الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل ومن أبلغ ما كتبوا لمنْ ثارَ وتَعدَّى وتَعَرَّضَ للخلاف وتَصَدَّى
أمّا بعد فكَّ الله غَرْبَ انْتزائكَ، وَعدَلَ بكَ عن انْتِمائكَ للضَّلالِ واعْتِزائكَ، فقد سلَكْتَ مَجْهلاً وذهَبْتَ
مَذْهباً مُسْتَوْبلاً، دلاكَ في مهاوي الغرور، ومنّاكَ بأماني زور، حداكَ إلى ركوبها، وسَقاكَ بِذُنوبها،
اسْتِصْغارُنا لأمْركَ، واحْتِقارُنا لِملتهب جَمْرِكَ، فوالله لئنْ لمْ تقِفْ في مكانِكَ، وتَنْحَرف عن طُغْيانِكَ،
وتَصْحُ من تهَوُّرِكَ وخِذْلانِكَ، لَأُجْهِزَنَّ نَحْوَكَ كَتَائِبَ كالليل البهيمِ، (مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ)، تزْأَرُ زئير الضَّراغِم، وتزْخَرُ
كالبحر المُتَلاطِمِ، فتَنْتَشِفُّ ماءكَ وتَكْتَشِفُ سماءكَ، وتَغْنَمُ طارِفَكَ وتِلادَكَ، وتُخَرِّبُ أرْضك وبلادَكَ،
حتى تعودَ قاعاً صفصفاً ولا تجِدُ منها مجيراً ولا منْصفاً، فتَغْدو خاويةً على عروشها كأنْ لم تَغْن
بالأمس وما منْ أهلها إلا حبيسٌ أوْرهينُ رَمْس، ولولا أنّا لا ندفَعُ إلا إِثْرَ وعيدٍ، ولا نوقِعُ إلا بعدَ نهي
نُبْدئُ ونُعيدُ، لكانت مكانَ الكُتْبِ الكتائبُ، وسمعتَ بدلاً منْ معانيه اصطكاك الركائب، وما بعد هذا إلا
منْ يُشيرُ إلى الوقائع، ويُثِيرُ لكَ غُبارَهُ الطَّلَائِعُ، والسلامُ على من اتبع الهدى.
وله في المعنى:
أما بعد، أراكَ الله إخفاقَ مخائلكَ، وأعلَقَكَ في شَرَككَ وحبائلكَ، وأراكَ وبالَ بَغْيِكَ وغوائلِكَ، فقدْ
أوْرثكَ ضلالُكَ عنِ الرشاد وَسَناً، وأراكَ سيِّءَ أمْرِكَ حسناً، وثنى لكَ إلى مهالككَ عِنانا ورَسَنا،
فركبْتَ لخلافنا ظَهْراً، وأبْديْتَ أسرارَ عِصياننا جَهْراً، وسيَحْدوكَ كيْدُكَ إلى الفرارِ فلا تُطيقُ نفاذاً،
ويدعوكَ إلى الاعتصام فلا تجد ملاذاً، فما نَاوَأَنا مناوئٌ، ولا عارضنا من الغواية غاوٍ إلا عاجله
حِمَامُه، وقاتله عنا رُمْحُه وحُسامُه، ولولا أنا لا نوقِعُ قبل وعيد، ولا نزْمَعُ إلا بعد نهي مُبْدِئٍ ومُعيد،
لوجَّهنا إليكَ جيشاً تتزاحمُ أفواجه كالبحر إذ تتلاطمُ أمواجُه، تغْدو كقطعٍ الليل مواكبُه، وتبدو من
الأسنَّة كواكبُه، فيُثيرونَ قَتَاماً يعتم به جوُّك إعْتاماً، فلا ترى إلا لَمْعَ سنان، ولا تسمع إلا صَوْلَةَ بطل
فيها صدع جَنَانٍ، فيعود اغتباطكَ ندماً، ووجودُ أنصاركَ وأشياعكَ عَدَماً، فتَلومُ نفسك حين لا يغْني
الملامُ، وتستسلمُ ولا ينْفَعكَ الاسْتِسلامُ، لكنا كففنا بأسنا حتى يقدمَه الإنْذار، وتوقَّفْنا حتى يُعربَ عنّا
الإعذارُ، ثمَّ يأتي منْ بعد ذلك يومٌ عبُوسٌ قَمْطرير، لا يشرقُ فيه إلا ذابلٌ أوْ حُسامٌ طرير، وقد عَوَّدَنا
الله سبحانه ذلك في أعْدائنا، وأراناه في إعادتنا وإبْدائنا، وهو بعِزَّته يولي صُنْعَهُ الجميل معنا، ويحمي
من النوائب موْضعَنا، بمَنِّه وكرمه.
وفي المعنى لأبي بكر بن القصيرة:
أمّا بعدُ يا أمَّةٌ لا تَعْقِل رُشْدها. ولا تَجْرِى إلى ما تَقْتََضي نِعَمُ الله عندها، ولا تُقْلِعُ عنْ أذى تفشيه قرباً
وبُعْداً جُهْدَها، فإنَّكم لا ترْعونَ لجارٍ حرمة، ولا ترْقبون في مومِنٍ إلَاّ ولا ذِمَّة، قدْ أعْماكُمْ عنْ
مصالحكم الأشرُ، وأضَلَّكمْ، ضَلالاً بعيداً البَطَر، ونَبَذْتُم المعروفَ وراء ظهوركم، وأتَيْتُمْ بما نُنْكِرُهُ
مُقْتدياً في ذلك صغيركم بكبيركم، وخاملكم بمشهوركم، ليسَ فيكم زاجرٌ، ولا منكم إلا غويٌّ وفاجِرٌ،
وما نرى إلا أنَّ الله عز وجل شاء مَسْخَكُمْ، وأرادَ فسْخَكم ووسْخكم فسلّط عليكم الشيطانَ الرجيم يغُرُّكم
ويُغْريكم، ويُزَيِّنُ لكم قبيح معاصيكم، وكأنَّكم به، وقد نكص على عقبيه، وقال إني بريءٌ منكم،
وَتَرَكَكُمْ في صَفْقَةٍ خاسرةٍ، لا تَستقيلُونَها إنْ لمْ تَتُوبوا لا في دنيا ولا في آخرة.
وحَسْبُنا هذا إنْذاراً لكمْ، وإعْذاراً قبلَكُمْ، فتوبوا وأنيبوا وأَقْلِعُوا وانْزعوا، واقضوا من أنْفُسِكُم جميع منْ
وترْتُموه، وانصفوا جميعَ منْ ظَلَمْتُموهُ وغَشَمْتُموه، ولا تَسْتَطيلوا على أحد بَعدُ، ولا يكُنْ منكم إلى أداة
صَدَرٌ ولا وِرْد، وإلا عاجَلَكم منْ عقوبَتنا ما يَجْعلكم مثلاً سائراً، وحدثاً غابراً، فاتقوا الله في أنْفُسكم
وأهْليكم، وإياكُم والاغترار فإنَّه يُوَرِّطُكمْ فيما يُوذيكمْ، ويُلْقيكم إلى ما يَشْمَتُ به أعاديكم، وكفى بهذه
تبصرة وتذْكرةً، ليس لكم بعدها حُجَّةٌ ولا معْذرةٌ، وما توْفيقي إلا بالله.
وفي المعنى لأبي القاسم بن الجد: كتابنا أبْقاكمُ الله وسَدَّدَكُمْ وأراكُمْ
مصالحكم وأرْشَدَكم، وجعل إلى سبيل التخلص مقْصدكم. وقداتصل بنا ما حملكم عليه الاغترار،
وأنْكرناه، وحقُّه الإنْكار، منَ الجريرة
التي جرَّها سُفهاؤكم، والفتْنة التي أثارها غَوْغاؤُكم، وضَعُفَ عنْ كفِّها حَلُماؤكم، في العبث بذلكَ الغلامِ
والتخطي بعد ذلك إلى حزِّ رأسه، وتَفْريقِ أشْلائه، وتَحْريق أوصاله وأعْضائه، ورُكوبِكم الرُّؤوسَ في
مُواقَعة الآثام، وسَفْكِ الدَّم الحَرَام، وما لكم في المعاصي من الجرأة والإقدام، بدعةٌ لم تُبْتَدعْ قَبْلها،
ولاأتتِ الجاهلية مثْلها، وشقّاً لعصا الطاعة وقطعاً لحَبْلها، وتَحَوُّلاً إلى ظلِّ العصيان من ظلها،
وتعرضاً للعقوبة ورغبة في الارتسام بدلها، فِعْلُ منْ غمطَ النِّعمة، واستعجل النِّقمَةَ، واخْتارَ على
العافيَة المحنة. وسنفرغُ بحسم هذه الأمور، ونُحْدثُ لكم فيها الأحكام من قدر ما أحْدَثْتُمْ منَ الفجور،
ونُعجل لكم الآن بعض مالَكم فيه أَدَبٌ يَزَعُكُم، وتقديمٌ يرْدَعُكم. فأوْجَبْنا في الخطيئة على من قتَل
الغُلامَ ظُلْماً، وانتهَكَ حُرْمتَه جُرْماً، غرامَةَ ألْفٍ وخَمْسِ مائة دينار، ولا مناصَ لهم عنْ أدائها، ولا
عُذْرَ في التَّأخر عن قضائها، وأمرنا فلانا أنْ يَسْتَوفي عددها، ويسْتَعجل أمدها، ويتحاشى منها أهل
الصلاح والعفاف، ويؤخَذَ بها أهلُ التسرع إلى الشر والإسْفاف. فإنْ أخذ هذه على أيْدي السُّفهاء،
وانقطعتْ بها أسبابُ العداءِ، وإلا أنْزَلْنا بهم العقاب الأشنعَ، والنكال الأوجع. فارتدعوا مما أنتم عليه
مما لمْ تزالوا تجروا إليه منْ ثَوْرةٍ في الشرِّ إثْر ثورَةٍ، وفوْرَة في النِّفاقِ بعدَ فَوْرَة، واعلموا أنَّ
استِطالَتَكم تُورِّثكم الندامة، وأنّ استقامتكم تُعَقِّبُكم السلامة، فاختاروا ما شِئتُم منَ الاعْوِجَاجِ أو
الاسْتِقامَةِ. فإنَّ لكلٍّ عندنا جزاءً مَعْلوماً، وجُزْءاً منَ الثوابِ أوِ العقاب مقْسوماً. ولا حول ولا قوة إلاّ
بالله.
ومن إنشائه أيضاً في المعنى:
كتابُنا أبْقاكم الله وَعَصَمَكم بتقواه، ويسركُم منَ الاتِّفاق والائتلاف إلى ما
يرْضاهُ، وجَنَّبَكم من الشَّقاقِ والخلاف ما يُسْخِطُهُ ويَنْعاه.
من حضْرة فلانَة، حرسها الله، وقدْ بَلَغَنا ما تأكَّدَ بينَ أعْيانِكُم منْ أسْبابِ التَّباعد والتَّبايُنِ، ودواعي
التَّحاقد والتَّباغُض، والتَّناقضِ والتَّدابُر، وتَمادي التَّقاطع والتهاجر، وفي هذا على فُقَهائكم وصُلَحائكم
مطعنٌ بيِّن، ومَغْمَرٌ لا يَرْضاهُ مومِنٌ ديِّن. فهَلاّ سعوا في إصلاح ذات البين سعيَ الصَّالحينَ، وجَدُّوا
في إبْطال أعْمال المُفْسدينَ، وبَذَلُوا في تأليف الآراء جُهْدَ المُجْتَهدينَ، ورَأَيْنا - والله المُوَفِّقُ للصَّواب
- أنْ نُعْذرَ إليكم بهذا الخطاب، فإذا وصل إليكم وقرئ عليكُم (الأمارة بالسوء) وَارْغَبُوا في السُّكونِ
والهدوء، ونَكِّبوا عن طريق البَغْيِ الذميمِ المشنوء، واحذَروا منْ دواعي الفِتَن، وعواقب الإحن، ما
يجرُّ رديَّ الضَّمائر، وفساد السرائر، وعَمَى البصائر، ووخيم المصائر، وَأَشْفِقُوا على أدْيانِكم
وأعْراضكم، وأَخْلصوا السمعَ والطاعَةَ لِوَالِي أُمورِكُمْ، وخَليفَتِنا في تَدْبيركُمْ وسياسَة جمهوركم، أبِي
فلان الكريم علينا أَبْقاه الله وأدامَ عِزَّتَه بِتَقْواه. واعْلَموا أنَّ يدَهُ فيكم كَيَدِنا، ومَشْهده كَمَشْهَدِنا، فقفوا
عندَما يَحُثُّكم عليْه، ويَدْعوكم إليْهِ، ولا تَخْتَلِفوا في أمر منَ الأمور لديه، وانْقادُوا أَسْلَسَ انقياد بِحُكْمه
وعَزْمه، ولا تُقيموا على ثَبَجِ عنادٍ بينَ حَدِّه ورَسْمِه. والله
تعالى يفيءُ بكمْ إلى الحُسْنى، ويُيَسِّرُكُم إلى ما فيه صلاحٌ الدين والدُّنيا بِمَنِّه وكَرَمِهِ.
ومن إنشاء أبي نصر في المعنى:
كتَابُنا أَرَاكُمُ الله مرَاشِدَكُمْ، وحَسَّنَ منازِعكم ومقاصِدكم، وأَلْحَفَ السَّدادَ مصادِرَكم وموارِدَكُم. يوم كذا
من شهر كذا عن جيش لجِبٍ، ونصْرٍ غيرِ مُحْتَجِبٍ، وبَأْسٍ إليكم مُنْسَرِبٍ، وحَنَقٍ عليكم مُضْطَرِبٍ
مُلْتَهبٍ. والله تعالى يَكُفُّ طُغْيانَكُم، ويَكْفي عُدوانَكُم، ويَتَأَدَّى من قِبَلِ الأمير أبي فلان الذي أمَّرْناه
عليكم ووَلَّيْناه، وأمَرْناهُ أنْ يَتَوَلَّى منَ أمْركم ما تَوَلَّيْناه، وهو يُمْنى يدينا، وأَسْنى منْ لدينا. لسانه
لِساننا، وأعوانُه فيكم مُرْهَفُنا وَسِنانُنا، يُسْرِعُها لمَنْ اعتدى، ويَرْفعها عمَّن طاع واهتدى، حتى يُسوِّي
عِوَجَكم، ويزيل هََرَجَكم، ويُسَكِّنَ وهَجَكم، ويُوَضِّح في الاسْتِقامة سَنَنَكم ومَنْهَجَكم. فَأَعْلِنُوا له بالسمع
والطاعة، وابْلُغُوا في إقامة رَسومه والوُقوفِ عند حدُودِه أَبْعد غاية الاسْتِطاعَة.
ولا تَحْمِلوا أمْره على ما حمَلْتُم عليه أمر منْ تقدَّمَ، فيَحِيقُ بكُمُ النَّكالُ ولا يَنْفَعُكُم النَّدَمُ. ولا تَغْتَروا
بِمن أغْضى لكم عن أذى، وأطْبَقَ جفنه منكم عن قذىً فبِاللَّه إنْ سامَ منكم بارِقُ خلافٍ، ولم تأتَلِفوا
لديه أحسنَ ائتلاف، لَيَجْزِيَنَّكُم أسْوأَ جزاءٍ، ويُزيلَ ما بِكمْ منْ انْتِزاءٍ، حتى تَعُودوا لحْماً على وَضَم،
ولا يَبْقى منكم
غيرُ مهيض مهتضَم، كما قال رَبُّنا في قومٍ تَقَيَّلوا شياطينهم (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ).
فقد صحَّ عندنا أنَّكم في سَنَنِ الغدرِ سالِكون، وعلى وَثَنِ البَغْي والمكر عاكفون. فنَكِّبوا عنْ هذه
السبيل، وتَبَرَّؤوا منْ هذا المذهب الوبيل، واسْتَشْعِروا إعْداداً للطاعة وإسْراعاً، وأَظْهروا اشْتِمالاً
لِجَلابيبِها وادِّراعاً. وهو مُجازٍ لمحسنكُم بالإحسان الحميد، ولِمُسيئكُم بالعقابِ الشديد. وقول الله تعالى
لكم حسيب، وعليكم شهيد (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)
ومن إنشائه في المعنى:
أمَّا بعدُ، فإنَّ الأيْدي قد امتدتْ، ودواعي التَّعدي قد اشْتَدَّتْ، وأموالُ الناس تُنْتَهبُ، وزواجِرُ كتاب الله
لا تُرْتَهبُ، وأنتَ تَنامُ عنْ كفِّ هذا الانتِهاب، وتَلينُ في موضعِ السَّطْوة والإرهاب، تعْتَكِفُ على
الراح وراحاتها، وتقفُ عندَ بُكَرِها وروَحاتِها، وقديما أفْسَدَتِ الراحة الأحوال، وجَرَّتْ إلى أهلها
الأهوال فدعها فليس بأوانها، واكتفِ منْ صحيفة الشَّرِّ بعُنوانها،
وأكثرِ الصَّوْلةَ، واحْذَرْ أنْ تكونَ
للمَكْروه عندك جَوْلَة، ولَينُبْ عنْ سوْطِكَ سَيْفُكَ، حتى يُرْهِبَ خيالُكَ وطيْفُك، والله الموفِّقُ للرَّشاد.