديث رقم (1325)].
وقد روي في فضائل آية الكرسي أحاديث كثيرة جداً، غالبها ضعاف، وأسانيد بعضها أصلح من بعض، وقد روي ذلك من حديث: أبي هريرة، وأنس بن مالك، والحسن بن علي، وعائشة، وأيفع بن عبدٍ الكلاعي، وعبد الله بن عباس، والصلصال بن الدلهمس، وعبد الله بن مسعود، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي ذر
الغفاري، ومعاذ بن جبل، وأبي وجزة يزيد بن عبيد السعدي، وأبي أمامة، وأبي أيوب، وأبي قتادة، وأبي موسى الأشعري، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وزيد بن ثابت، وسلمة بن قيس، والمغيرة بن سبيع، وربيعة الجرشي، وعن الحسن مرسلاً، وغيرهم، وهي مما يطول المقام بذكرها مفصلة، وقد يحتاج إبرازها بطرقها وبيان عللها إلى جزء مفرد، وفي الصحيح غنية، وقد استغنيت بما ذكرت وما سيأتي، والله الموفق للصواب، وقد أجملت مصادرها دون تمييز لرواتها أو ألفاظها، ولم أقصد الاستيعاب، وذلك لمن أراد الاطلاع على طرف منها [انظر مثلاً: ما أخرجه ابن وهب في الجامع (3/ 25/ 38 - تفسير القرآن، رواية سحنون)، وعبد الرزاق (3/ 449/ 3673) و (3/ 376 - 377/ 6019)، والحميدي (994 و 1024)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في قضائل القرآن (231 و 232)، وسعيد بن منصور في سننه (3398)(424 - ط سعد الحميد)، وابن أبي شيبة (6/ 50/ 29315)، وابن معين في تاريخه (4/ 425/ 5072 - رواية الدوري)، والدارمي (3701 - 3707 - ط البشائر)، وابن ماجه (3856)، والترمذي (2878 و 2879)، وإبراهيم بن إسحاق الحربي في غريب الحديث (3/ 1015)، وابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان (63 و 67)، والبزار (15/ 190/ 8573)، وابن نصر في قيام الليل (151 - مختصره)، وابن الضريس في فضائل القرآن (168 و 189 - 194)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (44 - 50 و 73 و 74)، والدولابي في الكنى (2/ 569/ 1020)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 422/ 1071)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1/ 162/ 176) و (1/ 163/ 177)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 324)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة (2475 و 2870)، والطبراني في المعجم الكبير (3/ 83/ 2733)(8/ 183/ 7758) و (8/ 237/ 7925) و (9/ 127/ 8673) و (9/ 166/ 8824 و 8826) و (20/ 220/ 511) و (20/ 231/ 541)، وفي الأوسط (8/ 192/ 8371)، وفي مسند الشاميين (1/ 441/ 778)، وفي الدعاء (276 و 322 و 674)، وابن عدي في الكامل (2/ 637)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (76 و 344 و 620 و 687)، وابن سمعون في الأمالي (238)، والدارقطني فيما انتقاه من حديث أبي الطاهر الذهلي (84)، والحاكم (1/ 505 و 506) و (1/ 560 - 561) و (2/ 259)، وتمام في الفوائد (221)، وأبو سعيد النقاش في ثلاثة مجالس من أماليه (37)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 166 - 167)، وفي دلائل النبوة (268)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (722 - 724 و 727 - 729 و 731 - 736 و 740 - 743 و 747 - 752 و 832 و 1135 و 1139 و 1152 و 1164)، والحسن بن محمد الخلال في فضائل سورة الإخلاص (31)، والبيهقي في الشعب (4/ 457 - 461/ 2171 - 2176) و (2188 و 2244 و 2245)، وفي الأسماء والصفات (862)، وفي دلائل النبوة (7/ 123)، والخطيب في تاريخ بغداد (1/ 362) و (5/ 208)، والواحدي في التفسير الوسيط (1/ 74 و 365)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (38/ 321) و (44/ 86 - 88) و (45/ 489) و (48/ 126 - 129)] [تخريج أحاديث الذكر
والدعاء (1/ 32/ 11)] [فضل الرحيم الودود (5/ 403/ 468)، وما تحت الحديث رقم (1325)].
ومما صح في فضل آية الكرسي:
1 -
روى عثمان بن الهيثم أبو عمرو: حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج، وعليَّ عيالٌ ولي حاجةٌ شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟ "، قال: قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة، وعيالاً، فرحمته، فخليت سبيله، قال:"أما إنه قد كذبك، وسيعود"، فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعليَّ عيال، لا أعود، فرحمته، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك؟ "، قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة، وعيالاً، فرحمته، فخليت سبيله، قال:"أما إنه قد كذبك، وسيعود"، فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا آخر ثلاث مرات، أنك تزعم لا تعود، ثم تعود، قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)} ، حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما فعل أسيرك البارحة؟ "، قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال:"ما هي؟ "، قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير -، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أما إنه قد صدقك، وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة"، قال: لا، قال:"ذاك شيطان".
علقه البخاري في صحيحه في ثلاثة مواضع ولم يصرح في موضع منها بسماعه إياه من عثمان بن الهيثم (2311) و (3275) و (5010). وهو حديث صحيح، راجع تخريجه بطرقه وشواهده في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 294/ 155) و (1/ 247/ 129).
2 -
وروى محمد بن حمير، قال: حدثنا محمد بن زياد، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".
وهو حديث حسن غريب، سبق تخريجه في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 220/ 122).