المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌355 - باب استحباب الترتيل في القراءة - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٨

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌355 - باب استحباب الترتيل في القراءة

* حديث في فضل سورة الكهف:

رواه قتادة، عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال".

أخرجه مسلم (809)، تقدم تخريجه في أحاديث الذكر والدعاء برقم (306).

* حديث في فضل سورة تبارك:

رواه شعبة: أخبرنا قتادة، عن عباس الجُشَمي، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"سورة من القرآن ثلاثون آيةً تشفع لصاحبها حتى غُفر له: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ".

وهو حديث حسن. تقدم تخريجه برقم (1400).

* * *

*‌

‌355 - باب استحباب الترتيل في القراءة

*

1464 -

. . . سفيان: حدثني عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُقالُ لصاحب القرآن: اقرأ وارتَقِ، ورتِّلْ كما كنت تُرتِّلُ في الدنيا، فإن مَنزِلكَ عند آخر آيةٍ تقرؤُها".

* حديث صحيح

أخرجه الترمذي (2914)، والنسائي في الكبرى (7/ 272/ 8002)، وابن حبان (3/ 43/ 766)، والحاكم (1/ 552 - 553)، وأحمد (2/ 192/ 6799)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (87)، وابن أبي شيبة (6/ 131/ 30056)، والحارث المحاسبي في فهم القرآن (293)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (3/ 164/ 4292 - السفر الثالث)، وابن الضريس في فضائل القرآن (111)، وابن نصر في قيام الليل (170)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (60 و 61)، وأبو جعفر النحاس في القطع والائتناف (10)، وأبو بكر الآجري في أخلاق أهل القرآن (10)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (329 و 330)، والطبراني في الكبير (13/ 507/ 14382)، وابن شاهين في فضائل الأعمال (205)، وحمزة السهمي في تاريخ جرجان (139)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 60)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (299)، وأبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (133)، والبيهقي في السنن (2/ 53)، وفي الشعب (4/ 174/ 1844) و (4/ 295/ 1970)، والشجري في الأمالي الخميسية (400 و 592 - ترتيبه)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 435 / 1178)، وفي التفسير (1/ 42)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 114)، والضياء في فضائل القرآن (17)، وفي المنتقى من مسموعات مرو

ص: 113

984 -

. [التحفة (6/ 17/ 8627)، الإتحاف (9/ 454/ 11664)، المسند المصنف (17/ 405/ 8240)].

رواه عن سفيان الثوري: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ووكيع بن الجراح، وأبو داود عمر بن سعد الحفري [وهم ثقات، وفيهم أثبت الناس في الثوري]، وإسماعيل بن عمرو البجلي [منكر الحديث عن الثوري، حدث عنه بأحاديث لا يتابع عليها. اللسان (2/ 155)].

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

وقال أبو علي الرواس: سمعت عمرو بن علي، يقول:"لم يرو زر عن عبد الله إلا هذا الحديث"[تاريخ جرجان].

* تابع الثوري على رفعه:

حماد بن شعيب [ضعفوه، وقال البخاري: "فيه نظر". اللسان (3/ 270)][وعنه: يحيى بن عبد الحميد الحماني: صدوق حافظ؛ إلا أنه اتُّهم بسرقة الحديث. التهذيب (4/ 370)]، وقيس بن الربيع [ليس بالقوي] [وعنه: إسماعيل بن عمرو البجلي، وهو: ضعيف، صاحب غرائب ومناكير. اللسان (1/ 155)]:

عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق في الدرجات، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها".

أخرجه أبو بكر الآجري في أخلاق أهل القرآن (9)، وأبو عمرو الداني في التحديد في الإتقان والتجويد (77)، والشجري في الأمالي الخميسية (524 - ترتيبه).

* هكذا رواه الثوري مرفوعًا، وخالفه فأوقفه:

زائدة بن قدامة [وعنه: أبو أسامة حماد بن أسامة، وحسين بن علي الجعفي]، وأبو جعفر الرازي [عيسى بن أبي عيسى، وهو: ليس بالقوي، روى مناكير]:

عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن عمرو، قال: يقال لصاحب القرآن حين يدخل الجنة: اقرأ وارقه في الجنة [وفي رواية: في الدرجات]، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك في الدرجات عند آخر ما تقرأ.

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 131/ 30057)، وابن الضريس في فضائل القرآن (112 - 114).

* قلت: سفيان الثوري هو أحفظ من روى هذا الحديث، وقوله فيه هو الصواب، وعليه: فهو حديث صحيح، صححه الترمذي وابن حبان والحاكم، وزر بن حبيش: ثقة جليل مخضرم، سمع عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وكبار الصحابة، فلا يستبعد سماعه من ابن عمرو، والله أعلم.

فإن قيل: فإنه من رواية عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش، وروايته عنه

ص: 114

مضطربة [انظر: التهذيب (2/ 250)، شرح علل الترمذي (2/ 788)، الميزان (2/ 357)]، فيقال: إنما عابوا عليه أنه كان يُختلف عليه في حديث زر وأبي وائل شقيق بن سلمة، أو كان يشك فيه، وهذا الحديث لم يختلف عليه في إسناده؛ سوى في رفعه ووقفه، ورفعه محفوظ، لا سيما ومثله لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد، والله أعلم.

* وانظر أيضًا في أوهام إسماعيل بن عمرو البجلي، وتلونه في هذا الحديث: ما أخرجه الشجري في الأمالي الخميسية (523 - ترتيبه).

* وله شواهد:

1 -

حديث أبى سعيد الخدري:

يرويه شيبان بن عبد الرحمن النحوي [ثقة]، عن فراس [هو: ابن يحيى الخارفي المكتب: ثقة]، عن عطية [هو: ابن سعد العوفي: ضعيف الحفظ. انظر: التهذيب (3/ 114). الميزان (3/ 79)]، عن أبي سعيد، قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن يوم القيامة إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه".

أخرجه ابن ماجة (3780)، وأحمد (3/ 40)، وأبو يعلى (2/ 346/ 1094) و (2/ 495/ 1338)، وأبو نعيم الأصبهاني في مسانيد فراس المكتب (40). [التحفة (3/ 409/ 4226)، الإتحاف (5/ 351/ 5566)، المسند المصنف (28/ 538/ 12934)].

قلت: وسنده ضعيف لأجل عطية، وهو صالح في الشواهد والمتابعات.

* وقد رواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، أو عن أبي هريرة -شك الأعمش-، قال: يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارقه، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها. موقوفًا.

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 131/ 30055)، وأحمد (2/ 471)، وابن الضريس في فضائل القرآن (110)، والبيهقي فى الشعب (4/ 172/ 1840). [المسند المصنف (33/ 475/ 15665)].

وهذا موقوف بإسناد صحيح، والشك في الصحابي لا يضر، ومثله لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد؛ فله حكم الرفع.

2 -

حديث أبي هريرة:

* رواه عبد الصمد بن عبد الوارث [ثقة]، قال: أخبرنا شعبة، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا ربِّ حَلِّه، فيُلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا ربِّ زده، فيُلبس حُلَّة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارضَ عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارقَ، ويزاد بكل آية حسنة". وفي رواية: "بكل آية حلتين".

أخرجه الترمذي (2915)، والبزار (16/ 13/ 9035 و 9036)، وأبو العباس السراج

ص: 115

في حديثه بانتقاء الشحامي (1266 و 1724)، والحاكم (1/ 552)، والبيهقي في الشعب (4/ 172/ 1841 و 1842)، والجوزقاني في الأباطيل (2/ 688/346) [إلا أنه وقع فيه: عن أبي سعيد، وهو خطأ]. والضياء في فضائل القرآن (14). [التحفة (9/ 213 / 12811)، الإتحاف (14/ 500/ 18092)، المسند المصنف (33/ 475/ 15665)].

قال الترمذي: "هذا حديث حسن".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا عبد الصمد عن شعبة".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

* تابعه: أبو قتيبة سلم بن قتيبة [الشعيري: صدوق]، فرواه عن شعبة بنحوه مرفوعًا؛ إلا أنه قال في آخره:"ثم يقول: يا رب زده، ويرضى عنه، فليس بعد رضى الله عنه شيء".

أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 206)، والجوزقاني في الأباطيل (2/ 345/ 687).

قال أبو نعيم: "غريب من حديث شعبة، تفرد به سلم، وتابعه عبد الصمد عليه في بعض ألفاظه".

وقال الجوزقاني: "هذا حديث باطل".

* خالفهما: غندر محمد بن جعفر [ثقة، من أثبت الناس في شعبة، وأطولهم له صحبة، وكتابه حكم بينهم]، وحجاج بن محمد المصيصي [ثقة ثبت]:

حدثنا شعبة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، نحوه، ولم يرفعه، وقال في آخره:"فيقول: يا رب ارض عنه، فإنه ليس بعد رضاك شيء، قال: فيرضى عنه". وليس فيه موضع الشاهد.

أخرجه الترمذي (2915 م)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (83)، والبيهقي في الشعب (4/ 172/ 1842). [التحفة (9/ 213/ 12811)، المسند المصنف (33/ 475/ 15665)].

قال الترمذي: "وهذا أصح عندنا من حديث عبد الصمد عن شعبة".

قلت: وهو كما قال، المحفوظ عن شعبة: الوقف.

* تابع شعبة على هذا الوجه موقوفًا:

* زائدة بن قدامة [ثقة متقن، وعنه: الحسين بن علي الجعفي، وهو: ثقة، أروى الناس عن زائدة]، وزيد بن أبي أنيسة [ثقة، وعنه: عبيد الله بن عمرو الرقي، وهو: ثقة، مكثر عن زيد]:

عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أنه قال: نعم الشفيع القرآن لصاحبه يوم القيامة، قال: يقول: يا رب قد كنت أمنعه شهوته في الدنيا، [يا رب] فأكرمه، قال: فيلبس حلة الكرامة، قال: فيقول: أي رب زده، قال: فيحلى حلة الكرامة، فيقول: أي رب زده، قال: فيكسى تاج الكرامة، قال: فيقول: يا رب زده، فيرضى عنه، فليس بعد رضى الله عنه شيء. لفظ زائدة. وليس فيه موضع الشاهد.

ص: 116

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 130/ 30047)، والدارمي (3629 - ط البشائر)، وابن الضريس في فضائل القرآن (101 و 109)، والشجري في الأمالي الخميسية (388 - ترتيبه)، والجوزقاني في الأباطيل (2/ 347/ 689)، والضياء في المنتقى من مسموعات مرو (145). [الإتحاف (14/ 595/ 18293)، المسند المصنف (33/ 475/ 15665)].

قال الجوزقاني: "هذا حديث لا يرجع منه إلى صحة، وليس لهذا الحديث أصل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قلت: هكذا رواه موقوفًا زيد بن أبي أنيسة [عند الدارمي]، وكذلك رواه زائدة من رواية حسين الجعفي عنه، ورواه عن الجعفي: أبو بكر ابن أبي شيبة [ثقة حافظ مصنف][في المصنف، وعنه: ابن الضريس]، وحفص بن عمر بن عبد الرحمن المهرقاني [صدوق][عند ابن الضريس]، وأبو توبة أحمد بن سالم العسقلاني، عن الحسين به موقوفًا.

هكذا وقعت رواية العسقلاني موقوفةً: عند الجوزقاني، لكنها وقعت مرفوعة عند الشجري والضياء، ولعله لذلك أورده الذهبي في الميزان (1/ 100)، وقال:"أحمد بن سالم العسقلاني أبو توبة: حدث عن حسين الجعفي بخبر موضوع"، وقد تبع الذهبي الجوزقاني في حكمه عليه بالوضع، وقد نص ابن حجر في اللسان (1/ 467) على أنه أراد هذا الحديث بعينه، ثم ذكر أن الترمذي رواه من وجهين عن شعبة، مرفوعًا وموقوفاً ثم رجح الترمذي الوقف، ثم قال ابن حجر:"وهذا له حكم المرفوع؛ وإن كان وقفه أصح. وقد ذكره [يعني: صاحبَ الترجمة: أحمد بن سالم العسقلاني] الحاكمُ أبو أحمد في الكنى، ولم يذكر فيه جرحًا".

قلت: لم ينفرد به أحمد بن سالم، بل تابعه أحد كبار الحفاظ والمصنفين؛ أبو بكر ابن أبي شيبة، وتابعهما أيضًا: حفص بن عمر بن عبد الرحمن المهرقاني [صدوق]، فرووه جميعًا عن الحسين به موقوفًا، ولم ينفرد به أيضًا: زائدة، بل تابعه: شعبة وزيد بن أبي أنيسة:

رواه ثلاثتهم: عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أنه قال: نعم الشفيع القرآن لصاحبه يوم القيامة،

الحديث، موقوفًا على أبي هريرة قوله.

وليس في هذا الإسناد، ولا في المتن ما يقتضي الحكمَ عليه بالوضع، إذ يمكن تأويل متنه، على وجه من الوجوه المحتملة، خلافًا لما ذهب إليه الجوزقاني ومن تبعه، والله أعلم.

قال الدارقطني في العلل (10/ 158/ 1950): "يرويه عاصم بن أبي النجود، واختلف عنه:

فرواه شعبة، واختلف عنه: فرواه أبو قتيبة سلم بن قتيبة، وعبد الصمد، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا.

ووقفه غندر عن شعبة [قلت: وقد تابعه: حجاج، عند أبي عبيد].

ص: 117

وكذلك رواه زائدة بن قدامة وزيد بن أبي أنيسة، عن عاصم موقوفًا، وهو الصواب".

قلت: وعليه: فهو حديث حسن، وله حكم الرفع؛ كما قال ابن حجر، وليس في متنه نكارة، وتفرد عاصم بن أبي النجود به عن أبي صالح لا يضره، والله أعلم.

* وروي أيضًا مقطوعًا على أبي صالح قوله مقطوعًا عليه: أخرجه سعيد بن منصور في سننه (12 و 13)، وابن أبي شيبة (6/ 130/ 30048)، والدارمي (3631 - ط البشائر)، وابن الضريس في فضائل القرآن (102). [الإتحاف (19/ 654/ 25482)، المسند المصنف (33/ 475/ 15665)].

* ومما يؤكد ما ذهبت إليه في عدم وجود نكارة في متنه تقتضي الحكم عليه بالوضع؛ مع نظافة إسناده:

ما رواه معاوية بن سلام، قال: سمعت أخي زيد بن سلام؛ أنه سمع [جده] أبا سلام، يقول: حدثني أبو أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: سورة البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فِرقان من طير صواف، تحاجَّان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة". قال معاوية: بلغني أن البطلة: السحرة.

أخرجه مسلم (804)، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1453).

* ورواه أيضًا: الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير، قال: سمعت النواس بن سمعان الكلابي، يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:"يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدَّمه سورة البقرة، وآل عمران"، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهنَّ بعد، قال:"كأنهما غمامتان، أو ظُلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما حِزقان [وفي رواية: فِرقان] من طير صواف، تحاجَّان عن صاحبهما".

أخرجه مسلم (805)، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1453).

وقد وقع تأويله من بعض العلماء، فقد قال الترمذي:"ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم أنه يجيء ثواب قراءته، كذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث وما يشبه هذا من الأحاديث: أنه يجيء ثواب قراءة القرآن. وفي حديث النواس عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ما فسروا؛ إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأهله الذين يعملون به في الدنيا" ففي هذا دلالة أنه يجيء ثواب العمل".

وبذا تسقط حجة من رد الحديث؛ بدعوى معارضته لكون القرآن كلام الله تعالى، وأنه صفة من صفات الخالق سبحانه، بل إن الجوزقاني نفسه، وهو الذي رد حديث أبي هريرة، قبل حديث أبي أمامة وصححه، وهو في نفس معناه، حيث قال عنه الجوزقاني:"حديث صحيح"[الأباطيل والمناكير (2/ 335/ 678)]، والله أعلم.

ص: 118

* وقد روي نحوه من حديث ابن عمر موقوفًا عليه، ولا يثبت عنه:

فقد روى إبراهيم بن محمد الفزاري، عن سفيان، عن عاصم، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: يجيء القرآن يشفع لصاحبه يقول: يا رب لكل عامل عمالة من عمله، وإني كنت أمنعه اللذة والنوم، فأكرمه، فيقال: ابسط يمينك، فتملأ من رضوان الله، ثم يقال: ابسط شمالك، فتملأ من رضوان الله، ويكسى كسوة الكرامة، ويحلى بحلية الكرامة، ويلبس تاج الكرامة.

أخرجه الدارمي (3630 - ط البشائر)، قال: حدثنا موسى بن خالد: حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري به. [الإتحاف (8/ 649/ 10153)].

* وهذا غريب من حديث الثوري؛ فإن أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري الإمام؛ وإن كان ثقةً حافظًا؛ إلا أنه يخالف أصحاب الثوري أحيانًا [انظر مثلًا: فضل الرحيم الودود (6/ 317/ 554)]، والراوي عنه: أبو الوليد موسى بن خالد الحلبي، ختن الفريابي، وقيل: ختن الفزاري: شيخ للدارمي، أخرج له مسلم حديثًا واحدًا في المتابعات (2479)، وذكره ابن حبان في الثقات، وليس بالمشهور [الكنى لمسلم (3481)، الثقات (9/ 161)، تاريخ الإسلام (5/ 467 - ط الغرب)، التهذيب (4/ 173)].

وقد روى جماعة من أثبت أصحاب الثوري: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ووكيع بن الجراح، وأبو داود عمر بن سعد الحفري [وهم ثقات، وفيهم أثبت الناس في الثوري]، وغيرهم:

عن سفيان: حدثني عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُقالُ لصاحب القرآن: اقرأ وارتَقِ، ورتِّلْ كما كنت تُرتِّلُ في الدنيا، فإن مَنزِلكَ عند آخر آيةٍ تقرؤها". وهو حديث الباب.

وهذا أولى من رواية الفزاري.

* وأما هذا الحديث فإنما يرويه: أبو الربيع الزهراني [سليمان بن داود العتكي، وهو: ثقة]: حدثنا حماد [هو: ابن زيد، وهو: ثقة ثبت]، عن عاصم بن بهدلة، عن مجاهد، قال: يجيء القرآن يوم القيامة في صورة الرجل الشاحب جاء من الغيبة، فيأتي صاحبه فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: لا، من أنت يا عبد الله؟ فيقول: أنا الذي كنت أمنع منك النوم واللذة، قال: إنك القرآن، فيأخذ بيده، فينطلق به، فيقول: ابسط يمينك فيبسط يمينه، فتملأ من رضوان الله، وتحل عليه حلة الكرامة، ويوضع على رأسه تاج الكرامة، وينطلق به إلى درجات الجنة، ويقال له: اقرأ وارقه، واعلم أن منزلك عند آخر آية كنت تقرؤها.

أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن (94).

وهذا مقطوع على مجاهد بإسناد صحيح؛ ولم ينفرد به: عاصم الكوفي عن مجاهد المكي؛ بل تابعه الثقة الثبت: عمرو بن مرة.

ص: 119

* هكذا؛ إنما يُعرف هذا مقطوعًا على مجاهد قوله، وهو الصواب:

فقد رواه غندر محمد بن جعفر، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي [وهم من ثقات أصحاب شعبة، وأثبتهم فيه غندر]:

عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مجاهد [وفي رواية الرصاصي: سمعت مجاهدًا]؛ أنه قال: القرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة، يقول: يا رب جعلتني في جوفه؛ فأسهرت ليله، ومنعته عن كثير من شهواته، ولكل عامل من عمله عمالة، فيقال له: ابسط يدك، قال: فتملأ من رضوان [الله]، فلا يسخط عليه بعده [أبدًا]، ثم يقال له: اقرأ وارقه، قال: فيرفع له بكل آية درجة، ويزاد بكل آية حسنة.

أخرجه ابن المبارك في الزهد (806)، وسعيد بن منصور في سننه (22)، وابن أبي شيبة (6/ 130/ 30049) و (6/ 131/ 30058)، وابن الضريس في فضائل القرآن (102 أ).

* وروي مقطوعًا على مجاهد من وجه آخر:

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 130/ 30050)، وابن الضريس في فضائل القرآن (103).

* ولا يُعارض حديث عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، بحديث عاصم عن مجاهد، فكلاهما عنه صحيح، رواه عنه بالوجه الأول: شعبة، وزائدة بن قدامة، وزيد بن أبي أنيسة، ورواه عنه بالوجه الثاني: حماد بن زيد، والكل ثقات، ويحتمل من عاصم التعدد في الأسانيد، لكثرة مروياته وتعدد شيوخه، والله أعلم.

3 -

حديث أبي هريرة:

رواه شريك، عن عبد الله بن عيسى، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب، يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنت أسهر ليلك، وأظمئ هواجرك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتان، لا يقوم لهما الدنيا وما فيها، فيقولان: يا رب، أنى لنا هذا؟ فيقال لهما: بتعليم ولدكما القرآن، وإن صاحب القرآن يقال له يوم القيامة: اقرأ، وارق في الدرجات، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية معك".

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1453)، وهو حديث منكر.

4 -

حديث بريدة بن الحصيب:

رواه بشير بن المهاجر، قال: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: "تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة".

ثم سكت ساعة، ثم قال: "تعلموا سورة البقرة وآل عمران، فإنهما الزهراوان، وإنهما تظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو: غيايتان، أو فِرقان من طيرٍ صواف.

وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه القبر كالرجل الشاحب، فيقول له:

ص: 120

هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك.

وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما الدنيا فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هذًّا كان أو ترتيلًا".

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1453)، وهو حديث منكر.

5 -

حديث أبي أمامة:

رواه بشر بن نمير، عن القاسم الشامي، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ ثلث القرآن أعطي ثلث النبوة، ومن قرأ نصفه أعطي نصف النبوة، ومن قرأ ثلثيه أعطي ثلثي النبوة، ومن قرأ القرآن كله أعطي النبوة كلها، ويقال له يوم القيامة: اقرأ وارقه بكل آية درجة حتى ينجز ما معه من القرآن، فيقال له: اقبض فيقبض، فيقال له: هل تدري ما في يديك؟ فإذا في يده اليمنى الخلد، وفي الأخرى النعيم".

أخرجه الحارث المحاسبي في فهم القرآن (1290) وابن أبي عمر العدني في مسنده (6/ 333/ 5959 - إتحاف الخيرة)، وأبو يعلى (6/ 333/ 5959 - إتحاف الخيرة)، وأبو بكر الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء (5)، وابن حبان في المجروحين (1/ 187)، وابن عدي في الكامل (2/ 7)، والمعافى بن زكريا النهرواني في الجليس الصالح (583)، وأبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (50)، والبيهقي في الشعب (4/ 170/ 1838) و (5/ 53/ 2351)، والشجري في الأمالي الخميسية (431 - ترتيبه)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 100)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 412/ 491)، وغيرهم.

قلت: هو حديث باطل؛ بشر بن نمير القشيري: متروك، متهم، روي تكذيبه عن يحيى القطان وأحمد [التهذيب (1/ 232)].

قال ابن حبان في بشر بن نمير، وقد أورد هذا الحديث في ترجمته:"منكر الحديث جدًا، فلا أدري التخليط في حديثه من القاسم، أو منهما معًا؛ لأن القاسم ليس بشيء في الحديث".

وقال ابن عدي بعدما أخرجه في ترجمة بشر: "وعامة ما يرويه عن القاسم وعن غيره لا يتابع عليه، وهو ضعيف كما ذكروه".

وقال الذهبى: "هذا حديث منكر، غير صحيح، ما أدري من وضعه"[معجم شيوخ الذهبي (2/ 69)].

* قال ابن أبي حاتم في العلل (1682): "وسألت أبي عن حديث رواه بشر بن نمير، وجعفر بن الزبير البصريان، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أوتي ثلث القرآن فقد أوتي ثلث النبوة، ومن أوتي نصف القرآن فقد أوتي نصف النبوة، ومن أوتي القرآن فقد أوتي النبوة، إلا أنه لا يوحى إليه"؟

ص: 121

قال أبي: هذا خطأ؛ الصحيح: ما رواه عمر بن عبد الواحد، عن يحيى بن الحارث، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من أوتي

"، مرسل".

قلت: وجعفر بن الزبير الباهلي الدمشقي: متروك، ذاهب الحديث، قال ابن حبان: "يروي عن القاسم وغيره أشياء كأنها موضوعة،

، وروى جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة: نسخة موضوعة" [التهذيب (1/ 304)، المجروحين (1/ 212)].

* وقد سرق هذا المتن أحد الكذابين فوضع له إسنادًا من أصح الأسانيد:

رواه قاسم بن إبراهيم الملطي، قال: حدثنا لوين، قال: حدثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (14/ 455 - ط الغرب).

قلت: هو حديث موضوع كذب، وضعه القاسم بن إبراهيم الملطي، وقد كان كذابًا أفاكًا، يضع الحديث، روى عن لوين عن مالك: عجائب من الأباطيل [ضعفاء الدارقطني (438)، تاريخ بغداد (14/ 454)، الأنساب (5/ 380)، اللسان (6/ 365)].

* ومما روي أيضًا في معنى حديث الباب:

6 -

الحسن بن شعبة الأنصاري [هو: الحسن بن محمد بن عبد الله بن شعبة، من نسل رافع بن خديج الأنصاري: لا بأس به. سؤالات السهمي (255)، تاريخ بغداد (8/ 435 - ط الغرب)، تهذيب الكمال (6/ 308)، المغني (1477)، تاريخ الإسلام (7/ 263 - ط الغرب)، اللسان (3/ 113)، التهذيب (1/ 413)]: ثنا أبو سهل الهمداني: ثنا الفيض بن وثيق: ثنا الفرات بن سليمان، عن ميمون بن مهران [ثقة فقيه، سمع ابن عباس، التاريخ الكبير (7/ 338)]، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"درج الجنة على قدر آيات القرآن، بكل آية درجة، فبكل ستة ألف ومائتا آية وست عشرة، بين كل درجتين ما بين السماء والأرض"، قال:"فينتهي القارئ به إلى أعلى عليين، لها سبعون ألف ركن، كل ركن ياقوتة تضيء مسيرة أيام وليالي، ويصب عليه حلة الكرامة، فلولا أنه ينظر إليها برحمة الله لأذهب تلألؤها ببصره".

أخرجه ابن شاهين في فضائل الأعمال (206).

وهذا حديث موضوع؛ فرات بن سلمان الجزري الرقي: لا بأس به [اللسان (6/ 324)، تاريخ ابن معين للدوري (2/ 472)، سؤالات ابن الجنيد (245)، الجرح والتعديل (7/ 80)، الثقات (7/ 322 و 410)]، ويحتمل أن يكون تحرف عن فرات بن السائب، فإن فرات بن السائب مشهور أيضًا بالرواية عن ميمون بن مهران، وهو: متروك، منكر الحديث؛ خاصة عن ميمون بن مهران، واتهم، قال فيه أحمد:"قريبٌ من محمد بن زياد الطحان في ميمون، يتهم بما يتهم به ذاك"[تاريخ الرقة (218)، اللسان (6/ 322)].

وفيض بن وثيق: قال فيه ابن معين: "كذاب خبيث"، لكن روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم، وذكره ابن اْبي حاتم ولم يجرحه، وأخرج له الحاكم محتجًا به، وذكره ابن حبان

ص: 122

في الثقات، قلت: لم يوثقه معتبر، ومن روى عنه أو سكت عنه: فقد خفي عليه أمره، وكم احتج الحاكم بمن لا يصلح للاعتبار [انظر: سؤالات ابن الجنيد (699)، الجرح والتعديل (7/ 88)، الثقات (9/ 12)، ضعفاء العقيلي (1/ 249)، تاريخ بغداد (12/ 398)، الميزان (3/ 366)، وقال:"وهو مقارب الحال إن شاء الله تعالى". تاريخ الإسلام (16/ 319)، وقال:"والظاهر أنه صالح في الحديث". اللسان (6/ 364)].

وأبو سهل الهمداني؛ هو: السري بن عاصم، وهو: كذاب، يسرق الحديث [الكامل (3/ 460)، تاريخ بغداد (10/ 266 - ط الغرب)، اللسان (4/ 22)].

7 -

أبو عبد الله الحافظ [هو الحافظ الكبير أبو عبد الله الحاكم المعروف بابن البيِّع، صاحب المستدرك]: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد الخياط ببغداد من أصل كتابه [صدوق فيه لين. تاريخ بغداد (2/ 107 - ط الغرب)، اللسان (6/ 518)]: حدثنا أبو عبد الله محمد بن روح: حدثنا الحكم بن موسى: حدثنا شعيب بن إسحاق [دمشقي، ثقة]، عن ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عدد درج الجنة عدد آي القرآن، فمن دخل الجنة من أهل القرآن فليس فوقه درجة".

أخرجه البيهقي في الشعب (4/ 173/ 1843).

قال الحاكم: "هذا إسناد صحيح، ولم يكتب هذا المتن إلا بهذا الإسناد، وهو من الشواذ".

قلت: هو إسناد غريب جدًا؛ إسناده مدني كوفي، ثم دمشقي، ثم بغدادي، ثم نيسابوري.

تفرد به عن هشام بن عروة دون أهل المدينة والعراق: شعيب بن إسحاق الدمشقي، ثم رجع مرة أخرى إلى العراق، فتفرد به: أهل بغداد.

والحكم بن موسى البغدادي أبو صالح القنطري: صدوق، له أوهام كثيرة وإفرادات، وله رواية عن أهل الشام [انظر: التهذيب (1/ 470)، تاريخ بغداد (8/ 227)، علل الحديث (1325 و 2143 و 2542 و 2745 و 2775)، الكامل (3/ 275)، علل الدارقطني (11/ 308/ 2301) و (12/ 440/ 2875)].

والراوي عنه: محمد بن روح القنطري البزاز، قال الدارقطني:"ليس بالقوي"[سؤالات الحاكم (184)، المغني (5500)، اللسان (7/ 134)].

وتفرد مثل هذا بهذا الإسناد مما لا يحتمل؛ لا سيما عن هشام بن عروة مع كثرة أصحابه، فأين أصحاب هشام، مثل: مالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر العمري، وأيوب السختياني، وسليمان بن بلال، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، وسفيان الثوري، وشعبة، وسفيان بن عيينة، والليث بن سعد، والنضر بن شميل، ووهيب بن خالد، وحماد بن زيد، وأبي أسامة حماد بن أسامة، وزهير بن معاوية، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، وزائدة بن قدامة، وسفيان بن عيينة، وعبدة بن سليمان،

ص: 123

ووكيع بن الجراح، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن نمير، ومحمد بن بشر العبدي، وحماد بن سلمة، وهشام بن حسان، وروح بن القاسم، ومعمر بن راشد، وأبان بن يزيد العطار، وأبي ضمرة أنس بن عياض، وإسماعيل بن علية، وعبد الله بن داود الخريبي، وعبد الله بن إدريس، وهمام بن يحيى، وعبيد الله بن موسى، وعبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج، وعمرو بن الحارث المصري، وحاتم بن إسماعيل، وعلي بن مسهر، وجعفر بن عون، وحفص بن غياث، وأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري، وإسرائيل بن يونس، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، ومحمد بن عبد الله بن عبد الأعلى الأسدي، ويحيى بن عبد الله بن سالم، وعمر بن علي المقدمي، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعيسى بن يونس، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وأبي معاوية محمد بن خازم، وجرير بن حازم، وأبي خالد الأحمر سليمان بن حيان، وشعيب بن أبي حمزة، والفضل بن موسى السيناني، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، ومرجَّى بن رجاء، ومالك بن سُعير بن الخِمس، وأيوب بن موسى، وقيس بن سعد المكي، وغيرهم كثير جدًا.

فهو حديث منكر، والله أعلم.

* ورواه محمد بن عبد الرحمن السدوسي [يروي عن الكوفيين، وكان كاتبًا لمحارب بن دثار حين ولي القضاء عندهم، روى عنه مروان بن معاوية ووكيع وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، وذكره ابن حبان في الثقات، وليس بالمشهور، وهو قليل الرواية. التاريخ الكبير (1/ 157)، كنى مسلم (2070)، الجرح والتعديل (7/ 324)، الثقات (7/ 374)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 427)]، عن معفس بن عمران بن حطان، قال: سمعت أم الدرداء، تقول: سألت عائشة رضوان الله عليها وكرامته عمن دخل الجنة ممن جمع القرآن: ما فضله على من لم يجمعه؟ فقالت: إن عدد درج الجنة بعدد آي القرآن، فمن دخل الجنة ممن قرأ القرآن فليس فوقه أحد.

أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (85)، وابن أبي شيبة (6/ 120/ 29952)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (299).

* ورواه زكريا بن يحيى بن عمر بن حصن الكوفي: حدثني عبد الرحمن بن محمد المحاربي [لا بأس به، كان يدلس]، عن أبي عبد الرحمن كاتب محارب بن دثار [هو: محمد بن عبد الرحمن السدوسي]، عن معفس بن عمران بن حطان، قال دخلت مع أبي على أم الدرداء، فسألها أبي: ما فضل من قرأ القرآن على من لم يقرأ؟ قالت: حدثتني عائشة، قالت: جعل درج الجنة على عدد آي القرآن، فمن قرأ ثلث القرآن ثم دخل الجنة كان على الثلث من درجها، ومن قرأ نصف القرآن كان على النصف من درجها، ومن قرأ كله كان في عليين، لم يكن فوقه إلا نبي أو صديق أو شهيد.

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 355).

ص: 124

قلت: أبو السكين الطائي زكريا بن يحيى بن عمر بن حصن: وثقه الخطيب، وأخرج له البخاري ما صح عنده من حديثه، ولينه الدارقطني فقال:"كوفي، ليس بالقوي، يحدث بأحاديث ليست بمضيئة"، وقال مرة:"متروك"[التهذيب (1/ 634)، الميزان (2/ 79)، سؤالات البرقاني (166)، سؤالات الحاكم (329)].

* ورواه عمران بن يحيى [مجهول. التاريخ الكبير (6/ 420)، الجرح والتعديل (6/ 307)، الثقات (8/ 496)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 393)]، قال: سمعت معفس بن عمران بن حطان، يقول: سأل أبي أم الدرداء،

فذكر الحديث بنحوه، ولم يذكر عائشة.

أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (86).

* ورواه موسى الفراء: حدثني معفس بن عمران بن حطان، قال: كنت مع أبي يسأل أم الدرداء عن فضل القرآن، فقال لها: حدثيني عن فضل القرآن، فقال: أحدثك أن درج الجنة على عدد آي القرآن، وأنه يقال: اقرأ وارق، فإنه ليقرأ ويرقى حتى ينفد ما معه، فإن كان قرأ ثلث القرآن كان على الثلث من درج الجنة، وإن كان قرأ نصف القرآن كان على النصف من درج الجنة، وإن كان قرأ القرآن كان في أعلى عليين فلا يكون فوقه أحد من الصديقين إلا الشهداء.

أخرجه الحارث المحاسبي في فهم القرآن (294)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 355).

قلت: موسى الفراء، وقيل: القزاز: لا بأس به، سمع معفس بن عمران [انظر: التاريخ الكبير (7/ 293). الجرح والتعديل (8/ 159)، قال أبو حاتم:"لا أراهم ينسبونه"، ونسبه ابن حبان في ثقاته (7/ 525) فقال في ترجمة معفس:"روى عنه موسى بن صالح". طبقات الأسماء المفردة (71)، تاريخ دمشق (59/ 356)].

ومعفس بن عمران بن حطان السدوسي: سمع أم الدرداء، لم يزد البخاري على ذلك شيئًا في ترجمته من التاريخ الكبير، بينما زاد ابن أبي حاتم قليلًا، وذكر في الرواة عنه ثلاثة، ولم يزد ابن عساكر عليهم أحدًا، وذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين [التاريخ الكبير (8/ 64)، طبقات الأسماء المفردة (71)، الجرح والتعديل (8/ 433)، الثقات (7/ 525)، تاريخ دمشق (59/ 355)].

قلت: ومثل هذا لا يحتمل منه الانفراد بهذا الخبر الذي لا مجال للاجتهاد فيه، إذ مثله لا يقال من قبل الرأي، وإنما حكمه الرفع، ومعفس فيه جهالة، فليس هو بذاك المشهور، مع قلة ما يروي، ولم يوثقه معتبر، وخبره هذا منكر، والله أعلم.

8 -

ابن المبارك، عن رشدين بن سعد، عن حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آيةً من القرآن كانت له درجة من الجنة، ومصباحًا من نور". هكذا وقع مرفوعًا في الشعب من طريق ابن المبارك، والآفة في رفعه ممن رواه عن ابن المبارك.

ص: 125

ووقع في الزهد موقوفًا على ابن عمرو بلفظ: "كل آية من القرآن درجة في الجنة، ومصباح في بيوتكم".

أخرجه ابن المبارك في الزهد (789)، ومن طريقه: البيهقي في الشعب (4/ 75 1/ 1845).

وهذا حديث منكر؛ حيي بن عبد الله المعافري: منكر الحديث فيما تفرد به عن أبي عبد الرحمن الحبلي، قال فيه ابن عدي؛ فيما رواه ابن وهب، عن حيي، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن ابن عمرو:"وبهذا الإسناد: خمس وعشرون حديثًا، عامتها لا يتابع عليها"[وانظر الكلام عن هذا الإسناد مفصلًا: الشاهد الخامس تحت الحديث رقم (447) (5/ 349/ 447 - فضل الرحيم)، وتخريج الذكر والدعاء (1/ 423/ 210)]، ورشدين بن سعد: ضعيف.

* * *

1465 -

. . . جرير، عن قتادة، قال: سألتُ أنسًا عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كان يمدُّ مدًّا.

حديث صحيح

أخرجه البخاري (5045)، وتقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (8/ 514/ 788).

* * *

1466 -

. . . الليث، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملَكٍ؛ أنه سأل أمَّ سلمةَ عن قراءةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته، فقالت: وما لكم وصلاته؟ كان يصلي، وينامُ قدرَ ما صلى، ثم يصلي قدرَ ما نام، ثم ينام قدرَ ما صلى، حتى يصبح، ونعتَتْ قراءته، فإذا هي تَنْعَتُ قراءتَه حرفًا حرفًا.

حديث حسن

تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (8/ 542/ 788).

* * *

1467 -

. . . شعبة، عن معاوية بن قرة، عن عبد الله بن مغفَّل، قال: رأيتُ رسولَ الله يومَ فتحِ مكة، وهو على ناقته [وفي بعض النسخ: على ناقةٍ]، يقرأ سورةَ الفتح، وهو يُرَجِّعُ.

* * *

حديث متفق على صحته

أخرجه البخاري في الصحيح (4281 و 4835 و 5034 و 5047 و 7540)، وفي خلق

ص: 126

أفعال العباد (298 - 300)، ومسلم (794)، وأبو عوانة (2/ 474/ 3884 - 3886)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (5/ 385/ 1805 و 1806)، والترمذي في الشمائل (319)، والنسائي في الكبرى (7/ 272/ 8000 و 8001) و (7/ 275/ 8008)، وابن حبان (3/ 23/ 748)، وأحمد (4/ 85) و (5/ 54 و 55 و 56)، والطيالسي (2/ 231/ 957)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (159)، وابن أبي شيبة (2/ 224/ 8372)، وابن نصر في قيام الليل (135 - مختصره)، والروياني (879)، والدولابي في الكنى (1/ 353/ 629)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1111 و 1114)، وفي معجم الصحابة (3/ 462/ 2272) و (3/ 463/ 2274)، والطحاوي في المشكل (10/ 235/ 4057) و (4 1/ 476/ 5768) و (14/ 477/ 5769 و 5770)، والبيهقي في السنن (2/ 53) و (10/ 229)، وفي الشعب (4/ 291/ 1967)، وفي الدلائل (5/ 69 و 70)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 482/ 1215)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". وفي الشمائل (615)، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 380/ 726)، وقال:"هذا حديث صحيح، والترجيع أن يقرأ القرآن ويقول: آ آ". وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 263)، والضياء في فضائل القرآن (27). [التحفة (6/ 464/ 9666)، الإتحاف (10/ 563/ 13428)، المسند المصنف (9 1/ 336/ 8949)].

رواه عن شعبة: حفص بن عمر أبو عمر الحوضي [واللفظ له]، وغندر محمد بن جعفر، وعفان بن مسلم، ومعاذ بن معاذ العنبري، وخالد بن الحارث، ويحيى بن سعيد القطان، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وعلي بن الجعد، ووكيع بن الجراح، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وأبو داود الطيالسي، وآدم بن أبي إياس، وحجاج بن محمد المصيصي، وعبد الله بن إدريس، وبهز بن أسد، وحجاج بن منهال، وشبابة بن سوار، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي، وبشر بن عمر الزهراني، ووهب بن جرير، وسليمان بن حرب، وابن أبي عدي، وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي، وأبو قطن عمرو بن الهيثم القطعي [وهم ثقات، وفيهم أثبت الناس في شعبة][وهم خمسة وعشرون رجلًا].

وفي رواية غندر [عند مسلم]: حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، قال: سمعت عبد الله بن مغفل، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته، يقرأ سورة الفتح، قال: فقرأ ابن مغفَّل ورجَّع، فقال معاوية: لولا الناس لأخذت لكم بذلك الذي ذكره ابن مغفَّل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وبنحوه رواية حجاج بن محمد [عند أبي عوانة (3885)].

وفي رواية أبي الوليد [عند البخاري]: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته، وهو يقرأ سورة الفتح يرجِّع. وقال: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجَّعت كما رجَّع.

وفي رواية مسلم [عند البخاري]: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، سورة الفتح فرجَّع فيها، قال معاوية: لو شئت أن أحكي لكم قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لفعلت.

ص: 127

ولفظ وكيع [عند ابن أبي شيبة]: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له في عام الفتح سورة الفتح على راحلته، فرجَّع في قراءته، قال معاوية: ولولا أني أخاف أن يجتمع عليَّ الناسُ لحكيتُ لكم قراءته. وبنحوه رواه الطيالسي في مسنده وعند أبي عوانة أبي نعيم، لكن رواه الترمذي في الشمائل من طريقه، وزاد تعيين الآيات:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 1، 2]، كذا قال محمود بن غيلان [وهو: ثقة]، عن الطيالسي، بينما رواه يونس بن حبيب راوية الطيالسي عنه في المسند وعند أبي عوانة وأبي نعيم كالجماعة، فلم يزد على قوله: سورة الفتح، وهو الصواب، ولو كان اقتصر على الآية الأولى حسب لم يكن ثمة مخالفة، وذلك لجريان العادة بتسمية السورة بفاتحتها، والله أعلم.

ولفظ يحيى القطان [عند ابن نصر]: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير على ناقته أو بعيره يوم فتح مكة، فقرأ الفتح فرجَّع، قال: جعل أبو إياس يرجِّع في قراءته، ويذكر عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجَّع. هكذا رواه عن يحيى: أبو بكر بن خلاد، ورواه عن يحيى أيضًا: محمد بن بشار [عند النسائي (8000)]، ولفظه مختصر.

لكن رواه عمرو بن علي الفلاس [عند النسائي (8008)]، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثني أبو إياس [هو: معاوية بن قرة]، قال: سمعت عبد الله بن مغفل، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح يسير على ناقته، فقرأ:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} ، فرجَّع أبو إياس في قراءته، وذكر عن ابن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فرجَّع في قراءته. وقوله هنا:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} ، على عادتهم في تسمية السورة بفاتحتها، وليس المقصود تعيين هذه الآية بالقراءة دون غيرها، والله أعلم.

وفي رواية أبي النضر [عند أبي عبيد]، وآدم بن أبي إياس [عند البخاري]، وعلي بن الجعد [عند أبي القاسم]:

عن شعبة، قال: حدثني معاوية بن قرة، قال: سمعت عبد الله بن مغفل، يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على ناقته أو جمله يسير [قال ابن الجعد: وهي تجتر]، وهو يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح [زاد ابن الجعد: قراءة لينةً. وفي رواية آدم: قراءة لينةً، يقرأ وهو يرجِّع]. ثم قرأ معاوية قراءة لينةً، ورجَّع، ثم قال: لولا أني أخشى أن يجتمع الناس علينا لقرأت ذلك اللحن. ورواه بنحوه عفان، وعبد الرحمن الرصاصي.

وفي رواية عبد الله بن إدريس [عند النسائي]: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بسورة الفتح، فما سمعت قراءةً أحسنَ منها، يرجِّع.

ولفظ شبابة [عند البخاري (7540)، وأبي عوانة (3884)، والروياني]: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على ناقةٍ له يقرأ سورة الفتح، أو من سورة الفتح، قال: فرجَّع فيها، قال: ثم قرأ معاوية: يحكي قراءة ابن مغفَّل، وقال: لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجَّعت كما رجَّع ابن مغفَّل، يحكي النبي صلى الله عليه وسلم، [قال شعبة:] فقلت لمعاوية: كيف كان ترجيعه؟ قال: آ آ آ ثلاث مرات.

ص: 128

وفي رواية شبابة [عند أبي القاسم]:

قال: قلت: كيف كان ترجيعه؟ قال: آهـ آهـ آهـ.

وهذه الزيادة الأخيرة عند أبي القاسم البغوي زيادة شاذة، حيث تشتمل على زيادة حرف في أثناء المد والتمطيط لحرف المد، وإنما المراد من الترجيع هنا تمطيط حرف المد مع التغني به وتحسين الصوت، من غير زيادة حرف دخيل على حرف المد الهوائي، كالهاء أو الهمزة المسهلة، والدليل على ذلك عبارات الرواة التي يفسر بعضها بعضًا، مثل قول آدم:"قراءة لينةً، يقرأ وهو يرجِّع"، وقول أبي النضر وعلي بن الجعد وعبد الرحمن الرصاصي:"لقرأت ذلك اللحن"، وقول ابن إدريس:"فما سمعت قراءةً أحسنَ منها، يرجِّع"، وكل ذلك ينفي وقوع الترجيع بسبب هز الناقة، كما لم تشتمل رواية أثبت الناس في شعبة على زيادة تفسيرية تعطينا معنى جديدًا للترجيع، مثل: غندر محمد بن جعفر، ومعاذ بن معاذ العنبري، وخالد بن الحارث، ويحيى بن سعيد القطان، وعفان بن مسلم، وأبي الوليد الطيالسي، وعلي بن الجعد، ووكيع بن الجراح، ومسلم بن إبراهيم، وأبي داود الطيالسي، وحجاج بن محمد المصيصي، وغيرهم، فوجب حينئذ رد رواية شبابة إلى رواية بقية الحفاظ من أصحاب شعبة، فضلًا عن رد حديث ابن مغفل هذا إلى بقية الأحاديث الواردة في الباب في وصف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، مثل حديث أنس السابق: كان يمدُّ مدًّا، وحديث يعلى بن مملَكٍ؛ أنه سأل أمَّ سلمةَ عن قراءةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، وفيه: ونعتَتْ قراءته، فإذا هي تَنْعَتُ قراءتَه حرفًا حرفًا، وكذلك حديث البراء بن عازب مرفوعًا:"زيِّنُوا القرآنَ بأصواتكم"، وحديث أبي هريرة مرفوعًا:"ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، وحديث أبي هريرة مرفوعًا:"ما أَذِن الله لشيءٍ ما أَذِن لنبيٍّ حسنِ الصوتِ يتغنى بالقرآن؛ يجهر به"، وسيأتي ذكر حديث البراء وأبي هريرة لاحقًا، وكذلك ما كان في معناها، مما يعطي معنى عامًا لما كان عليه تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، إذ القراءة سنة متبعة، ولا يمكن أن تعطي زيادة شبابة دون بقية من روى الحديث عن شعبة معنى جديدًا ليس له أصل في عموم المرويات، والله أعلم.

وعلى هذا: فالمراد من الترجيع هنا تحسين الصوت بالتلاوة والتغني بالقرآن وتزيينه باللحن العربي دون تكلف الألحان الأعجمية والأوزان الموسيقية والمقامات الصوتية، والله أعلم.

* وانظر للفائدة: المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث لأبي موسى المديني (1/ 740)، النهاية لابن الأثير (2/ 202)، لسان العرب (8/ 115)، زاد المعاد (1/ 483 و 492)، فتح الباري لابن حجر (9/ 92).

* هكذا رواه جماعة الثقات من أصحاب شعبة:

وخالفهم: أبو طالب حفص بن جابان: أنا شعبة، قال: سمعت معاوية بن قرة، قال: سمعت عبد الله بن مغفل، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح بسورة الفتح، وهو على ناقته، فرجَّع فيها: آ آ آ، يهمز ويترسل.

ص: 129

أخرجه أحمد (5/ 54)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1112 و 1113)، وفي معجم الصحابة (3/ 463/ 2273).

قال أبو القاسم: "رأيت هذا الحديث في كتاب عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبي طالب بن جابان عن شعبة، وزاد فيه كلامًا، ولم أسمعه من أحمد".

كأنه يعني هذه الزيادة التفسيرية: يهمز ويترسل، فكأنه ينكرها، ولم تقع في المسند، ففي المسند:"قال ابن جابان في حديثه: آ آ"، وهو الذي وقع في رواية شبابة عند البخاري، لكنه قال: ثلاث مرات.

قلت: حفص بن عمر بن جابان أبو طالب: قال أبو حاتم: "مجهول"[الجرح والتعديل (3/ 182)، إكمال ابن ماكولا (2/ 11)، تاريخ الإسلام (5/ 58 - ط الغرب)، التعجيل (216)، اللسان (3/ 232)]؛ فلا يعتمد على زيادته التفسيرية: "يهمز ويترسل"، فهي زيادة منكرة، والله أعلم.

* وله شاهد في الترجيع:

رواه قيس بن الربيع، عن هلال بن خباب، عن يحيى بن جعدة، عن جدته أم هانئ، قالت: كنت أسمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل، وأنا نائمة على عريشي، وهو يصلي يرجِّع بالقرآن.

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1327)، وهو منكر بهذه اللفظة موضع الشاهد.

* وروي حديث باطل في نفي الترجيع:

رواه الوليد بن القاسم [الوليد بن القاسم بن الوليد الهمداني الكوفي، وهو وإن وثقه أو قواه: أحمد وابن قانع وابن عدي، فقد ضعفه ابن معين، وقال ابن حبان: "كان ممن ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، فخرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد". المجروحين (3/ 80)، الميزان (4/ 344)، التهذيب (4/ 322)][وفي الإسناد إليه من ضعِّف]، قال: نا عمر بن موسى، عن قتادة، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد، ليس فيها ترجيع.

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 86/ 4747)، وابن عدي في الكامل (5/ 11) و (7/ 83).

قال الدارقطني في العلل (12/ 134/ 2524): "ورواه عمر بن موسى، عن قتادة، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد، ليس فيها ترجيع.

وعمر بن موسى: متروك، ولا يصح عن أبي بكرة".

وقال الذهبي في الميزان (4/ 344): "تفرد به عمر، وهو متهم".

قلت: هو حديث باطل، تفرد به عن قتادة دون بقية أصحابه على كثرتهم: عمر بن موسى بن وجيه الوجيهي الحمصي، وهو: متروك، منكر الحديث، بل قال أبو حاتم وابن عدي:"يضع الحديث"، وقال ابن معين:"كذاب، ليس بشيء"[اللسان (5/ 24) و (6/ 149)].

ص: 130

* وأصله: حديث قتادة، قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يمدُّ صوته بالقرآن مدًا.

أخرجه البخاري (5045)، وتقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (8/ 514/ 788)، وهو في السنن برقم (1465).

* قال أبو بكر الخلال في الأمر بالمعروف (76): أخبرني أبو بكر المروذي، قال: قلت لأبي عبد الله: إنهم قالوا عنك: إنك كنت عند وهب بن جرير، فسألت ابن سعيد أن يقرأ، فقال: ما سمعت منها شيئًا قط، وقال: لا يعجبني إلا أن يكون جِرم الرجل مثل جِرم أبي موسى الأشعري حين قال له عمر: ذكرنا ربنا يا أبا موسى، فقرأ عنده. وذكر عن أنس وعن التابعين فيه كراهية.

قلت: أليس يروى عن معاوية بن قرة عن أبيه [كذا، وصوابه: عن عبد الله بن مغفل] أن النبي صلى الله عليه وسلم رجَّع عام الفتح، وقال: لو شئت أن أحكي لكم اللحن؟ فأنكر أبو عبد الله أن يكون هذا على معنى الألحان، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ما أذن لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن"، وقال:"ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، وقال: كان ابن عيينة يقول: فيستغني بالقرآن؛ يعني: الصوت، وقال وكيع: يستغني به، قال: وقال الشافعي: يرفع صوته، وأنكر أبو عبد الله الأحاديث التي يحتج بها في الرخصة في الألحان".

* قلت: وقد روي الحض على قراءة القرآن بألحان العرب، لكنه لا يثبت:

يرويه بقية بن الوليد، قال: حدثني حصين بن مالك الفزاري، قال سمعت شيخًا يكنى أبا محمد -وكان قديمًا-، يحدث عن حذيفة بن اليمان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، فإنه سيجيء من بعدي قوم يرجِّعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم، وقلوب من يعجبهم شأنهم".

تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (9/ 254/ 831)، وهو حديث منكر، قال الجوزقاني:"هذا حديث باطل".

* والصواب في هذا:

ما رواه أبو معاوية، وحفص بن غياث:

عن الأعمش، عن أبي عمار [وفي رواية حفص: سمعت أبا عمار]، عن حذيفة، قال: ليقرأنَّ القرآن أقوامٌ [وفي رواية: ليأتينَّ قومٌ في آخر الزمان يقرؤون القرآن] يقيمونه كما يُقام القِدْح، ولا يدعون منه ألفًا [ولا واوًا]، ولا يجاوز إيمانهم حناجرَهم.

تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (9/ 253/ 831)، وهو موقوف بإسناد صحيح، وله حكم الرفع، والله أعلم.

* * *

ص: 131

1468 -

. . . الأعمش، عن طلحة، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زيِّنُوا القرآنَ بأصواتكم".

* * *

حديث صحيح

تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (6/ 83/ 515) و (6/ 248/ 543) و (7/ 350/ 664).

* وله شواهد:

1 -

حديث أبي هريرة:

رواه يحيى بن عبد الله بن بكير، عن يعقوب بن عبد الرحمن القاري، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"زينوا أصواتكم بالقرآن". وفي رواية: "زينوا القرآن بأصواتكم".

وفي رواية: "صلوا في بيوتكم، ولا تجعلوها قبورًا، وزينوا أصواتكم بالقرآن؛ فإن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة".

أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (160 و 228)، وأبو عوانة (2/ 476/ 3892 و 3893)، وابن حبان (3/ 27/ 750)، وأبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار (60)، وابن شاهين في تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين (43)، وابن حجر في التغليق (5/ 376). [الإتحاف (14/ 489/ 18067 و 18068)، المسند المصنف (33/ 480/ 15669)].

قال جعفر الفريابي: "غلط ابن بكير في هذا الحديث، وأدخل حديثًا في حديث"[التغليق (5/ 376)].

قلت: وهو كما قال، دخل له حديث في حديث، فإن حديث:"زينوا القرآن بأصواتكم"؛ مشهور من طرق كثيرة عن البراء بن عازب، وأما حديث أبي هريرة، فهو مشهور بدون هذه اللفظة، وقد تفرد بإدراجها في حديث يعقوب بن عبد الرحمن القاري، ثم في حديث سهيل بن أبي صالح: يحيى بن عبد الله بن بكير، والحمل فيه عليه، فإنه وإن كان ثقة في الليث بن سعد؛ إلا أنه تُكُلِّم في روايته عن مالك، وضعفه النسائي، وليَّنه أبو حاتم، ووثقه آخرون [التهذيب (4/ 368)، الميزان (4/ 391)، وراجع ترجمته تحت الحديث (715)].

* وحديث أبي هريرة هذا:

رواه قتيبة بن سعيد [ثقة ثبت]: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة". هكذا بدون الزيادة موضع الشاهد.

أخرجه مسلم (780)، والنسائي في الكبرى (7/ 257/ 7961) و (9/ 354/ 10735)،

ص: 132

وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (36)، والبيهقي في الشعب (2164)، والجوزقاني في الأباطيل (677)، وقال:"هذا حديث صحيح". [التحفة (12769)، المسند المصنف (33/ 489/ 15673)].

فبرئت ساحة يعقوب بن عبد الرحمن من عهدة هذه الزيادة التي أدرجها ابن بكير، في حديث سهيل.

* ولم ينفرد به يعقوب، فقد تابعه جمع من الثقات، من أصحاب سهيل:

فقد رواه وهيب بن خالد، وخالد بن عبد الواسطي، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وحماد بن سلمة، ومعمر بن راشد:

عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة".

وقد سبق تخريجه في الذكر والدعاء برقم (11)(1/ 32)[وانظر: مستخرج أبي عوانة (2/ 480 و 481/ 3907 - 3909)، صحيح ابن حبان (783)، مسند البزار (16/ 51/ 9091)، فضائل القرآن لابن الضريس (183)][التحفة (9/ 188/ 12722)، الإتحاف (14/ 489/ 18068)، المسند المصنف (33/ 489/ 15673)].

* والحاصل: فإن حديث ابن بكير، عن يعقوب، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"زينوا القرآن بأصواتكم": حديث شاذ.

* وانظر في الأوهام أيضًا: علل الدارقطني (10/ 148/ 1939)، حيث وهم بعضهم، فرواه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا بموضع الشاهد، قال الدارقطني:"والصحيح: عن الأعمش، عن طلحة، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء".

2 -

حديث عبد الرحمن بن عوف:

رواه الربيع بن نافع [ثقة حجة]، قال: نا صالح بن موسى، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي سلمة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم".

أخرجه البزار (3/ 245/ 1035).

قال البزار: "وهذا الحديث يرويه الزهري، ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وصالح بن موسى الذي روى هذا الحديث عن عبد العزيز عن أبي سلمة عن أبيه: لين الحديث، وإنما ذكرنا هذا الحديث لنبين علته، وقد روى صالح بن موسى هذا حديثًا آخر بهذا الإسناد، لم يتابع عليه أيضًا".

وضعف إسناده ابن حجر في التغليق (5/ 377).

قلت: هو حديث منكر؛ صالح بن موسى الطلحي: متروك، منكر الحديث، وقد تفرد به عن عبد العزيز بن رفيع، وقد ذكر ابن عدي لصالح بن موسى الطلحي أحاديث عن عبد العزيز بن رفيع، ثم قال:"وهذه الأحاديث عن عبد العزيز: غير محفوظات، إنما يرويها عنه صالح بن موسى".

ص: 133

3 -

حديث ابن عباس:

رواه مرجَّى بن رجاء [لا بأس به، لكن روى ما لا يتابع عليه، فضعِّف لأجل ذلك]، وعبدة بن سليمان [ثقة ثبت]:

عن [أبي سعد] سعيد بن المرزبان البقال، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم". وفي رواية: "زينوا الأصوات بالقرآن". وفي أخرى: "زينوا أصواتكم بالقرآن".

أخرجه أبو جعفر ابن البختري في جزء من حديثه برواية ابن مخلد البزاز (11)(770 - مجموع مصنفاته)، وأبو علي الصواف في الثالث من فوائده (57)، وابن عدي في الكامل (3/ 385)(5/ 498/ 8484 و 8485 - ط الرشد) و (6/ 447)، والخطيب في الموضح (2/ 129)، وابن حجر في التغليق (5/ 377).

قال ابن عدي بعد أن أخرج هذا الحديث في ترجمة أبي سعد البقال: "وأبو سعد البقال: كوفي حدث عنه شعبة والثوري وابن عيينة، وهم وغيرهم من ثقات الناس، وله غير ما ذكرت من الحديث شيء صالح، وهو في جملة ضعفاء الكوفة الذين يجمع حديثهم، ولا يترك".

وقال في الموضع الثاني بعد أن أخرجه في ترجمة مرجى بن رجاء: "ولمرجى هذا غير ما ذكرت، والذي ذكرته والذي لم أذكره: في بعضها ما لا يتابع عليه".

وقال ابن حجر: "والضحاك: لم يسمع من ابن عباس، وغلط فيه البقال، وإنما سمعه الضحاك من عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء، والله أعلم".

قلت: هو حديث منكر، وأبو سعد البقال الأعور، سعيد بن المرزبان: ضعيف، مدلس، تركه جماعة من الأئمة، وقال البخاري:"منكر الحديث"[التهذيب (2/ 41)، الميزان (2/ 158)].

والضحاك بن مزاحم له ذكر في حديث البراء، لكني لم أر له رواية وذكرًا في الإسناد: فقد روى شعبة: سمعت طلحة [بن مصرف] اليامي: سمعت [عبد الرحمن] ابن عوسجة: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"زينوا القرآن بأصواتكم"، قال عبد الرحمن بن عوسجة: وكنت أنسيت: "زينوا القرآن بأصواتكم"، حتى أذكرنيه الضحاك بن مزاحم.

أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (68)، والنسائي في المجتبى (2/ 179/ 1016)، وفي الكبرى (2/ 26/ 1090)، وابن خزيمة (3/ 24/ 1551)، والحاكم (1/ 573)(2/ 634/ 2138 - ط الميمان)، وأحمد (4/ 304)، والطيالسي (774)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 102) و (3/ 178)، والروياني (353) مطولًا، والبيهقي (2/ 53). [التحفة (1775)، الإتحاف (2083 و 2084 و 2086)، المسند المصنف (4/ 162/ 1998)].

ص: 134

وهذا حديث صحيح، وهو حديث الباب.

* ورواه عبد الله بن عمر بن أبان [الجعفي الكوفي، لقبه مشكدانة: ثقة]: ثنا عبد الله بن خراش، عن العوام بن حوشب، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زينوا أصواتكم بالقرآن".

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 11113/81)، وابن عدي في الكامل (4/ 209)، والدارقطني في الأفراد (1/ 501/ 2833 - أطرافه)، ومن طريقه: أبو طاهر السلفي في السادس من المشيخة البغدادية (46).

قال ابن عدي بعد أن أخرجه في ترجمة عبد الله بن خراش: "ولعبد الله بن خراش عن العوام من الحديث غير ما ذكرت، ولا أعلم أنه يروي عن غير العوام أحاديث، وعامة ما يرويه غير محفوظ".

وقال الدارقطني: "غريب من حديث العوام بن حوشب عن مجاهد، تفرد به عنه، وتفرد به عنه: عبد الله بن خراش بن حوشب، وهو ابن أخيه".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به عن الثقة الثبت العوام بن حوشب: عبد الله بن خراش، وهو: متروك، منكر الحديث، وقد أكثر الرواية عن عمه العوام بن حوشب بما لا يتابع عليه [الكامل (4/ 210)، التهذيب (2/ 326)، الميزان (2/ 413)].

4 -

حديث عبد الله بن مسعود:

رواه الحسين بن عيسى المرادي: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن زبيد، عن سمرة، عن عبد الله، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم".

أخرجه أبو الشيخ في ذكر الأقران (20).

قلت: وهذا حديث غريب جدًا من حديث جرير بن عبد الحميد الضبي، ثم من حديث سليمان بن مهران الأعمش، والحسين بن عيسى المرادي: لم أهتد إليه، وليس هو بالبسطامي، ولا الحنفي.

وسمرة في هذا الإسناد ليس له معنى؛ إنما هو مرة بن شراحيل الهمداني، صاحب ابن مسعود.

* وإنما يُعرف هذا عن جرير، وعن الأعمش؛ من حديث البراء بن عازب:

فقد رواه ثقات أصحاب الأعمش:

جرير بن عبد الحميد [وعنه: قتيبة بن سعيد، وعثمان بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن حجر]، وسفيان الثوري، ووكيع بن الجراح، وزائدة بن قدامة، وعبد الله بن نمير، وحفص بن غياث، ومحمد بن فضيل، وحميد بن عبد الرحمن، ومحاضر بن المورع، ومعمر بن راشد، وغيرهم:

عن الأعمش، عن طلحة بن مصرف، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم".

ص: 135

أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (68)، وأبو داود (1468)[وهو حديث الباب]، والنسائي في المجتبى (2/ 179/ 1015)، وفي الكبرى (2/ 26/ 1089) و (7/ 270/ 7996)، وأبو عوانة (2/ 481/ 3911)، والحاكم (1/ 572)(2/ 634/ 2137 - ط الميمان)، وأحمد (4/ 283 و 296 و 304)، وعبد الرزاق (2/ 484/ 4175)، وابن أبي شيبة (2/ 257/ 8737) و (6/ 118/ 29936)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 177)، وابن نصر في قيام الليل (137 - مختصره)، والروياني (362)، وابن الأعرابي في المعجم (859 و 1005)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 355)، والبيهقي (2/ 53) و (10/ 229)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 372/ 817)، وغيرهم [التحفة (1775)، الإتحاف (2086)، المسند المصنف (4/ 162/ 1998)][راجع فضل الرحيم الودود (6/ 83/ 515) و (6/ 248/ 543) و (7/ 350/ 664)].

* كما قد صح أيضًا: عن مغيرة بن مقسم الضبي، ومنصور بن المعتمر، والأعمش: عن إبراهيم النخعي؛ أن علقمة قرأ على عبد الله بن مسعود، فقال:"رتل، فداك أبي وأمي؛ فإنه زين القرآن". زاد في رواية: وكان علقمة حسن الصوت. موقوفًا على ابن مسعود قوله، بإسناد صحيح.

وقد وهم بعضهم في رفعه، ورواه بعضهم مرفوعًا بلفظ:"حسن الصوت زينة القرآن"، ورفعه منكر [وممن رفعه من الضعفاء: سعيد بن زربي، أبو معاوية العباداني، وهو: منكر الحديث، وقيس بن الربيع، وهو: ليس بالقوي].

أخرجه بطرقه موقوفًا ومرفوعًا: القاسم بن سلام في فضائل القرآن (1/ 157)، وسعيد بن منصور في سننه (54)، وابن سعد في الطبقات (6/ 86 و 89 و 90)، وابن أبي شيبة (2/ 255/ 8724) و (6/ 140/ 30152)، والبخاري في خلق أفعال العباد (69)، والعجلي في الثقات (340)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (3/ 88/ 3946 - السفر الثالث)، وأبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (35)، والبزار (4/ 353/ 1553)، والدولابي في الكنى (2/ 880/ 1542)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (3456)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (318)، وابن الأعرابي في المعجم (475)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة (2958)، والطبراني في الكبير (9/ 140/ 8695) و (10/ 82/ 10023)، وابن عدي في الكامل (4/ 408) و (7/ 167)، وابن شاهين في الخامس من الأفراد (33)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 99) و (4/ 235)، وفي الأربعين (56)، وأبو عمرو الداني في التحديد في الإتقان والتجويد (1/ 77)، والبيهقي في السنن (2/ 54)، وفي الشعب (4/ 296/ 1973)، والخطيب في الموضح (2/ 132 و 134)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (41/ 172 و 173).

* وبهذا يظهر جليًا نكارة ما تفرد به: الحسين بن عيسى المرادي، والله أعلم.

5 -

حديث عائشة:

رواه يحيى بن عثمان بن صالح بن مسلم: ثنا أحمد بن سعيد بن خيشنة [وهو بفتح

ص: 136

المعجمة، وسكون الياء المثناة من تحت، بعدها شين معجمة، ثم نون] الحمصي: ثنا عبيد الله بن القاسم بن عمر الثوري: ثنا سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"زينوا القرآن بأصواتكم".

أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 139)، قال: حدثنا سليمان بن أحمد: ثنا يحيى به.

قال أبو نعيم: "غريب من حديث الثوري وهشام، تفرد به: عبيد الله".

قلت: يحيى بن عثمان بن صالح بن مسلم؛ الأقرب عندي أنه: يحيى بن عثمان بن صالح القرشي السهمي مولاهم، أبو زكريا المصري، وهو: حافظ أخباري، صدوق، له ما يُنكَر، ويحدث من غير كتبه، فطعنوا فيه لأجل ذلك [التهذيب (4/ 377)، الميزان (4/ 396)، السير (13/ 354)، إكمال مغلطاي (12/ 347)]، فإنه شيخ الطبراني المعروف.

وأحمد بن سعيد بن خيشنة: قال الخطيب في المؤتلف: "أحمد بن سعيد بن خيشنة: روى عن عبيد الله بن القاسم عن الثوري: أحاديث غرائب، رواها عنه: يحيى بن عثمان بن صالح"[إكمال ابن ماكولا (3/ 212)، اللسان (1/ 470)].

وذكره الذهبي في الميزان (1/ 100)، وقال:"أتى بخبر موضوع، الآفة هو أو شيخه"[اللسان (1/ 470)].

وأما عبيد الله بن القاسم بن عمر الثوري: فلم أقف له على ترجمة، والأشبه عندي أنه: عبيد بن القاسم نسيب سفيان الثوري، وهو: كوفي سكن بغداد، وحدث بها عن: إسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عروة، وسليمان الأعمش، والعلاء بن ثعلبة، وسفيان الثوري [تاريخ بغداد (12/ 383 - ط الغرب)]، وهو: متروك، واهي الحديث، كذبه ابن معين وصالح جزرة، وقال صالح بن محمد جزرة وأبو داود:"كان يضع الحديث"، وقال ابن حبان:"كان ممن يروي المعضلات عن الثقات، روى عن هشام بن عروة بنسخة موضوعة، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب"، وقال ابن عدي بأنه يروي عن هشام بن عروة أحاديث ليست بمحفوظة [التهذيب (3/ 39)، علل الترمذي الكبير (393)، المجروحين (2/ 175)، الكامل (7/ 54 - ط العلمية)].

قلت: فهو حديث موضوع، والله أعلم.

* والحاصل: فإنه لا يثبت في الباب سوى حديث البراء بن عازب، والله أعلم.

* روى يحيى بن سعيد القطان، وأبو قطن عمرو بن الهيثم القطعي:

عن شعبة، قال:"نهاني أيوب أن أحدث، بهذا الحديث: "زينوا القرآن بأصواتكم"".

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (167)، وفي غريب الحديث (1/ 349)، وابن معين في تاريخه (4/ 211/ 4007 - رواية الدوري)(13 - سؤالات ابن الجنيد)، ومن طريقه: الخطابي في غريب الحديث (1/ 357)، وفي معالم السنن (1/ 290)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (45).

ص: 137

قال أبو عبيد: "وإنما كره أيوب فيما نرى أن يتأول الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الألحان المبتدعة، ولهذا نهاه أن يحدث به"[فضائل القرآن (167)، غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 349). وانظر: الغريبين في القرآن والحديث (3/ 845) و (4/ 1393)].

وقال الخطابي في غريب الحديث (1/ 357): "قوله: "زينوا القرآن بأصواتكم"؛ المعنى: زينوا أصواتكم بالقرآن، فقدَّم الأصوات؛ على مذهبهم في قلب الكلام، وهو كثير في كلامهم".

ثم قال: "وإنما تأولنا الحديث على هذا المعنى؛ لأنه لا يجوز على القرآن وهو كلام الخالق أن يزينه صوت مخلوق، بل هو بالتزيين لغيره والتحسين له أولى".

ثم قال: "والمعنى: أشغلوا أصواتكم بالقرآن، والهجوا بقراءته، واتخذوه زينةً وشعارًا، ولم يرد تطريب الصوت به والتحزين له؛ إذ ليس هذا في وسع كل أحد، فلعل من الناس من إذا أراد التزيين له أفضى به إلى التهجين، وإنما المعنى في ذلك ما ذكرناه لقوله: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، إنما هو أن يلهج بتلاوته كما يلهج الناس بالغناء والطرب عليه، وإلى هذا المعنى ذهب ابن الأعرابي صاحبنا.

أخبرني إبراهيم بن فراس، قال: سألت ابن الأعرابي عن هذا، فقال: إن العرب كانت تتغنى بالركباني، وهو النشيد بالتمطيط والمد؛ إذا ركبت الإبل، وإذا تبطحت على الأرض، وإذا جلست في الأفنية، وعلى أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون القرآن هجيراهم مكان التغني بالركباني" [وانظر رد ابن بطال في شرح البخاري (10/ 545)؛ فإنه لا يُنكر تزيين القرآن بحسن الصوت والتلاوة، ولذا قال أبو موسى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو علمتُ أنك تسمع لقراءتي لحبرته لك تحبيرًا، وذلك حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود". أخرجه مسلم (793/ 236) دون قول أبي موسى].

* وروى عبد الله بن إدريس [ثقة ثبت]، عن الأعمش، قال: قرأ رجل عند أنس بلحن من هذه الألحان فكره ذلك أنس.

وفي رواية: أن رجلًا قرأ عند أنس فطرب، فكره ذلك أنس.

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 119/ 29949)، والدارمي (3832 - ط البشائر)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (46). [الإتحاف (2/ 41/ 1170)].

والأعمش: لم يسمع من أنس؛ إنما رآه يصلي [راجع فضل الرحيم الودود (15)].

* ورواه يعقوب بن إبراهيم [أبو يوسف القاضي: صدوق، كثير الخطأ. اللسان (8/ 518)، الجرح والتعديل (9/ 201)]، عن الأعمش، عن رجل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنه سمع رجلًا يقرأ بهذه الألحان التي أحدث الناس، فأنكر ذلك، ونهى عنه.

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (167)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (44).

ص: 138

* وروي عن أنس من وجه آخر لا يصح: أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 119/ 29950).

* وروى ابن علية، عن ابن عون، عن محمد [يعني: ابن سيرين]، قال:"كانوا يرون هذه الألحان في القرآن محدثة".

أخرجه الدارمي (3833 - ط البشائر).

* وسئل يزيد بن هارون: "ما تقول في قراءة الألحان؟ قال: بدعة"[فضائل القرآن (167)].

* وقال مالك: "يكره هذه الألحان التي يقرؤونها في القيام في المسجد"[قيام رمضان لابن نصر (238 - مختصره)].

* وقال صالح بن أحمد بن حنبل: "قلت: قوله: "زينوا القرآن بأصواتكم" ما معناه؟ قال أبي: التزيين: أن يحسنه"[مسائل صالح (339)، الأمر بالمعروف لأبي بكر الخلال (73)، أخلاق أهل القرآن (82)][قال شيخ الإسلام تعليقًا عليه: "فبين الإمام أحمد أن الصوت صوت القارئ، مع أن الكلام كلام الباري". مجموع الفتاوى (12/ 540)].

* وكثرت النقول عن أحمد في كراهية القراءة بالألحان وتعلمها إلا أن يكون طبع الرجل لا يتكلفه؛ فلا بأس بذلك:

ومن ذلك: "أن أحمد سئل عن القراءة بالألحان؟ فقال: هو بدعة ومحدث. قلت: تكرهه يا أبا عبد الله؟ قال: نعم، إلا ما كان من طبع، كما كان أبو موسى، أما من يتعلمه بالألحان فمكروه"[الأمر بالمعروف لأبي بكر الخلال (205 - 209). وانظر أيضًا: مسائل صالح (347)، مسائل ابن هانئ (508 و 1965)، مسائل عبد الله (1598)، العلل ومعرفة الرجال (2563 و 2654)، الأمر بالمعروف لأبي بكر الخلال (200 - 228)].

* وقال ابن حبان في صحيحه (3/ 25/ 749): "هذه اللفظة من ألفاظ الأضداد، يريد بقوله صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم"، لا: زينوا أصواتكم بالقرآن"[وانظر: غريب الحديث للخطابي (1/ 356)].

* وقال أبو بكر الآجري: "ينبغي لمن رزقه الله حسن الصوت بالقرآن أن يعلم أن الله قد خصه بخير عظيم فليعرف قدر ما خصه الله به، وليقرأ لله لا للمخلوقين، وليحذر من الميل إلى أن يستمع منه ليحظى به عند السامعين، رغبة في الدنيا، والميل إلى حسن الثناء والجاه عند أبناء الدنيا، والصلاة بالملوك دون الصلاة بعوام الناس، فمن مالت نفسه إلى ما نهيته عنه خفته أن يكون حسن صوته فتنة عليه، وإنما ينفعه حسن صوته إذا خشي الله عز وجل في السر والعلانية، وكان مراده أن يستمع منه القرآن؛ لينتبه أهل الغفلة عن غفلتهم، فيرغبوا فيما رغبهم الله عز وجل وينتهوا عما نهاهم، فمن كانت هذه صفته انتفع بحسن صوته، وانتفع به الناس"[أخلاق أهل القرآن (82)].

وقال أيضًا: "وأكره القراءة بالألحان والأصوات المعمولة المطربة، فإنها مكروهة عند كثير من العلماء، مثل: يزيد بن هارون، والأصمعي، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد

ص: 139

القاسم بن سلام، وسفيان بن عيينة، وغير واحد من العلماء، ويأمرون القارئ إذا قرأ أن يتحزن ويتباكى ويخشع بقلبه".

وقال أيضًا: "فأحب لمن يقرأ القرآن أن يتحزن عند قراءته، ويتباكى ويخشع قلبه، ويتفكر في الوعد والوعيد ليستجلب بذلك الحزن".

* كما رويت كراهية القراءة بالألحان أيضًا: عن الفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك [أخرجه حرب الكرماني في مسائله لأحمد (897)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (43)].

* وأما ما صح عن عطاء:

فيما رواه حجاج بن محمد المصيصي [ثقة ثبت، من أثبت الناس في ابن جريج]، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما تقول في القراءة على الألحان؟ فقال: وما بأس ذلك؟ سمعت عبيد بن عمير يقول: كان داود يفعل كذا وكذا، لشيء ذكره، يريد أن يَبكي بذلك ويُبكي. وذكر شيئًا كرهته.

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (164).

قال أبو عبيد: "وعلى هذا المعنى تحمل هذه الأحاديث التي ذكرناها في حسن الصوت، إنما هو طريق الحزن والتخويف والتشويق، يبين ذلك حديث أبي موسى: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استمعن قراءته، فأخبر بذلك، فقال: لو علمت لشوَّقتُ تشويقًا، أو: حبَّرت تحبيرًا. فهذا وجهه؛ لا الألحان المطربة الملهية".

* * *

1469 -

قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، وقتيبة بن سعيد، ويزيد بن خالد بن موهب الرملي، بمعناه؛ أن الليث حدثهم، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص -وقال يزيد: عن ابن أبي مليكة، عن سعيد بن أبي سعيد، وقال قتيبة: هو في كتابي: عن سعيد بن أبي سعيد- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن".

* حديث سعد بن أبي وقاص: حديث صحيح

* أخرجه من طريق أبي الوليد الطيالسي: عبد بن حميد (151)، والدارمي (3817 - ط البشائر)، وأبو عوانة (11/ 95/ 4315)، والطحاوي في شرح المشكل (3/ 349/ 1307)، والبيهقي (10/ 230). [التحفة (3/ 268/ 3905) و (12/ 318/ 18690)، الإتحاف (5/ 95/ 5002)، المسند المصنف (9/ 118/ 4341)].

قال أبو الوليد: ثنا ليث بن سعد: ثنا عبد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من لم يتغن بالقرآن".

ص: 140

قال أبو محمد الدارمي: "الناس يقولون: عبيد الله بن أبي نهيك".

* تابع أبا الوليد هشام بن عبد الملك [وهو: ثقة ثبت] على هذا الوجه:

شبابة بن سوار [ثقة]، وأبو النضر هاشم بن القاسم [ثقة ثبت]، وحجاج بن محمد المصيصي [ثقة ثبت]، وعاصم بن علي [الواسطي: صدوق، تكلم فيه ابن معين]:

حدثنا الليث بن سعد، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك [ووقع عند أحمد: عبد الله، مكبرًا]، عن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله.

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (210)، وأحمد (1/ 175/ 1512)(1/ 377/ 1531 - ط المكنز)، وأبو عوانة (11/ 93/ 4313)، والقضاعي في مسند الشهاب (1196 و 1202). [الإتحاف (5/ 95/ 5002)، المسند المصنف (9/ 118/ 4341)].

هكذا اتفق العراقيون في رواية هذا الحديث عن الليث بن سعد، فقالوا فيه: عن سعد بن أبي وقاص، قولًا واحدًا.

* وأخرجه من طريق قتيبة بن سعيد [وهو: ثقة ثبت]: الحاكم (1/ 569)(2/ 627/ 2121 - ط الميمان). [الإتحاف (5/ 95/ 5002)].

قال قتيبة بن سعيد [وقد قرن الحاكم إسناده بإسناد ابن بكير]: ثنا الليث بن سعد، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله [وفي نسخة: عبيد الله] بن أبي نهيك، عن سعد بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن".

* وتابعه على هذا الوجه: يحيى بن عبد الله بن بكير [مصري ثقة، ثبت في الليث بن سعد][وعنه: عبيد بن شريك، وهو: عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزار: بغدادي صدوق، حدث عن جماعة من أهل مصر، وله أوهام. اللسان (5/ 355)]، عن الليث به.

أخرجه الحاكم (1/ 569)(2/ 627/ 2121 - ط الميمان). [الإتحاف (5/ 95/ 5002)].

* وأما يزيد بن خالد بن موهب الرملي [وهو: ثقة]، فقد اختلف عليه:

أ- فرواه أبو داود [ثقة حافظ إمام، مصنف السنن](1469)، عن يزيد بن خالد بن موهب الرملي، عن الليث، عن ابن أبي مليكة، عن سعيد بن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن".

ب- ورواه محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني [ثقة حافظ. سؤالات السهمي (12)، السير (14/ 292)، تذكرة الحفاظ (2/ 764)]، قال: حدثنا يزيد بن موهب، قال: حدثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليس منَّا منْ لم يتعنَّ بالقرآن".

أخرجه ابن حبان (1/ 326/ 120). [الإتحاف (5/ 95/ 5002)، المسند المصنف (9/ 118/ 4341)].

قال ابن حبان: "معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا"، في هذه الأخبار يريد به: ليس مثلنا في استعمال هذا الفعل؛ لأنا لا نفعله، فمن فعل ذلك فليس مثلنا".

ص: 141

* وقد رواه عن الليث بن سعد أصحابه المصريون على الوهم:

* فرواه أبو صالح عبد الله بن صالح [المصري، كاتب الليث: صدوق، كان كثير الغلط، وكانت فيه غفلة]، قال: حدثني الليث، قال: حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

قال أبو صالح: قال لنا الليث بالعراق: عن سعد بن أبي وقاص، وأما ها هنا فكذا قال، وكذا في أصل كتابه.

قال الليث: يتغنى: يتحزن به، ويرقق به قلبه.

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (1210، وأبو عوانة (11/ 94/ 4314)، والطحاوي في شرح المشكل (3/ 348/ 1304)، والقضاعي في مسند الشهاب (1197). [الإتحاف (5/ 95/ 5002)].

* ورواه شعيب بن الليث [ثقة نبيل فقيه، من أثبت الناس في أبيه]، وعبد الله بن عبد الحكم بن أعين [مصري، ثقة، من أصحاب الليث]، ويحيى بن عبد الله بن بكير [عند ابن أبي حاتم، ولم يذكر الراوي عنه]:

عن الليث، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعيد بن أبي سعيد [وفي رواية لشعيب: عن سعيد أو سعد]، عن النبي صلى الله عليه وسلم-بمثله. وشك فيه أبو عوانة [من طريق شعيب] فقال:"عن سعيد أو سعد".

أخرجه أبو عوانة (11/ 96/ 4317)، والطحاوي في شرح المشكل (3/ 349/ 1305 و 1306)، وذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/ 490/ 538). [الإتحاف (5/ 95/ 5002)].

* ورواه عبيد بن شريك: ثنا يحيى بن بكير [وقد قرن الحاكم إسناده بإسناد قتيبة بن سعيد]: ثنا الليث بن سعد، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله [وفي نسخة: عبيد الله] بن أبي نهيك، عن سعد بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن".

وقد أشرت إليه سابقًا فيمن تابع قتيبة بن سعيد.

* والحاصل: فلم تتمحض رواية المصريين عن الليث على قول واحد، وإنما اختلف عليه ثقاتهم، ويأتي له مزيد بيان أيضًا:

* فقد رواه عيسى بن حماد زغبة [ثقة، وهو آخر من حدث عن الليث من الثقات]: ثنا الليث: ثنا ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبي نهيك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليس منا من لم يتغن بالقرآن".

أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (1193)، من طريق أحمد بن عيسى الوشاء [وهو آخر من روى عن زغبة. تاريخ الإسلام (5/ 1200 - ط الغرب) و (7/ 382 - ط الغرب)]، عن زغبة به هكذا من مسند أبي هريرة.

قلت: وهذا باطل؛ تفرد به عن زغبة: أحمد بن عيسى بن محمد بن عبيد الله، أبو

ص: 142

العباس الكندي، الصوفي المقرئ، المعروف بابن الوشاء التنيسى، وهو: متروك، روى أباطيل، وتفرد بما لم يتابع عليه [اللسان (1/ 571)].

* لكن رواه محمد بن الحسن بن قتيبة [ثقة حافظ]، قال: حدثنا أبو خالد يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب، وعيسى بن حماد زغبة، قالا: حدثنا الليث بن سعد، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعيد أو سعد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن". قال زغبة: عبد الله بن أبي نهيك.

أخرجه الضياء المقدسي في فضائل القرآن (29)، وفي المختارة (3/ 172/ 969).

قال الضياء: "هذا حديث إسناده لا أعلم فيهم جرحًا، وهو مشهور عن سعد، وهو: ابن أبي وقاص، وقول زغبة: عبد الله؛ خطأ، وإنما هو: عبيد الله".

قلت: حديث ابن قتيبة عن ابن موهب، إنما هو من مسند سعد بغير شك، فقد رواه محمد بن الحسن بن قتيبة: حدثنا يزيد بن موهب، قال: حدثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن". [أخرجه ابن حبان (1/ 326/ 120)، وتقدم ذكره]، وهو الأشبه عندي بالصواب.

ولعله حمل حديث ابن موهب على حديث زغبة، وهو الأشبه، ويكون زغبة بذلك قد تابع شعيب بن الليث، في روايته على الشك بين سعد بن أبي وقاص، وبين سعيد بن أبي سعيد، وبذا يظهر أن المصريين اختلفوا على الليث:

* فممن رواه فقال: عن سعيد بن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قولًا واحدًا:

عبد الله بن صالح، وعبد الله بن عبد الحكم بن أعين.

* وممن رواه فقال: عن سعيد أو سعد؛ بالشك والتردد:

شعيب بن الليث، وعيسى بن حماد زغبة.

* وممن اختلف عليه في روايته عن الليث:

يزيد بن خالد بن موهب الرملي، ويحيى بن بكير: فمرة قالا: عن سعيد بن أبي سعيد، ومرة قالا: عن سعد بن أبي وقاص.

فإن قيل: فما تقول في قول أبي صالح: "قال لنا الليث بالعراق: عن سعد بن أبي وقاص، وأما ها هنا فكذا قال، وكذا في أصل كتابه"؟.

لا سيما وقد فسره أبو زرعة بقوله: "في كتاب الليث في أصله: سعيد بن أبي سعيد، ولكن لُقِّن بالعراق: عن سعد"[علل ابن أبي حاتم (2/ 489/ 538)].

قلت: لا يمنع أن يكون الوهم وقع لليث بن سعد في إسناد هذا الحديث حين قال فيه: عن سعيد بن أبي سعيد، ثم أدرك بعدُ وجه الصواب فيه، فرجع إليه، وتابع عمرو بن دينار، وابن جريجٍ، في روايته عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا.

ص: 143

وهذا الوجه هو الذي مال إليه البخاري والدارقطني، وهو الصواب عندي؛ بدليل: أن بعض أصحاب الليث المصريين منهم من اختلفت الرواية عنهم، ومنهم من وقع في روايته الشك والتردد: عن سعد بن أبي وقاص، أو: عن سعيد بن أبي سعيد، وهذا مما يؤكد كون هذا الحديث كان عند الليث عن سعد وهو بمصر قبل أن يخرج إلى العراق، لا كما قال كاتبه عبد الله بن صالح، وذلك لأن أهل بيت الرجل أولى به من غيره، وقد ثبتت الرواية عن شعيب بن الليث أنه كان يشك فيه، هل هو عن سعد، أم عن سعيد، فلما ذهب إلى العراق ذهب عنه التردد، وثبت على كونه عن سعد قولًا واحدًا، فانتفت بذلك شبهة التلقين عن الليث، وتابع بذلك اثنين من الحفاظ: عمرو بن دينار وابن جريج، والله أعلم.

* قال البخاري عن حديث ابن الأخنس [الآتي ذكره فيما لا يثبت من طرق الحديث]: "هذا حديث خطأ، وحديث ابن أبي مليكة عن عائشة فيه: خطأ.

والصحيح: ما رواه عمرو بن دينار، وابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن"".

ثم قال البخاري: "وكان الليث بن سعد يروي هذا عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، ويقول: عن سعيد بن أبي سعيد، ثم رجع فقال: عن سعد بن أبي وقاص، هكذا قال عبد الله بن صالح"[علل الترمذي الكبير (649 - 651)].

وقال الدارقطني في العلل (4/ 389/ 649): "واختلف عن الليث في ذكر سعد بن أبي وقاص؛ فأما الغرباء عن الليث، فرووه عنه على الصواب.

وأما أهل مصر فرووه، وقالوا: عن سعيد بن أبي سعيد كان سعد. ومنهم من قال: عن سعيد، أو سعد. وقال قتيبة: عن الليث عن رجل، ولم يسم سعدًا ولا غيره".

كذلك فإن كلام البزار عند ذكره الاختلاف الواقع في هذا الحديث على ابن أبي مليكة، يدل على ترجيح رواية العراقيين عن الليث بن سعد، قال البزار في مسنده (6/ 148/ 2192):"وهذا الحديث اختلف فيه عن ابن أبي مليكة: فقال عمرو بن دينار، والليث: عن ابن أبي مليكة، عن ابن أبي نهيك، عن سعد، وقال عبد الجبار بن الورد: عن ابن أبي مليكة، عن ابن أبي يزيد، عن أبي لبابة، وقال عسل بن سفيان: عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، وقال عبيد الله بن الأخنس: عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس".

* قال الحاكم: "ليس يدفع رواية الليث تلك الروايات عن عبيد الله بن أبي نهيك، فإنهما أخوان تابعيان، والدليل على صحة الروايتين رواية عمرو بن الحارث، وهو أحد الحفاظ الأثبات عن ابن أبي مليكة".

* رواه عبد الله بن وهب [ثقة حافظ]: أنا عمرو بن الحارث [ثقة ثبت]، عن ابن أبي مليكة؛ أنه حدثه عن ناس دخلوا على سعد بن أبي وقاص، فسألوه عن القرآن، فقال سعد: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن".

أخرجه الحاكم (1/ 570)(2/ 627/ 2122 - ط الميمان). [الإتحاف (5/ 95/ 5002)].

ص: 144

قال الحاكم: "فهذه الرواية تدل على أن ابن أبي مليكة لم يسمعه من راو واحد، إنما سمعه من رواة لسعد".

قلت: نعم؛ سيأتي في رواية عطاء بن أبي رباح ما يشير إلى ذلك، وروايته مرسلة، لكن هذا لا يعني صحة ما ذهب إليه الحاكم، من أن عبد الله بن أبي نهيك وعبيد الله بن أبي نهيك أخوان، وإنما هو رجل واحد، اختلف الرواة في تسميته، فمنهم من قال: عبد الله مكبرًا، ومنهم من قال: عبيد الله مصغرًا، وهو الصواب، والله أعلم.

لكنا نستفيد من هذا الوجه معنى آخر، وهو أن الحديث كان معروفًا عند أهل مصر من حديث سعد بن أبي وقاص، وإن أبهم فيه التابعي، والله أعلم.

* * *

1470 -

. . . سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثله.

* حديث صحيح

أخرجه عبد الرزاق (2/ 483/ 4171)، والحميدي (76)، وابن أبي شيبة (2/ 257/ 8738) و (6/ 119/ 29942)، وأحمد (1/ 179/ 1549)(1/ 386/ 1568 - ط المكنز)، والدارمي (1634 - ط البشائر)، والبزار (4/ 68/ 1234)، وابن نصر في قيام الليل (139 - مختصره)، وأبو يعلى (2/ 93/ 748)، وأبو بكر الخلال في العلل (46 - المنتخب)، وأبو عوانة (11/ 95/ 4316)، والطحاوي في شرح المشكل (3/ 347/ 1303)، والحاكم (1/ 569)(2/ 625/ 2118 - ط الميمان)، والقضاعي في مسند الشهاب (1194)، والبيهقي في السنن (10/ 230)، وفي الشعب (5/ 68/ 2375)، والضياء المقدسي في المختارة (3/ 173/ 971). [التحفة (3/ 268/ 3905)، الإتحاف (5/ 95/ 5002)، المسند المصنف (9/ 118/ 4341)].

رواه عن ابن عيينة: عثمان بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، والحميدي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأحمد بن عبدة، وعبد الرزاق بن همام، وسريج بن النعمان، وإسحاق بن إسماعيل الطالقاني، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف، وإبراهيم بن عمر بن أبي الوزير [وهم ثقات، وفيهم جماعة من أثبت الناس في ابن عيينة].

ولفظ الحميدي، وأحمد بن عبدة [عند البزار]، وابن راهويه [عند ابن نصر]، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

زاد الحميدي وأبو خيثمة: قال سفيان: يعني: يستغني به.

ص: 145

قال البزار: "وهذا الحديث عن سعد لا نعلم له إسنادًا أحسن من هذا الإسناد".

* هكذا رواه عن ابن عيينة جماعة من ثقات أصحابه وأثبت الناس فيه، وخالفهم:

السري بن عاصم، فرواه عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا، بلفظ:"ابكوا؛ فإن لم تبكوا فتباكوا".

أخرجه الدارقطني في الأفراد (525 - أطرافه).

قال الدارقطني: "تفرد به: السري بن عاصم، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله".

قلت: هو حديث كذب موضوع، تفرد به السري بن عاصم، وهو: كذاب، يسرق الحديث [اللسان (4/ 22)].

* وروي من وجه آخر عن عمرو بن دينار، لكنه غريب [أخرجه الدارقطني في الأفراد (526 - أطرافه)].

* هكذا رواه الليث بن سعد [في المحفوظ عنه]، وعمرو بن دينار:

عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبى وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

* تابعهما:

ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله [وفي رواية: عبيد الله] بن أبي نهيك، قال: لقيني سعد بن أبي وقاص في السوق، فقال: أتجَّارٌ كَسَبةٌ؟ أتجَّارٌ كَسَبةٌ؟، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن". لفظ الحميدي.

ولفظ ابن أبي عمر [عند الفاكهي]: عن عبد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه قال: أتيته، فنسبني فانتسبت له، فعرفني، فقال: أتجار كسبة، أتجار كسبة، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم-يقول:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن". قال سفيان: يعني: يستغني به. قال سفيان: وإنما سأله؛ لأن السائب رضي الله عنه كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم منهم في الجاهلية.

أخرجه الحميدي (77)، والفاكهي في أخبار مكة (3/ 284/ 2154)، وأبو بكر الخلال في العلل (46 - المنتخب)، والحاكم (1/ 569)(2/ 626/ 2119 - ط الميمان)، والضياء المقدسي في المختارة (3/ 172/ 970).

[الإتحاف (5/ 95/ 5002)، المسند المصنف (9/ 118/ 4341)].

رواه عن ابن جريج: سفيان بن عيينة [وعنه: الشافعي، والحميدي، وابن أبي عمر العدني].

وهو محفوظ عن ابن عيينة بالوجهين، رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار، ورواه أيضًا عن ابن جريج، كلاهما عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

ص: 146

* قلت: هكذا رواه ثلاثة من كبار الحفاظ المشاهير:

الليث بن سعد [في المحفوظ عنه]، وعمرو بن دينار، وابن جريج:

عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

* وقد توبعوا على ذلك:

أ- فقد روى وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، قال: حدثنا سعيد بن حسان المخزومي [مكي، ثقة]، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن". قال وكيع: يعني: يستغني به.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 257/ 8739)، وأحمد (1/ 172/ 1476)(1/ 370/ 1494 - ط المكنز)، والدورقي في مسند سعد (127)، وأبو عوانة (11/ 92/ 4311)[ووقع في سنده سقط، وفي متنه إدراج]، والحاكم (1/ 569)(2/ 626/ 2120 - ط الميمان)، والقضاعي في مسند الشهاب (1195). [المسند المصنف (9/ 118/ 4341)].

* ورواه أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]، قال: حدثنا سعيد بن حسان المكي، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

أخرجه الطيالسي (198).

قال الحاكم: "قد اتفقت رواية عمرو بن دينار، وابن جريج، وسعيد بن حسان، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك. وقد خالفهما الليث بن سعد، ففال: عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبي نهيك"[المستدرك (2116 - ط دار المنهاج القويم)].

قلت: عبد الله بن أبي نهيك، هو: عبيد الله بن أبي نهيك، وهم بعضهم في اسمه.

ب- ورواه شبابة بن سوار [ثقة]، عن حسام بن مِصَكّ، عن ابن أبي مليكة، عن ابن أبي نهيك، ثم لقيت ابن أبي نهيك فحدثني، عن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (1/ 385)، وفي فضائل القرآن (209)، وأبو عوانة (11/ 93/ 4312)، والقضاعي فى مسند الشهاب (1196).

قلت: حسام بن مِصَكّ: متروك، والعمدة على رواية الثقات السابق ذكرهم.

* والحاصل: فإن هذا الإسناد هو المحفوظ عن ابن أبي مليكة، وقد روي عنه من وجوه أخرى لا يثبت منها شيء [يأتي ذكرها في الحديث الآتي، مع مزيد بيان]، ولا تُعارض بها الأسانيد الصحيحة، لا سيما مع جزم البخاري بأن هذا الوجه هو الأصح، والله أعلم.

وهذا إسناد صحيح متصل، عبيد الله بن أبي نهيك، وقيل: عبد الله بن أبي نهيك: سمع سعد بن أبي وقاص، وثقه النسائي، والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات [التهذيب (2/ 446)].

ص: 147

وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة: تابعي ثقة حافظ حجة، أدرك ثلاثين من الصحابة، وروايته على ابن أبي نهيك ترفع من حاله؛ إضافة إلى توثيق من وثقه.

* قال البخاري في التاريخ الكبير (5/ 401): "عبيد الله بن أبي نهيك: سمع سعدًا، قاله عمرو بن دينار وابن جريج: عن ابن أبي مليكة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، وقال عبيد الله بن معاذ: حدثنا أبي: حدثنا شعبة، عن عِسل بن سفيان؛ سمع ابن أبي مليكة؛ سمع عائشة رضى الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عبيد الله بن الأخنس: عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، الأول أصح".

وقال في علل الترمذي الكبير (651) بعد أن خطَّأ حديث ابن عباس وعائشة [وتقدم نقله]، قال:"والصحيح: ما رواه عمرو بن دينار، وابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن"".

وقال الدارقطني في العلل (9/ 407) تتمة للسؤال رقم (649): "والصواب: قول عمرو بن دينار، وابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن أبي نهيك، عن سعد".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذا الإسناد".

* وتابع ابن أبي مليكة على هذا الوجه:

* حسام بن مصك [متروك]، عن ابن أبي مليكة، عن ابن أبي نهيك، ثم لقيت ابن أبي نهيك فحدثني، عن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

تقدم ذكره قبل قليل، وليس بشيء.

* وللحديث طريق أخرى:

* فقد رواه حجاج بن محمد [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب ابن جريج]، وعبد الرزاق بن همام [ثقة، راوية ابن جريج]:

عن ابن جريج، عن عطاء، قال: دخل عبد الله بن عمرو القاري والمتوكل بن أبي نهيك، على سعد بن أبي وقاص، فقال سعد لعبد الله بن عمرو القاري: من هذا؟ فقال: المتوكل بن أبي نهيك، قال: نعم؛ تجار كسبة، تجار كسبة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

أخرجه عبد الرزاق (2/ 483/ 4170)، والدورقي في مسند سعد (130).

[المسند المصنف (9/ 120/ 4341)].

* وفي علل الدارقطني (4/ 391/ 649)(9/ 406): "قال علي بن غراب: عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبد الله بن عمرو القاري: دخلت أنا والمتوكل بن أبي نهيك على سعد، فذكره عن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا".

قلت: علي بن غراب: ليس به بأس، كثير الغرائب والإفرادات [التهذيب (3/ 186)، الكامل (5/ 206)]، والعمدة على رواية أصحاب ابن جريج، وظاهرها الإرسال.

ص: 148

* وخالفهما فوهم، وسلك فيه الجادة:

يحيى بن سعيد الأموي [ليس به بأس، صاحب غرائب، يهم على ابن جريج]، قال: ثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (1199).

قلت: هذا وهم، وفيه سلوك للجادة، والمحفوظ الأول.

وهو حديث مرسل؛ أما المتوكل بن أبي نهيك: فلم أقف له على ترجمة، وأما عبد الله بن عمرو بن عبدٍ القاري العابدي، من ولد عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، روى عنه: محمد بن عباد بن جعفر، ويحيى بن جعدة، وأخرج له مسلم مقرونًا [راجع: فضل الرحيم الودود (2/ 405/ 194) و (7/ 275/ 648)] [انظر: التاريخ الكبير (5/ 102 و 202)، الجرح والتعديل (5/ 173)، الثقات (5/ 28 و 49)، أنساب الأشراف (10/ 212)، المؤتلف للدارقطني (3/ 1540)، المؤتلف لعبد الغني بن سعيد الأزدي (2/ 564)، الإكمال لابن ماكولا (6/ 1 و 336)، مشارق الأنوار (2/ 123 و 127)، الأنساب (4/ 107)، توضيح المشتبه (6/ 55)، تبصير المنتبه (3/ 980)].

وعطاء بن أبي رباح يحكي هنا واقعة لم يدركها، وصورته مرسل، والله أعلم.

* وأما ما رواه أبو عاصم: أخبرنا ابن جريج: أخبرنا ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن". وزاد غيره: "يجهر به".

أخرجه البخاري (7527).

فسوف يأتي الكلام عليه عند الحديث الآتي برقم (1473) إن شاء الله تعالى.

* وقد وهم في إسناده عبد الجبار بن الورد، فجعله من مسند أبي لبابة، وإنما هو من مسند سعد بن أبي وقاص، وهو الحديث الآتي:

* * *

1417 -

. . . عبد الجبار بن الورد: سمعت ابن أبي مليكة، يقول: قال عبيد الله بن أبي يزيد: مرَّ بنا أبو لُبابة، فاتَّبعناه حتى دخل بيته، فدخلنا عليه، فإذا رجلٌ رثُّ البيتِ رثُّ الهيئة، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن".

قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسنَ الصوت؟ قال: يحسِّنُه ما استطاع.

* حديث شاذ

أخرجه حرب الكرماني في مسائله لأحمد (898)، وابن أبي عاصم في الآحاد

ص: 149

والمثاني (3/ 450/ 1903)، وأبو عوانة (11/ 4318/ 96)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (1/ 360/ 311) و (2/ 376/ 994)، والطحاوي في شرح المشكل (3/ 350/ 1308)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 97)، والطبراني في الكبير (5/ 34/ 4514)[وفي سنده تحريف وقلب]، والبيهقي (2/ 54) و (10/ 230). [التحفة (8/ 567/ 12148)، الإتحاف (5/ 95/ 5002)، المسند المصنف (29/ 282/ 13340)].

رواه عن عبد الجبار بن الورد: عبد الأعلى بن حماد [واللفظ له]، وداود بن مهران الدباغ، وإبراهيم بن عمر بن أبي الوزير، ومحمد بن أبي الخصيب الأنطاكي [وهم ثقات].

ولفظ عبد الأعلى [عند البغوي]: عبد الأعلى بن حماد: نا عبد الجبار بن الورد، قال: سمعت ابن أبي مليكة، يقول: قال عبيد الله بن أبي يزيد: بينا أنا واقف وعبد الله بن السائب بن أبي السائب؛ إذ مر بنا أبو لبابة، فاتبعناه حتى دخل بيته، فاستأذنا فأذن لنا، فإذا رجلٌ رثُّ الثياب رثُّ المتاع رثُّ الحال، فقال: من أنتم؟ فانتسبنا له، فقال: مرحبًا وأهلًا، تجار كسبة، قال: فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن". فقلت لابن أبي مليكة: أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: ليحسنه ما استطاع.

* ومن هذا الوجه وبهذا اللفظ أخرجه الطبراني (4514)، لكنه قال: حدثنا موسى بن هارون [الحمال: ثقة حافظ]: ثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي، بإسناده ولفظه؛ إلا أنه قال:"سمعت عبيد الله بن أبي نهيك"، بدل:"قال عبيد الله بن أبي يزيد"، وهو تحريف وقلب، وسلوك للجادة المسلوكة في هذا الحديث بعينه؛ فإنه مشهور من حديث ابن أبي نهيك، لا من حديث ابن أبي يزيد، ولا أستبعد أن يكون الوهم وقع من الطبراني نفسه، والله أعلم؛ فقد رواه عن عبد الأعلى هكذا من حديث ابن أبي يزيد: أبو داود السجستاني، وأبو القاسم البغوي، وحرب الكرماني، وابن أبي عاصم، وهم ثقات حفاظ أئمة.

ولفظ داود [عند أبي عوانة]: قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد المخزومي، قال: سمعت ابن أبي مليكة، يقول: قال عبيد الله: بينا أنا وعبد الله بن السائب، إذ مر بنا أبو لبابة

وذكر الحديث. وقال لنا أبو لبابة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

قال الطحاوي: "هكذا قال [يعني: ابن أبي يزيد]، وإنما هو: ابن أبي نهيك".

* ورواه سليمان بن أبي هلال الذهبي: حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي أخو وهيب، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن السائب، عن أبي لبابة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن". يا أبا محمد، أرأيت من كان منا ليس بحسن الصوت؟ قال: يحسنه ما استطاع.

أخرجه الحكيم الترمذي في المنهيات (109).

ص: 150

قلت: شيخ الحكيم الترمذي؛ سليمان بن أبي هلال الذهبي، هو: سليمان بن منصور البلخي الذهبي، شيخ النسائي، وهو: ثقة، مستقيم الحديث [التهذيب (2/ 109)]، ولعل الوهم في إسناده من قِبل الحكيم الترمذي نفسه، إن لم يكن من قبل عبد الجبار، والله أعلم.

* قال أبو القاسم البغوي: "هكذا قال عبد الأعلى في حديثه: عن عبد الجبار بن الورد، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبي لبابة".

* ورواه يسرة بن صفوان بن جميل اللخمي الدمشقي [ثقة]: نا عبد الجبار بن الورد، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبي نهيك، قال: دخلنا على أبي لبابة

، فذكر الحديث.

أخرجه البغوي في معجم الصحابة (2/ 376/ 995)، والطحاوي في شرح المشكل (3/ 351/ 1309).

قال البغوي: "وأسنده هكذا، وهو الصواب، وقد قيل: عبيد الله بن أبي نهيك".

وقال الطحاوي: "هكذا قال لنا فهد: عن عبد الله، وإنما هو: عبيد الله".

قلت: هذا الاختلاف على عبد الجبار بن الورد لمن دلائل عدم ضبطه لإسناد هذا الحديث، وعبد الجبار بن الورد المكي: وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو داود ويعقوب بن سفيان والعجلي، وعبارة أحمد:"ثقة، لا بأس به"، وعبارة ابن معين [في رواية ابن الجنيد]:"ثقة، ليس به بأس"، وقال ابن المديني:"لم يكن به بأس"، وقال البخاري:"يخالف في بعض حديثه"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يخطئ ويهم"، وقال في المشاهير:"كان يهم في الشيء بعد الشيء"، وقال ابن عدي:"هو عندي لا بأس به، يكتب حديثه"، وأشار إلى قلة حديثه، وقال الدارقطني:"لين"، وأورده العقيلي في الضعفاء [التهذيب (2/ 470)، سؤالات ابن الجنيد (630)، الجامع في العلل ومعرفة الرجال (851)، التاريخ الكبير (6/ 107)، ضعفاء العقيلي (3/ 85)، الجرح والتعديل (6/ 31)، الثقات (7/ 136)، المشاهير (1147)، الكامل (7/ 6 1 - ط العلمية)].

قلت: فمثله لا تعارض بروايته رواية كبار الحفاظ، أمثال: عمرو بن دينار، وابن جريج، والليث بن سعد [في المحفوظ عنه]، ومن تابعهم، مثل: سعيد بن حسان المخزومي المكي:

حيث اتفقوا على روايته عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

فالحديث من مسند سعد، ومن جعله من مسند أبي لبابة؛ فقد وهم، والحديث مشهور من حديث ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي نهيك [وهو: ثقة، ولم يكن بالمشهور]، وليس من حديث ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي يزيد [وهو: تابعي، ثقة، مشهور، مكثر عن ابن عباس، وحديثه عنه في الصحيحين، وروى له الجماعة]، والله أعلم.

ص: 151

* قال أبو بكر الخلال في العلل (46 - المنتخب) بعد أن ذكر حديث عبد الجبار بن الورد هذا: "أخبرنا المروذي؛ أنه سأل أبا عبد الله عن هذا الحديث؟ فقال: حديث سفيان عن عمرو هذا الذي ذكرناه، هو الصحيح. ورواه ابن جريج عن عمرو، كذا".

ولم يقنع ابن معين برواية عبد الجبار هذه؛ قال ابن أبي حاتم في المراسيل (433): "قرئ على العباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين، يقول في حديث عبد الجبار بن الورد عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: دخلت على أبي لبابة بن عبد المنذر، فقلت ليحيى: سمع من أبي لبابة؟ فقال: لا أدري"[تاريخ ابن معين للدوري (3/ 126/ 523)].

وقال البزار في مسنده (6/ 148/ 2192): "وهذا الحديث اختلف فيه عن ابن أبي مليكة: فقال عمرو بن دينار، والليث: عن ابن أبي مليكة، عن ابن أبي نهيك، عن سعد، وقال عبد الجبار بن الورد: عن ابن أبي مليكة، عن ابن أبي يزيد، عن أبي لبابة، وقال عسل بن سفيان: عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، وقال عبيد الله بن الأخنس: عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس".

قلت: وكل هذه أوهام يأتي التنبيه عليها، والمحفوظ الأول: عن ابن أبي مليكة، عن ابن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، وهو حديث صحيح؛ كما تقدم بيانه.

وقال الدارقطني في العلل (4/ 390/ 649): "ورواه عبد الجبار بن الورد، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: كنت أنا وعبد الله بن السائب واقفين، فمر بنا أبو لبابة، فأسنده عن أبي لبابة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولم يذكر سعدًا ووهم فيه".

وقال ابن حجر في الإتحاف (5/ 98/ 5002): "ورواه عبيد الله بن الأخنس، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، وروايته شاذة. ورواه عسل بن سفيان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس أيضًا، وقيل: عنه عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، وروايته شاذة أيضًا".

* قلت: وممن رواه عن ابن أي مليكة أيضًا فوهم فيه:

1 -

روى الوليد بن مسلم [وعنه: جماعة من ثقات أصحابه]، قال: حدثنا أبو رافع [إسماعيل بن رافع الأنصاري]، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الرحمن بن السائب، عن سعد بن أبي وقاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا القرآن نزل بحزن [وكآبة]، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكلوا، وتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا"[أخرجه ابن ماجه (1337 و 4196)، وابن أبي الدنيا في الهم والحزن (87)، وأبو يعلى (2/ 50/ 689)، وأبو العباس الأصم في الثاني من حديثه (146)، والآجري في أخلاق أهل القرآن (85)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (9/ 158)، وأبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (90)، والبيهقي في السنن (10/ 231)، وفي الشعب (4/ 213/ 1891) و (4/ 285/ 1960)][التحفة (3/ 266/ 3900)، المسند المصنف (9/ 124/ 4342)] [وهو حديث منكر، مداره على أبي رافع إسماعيل بن رافع بن عويمر المدني، وهو: متروك، منكر الحديث. التهذيب (1/ 149)، الميزان (1/ 227). سأل المروذيُّ أحمدَ عن حديث أبي

ص: 152

رافع هذا؛ فنفض أحمد يده، وقال:"ليس من هذا شيء" وضعَّفه، وفي رواية:"ليس حديث هذا بشيء". سؤالات المروذي (257)، المنتخب من علل الخلال (46)].

[وروي عن إسماعيل بن رافع من وجه آخر، وأبهم فيه الواسطة بينه وبين سعد: أخرجه الهيثم بن كليب الشاشي (1/ 223/ 184)].

2 -

وروى وكيع بن الجراح، وأبو نعيم، وعبد الله بن رجاء، والوليد بن مسلم [وعنه: إسماعيل بن حفص بن عمر بن دينار الأبلي، وهو: صدوق]:

حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن السائب، عن سعد بن أبي وقاص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اتلوا القرآن وابكوا؛ فإن لم تبكوا فتباكوا، ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، وروي بلفظ أتم [أخرجه الدورقي في مسند سعد (128 و 129)، والبزار (4/ 69/ 1235)، وأبو يعلى (2/ 473/ 3881)، وأبو عوانة (11/ 98/ 4321)، والقضاعي في مسند الشهاب (1195 و 1198)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1478/ 888)][الإتحاف (5/ 95/ 5002)][وهو حديث منكر بهذا الإسناد والمتن: تفرد به: عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو: ذاهب الحديث، منكر الحديث، لا يتابع في حديثه. التهذيب (2/ 491)، الميزان (2/ 550)].

3 -

عِسل بن سفيان، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يتغن بالقرآن فليس منا"[أخرجه البزار (18/ 210/ 204 و 205)، وأبو يعلى (8/ 195/ 4755)، وابن عدي في الكامل (5/ 374)، والدارقطني في الأفراد (2/ 432/ 6064 - أطرافه)، والحاكم (1/ 570) (2/ 628/ 2124 - ط الميمان) و (2/ 629/ 2125 - ط الميمان)][الإتحاف (7/ 340/ 7953) و (17/ 47/ 21842)، المسند المصنف (39/ 157/ 18723)][قلت: وهم فيه عسل بن سفيان، وهو: ضعيف، وقد اضطرب فيه، فجعله مرة من مسند عائشة، ومرة من مسند ابن عباس. قال المروذي عن أحمد: "ونظر في حديث عسل بن سفيان، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، فقال: ليس من هذا شيء، من قال: عن عائشة؛ فقد أخطأ، وضعَّف عسل بن سفيان". سؤالات المروذي (256)، المنتخب من علل الخلال (46)، وقال البخاري: "وحديث ابن أبي مليكة عن عائشة فيه: خطأ. والصحيح: ما رواه عمرو بن دينار، وابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن"". علل الترمذي الكبير (649 - 651). وقال الحاكم: "ليس مستبدع من عسل بن سفيان الوهم، والحديث راجع إلى حديث سعد بن أبي وقاص، والله أعلم". المستدرك (2121 - ط دار المنهاج القويم). وقال المزي في التحفة (3905) عن حديث ابن الأخنس وحديث عسل: "وهما جميعًا وهمٌ، والصحيح: حديث سعد"، [تنبيه: قرن بعض الضعفاء أيوب السختياني مع عسل بن سفيان، ولا يُعرف من حديث أيوب].

ص: 153

4 -

محمد بن ماهان أبو حنيفة الواسطي، قال: نا نافع بن عمر الجمحي [مكي، ثقة ثبت]، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن الزبير؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس منا من لم يتغن بالقرآن"[أخرجه البزار (6/ 148/ 2192)، والدولابي في الكنى (1/ 193/ 367) و (2/ 496/ 898)][وهذا منكر من حديث نافع بن عمر الجمحي، حيث تفرد به عنه دون بقية أصحابه الثقات على كثرتهم وإمامتهم: محمد بن ماهان أبو حنيفة القصبي الواسطي، قال العجلي: "واسطي صدوق"، وله أوهام منها ما نص عليه الدارقطني في العلل 91/ 54/ 1638) [انظر: معرفة الثقات (1642)، تاريخ واسط (157)، اللسان (7/ 467)، فضل الرحيم الودود (4/ 295/ 379)][قال الدارقطني في العلل (9/ 405) وهو جزء ساقط من موضع سابق في العلل (4/ 649/391)، قال: "وخالفه العلاء بن عبد الجبار، رواه عن نافع بن عمر؛ فوقفه على ابن الزبير"].

5 -

عبيد الله بن الأخنس، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"[أخرجه الترمذي في العلل (649)، والبزار (3/ 97/ 2332 - كشف)، وأبو عوانة (11/ 97/ 4319)، والطبراني في الكبير (11/ 121/ 11239)، والحاكم (1/ 570) (2/ 628/ 2123 - ط الميمان)، والقضاعي في مسند الشهاب (1200)، والضياء المقدسي في المختارة (11/ 115 - 117/ 106 - 108)][الإتحاف (5/ 95/ 5002) و (7/ 340/ 7953)][قلت: عبيد الله بن الأخنس: وثقه أحمد، وابن معين، كما في رواية الدارمي والكوسج عنه، بينما قال في رواية الدوري وابن الجنيد: "ليس به بأس"، ووثقه أيضًا: أبو داود والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "يخطئ كثيرًا". تاريخ ابن معين للدارمي (467)، تاريخ ابن معين للدوري (4/ 218/ 4045)، سؤالات ابن الجنيد (4)، سؤالات أبي داود (479)، التاريخ الكبير (5/ 373)، سؤالات الآجري (373)، الجرح والتعديل (5/ 307)، الثقات (7/ 147)، تاريخ أسماء الثقات (953)، التهذيب (3/ 5). قلت: وهذا من جملة أوهامه، حيث خالف من هم أكثر منه عددًا، وأكثر حفظًا وضبطًا لحديث ابن أبي مليكة؛ وهم: عمرو بن دينار، وابن جريج، والليث بن سعد -في المحفوظ عنه-، وسعيد بن حسان المخزومي المكي. قال البخاري عن حديث ابن الأخنس هذا: "هذا حديث خطأ، وحديث ابن أبي مليكة عن عائشة فيه: خطأ. والصحيح: ما رواه عمرو بن دينار، وابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن"". وقال الحاكم بأن ابن الأخنس أتى فيه بإسناد شاذ، وقال المزي في التحفة (3905) عن حديث ابن الأخنس وحديث عسل: "وهما جميعًا وهمٌ، والصحيح: حديث سعد"].

* وقد روي حديث ابن عباس من وجه آخر:

رواه مرجي بن رجاء [صالح الحديث، لا بأس به، لكن روى ما لا يتابع عليه،

ص: 154

فضعِّف لأجل ذلك. تقدمت ترجمته بعد الحديث (1160) في أكل تمرات قبل الغدو لصلاة عيد الفطر]، قال: حدثنا عبيد الله بن العيزار [ثقة. التاريخ الكبير (5/ 394)، الجرح والتعديل (5/ 330)، الثقات (7/ 148)، تاريخ الإسلام (3/ 923 - ط الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 33)]، عن رجل، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منَّا من لم يتغن بالقرآن". قال ابن عباس: إني لأحدو به كحدو الراكب.

أخرجه أبو عوانة (11/ 97/ 4320). [الإتحاف (8/ 183/ 9174)].

قلت: وهذا غريب؛ مع ضعف إسناده لإبهام تابعيه، والله أعلم.

* وانظر بقية الأوهام في علل الدارقطني (4/ 391/ 649) و (9/ 405 - 407).

* وروي بعضه من حديث ابن عمر، أو ابن عمرو، بدون موضع الشاهد، وهو منكر أيضًا [أخرجه هناد في الزهد (469)، والقضاعي في مسند الشهاب (1431)][تفرد به عن ابن أبي مليكة: حجاج بن أرطأة، وليس هو بالقوي].

* وروي من حديث أنس [أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق (1/ 467)][وهو حديث موضوع، راويه عن أنس: يغنم بن سالم بن قنبر، وهو: منكر الحديث، قال ابن حبان: "يضع الحديث على أنس بن مالك، روى عنه بنسخة موضوعة". المجروحين (3/ 145)، اللسان (8/ 288 و 543)].

* * *

1472 قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، قال: قال وكيع وابن عيينة: يعني: يستغني.

* أثر صحيح، مقطوع على وكيع وابن عيينة قولهما

* رواه عن ابن عيينة عقب حديثه عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد مرفوعًا:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن". قال ابن عيينة: يعني يستغني به.

رواه عن ابن عيينة به هكذا بالزيادة التفسيرية: الحميدي، وأبو خيثمة زهير بن حرب. وقد سبق تخريجه برقم (1470)، وهو حديث صحيح.

* وروى وكيع بن الجراح، قال: حدثنا سعيد بن حسان المخزومي، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن". قال وكيع: يعني: يستغني به.

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1470)، وهو حديث صحيح.

وممن علق قول وكيع وابن عيينة: أبو بكر الخلال في الأمر بالمعروف (213)، والآجري في أخلاق أهل القرآن (165).

* وقال أبو عبيد في فضائل القرآن (210): "التغني: هو الاستغناء، والتعفف عن

ص: 155

مسألة الناس، واستئكالهم بالقرآن [وفي رواية: واشتغالهم بالقرآن]، وأن يكون في نفسه بحمله القرآن غنيًا، وإن كان من المال معدمًا" [مستخرج أبي عوانة (11/ 91/ 4310)].

وقال في غريب الحديث (1/ 384): "كان سفيان بن عيينة يقول: معناه: من لم يستغن به، ولا يذهب به إلى الصوت، وليس للحديث عندي وجه غير هذا؛ لأنه في حديث آخر كأنه مفسر.

حدثني شبابة، عن حسام بن مصك، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن نهيك أو ابن أبي نهيك، قال حسام: فلقيت عبد الله بن نهيك أو ابن أبي نهيك، فحدثني أنه دخل على سعد، وعنده متاع رثٌّ، ومال رثٌّ، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

قال أبو عبيد: "فذكره رثاثة المتاع والمال عند هذا الحديث، ينبئك أنه إنما أراد الاستغناء بالمال القليل، وليس الصوت من هذا في شيء،

"، ثم ذكر شواهد أخرى، ثم قال: "ومعنى الحديث: أنه لا ينبغي لحامل القرآن أن يرى أن أحدًا من أهل الأرض أغنى منه، ولو ملك الدنيا برحبها. ولو كان وجهه كما يتأوَّله بعض الناس؛ أنه الترجيع بالقراءة وحسن الصوت لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك، أن يكون من لم يرجِّع صوته بالقرآن، فليس من النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن". وهذا لا وجه له"، ثم ذكر من كلام العرب ما يشهد لذلك.

قلت: حسام بن مصك: متروك، ولا يعتبر به.

* وقال ابن جرير الطبري في تفسيره (17/ 141): "وذكر عن ابن عيينة أنه كان يتأول هذه الآية؛ قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن"؛ أي: من لم يستغن به، ويقول: ألا تراه يقول {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [الحجر: 87، 88] فأمره بالاستغناء بالقرآن عن المال، قال: ومنه قول الآخر: من أوتي القرآن فرأى أن أحدًا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظَّم صغيرًا وصغَّر عظيمًا".

* وقال الطحاوي في شرح المشكل (3/ 350): "فتأملنا معنى هذا الحديث، فوجدنا الناس فيه على قولين: فقوم منهم يقولون: أريد به الاستغناء بالقرآن عن الأشياء كلها؛ لأنه قد يكون بذلك الجزاء الجزيل في الآخرة، والوصول به من الله عز وجل إلى عاجل خيره في الدنيا، وقوم يقولون: هو على تحسين الصوت؛ ليرقَّ له قلب من يقرؤه"، ثم استشهد ببعض المرويات في الباب، ثم قال:"فكان قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن"، ذمًا لمن لم يفعل ذلك،

، ووجدنا من قرأ القرآن بغير تحسين منه له صوته مريدًا بقراءته إياه الأحوال المحمودة، مثابًا على ذلك غير مذموم عليه، فعقلنا بذلك أن يكون مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:"من لم يتغن بالقرآن" هذا المعنى، ولما انتفى ذلك المعنى عنه، ولم يُقَل في تأويله غير هذين القولين، وانتفى أحدهما: ثبت الآخر منهما، وهو الاستغناء به عن سائر الأشياء سواه، والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك القول، وإياه نسأله التوفيق".

ص: 156

* وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 291): "هذا يتأوَّل على وجوه؛ أحدها: تحسين الصوت، والوجه الثاني: الاستغناء بالقرآن عن غيره، وإليه ذهب سفيان بن عيينة، ويقال: تغنى الرجل بمعنى: استغنى، قال الأعشى:

وكنت امرأ زمنا بالعراق

عفيف المنازل طويل التغني

أي: الاستغناء.

وفيه وجه ثالث: قاله ابن الأعرابي صاحبنا، أخبرني إبراهيم بن فراس، قال: سألت ابن الأعرابي عن هذا، فقال: إن العرب كانت تتغنى بالركباني، إذا ركبت الإبل، وإذا جلست في الأفنية، وعلى أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون القرآن هجيراهم؛ مكان التغني بالركباني".

وقال في أعلام الحديث (3/ 1944) شارحًا حديث أبي هريرة الآتي (1473): "وقوله: "يتغنى بالقرآن"، معناه: يحسِّن الصوتَ به، وذلك لأنه غنى إذا حسَّن الصوتَ به؛ كان أوقع في النفوس وأنجع في القلوب.

وقال سفيان: يتغنى، معناه: يستغني به.

وفيه وجه ثالث: ذهب إليه أبو سعيد ابن الأعرابي في قوله: "ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن"، قال: كانت العرب تولع بالغناء والنشيد في أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون هجيراهم مكان الغناء، فقال:"ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن"".

وقد رد ابن جرير الطبري على من تأوله بالاستغناء، بكلام طويل جدًا، ورجح تأويله بتحسين الصوت [انظر: زاد المعاد (1/ 467 - 470)].

* وانظر أيضًا: الزاهر في المعاني (2/ 5)، تهذيب اللغة (8/ 174)، معاني الأخبار (212)، أعلام الحديث (2/ 1184)، غريب الحديث (1/ 656)، الغريبين في القرآن والحديث (3/ 846) و (4/ 1392)، وغيرها كثير جدًا.

* وقد روي حديث مرفوع يؤيد هذا المعنى، لكنه لا يثبت:

* رواه جنادة بن مروان: نا الحارث بن النعمان، قال: سمعت الحسن، قال: سمعت أبا ذر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا لأصحابه: "أي الناس أغنى؟ "، قالوا: أبو سفيان، وقال آخر: عبد الرحمن بن عوف، وقال آخر: عثمان بن عفان رضي الله عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا، ولكن أغنى الناس حملة القرآن؛ من جعله الله في جوفه".

أخرجه أبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (89)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (37/ 355).

وهذا حديث منكر؛ الحارث بن النعمان الليثي: منكر الحديث [التهذيب (1/ 338)]، وجنادة بن مروان الحمصي: قال أبو حاتم: "ليس بقوي، أخشى أن يكون كذب في حديث عبد الله بن بسر

"، وأول ابن حجر الكذب هنا بالخطأ، بينما رآه الذهبي اتهامًا [الجرح والتعديل (2/ 516)، تاريخ الإسلام (5/ 289)، اللسان (2/ 495)].

ص: 157

* وروى محمد بن عباد المكي [هو: ابن الزبرقان: لا بأس به]: حدثنا حاتم بن إسماعيل [مدني، صدوق]، عن شريك، عن الأعمش، عن يزيد بن أبان، عن الحسن، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"القرآن غنى لا فقر بعده، ولا غنى دونه".

أخرجه ابن نصر في قيام الليل (175 - مختصره)، وأبو يعلى (5/ 160/ 2773)، والطبراني في الكبير (1/ 255/ 738)، وأبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (87)، والبيهقي في الشعب (5/ 69/ 2376)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (58/ 73 - 74). [المسند المصنف (3/ 85/ 1286)].

* لم ينفرد به حاتم بن إسماعيل، تابعه عن شريك به: إسحاق بن يوسف الأزرق [ثقة، من قدماء أصحاب شريك].

أخرجه أبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (88).

قلت: شريك بن عبد الله النخعي: صدوق، سيئ الحفظ؛ يخطئ كثيرًا، وقد أخطأ في هذا الحديث على الأعمش.

قال الدارقطني في العلل (12/ 2438/76): "وخالفه أبو معاوية الضرير، فرواه عن الأعمش، عن يزيد الرقاشي، عن الحسن مرسلًا".

أخرجه من طريق أبي معاوية به مرسلًا: سعيد بن منصور في سننه (5).

ثم قال الدارقطني بعد ذكر وجه آخر من الاختلاف على الأعمش: "وقول أبي معاوية: أشبهها بالصواب".

فهو مرسل بإسناد ضعيف؛ يزيد بن أبان الرقاشي: ضعيف.

[وانظر في الأوهام والغرائب والمراسيل: مصنف ابن أبي شيبة (6/ 120/ 29954)، أطراف الغرائب والأفراد (789)، مسند الشهاب (276)، تاريخ بغداد (14/ 542 - ط الغرب)، ابن مخلد البزاز في حديثه عن ابن السماك والخلدي (22)].

* وقال الوليد بن مسلم: "يعني به: الجهر"[المنتخب من علل الخلال (46)].

* وقال الليث بن سعد: "يتغنى: يتحزن به، ويرقق به قلبه"[تقدم تخريجه عند الحديث رقم (1469)].

وتابعه على ذلك ابن حبان، حيث قال في صحيحه (3/ 29):"قوله صلى الله عليه وسلم: "يتغنى بالقرآن" يريد: يتحزن به، وليس هذا من الغنية، ولو كان ذلك من الغنية لقال: يتغانى به، ولم يقل: يتغنى به، وليس التحزن بالقرآن نقاء الجرم، وطيب الصوت، وطاعة اللهوات بأنواع النغم بوفاق الوقاع، ولكن التحزن بالقرآن هو أن يقارنه شيئان: الأسف والتلهف، الأسف على ما وقع من التقصير، والتلهف على ما يؤمل من التوقير، فإذا تألم القلب وتوجع، وتحزن الصوت ورجع، بدر الجفن بالدموع، والقلب بالدموع، فحينئذ يستلذ المتهجد بالمناجاة، ويفر من الخلق إلى وكر الخلوات، رجاء غفران السالف من الذنوب، والتجاوز عن الجنايات والعيوب، فنسأل الله التوفيق له".

ص: 158

وأيد ابن حبان قوله هذا بحديث أزيز المرجل [وهو حديث صحيح، تقدم برقم (904)]، ثم قال:"في هذا الخبر بيان واضح أن التحزن الذي أذن الله جل وعلا فيه بالقرآن واستمع إليه هو التحزن بالصوت مع بدايته ونهايته؛ لأن بداءته هو العزم الصحيح على الانقلاع عن المزجورات، ونهايته وفور التشمير في أنواع العبادات، فإذا اشتمل التحزن على البداية التي وصفتها، والنهاية التي ذكرتها، صار المتحزن بالقرآن كأنه قذف بنفسه في مقلاع القربة إلى مولاه، ولم يتعلق بشيء دونه".

كما أخذ ذلك أيضًا عن الشافعي.

* فقد روى الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي رحمه الله، يقول في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، قال الشافعي:"نقرؤه حدرًا وتحزينًا". وفي المعرفة: فقال له رجل: يستغني به، فقال:"لا، ليس هذا معناه، ومعناه يقرأ حدرًا وتحزينًا".

أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي (118)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 104 و 141)، والقضاعي في مسند الشهاب (1201)، والبيهقي في المعرفة (14/ 333/ 20187 - ط قلعجي)، وفي السنن (10/ 230)، وفي مناقب الشافعي (1/ 321)، وهو في الأم (6/ 227)، وفي مختصر المزني (8/ 420)، وغيرها.

* وقال الشافعي في موضع آخر: "لو أراد النبي صلى الله عليه وسلم الاستغناء به لقال: ليس منا من لم يستغن بالقرآن، فلما قال: ليس منا من لم يتغن بالقرآن؛ علمنا أنه التَّغَنِّي به"[مناقب الشافعي (1/ 322)].

قال البيهقي: "الرواية الأولى عن أبي سلمة، تؤكد ما قال الشافعي، وكذلك ما روي عن البراء بن عازب مرفوعًا: "زينوا القرآن بأصواتكم"".

قلت: واحتج البيهقي أيضًا للشافعي برواية عبد الجبار بن الورد من حديث أبي لبابة، وهي شاذة لا تثبت، ولو ثبتت لكانت حجة؛ وفيها: فقلت لابن أبي مليكة: أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: ليحسنه ما استطاع.

وقال في الشعب (5/ 68/ 2375): "وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد به تحسين الصوت بالقرآن، وذلك بأن يقرأه حدرًا وتحزنًا، واستدلوا على ذلك برواية عبد الجبار بن الورد، عن ابن أبي مليكة،

" فذكره ثم قال: "قالوا: وقوله: "ليس منا" يريد ليس على سنتنا، فإن السُّنَّة في قراءة القرآن الحدر والتحزن، فإذا ترك ذلك كان تاركًا لسنةٍ، والله أعلم، وذكر جماعة من الأئمة أن المراد بهذا الخبر الاستغناء بالقرآن والتكثر والاكتفاء به، قال الله عز وجل:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51] ".

وفي تفسير: "ليس منا"؛ قال ابن حبان (1/ 326/ 120): "معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا"، في هذه الأخبار يريد به: ليس مثلنا في استعمال هذا الفعل؛ لأنا لا نفعله، فمن فعل ذلك فليس مثلنا".

وممن قال بالتحزن أيضًا: أبو بكر الآجري، حيث قال في أخلاق أهل القرآن

ص: 159

167 -

: "فأحب لمن يقرأ القرآن أن يتحزن عند قراءته، ويتباكى ويخشع قلبه، ويتفكر في الوعد والوعيد ليستجلب بذلك الحزن".

° وقال صالح بن أحمد في مسائله (288): "قلت: قوله: "ما أذن الله لشيء كاذنه لنبي يتغني بالقرآن، يجهر به"، ما معناه؟ قال أبي: إذا رفع صوته فقد تغني به".

وقال ابن هانئ في مسائله (2021): "وقال أبو عبد الله يومًا، وكنت سألته عنه: تدري ما معنى: "من لم يتغن بالقرآن"، قلت: لا، قال: هو الرجل يرفع صوته، هذا معناه، إذا رفع صوته فقد استغنى به".

• وقال النووي: "أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن؛ ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن خرج حتى زاد حرفًا أو أخفاه حرُم"[التبيان في آداب حملة القرآن (109 - 110)، شرح مسلم للنووي (6/ 80)، الفتح لابن حجر (9/ 72)، ونقلت عنه، وقد تصرف في اختصار كلام النووي].

° وقال ابن القيم في روضة المحبين (268): "ووهم من فسره بالغنى الذي هو ضد الفقر، من وجوه: أحدها: أن ذلك المعنى إنما يقال فيه استغنى، لا تغنى، والثاني: أن تفسيره قد جاء في نفس الحديث: يجهر به، هذا لفظه، قال أحمد [بل هو الشافعي]: نحن أعلم بهذا من سفيان، وإنما هو تحسين الصوت به، يحسنه ما استطاع، الثالث: أن هذا المعنى لا يتبادر إلى الفهم من إطلاق هذا اللفظ، ولو احتمله؛ فكيف وبُنية اللفظ لا تحتمله كما تقدم"[وانظر: الكلام على مسألة السماع (193)].

وقال ابن القيم في الزاد (1/ 474) بعد ذكر أدلة الفريقين: "وفصل النزاع، أن يقال: التطريب والتغني على وجهين، أحدهما: ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم، بل إذا خلي وطبعه، واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز، وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين كما قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم "لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرًا"،

ولكن النفوس تقبله وتستحليه لموافقته الطبع، وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوع لا متطبع، وكلف لا متكلف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه، وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به التالي والسامع، وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.

الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعة من الصنائع، وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن، كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركبة، على إيقاعات مخصوصة، وأوزان مخترعة، لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف، فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وذموها، ومنعوا القراءة بها، وأنكروا على من قرأ بها، وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباه، ويتبين الصواب من غيره، وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعًا أنهم برآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة، التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة،

" إلى آخر كلامه.

ص: 160

وقال ابن حجر في الفتح (9/ 71): "وفي الجملة: ما فسر به ابن عيينة ليس بمدفوع، وإن كانت ظواهر الأخبار ترجح أن المراد: تحسين الصوت".

1473 -

ابن وهب: حدثني عُمَرُ بن مالك وحيوةُ، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما أَذِن الله لشيءٍ ما أَذِن لنبيٍّ حسنِ الصوتِ يتغنى بالقرآن؛ يجهر به".

* حديث متفق على صحته

أخرجه مسلم (792/ 233)، وأبو عوانة (11/ 90/ 4309)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 383/ 1799)، والبيهقي (3/ 12). [التحفة (10/ 367/ 14997)، الإتحاف (16/ 111/ 20469)، المسند المصنف (33/ 481/ 15670)].

رواه عن عبد الله بن وهب [ثقة حافظ]: سليمان بن داود المهري [مصري، ثقة]، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب [أكثر عن عمه، وهو صدوق تغير بآخره، كان مستقيم الأمر، ثم خلَّط بعدُ فحدَّث بما لا أصل له، حتى رمي بالكذب، لكن حديثه هنا محفوظ حيث توبع عليه. وانظر: ما تقدم برقم (148 و 714 و 829 و 1024 و 1156)].

• ورواه عبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي: عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن، يجهر به".

أخرجه البخاري في الصحيح (7544)، وفي خلق أفعال العباد (67)، ومسلم (792/ 233)، وأبو عوانة (11/ 89/ 4308) ، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 799/ 1383)، والنسائي في المجتبى (2/ 180/ 1017)، وفي الكبرى (2/ 27/ 1591) و (7/ 271 /7998)، والبزار (15/ 186/ 8565)، وأبو محمد الفاكهي في فوائده عن ابن أبي مسرة (262)، وأبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار (210)، وابن بشران في الأمالي (1196)، والبيهقي في السنن (2/ 53) و (10/ 229)، وفي الأسماء والصفات (577)، والبغوي في التفسير (8/ 601)، والجوزقاني في الأباطيل (2/ 381/ 727)، وقال:"هذا حديث صحيح". والضياء المقدسي في فضائل القرآن (30). [التحفة (10/ 367 / 14997)، الإتحاف (16/ 111/ 20469)، المسند المصنف (33/ 481/ 15670)].

قال ابن بشران: "هذا حديث صحيح من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، وهو محفوظ من حديث محمد بن إبراهيم".

ص: 161

• وروي من حديث: يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

فذكره.

أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (7/ 11 - ط الغرب).

قلت: وهذا باطل من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، إنما هو من حديث ابن الهاد، تفرد به: إبراهيم بن صرمة الأنصاري، صهر يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو: ضعيف، انقلبت عليه أحاديث ابن الهاد فجعلها عن يحيى بن سعيد، وقد خفي حاله على بعض النقاد، فحسن به الظن، سئل عنه ابن معين، فقال:"كذاب خبيث، يكذب على الله وعلى رسوله"، وقال يحيى بن محمد بن صاعد:"انقلبت على إبراهيم بن صرمة نسخة ابن الهاد، فجعلها عن يحيى بن سعيد في الأحاديث كلها"، وقال العقيلي:"وهذا الشيخ يحدث عن يحيى بأحاديث ليست بمحفوظة من حديث يحيى، فيها شيء يحفظ من حديث ابن الهاد، وفيها مناكير، وليس ممن يضبط الحديث"، وقال ابن عدي:"حدث عن يحيى بن سعيد الأنصاري بنسخ لا يحدث بها غيره، ولا يتابعه أحد على حديث منها"، ثم قال:"وعامة أحاديثه إما أن تكون مناكير المتن، أو تنقلب عليه الأسانيد، وبين على أحاديثه ضعفه"، وقال الخطيب:"وفي حديثه غرائب لا يتابع عليها"[ضعفاء العقيلي (1/ 55)، الجرح والتعديل (2/ 106)، ضعفاء الدارقطني (27)، الكامل (1/ 252)، تاريخ بغداد (7/ 0 1 - ط الغرب)، اللسان (1/ 299)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 196)].

* ولحديث أبي هريرة طرق أخرى:

1 -

روى عقيل بن خالد، ومعمر بن راشد، وسفيان بن عيينة، ويونس بن يزيد الأيلي، وعمرو بن الحارث، وشعيب بن أبي حمزة، وإسحاق بن راشد، ومحمد بن الوليد الزبيدي [ولا يثبت عنه. راجع الكلام عن إسناده في فضل الرحيم الودود (3/ 101/ 226) و (7/ 287/ 653) و (10/ 178/ 936)]، وعبيد الله بن أبي زياد الرصافي [وهم ثقات، وفيهم جماعة من ثقات أصحاب الزهري]:

عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يأذن الله لشيء ما أذن للنبي [كذا عند البخاري، وفي بقية المصادر: لنبي] أن يتغنى بالقرآن"، وقال صاحب له: يريد: يجهر به. لفظ عقيل [عند البخاري].

ولفظ سفيان [عند البخاري]: "ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي [كذا عند البخاري، وفي بقية المصادر: لنبي] أن يتغنى بالقرآن"، قال سفيان: تفسيره: يستغني به.

ولفظ معمر [عند أحمد والنسائي]: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن".

ولفظ شعيب [عند أبي عوانة]، عن الزهري، قال: حدثني أبو سلمة؛ أنه سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن".

أخرجه البخاري في الصحيح (5023 و 5024 و 7482)، وفي خلق أفعال العباد

ص: 162

67 -

، ومسلم (792/ 232)، وأبو عوانة (11/ 87 - 88/ 4305 - 4307)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 797/ 1382) و (2/ 383/ 1798)، والنسائي في المجتبى (2/ 180/ 1018)، وفي الكبرى (2/ 27 / 1092) و (7/ 270/ 7994) و (7/ 7999/271)، والدارمي (1635 و 3820 و 3821 - ط البشائر)، وابن حبان (3/ 27/ 751)، وأحمد (2/ 271)، وعبد الرزاق (2/ 481/ 4166)(3/ 194/ 4296 - ط التأصيل)، والحميدي (979)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (161)، وأبو زرعة الدمشقي في فوائده المعللة (38)، والبزار (14/ 266/ 7854)، وابن نصر في قيام الليل (139 - مختصره)، وأبو يعلى (10/ 369/ 5959)، والطحاوي في شرح المشكل (3/ 346/ 1302)، والطبراني في الأوسط (3/ 124/ 2679) و (6/ 373/ 6653)، وفي مسند الشاميين (3/ 26/ 1732)، والدارقطني في العلل (9/ 243/ 1734)، وتمام في الفوائد (1041)، والبيهقي في السنن (2/ 53) و (10/ 229)، وفي الشعب (4/ 280/ 1956). [التحفة (10/ 410/ 15144) و (10/ 429/ 15224) و (10/ 430/ 15229) و (10/ 449/ 15294) و (10/ 461/ 15342)، الإتحاف (16/ 11/ 20469)، المسند المصنف (33/ 481/ 15670)، [وانظر: علل الدارقطني (9/ 238/ 1734)].

* تنبيهات:

الأول: وقع عند الدارمي (3821) وأبي عبيد: من طريق عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة، أن أبا هريرة، قال:

فذكره موقوفًا. قصر به أبو صالح كاتب الليث.

وقد رواه عبد الله بن وهب [ثقة حافظ]، عن يونس به مرفوعًا [عند مسلم وأبي عوانة والطحاوي والدارقطني والبيهقي]، وهو الصواب.

الثاني: روي هذا الحديث عن الزبيدي عن الزهري بإسناد آل البيت؛ عن علي بن حسين، عن أبيه، عن جده مرفوعًا بمعناه.

أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 437 - ط العلمية).

وهو حديث موضوع بهذا الإسناد؛ آفته: إبراهيم بن أبي حميد؛ وهو: إبراهيم بن أحمد بن عبد الكريم الحراني الضرير، قال أبو عروبة الحراني:" كان يضع الحديث"، وقال ابن عدي:"وعامة ما يروي إبراهيم بن أبي حميد هذا من النسخ وغيره: لا يتابعه عليه أحد"[الكامل (1/ 271) (2/ 38 - ط الرشد)، غنية الملتمس (28)، اللسان (1/ 232 و 269)]، وشيخه: عبد العظيم بن حبيب بن رَغْبان: ليس بثقة، روى عن الزبيدي ومالك وابن أبي ذئب ما ليس من حديثهم [انظر: اللسان (5/ 223)].

قال الدارقطني في العلل (9/ 241): "ولا يصح".

الثالث: بعضهم أدرج زيادة: "يجهر به" في حديث ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، ولا تثبت من حديثه، وإنما تثبت من حديث: محمد بن إبراهيم بن

ص: 163

الحارث، ويحيى بن أبي كثير، ومحمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا، والله أعلم [وراجع: الفتح لابن حجر (9/ 69) و (13/ 502)].

° وقد روى ابن جريج أيضًا هذا الحديث عن ابن شهاب الزهري كالجماعة سندًا ومتنًا، وقد فصلته لما سيأتي بيانه:

رواه عبد الرزاق بن همام، ومحمد بن بكر البرساني:

عن ابن جريج، قال: حدثني ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يأذن الله لشيء ما أذن لنبي [قال عبد الرزاق: ما أذن لمن] يتغنى بالقرآن"، قال صاحب له: زاد فيه: "يجهر به".

أخرجه أحمد (2/ 285)، وعبد الرزاق (2/ 482/ 4167)(3/ 194/ 4297 - ط التأصيل)، والدارقطني في العلل (9/ 243/ 1734). [الإتحاف (16/ 111/ 20469)، المسند المصنف (33/ 481/ 15670)].

2 -

هقل بن زياد، والوليد بن مسلم، ومحمد بن يوسف الفريابي، ومحمد بن شعيب بن شابور [وهم ثقات، من أصحاب الأوزاعي، وأثبتهم فيه]، وعبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين [كاتب الأوزاعي، ليس به بأس]، ويحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي [ضعيف]:

عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء كأَذَنه لنبي يتغنى بالقرآن، يجهر به".

وفي رواية عبد الحميد: ثنا الأوزاعي: حدثني يحيى: حدثني أبو سلمة، قال: حدثني أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

أخرجه مسلم (792/ 234)، وأبو عوانة (11/ 124/ 4353) و (11/ 125/ 4354)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 383/ 1800)، وأبو أمية الطرسوسي في مسنده (54)، والبزار (15/ 206/ 8609)، وأبو شعيب الحراني في فوائده (37)، وابن دحيم في فوائده (2). [التحفة (10/ 479/ 15394)، الإتحاف (16/ 111/ 20469)، المسند المصنف (33/ 481/ 15670)].

[وانظر في الاختلاف على الأوزاعي: علل الدارقطني (9/ 238/ 1734)].

3 -

إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، ومحمد بن بشر العبدي، وحماد بن سلمة، ويزيد بن هارون، وأبو ضمرة أنس بن عياض [وهم ثقات]:

عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن؛ يجهر به".

أخرجه مسلم (792/ 234)، وأبو عوانة (2/ 471/ 3870)(11/ 90/ 4310 - ط الجامعة الإسلامية)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 384/ 1801)، والدارمي (1632 و 3827 - ط البشائر)، وابن حبان (3/ 30/ 752)، وأحمد (2/ 450)، وأبو عبيد

ص: 164

القاسم بن سلام في غريب الحديث (1/ 346)، وفي فضائل القرآن (161)، وابن أبي شيبة (2/ 257/ 8741)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (145)، وابن بطة في الإبانة (7/ 123/ 93)، والبيهقي في المعرفة (14/ 332 - 333/ 20185)، وفي الشعب (5/ 64/ 2370)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 484/ 1217)، والضياء المقدسي في فضائل القرآن (31). [التحفة (10/ 371/ 15005)، الإتحاف (16/ 111/ 20469)، المسند المصنف (33/ 481/ 15670)].

° هكذا رواه عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ابن شهاب الزهري، ويحيى بن أبي كثير، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث، ومحمد بن عمرو بن علقمة.

* خالفهم فقصر بإسناده وأرسله:

أ- روى- ابن عيينة، وابن جريج، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة [في المحفوظ عنه]:

عن عمرو بن دينار، عن أبي سلمة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء ما أذن لإنسانٍ حسن الترنيم بالقرآن".

أخرجه عبد الرزاق (2/ 481/ 4168 و 4169)(3/ 195/ 4298 و 4299 - ط التأصيل)، وابن أبي شيبة (6/ 119/ 29943)، وذكره الدارقطني في العلل (9/ 242/ 1734). [المسند المصنف (33/ 481/ 15670)].

هذا هو المحفوظ في هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن أبي سلمة مرسلًا، ووهم محمد بن أبي حفصة، فوصله:

• رواه محمد بن أبي حفصة، عن عمرو بن دينار، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به مرفوعًا.

أخرجه البزار (15/ 231/ 8659)، وابن عدي في الكامل (7/ 509 - ط العلمية).

قال البزار: "وهذا الحديث أسنده الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ولا نعلم أسنده عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة؛ إلا ابن أبي حفصة، ولا يحفظ عن ابن أبي حفصة عن عمرو غير هذا الحديث".

وقال ابن عدي: "وهذا عن عمرو بن دينار بهذا الإسناد؛ لا أعلم يرويه غير ابن أبي حفصة".

قلت: وصله منكر؛ تفرد به: محمد بن أبي حفصة، وهو: صالح الحديث، وله أوهام كثيرة، والمعروف الإرسال، هكذا رواه عن عمرو جماعة من ثقات أصحابه.

° تنبيه: روى حامد بن يحيى البلخي: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن الزهري.

ثم سمعته عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن".

ص: 165

أخرجه ابن حبان (3/ 27/ 751). [الإتحاف (16/ 111/ 20469)، المسند المصنف (33/ 481/ 15670)].

قلت: إنما هي رواية شاذة من حديث ابن عيينة، تفرد بها: حامد بن يحيى بن هانئ البلخي، وهو: ثقة، من أعلم الناس بابن عيينة، لازمه طويلًا، لكن جلَّ من لا يخطئ، خالفه من هو أثبت منه في ابن عيينة، وأكثر عددًا، لا سيما وفيهم الإمام الثبت الحجة: الحميدي، وهو أثبت الناس في ابن عيينة، وكان راويته، ولا يقل عنه: إمام علم العلل: علي بن المديني، وتابعهما جماعة من الحفاظ.

فإن حديث ابن عيينة عن الزهري قد رواه عنه جماعة من ثقات أصحابه المقدمين فيه، ولم يذكروا فيه أنه أخذه أولًا عن عمرو عن الزهري، وإنما أخذه عن الزهري مباشرة وسمعه منه، منهم: الحميدي، وابن المديني، وعمرو بن محمد الناقد، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأحمد بن عبدة، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، وعبيد الله بن سعيد، وقتيبة بن سعيد، وعبد الجبار بن العلاء، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف [وحديثهم مخرج في الطريق الأول].

وأما حديث ابن عيينة عن عمرو فهو من مرسل أبي سلمة، ولا ذكر فيه للزهري، فقد رواه ابن عيينة، وابن جريج، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة [في المحفوظ عنه]: عن عمرو بن دينار، عن أبي سلمة مرسلًا.

قال الدارقطني في العلل (9/ 242/ 1734) بعد ذكر الاختلاف على ابن عيينة: "وغيره يرويه عن ابن عيينة عن عمرو عن أبي سلمة، وهو المحفوظ عن ابن عيينة عن عمرو [يعني: عن أبي سلمة مرسلًا، وبدون ذكر الزهري]، وعن ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة [يعني: عن الزهري متصلًا] ".

وانظر فيمن وهم في إسناده أيضًا على ابن عيينة: ما أخرجه الخطيب في الموضح (2/ 280).

ب- وروى عبد الله بن سعيد بن أبي هند، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر بالقرآن".

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 257/ 8740).

قال الدارقطني في العلل (9/ 243/ 1734): "وأرسله عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صحيح من حديث: أبي سلمة عن أبي هريرة".

* وأما ما رواه أبو عاصم: أخبرنا ابن جريج: أخبرنا ابن شهاب، عن أبي سلمة [وقال أبو عاصم مرة: عن سعيد، بدل: أبي سلمة]، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن". وزاد غيره: "يجهر به".

أخرجه البخاري (7527)، وأبو عوانة (2/ 473/ 3883)(11/ 99/ 4323 - ط الجامعة الإسلامية)، والطحاوي في شرح المشكل (3/ 352/ 1310)، والدارقطني في

ص: 166

العلل (9/ 244/ 1734)، والبيهقي في السنن (10/ 229)، وفي المعرفة (14/ 333 / 20186)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 280 - ط الغرب)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 485/ 1218)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 242)، والضياء المقدسي في فضائل القرآن (28). [التحفة (10/ 426/ 15211)، الإتحاف (16/ 111/ 20469)، المسند المصنف (33/ 486/ 15671)].

رواه عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد: إسحاق [شيخ البخاري، لم ينسب، قيل: هو إسحاق بن منصور، وقيل: هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي. الهدي (227)، الفتح (13/ 502)]، ومحمد بن يحيى بن المنذر [أبو سليمان القزاز: بصري لا بأس به. الثقات (9/ 153)، سؤالات الحاكم (194)، تاريخ الإسلام (6/ 830)، السير (13/ 418)]، وإبراهيم بن مرزوق [لا بأس به، كان يخطئ فلا يرجع]، وأبو أمية الطرسوسي محمد بن إبراهيم بن مسلم [صدوق، يخطئ إذا حدَّث من حفظه].

قال أبو عوانة: "قال لنا أبو أمية: قال لنا أبو عاصم مرة: عن سعيد، ومرة: عن أبي سلمة، فجمعتهما، وحدثنا غير أبي أمية، عن أبي عاصم، فقال: عن أبي سلمة، عن أبي هريرة".

قلت: وهم أبو أمية الطرسوسي في ذكر سعيد بن المسيب في إسناد هذا الحديث، وتفرد بذلك دون من روى الحديث عن أبي عاصم.

قال أبو عوانة: "في هذين الحديثين -حديث ابن أبي مليكة، وهذا الحديث- اضطراب".

قلت: أما حديث ابن أبي مليكة: فهو صحيح محفوظ [راجع الحديث رقم (1470)]، وأما حديث أبي عاصم النبيل: فقد وهم فيه.

• وهِم أبو عاصم في متن هذا الحديث، دخل له حديث في حديث.

فقد رواه عبد الرزاق بن همام [ثقة مصنف، راوية ابن جريج]، ومحمد بن بكر البرساني [ثقة، من أصحاب ابن جريج]:

عن ابن جريج، قال: حدثني ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يأذن الله لشيء ما أذن لنبي [قال عبد الرزاق: ما أذن لمن] يتغنى بالقرآن"، قال صاحب له: زاد فيه: "يجهر به".

أخرجه أحمد (2/ 285)، وعبد الرزاق (2/ 482/ 167 4)(3/ 194/ 4297 - ط التأصيل)، والدارقطني في العلل (9/ 243 - 244/ 1734). [الإتحاف (16/ 111/ 20469)، المسند المصنف (33/ 481/ 15670)].

• وروى أيضًا: ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبي نهيك، قال: لقيني سعد بن أبي وقاص في السوق، فقال: أتجَّارٌ كَسَبةٌ؟ أتجَّارٌ كَسَبةٌ؟، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

ص: 167

تقدم تحت الحديث رقم (1470)، وهو حديث صحيح، محفوظ عن ابن جريج.

هكذا روى ابن جريج في هذا المعنى حديئين بإسنادين، فجاء أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وأدخل إسناد الأول على متن الثاني، فدخل له حديث في حديث.

قال البخاري في التاريخ الكبير (5/ 401): "عبيد الله بن أبي نهيك: سمع سعدًا، قاله عمرو بن دينار وابن جريج: عن ابن أبي مليكة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، وقال عبيد الله بن معاذ: حدثنا أبي: حدثنا شعبة، عن عِسل بن سفيان؛ سمع ابن أبي مليكة؛ سمع عائشة رضى الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عبيد الله بن الأخنس: عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، الأول أصح".

هكذا قرر البخاري أن هذا المتن محفوظ من حديث ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص.

° كذلك فقد روى حجاج بن محمد [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب ابن جريج]، وعبد الرزاق بن همام [ثقة، راوية ابن جريج]:

عن ابن جريج، عن عطاء، قال: دخل عبد الله بن عمرو القاري والمتوكل بن أبي نهيك، على سعد بن أبي وقاص، فقال سعد لعبد الله بن عمرو القاري: من هذا؟ فقال: المتوكل بن أبي نهيك، قال: نعم؛ تجار كسبة، تجار كسبة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

وهو حديث مرسل، تقدم تحت الحديث رقم (1470).

وبهذا يتبين أن حديث: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن" كان عند ابن جريج من وجهين، بإسنادين مختلفين.

وأما المتن الآخر: فكان يرويه ابن جريج، قال: حدثني ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يأذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن".

• وهذا هو المحفوظ من حديث ابن شهاب الزهري:

فقد روى معمر بن راشد، وعقيل بن خالد، وسفيان بن عيينة، ويونس بن يزيد الأيلي، وعمرو بن الحارث، وشعيب بن أبي حمزة، وإسحاق بن راشد، ومحمد بن الوليد الزبيدي [ولا يثبت عنه]، وعبيد الله بن أبي زياد الرصافي [وهم ثقات، وفيهم جماعة من ثقات أصحاب الزهري]:

عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن".

أخرجه البخاري (5023 و 5024 و 7482)، ومسلم (792/ 232). [تقدم تخريجه في الطريق الأول].

ص: 168

• وهذا هو المحفوظ أيضًا من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة:

فقد رواه عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ بهذا المتن: ابن شهاب الزهري، ويحيى بن أبي كثير، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث، ومحمد بن عمرو بن علقمة. وهو حديث الباب.

فدل مجموع ذلك على وهم أبي عاصم في هذا الحديث، وهذا ما قال به جمع من النقاد:

° قال أبو بكر النيسابوري: "قول أبي أمية: عن سعيد بن المسيب، وهم منه في هذا الحديث، وقول أبي عاصم فيه: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن"، وهمٌ من أبي عاصم؛ لكثرة من رواه عنه هكذا"[تاريخ بغداد (2/ 280 - ط الغرب)].

وقال الدارقطني في التتبع (5): "وأخرج البخاري عن إسحاق، عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن". وهذا يقال: إن أبا عاصم وهم فيه.

والصواب: ما رواه الزهري، ومحمد بن إبراهيم، ويحيى بن أبي كثير، ومحمد بن عمرو، وغيرهم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي:"ما أذن الله لشيء أذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به".

وقول أبي عاصم: وهمٌ. وقد رواه عقيل، ويونس، وعمرو بن الحارث، وعمرو بن دينار، وعمرو بن عطية، وإسحاق بن راشد، ومعمر، وغيرهم، عن الزهري؛ بخلاف ما رواه أبو عاصم عن ابن جريج، باللفظ الذي قدمنا ذكره.

وإنما روى ابن جريج هذا اللفظ الذي ذكره أبو عاصم عنه بإسناد آخر، رواه عن ابن أبي مليكة، عن ابن أبي نهيك، عن سعد؛ قاله ابن عيينة عنه".

وقال في العلل (9/ 240/ 1734): "واختلف عن ابن جريج؛ فرواه أبو أمية الطرسوسي، عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن".

فوقع في إسناده وهم من أبي أمية، وهو قوله: عن سعيد بن المسيب مع أبي سلمة.

وفي متنه وهم، يقال: إنه من أبي عاصم؛ لكثير من رواه عنه كذلك، والمحفوظ عن الزهري بهذا الإسناد:"ما أذن الله لشيء".

وكذلك رواه عبد الرزاق، وحجاج بن محمد، عن ابن جريج، وحدث به محمد بن بركة القنسري، عن يوسف بن مسلم، عن حجاج، عن ابن جريج، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، ووهم فيه على يوسف، والصحيح: عن الزهري، عن أبي سلمة".

وقال أيضًا (9/ 244): "وهمٌ من أبي عاصم لكثرة من رواه عنه هكذا، وقوله: "ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن"، في حديث سعد بن أبي وقاص الذي يرويه: ابن أبي مليكة، عن

ص: 169

ابن أبي نهيك، عن سعد"

، قال الدارقطني:"جاء أبو أمية إلى بغداد فسمعوه منه".

وقال البيهقي: "والجماعة عن الزهري إنما رووه باللفظ الذي نقلناه في أول هذا الباب، وبذلك اللفظ: رواه يحيى بن أبي كثير، ومحمد بن إبراهيم التيمي، ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، وهذا اللفظ إنما يعرف من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وغيره"، ثم اعتذر البيهقي للبخاري بقوله:"إلا أن الذي رواه عن الزهري بهذا اللفظ حافظ إمام، فيحتمل أن يكونا جميعًا محفوظين، والله أعلم".

وقال الخطيب في تاريخ بغداد (2/ 280 - ط الغرب): "روى هذا الحديث: عبد الرزاق بن همام، وحجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وحده.

وكذلك رواه الأوزاعي، وعمرو بن الحارث، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وشعيب بن أبي حمزة، ومعمر بن راشد، وعقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، وعبيد الله بن أبي زياد، وإسحاق بن راشد، ومعاوية بن يحيى الصدفي، والوليد بن محمد الموقري، عن الزهري، واتفقوا كلهم وابن جريج منهم، على أن لفظه:"ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن"، وأما المتن الذي ذكره أبو عاصم فإنما يروى عن ابن أبي مليكة، عن ابن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

وانظر أيضًا: النكت الظراف (11/ 37/ 15211)، الفتح لابن حجر (13/ 502).

قلت: ومع جزمي بوهم أبي عاصم في هذا الحديث؛ إلا أنه يمكن الاعتذار للبخاري في إخراجه هذا الحديث في صحيحه: فيقال:

أولًا: لم يخرجه البخاري في بابه، وإنما أخرجه في كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 13، 14]. بينما ترجم في كتاب فضائل القرآن: باب من لم يتغن بالقرآن، ثم أخرج حديث أبي هريرة: "ما أذن الله لشيء

" من وجهين: حديث عقيل (5023)، وحديث ابن عيينة (5024)، ولم يخرج حديث أبي عاصم مع مطابقته للترجمة.

وثانيًا: فإن أبا عاصم وإن كان دخل له حديث في حديث؛ لكن يبقى أن يقال: أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد: ثقة ثبت، من أصحاب ابن جريج المكثرين عنه، قال الدارقطني:"حسن الرواية عنه"؛ يعني: عن ابن جريج، وقدَّمه فيه، وهو مكي تحول إلى البصرة، فلعل البخاري نظر إلى معنى آخر، وهو أن أبا عاصم روى حديث أبي هريرة بمتن حديث سعد؛ لكونه في معناه العام؛ فإن حديث أبي هريرة:"ما أذن الله لشيء مما أذن لنبي يتغنى بالقرآن"، فيه حث على تحسين الصوت بالقرآن والتغني به، وحديث:"ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، فيه ذم لترك التحسين، فمعناهما قريب، ولذا قال ابن حجر في الفتح (13/ 502):"والحديث واحد؛ إلا أن بعضهم رواه بلفظ: "ما أذن الله"، وبعضهم رواه بلفظ: "ليس منا"، قلت: ويشبه أن يكون البخاري ذهب إلى هذا، وصنيعه في كتاب

ص: 170

فضائل القرآن يدل على هذا، حيث ترجم بأحد الحديثين وأسند الآخر من وجهين، فدل على أن الحديثين عنده بمعنى، والبخاري لا يخفى عليه تفرد أبي عاصم عن ابن جريج بهذا اللفظ، دون بقية من روى الحديث عن ابن جريج، ودون من رواه عن الزهري، ودون من رواه عن أبي سلمة، فكأنه رآه بمعنى حديث الجماعة، والله أعلم.

° وروى داود بن رشيد [ثقة]: ثنا يحيى بن سعيد الأموي [ليس به بأس، صاحب غرائب]، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء زاهر بن طاهر الشحامي (1152).

° وهذا أيضًا وهمٌ من يحيى بن سعيد الأموي:

فقد رواه إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، ومحمد بن بشر العبدي، وحماد بن سلمة، ويزيد بن هارون، وأبو ضمرة أنس بن عياض [وهم ثقات]:

عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن، يجهر به".

أخرجه مسلم (792/ 234)، وتقدم تخريجه في الطريق الثالث من طرق حديث أبي هريرة، وهذا هو المحفوظ فيه.

° ومما قيل في معنى الحديث:

قال أبو عبيد في غريب الحديث (1/ 346): "قوله: كأذنه: يعني ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن".

ثم قال: "بعضهم يرويه: "كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن"، بكسر الألف، يذهب به إلى الأذن من الاستئذان، وليس لهذا وجه عندي.

وكيف يكون إذنه في هذا أكثر من إذنه في غيره، والذي أذن له فيه من توحيده وطاعته، والإبلاغ عنه أكثر وأعظم من الإذن في قراءة يجهر بها.

وقوله: "يتغنّى بالقرآن": إنّما مذهبه عندنا تحزين القراءة".

وقال صالح بن أحمد في مسائله (288): "قلت: قوله: "ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن، يجهر به"، ما معناه؟ قال أبي: إذا رفع صوته فقد تغنى به".

وقال ابن جرير الطبري في تفسيره (24/ 230): "يعني بذلك: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن".

وقال الطحاوي في المشكل (3/ 346) عند شرح رواية يونس بن يزيد الأيلي: "ما يأذن الله عز وجل لشيء ما يأذن لنبي يتغنى بالقرآن"، قال:"أي: ما يستمع لشيء ما يستمع لنبي يتغنى بالقرآن؛ من تحسينه به صوته، طلبًا لرقة قلبه به لما يرجو في ذلك من ثواب ربه عز وجل إياه عليه، والله نسأله التوفيق"، وقال في موضع آخر (4/ 5):"وفي ذلك حض الناس على تحسين أصواتهم بالقرآن".

ص: 171

وقال ابن حبان (3/ 29): "قوله صلى الله عليه وسلم: "يتغنى بالقرآن" يريد: يتحزن به، وليس هذا من الغنية، ولو كان ذلك من الغنية لقال: يتغانى به، ولم يقل: يتغنى به، وليس التحزن بالقرآن نقاء الجرم، وطيب الصوت، وطاعة اللهوات بأنواع النغم بوفاق الوقاع، ولكن التحزن بالقرآن هو أن يقارنه شيئان: الأسف والتلهف، الأسف على ما وقع من التقصير، والتلهف على ما يؤمل من التوقير، فإذا تألم القلب وتوجع، وتحزن الصوت ورجع، بدر الجفن بالدموع، والقلب باللموع، فحينئذ يستلذ المتهجد بالمناجاة، ويفر من الخلق إلى وكر الخلوات، رجاء غفران السالف من الذنوب، والتجاوز عن الجنايات والعيوب، فنسأل الله التوفيق له".

وقال أيضًا: "قوله: "ما أذن الله" يريد: ما استمع الله لشيء، "كأذنه": كاستماعه للذي يتغنى بالقرآن، "يجهر به"، يريد: يتحزن بالقراءة على حسب ما وصفنا نعته".

وقال الخطابي في أعلام الحديث (3/ 1944): "قوله: ما أذن؛ يعني: ما استمع، يقال: أذنت للشيء آذن له: إذا استمعت له أَذَنًا -بفتح الذال- ويقال: إن اشتقاقه من الأذن لأن السماع يقع بها لذوي الآذان.

وقوله: يتغنى بالقرآن، معناه: يحسن الصوت به، وذلك لأنه غنى إذا حسن الصوت به، كان أوقع في النفوس وأنجع في القلوب".

وقال في إصلاح غلط المحدثين (104): "قولُهُ صلى الله عليه وسلم "ما أَذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِهِ لنبيٍّ يتغنّى بالقرآن" الألفُ والذّالُ مفتوحتان، مصدرُ أَذِنْتُ للشيء أَذَنًا: إذا استمعت إليه، ومن قال: كإِذنِهِ، فقد وَهِمَ"[وكذا قال في كريب الحديث (3/ 256). وانظر: المعالم (1/ 291)].

وقال أبو الحسن العسكري في تصحيفات المحدثين (1/ 356): "ومما يُشكل ولا يضبطُه إلا أهْلُه قوله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَذِنَ الله لشيءٍ كَإَذَنِهِ لنبيٍّ يتَغَنَّى بالقرآن يجهر به، كأَذَنه: الألف مفتوحة والذال مفتوحة، ومن لا يضبط يرويه: كَإِذْنِه، فيكسر الألف التي هي الهمزة ويسكن الذال، فيقلب المعنى، والصواب كأَذَنِهِ بفتْحَتَيْنِ، والأذَنُ الاستماعُ، يُقَالُ: أذِنْتُ للشيءِ آذَنُ لَهُ أذَنًا: إذا استمعتُ لَهُ".

وقد اقتصرت على مشاهير أعلام اللغويين المحدثين، والنقل في هذا المعنى كثير.

° وقوله: "يجهر به":

قال ابن الأثير في النهاية (3/ 391): "وكلُّ من رفع صوته ووالاه فصوته عند العرب غناء".

وقال ابن حجر في الهدي (164): "وفي رواية: يجهر به، وكل رفع صوت عند العرب يقال له غناء".

° وله شاهد من حديث فضالة بن عبيد:

رواه الوليد بن مسلم [وعنه بهذا الوجه: دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم، وإبراهيم بن

ص: 172

إسحاق الطالقاني]، والوليد بن مزيد [ثقة ثبت، من أثبت الناس في الأوزاعي، قدمه النسائي في الأوزاعي على الوليد بن مسلم]، ويحيى بن حمزة [دمشقي ثقة]، وبشر بن بكر التنيسي [ثقة، من أصحاب الأوزاعي]، ومحمد بن شعيب بن شابور [دمشقي ثقة، من أصحاب الأوزاعي]:

عن أبي عمرو الأوزاعي: حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، عن فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لله أشد أذنًا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن، من صاحب القينة إلى قينته".

زاد في رواية ابن شابور [عند الآجري]: قال الأوزاعي: يعني أذنًا: استماعًا.

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (161 - 162)، وأحمد (6/ 19)، والآجري في أخلاق أهل القرآن (80)، والحاكم (1/ 571)(2/ 629/ 2126 - ط الميمان)، والبيهقي في السنن (10/ 230)، وفي الشعب (4/ 283/ 1957)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 321). [الإتحاف (12/ 653/ 16251)، المسند المصنف (23/ 443/ 10603)].

قال أبو عبيد: "هذا الحديث بعضهم يزيد في إسناده يقول: عن إسماعيل بن عبيد الله، عن مولى فضالة، عن فضالة

، وقوله:"أشد أذنًا" يعني: الاستماع. وهو قوله في الحديث الآخر: "ما أذن الله لشيء" أي: ما استمع".

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

وقال البيهقي: "إنما أراد -والله أعلم- الاستماع له، وقوله: "لنبي يتغنى بالقرآن": يريد به تحسين القارئ صوته به؛ غير أنه يميل به نحو التحزين دون التطريب".

• تابع الأوزاعي على هذا الوجه:

ثور [هو: ابن يزيد الكلاعي الحمصي، وهو: ثقة ثبت]، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن فضالة بن عبيد نحوه.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 124)، قال: قال إبراهيم بن موسى [هو: ابن يزيد بن زاذان التميمي أبو إسحاق الرازي: ثقة حافظ، وهو من شيوخ البخاري، قال عنه أبو زرعة: "هو أتقن من أبي بكر ابن أبي شيبة، وأصح حديثًا منه، لا يحدث إلا من كتابه"]، عن عيسى بن يونس [كوفي، ثقة مأمون، معروف بالرواية عن ثور]: حدثنا ثور به.

• هكذا رواه عن دحيم [عند الحاكم] بدون واسطة بين إسماعيل وفضالة: سعيد بن هاشم بن مرثد الطبراني [قال ابن حبان: "صدوق"، وقال الخليلي ومسلمة بن قاسم: "ثقة"، وقال الخليلي: "وهو آخر من روى عن دحيم بالشام، ورضيه الحفاظ الذين لقوه، مثل: عبد الله بن عدي، وأبي علي الحافظ"، وروى عنه جماعة من النقاد والمصنفين ورضوه، حدث عنه ابن حبان ولم يورده في المجروحين، وروى عنه ابن عدي، ولم يورده في ضعفائه. الإرشاد (2/ 484)، المتفق والمفترق (2/ 1084)، تاريخ الإسلام (7/ 385)، اللسان (4/ 82)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 25)].

ص: 173

كما وقع إسناده مقرونًا بإسناد بشر بن بكر، فلعله حمل أحدهما على الآخر.

° ورواه أيضًا: عبد الرحمن بن إبراهيم [ثقة حافظ متقن]: حدثنا الوليد: حدثنا الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، عن ميسرة مولى فضالة بن عبيد، عن فضالة بن عبيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد أذنًا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن، من صاحب القينة إلى قينته".

أخرجه ابن حبان (3/ 31/ 754)، والطبراني في الكبير (18/ 301/ 772). [الإتحاف (12/ 653/ 16251)، المسند المصنف (23/ 443/ 10603)].

رواه عن دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم بهذا الوجه: عبد الله بن محمد بن سلم [الفريابي المقدسي: ثقة. الأنساب (5/ 363)، تاريخ دمشق (32/ 193)، السير (14/ 306)]، وأحمد بن دحيم الدمشقي [لم أقف على ترجمته، ولم أقف في تسمية أبناء دحيم ممن روى عنه سوى إبراهيم وعمرو].

• تابع دحيمًا على هذا الوجه: محمد بن عقبة بن كثير السدوسي [قلت: هو محمد بن عقبة بن هرم السدوسي البصري، أخطأ بعضهم في جده، وهو: ضعيف، شبه المتروك. الضعفاء لأبي زرعة (2/ 449 و 701)، الجرح والتعديل (8/ 36)، الثقات (9/ 100)، تاريخ الإسلام (16/ 371) و (18/ 453)، الميزان (3/ 649)، التهذيب (3/ 649)]، وداود بن رُشَيد، وعلي بن بحر بن بكري، وراشد بن سعيد الرملي، وصدقة بن الفضل المروزي [وهم ثقات]، وأبو هاشم زياد بن أيوب [يلقب: دلويه، وهو: ثقة حافظ]:

ثنا الوليد بن مسلم: ثنا الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، عن ميسرة مولى فضالة، عن فضالة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لله أشد أذَنًا إلى حسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته".

أخرجه أحمد (6/ 20)، والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 124)، وابن ماجه (1340)، وابن نصر في قيام الليل (137 - مختصره)، والطبراني في الكبير (18/ 301/ 772)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (363)، وأبو طاهر المخلص في الثامن من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (125)(1701 - المخلصيات)، وأبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (23)، والبيهقي (10/ 230)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 321)، وغيرهم. وعلقه البخاري في خلق أفعال العباد (68). [التحفة (7/ 497/ 11040)، الإتحاف (12/ 653/ 16251)، المسند المصنف (23/ 443/ 10603)].

• خالفهم: سعيد بن منصور [ثقة ثبت]، قال: نا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن مولى لفضالة بن عبيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد أذنًا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته".

أخرجه سعيد في سننه (2/ 405/ 130).

هكذا اختلف في إسناد هذا الحديث على دحيم، ثم اختلف فيه على الوليد بن مسلم،

ص: 174

وأخشى أن يكون من الوليد بن مسلم نفسه، لم يضبط إسناده على خلاف عادته في حديث الأوزاعي، وهو المقدم فيه عند الاختلاف، والأقرب عندي رواية الجماعة، لا سيما وفيهم رجل من أثبت الناس في الأوزاعي، بل قدمه النسائي على الوليد بن مسلم، إنه الوليد بن مزيد، وتابعه على ذلك جماعة من أصحاب الأوزاعي المكثرين عنه، ولم يختلف عليهم في إسناده، إنما وقع الاختلاف في رواية الوليد، مما يشعر بأنه لم يضبط إسناده، والله أعلم.

° فإن قيل: الزيادة في الإسناد من الثقة مقبولة، وقد توبع عليها:

• فقد رواه أبو أسامة [حماد بن أسامة: ثقة ثبت]: حدثنا سفيان، عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر، عن مولى فضالة، عن فضالة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه حسن الصوت بالقرآن، فقال:"لله أسرع أذنًا إلى حسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته".

أخرجه أبو الشيخ في الأقران (404)، وابن بطة في الإبانة (7/ 122/ 92).

رواه أبو أيوب الشاذكوني، وأبو عبد الرحمن الوكيعي: حدثنا أبو أسامة به.

فيقال: أولًا: الثوري والأوزاعي قرينان، من نفس الطبقة، ثم هو غريب من حديث الثوري، ثم من حديث أبي أسامة.

ثانيًا: أبو أيوب الشاذكوني: هو: سليمان بن داود المنقري: حافظ؛ إلا أنه متروك هالك، كذبه جماعة من الأئمة، ورموه بالوضع [انظر: السير (10/ 679)، تذكرة الحفاظ (2/ 488)، اللسان (4/ 142)].

وأبو عبد الرحمن الوكيعي: هو: أحمد بن جعفر الضرير: ثقة حافظ [تاريخ بغداد (5/ 95 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (5/ 258 - ط الغرب) ، السير (10/ 574)، الثقات لابن قطلوبغا (1/ 297)].

وابن بطة أخرجه بإسناد صحيح إلى أبي عبد الرحمن الوكيعي، ولا أراه يثبت عنه، فلا هو من حديث أبي أسامة، ولا من حديث الثوري.

وابن بطة نفسه متكلم فيه، روى بعض حديثه بغير سماع، وله أباطيل، وقد تكلم فيه الدارقطني والخطيب، حتى قال الخطيب عن حديث من روايته:"هذا باطل، والحمل فيه على ابن بطة"، فاعتذر له الذهبي فقال:"أفحش العبارة، وحاشى الرجل من التعمد، لكنه غلط، ودخل له إسناد في إسناد"، وقال الذهبي أيضًا:"ولابن بطة مع فضله أوهام وغلط"، وحمل عليه ابن حجر في اللسان [تاريخ بغداد (10/ 371)، الميزان (3/ 15)، السير (16/ 529)، اللسان (5/ 342)]، فقد يكون دخل له حديث في حديث.

والحاصل: فالحمل في هذا الحديث على ابن بطة، فلو كان الحديث معروفًا من حديث الثوري، أو من حديث أبي أسامة؛ فاين عنه أصحاب السنن والمسانيد والمصنفات، والكل يتشوف إلى حديث الثوري، وتحمله وروايته، فكيف ينتشر حديث من هو دونه من أصحاب الأوزاعي، ولا يُعرف حديثه إلا عند أبي الشيخ في أقرانه وابن بطة

ص: 175

في الإبانة، فهذا الحديث غلط بين، وليس هو من حديث الثوري، ولا من حديث أبي أسامة، والله أعلم.

وعلى هذا تبقى رواية الوليد بن مسلم مضطربة، ولا يمكن الاعتماد على زيادته التي أتى بها في هذا الحديث، لاختلاف الحفاظ عليه، والعمدة على رواية الوليد بن مزيد ومن تابعه من ثقات أصحاب الأوزاعي.

يبقى أن يقال: إن كانت رواية الجماعة عن الأوزاعي هي المحفوظة، فما حكم هذا الحديث إذن؟

فيقال: هو حديث ضعيف؛ لانقطاعه بين إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر (61 - 131)، وبين فضالة بن عبيد الصحابي (ت 58، وقيل: قبلها)؛ فإنه لم يدركه، وروايته عنه مرسلة [انظر: التاريخ الكبير (1/ 366)، التاريخ الأوسط (2/ 11/ 1613)، الثقات للعجلي (93 و 94)، الكنى لمسلم (2628)، المعرفة والتاريخ (2/ 473)، الجرح والتعديل (2/ 182)، الثقات (6/ 40)، مشاهير علماء الأمصار (1418)، تاريخ الإسلام (3/ 614 - ط الغرب)، جامع التحصيل (37)، تحفة التحصيل (29)، التهذيب (1/ 160)].

كما أن ميسرة مولى فضالة: مجهول [الجرح والتعديل (8/ 253)، الثقات (5/ 425)، التهذيب (4/ 196)].

° وروي أيضًا من حديث جابر بن عبد الله:

رواه محمد بن أبان [محمد بن أبان بن عبد الله المديني أبو مسلم الفقيه: ثقة.

طبقات أصبهان (4/ 54)، تاريخ أصبهان (2/ 204)، تاريخ الإسلام (6/ 1002 - ط الغرب)]: نا سليمان بن داود الشاذكوني: نا داود بن أبي سليمان، عن علي بن زيد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله لم يأذن كأذنه للمترنم بالقرآن".

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 254/ 7429).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن علي بن زيد إلا داود بن أبي سليمان، تفرد به: الشاذكوني".

قلت: هو حديث باطل؛ علي بن زيد بن جدعان: ضعيف، وشيخ الشاذكوني: لا يُعرف، وآفة هذا الحديث من الشاذكوني، سليمان بن داود المنقري، وهو: حافظ؛ إلا أنه متروك هالك، كذبه جماعة من الأئمة، ورموه بالوضع [انظر: السير (10/ 679)، تذكرة الحفاظ (2/ 488)، اللسان (4/ 142)].

° وروي من حديث معقل بن يسار:

رواه سلام بن سلم: نا زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يأذن لشيء من أهل الأرض إلا أذان المؤذنين، والصوت الحسن بالقرآن".

ص: 176

أخرجه الروياني (1304)، والطبراني في الكبير (20/ 216/ 501)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 272 - ط الغرب)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (658).

وهو حديث منكر، زيد بن الحواري العمي: ضعيف، وسلام بن سلم الطويل المدائني: متروك، منكر الحديث.

* وفي الباب أيضًا:

1 -

حديث أبي موسى الأشعري:

• رواه داود بن رشيد، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وعبد الله بن جعفر بن يحيى البرمكي:

عن يحيى بن سعيد الأموي: حدثنا طلحة بن يحيى، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: "لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود". لفظه عند مسلم، وزاد عند البيهقي بإسناد صحيح: فقال: لو علمتُ لحبرته لك تحبيرًا. وزاد عند أبي نعيم بإسناد صحيح: قال: قلت: أم والله يا رسول الله! لو علمتُ أنك تسمع لقراءتي لحبرته لك تحبيرًا.

ولفظ البرمكي [عند ابن حبان]: استمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءتي من الليل، فلما أصبحت، قال:"يا أبا موسى، استمعت قراءتك الليلة، لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود"، قلت: يا رسول الله! لو علمتُ مكانك لحبرت لك تحبيرًا.

أخرجه مسلم (793/ 236)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1331).

• ورواه أبو يحيى عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني: حدثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"يا أبا موسى! لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود".

أخرجه البخاري في الصحيح (5048)، وترجم له بقوله:"باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن".

وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1331)، وقلت هناك: وقد جاءت قصة أبي موسى هذه في سماع النبي صلى الله عليه وسلم قراءته في الليل، وثنائه عليه، من حديث عدد من الصحابة؛ لكني آثرت التنبيه والاختصار، واقتصرت على بعض ما في الصحيح.

• وروى يزيد بن هارون، وحجاج بن منهال، وعفان بن مسلم، وبشر بن السري، ومعاذ بن معاذ، وغيرهم:

عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس؛ أن أبا موسى كان يقرأ ذات ليلة [وكان حلو الصوت]، ونساء النبي صلى الله عليه وسلم يستمعن، فقيل له، فقال: لو علمت لحبرت تحبيرًا أو تشوقت تشويقًا.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/ 344 - 345) و (4/ 108)، وابن أبي شيبة (6/ 119/ 29947)، وأحمد بن منيع في مسنده (6/ 342/ 5982 - إتحاف الخيرة) (4/ 368/

ص: 177

3486 -

مطالب)، وأبو عوانة (11/ 132/ 4367)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 302)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 50 و 51)، والضياء في المختارة (5/ 41/ 1650 و 1651) و (5/ 42/ 1652).

وهذا موقوف على أبي موسى بإسناد صحيح، على شرط مسلم.

2 -

حديث حفصة:

رواه ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، عن المطلب بن أبي وداعة السهمي، عن حفصة، أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سبحته قاعدًا قطُّ، حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سبحته قاعدًا، وكان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطولَ من أطولَ منها.

أخرجه مسلم (733/ 118)، تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (10/ 300/ 956).

3 -

حديث جابر بن عبد الله:

رواه عبد الله بن جعفر [هو: ابن نجيح السعدي أبو جعفر المديني: ضعيف]، قال: نا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع [مدني، ضعيف]، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن أحسن الناس صوتًا بالقرآن؛ الذي إذا سمعته يقرأ حسبته يخشى الله". أخرجه ابن ماجه (1339)، والآجري في أخلاق أهل القرآن (83). [التحفة (2/ 364/ 2646)، المسند المصنف (6/ 3149/269)].

وهذا حديث منكر.

4 -

وروي نحوه من حديث ابن عمر مرفوعًا [أخرجه البزار (12/ 300/ 6136)، والروياني (1415)، والطبراني في الأوسط (2/ 311/ 2574) و (6/ 208/ 6205)، وابن عدي في الكامل (2/ 277) (3/ 406/ 4746 - ط الرشد)، والدارقطني في الأفراد (1/ 535/ 3060 - أطرافه)، وتمام في الفوائد (1458)، وأبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (24)، والخطيب في التاريخ (3/ 208) (4/ 341 - ط الغرب)، وفي تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 129)، وذكره الدارقطني في العلل (12/ 384/ 2810)، وقد ضعفه النقاد][وهو حديث منكر؛ تفرد به عن مسعر: حميد بن حماد بن خوار، أو: ابن أبي الخوار، وهو: ليس بالقوي، قال فيه ابن عدي: "يحدث عن الثقات بالمناكير"، وقال في آخر ترجمته بعد أن أورد له بعض المناكير وهذا منها: "ولحميد بن حماد غير هذا الذي ذكرته من الحديث، وهو قليل الحديث، وبعض أحاديثه على قلته لا يتابع عليه"، وقال في هذا الحديث: "وهذا عن مسعر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمو: لم يروه إلا حميد بن حماد هذا"، ثم جزم بأنه غير محفوظ. التهذيب (1/ 493)، الكامل (2/ 277) (3/ 406/ 4746 - ط الرشد)].

[وأخرجه من وجه آخر: الخليلي في الإرشاد (3/ 969)] [قلت: وهو حديث منكر؛

ص: 178

تفرد به عن يحيى بن يعمر دون أصحابه الثقات: عبد الله بن كيسان المروزي، وهو: منكر الحديث، كما قال البخاري، وقال في التاريخ الكبير:"منكر، ليس من أهل الحديث"، وقد ضعفه الجمهور. التهذيب (2/ 410)، التاريخ الكبير (5/ 178)، الثقات (7/ 33 و 52)، موسوعة أقوال الدارقطني (2/ 369). وانظر: تاريخ دمشق (66/ 17)، والراوي عنه: عيسى بن موسى المعروف بغنجار، وهو: صدوق، كثرت المناكير في حديثه لروايته عن المجهولين والمتروكين والكذابين. التهذيب (3/ 368)] [قال أبو حاتم:"هذا حديث غريب منكر". علل الحديث (5/ 117/ 1850)، وقال الدارقطني في العلل (12/ 384/ 2810):"ورواه شيخ من أهل خراسان، يقال له: عبد الله بن كيسان، لم يكن بالقوي، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح"].

[وأخرجه من وجه آخر: عبد بن حميد (802)][المسند المصنف (16/ 252/ 7670)][وهو حديث منكر؛ تفرد به عن سليمان بن أبي مسلم المكي الأحول دون أصحابه الثقات: أبو بكر مرزوق مولى طلحة بن عبد الرحمن الباهلي البصري، قال أبو زرعة: "ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "يخطئ"، وقال ابن خزيمة: "أنا بريء من عهدته". التهذيب (4/ 47)، التاريخ الكبير (7/ 383)، والجرح والتعديل (8/ 264)، الثقات (7/ 487)].

5 -

وروي نحوه من حديث ابن عباس مرفوعًا [أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 83 - ط العلمية) (3/ 407/ 4748 - ط الرشد)، وأبو الشيخ في فوائده بانتقاء ابن مردويه (5)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 51)، وفي الحلية (4/ 19)، والبيهقي في الشعب (4/ 285/ 1958)، والخطيب في تاريخ بغداد (1/ 409)][وفي إسناده: عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو: ضعيف، شبه المتروك، وإسماعيل بن عمرو البجلي: ضعيف، صاحب غرائب ومناكير. اللسان (1/ 155)][قال ابن عدي: "وقد روي هذا الحديث عن مسعر لون آخر عن عبد الكريم المعلم عن طاووس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم؛ مرسل: من أحسن الناس صوتًا، فذكره، ووصله: إسماعيل بن عمرو البجلي، عن مسعر، عن عبد الكريم، عن طاووس، فقال: عن ابن عباس، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحسن قراءة؟ "، ثم جزم بأنه غير محفوظ].

[وأخرجه من وجه آخر: الطبراني في الكبير (11/ 7/ 10852)، وعنه: أبو نعيم في الحلية (4/ 19)][وفي إسناده: ابن لهيعة، وهو: ضعيف].

• والمحفوظ في هذا: عن طاووس مرسلًا، وموقوفًا عليه قوله [أخرجه عبد الرزاق (2/ 488/ 4185)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (165)، وسعيد بن منصور في سننه (1/ 194/ 47)، وابن أبي شيبة (6/ 119/ 29944 و 29945)، والدارمي (3818 و 3819 - ط البشائر)، والفاكهي في أخبار مكة (1582)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على الزهد لأبيه (971 و 1186)، والبيهقي في الشعب (4/ 285/ 1959)] [الإتحاف (19/ 95/

ص: 179

24460)، المسند المصنف (16/ 252/ 7670)] [قال الدارقطني في العلل (12/ 384/ 2810):"والمحفوظ: عن مسعر، عن عبد الكريم، عن طاووس مرسلًا". وقال ابن عدي في الكامل (3/ 407/ 4748 - ط الرشد): "والروايتان جميعًا غير محفوظتين [يعني: حديث ابن عمر، وحديث ابن عباس]، والصحيح: مرسل عن طاووس، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أبو أسامة، ومحمد بن بشر، وشعيب بن إسحاق، وغيرهم، عن مسعر مرسلًا"].

[وانظر أيضًا: ما أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 64)].

• وروي عن الزهري بلاغًا عن النبي صلى الله عليه وسلم[أخرجه ابن المبارك في الزهد (114)، والآجري في أخلاق أهل القرآن (84)، وأبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار (59)].

* ومما لا يثبت في الباب أيضًا:

6 -

عن عابس الغفاري مرفوعًا: "بادروا بالموت ستًا: إمرة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم، واستخفافًا بالدم، وقطيعة الوحم، ونشوًا يتخذون القرآن مزامير يقدمونه يغنيهم، وإن كان أقلَّ منهم فقهًا". وموضع الشاهد في رواية: "وقومًا يتخذون القرآن مزامير، يقدِّمون أحدهم، ليس بأفقههم ولا أفضلهم؛ إلا ليغنيهم به غناء"[أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (166)، وابن أبي شيبة (7/ 529/ 37736)، وأحمد (3/ 494)، والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 80)، وابن أبي غرزة في مسند عابس الغفاري (1 و 2)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 430 و 431/ 1552 و 1553 - السفر الثاني)، وابن أبي الدنيا في العقوبات (289)، والحارث بن أبي أسامة (2/ 640 / 613 - بغية الباحث)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 269/ 1024)، وفي الديات (59)، والبزار (2/ 242/ 1610 - كشف)، وأبو يعلى (5/ 51/ 4219 - إتحاف الخيرة)، والطحاوي في المشكل (4/ 7 و 8/ 1389 و 1390)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق (264 و 265)، وابن قانع في المعجم (2/ 310)، والطبراني في الكبير (18/ 34 - 37/ 58 - 63)، وفي الأوسط (1/ 212/ 685)، والدارقطني في الأفراد (2/ 03 1/ 4242 - أطرافه)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2231/ 5549) و (4/ 2232/ 5550)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (39 - 41)، وأبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن (324 و 436)، والبيهقي في الشعب (5/ 94/ 2409)، وابن عبد البر في التمهيد (18/ 147)، والجوزقاني في الأباطيل (2/ 377/ 724)، وقال: "هذا حديث باطل". وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 404/ 1482)، وفي القصاص والمذكرين (181)][المسند المصنف (20/ 27/ 9077)] [وهو حديث منكر؛ مداره على أبي اليقظان عثمان بن عمير الكوفي الأعمى: ضعفوه، وهو: منكر الحديث، قاله أحمد والبخاري وأبو حاتم. انظر: التهذيب (3/ 75)، الميزان (3/ 50)، إكمال مغلطاي (9/ 177)، وروي من وجه آخر متابعة، ولا يثبت أيضًا. قال الدارقطني في الأفراد: "تفرد به: أبو اليقظان عثمان بن عمير، عن زاذان أبي عمر، عن عليم الكندي، عن عبس الغفاري. ورواه موسى

ص: 180

الجهني، عن زاذان، عن عبس، ولم يذكر عليمًا فيه، وهو غريب من حديثه عن زاذان عنه، تفرد به: مندل بن علي عنه"].

[وروي من وجه آخر: أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 268/ 1023)، وفي الديات (58)، وابن نصر في قيام رمضان (237 - مختصره)، والطبراني في الكبير (18/ 34/ 57)، وفي الأوسط (13/ 38/ 8736)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2231/ 5549)][وإسناده واهٍ جدًا، قال ابن حبان: "إذا اجتمع في إسناد خبر: عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن، لم يكن متن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم"، وقد ضعَّف هذه السلسلة جماعة من الأئمة منهم: ابن معين، وأبو حاتم، والجوزجاني. وقد تقدم الكلام عن هذه السلسلة مرارًا].

7 -

وروي من حديث عوف بن مالك، ولا يثبت أيضًا [أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 530/ 37746)، وأحمد (6/ 22 و 23)، والطبراني في الكبير (18/ 51/ 91) و (18/ 57/ 104 و 105)، والضياء المقدسي في المنتقى من مسموعاته بمرو (724)][المسند المصنف (23/ 382/ 10552)].

8 -

وروي من حديث أبي هريرة، ولا يثبت أيضًا [أخرجه عبد الرزاق (2/ 488/ 4186)، وابن سعد في الطبقات (4/ 337)، والطبراني في الأوسط (2/ 105/ 1397)، وفي الكبير (3/ 211/ 3162)، والحاكم (3/ 501)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 384)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (37 و 38)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (67/ 379)][المسند المصنف (7/ 479/ 3813)].

9 -

إسماعيل بن عمرو: ثنا محمد بن مروان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن لكل شيء حلية، وحلية القرآن حسن الصوت"[أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 293/ 7531)، وأبو الشيخ في فوائده بانتقاء ابن مردويه (52)][وهو حديث باطل؛ تفرد به عن ابن جريج: محمد بن مروان السدي الصغير صاحب الكلبي، وهو: ذاهب الحديث، متهم بالكذب. التهذيب (3/ 692)، الكامل (7/ 512 - ط العلمية)، وإسماعيل بن عمرو البجلي: ضعيف، صاحب غرائب ومناكير، اللسان (1/ 155)].

10 -

عبد الله بن المحرر، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن"[أخرجه عبد الرزاق (2/ 484/ 4173)، ومن طريقه: البزار (13/ 478/ 7280)، وابن عدي في الكامل (4/ 133)][وهو حديث منكر باطل؛ وعبد الله بن محرر: متروك، هالك، منكر الحديث، وقد تفرد به عن قتادة دون أصحابه الثقات على كثرتهم].

[وأخرجه من وجه آخر: الدارقطني في الأفراد (671 - أطرافه)، والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 206 - ط الغرب)، وأبو طاهر السلفي في الطيوريات (399)] [وفي إسناده:

ص: 181