الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنَّوَاةُ مِنَ الْعَدَدِ: عِشْرُونَ، وَقِيلَ: عَشْرَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الأُوقية مِنَ الذَّهَبِ، وَقِيلَ: أَربعة دَنَانِيرَ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، رأَى عَلَيْهِ وَضَراً مِنْ صُفْرةٍ فَقَالَ: مَهْيَمْ؟ قَالَ: تزوّجتُ امرأَة مِنَ الأَنصار عَلَى نَواةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بشاةٍ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ عَلَى نَوَاةٍ يَعْنِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَحْمِلُ مَعْنَى هَذَا أَنه أَراد قَدْرَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ كَانَتْ قيمتُها خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ ذَهَبٌ، إِنما هِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ تُسَمَّى نَواةً كَمَا تُسَمَّى الأَربعون أُوقية وَالْعِشْرُونَ نَشّاً. قَالَ مَنْصُورٍ: ونَصُّ حديثِ عبدِ الرحمنِ يدلُّ عَلَى أَنه تزوَّجَ امرأَةً عَلَى ذَهَبٍ قيمتُه دَراهِمَ، أَلا تَرَاهُ قَالَ عَلَى نَواةٍ مِنْ ذَهَبٍ؟ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنس، قَالَ: وَلَا أَدري لِمَ أَنكره أَبو عُبَيْدٍ. والنَّوَاةُ فِي الأَصل: عَجَمةُ التَّمْرَةِ. والنَّوَاةُ: اسْمٌ لِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: الْعَرَبُ تَعْنِي بالنَّوَاة خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، قَالَ: وأَصحاب الْحَدِيثِ يَقُولُونَ عَلَى نَواةٍ مِنْ ذَهَبٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، قَالَ: وَهُوَ خطأٌ وَغَلَطٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَوْدَعَ المُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ جُبْجُبةً فِيهَا نَوًى مِنْ ذَهَبٍ
أَي قِطَعٌ مِنْ ذَهَبٍ كالنَّوَى، وَزْنُ القِطعة خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. والنَّوَى: مَخْفِضُ الْجَارِيَةِ وَهُوَ الَّذِي يَبْقى مِنْ بَظْرِها إِذا قُطِعَ المُتْكُ. وَقَالَتْ أَعرابية: مَا تَرَكَ النَّخْجُ لَنَا مِنْ نَوًى. ابْنُ سِيدَهْ: النَّوَى مَا يَبقَى مِنَ المَخْفِض بَعْدَ الخِتان، وَهُوَ البَظْرُ. ونِوَاءٌ: أَخُو مُعاوِيةَ بْنِ عَمرو بْنِ مَالِكِ وَهَنَاةٌ وَقَرَاهِيدٌ وَجَذِيمَةُ الأَبرش. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما جَعَلْنَا نِوَاءً على باب ن وي لعدم ن وثنائية. ونَوًى: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الأَفْوَه:
وسَعْدٌ لَوْ دَعَوْتُهُمُ، لَثابوا
…
إِليَّ حَفِيفَ غابِ نَوًى بِأُسْدِ
ونَيَّانُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
مِنْ وَحْشِ نَيَّانَ، أَو مِن وَحشِ ذِي بَقَرٍ،
…
أَفْنَى حَلائِلَه الإِشْلاءُ والطَّرَدُ
فصل الهاء
هبا: ابْنُ شُمَيْلٍ: الهَباء التُّرَابُ الَّذِي تُطَيِّرُه الرِّيحُ فَتَرَاهُ عَلَى وُجُوهِ النَّاسِ وجُلُودِهم وَثِيَابِهِمْ يَلْزَقُ لُزوقاً. وَقَالَ: أَقول أَرَى فِي السَّمَاءِ هَبَاءً، وَلَا يُقَالُ يَوْمُنا ذُو هَباء وَلَا ذُو هَبْوةٍ. ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ: الهَبْوةُ الغَبَرَةُ، والهَبَاءُ الغُبار، وَقِيلَ: هُوَ غُبار شِبْهُ الدُّخان ساطِعٌ فِي الهَواء؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
تَبْدُو لَنَا أَعْلامُه بعدَ الغَرَقْ
…
فِي قِطَعِ الآلِ، وهَبْوَاتِ الدُّقَقْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الدُّقَقُ مَا دَقَّ مِنَ التُّرَابِ، وَالْوَاحِدُ مِنْهُ الدُّقَّى كَمَا تَقُولُ الجُلَّى والجُلَل. وَفِي حَدِيثِ الصَّوْمِ:
وإِن حالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحاب أَو هَبْوَةٌ فأَكمِلُوا العِدَّة
أَي دُونَ الهِلالِ؛ الهَبْوة: الغَبَرَة، وَالْجَمْعُ أَهْبَاء، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وأَهْبَاءُ الزَّوْبَعةِ: شِبه الغُبار يَرْتَفِعُ فِي الْجَوِّ. وهَبا يَهْبُو هُبُوًّا إِذا سَطَعَ، وأَهْبَيْتُه أَنا. والهَبَاء: دُقاق التُّرَابِ ساطِعُه ومَنْثُورُه عَلَى وَجْهِ الأَرض. وأَهْبَى الفرَسُ: أَثار الهَباء؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي، وَقَالَ أَيضاً: وأَهْبَى الترابَ فعَدَّاه؛ وأَنشد:
أَهْبَى الترابَ فَوْقَه إِهْبَايا
جَاءَ بإِهْبايا عَلَى الأَصل. وَيُقَالُ: أَهْبَى الترابَ
إِهْبَاءً، وَهِيَ الأَهَابِيّ؛ قَالَ أَوْس بْنُ حَجَر:
أَهَابِيَّ سَفْساف منَ التُّرْب تَوْأَم
وهَبَا الرَّمادُ يَهْبُو: اخْتلَطَ بِالتُّرَابِ وهَمَد. الأَصمعي: إِذا سَكَن لَهَبُ النارِ وَلَمْ يَطْفَأْ جَمْرُها قِيلَ خَمَدت، فإِن طَفِئَت الْبَتَّةَ قِيلَ هَمَدَت، فإِذا صَارَتْ رَماداً قِيلَ هَبَا يَهْبُو وَهُوَ هابٍ، غَيْرَ مَهْمُوزٍ. قَالَ الأَزهري: فَقَدْ صَحَّ هَبَا الترابُ والرَّمادُ مَعًا. ابْنُ الأَعرابي: هَبَا إِذا فَرَّ، وهَبَا إِذا مَاتَ أَيضاً، وتَها إِذا غَفَل، وَزَهَا إِذا تكبَّر، وَهَزَا إِذا قَتَل، وَهَزَا إِذا سَارَ، وثَها إِذا حَمُقَ. والهَبَاء: الشَّيْءُ المُنْبَثُّ الَّذِي تَرَاهُ فِي الْبَيْتِ مِنْ ضَوْء الشَّمْسِ شَبيهاً بالغُبار. وَقَوْلُهُ عز وجل: فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً
؛ تأْويله أَنَّ اللهَ أَحْبطَ أَعمالهم حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الهَبَاء الْمَنْثُورِ. التَّهْذِيبُ: أَبو إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ هَباءً مُنْبَثًّا
، فَمَعْنَاهُ أَن الْجِبَالَ صَارَتْ غُباراً، وَمِثْلُهُ: وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً؛ وَقِيلَ: الهَباء المُنْبثُّ مَا تُثِيره الخَيل بحَوافِرها مِنْ دُقاق الغُبار، وَقِيلَ لِمَا يَظْهَرُ فِي الكُوَى مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ هَبَاء. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن سُهَيْلَ بْنَ عَمرو جَاءَ يَتَهَبَّى كأَنه جَمَلٌ آدَمُ.
وَيُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ يَتَهَبَّى إِذا جَاءَ فَارِغًا يَنْفُض يَدَيْهِ؛ قَالَ ذَلِكَ الأَصمعي، كَمَا يُقَالُ جَاءَ يَضْرِبُ أَصْدَرَيْه إِذا جَاءَ فَارِغًا. وَقَالَ ابْنُ الأَثير: التَّهَبِّي مَشْي المُخْتال الْمُعْجَبِ مِنْ هَبَا يَهْبُو هُبُوًّا إِذا مَشَى مَشْيًا بَطِيئاً. وموضعٌ هَابِي التُّرَابِ: كأَنَّ تُرَابَهُ مِثْلُ الهَبَاء فِي الرِّقَّةِ. والهَابِي مِنَ التُّرَابِ: مَا ارْتفَعَ ودَقَّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ هَوْبرٍ الحارِثي:
تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَيْهِ ضَرْبةً،
…
دَعَتْه إِلى هَابِي التُّرابِ عقِيمُ
وتُرابٌ هَابٍ؛ وَقَالَ أَبو مَالِكُ بْنُ الرَّيْبِ:
تَرَى جَدَثاً قَدْ جَرَّتِ الرِّيحُ فَوْقَه
…
تُراباً، كلَوْنِ القَسْطلانِيِّ، هَابِيا «2»
والهَابِي: تُراب الْقَبْرِ؛ وأَنشد الأَصمعي:
وهَابٍ، كجُثْمانِ الحَمامةِ، أَجْفَلَتْ
…
بِهِ رِيحُ تَرْجٍ والصَّبا كُلُّ مُجْفَلِ «3»
وَقَوْلُهُ:
يكونُ بِهَا دَليلَ القَومِ نَجْمٌ،
…
كعَينِ الكلْبِ فِي هُبًّى قِباعِ
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِهِ: شَبَّهَ النَّجْمَ بِعَيْنِ الْكَلْبِ لِكَثْرَةِ نُعَاسِ الْكَلْبِ لأَنه يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ تَارَةً ثُمَّ يُغْضِي فَكَذَلِكَ النَّجْمُ يَظْهَرُ سَاعَةً ثُمَّ يَخْفَى بالهَباء، وهُبًّى: نُجُوم قَدِ اسْتَتَرَتْ بِالْهَبَاءِ، وَاحِدُهَا هابٍ، وقِباعٌ: قابِعةٌ فِي الْهَبَاءِ أَي دَاخِلَةٌ فِيهِ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: وَصَفَ النَّجْمَ الْهَابِي الَّذِي فِي الْهَبَاءِ فَشَبَّهَهُ بِعَيْنِ الْكَلْبِ نَهَارًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلْبَ بِاللَّيْلِ حَارِسٌ وَبِالنَّهَارِ نَاعِسٌ، وَعَيْنُ النَّاعِسِ مُغْمِضة، وَيَبْدُو مِنْ عَيْنَيْهِ الخَفِيُّ، فَكَذَلِكَ النَّجْمُ الَّذِي يُهْتَدَى بِهِ هُوَ هابٍ كَعَيْنِ الْكَلْبِ فِي خَفائه، وَقَالَ فِي هُبًّى: وَهُوَ جَمْعُ هابٍ مِثْلُ غُزًّى جَمْعُ غازٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ دَلِيلَ الْقَوْمِ نَجْمٌ هابٍ فِي هُبًّى يَخفى فِيهِ إِلا قَلِيلًا مِنْهُ، يَعرف بِهِ النَّاظِرُ إِليه أَيَّ نَجْمٍ هُوَ وَفِي أَيِّ نَاحِيَةٍ هُوَ فَيَهْتَدِي بِهِ، وَهُوَ فِي نُجُومِ هُبًّى أَي هابِيةٍ إِلا أَنها قِباعٌ كالقَنافِذ إِذا قَبَعَت فَلَا يُهْتَدَى بِهَذِهِ القِباع، إِنما يُهتدى بِهَذَا النَّجْمِ الْوَاحِدِ الَّذِي هُوَ هابٍ غَيْرُ قابِعٍ فِي نُجُومٍ هابِيةٍ قَابِعَةٍ، وَجَمَعَ القابعَ عَلَى قِباعٍ كَمَا جَمَعُوا صَاحِبًا عَلَى صِحابٍ وَبَعِيرًا قامِحاً عَلَى قِماحٍ. النِّهَايَةُ فِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ: ثُمَّ اتَّبَعه مِنَ النَّاسِ هَبَاءٌ رَعاعٌ
؛ قال:
(2). هَذَا الْبَيْتُ لِمَالِكِ بْنِ الريب لا لأَبيه وهو من قصيدته الشهيرة التي يرثي بها نفسه.
(3)
. قوله [مجفل] هو بضم الميم، وضبط في ترج بفتحها وهو خطأ.
الهَبَاء فِي الأَصل مَا ارْتَفَعَ مِنْ تَحْتِ سَنابك الْخَيْلِ، والشيءُ المُنْبَثُّ الَّذِي تَرَاهُ فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ، فَشُبِّهَ بِهَا أَتباعه. ابْنُ سِيدَهْ: والهَبَاء مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لَا عُقُولَ لَهُمْ. والهَبْوُ: الظَّلِيمُ. والهَبَاءَةُ: أَرض بِبِلَادِ غَطَفان، وَمِنْهُ يَوْمُ الهَبَاءَة لقَيس بْنِ زُهير الْعَبْسِيِّ عَلَى حُذيفة بْنِ بَدْر الْفَزَارِيَّ، قَتَلَهُ فِي جَفْر الهَبَاءَة وَهُوَ مُسْتَنْقع مَاءٍ بِهَا. ابْنُ سِيدَهْ: الهَبَيُّ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ، والأُنثى هَبَيَّةٌ؛ حَكَاهُمَا سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَزْنُهُمَا فَعَلٌّ وفَعَلّةٌ، وَلَيْسَ أَصل فَعلّ فِيهِ فَعْلَلًا وإِنما بُنِيَ مِنْ أَول وَهْلَةٍ عَلَى السُّكُونِ، وَلَوْ كَانَ الأَصل فَعْلَلًا لَقُلْتَ هَبْياً فِي الْمُذَكَّرِ وهَبْيَاةً فِي الْمُؤَنَّثِ؛ قَالَ: فإِذا جَمَعْتَ هَبَيّاً قُلْتَ هَبَائِيّ لأَنه بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الْمُعْتَلِّ نَحْوَ مَعدّ وجُبُنّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والهَبَيُّ والهَبَيّةُ الْجَارِيَةُ الصَّغِيرَةُ. وهَبِي: زَجْرٌ لِلْفَرَسِ أَي تَوسَّعي وتَباعَدي؛ وَقَالَ الكميت:
نُعَلِّمُها هَبِي وهَلًا وأَرْحِبْ،
…
وَفِي أَبْياتِنا ولَنا افْتُلِينا
النِّهَايَةُ: وَفِي الْحَدِيثِ
أَنه حَضَرَ ثَريدةً فهَبَّاها
أَي سَوَّى مَوْضِعَ الأَصابع مِنْهَا، قَالَ: وَكَذَا رُوِيَ وشرح.
هتا: هَاتَى: أَعطى، وَتَصْرِيفُهُ كتصريف عاطى؛ قال:
والله مَا يُعْطي وَمَا يُهَاتِي
أَي وَمَا يأْخذ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْهَاءُ فِي هَاتَى بَدَلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ فِي آتَى. والمُهَاتَاةُ: مُفاعَلَةٌ مِنْ قَوْلِكَ هاتِ. يُقَالُ: هَاتَى يُهَاتِي مُهَاتَاةً، الْهَاءُ فِيهَا أَصلية، وَيُقَالُ: بَلِ الْهَاءُ مُبَدَّلَةٌ مِنَ الأَلف الْمَقْطُوعَةِ فِي آتَى يُؤاتي، لَكِنَّ الْعَرَبَ قَدْ أَماتت كُلَّ شَيْءٍ مِنْ فِعْلِهَا غَيْرَ الأَمر بهاتِ. وَمَا أُهَاتِيك أَي مَا أَنا بمُعْطِيك، قَالَ: وَلَا يُقَالُ مِنْهُ هَاتَيْتُ وَلَا يُنهى بِهَا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي نُخَيْلَةَ:
قُلْ لِفُراتٍ وأَبي الفُراتِ،
…
ولِسَعِيدٍ صاحِبِ السَّوْآتِ:
هَاتُوا كَمَا كُنّا لَكُمْ نُهَاتِي
أَي نُهاتِيكم، فَلَمَّا قدَّم الْمَفْعُولَ وَصَلَهُ بِلَامِ الْجَرِّ. وَتَقُولُ: هَاتِ لَا هاتَيْتَ، وهَاتِ إِن كَانَتْ بِكَ مُهَاتَاةٌ. وإِذا أَمرت الرَّجُلَ بأَن يُعطِيك شَيْئًا قُلْتَ لَهُ: هَاتِ يَا رَجُلُ، وَلِلْاثْنَيْنِ هَاتِيا، وَلِلْجَمْعِ هَاتُوا، وللمرأَة هَاتي، فَزِدْتَ يَاءً فَرْقًا بَيْنَ الذَّكَرِ والأُنثى، وللمرأَتين هاتِيا، وَلِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ هاتِينَ مِثْلَ عاطِينَ. وَتَقُولُ: أَنت أَخذته فهَاتِه، وَلِلْاثْنَيْنِ أَنتما أَخذتماه فهَاتِيَاه، وَلِلْجَمَاعَةِ أَنتم أَخذتموه فَهَاتُوهُ، وللمرأَة أَنت أَخذتِه فهَاتيه، وَلِلْجَمَاعَةِ أَنتن أَخَذْتُنَّه فهاتِينَه. وَهَاتَاهُ إِذا ناوَلَه شَيْئًا. الْمُفَضَّلُ: هَاتِ وهَاتِيا وهَاتُوا أَي قَرِّبُوا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ*
؛ أَي قَرِّبُوا، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ هَاتِ أَي أَعْطِ. وهَتَا الشيءَ هَتْواً: كسره وَطْأً بِرِجْلَيْهِ. والهِتْيُ والأَهْتَاء: سَاعَاتُ اللَّيْلِ. والأَتْهَاءُ: الصَّحاري البَعيدةُ.
هثي: الهَثَيَانُ: الحَثْوُ؛ عَنْ كُرَاعٍ. الأَزهري: هَثَى إِذا احْمَرَّ وجْهُه، وثَها إِذا حَمُقَ، وهَاثَاه إِذا مازَحَه ومايَله، وَثَاهَاهُ إِذا قاوَلَه. وَفِي تَرْجَمَةِ قَعْبَثَ: هِثْتُ لَهُ هَيْثاً إِذا حَثَوْتَ له.
هجا: هَجَاه يَهْجُوه هَجْواً وهِجاء وتَهْجَاء، مدود: شَتَمَهُ بالشِّعر، وَهُوَ خِلَافُ المَدْح. قَالَ اللِّيْثُ: هُوَ الوَقِيعةُ فِي الأَشْعار. وَرُوِيَ عَنِ
النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا هَجاني فاهْجُه اللَّهُمَّ مكانَ مَا هَجاني
؛ مَعْنَى قَوْلِهِ اهْجُه أَي جازِه عَلَى هِجائه إِيايَ جَزاءَ هِجائه، وَهَذَا كَقَوْلِهِ عز وجل: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ؛ فَالثَّانِي مُجازاةٌ وإِن وافَق اللفظُ اللفظَ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي الْحَدِيثِ
اللَّهُمَّ إِنَّ عَمْرَو بنَ العاصِ هَجَانِي، وَهُوَ يَعْلَمُ أَني لَسْتُ بِشَاعِرٍ، فاهْجُه اللَّهُمَّ والْعَنْه عدَدَ مَا هَجَانِي أَو مَكَانَ مَا هَجَانِي
، قَالَ: وَهَذَا كَقَوْلِهِ
مَن يُرائي يُرائي اللهُ بِهِ
أَي يُجازِيه عَلَى مُراءَاته. والمُهَاجَاةُ بَيْنَ الشاعِرَيْنِ: يَتهاجَيانِ. ابْنُ سِيدَهْ: وهَاجَيْتُه هَجَوْتُه وهَجَانِي. وَهُمْ يَتَهَاجَوْنَ: يَهْجُو بعضُهم بَعْضًا، وَبَيْنَهُمْ أُهْجُوَّةٌ وأُهْجِيّةٌ ومُهَاجَاةٌ يتَهاجَوْن بِهَا؛ وَقَالَ الْجَعْدِيُّ يَهْجُو لَيْلَى الأَخْيَلِيَّة:
دَعي عَنْكِ تَهْجَاءَ الرِّجالِ، وأَقْبلي
…
عَلَى أَذْلَغِيٍّ يَمْلأُ اسْتَكِ فَيْشَلا
الأَذَلَغِيُّ: مَنْسُوبٌ إِلى رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُبادة بْنِ عُقَيْلٍ رَهْطِ لَيْلى الأَخْيَلِيَّة، وَكَانَ نَكَّاحاً، وَيُقَالُ: ذَكَرٌ أَذْلَغِيٌّ إِذا مَذى؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ:
فدَحَّها بأَذْلَغِيٍّ بَكْبَكِ،
…
فصَرَخَتْ: قَدْ جُزْتَ أَقْصى المَسْلَكِ
وَهُوَ مَهْجُوٌّ. وَلَا تَقُلْ هَجَيْتُه. والمرأَة تَهْجُو زَوْجَها أَي تَذُمُّ صُحبته؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: تَهْجُو صُحبة زَوْجِهَا أَي تَذُمُّه وتَشْكُو صُحْبتَه. أَبو زَيْدٍ: الهِجَاءُ القِراءَة، قَالَ: وَقُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي قَيْسٍ أَتَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: واللهِ مَا أَهْجُو مِنْهُ حَرفاً؛ يُرِيدُ مَا أَقْرَأُ مِنْهُ حَرْفاً. قَالَ: ورَوَيْتُ قَصِيدةً فَمَا أَهْجُو اليومَ مِنْهَا بَيْتَيْنِ أَي مَا أَرْوي. ابْنُ سِيدَهْ: والهِجَاء تَقْطِيعُ اللَّفْظَةِ بحُروفِها. وهَجَوْتُ الْحُرُوفَ وتَهَجَّيْتُها هَجْواً وهِجاء وهَجَّيْتها تَهْجِيةً وتَهَجَّيتُ كُلُّهُ بِمَعْنًى؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ لأَبي وَجْزةَ السَّعْدي:
يَا دارَ أَسْماءَ، قَدْ أَقْوَتْ بأَنْشاجِ
…
كالوَحْيِ، أَو كإِمامِ الكاتِبِ الهَاجِي
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ يَائِيَّةٌ وَوَاوِيَّةٌ، قَالَ: وَهَذَا عَلَى هِجَاء هَذَا أَي عَلَى شَكْلِه وقَدْرِهِ ومِثاله وَهُوَ مِنْهُ. وهَجُوَ يَوْمُنا: اشتَدَّ حَرُّه. والهَجَاةُ: الضِّفْدَعُ، وَالْمَعْرُوفُ الهاجةُ. وهَجِيَ البيتُ هَجْياً: انْكَشَفَ. وهَجِيَتْ عَيْنُ الْبَعِيرِ: غارَتْ. ابْنُ الأَعرابي: الهِجَى الشِّبعُ من الطَّعام.
هدي: مِنْ أَسماء اللَّهِ تَعَالَى سُبْحَانَهُ: الهَادِي؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الَّذِي بَصَّرَ عِبادَه وعرَّفَهم طَريقَ مَعْرِفَتِهِ حَتَّى أَقرُّوا برُبُوبيَّته، وهَدى كُلَّ مَخْلُوقٍ إِلى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فِي بَقائه ودَوام وجُوده. ابْنُ سِيدَهْ: الهُدى ضِدُّ الضَّلَالِ وَهُوَ الرَّشادُ، وَالدَّلَالَةُ أُنثى، وَقَدْ حُكِيَ فِيهَا التَّذْكِيرُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِيَزِيدَ بْنُ خَذَّاقٍ:
وَلَقَدْ أَضاءَ لَكَ الطرِيقُ وأَنْهَجَتْ
…
سُبُلُ المَكارِمِ، والهُدَى تُعْدِي
قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَالَ اللِّحْيَانِيُّ الهُدَى مُذَكَّرٌ، قَالَ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ بَعْضُ بَنِي أَسد يُؤَنِّثُهُ، يَقُولُ: هَذِهِ هُدًى مُسْتَقِيمَةٌ. قَالَ أَبو إِسحاق: قَوْلِهِ عز وجل:
قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى *
؛ أَي الصِّراط الَّذِي دَعا إِليه هُوَ طَرِيقُ الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى
؛ أَي إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ طريقَ الهُدَى مِنْ طَرِيق الضَّلال. وَقَدْ هَداه هُدًى وهَدْياً وهِدَايةً وهِديَةً وهَداه للدِّين هُدًى وهَداه يَهْدِيه فِي الدِّين هُدًى. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ عز وجل: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ
؛ أَي بَيَّنَّا لَهُمْ طَرِيقَ الهُدى وَطَرِيقَ الضَّلَالَةِ فاسْتَحَبُّوا أَي آثرُوا الضَّلَالَةَ عَلَى الهُدَى. اللِّيْثُ: لُغَةُ أَهل الغَوْرِ هَدَيْتُ لَكَ فِي مَعْنَى بَيَّنْتُ لَكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ
؛ قَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: أَوَلم يُبَيِّنْ لَهُمْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ لِعَلِيٍّ سَلِ اللهَ الهُدَى
، وَفِي رِوَايَةٍ:
قُلِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وسَدِّدْني وَاذْكُرْ بالهُدَى هِدايَتك الطريقَ وبالسَّدادِ تَسْدِيدَك السَّهْمَ
؛ وَالْمَعْنَى إِذا سأَلتَ اللَّهَ الهُدَى فأَخْطِر بقَلْبك هِدايةَ الطَّريق وسَلِ اللَّهَ الْاسْتِقَامَةَ فِيهِ كَمَا تتَحَرَّاه فِي سُلوك الطَّرِيقِ، لأَنَّ سالكَ الفَلاة يَلزم الجادّةَ وَلَا يُفارِقُها خَوْفًا مِنَ الضَّلَالِ، وَكَذَلِكَ الرَّامِي إِذا رَمَى شَيْئًا سَدَّد السَّهم نَحْوَهُ ليُصِيبه، فأَخْطِر ذَلِكَ بِقَلْبِكَ لِيَكُونَ مَا تَنْويه مِنَ الدُّعاء عَلَى شَاكِلَةِ مَا تَسْتَعْمِلُهُ فِي الرَّمْيِ. وَقَوْلُهُ عز وجل: الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى
؛ مَعْنَاهُ خَلَق كلَّ شَيْءٍ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي بِهَا يُنْتَفَعُ وَالَّتِي هِيَ أَصْلَحُ الخَلْقِ لَهُ ثُمَّ هَدَاهُ لمَعِيشته، وَقِيلَ: ثُمَّ هَداه لموضعِ مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ، والأَوَّل أَبين وأَوضح، وَقَدْ هُدِيَ فاهْتَدَى. الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِ
؛ يُقَالُ: هَدَيْتُ للحَقِّ وهَدَيْت إِلى الْحَقِّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، لأَنَّ هَدَيْت يَتَعدَّى إِلى المَهْدِيّين، والحقُّ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ جَرٍّ، الْمَعْنَى: قُلِ اللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ لِلْحَقِّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
سُنَّة الخُلفاء الرَّاشِدِين المَهْدِيّينَ
؛ المَهْدِيُّ: الَّذِي قَدْ هَداه اللَّهُ إِلى الْحَقِّ، وَقَدِ اسْتُعْمِل فِي الأَسماء حَتَّى صَارَ كالأَسماء الْغَالِبَةِ، وَبِهِ سُمي المهْدِيُّ الَّذِي بَشَّر بِهِ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه يَجِيءُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَيُرِيدُ بِالْخُلَفَاءِ المَهْدِيِّينَ أَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وإِن كَانَ عَامًّا فِي كُلِّ مَنْ سَارَ سِيرَتَهم، وَقَدْ تَهَدَّى إِلى الشَّيْءِ واهْتَدَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً
؛ قِيلَ: بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَقِيلَ: بأَن يَجْعَلَ جَزَاءَهُمْ أَن يَزِيدَهُمْ فِي يَقِينِهِمْ هُدًى كَمَا أَضَلَّ الفاسِق بِفِسْقِهِ، وَوَضْعُ الهُدَى مَوْضِعَ الاهْتداء. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: تابَ مِنْ ذَنْبِهِ وَآمَنَ برَبِّهِ ثُمَّ اهْتَدَى أَي أَقامَ عَلَى الإِيمان، وهَدَى واهْتَدَى بِمَعْنَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: يُرِيدُ لَا يَهْتدِي. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى
، بِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فِيمَنْ قرأَ بِهِ، فإِن ابْنِ جِنِّي قَالَ: لَا يَخْلُو مِنْ أَحد أَمرين: إِما أَن تَكُونَ الْهَاءُ مُسَكَّنَةً الْبَتَّةَ فَتَكُونُ التَّاءُ مَنْ يَهْتَدِي مُخْتَلَسَةُ الْحَرَكَةِ، وإِما أَن تَكُونَ الدَّالُ مشدَّدة فَتَكُونُ الْهَاءُ مَفْتُوحَةً بِحَرَكَةِ التَّاءِ الْمَنْقُولَةِ إِليها أَو مَكْسُورَةً لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الدَّالِ الأُولى، قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى
؛ يَقُولُ: يَعْبُدون مَا لَا يَقْدِر أَن يَنتقل عَنْ مَكَانِهِ إِلا أَن يَنْقُلُوه، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَقُرِئَ
أَمْ مَن لَا يَهْدْي
، بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَالدَّالِ، قَالَ: وَهِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ، قَالَ: وقرأَ أَبو عَمْرٍو أَمْ مَن لَا يَهَدِّي، بِفَتْحِ الْهَاءِ، والأَصل لَا يَهْتَدِي. وقرأَ عاصم: أَمَّنْ لَا يَهِدِّي
، بِكَسْرِ الْهَاءِ، بِمَعْنَى يَهْتَدِي أَيضاً، وَمَنْ قرأَ أَمْ مَنْ لَا يَهْدِي خَفِيفَةً، فَمَعْنَاهُ يَهْتَدِي أَيضاً. يُقَالُ: هَدَيْتُه فَهَدَى أَي اهْتَدَى؛ وَقَوْلُهُ أَنشده
ابْنُ الأَعرابي:
إِنْ مَضَى الحَوْلُ وَلَمْ آتِكُمُ
…
بِعَناجٍ تَهتدِي أَحْوَى طِمِرْ
فَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ تَهْتَدِي بأَحوى، ثُمَّ حَذَفَ الْحَرْفَ وأَوصل الْفِعْلَ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَى تَهْتَدِي هُنَا تَطْلُب أَن يَهْدِيها، كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ اخْتَرَجْتُه فِي مَعْنَى اسْتَخْرَجَتُهُ أَي طَلَبْتُ مِنْهُ أَن يَخْرُج. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَدَاه اللهُ الطريقَ، وَهِيَ لُغَةُ أَهل الْحِجَازِ، وهَداه للطَّريقِ وإِلى الطريقِ هِدايةً وهَداه يَهْدِيه هِدايةً إِذا دَلَّه عَلَى الطَّرِيقِ. وهَدَيْتُه الطَّريقَ والبيتَ هِداية أَي عرَّفته، لُغَةَ أَهل الْحِجَازِ، وَغَيْرُهُمْ يَقُولُ: هَدَيْتُه إِلى الطَّرِيقِ وإِلى الدَّارِ؛ حَكَاهَا الأَخفش. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ هَدَيْتُهُ الطَّرِيقَ بِمَعْنَى عَرَّفْتُهُ فيُعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَيُقَالُ: هَدَيْتُهُ إِلى الطَّرِيقِ وَلِلطَّرِيقِ عَلَى مَعْنَى أَرشَدْته إِليها فيُعدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ كأَرْشَدْتُ، قَالَ: وَيُقَالُ: هَدَيْتُ لَهُ الطريقَ عَلَى مَعْنَى بَيَّنْتُ لَهُ الطَّرِيقَ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ
، وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ
، وَفِيهِ: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ
، مَعْنَى طَلَب الهُدَى مِنْهُ تَعَالَى، وَقَدْ هَداهُم أَنهم قَدْ رَغِبُوا مِنْهُ تَعَالَى التَّثْبِيتَ عَلَى الْهُدَى، وَفِيهِ: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ
، وَفِيهِ: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
. وأَمّا هَدَيْتُ العَرُوس إِلى زَوْجِهَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّامِ لأَنه بِمَعْنَى زَفَفْتها إِليه، وأَمَّا أَهْدَيْتُ إِلى الْبَيْتِ هَدْياً فَلَا يَكُونُ إِلا بالأَلف لأَنه بِمَعْنَى أَرْسَلْتُ فَلِذَلِكَ جَاءَ عَلَى أَفْعَلْتُ. وَفِي حَدِيثِ
مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: بَلَغَنِي أَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبي سَلِيط قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حارِثةَ، وَقَدْ أَخَّر صَلَاةَ الظُّهْرِ: أَكانوا يُصَلُّون هَذِهِ الصَّلَاةَ السَّاعةَ؟ قَالَ: لَا واللهِ، فَما هَدَى مِمّا رَجَعَ
أَي فَمَا بَيَّنَ وَمَا جَاءَ بحُجَّةٍ مِمّا أَجاب، إِنما قَالَ لَا واللهِ وسَكَتَ، والمَرْجُوعُ الْجَوَابُ فَلَمْ يجىءْ بِجَوَابٍ فِيهِ بَيَانٌ وَلَا حُجَّةَ لِمَا فَعَلَ مِنْ تأْخير الصَّلَاةِ. وهَدَى: بِمَعْنَى بيَّنَ فِي لُغَةِ أَهل الغَوْر، يَقُولُونَ: هَدَيْتُ لَكَ بِمَعْنَى بَيَّنْتُ لَكَ. وَيُقَالُ بِلُغَتِهِمْ نَزَلَتْ: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ
. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: رَجُل هَدُوٌّ عَلَى مِثَالِ عدُوٍّ، كأَنه مِنَ الهِداية، وَلَمْ يَحكها يَعْقُوبُ فِي الأَلفاظ الَّتِي حَصَرَهَا كحَسُوٍّ وفَسُوٍّ. وهَدَيْت الضالَّةَ هِدايةً. والهُدى: النَّهارُ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
حَتَّى اسْتَبَنْتُ الهُدى، والبِيدُ هاجِمةٌ
…
يخْشَعْنَ فِي الآلِ غُلْفاً، أَو يُصَلِّينا
والهُدى: إِخراج شَيْءٍ إِلى شَيْءٍ. والهُدى أَيضاً: الطاعةُ والوَرَعُ. والهُدَى: الْهَادِي فِي قَوْلِهِ عز وجل: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً
؛ والطريقُ يسمَّى هُدًى؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّمَّاخِ:
قَدْ وكَّلَتْ بالهُدى إِنسانَ ساهِمةٍ،
…
كأَنه مِنْ تمامِ الظِّمْءِ مَسْمولُ
وَفُلَانٌ لَا يَهْدي الطريقَ وَلَا يَهْتَدي وَلَا يَهَدِّي وَلَا يَهِدِّي، وَذَهَبَ عَلَى هِدْيَتِه أَي عَلَى قَصْده فِي الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ. وَخُذْ فِي هِدْيَتِك أَي فِيمَا كُنْتَ فِيهِ مِنَ الْحَدِيثِ والعَمَل وَلَا تَعْدِل عَنْهُ. الأَزهري: أَبو زَيْدٍ فِي بَابِ الْهَاءِ وَالْقَافِ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا حَدَّث بِحَدِيثٍ ثُمَّ عَدل عَنْهُ قَبْلَ أَن يَفْرُغ إِلى غَيْرِهِ: خُذْ عَلَى هِدْيَتِك، بِالْكَسْرِ، وقِدْيَتِك أَي خُذْ فِيمَا كُنْتَ فِيهِ وَلَا تَعْدِل عَنْهُ، وَقَالَ: كَذَا أَخبرني أَبو بَكْرٍ عَنْ شَمِرٍ، وَقَيَّدَهُ فِي كِتَابِهِ الْمَسْمُوعِ مِنْ شَمِرٍ: خُذْ فِي هِدْيَتِك وقِدْيَتِك أَي خُذْ فِيمَا كُنْتَ فِيهِ، بِالْقَافِ. ونَظَرَ
فُلَانٌ هِدْيَةَ أَمرِه أَي جِهةَ أَمرِه. وضلَّ هِدْيَتَه وهُدْيَتَه أَي لوَجْهِه؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ أَحمر الْبَاهِلِيِّ:
نَبَذَ الجُؤارَ وضَلَّ هِدْيَةَ رَوْقِه،
…
لمَّا اخْتَلَلْتُ فؤادَه بالمِطْرَدِ
أَي ترَك وجهَه الَّذِي كَانَ يُرِيدُه وسقَط لَمَّا أَنْ صَرَعْتُه، وضلَّ الموضعَ الَّذِي كَانَ يَقْصِدُ لَهُ برَوْقِه مِنَ الدَّهَش. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَذْهَب عَلَى هِدْيَتِه أَي عَلَى قَصْدِه. وَيُقَالُ: هَدَيْتُ أَي قصدْتُ. وَهُوَ عَلَى مُهَيْدِيَتِه أَي حَالِهِ؛ حَكَاهَا ثَعْلَبٌ، وَلَا مُكَبِّرَ لَهَا. وَلَكَ هُدَيّا هَذِهِ الفَعْلةِ أَي مِثلُها، وَلَكَ عِنْدِي هُدَيَّاها أَي مثلُها. وَرَمَى بِسَهْمٍ ثُمَّ رَمَى بآخرَ هُدَيَّاهُ أَي مثلِه أَو قَصْدَه. ابْنُ شُمَيْلٍ: اسْتَبَقَ رَجُلَانِ فَلَمَّا سَبَقَ أَحدُهما صاحبَه تَبالحا فَقَالَ لَهُ المَسْبُوق: لِمَ تَسْبِقْني فَقَالَ السابقُ: فأَنت عَلَى هُدَيَّاها أَي أُعاوِدُك ثَانِيَةً وأَنت عَلَى بُدْأَتِكَ أَي أُعاوِدك؛ وتبالحا: وتَجاحَدا، وَقَالَ: فَعل بِهِ هُدَيَّاها أَي مِثلَها. وَفُلَانٌ يَهْدي هَدْيَ فُلَانٍ: يَفْعَلُ مِثْلَ فِعْلِهِ ويَسِير سِيرَته. وَفِي الْحَدِيثِ:
واهْدُوا بهَدْي عَمَّارٍ
أَي سِيرُوا بسِيرَتِه وتَهَيَّأُوا بهَيْئَتِه. وَمَا أَحسن هَدْيَه أَي سَمْتَه وَسُكُونَهُ. وَفُلَانٌ حسَنُ الهَدْي والهِدْيَةِ أَي الطَّرِيقَةِ والسِّيرة. وَمَا أَحْسَنَ هِدْيَتَهُ وهَدْيَه أَيضاً، بِالْفَتْحِ، أَي سِيرَته، وَالْجَمْعُ هَدْيٌ مِثْلَ تَمْرة وتَمْرٍ. وَمَا أَشبه هَدْيَه بهَدْي فُلَانٍ أَي سَمْتَه. أَبو عَدْنَانَ: فُلَانٌ حَسَنُ الهَدْي وَهُوَ حُسْنُ الْمَذْهَبِ فِي أُموره كُلِّهَا؛ وَقَالَ زيادةُ بْنُ زَيْدٍ الْعَدَوِيُّ:
ويُخْبِرُني عَنْ غائبِ المَرْءِ هَدْيُه،
…
كَفَى الهَدْيُ عَمَّا غَيَّبَ المَرْءُ مُخْبِرا
وهَدى هَدْيَ فُلَانٍ أَي سارَ سَيْره. الْفَرَّاءُ: يُقَالُ لَيْسَ لِهَذَا الأَمر هِدْيةٌ وَلَا قِبْلةٌ وَلَا دِبْرةٌ وَلَا وِجْهةٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إِن أَحسَنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمدٍ
أَي أَحسَنَ الطريقِ والهِداية وَالطَّرِيقَةِ وَالنَّحْوِ وَالْهَيْئَةِ،
وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ: كُنَّا نَنْظُر إِلى هَدْيهِ ودَلِّه
؛ أَبو عُبَيْدٍ: وأَحدهما قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الْآخَرِ؛ وَقَالَ عِمْرانُ بْنُ حِطَّانَ:
وَمَا كُنتُ فِي هَدْيٍ عليَّ غَضاضةٌ،
…
وَمَا كُنْتُ فِي مَخْزاتِه أَتَقَنَّعُ «4»
وَفِي الْحَدِيثُ:
الهَدْيُ الصَّالِحُ والسَّمْتُ الصالِحُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزءاً مِنَ النبوَّة
؛ ابْنُ الأَثير: الهَدْيُ السِّيرةُ والهَيْئة وَالطَّرِيقَةُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَن هَذِهِ الحالَ مِنْ شَمَائِلِ الأَنبياء مِنْ جُمْلَةِ خِصَالِهِمْ وأَنها جُزْء مَعْلُومٌ مِنْ أَجْزاء أَفْعالهم، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَن النُّبُوَّةَ تَتَجَزَّأُ، وَلَا أَنَ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الخِلال كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنَ النُّبُوّة، فإِن النبوّةَ غَيْرُ مُكْتَسبة وَلَا مُجْتَلَبةٍ بالأَسباب، وإِنما هِيَ كرامةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد بِالنُّبُوَّةِ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ وَدَعَتْ إِليه، وتَخْصيصُ هَذَا الْعَدَدِ مِمَّا يستأْثر النبي، صلى الله عليه وسلم، بِمَعْرِفَتِهِ. وكلُّ متقدِّم هادٍ. والهَادِي: العُنُقُ لِتُقَدِّمِهُ؛ قَالَ الْمُفَضَّلُ النُّكْري:
جَمُومُ الشَّدِّ شائلةُ الذُّنابى،
…
وهَادِيها كأَنْ جِذْعٌ سَحُوقُ
وَالْجُمْعُ هَوادٍ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: أَنه بَعَثَ إِلى ضُباعةَ وذَبَحت شَاةً فطَلَب مِنْهَا فَقَالَتْ مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلا الرَّقَبَةُ فبَعَثَ إِليها أَن أَرْسِلي بها فإِنها هَادِيَةُ الشاةِ.
والهَادِيَةُ والهَادِي: العنُقُ لأَنها تَتَقَدَّم عَلَى البدَن ولأَنها تَهْدي الجَسَد.
(4). قوله [في مخزاته] الذي في التهذيب: من مخزاته.
الأَصمعي: الهادِيَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَوَّلُه وَمَا تقَدَّمَ مِنْهُ، وَلِهَذَا قِيلَ: أَقْبَلَتْ هَوَادِي الخيلِ إِذا بَدَتْ أَعْناقُها. وَفِي الْحَدِيثِ:
طَلَعَتْ هَوَادِي الْخَيْلِ
يَعْنِي أَوائِلَها. وهَوَادِي اللَّيْلِ: أَوائله لِتَقَدُّمِهَا كتقدُّم الأَعناق؛ قَالَ سُكَيْن بْنُ نَضْرةَ البَجَليّ:
دَفَعْتُ بِكَفِّي الليلَ عَنْهُ وَقَدْ بَدَتْ
…
هَوَادِي ظَلامِ الليلِ، فالظِّلُّ غامِرُهُ
وهَوَادِي الْخَيْلِ: أَعْناقُها لأَنها أَولُ شَيْءٍ مِنْ أَجْسادِها، وَقَدْ تَكُونُ الهَوَادِي أَولَ رَعيل يَطْلُع مِنْهَا لأَنها المُتَقَدِّمة. وَيُقَالُ: قَدْ هَدَت تَهْدِي إِذا تَقَدَّمتْ؛ وَقَالَ عَبِيد يَذْكُرُ الْخَيْلَ:
وغَداةَ صَبَّحْنَ الجِفارَ عَوابِساً،
…
تَهْدِي أَوائلَهُنَّ شُعْثٌ شُزَّبُ
أَي يَتَقَدَّمُهن؛ وَقَالَ الأَعشى وَذَكَرَ عَشاه وأَنَّ عَصاه تَهْدِيه:
إِذا كَانَ هَادِي الفَتى في البلادِ،
…
صَدْرَ القَناةِ، أَطاع الأَمِيرا
وَقَدْ يَكُونُ إِنما سَمَّى العَصا هَادِياً لأَنه يُمْسِكها فَهِيَ تَهْديه تتقدَّمه، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الهِدَايَةِ لأَنها تَدُلُّه عَلَى الطَّرِيقِ، وَكَذَلِكَ الدليلُ يُسَمَّى هَادِياً لأَنه يَتَقَدَّم القومَ وَيَتْبَعُونَهُ، وَيَكُونُ أَن يَهْدِيَهم للطريقِ. وهَادِيَاتُ الوَحْشِ: أَوائلُها، وَهِيَ هَوَادِيها. والهَادِيَةُ: المتقدِّمة مِنَ الإِبل. والهَادِي: الدَّلِيلُ لأَنه يَقْدُمُ القومَ. وهَدَاه أَي تَقَدَّمه؛ قَالَ طَرَفَةُ:
لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ،
…
حيثُ تَهْدِي ساقَه قَدَمُهْ
وهَادِي السهمِ: نَصْلُه؛ وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
كأَنَّ دِماء الهَادِيَاتِ بنَحْرِه
…
عُصارة حِنَّاءٍ بشَيْبٍ مُرَجَّلِ
يَعْنِي بِهِ أَوائلَ الوَحْشِ. وَيُقَالُ: هُوَ يُهَادِيه الشِّعرَ، وهَادَانِي فُلَانٌ الشِّعرَ وهَادَيْتُه أَي هَاجَانِي وهاجَيْتُه. والهَدِيَّةُ: مَا أَتْحَفْتَ بِهِ، يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وإِليه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنها أَهْدَتْ إِلى سُلَيْمَانَ لَبِنة ذَهَبٍ، وَقِيلَ: لَبِنَ ذَهَبٍ فِي حَرِيرٍ، فأَمر سُلَيْمَانُ، عليه السلام، بلَبِنة الذَّهَبِ فطُرحت تَحْتَ الدوابِّ حَيْثُ تَبولُ عَلَيْهَا وتَرُوث، فصَغُر في أَعينهم ما جاؤُوا بِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَن الْهَدِيَّةَ كَانَتْ غَيْرُ هَذَا، إِلا أَن قَوْلَ سُلَيْمَانَ: أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ؟ يَدُلُّ عَلَى أَن الْهَدِيَّةَ كَانَتْ مَالًا. والتَّهَادِي: أَن يُهْدي بعضُهم إِلى بَعْضٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَهَادُوا تَحابُّوا
، وَالْجَمْعُ هَدَايا وهَدَاوَى، وَهِيَ لُغَةُ أَهل الْمَدِينَةِ، وهَدَاوِي وهَدَاوٍ؛ الأَخيرة عَنْ ثَعْلَبٍ، أَما هَدايا فَعَلَى الْقِيَاسِ أَصلها هَدائي، ثُمَّ كُرهت الضَّمَّةُ عَلَى الْيَاءِ فأُسكنت فَقِيلَ هَدائيْ، ثُمَّ قُلِبَتِ الْيَاءُ أَلفاً اسْتِخْفَافًا لِمَكَانِ الْجَمْعِ فَقِيلَ هَداءا، كَمَا أَبدلوها فِي مَدارَى وَلَا حَرْفَ عِلَّةٍ هُنَاكَ إِلا الْيَاءَ، ثُمَّ كَرِهُوا هَمْزَةً بَيْنَ أَلفين لأَن الْهَمْزَةَ بِمَنْزِلَةِ الأَلف، إِذ لَيْسَ حَرْفٌ أَقرب إِليها مِنْهَا، فَصَوَّرُوهَا ثَلَاثَ هَمَزَاتٍ فأَبدلوا مِنَ الْهَمْزَةِ يَاءً لِخِفَّتِهَا ولأَنه لَيْسَ حَرْفٌ بَعْدَ الأَلف أَقرب إِلى الْهَمْزَةِ مِنَ الْيَاءِ، وَلَا سَبِيلَ إِلى الأَلف لِاجْتِمَاعِ ثَلَاثِ أَلفات فَلَزِمَتِ الْيَاءُ بَدَلًا، وَمَنْ قَالَ هَداوَى أَبدل الْهَمْزَةَ وَاوًا لأَنهم قَدْ يُبْدِلُونَهَا مِنْهَا كَثِيرًا كبُوس وأُومِن؛ هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وزِدْته أَنا إِيضَاحًا، وأَما هَدَاوِي فَنَادِرٌ، وأَما هَداوٍ فَعَلَى أَنهم حَذَفُوا الْيَاءَ مِنْ هَداوي حَذْفًا ثُمَّ عَوَّضَ مِنْهَا التَّنْوِينَ. أَبو زَيْدٍ: الهَدَاوَى لُغَةُ
عُلْيا مَعَدٍّ، وسُفْلاها الهَدَايا. وَيُقَالُ: أَهْدَى وهَدَّى بِمَعْنًى وَمِنْهُ:
أَقولُ لَهَا هَدِّي وَلَا تَذْخَري لَحْمي «1»
وأَهْدَى الهَدِيَّةَ إِهْداءً وهَدَّاها. والمِهْدَى، بِالْقَصْرِ وَكَسْرِ الْمِيمِ: الإِناء الَّذِي يُهْدَى فِيهِ مِثْلَ الطَّبَقِ وَنَحْوِهِ؛ قَالَ:
مِهْداكَ أَلأَمُ مِهْدًى حِينَ تَنْسُبُه،
…
فُقَيْرةٌ أَو قَبيحُ العَضْدِ مَكْسُورُ
وَلَا يُقَالُ للطَّبَقِ مِهْدًى إِلَّا وَفِيهِ مَا يُهْدَى. وامرأَة مِهْداءٌ، بِالْمَدِّ، إِذا كَانَتْ تُهْدي لِجَارَاتِهَا. وَفِي الْمُحَكَمِ: إِذا كَانَتْ كَثِيرَةَ الإِهْداء؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وإِذا الخُرَّدُ اغْبَرَرْنَ مِنَ المَحْلِ،
…
وصارَتْ مِهْداؤُهُنَّ عَفِيرا «2»
وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ مِهْدَاءٌ: مِنْ عَادَتِهِ أَن يُهْدِيَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ هَدَى زُقاقاً كَانَ لَهُ مِثْلُ عِتْقِ رَقَبةٍ
؛ هُوَ مِنْ هِدَايَةِ الطريقِ أَي مَنْ عَرَّف ضَالًّا أَو ضَرِيراً طَرِيقَه، وَيُرْوَى بِتَشْدِيدِ الدَّالِ إِمَّا لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ الهِداية، أَو مِنَ الهَدِيَّةِ أَي مَنْ تصدَّق بزُقاق مِنَ النَّخْلِ، وَهُوَ السِّكَّةُ والصَّفُّ مِنْ أَشجاره، والهِداءُ: أَن تجيءَ هَذِهِ بطعامِها وَهَذِهِ بِطَعَامِهَا فتأْكُلا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. والهَدِيُّ والهِدِيَّةُ: العَرُوس؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
برَقْمٍ ووَشْيٍ كَمَا نَمْنَمَتْ
…
بمِشْيَتِها المُزْدهاةُ الهَدِيّ
والهِدَاء: مَصْدَرُ قَوْلِكَ هَدَى العَرُوسَ. وهَدَى العروسَ إِلى بَعْلِها هِداء وأَهْدَاها واهْتَدَاها؛ الأَخيرة عَنْ أَبي عَلِيٍّ؛ وأَنشد:
كذَبْتُمْ وبَيتِ اللهِ لَا تَهْتَدُونَها
وَقَدْ هُدِيَتْ إِليه؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
فإِنْ تَكُنِ النِّساءُ مُخَبَّآتٍ،
…
فحُقَّ لكلِّ مُحْصِنةٍ هِداء
ابْنُ بُزُرْج: واهْتَدَى الرجلُ امرأَتَه إِذا جَمَعَها إِليه وضَمَّها، وَهِيَ مَهْدِيَّةٌ وهَدِيٌّ أَيضاً، على فَعِيلٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
أَلا يَا دارَ عَبْلةَ بالطَّوِيّ،
…
كرَجْعِ الوَشْمِ فِي كَفِّ الهَدِيّ
والهَدِيُّ: الأَسيرُ؛ قَالَ الْمُتَلَمِّسُ يَذْكُرُ طَرفة ومَقْتل عَمرو بْنِ هِند إِياه:
كطُرَيْفَةَ بنِ العَبْدِ كَانَ هَدِيَّهُمْ،
…
ضَرَبُوا صَمِيمَ قَذالِه بِمُهَنَّدِ
قَالَ: وأَظن المرأَة إِنما سُمِّيَتْ هَدِيًّا لأَنها كالأَسِير عِنْدَ زَوْجِهَا؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:
كَرَجْعِ الْوَشْمِ فِي كَفِّ الهَدِيّ
قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ سُمِّيَتْ هَدِيًّا لأَنها تُهْدَى إِلى زَوْجِهَا، فَهِيَ هَدِيٌّ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ. والهَدْيُ: مَا أُهْدِيَ إِلى مَكَّةَ مِنَ النَّعَم. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ
، وَقُرِئَ:
حَتَّى يَبْلُغَ الهَدِيُّ مَحِلَّه
، بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، الْوَاحِدَةُ هَدْيَةٌ وهَدِيَّةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي قرأَه بِالتَّشْدِيدِ الأَعرج وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقُ:
حَلَفْتُ برَبِّ مَكَّةَ والمُصَلَّى،
…
وأَعْناقِ الهَدِيِّ مُقَلَّداتِ
وَشَاهِدُ الهَدِيَّةِ قولُ ساعدةَ بْنِ جُؤَيَّة:
(1). قوله [أقول لها إلخ] صدره كما في الأساس:
لقد علمت أم الأديبر أنني
(2)
. قوله [اغبررن] كذا في الأصل والمحكم هنا، ووقع في مادة ع ف ر: اعتررن خطأ.
إِنِّي وأَيْدِيهم وَكُلَّ هَدِيَّة
…
مِمَّا تَثِجُّ لَهُ تَرائِبُ تَثْعَبُ
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الهَدْيُ، بِالتَّخْفِيفِ، لُغَةُ أَهل الْحِجَازِ، والهَدِيُّ، بِالتَّثْقِيلِ عَلَى فَعِيل، لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وسُفْلى قَيْسٍ، وَقَدْ قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ
. ويقال: ما لي هَدْيٌ إِن كَانَ كَذَا، وَهِيَ يَمِينٌ. وأَهْدَيْتُ الهَدْيَ إِلى بَيْتِ اللهِ إِهْدَاءً. وَعَلَيْهِ هَدْيَةٌ أَي بَدَنة. اللِّيْثُ وَغَيْرُهُ: مَا يُهْدى إِلى مَكَّةَ مِنَ النَّعَم وَغَيْرِهِ مِنْ مَالٍ أَو متاعٍ فَهُوَ هَدْيٌ وهَدِيٌّ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الإِبل هَدِيًّا، وَيَقُولُونَ: كَمْ هَدِيُّ بَنِي فُلَانٍ؛ يُعْنُونَ الإِبل، سُمِّيَتْ هَدِيّاً لأَنها تُهْدَى إِلى الْبَيْتِ. غَيْرُهُ: وَفِي حَدِيثِ
طَهْفةَ فِي صِفة السَّنةِ هَلَكَ الهَدِيُّ وَمَاتَ الوَديُ
؛ الهَدِيُّ، بِالتَّشْدِيدِ: كالهَدْي بِالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ مَا يُهْدى إِلى البَيْتِ الحَرام مِنَ النَّعَمِ لتُنْحَر فأُطلق عَلَى جَمِيعِ الإِبل وإِن لَمْ تَكُنْ هَدِيّاً تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِبَعْضِهِ، أَراد هَلَكَتِ الإِبل ويَبِسَتِ النَّخِيل. وَفِي حَدِيثِ
الْجُمُعَةِ:
فكأَنَّما أَهْدَى دَجاجةً وكأَنما أَهْدَى بَيْضةً
؛ الدَّجاجةُ والبَيضةُ لَيْسَتَا مِنَ الهَدْيِ وإِنما هُوَ مِنَ الإِبل وَالْبَقَرِ، وَفِي الْغَنَمِ خِلَافٌ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حُكْمِ مَا تَقدَّمه مِنَ الْكَلَامِ، لأَنه لَمَّا قَالَ أَهْدَى بَدَنَةً وأَهْدَى بَقَرَةً وَشَاةَ أَتْبَعه بالدَّجاجة وَالْبَيْضَةِ، كَمَا تَقُولُ أَكلت طَعاماً وشَراباً والأَكل يُخْتَصُّ بِالطَّعَامِ دُونَ الشَّرَابِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مُتَقَلِّداً سَيفاً ورُمْحاً
والتَّقَلُّدُ بِالسَّيْفِ دُونَ الرُّمْحِ. وفلانٌ هَدْيُ بَنِي فُلَانٍ وهَدِيُّهمْ أَي جارُهم يَحرم عَلَيْهِمْ مِنْهُ مَا يَحْرُم مِنَ الهَدْي، وَقِيلَ: الهَدْيُ والهَدِيُّ الرَّجُلُ ذُو الْحُرْمَةِ يأْتي الْقَوْمَ يَسْتَجِير بِهِمْ أَو يأْخذ مِنْهُمْ عَهْداً، فَهُوَ، مَا لَمْ يُجَرْ أَو يأْخذِ العهدَ، هَدِيٌّ، فإِذا أَخَذ العهدَ مِنْهُمْ فَهُوَ حِينَئِذٍ جارٌ لَهُمْ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
فلَمْ أَرَ مَعْشَراً أَسَرُوا هَدِيّاً،
…
ولمْ أَرَ جارَ بَيْتٍ يُسْتَباءُ
وقال الأَصمعي فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْبَيْتِ: هُوَ الرَّجل الَّذِي لَهُ حُرمة كحُرمة هَدِيِّ الْبَيْتِ، ويُسْتَباء: مِنَ البَواء أَي القَوَدِ أَي أَتاهم يَسْتَجير بِهِمْ فقَتلُوه بِرَجُلٍ مِنْهُمْ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ فِي قِرْواشٍ:
هَدِيُّكُمُ خَيْرٌ أَباً مِنْ أَبِيكُمُ،
…
أَبَرُّ وأَوْفى بالجِوارِ وأَحْمَدُ
وَرَجُلٌ هِدانٌ وهِداءٌ: للثَّقِيل الوَخْمِ؛ قَالَ الأَصمعي: لَا أَدري أَيّهما سَمِعْتُ أَكثر؛ قَالَ الرَّاعِي:
هِداءٌ أَخُو وَطْبٍ وصاحِبُ عُلْبةٍ
…
يَرى المَجْدَ أَن يَلْقى خِلاءً وأَمْرُعا «1»
ابْنُ سِيدَهْ: الهِداء الرَّجُلُ الضَّعِيفُ البَليد. والهَدْيُ: السُّكون؛ قَالَ الأَخطل:
وَمَا هَدى هَدْيَ مَهْزُومٍ وَمَا نَكَلا
يَقُولُ: لَمْ يُسْرِعْ إِسْراعَ المُنْهَزم وَلَكِنْ عَلَى سُكُونٍ وهَدْيٍ حَسَنٍ. والتَّهادِي: مَشْيُ النِّساء والإِبل الثِّقال، وَهُوَ مَشْيٌ فِي تَمايُل وَسُكُونٍ. وَجَاءَ فُلَانٌ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ إِذا كَانَ يَمْشِي بَيْنَهُمَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا مِنْ ضَعْفِهِ وتَمايُله. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، خَرَجَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يُهادَى بَيْنَ رَجُلَيْن
؛ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ أَنه كَانَ يَمْشِي بَيْنَهُمَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا مِنْ ضَعْفِه وتَمايُلِه، وَكَذَلِكَ كلُّ مَن فَعَلَ بأَحد فَهُوَ يُهَادِيه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
(1). قوله [خلاء] ضبط في الأصل والتهذيب بكسر الخاء.
يُهَادِينَ جَمَّاء المَرافِقِ وَعْثةً،
…
كَلِيلةَ حَجْمِ الكَعْبِ رَيَّا المُخَلْخَلِ
وإِذا فَعلت ذَلِكَ المرأَة وتَمايَلَتْ فِي مِشْيتها مِنْ غَيْرِ أَن يُماشِيها أَحد قِيلَ: تَهَادَى؛ قَالَ الأَعشى:
إِذا مَا تأَتَّى تُريدُ القِيام،
…
تَهَادَى كَمَا قَدْ رأَيتَ البَهِيرا
وجئتُكَ بَعْدَ هَدْءٍ مِن الليلِ، وهَدِيٍّ لُغَةٌ فِي هَدْءٍ؛ الأَخيرة عَنْ ثَعْلَبٍ. والهَادِي: الراكِسُ، وَهُوَ الثَّوْرُ فِي وَسَطِ البَيْدَر يَدُور عَلَيْهِ الثِّيرانُ فِي الدِّراسة؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
فَمَا فَضْلةٌ مِنْ أَذْرِعاتٍ هَوَتْ بِهَا
…
مُذَكَّرةٌ عنْسٌ كهَادِيَةِ الضَّحْلِ
أَراد بهَادِيَةِ الضَّحْلِ أَتانَ الضَّحْلِ، وَهِيَ الصَّخْرَةُ المَلْساء. والهادِيَةُ: الصَّخْرَةُ النابتةُ فِي الماء.
هذي: الهَذَيانُ: كَلَامٌ غَيْرُ مَعْقُولٍ مِثْلُ كَلَامِ المُبَرْسَم والمَعْتُوه. هَذَى يَهْذِي هَذْياً وهَذَيَاناً: تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ فِي مَرَضٍ أَو غَيْرِهِ، وهَذَى إِذا هذَرَ بِكَلَامٍ لَا يُفْهَمُ، وهَذَى بِهِ: ذَكَره فِي هُذائه، وَالْاسْمُ مِنْ ذَلِكَ الهُذَاء. وَرَجُلٌ هَذَّاءٌ وهَذَّاءَةٌ: يَهْذي فِي كَلَامِهِ أَو يهْذي بِغَيْرِهِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
هِذْرِيانٌ هَذِرٌ هَذَّاءَةٌ،
…
مُوشِكُ السِّقْطةِ ذُو لُبٍّ نَثِرْ
هَذَى فِي منْطِقه يَهْذِي ويَهْذُو. وهَذَوْتُ بِالسَّيْفِ: مِثْلُ هَذَذْتُ. وأَما هَذَا وهَذَان فَالْهَاءُ فِي هَذَا تَنْبِيهٌ، وَذَا إِشارة إِلى شيءٍ حَاضِرٍ، والأَصل ذَا ضُمَّ إِليها ها، وقد تقدم.
هرا: الهِرَاوَةُ: العَصا، وَقِيلَ: الْعَصَا الضَّخمةُ، وَالْجَمْعُ هَرَاوَى، بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْقِيَاسِ مِثْلُ المَطايا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الإِداوةِ، وهُرِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وكأَن هُرِيّاً وهِرِيّاً إِنما هُوَ عَلَى طَرْح الزَّائِدِ، وَهِيَ الأَلف فِي هِراوة، حَتَّى كأَنه قَالَ هَرْوَة ثُمَّ جَمَعه عَلَى فُعول كَقَوْلِهِمْ مَأْنةٌ ومُؤُونٌ وصَخْرة وصُخور؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
يُنَوَّخُ ثُمَّ يُضرَبُ بالهَرَاوَى،
…
فَلَا عُرْفٌ لَدَيْه وَلَا نَكِيرُ
وأَنشد أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ:
رأَيتك لَا تُغْنِينَ عَنِّي نَقْرةً،
…
إِذا اخْتَلَفَتْ فيَّ الهَرَاوَى الدَّمامِكُ
قَالَ: وَيُرْوَى الهِرِيُّ، بِكَسْرِ الْهَاءِ. وهَرَاه بالهِراوةِ يَهْرُوه هَرْواً وتَهَرَّاه: ضرَبه بالهِراوةِ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ مِلْقَط الطَّائِيُّ:
يَكْسى وَلَا يَغْرَثُ مَمْلُوكُها،
…
إِذا تَهَرَّتْ عَبْدَها الهارِيَهْ
وهَرَيْتُه بالعَصا: لُغَةٌ فِي هَرَوْتُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:
وإِنْ تَهَرَّاهُ بِهَا العَبْدُ الهارْ «2»
وهَرا اللحمَ هَرْواً: أَنْضَجه؛ حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ عَنْ أَبي مَالِكٍ وَحْدَهُ؛ قَالَ: وَخَالَفَهُ سَائِرُ أَهل اللُّغَةِ فَقَالَ هَرَأَ. وَفِي حَدِيثِ
سَطِيح: وخَرج صاحبُ الهِرَاوَةِ
؛ أَراد بِهِ سيدَنا رسولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لأَنه كَانَ يُمْسِك القَضِيب بِيَدِهِ كَثِيرًا، وَكَانَ يُمْشى بالعَصا بَيْنَ يَدَيْهِ وتُغْرَزُ لَهُ فيُصَلِّي إِليها، صلى الله عليه وسلم.
(2). قوله [وإن تهراه إلخ] قبله كما في التهذيب: لَا يَلْتَوِي مِنَ الْوَبِيلِ القسبار
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ لحَنِيفةِ «1» النَّعَمِ، وَقَدْ جَاءَ مَعَهُ بيَتيمٍ يَعْرِضُه عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ قارَبَ الاحتِلامَ ورآه نائماً فقال: لعَظُمَت هَذِهِ هِراوةُ يَتيمٍ
أَي شَخْصُه وجُثَّتُه، شبَّهه بالهِرَاوَة، وَهِيَ العَصا، كأَنه حِينَ رَآهُ عَظِيمَ الجُثّة اسْتَبْعَدَ أَن يُقَالَ لَهُ يَتِيمٌ لأَنّ اليُتْم فِي الصِّغَر. والهُرْيُ: بَيْتٌ كَبِيرٌ ضَخْم يُجْمَع فِيهِ طَعام السُّلْطانِ، وَالْجَمْعُ أَهْرَاء؛ قَالَ الأَزهريّ: وَلَا أَدرِي أَعربي هُوَ أَم دَخِيلٌ. وهَراةُ: مَوضِعٌ، النَّسَبُ إِليه هَرَوِيٌّ، قُلِبَتِ الْيَاءُ وَاوًا كَرَاهِيَةَ تَوَالِي الياءَات؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَضَيْنَا عَلَى أَنّ لَامَ هَرَاةَ يَاءٌ لأَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا، وإِذا وَقَفْتَ عَلَيْهَا وَقَفْتَ بِالْهَاءِ، وإِنما قِيلَ مُعاذ الهَرَّاء لأَنه كَانَ يَبِيع الثيابَ الهَرَوِيّة فَعُرِفَ بِهَا ولُقِّب بِهَا؛ قَالَ شَاعِرٌ مِنْ أَهل هَراةَ لَمَّا افْتَتَحَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ سَنَةَ 66:
عاوِدْ هَرَاةَ، وإِنْ مَعْمُورُها خَرِبا،
…
وأَسْعِدِ اليومَ مَشْغُوفاً إِذا طَرِبا
وارْجِعْ بِطَرْفِكَ نَحْوَ الخَنْدَقَيْنَ تَرَى
…
رُزءاً جَليلًا، وأَمْراً مُفْظِعاً عَجَبا:
هَامًا تَزَقَّى وأَوْصالًا مُفَرَّقةً،
…
ومَنْزِلًا مُقْفِراً مِنْ أَهْلِه خَرِبا
لَا تَأْمَنَنْ حَدَثاً قَيْسٌ وَقَدْ ظَلَمَتْ،
…
إِنْ أَحْدَثَ الدَّهْرُ فِي تَصْرِيفه عُقَبا
مُقَتَّلُون وقَتّالونَ، قَدْ عَلِمُوا
…
أَنَّا كذلِك نَلْقَى الحَرْبَ والحَرَبا
وهَرَّى فُلَانٌ عِمامته تَهْرِيَةً إِذَا صَفَّرها؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
رَأَيْتُكَ هَرَّيْتَ العِمامَةَ بَعْدَ ما
…
أَراك زَمَانًا فاصِعاً لَا تَعَصَّبُ
وَفِي التَّهْذِيبِ: حاسِراً لَا تَعَصَّبُ؛ مَعْنَاهُ جَعَلْتَهَا هَرَوِية، وَقِيلَ: صَبَغْتَها وصفَّرتها، وَلَمْ يُسْمَعْ بِذَلِكَ إِلا فِي هَذَا الشِّعْرِ، وَكَانَتْ ساداتُ الْعَرَبِ تَلْبَسُ العمَائم الصُّفر، وَكَانَتْ تُحمَل مِنْ هَراةَ مَصْبوغةً فَقِيلَ لِمَنْ لَبِسَ عِمَامَةً صَفْرَاءَ: قَدْ هَرَّى عِمامته، يُرِيدُ أَن السَّيِّدَ هُوَ الَّذِي يتَعمَّم بالعِمامة الصَّفْرَاءِ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هَرَّيت العِمامة لَبِسْتَهَا صَفْراء. ابْنُ الأَعرابي: ثَوْبٌ مُهَرًّى إِذا صُبِغَ بالصَّبِيب، وَهُوَ مَاءُ وَرَقِ السِّمْسِمِ، ومُهَرًّى أَيضاً إِذا كَانَ مَصْبُوغًا كَلَوْنِ المِشْمِش والسِّمسم. ابْنُ الأَعرابي: هَارَاه إِذا طانَزَه، وَرَاهَاهُ إِذا حامَقَه. والهِرَاوَةُ: فَرس الرَّيان بْنُ حُوَيْصٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو سَعِيدٍ السِّيرَافِيُّ عِنْدَ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ عَزَبٌ وأَعْزابٌ فِي بَابِ تَكْسِيرِ صِفَةِ الثُّلَاثِيِّ: كَانَ لِعَبْدِ الْقَيْسِ فَرَسٌ يُقَالُ لَهَا هِرَاوَةُ الأَعْزاب، يَرْكَبُهَا العَزَبُ ويَغْزُو عَلَيْهَا، فإِذا تأَهَّل أَعْطَوْها عَزَباً آخَرَ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ لَبِيَدٌ:
يَهْدِي أَوائِلَهُنّ كُلُّ طِمِرَّةٍ
…
جَرْداء مِثْلِ هِرَاوَةِ الأَعْزابِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: انْقَضَى كَلَامُ أَبي سَعِيدٍ، قَالَ: وَالْبَيْتُ لِعَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ لَا لِلْبَيْدٍ. وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ قَالَ: وَفِي
حَدِيثِ أَبي سَلَمَةَ أَنه، عليه السلام، قَالَ ذَاكَ الهُرَاء شَيْطَانٌ
(1). قوله [وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ لحنيفة إلخ] نص التكملة: وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: إِنَّ حنيفة النعم أتاه فأشهده ليتيم في حجره بأربعين من الإِبل التي كانت تسمى المطيبة في الجاهلية فَقَالَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم: فأين يتيمك يا أبا حذيم؟ وكان قد حمله معه، قال: هو ذاك النائم، وكان يشبه المحتلم. فَقَالَ، صلى الله عليه وسلم: لعظمت هذه هِرَاوَة يتيم، يريد شخص اليتيم وشطاطه شبه بالهراوة.
وُكِّل بالنُّفوس
، قِيلَ: لَمْ يُسْمَعِ الهُرَاء أَنه شَيْطَانٌ إِلا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: والهُراء فِي اللُّغَةِ السَّمْحُ الجَوادُ والهَذَيانُ، وَاللَّهُ أَعلم.
هسا: ابْنُ الأَعرابي: الأَهْسَاء المُتَحَيِّرُونَ.
هصا: ابْنُ الأَعرابي: هاصاهُ إِذا كَسَرَ صُلْبَهُ، وصاهاهُ: رَكِبَ صَهْوَته. والأَهصاء: الأَشِداء. وهَصا إِذا أَسَنَّ.
هضا: ابْنُ الأَعرابي: هاضاهُ إِذا اسْتَحْمَقَه واسْتَخَفَّ بِهِ. والأَهْضَاء: الجَماعات مِنَ النَّاسِ.
هطا: ابْنُ الأَعرابي: هَطَا إِذا رَمَى، وَطَهَا إِذا وَثَب.
هفا: هَفا فِي الْمَشْيِ هَفْواً وهَفَواناً: أَسرع وخَفَّ فِيهِ، قَالَهَا فِي الَّذِي يَهْفُو بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض. وهَفَا الظَّبْي يَهْفُو عَلَى وَجْهِ الأَرض هَفْواً: خَفَّ واشْتَدَّ عَدْوُه. ومرَّ الظبيُ يَهْفُو: مِثْلُ قَوْلِكَ يَطْفُو؛ قَالَ بِشْرٌ يَصِفُ فَرَسًا:
يُشَبِّه شَخْصُها، والخَيْلُ تَهْفُو
…
هُفُوًّا، ظِلَّ فَتْخاءِ الجَناحِ
وهَوَافِي الإِبل: ضَوالُّها كهَوامِيها. وَرُويَ أَن
الجارُودَ سأَل النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، عَنْ هَوَافِي الابِلِ
، وَقَالَ قَوْمٌ هَوامِي الإِبل؛ وَاحِدَتُهَا هافِيةٌ مَنْ هَفا الشَّيْءُ يَهْفُو إِذا ذَهَب. وهَفا الطائرُ إِذا طارَ، والرِّيحُ إِذا هَبَّتْ. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ، رضي الله عنه: أَنه وَلَّى أَبا غاضِرةَ الهَوَافِيَ
أَي الإِبلَ الضَّوالَّ. وَيُقَالُ لِلظَّلِيمِ إِذا عَدا: قَدْ هَفا، وَيُقَالُ الأَلف اللَّيِّنَةُ هافِيةٌ فِي الهَواء. وهَفا الطائرُ بجناحَيْهِ أَي خَفَقَ وطارَ؛ قَالَ:
وهْوَ إِذا الحَرْبُ هَفا عُقابُه،
…
مِرْجَمُ حَرْبٍ تَلْتَظِي حِرابُه
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَكَذَلِكَ القَلْبُ والرِّيحُ بِالْمَطَرِ تَطْرُدُه، والهَفَاء مَمْدُودٌ مِنْهُ؛ قَالَ:
أَبَعْدَ انْتِهاء القَلْبِ بَعْدَ هَفَائِه،
…
يَرُوحُ عَلَيْنا حُبُّ لَيْلَى ويَغْتَدِي؟
وَقَالَ آخَرُ:
أُولئكَ مَا أَبْقَيْنَ لِي مِنْ مُرُوءتي
…
هَفَاء، وَلَا أَلْبَسْنَني ثَوبَ لاعِبِ
وَقَالَ آخَرُ:
سائلةُ الأَصْداغِ يَهَفُو طاقُها
والطاقُ: الكِساء، وأَورد الأَزهري هَذَا الْبَيْتَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى وهف؛ وَقَالَ آخَرُ:
يَا ربِّ فَرِّقْ بَيْنَنا، يَا ذَا النِّعَمْ،
…
بشَتْوةٍ ذاتِ هَفَاء ودِيَمْ
والهَفْوَةُ: السَّقْطة والزَّلَّة. وَقَدْ هَفا يَهْفُو هَفْواً وهَفْوةً. والهَفْوُ: الذَّهاب فِي الْهَوَاءِ وهَفَا الشَّيْءُ فِي الْهَوَاءِ: ذَهَبَ. وهَفَت الصُّوفة فِي الهَواء تَهْفُو هَفْواً وهُفُوًّا: ذَهَبَتْ، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ. ورَفارِفُ الفُسطاط إِذا حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ قُلْتَ: يَهْفُو وتَهْفُو بِهِ الرِّيحُ، وهَفَت بِهِ الرّيحُ: حرَّكته وذَهَبت بِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: إِلى مَنابِتِ الشِّيحِ ومَهَافِي الرِّيحِ
؛ جَمْعُ مَهْفًى وَهُوَ مَوْضِعُ هُبُوبها فِي الْبَرَارِي. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: تَهْفُو مِنْهُ الرِّيحُ بجانِبٍ كأَنه جَناحُ نَسْرٍ
، يَعْنِي بَيْتًا تهُبُّ مِنْ جَانِبِهِ الرِّيحُ، وَهُوَ فِي صِغَرِهِ كَجَنَاحِ نَسْر. وهَفَا الفُؤاد: ذهَب فِي أَثر الشَّيْءِ وطَرِبَ. أَبو سَعِيدٍ: الهَفَاءة خَلَقَةٌ تَقْدُم الصَّبِيرَ، لَيْسَتْ مِنَ الْغَيْمِ فِي شَيْءٍ غَيْرَ أَنها تَسْتُر عَنْكَ الصَّبِيرَ، فإِذا جاوَزَت
بِذَلِكَ الصَّبير «1» ، وَهُوَ أَعْناقُ الغَمامِ السَّاطِعة فِي الأُفُق، ثم يَرْدُفُ الصِّبِيرَ الحَبيُّ، وَهُوَ مَا اسْتَكَفَّ مِنْهُ، وَهُوَ رَحا السَّحابَة، ثُمَّ الرَّبابُ تَحْتَ الحَبيِّ، وَهُوَ الَّذِي يَقْدُم الْمَاءَ، ثُمَّ روادفُه بَعْدَ ذَلِكَ؛ وأَنشد:
مَا رَعَدَتْ رَعْدَةً وَلَا بَرَقَتْ،
…
لكِنَّها أَنْشَأَت لَنا خَلَقَهْ
فالماءُ يَجْرِي وَلَا نِظامَ لهُ،
…
لَوْ يَجِدُ الماءُ مَخْرَجاً خَرَقَهْ
قَالَ: هَذِهِ صِفَةُ غَيْثٍ لَمْ يَكُنْ برِيحٍ وَلَا رَعْدٍ وَلَا بَرْق، وَلَكِنْ كَانَتْ دِيمةً، فَوَصَفَ أَنها أَغْدَقَتْ حَتَّى جَرَت الأَرضُ بغيرِ نِظَامٍ، ونِظامُ الْمَاءِ الأَوْدِيةُ. النَّضْرُ: الأَفاء القِطَعُ مِنَ الْغَيْمِ، وَهِيَ الفِرَقُ يَجِئن قِطَعاً كَمَا هِيَ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الْوَاحِدَةُ أَفاءةٌ، وَيُقَالُ هَفَاءةٌ أَيضاً. والهَفَا، مَقْصُورٌ: مَطَرٌ يَمْطُر ثُمَّ يَكُفُّ. أَبو زَيْدٍ: الهَفَاءَة، وَجَمْعُهَا الهَفَاء، نَحْوٌ مِنَ الرِّهْمة. الْعَنْبَرِيُّ: أَفاءٌ وأَفاءة؛ النَّضْرُ: هِيَ الهَفَاءة والأَفاءة والسُّدُّ والسَّماحِيقُ والجِلْبُ والجُلْبُ. غَيْرُهُ: أَفاء وأَفاءةٌ كأَنه أَبدل مِنَ الْهَاءِ هَمْزَةً، قَالَ: والهَفَاء مِنَ الغَلَط والزَّلَل مِثْلُهُ؛ قَالَ أَعرابي خيَّرَ امرأَته فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَنَدم:
إِلى اللَّهِ أَشْكُو أَنَّ مَيّاً تَحَمَّلَتْ
…
بِعَقْلِيَ مَظلوماً، ووَلَّيْتُها الأَمْرَا
هَفَاء مِن الأَمْرِ الدَّنِيِّ، وَلَمْ أُرِدْ
…
بِهَا الغَدْرَ يَوماً، فاسْتجازَت بيَ الغَدْرا
وهَفَتْ هافِيةٌ مِنَ النَّاسِ: طَرَأَتْ، وَقِيلَ: طَرَأَتْ عَنْ جَدْب، وَالْمَعْرُوفُ هَفَّتْ هافَّةٌ. وَرَجُلٌ هَفاةٌ: أَحْمق. والأَهْفَاء: الحَمْقَى مِنَ النَّاسِ. والهَفْو: الجُوع. وَرَجُلٌ هافٍ: جَائِعٌ. وَفُلَانٌ جَائِعٌ يَهْفُو فُؤادُه أَي يَخْفِقُ. والهَفْوَةُ: المَرُّ الْخَفِيفُ. والهَفاةُ: النَّظْرَةُ «2»
هقي: هقَى الرَّجُلُ يَهْقِي هَقْياً وهَرَف يَهْرِفُ: هَذى فأَكثر؛ قَالَ:
أَيُتْرَكُ عَيرٌ قاعِدٌ وَسْطَ ثَلَّةٍ،
…
وِعالاتُها تَهْقِي بأُمِّ حَبِيبِ؟
وأَنشد ابْنُ سِيدَهْ:
لَوْ أَنَّ شَيْخاً رَغِيبَ العَيْنِ ذَا أَبَلٍ
…
يَرْتادُه لِمَعَدٍّ كُلِّها لَهَقَى
قَوْلُهُ: ذَا أَبَلٍ أَي ذَا سِياسةٍ للأُمور ورِفْق بِهَا. وَفُلَانٌ يَهْقِي بِفُلَانٍ: يَهْذِي؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وهَقَى فُلَانٌ فُلَانًا يَهْقِيه هَقْياً: تَناوَله بِمَكْرُوهٍ وبقَبيح. وأَهْقَى: أَفْسَدَ. وهَقَى قلبُه: كهَفَا؛ عَنِ الْهَجَرِيِّ؛ وأَنشد:
فغَصَّ بِريقه وهَقَى حَشاه
هكا: الأَزهري: هاكاهُ إِذا اسْتَصْغَرَ عَقْلَه، وكاهاهُ فاخَره، وقد تقدم.
هلا: هَلا: زجر للخيل، وَقَدْ يُسْتَعَارُ للإِنسان؛ قَالَتْ لَيْلَى الأَخيلية:
وعَيَّرْتَني دَاءً بأُمِّكَ مثلُه،
…
وأَيُّ حَصانٍ لَا يقالُ لَهَا هَلَى؟
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَضَيْنَا عَلَى أَن لَامَ هَلَى يَاءٌ لأَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ ذَكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ فِي بَابِ الأَلف اللَّيِّنَةِ، وَقَالَ: إِنه بَابٌ مَبْنِيٌّ
(1). قوله [فَإِذَا جَاوَزَتْ بِذَلِكَ الصَّبِيرَ] كذا في الأصل وتهذيب الأَزهري حرفاً فحرفاً ولا جواب لإذا، ولعله فذلك الصبير، فتحرفت الفاء بالباء
(2)
. قوله [والهَفَاة النظرة] تبع المؤلف في ذلك الجوهري وغلطه الصاغاني، وقال: الصواب المطرة بالميم والطاء، وتبعه المجد.
عَلَى أَلفات غَيْرِ مُنْقَلِبَاتٍ مِنْ شَيْءٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ كَمَا تَرَى إِنه قُضِيَ عَلَيْهَا أَنَّ لَامَهَا يَاءٌ، وَاللَّهُ أَعلم؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ لَمَّا قَالَ الْجَعْدِيُّ لِلَيْلَى الأَخيلية:
أَلا حَيِّيا لَيْلى وقُولا لَهَا: هَلا
…
فَقَدْ رَكِبَتْ أَمْراً أَغْرَّ مُحَجَّلا
قَالَتْ لَهُ:
تُعَيِّرُنا دَاءً بأُمِّكَ مِثْلُه،
…
وأَيُّ حَصانٍ لا يقالُ لها هَلا؟
فَغَلَبَتْهُ: قَالَ وهَلا زَجْرٌ يُزْجَر بِهِ الْفَرَسُ الأَنثى إِذَا أُنزِي عَلَيْهَا الْفَحْلُ لتَقِرَّ وتَسْكُن. فِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّهَلًا بعُمر
أَي أَقْبِل وأَسْرِعْ أَي فأَقْبِل بِعُمْرَ وأَسْرِعْ، قَالَ: وَهِيَ كَلِمَتَانِ جُعِلَتَا وَاحِدَةً. فَحيَّ بِمَعْنَى أَقبِل، وهَلَا بمعنى أَسْرِعْ، وقيل: بِمَعْنَى اسكُتْ عِنْدَ ذِكْرِهِ حَتَّى تَنْقَضيَ فَضَائِلُهُ. وَفِيهَا لُغَاتٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ عَلَى ذَلِكَ. أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لِلْخَيْلِ هِي أَي أَقْبِلي «1» ، وهَلًا أَي قِرِّي، وأَرْحِبي أَي توَسَّعِي وتَنَحَّيْ. الْجَوْهَرِيُّ: هَلا زَجْرٌ لِلْخَيْلِ أَيْ تَوسَّعي وتَنَحَّيْ، وَلِلنَّاقَةِ أَيضاً؛ وَقَالَ:
حَتَّى حَدَوْناها بِهَيْدٍ وهَلا،
…
حَتَّى يُرى أَسْفَلُها صارَ عَلا
وَهُمَا زَجْرَانِ لِلنَّاقَةِ، ويُسكَّن بِهَا الإِناث عِنْدَ دُنُوّ الْفَحْلِ مِنْهَا. وأَما هَلَّا، بِالتَّشْدِيدِ، فأَصلها لَا، بُنِيَتْ مَعَ هَلْ فَصَارَ فِيهَا مَعْنَى التَّحْضِيضِ، كَمَا بَنَوْا لَوْلَا وأَلَّا جَعَلُوا كُلَّ وَاحِدَةٍ مَعَ لَا بِمَنْزِلَةِ حَرْفٍ وَاحِدٍ وأَخلصوهن لِلْفِعْلِ حَيْثُ دَخَلَ فِيهِنَّ مَعْنَى التَّحْضِيضِ. وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: هلَّا بِكْرًا تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ
؛ قَالَ: هلَّا، بِالتَّشْدِيدِ، حَرْفٌ مَعْنَاهُ الحَثُّ والتَّحْضيض. وَذَهَبَ بِذِي هِلِّيَانٍ [هِلِّيَانَ] وبذِي بِلِّيانٍ [بِلِّيانَ] وَقَدْ يُصْرَفُ أَي حَيْثُ لَا يُدْرَى أَين هُوَ. والهِلْيَوْنُ: نَبْتٌ عَرَبِيٌّ معروف، واحدته هِلْيَوْنَةٌ.
همي: هَمَتْ عينُه هَمْياً وهُمِيًّا وهَمَيَاناً: صَبَّتْ دَمْعَهَا؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَقِيلَ: سالَ دَمْعُها، وَكَذَلِكَ كلُّ سَائِلٍ مِنْ مَطَرٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْهَائِمِ فِي شَيْءٍ؛ قَالَ مُساوِر بْنُ هِنْدٍ:
حَتَّى إِذَا أَلْقَحْتها تَقَمَّما،
…
واحْتَمَلَتْ أَرْحامُها مِنْهُ دَمَا،
مِن آيِلِ الْمَاءِ الَّذِي كَانَ هَمَى
آيلُ الْمَاءِ: خاثِرُه، وَقِيلَ: الَّذِي قَدْ أَتى عَلَيْهِ الدهرُ، وَهُوَ بِالْخَاثِرِ هُنَا أَشبه لأَنه إِنما يَصِفُ مَاءَ الْفَحْلِ، وهَمَت السَّمَاءُ. ابْنُ سِيدَهْ: وهَمَت عينُه تَهْمُو صَبَّتْ دُموعها، وَالْمَعْرُوفُ تَهْمِي، وإِنما حَكَى الْوَاوَ اللِّحْيَانِيُّ وَحْدَهُ. والأَهْمَاء: الْمِيَاهُ السَّائِلَةُ. ابْنُ الأَعرابي: هَمَى وعَمى كُلُّ ذَلِكَ إِذَا سالَ. ابْنُ السِّكِّيتِ: كلُّ شيءٍ سَقَطَ مِنْكَ وضاعَ فَقَدْ هَمَى يَهْمِي. وهَمَى الشَّيءُ هَمْياً: سَقَطَ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وهَمَتِ النَّاقةُ هَمْياً: ذَهَبَتْ عَلَى وجْهها فِي الأَرض لرَعْيٍ وَلِغَيْرِهِ مُهْمَلةً بِلَا راعٍ وَلَا حَافِظٍ، وَكَذَلِكَ كلُّ ذاهِبٍ وسائلٍ. والهِمْيانُ: هِمْيانُ الدَّرَاهِمِ، بِكَسْرِ الْهَاءِ، الَّذِي تُجعل فِيهِ النَّفَقَةُ. والهِمْيانُ: شِدادُ السَّراوِيل؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْد: أَحسبه فارسّياً معرَّباً. وهِمْيانُ [هُمْيانُ] بنُ قُحافَة السَّعْدِي: اسْمُ شَاعِرٍ، تُكْسَرُ هاؤُه وَتُرْفَعُ. والهَمَيانُ: مَوْضِعٌ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وإِنَّ امْرأً أَمْسَى، ودُونَ حَبِيبِه
…
سَواسٌ فوادِي الرَّسِّ فالهَمَيانِ
(1). قوله [يُقَالُ لِلْخَيْلِ هِي أَي أقبلي] كذا بالأصل.
لَمُعْتَرِفٌ بالنَّأْيِ، بَعْدَ اقْتِرابِه،
…
ومَعْذُورةٌ عَيْناهُ بالهَمَلانِ
وهَمَتِ الماشيةُ إِذَا نَدَّت للرَّعْي. وهوامِي الإِبل: ضَوالُّها. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ رَجُلًا سأَل النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ إِنَّا نُصِيبُ هَوامِيَ الإِبلِ، فَقَالَ لضالَّةُ المُؤْمِنِ حَرَقُ النارِ
؛ أَبو عُبَيْدَةَ: الهَوَامِي الإِبلُ المُهمَلة بِلَا راعٍ، وَقَدْ هَمَتْ تَهْمِي فَهِيَ هَامِيةٌ إِذَا ذَهَبَتْ عَلَى وَجْهِها؛ نَاقَةٌ هامِيَةٌ وبَعير هامٍ، وكلُّ ذاهِبٍ وجارٍ مِنْ حَيوانٍ أَو مَاءٍ فَهُوَ هامٍ؛ وَمِنْهُ: هَمَى المطرُ، وَلَعَلَّهُ مَقْلُوبٌ مَنْ هامَ يَهِيمُ. وكلُّ ذَاهِبٍ وَسَائِلٍ مِنْ ماءٍ أَو مَطَرٍ أَو غَيْرِهِ فَقَدْ هَمَى؛ وأَنشد:
فَسَقَى دِيارَكِ، غَيْرَ مُفْسِدِها،
…
صَوْبُ الرَّبِيعِ ودِيمةٌ تَهْمِي
يَعْنِي تسِيل وتَذْهَب. اللَّيْثُ: هَمَى اسْمُ صَنَمٍ؛ وَقَوْلُ الْجَعْدِيِّ أَنشده أَبو الْهَيْثَمِ:
مِثْلُ هِمْيَانِ العَذَارَى بَطْنُه،
…
يَلْهَزُ الرَّوْضَ بِنُقْعانِ النَّفَلْ
وَيُرْوَى:
أَبْلَقُ الحَقْوَيْنِ مَشْطُوبُ الكَفَل
مَشْطُوبٌ أَي فِي عَجُزِهِ طرائقُ أَي خُطوطٌ وشُطُوبٌ طَوِيلٌ غَيْرُ مُدَّورٍ، والهِمْيَانُ: المِنْطَقةُ؛ يَقُولُ: بَطْنُه لَطِيف يُضَمُّ بَطْنُه كَمَا يُضَمُّ خَصْرُ العَذْراء، وَإِنَّمَا خَصَّ العَذْراء بِضَمِّ البطنِ دُونَ الثيِّبِ لأَن الثيِّب إِذَا وَلَدت مَرَّةً عَظُم بَطنُها. والهِمْيانُ: المِنْطَقة كُنَّ يَشددن بِهِ أَحْقِيَهُنَّ، إِمَّا تِكَّةٌ وَإِمَّا خَيْطٌ، ويَلْهَزُ: يأْكل، والنُّقْعانُ: مُسْتَقَرُّ الْمَاءِ. وَيُقَالُ: هَما وَاللَّهِ لقد قال كَذَا، بِمَعْنَى أَمَا وَاللَّهِ.
هنا: مَضَى هِنْوٌ مِنَ اللَّيْلِ أَي وَقْتٌ. والهِنْوُ: أَبو قَبِيلةٍ أَو قَبائلَ، وَهُوَ ابْنُ الأَزْدِ. وهَنُ المرأَةِ: فَرْجُها، والتَّثنية هَنانِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ هَنانانِ، ذَكَرَهُ مُسْتَشْهِدًا عَلَى أَنَّ كِلا لَيْسَ مَنْ لَفْظِ كُلٍّ، وشرحُ ذَلِكَ أَنّ هَنانانِ لَيْسَ تَثْنِيَةَ هَنٍ، وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ، كسِبَطْرٍ لَيْسَ مِنْ لَفْظِ سَبِط، وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ. أَبو الْهَيْثَمِ: كُلُّ اسْمٍ عَلَى حَرْفَيْنِ فَقَدْ حُذِفَ مِنْهُ حَرْفٌ. والهَنُ: اسْمٌ عَلَى حَرْفَيْنِ مِثْلُ الحِرِ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَمِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يَقُولُ الْمَحْذُوفُ مَنَ الهَنِ والهَنةِ الْوَاوُ، كَانَ أَصله هَنَوٌ، وَتَصْغِيرُهُ هُنَيٌّ لَمَّا صَغَّرْتَهُ حَرَّكَتْ ثانِيَه فَفَتَحْتَهُ وَجَعَلْتَ ثَالِثَ حُرُوفِهِ يَاءَ التَّصْغِيرِ، ثُمَّ رَدَدْتَ الْوَاوَ الْمَحْذُوفَةَ فَقُلْتَ هُنَيْوٌ، ثُمَّ أَدغمت ياءَ التَّصْغِيرِ فِي الْوَاوِ فَجَعَلْتَهَا يَاءً مُشَدَّدَةً، كَمَا قُلْنَا فِي أَب وأَخ إِنَّهُ حُذِفَ مِنْهُمَا الْوَاوُ وأَصلهما أَخَوٌ وأَبَوٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ رِكَابًا قَطَعَتْ بَلَداً:
جافِينَ عُوجاً مِن جِحافِ النُّكتِ،
…
وكَمْ طَوَيْنَ مِنْ هَنٍ وهَنَت
أَي مِنْ أَرضٍ ذَكَرٍ وأَرضٍ أُنثى، وَمِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يَقُولُ أَصلُ هَنٍ هَنٌّ، وَإِذَا صغَّرت قُلْتَ هُنَيْنٌ؛ وأَنشد:
يَا قاتَلَ اللهُ صِبْياناً تَجِيءُ بِهِمْ
…
أُمُّ الهُنَيْنِينَ مِنْ زَندٍ لَهَا وارِي
وأَحد الهُنَيْنِينَ هُنَيْنٌ، وَتَكْبِيرُ تَصْغِيرِهِ هَنٌّ ثُمَّ يُخَفَّفُ فَيُقَالُ هَنٌ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَهِيَ كِناية عَنِ الشَّيء يُسْتَفْحَش ذِكْرُهُ، تَقُولُ: لَهَا هَنٌ تُرِيدُ لَهَا حِرٌ كَمَا قَالَ العُماني:
لَهَا هَنٌ مُسْتَهْدَفُ الأَرْكانِ،
أَقْمَرُ تَطْلِيهِ بِزَعْفَرانِ،
…
كأَنَّ فِيهِ فِلَقَ الرُّمَّانِ
فَكَنَّى عَنِ الحِرِ بالهَنِ، فافْهَمْه. وَقَوْلُهُمْ: يَا هَنُ أَقْبِلْ يَا رَجُلُ أَقْبِلْ، وَيَا هَنانِ أَقْبِلا وَيَا هَنُونَ أَقْبِلوا، وَلَكَ أَن تُدخل فِيهِ الْهَاءَ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ فَتَقُولُ يَا هَنَهْ، كَمَا تَقُولُ لِمَهْ ومالِيَهْ وسُلْطانِيَهْ، وَلَكَ أَن تُشبع الْحَرَكَةَ فَتَتَوَلَّدُ الأَلف فَتَقُولُ يَا هَناة أَقْبِلْ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تَخْتَصُّ بِالنِّدَاءِ خَاصَّةً وَالْهَاءُ فِي آخِرِهِ تَصِيرُ تَاءً فِي الْوَصْلِ، مَعْنَاهُ يَا فُلَانُ، كَمَا يَخْتَصُّ بِهِ قَوْلُهُمْ يَا فُلُ وَيَا نَوْمانُ، وَلَكَ أَن تَقُولَ يَا هَناهُ أَقْبل، بِهَاءٍ مَضْمُومَةٍ، وَيَا هَنانِيهِ أَقْبِلا وَيَا هَنُوناهُ أَقْبِلوا، وَحَرَكَةُ الْهَاءِ فِيهِنَّ مُنْكَرَةٌ، وَلَكِنْ هَكَذَا رَوَى الأَخفش؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ لِامْرِئِ الْقَيْسِ:
وَقَدْ رابَني قَوْلُها: يا هَناهُ،
…
ويْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرًّا بِشَرْ
يَعْنِي كُنَّا مُتَّهَمَيْن فَحَقَّقْتُ الأَمر، وَهَذِهِ الْهَاءُ عِنْدَ أَهل الْكُوفَةِ لِلْوَقْفِ، أَلا تَرَى أَنه شَبَّهَهَا بِحَرْفِ الإِعراب فضمَّها؟ وَقَالَ أَهل الْبَصْرَةِ: هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ فِي هَنُوك وهَنَوات، فَلِهَذَا جَازَ أَن تَضُمَّهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيِّ: وَلَكِنْ حَكَى ابْنُ السَّراج عَنِ الأَخفش أَنَّ الهاءَ فِي هَناه هاه السَّكْتِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ يَا هَنانِيهْ، وَاسْتُبْعِدَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنها بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ لأَنه يَجِبُ أَن يُقَالَ يَا هَنَاهَانِ فِي التَّثْنِيَةِ، وَالْمَشْهُورُ يَا هَنانِيهْ، وَتَقُولُ فِي الإِضافة يَا هَني أَقْبِلْ، وَيَا هَنَيَّ أَقْبِلا، وَيَا هَنِيَّ أَقْبِلُوا، وَيُقَالُ للمرأَة يَا هَنةُ أَقْبلي، فَإِذَا وَقَفْتَ قُلْتَ يَا هَنَهْ؛ وأَنشد:
أُريدُ هَناتٍ منْ هَنِينَ وتَلْتَوِي
…
عليَّ، وَآبَى مِنْ هَنِينَ هَناتِ
وَقَالُوا: هَنْتٌ، بِالتَّاءِ سَاكِنَةُ النُّونِ، فَجَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ بِنْت وأُخْت وهَنْتانِ وهَناتٍ، تَصْغِيرُهَا هُنَيَّةٌ وهُنَيْهةٌ، فهُنَيَّة عَلَى الْقِيَاسِ، وهُنَيْهة عَلَى إِبْدَالِ الْهَاءِ مِنَ الْيَاءِ فِي هُنَيَّة لِلْقُرْبِ الَّذِي بَيْنَ الْهَاءِ وَحُرُوفِ اللِّينِ، وَالْيَاءُ فِي هُنَيَّة بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ فِي هُنَيْوة، وَالْجَمْعُ هَنات عَلَى اللَّفْظِ، وهَنَوات عَلَى الأَصل؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما هَنْت فَيَدُلُّ عَلَى أَن التَّاءُ فِيهَا بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ قَوْلُهُمْ هَنَوات؛ قَالَ:
أَرى ابنَ نِزارٍ قَدْ جَفاني ومَلَّني
…
عَلَى هَنَوَاتٍ، شَأْنُها مُتَتابعُ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَصْغِيرِهَا هُنَيَّة، تردُّها إِلَى الأَصل وتأْتي بِالْهَاءِ، كَمَا تَقُولُ أُخَيَّةٌ وبُنَيَّةٌ، وَقَدْ تُبْدَلُ مِنَ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ هَاءٌ فَيُقَالُ هُنَيْهة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَقام هُنَيَّةً
أَي قَلِيلًا مِنَ الزَّمَانِ، وَهُوَ تَصْغِيرُ هَنةٍ، وَيُقَالُ هُنَيْهةٌ أَيضاً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا بَدَلًا مِنَ التَّاءِ الَّتِي فِي هَنْت، قَالَ: وَالْجَمْعُ هَناتٌ، وَمَنْ رَدَّ قَالَ هَنَوَات؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْكُمَيْتِ شَاهِدًا لهَناتٍ:
وقالتْ ليَ النَّفْسُ: اشْعَبِ الصَّدْعَ، واهْتَبِلْ
…
لإِحْدى الهَنَاتِ المُعْضِلاتِ اهْتِبالَها
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الأَكوع: قَالَ لَهُ أَلا تُسْمِعنُا مِنْ هَنَاتِك
أَي مِنْ كَلِمَاتِكَ أَو مِنْ أَراجيزك، وَفِي رِوَايَةٍ:
مِنْ هُنَيَّاتِك
، عَلَى التَّصْغِيرِ، وَفِي أُخرى:
مِنْ هُنَيْهاتِك
، عَلَى قَلْبِ الْيَاءِ هَاءً. وَفِي فُلَانٍ هَنَوَاتٌ أَي خَصْلات شَرٍّ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْخَيْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
سَتَكُونُ هَناتٌ وهَناتٌ فَمَنْ رأَيتموه يَمْشِي إِلَى أُمة مُحَمَّدٍ ليُفَرِّقَ جَمَاعَتَهُمْ فَاقْتُلُوهُ
، أَي شُرورٌ وفَسادٌ، وَوَاحِدَتُهَا هَنْتٌ، وَقَدْ تُجْمَعُ عَلَى هَنَواتٍ، وَقِيلَ: وَاحِدَتُهَا هَنَةٌ تأْنيث
هَنٍ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كُلِّ اسْمُ جِنْسٍ. وَفِي حَدِيثِ
سَطِيحٍ: ثُمَّ تَكُونُ هَنَاتٌ وهَنَاتٌ
أَي شَدائدُ وأُمور عِظام. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رضي الله عنه: أَنه دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وَفِي الْبَيْتِ هَنَاتٌ مِنْ قَرَظٍ
أَي قِطَعٌ مُتَفَرِّقَةٌ؛ وأَنشد الْآخَرُ فِي هَنَوَات:
لَهِنَّكِ مِنْ عَبْسِيَّةٍ لَوَسِيمةٌ
…
عَلَى هَنَواتٍ كاذِبٍ مَن يَقُولُها
وَيُقَالُ فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً: يَا هَناهْ، بِزِيَادَةِ هَاءٍ فِي آخِرِهِ تَصِيرُ تَاءً فِي الْوَصْلِ، مَعْنَاهُ يَا فلانُ، قَالَ: وَهِيَ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ الَّتِي فِي هَنُوك وهَنَوات؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَقَدْ رابَني قَوْلُها: يا هَنَاهُ،
…
وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرّاً بِشَرّ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ بَابِ الأَلف اللَّيِّنَةِ: هَذَا وَهْمٌ مِنَ الْجَوْهَرِيِّ لأَن هَذِهِ الْهَاءَ هَاءُ السَّكْتِ عِنْدَ الأَكثر، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ الَّتِي هِيَ لَامٌ الْكَلِمَةِ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْحَرْفِ الأَصلي، وَإِنَّمَا تِلْكَ الْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِمْ هَنْت الَّتِي تُجْمَعُ هَنات وهَنَوات، لأَن الْعَرَبَ تَقِفُ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ فَتَقُولُ هَنَهْ، وَإِذَا وَصَلُوهَا قَالُوا هَنْت فَرَجَعَتْ تَاءً، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ فِي بَيْتِ امْرِئِ الْقَيْسِ، قَالَ: أَصله هناوٌ، فأَبدل الْهَاءَ مِنَ الْوَاوِ فِي هَنَوَاتٍ وَهْنُوكَ، لأَن الْهَاءَ إِذَا قَلَّت فِي بابِ شَدَدْتُ وقَصَصْتُ فَهِيَ فِي بابِ سَلِسَ وقَلِقَ أَجْدَرُ بالقِلة فَانْضَافَ هَذَا إِلَى قَوْلِهِمْ فِي مَعْنَاهُ هَنُوكَ وهَنواتٌ، فَقَضَيْنَا بأَنها بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّ الْهَاءَ فِي هَنَاه إِنَّمَا هِيَ بَدَلٌ مِنَ الأَلف الْمُنْقَلِبَةِ مِنَ الْوَاوِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ أَلِفِ هَنَاهُ، إِذْ أَصله هَناوٌ ثُمَّ صارَ هَناءً، كَمَا أَن أَصل عَطاء عَطاوٌ ثُمَّ صَارَ بَعْدَ الْقَلْبِ عَطَاءً، فَلَمَّا صَارَ هَنَاءً والتَقَت أَلفان كُرِهَ اجْتِمَاعُ السَّاكِنَيْنِ فَقُلِبَتِ الأَلف الأَخيرة هَاءً، فَقَالُوا هِنَاهُ، كَمَا أَبدلَ الجميعُ مِنْ أَلف عَطَاءٍ الثَّانِيَةِ هَمْزَةً لِئَلَّا يَجْتَمِعَ هَمْزَتَانِ، لَكَانَ قَوْلًا قَوِيًّا،، وَلَكَانَ أَيضاً أَشبه مِنْ أَن يَكُونَ قُلِبَتِ الْوَاوُ فِي أَوّل أَحوالها هَاءً مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن مِنْ شَرِيطَةِ قَلْبِ الْوَاوِ أَلفاً أَن تَقَعَ طرَفاً بَعْدَ أَلف زَائِدَةٍ وَقَدْ وَقَعَتْ هُنَا كَذَلِكَ، وَالْآخَرُ أَن الْهَاءَ إِلَى الأَلف أَقرب مِنْهَا إِلَى الْوَاوِ، بَلْ هُمَا فِي الطَّرَفَيْنِ، أَلا تَرَى أَن أَبا الْحَسَنِ ذَهَبَ إِلَى أَن الْهَاءَ مَعَ الأَلف مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، لَقُرْبِ مَا بَيْنَهُمَا، فَقَلْبُ الأَلف هَاءً أَقْرَبُ مِنْ قَلْبِ الْوَاوِ هَاءً؟ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: ذَهَبَ أَحد عُلَمَائِنَا إِلَى أَن الْهَاءَ مِنْ هَناه إِنَّمَا أُلحقت لِخَفَاءِ الأَلف كَمَا تَلْحَقُ بَعْدَ أَلف النُّدْبَةِ فِي نَحْوِ وا زيداه، ثم شبهت بالهاء الأَصلية فَحُرِّكَتْ فَقَالُوا يَا هَنَاهُ. الْجَوْهَرِيُّ: هَنٌ، عَلَى وَزْنِ أَخٍ، كَلِمَةُ كِنَايَةٍ، وَمَعْنَاهُ شَيْءٌ، وأَصله هَنَوٌ. يُقَالُ: هَذَا هَنُكَ أَي شَيْئُكَ. والهَنُ: الحِرُ؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:
رُحْتِ، وَفِي رِجْلَيْكِ مَا فِيهِمَا،
…
وَقَدْ بَدا هَنْكِ منَ المِئْزَرِ
إِنَّمَا سَكَّنَهُ لِلضَّرُورَةِ. وذهَبْت فهَنَيْت: كِنَايَةٌ عَنْ فعَلْت مِنْ قَوْلِكَ هَنٌ، وهُما هَنوانِ، وَالْجَمْعُ هَنُونَ، وَرُبَّمَا جاءَ مشدَّداً لِلضَّرُورَةِ فِي الشِّعْرِ كَمَا شَدَّدُوا لَوًّا؛ قَالَ الشَّاعِرِ:
أَلا ليْتَ شِعْري هَلْ أَبيتَنَّ ليْلةً،
…
وهَنِّيَ جاذٍ بينَ لِهْزِمَتَيْ هَنِ؟
وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ تَعَزَّى بعَزاء الجاهِلِيَّةِ فأَعِضُّوه بِهَنِ أَبيه وَلَا تَكْنُوا
أَي قُولُوا لَهُ عَضَّ بأَيْرِ أَبيكَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي ذَرٍّ: هَنٌ مِثْلُ الخَشبة غَيْرَ أَني لَا أَكْني
يَعْنِي أَنه أَفْصَحَ بِاسْمِهِ، فَيَكُونُ قَدْ قَالَ أَيْرٌ مثلُ الخَشبةِ، فَلَمَّا أَراد أَن يَحكي كَنى عَنْهُ. وَقَوْلُهُمْ: مَن يَطُلْ هَنُ أَبيهِ يَنْتَطِقْ بِهِ أَي يَتَقَوَّى بِإِخْوَتِهِ؛
وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرِ:
فلَوْ شَاءَ رَبي، كَانَ أَيْرُ أَبيكُمْ
…
طَويلًا كأَيْرِ الحرِثِ بن سَدُوسِ
وهو الحَرِثُ بْنِ سَدُوسِ بْنِ ذُهْل بْنِ شَيْبانَ، وَكَانَ لَهُ أَحد وَعِشْرُونَ ذَكَرَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَعُوذُ بكَ مِنْ شَرَّ هَنِي
، يَعْنِي الفَرْج. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ هَنانِ وهَنُونَ أَسماء لَا تنكَّر أَبداً لأَنها كِنَايَاتٌ وَجَارِيَةٌ مَجْرَى الْمُضْمَرَةِ، فإِنما هِيَ أَسماء مَصُوغَةٌ لِلتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ بِمَنْزِلَةِ اللَّذَيْنِ والذِين، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الأَسماء الْمُثَنَّاةِ نَحْوَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، أَلا تَرَى أَن تَعْرِيفَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو إِنَّمَا هُمَا بِالْوَضْعِ وَالْعَلَمِيَّةِ، فَإِذَا ثَنَّيْتَهُمَا تنكَّرا فَقُلْتَ رأَيت زَيْدَيْنِ كَرِيمَيْنِ وَعِنْدِي عَمْرانِ عاقِلانِ، فإِن آثَرْتَ التَّعْرِيفَ بالإِضافة أَو بِاللَّامِ قُلْتَ الزَّيْدَانِ والعَمران وزَيْداك وعَمْراك، فَقَدْ تَعَرَّفا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ تَعَرُّفهما قَبْلَهَا، وَلَحِقَا بالأَجناس فَفَارَقَا مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَلَمِيَّةِ وَالْوَضْعِ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَقَدْ رابَني قَوْلُها: يا هناهُ،
…
وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرًّا بِشَرْ
قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ يَا هَن أَقبل، وَيَا هَنوان أَقبلا، فَقَالَ: هَذِهِ اللُّغَةُ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ هَنَوَاتٌ؛ وأَنشد الْمَازِنِيُّ:
عَلَى مَا أَنَّها هَزِئَتْ وقالتْ:
…
هَنُونَ أَحنّ مَنشَؤُه قريبُ
«2» فإنْ أَكْبَرْ، فَإِنِّي فِي لِداتي،
…
وغاياتُ الأَصاغِر للمَشِيب
قَالَ: إِنَّمَا تَهْزَأُ بِهِ، قَالَتْ: هَنُونَ هَذَا غُلَامٌ قَرِيبُ الْمَوْلِدِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَإِنَّمَا تَهَكَّمَ بِهِ، وَقَوْلُهَا: أَحنّ أَي وَقَعَ فِي مِحْنَةٍ، وَقَوْلُهَا: مَنْشَؤُهُ قَرِيبُ أَي مَوْلِدُهُ قَرِيبٌ، تَسْخَرُ مِنْهُ. اللَّيْثُ: هنٌ كَلِمَةٌ يُكَنَّى بِهَا عَنِ اسْمِ الإِنسان، كَقَوْلِكَ أَتاني هَنٌ وأَتتني هَنَةٌ، النُّونُ مَفْتُوحَةٌ فِي هَنَة، إِذَا وَقَفْتَ عِنْدَهَا، لِظُهُورِ الْهَاءِ، فَإِذَا أَدرجتها فِي كَلَامٍ تَصِلُهَا بِهِ سكَّنْت النُّونَ، لأَنها بُنيت فِي الأَصل عَلَى التَّسْكِينِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ الْهَاءُ وَجَاءَتِ التَّاءُ حَسُن تَسْكِينُ النُّونِ مَعَ التَّاءِ، كَقَوْلِكَ رأَيت هَنْةَ مُقْبِلَةً، لَمْ تَصْرِفْهَا لأَنها اسْمُ مَعْرِفَةٍ لِلْمُؤَنَّثِ، وَهَاءُ التَّأْنِيثِ إِذَا سَكَنَ مَا قَبْلَهَا صَارَتْ تَاءً مَعَ الأَلف لِلْفَتْحِ، لأَن الْهَاءَ تَظْهَرُ مَعَهَا لأَنها بُنيت عَلَى إِظْهار صَرْفٍ فِيهَا، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْفَتْحِ الَّذِي قَبْلَهُ، كَقَوْلِكَ الحَياة الْقَنَاةُ، وَهَاءُ التأْنيث أَصل بِنَائِهَا مِنَ التَّاءِ، وَلَكِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ تَأْنِيثِ الْفِعْلِ وتأْنيث الِاسْمِ فَقَالُوا فِي الْفِعْلِ فَعَلَتْ، فَلَمَّا جَعَلُوهَا اسْمًا قَالُوا فَعْلَة، وإِنما وَقَفُوا عِنْدَ هَذِهِ التَّاءِ بِالْهَاءِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُرُوفِ، لأَن الْهَاءَ أَلْيَنُ الْحُرُوفِ الصِّحاحِ وَالتَّاءُ مِنَ الْحُرُوفِ الصِّحَاحِ، فَجَعَلُوا الْبَدَلَ صَحِيحًا مثلَها، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْحُرُوفِ حَرْفٌ أَهَشُّ مِنَ الْهَاءِ لأَن الْهَاءَ نَفَس، قَالَ: وأَما هَنٌ فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُسَكِّنُ، يَجْعَلُهُ كقَدْ وبَلْ فَيَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى هَنْ يَا فَتًى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هنٍ، فَيُجْرِيهَا مَجْرَاهَا، وَالتَّنْوِينُ فِيهَا أَحسن كَقَوْلِ رُؤْبَةَ:
إذْ مِنْ هَنٍ قَوْلٌ، وقَوْلٌ مِنْ هَنِ
وَاللَّهُ أَعلم. الأَزهري: تَقُولُ الْعَرَبُ يَا هَنا هَلُمَّ، وَيَا هَنَانِ هَلُمَّ، وَيَا هَنُونَ هَلُمَّ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ أَيضاً: يَا هَنَاهُ هَلُمَّ، وَيَا هَنَانِ هَلُمَّ، وَيَا هَنُونَ هلمَّ، وَيَا هَنَاه، وَتَلْقَى الْهَاءَ فِي الإِدراج، وَفِي الْوَقْفِ يَا هَنَتَاهْ وَيَا هَناتُ هَلُمَّ؛ هَذِهِ لُغَةُ عُقَيل وَعَامَّةِ قَيْسٍ بَعْدُ. ابْنُ الأَنباري: إِذَا نَادَيْتَ مُذَكَّرًا بِغَيْرِ
(2). قوله [أَحَنَّ] أَيْ وَقَعَ فِي محنة، كذا بالأَصل، ومقتضاه أنه كضرب فالنون خفيفة والوزن قاضٍ بتشديدها.
التَّصْرِيحِ بِاسْمِهِ قُلْتَ يَا هَنُ أَقبِل، وَلِلرَّجُلَيْنِ: يَا هَنانِ أَقبلا، وَلِلرِّجَالِ: يَا هَنُونَ أَقْبِلوا، وللمرأَة: يَا هَنْتُ أَقبلي، بِتَسْكِينِ النُّونِ، وللمرأَتين: يَا هَنْتانِ أَقبلا، وَلِلنِّسْوَةِ: يَا هَناتُ أَقبلن، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ الأَلف وَالْهَاءَ فَيَقُولُ لِلرَّجُلِ: يَا هناهُ أَقْبِلْ، وَيَا هناهِ أَقبلْ، بِضَمِّ الْهَاءِ وَخَفْضِهَا؛ حَكَاهُمَا الْفَرَّاءُ؛ فَمَنْ ضَمَّ الْهَاءَ قَدَّرَ أَنها آخِرُ الِاسْمِ، وَمَنْ كَسَرَهَا قَالَ كَسَرْتُهَا لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ، وَيُقَالُ فِي الِاثْنَيْنِ، عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ: يَا هَنانِيه أَقبلا. الْفَرَّاءُ: كَسْرُ النُّونِ وإِتباعها الْيَاءَ أَكثر، وَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ: يَا هَنوناهُ أَقبلوا، قَالَ: وَمَنْ قَالَ لِلذَّكَرِ يَا هَناهُ وَيَا هَناهِ قَالَ للأُنثى يَا هَنَتاهُ أَقبلي وَيَا هَنَتاهِ، وَلِلِاثْنَتَيْنِ يَا هَنْتانيه وَيَا هَنْتاناه أَقبلا، وَلِلْجَمْعِ مِنَ النِّسَاءِ يَا هَناتاه؛ وأَنشد:
وَقَدْ رابَني قَوْلُها: يا هَناه،
…
وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرّاً بِشَرّ
وَفِي الصِّحَاحِ: وَيَا هَنُوناهُ أَقبلوا. وإِذا أَضفت إِلى نَفْسِكَ قُلْتَ: يَا هَنِي أَقْبِل، وإِن شِئْتَ قُلْتَ: يَا هَنِ أَقبل، وَتَقُولُ: يَا هَنَيَّ أَقبِلا، وَلِلْجَمْعِ: يَا هَنِيَّ أَقبِلوا، فَتَفْتَحُ النُّونَ فِي التَّثْنِيَةِ وَتَكْسِرُهَا فِي الْجَمْعِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الأَحوص الجُشَمِي: أَلستَ تُنْتَجُها وافِيةً أَعْيُنُها وآذانُها فتَجْدَعُ هَذِهِ وَتَقُولُ صَرْبَى، وتَهُنُّ هَذِهِ وَتَقُولُ بَحِيرة
؛ الهَنُ والهَنُّ، بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ: كِنَايَةٌ عَنِ الشَّيْءِ لَا تَذْكُرُهُ بِاسْمِهِ، تَقُولُ أَتاني هَنٌ وهَنةٌ، مُخَفَّفًا ومشدَّداً. وهَنَنْتُه أَهنُّه هَنًّا إِذا أَصبت مِنْهُ هَناً، يُرِيدُ أَنك تَشُقُّ آذَانَهَا أَو تُصيب شَيْئًا مِنْ أَعضائها، وَقِيلَ: تَهُنُّ هَذِهِ أَي تُصيب هَن هَذِهِ أَي الشَّيْءَ مِنْهَا كالأُذن وَالْعَيْنِ وَنَحْوِهَا؛ قَالَ الْهَرَوِيُّ: عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَى الأَزهري فأَنكره وَقَالَ: إِنما هُوَ وتَهِنُ هَذِهِ أَي تُضْعِفُها، يُقَالُ: وهَنْتُه أَهِنُه وهْناً، فَهُوَ مَوْهون أَي أَضعفته. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: رضي الله عنه، وذكرَ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَقَالَ: ثُمَّ إِن هَنِيناً أَتَوْا عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ طِوال
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَحمد فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ حَدِيثِهِ مَضْبُوطًا مُقَيَّدًا، قَالَ: وَلَمْ أَجده مَشْرُوحًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْغَرِيبِ إِلا أَن أَبا مُوسَى ذَكَرَهُ فِي غَرِيبِهِ عَقِيبَ أَحاديث الهَنِ والهَناة. وَفِي حَدِيثِ الْجِنِّ:
فإِذا هُوَ بهَنِينٍ «3» كأَنهم الزُّطُّ
، ثُمَّ قَالَ: جَمْعُه جَمْعُ السَّلَامَةِ مِثْلُ كُرة وكُرِينَ، فكأَنه أَراد الْكِنَايَةَ عَنْ أَشخاصهم. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَذَكَرَ هَنةً مِنْ جِيرَانِهِ
أَي حَاجَةً، ويعبَّر بِهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَفِي حَدِيثِ الإِفْك:
قلتُ لَهَا يَا هَنْتاه
أَي يَا هَذِهِ، وتُفتح النونُ وَتَسْكُنُ، وَتُضَمُّ الْهَاءُ الأَخيرة وَتَسْكُنُ، وَقِيلَ: مَعْنَى يَا هَنْتاه يَا بَلْهاء، كأَنها نُسِبت إِلى قِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ بِمَكَايِدِ النَّاسِ وشُرُورهم. وَفِي حَدِيثِ
الصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَد: فَقُلْتُ يَا هَنَاهُ إِني حَرِيصٌ عَلَى الجِهاد.
والهَنَاةُ: الداهِيةُ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ هَنَوَات؛ وأَنشد:
عَلَى هَنَوَاتٍ كلُّها مُتَتابِعُ
وَالْكَلِمَةُ يَائِيَّةٌ. وَوَاوِيَّةٌ، والأَسماء الَّتِي رَفْعُهَا بِالْوَاوِ وَنَصْبُهَا بالأَلف وَخَفْضُهَا بِالْيَاءِ هِيَ فِي الرَّفْعِ: أَبُوكَ وأَخُوكَ وحَمُوكِ وفُوكَ وهَنُوكَ وَذُو مَالٍ، وَفِي النَّصْبِ: رأَيتُ أَباكَ وأَخاكَ وفاكَ وحماكِ وهَناكَ وَذَا مَالٍ، وَفِي الْخَفْضِ: مررتُ بأَبيكَ وأَخيكَ وحميكِ وفيكَ وهَنِيكَ وَذِي مالٍ؛ قَالَ النَّحْوِيُّونَ: يُقَالُ هَذَا هَنُوكَ لِلْوَاحِدِ فِي الرَّفْعِ، ورأَيت هَنَاكَ فِي النَّصْبِ، وَمَرَرْتُ بهَنِيك فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ، مِثْلُ تَصْريف أَخواتها كما تقدم.
(3). قوله [بهنين] كذا ضبط في الأصل وبعض نسخ النهاية.
هوا: الهَواء، مَمْدُودٌ: الجَوُّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض، وَالْجَمْعُ الأَهْوِيةُ، وأَهلُ الأَهْواء وَاحِدُهَا هَوًى، وكلُّ فارغٍ هَواء. والهَواء: الجَبانُ لأَنه لَا قَلْبَ لَهُ، فكأَنه فارغٌ، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَقَلْبٌ هَوَاءٌ: فارغٌ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ
؛ يُقَالُ فِيهِ: إِنه لَا عُقولَ لَهُمْ. أَبو الْهَيْثَمِ: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ
قَالَ كأَنهم لَا يَعْقِلون مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ الزُّجَاجُ: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ
أَي مُنْحَرِفة «1» لَا تَعِي شَيْئًا مِنَ الخَوْفِ، وَقِيلَ: نُزِعَتْ أَفْئدَتُهم مِنْ أَجْوافِهم؛ قَالَ حَسَّانَ:
أَلا أَبْلِغْ أَبا سُفيانَ عَنِّي،
…
فَأَنْتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَواه
والهَواء والخَواء وَاحِدٌ. والهَوَاء: كُلُّ فُرْجةٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كَمَا بَيْنَ أَسْفَلِ الْبَيْتِ إِلى أَعْلاه وأَسْفَلِ البئرِ إِلى أَعْلاها. وَيُقَالُ: هَوَى صَدْرُه يَهْوِي هَوَاء إِذا خَلَا؛ قَالَ جَرِيرٌ:
ومُجاشِعٌ قَصَبٌ هَوَتْ أَجْوافُه،
…
لَوْ يُنْفَخُونَ مِنَ الخُؤُورةِ طارُوا
أَي هُمْ بِمَنْزِلَةِ قَصَبٍ جَوْفُه هَوَاء أَي خالٍ لَا فُؤادَ لَهُمْ كالهَواء الَّذِي بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ:
كأَنّ الرَّحل مِنها فَوْق صَعْلٍ،
…
مِنَ الظِّلْمانِ، جُؤْجُؤه هَواء
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كُلٌّ خالٍ هَوَاء؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ كَعْبُ الأَمثال:
وَلَا تَكُ مِنْ أَخْدانِ كُلِّ يَراعةٍ
…
هَوَاء كسَقْبِ الْبَانِ، جُوفٍ مَكاسِرُهْ
قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عز وجل: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ
؛ وَفِي حَدِيثِ
عَاتِكَةَ:
فَهُنَّ هَواءٌ والحُلُومُ عَوازِبُ
أَي بَعِيدةٌ خاليةُ الْعُقُولِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ
. والمَهْوَاةُ والهُوَّةُ والأُهْوِيَّةُ والهَاوِيَةُ: كالهَواء. الأَزهري: المَهْوَاةُ مَوْضِع فِي الهَواء مُشْرِفٌ مَا دُونَه مِنْ جَبَلٍ وَغَيْرِهِ: وَيُقَالُ: هَوَى يَهْوِي هَوَياناً، ورأَيتهم يَتَهاوَوْنَ فِي المَهْواةِ إِذا سَقَطَ بعضُهم فِي إِثْر بَعْضٍ. الْجَوْهَرِيُّ: والمَهْوَى والمَهْواةُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وتَهَاوَى القَوْمُ مِنَ المَهواةِ إِذا سقَط بَعضُهم فِي إِثر بَعْضٍ. وهَوَتِ الطَّعْنَةُ تَهْوِي: فتَحَت فَاهَا بِالدَّمِ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
فاخْتاضَ أُخْرَى فَهَوَتْ رُجُوحا
…
لِلشِّقِّ، يَهْوِي جُرْحُها مَفْتُوحا
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
طَوَيْناهُما، حَتَّى إِذا مَا أُنِيخَتا
…
مُناخاً، هَوَى بَيْنَ الكُلَى والكَراكِرِ
أَي خَلا وَانْفَتَحَ مِنَ الضُّمْر. وهَوَى وأَهْوَى وانْهَوَى: سَقَط؛ قَالَ يَزيدُ بْنُ الحَكَم الثَّقَفِيُّ:
وكَمْ مَنْزِلٍ لَوْلايَ طِحْتَ، كَمَا هَوَى،
…
بأَجْرامِه مِن قُلَّةِ النِّيقِ، مُنْهَوِي
وهَوت العُقابُ تَهْوِي هُوِيًّا إِذا انْقَضَّت عَلَى صَيْدٍ أَو غَيْرِهِ مَا لَمْ تُرِغْه، فإِذا أَراغَتْه قِيل: أَهْوَتْ لَهُ إِهْوَاء؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
أَهْوَى لَهَا أَسْفَعُ الخَدَّيْنِ مُطَّرِقٌ
…
رِيش القَوادِمِ، لَمْ يُنْصَبْ لَهُ الشَّبَك
والإِهْواء: التَّناوُل بِالْيَدِ والضَّرْبُ، والإِراغةُ: أَن يَذْهَبَ الصَّيدُ هَكَذَا وَهَكَذَا والعُقاب تَتْبَعُه.
(1). قوله [منحرفة] في التهذيب: منخرقة.
ابْنُ سِيدَهْ: والإِهْوَاء والاهْتِوَاء الضَّرب بِالْيَدِ والتناوُلُ. وهَوَت يَدِي لِلشَّيْءِ وأَهْوَتْ: امْتَدَّت وارْتَفَعَت. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هَوَى إِليه مِن بُعْدٍ، وأَهْوَى إِليه مِنْ قُرْبٍ، وأَهْوَيْت لَهُ بِالسَّيْفِ وَغَيْرِهِ، وأَهْوَيْت بِالشَّيْءِ إِذا أَوْمَأْت بِهِ، وأَهْوَى إِليه بِيَدِهِ ليأْخذه. وَفِي الْحَدِيثِ:
فأَهْوَى بِيَدِهِ إِليه
أَي مَدَّها نَحْوَه وأَمالها إِليه. يُقَالُ: أَهْوَى يَده وَبِيَدِهِ إِلى الشَّيْءِ ليأْخذه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَصمعي يُنْكِرُ أَن يأْتي أَهْوَى بِمَعْنَى هَوَى، وَقَدْ أَجازه غَيْرُهُ، وأَنشد لِزُهَيْرٍ:
أَهْوَى لَها أَسْفَعُ الخَدَّيْنِ مُطَّرِقٌ
وَكَانَ الأَصمعي يَرْوِيهِ: هَوَى لَهَا؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ أَيضاً:
أَهْوَى لَها فانْتَحَتْ كالطَّيْرِ حَانِيَةً،
…
ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا، وَهُوَ مُخْتَضِعُ
قال ابْنُ أَحمر:
أَهْوَى لَها مِشْقَصاً حَشْراً فَشَبْرَقَها،
…
وكُنْتُ أَدْعُو قَذاها الإِثْمِدَ القَرِدا
وأَهْوَى إِليه بسَهْم واهْتَوَى إِليه بِهِ. والهَاوِي مِنَ الحُروف وَاحِدٌ: وَهُوَ الأَلف، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ امْتِدَادِهِ وسَعة مَخرجه. وهَوَتِ الرِّيح هَوِيًّا: هَبَّتْ؛ قَالَ:
كأَنَّ دَلْوِي فِي هَوِيِّ رِيحِ
وهَوَى، بِالْفَتْحِ، يَهْوِي هَوِيًّا وهُوِيًّا وهَوَياناً وانْهَوَى: سَقَط مِن فوقُ إِلى أَسفل، وأَهْوَاهُ هُو. يُقَالُ: أَهْوَيْتُه إِذا أَلقَيْتَه مِنْ فَوْقُ. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى
؛ يَعْنِي مَدائنَ قومِ لُوط أَي أَسْقَطَها فَهَوَت أَي سَقَطَت. وهَوَى السَّهْمُ هُوِيًّا: سَقَط مِنْ عُلْو إِلى سُفْل. وهَوَى هَوِيًّا وهَى «1» ، وَكَذَلِكَ الهُوِيّ فِي السَّيْرِ إِذا مَضَى. ابْنُ الأَعرابي: الهُوِيُّ السَّرِيعُ إِلى فَوْقُ، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ مِثْلَهُ، وأَنشد:
والدَّلْوُ فِي إِصْعادِهَا عَجْلَى الهُوِيّ
وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ الرِّيَاشِيُّ عَنْ أَبي زَيْدٍ أَنَّ الهَوِيّ بِفَتْحِ الْهَاءِ إِلى أَسفل، وَبِضَمِّهَا إِلى فَوْقُ؛ وأَنشد: عَجْلَى الهُوِي؛ وأَنشد:
هَوِيَّ الدَّلْوِ أَسْلَمَها الرِّشاء
فَهَذَا إِلى أَسفل؛ وأَنشد لِمُعَقِّرِ بْنِ حِمَارٍ الْبَارِقِيِّ:
هَوَى زَهْدَمٌ تحْتَ الغُبارِ لِحاجِبٍ،
…
كَمَا انْقَضَّ بازٍ أَقْتَمُ الرِّيشِ كاسِرُ
وَفِي
صِفَتِهِ، صلى الله عليه وسلم: كأَنَّما يَهْوِي مِن صَبَبٍ
أَي يَنْحَطُّ، وَذَلِكَ مِشية القَوِيّ مِنَ الرِّجَالِ. يُقَالُ: هَوَى يَهْوِي هَوِيًّا، بِالْفَتْحِ، إِذا هَبَطَ، وهَوَى يَهْوِي هُوِيًّا، بِالضَّمِّ، إِذا صَعِدَ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وهَوَى يَهْوِي هُوِيًّا إِذا أَسرع فِي السَّيْرِ. وَفِي حَدِيثِ الْبَرَّاقِ:
ثُمَّ انْطَلَق يَهْوِي
أَي يُسْرِعُ. والمُهَاوَاةُ: المُلاجَّةُ. والمُهَاوَاةُ: شدَّة السَّيْرِ. وهاوَى: سارَ سَيْراً شَدِيدًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
فَلَمْ تَسْتَطِعْ مَيٌّ مُهاواتَنا السُّرَى،
…
وَلَا لَيْلَ عِيسٍ فِي البُرِينَ خَواضِعِ
وَفِي التَّهْذِيبِ:
وَلَا لَيْلَ عِيسٍ فِي البُرينَ سَوامِ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي صَخْرَةَ:
إِيّاكَ فِي أَمْرِك والمُهَاوَاهْ،
…
وكَثْرَة التَّسْويفِ والمُماناهْ
اللَّيْثُ: الْعَامَّةُ تَقُولُ الهَوِيُّ فِي مَصْدَرِ هَوَى يَهْوي
(1). قوله [وهوى هوياً وهى إلخ] كذا في الأَصل، وعبارة المحكم: وهَوَى هَوِيّاً، وهَاوَى سَارَ سَيْرًا شَدِيدًا، وأَنشد بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ.
فِي المَهْواةِ هُوِيًّا. قَالَ: فأَما الهَوِيُّ المَلِيُّ فالحينُ الطَّوِيلُ مِنَ الزَّمَانِ، تَقُولُ: جَلَسَتْ عِنْدَهُ هَوِيّاً. والهَويُّ: السَّاعَةُ المُمتدَّة مِنَ اللَّيْلِ. وَمَضَى هَوِيٌّ مِنَ اللَّيْلِ، عَلَى فَعِيلٍ أَي هَزيعٌ مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كنتُ أَسْمَعُه الهَوِيَّ مِنَ اللَّيْلِ
؛ الهَوِيُّ، بِالْفَتْحِ: الْحِينُ الطَّوِيلُ مِنَ الزَّمَانِ، وَقِيلَ: هُوَ مُخْتَصٌّ بِاللَّيْلِ. ابْنُ سَيِّدِهِ: مَضَى هَوِيٌّ مِنَ اللَّيْلِ وهُوِيٌّ وتَهْوَاء أَي سَاعَةٌ مِنْهُ. وَيُقَالُ: هَوَتِ الناقةُ والأَتانُ وَغَيْرُهُمَا تَهْوِي هُوِيّاً، فَهِيَ هَاوِيةٌ إِذا عَدَتْ عَدْواً شَدِيدًا أَرْفَعَ العَدْو، كأَنه فِي هَوَاء بِئْرٍ تَهْوي فِيهَا، وأَنشد:
فشَدَّ بِهَا الأَماعِزَ، وهْيَ تَهْوِي
…
هُويَّ الدَّلْوِ أَسْلمها الرِّشاءُ
والهَوى، مَقْصُورٌ: هَوَى النَّفْس، وإِذا أَضفته إِليك قُلْتَ هَوايَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَجَاءَ هَوَى النفْس مَمْدُودًا فِي الشِّعْرِ؛ قَالَ:
وهانَ عَلَى أَسْماءَ إِنْ شَطَّتِ النَّوى
…
نَحِنُّ إِليها، والهَوَاء يَتُوقُ
ابْنُ سَيِّدِهِ: الهَوَى العِشْق، يَكُونُ فِي مَدَاخِلِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. والهَوِيُّ: المَهْوِيُّ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فَهُنَّ عُكُوفٌ كنَوْحِ الكَرِيمِ،
…
قدْ شَفَّ أَكْبادَهُنَّ الهَوِيُ
أَي فَقْدُ المَهْويِّ. وهَوى النفسِ: إِرادتها، وَالْجَمْعُ الأَهْوَاء. التَّهْذِيبُ: قَالَ اللُّغَوِيُّونَ الهَوَى محبةُ الإِنسان الشَّيْءَ وغَلَبَتُه عَلَى قَلْبِهِ؛ قَالَ اللَّهُ عز وجل: وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى
؛ مَعْنَاهُ نَهاها عَنْ شَهَواتِها وَمَا تَدْعُو إِليه مِنْ مَعَاصِي اللَّهَ عز وجل. اللَّيْثُ: الهَوَى مَقْصُورُ هَوى الضَّمير، تَقُولُ: هَوِيَ، بِالْكَسْرِ، يَهْوَى هَوًى أَي أَحبَّ. وَرَجُلٌ هَوٍ: ذُو هَوًى مُخامِرُه. وامرأَة هَوِيةٌ: لَا تَزَالُ تَهْوى عَلَى تَقْدِيرِ فَعِلة، فإِذا بُنيَ مِنْهُ فَعْلة بِجَزْمِ الْعَيْنِ تَقُولُ هَيَّة مِثْلُ طَيَّة. وَفِي حَدِيثِ بَيْعِ الخِيار:
يأْخُذُ كلُ وَاحِدٍ مِنَ الْبَيْعِ مَا هَوِيَ
أَي مَا أَحب، وَمَتَى تُكُلِّمَ بالهَوى مُطْلَقًا لَمْ يَكُنْ إِلا مَذْمُومًا حَتَّى يُنْعَتَ بِمَا يُخرجُ مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِمْ هَوًى حَسَنٌ وهَوًى مُوَافِقٌ لِلصَّوَابِ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
سَبَقوا هَوَيَّ وأَعْنَقُوا لِهَواهُم
…
فتُخُرِّمُوا، ولكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ هَوَيَّ لُغَةُ هُذَيْلٍ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ قَفَيَّ وعَصَيَّ، قَالَ الأَصمعي: أَي مَاتُوا قَبْلِي وَلَمْ يَلْبثُوا لِهَواي وَكُنْتُ أُحِبُّ أَن أَموت قَبْلَهُمْ، وأَعْنَقُوا لِهَواهم: جَعَلَهُمْ كأَنهم هَوُوا الذَّهابَ إِلى المَنِيَّةِ لسُرْعتهم إِليها، وَهُمْ لَمْ يَهْوَوْها فِي الْحَقِيقَةِ، وأَثبت سِيبَوَيْهِ الهَوَى لِلَّهِ عز وجل فَقَالَ: فإِذا فعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَقَرَّب إِلى اللَّهِ بهَواه. وَهَذَا الشيءُ أَهْوى إليَّ مِنْ كَذَا أَي أَحَبُّ إِليَّ؛ قَالَ أَبو صَخْرٍ الْهُذَلِيُّ:
ولَلَيْلةٌ مِنها تَعُودُ لَنا،
…
فِي غَيْرِ مَا رَفْثٍ وَلَا إِثْمِ،
أَهْوَى إِلى نَفْسِي، ولَوْ نَزَحَتْ
…
مِمَّا مَلَكْتُ، ومِنْ بَني سَهْمِ
وَقَوْلُهُ عز وجل: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ
، فِيمَنْ قرأَ بِهِ إِنما عدَّاه بإِلى لأَن فِيهِ مَعْنَى تَمِيلُ، والقراءَة الْمَعْرُوفَةُ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
أَي تَرْتَفِع، وَالْجَمْعُ أَهْوَاء؛ وَقَدْ هَوِيَه هَوًى، فَهُوَ هَوٍ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى الْآيَةِ يَقُولُ اجْعَلْ أَفئدة مِنَ النَّاسِ تُريدُهم، كَمَا تَقُولُ: رأَيت فُلَانًا يَهْوِي نَحْوَك، مَعْنَاهُ يُريدك، قَالَ: وقرأَ
بَعْضُ النَّاسِ تَهْوَى إِليهم، بِمَعْنَى تَهْواهم، كَمَا قَالَ رَدِفَ لَكُمْ ورَدِفَكم؛ الأَخفش: تَهْوى إِليهم زَعَمُوا أَنه فِي التَّفْسِيرِ تَهْواهم؛ الْفَرَّاءُ: تَهْوِي إِليهم أَي تُسْرعُ. والهَوى أَيضاً: المَهْوِيُّ؛ قَالَ أَبو ذُؤيب:
زَجَرْتُ لَهَا طَيْرَ السَّنِيحِ، فإِنْ تَكُنْ
…
هَواكَ الَّذِي تَهْوَى، يُصِبْكَ اجْتِنابُها
واسْتَهْوَتْه الشياطينُ: ذَهَبَتْ بهَواه وعَقْله. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ
؛ وَقِيلَ: اسْتَهْوَتْه استَهامَتْه وحَيَّرَتْه، وَقِيلَ: زيَّنت الشياطينُ لَهُ هَواه حَيْرانَ فِي حَالِ حَيْرَتِهِ. وَيُقَالُ للمُسْتَهام الَّذِي استَهامَتْه الجنُّ: اسْتَهْوَتْهُ الشياطينُ. الْقُتَيْبِيُّ: استَهْوَتْهُ الشَّياطينُ هَوَتْ بِهِ وأَذْهَبتْه، جَعَلَهُ مَنْ هَوَى يَهْوي، وَجَعَلَهُ الزَّجَّاجُ مَنْ هَوِيَ يَهْوَى أَي زيَّنت لَهُ الشياطينُ هَواه. وهَوى الرَّجلُ: ماتَ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
وَقَالَ الشَّامِتُونَ: هَوَى زِيادٌ،
…
لِكُلِّ مَنِيَّةٍ سَببٌ مَتِينُ
قَالَ: وَتَقُولُ أَهْوَى فأَخذ؛ مَعْنَاهُ أَهْوى إِليه يَدَه، وَتَقُولُ: أَهْوى إِليه بيَدِه. وهاوِيةُ والهاوِيةُ: اسْمٌ مِنْ أَسماء جَهَنَّمَ، وَهِيَ مَعْرِفَةٌ بِغَيْرِ أَلف وَلَامٍ. وَقَوْلُهُ عز وجل: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ
؛ أَي مَسْكنه جهنمُ ومُسْتَقَرُّه النَّارُ، وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي لَهُ بَدَلٌ مَا يَسْكُنُ إِليه نارٌ حَامِيَةٌ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ، فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ
: قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا دعاءٌ عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ هَوَتْ أُمه عَلَى قَوْلِ الْعَرَبِ؛ وأَنشد قَوْلُ كَعْبُ بْنُ سَعْدٍ الْغَنَوِيُّ يَرْثِي أَخاه:
هَوَتْ امُّه مَا يَبْعَثُ الصُّبْحُ غادِياً،
…
وَمَاذَا يُؤَدِّي الليلُ حِينَ يَؤُوبُ «1»
وَمَعْنَى هَوَتْ أُمُّه أَي هلَكَت أُمُّه. وَتَقُولُ: هَوَت أُمُّه فَهِيَ هاوِيَةٌ أَي ثاكِلةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمّه هَاوِيَةٌ صارَتْ هاويةٌ مأْواه، كما تُؤْوي المرأَةُ ابْنَهَا، فَجَعَلَهَا إذْ لَا مأْوى لَهُ غَيْرَها أُمًّا لَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ
أُمُّ رأْسه تَهْوي فِي النَّارِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَوْ كَانَتْ هَاوِيَةٌ اسْمًا عَلَمًا لِلنَّارِ لَمْ يَنْصَرِفْ فِي الْآيَةِ. والهَاوِيَةُ: كلُّ مَهْواة لَا يُدْرَك قَعْرُها؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مِلْقَط الطَّائِيُّ:
يَا عَمْرُو لَوْ نالتْك أَرْماحُنا،
…
كنتَ كمَنْ تَهْوِي بِهِ الهَاوِيَهْ
وَقَالُوا: إِذا أَجْدَبَ الناسُ أَتى «2» الهَاوِي وَالْعَاوِي، فالهَاوِي الجَرادُ، وَالْعَاوِي الذئبُ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: إِنَّمَا هُوَ الْغَاوِي، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، والهَاوِي، فَالْغَاوِي الجَرادُ، والهَاوِي الذِّئبُ لأَن الذِّئابَ تأْتي إِلَى الخِصْب. ابْنُ الأَعرابي: إِذَا أَخْصَب الزَّمانُ جَاءَ الْغَاوِي والهَاوِي؛ قَالَ: الْغَاوِي الجَراد وَهُوَ الغَوْغاء، والهَاوِي الذِّئَابُ لأَن الذِّئَابَ تَهْوي إِلَى الْخِصْبِ. قَالَ: وَقَالَ إِذَا جَاءَتِ السَّنَةُ جَاءَ مَعَهَا أَعوانُها، يَعْنِي الجَراد وَالذِّئَابَ والأَمراض. وَيُقَالُ: سمعتُ لأُذُني هَوِياًّ أَي دَوِيًّا، وَقَدْ هَوَت أُذُنه تَهْوِي. الْكِسَائِيُّ: هاوَأْتُ الرَّجل وهاوَيْتُه، فِي بَابِ مَا يُهْمَزُ وَمَا لَا يُهْمَزُ، ودارَأْتُه ودارَيْتُه. والهَواهي: الباطلُ واللَّغْوُ مِنَ الْقَوْلِ، وَقَدْ ذُكِرَ
(1). قوله [هَوَتْ أمه] قال الصاغاني رادًّا على الجوهري، الرواية: هوت عرسه، والمعروف: حين يثوب انتهى. لكن الذي في صحاح الجوهري هو الذي في تهذيب الأزهري.
(2)
. قوله [إِذَا أَجْدَبَ النَّاسُ أَتَى إلخ] كذا في الأصل والمحكم.
أَيضاً فِي مَوْضِعِهِ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
أَفي كلِّ يَوْمٍ يَدْعُوانِ أَطبّةً
…
إليَّ، وَمَا يُجْدُونَ إِلَّا الهَواهِيا؟
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ الهَواهِيُّ الأَباطيلُ، لأَن الهَواهِيَّ جَمْعُ هَوْهاءة مِنْ قَوْلِهِ هَوْهاءة اللُّبّ أَخْرَقُ، وَإِنَّمَا خَفَّفَهُ ابْنُ أَحمر ضَرُورَةً؛ وقياسُه هَواهِيُّ كَمَا قَالَ الأَعشى:
أَلا مَنْ مُبْلِغُ الفِتْيانِ
…
أَنَّا فِي هَواهيِ
وإِمْساءٍ وإِصباح،
…
وأَمْرٍ غَيْرِ مَقْضِيِ
قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ رَجُلٌ هَواهِيةٌ إِلَّا أَنه لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. والهَوْهاءة، بِالْمَدِّ: الأَحْمَقُ. وَفِي النَّوَادِرِ: فُلَانٌ هُوَّة أَيْ أَحْمَقُ لَا يُمْسِكُ شَيْئًا فِي صَدْرِهِ. وهَوٌّ مِنَ الأَرض: جانِبٌ مِنْهَا. والهُوّة: كلُّ وَهْدَةٍ عَمِيقةٍ؛ وأَنشد:
كأَنه فِي هُوَّةٍ تَقَحْذَما
قَالَ: وَجَمْعُ الهُوَّةِ هُوًى. ابْنُ سِيدَهِ: الهُوَّةُ مَا انهَبَطَ مِنَ الأَرضَ، وَقِيلَ: الوَهْدةُ الغامضةُ مِنَ الأَرض، وَحَكَى ثَعْلَبٌ: اللَّهُمَّ أَعِذْنا مِنْ هُوَّةِ الكُفْر ودَواعي النِّفَاقِ، قَالَ: ضَرَبَهُ مَثَلًا للكُفْر، والأُهْوِيّة عَلَى أُفْعُولة مِثْلُهَا. أَبو بَكْرٍ: يُقَالُ وَقَعَ فِي هُوَّة أَي فِي بِئْرٍ مُغَطَّاةٍ؛ وأَنشد:
إنكَ لَوْ أُعْطِيتَ أَرْجاء هُوّةٍ
…
مُغَمَّسَةٍ، لَا يُسْتَبانُ تُرابُها،
بِثَوْبِكَ فِي الظَّلْماء، ثُمَّ دَعَوْتَني
…
لجِئْتُ إِليها سادِماً، لَا أَهابُها
النَّضْرُ: الهَوَّةُ، بِفَتْحِ الْهَاءِ، الكَوّةُ؛ حَكَاهَا عَنْ أَبي الْهُذَيْلٍ، قَالَ: والهُوّةُ والمَهْواةُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ. ابْنُ الْفَرَجِ: سَمِعْتُ خَلِيفَةَ يَقُولُ لِلْبَيْتِ كِواءٌ كَثِيرَةٌ وهِواء كَثِيرَةٌ، الْوَاحِدَةُ كَوَّةٌ وهَوَّةٌ، وأَما النَّضْرُ فإِنه زَعَمَ أَن جَمْعَ الهَوَّة بِمَعْنَى الكَوَّة هُوًى مِثْلُ قريةٍ وقُرًى؛ الأَزهري فِي قَوْلِ الشَّمَّاخُ:
وَلَمَّا رأَيتُ الأَمْرَ عَرْشَ هُوَيَّةٍ،
…
تسَلَّيْتُ حاجاتِ الفُؤَادِ بشَمَّرا
قَالَ: هُوَيَّةٌ تَصْغِيرُ هُوّة، وَقِيلَ: الهَوِيَّةُ بِئْرٌ «3» بَعِيدةُ المَهْواةِ، وعَرْشُها سَقْفُهَا المُغَمَّى عَلَيْهَا بِالتُّرَابِ فيَغْتَرُّ بِهِ واطِئُه فيَقَع فِيهَا ويَهْلِك، أَراد لَمَّا رأَيتُ الأَمرَ مُشْرِفاً بي على هَلَكةِ طواطي سَقْفِ هُوَّةٍ مُغَمَّاةٍ تَرَكْتُهُ وَمَضَيْتْ وتسَلَّيْت عَنْ حَاجَتِي مِنْ ذَلِكَ الأَمر، وشَمَّرُ: اسْمُ نَاقَةٍ أَي رَكِبْتُهَا وَمَضَيْتُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الهُوَّةُ ذاهبةٌ فِي الأَرض بَعِيدَةُ الْقَعْرِ مِثْلُ الدَّحْلِ غَيْرَ أَن لَهُ أَلجافاً، والجماعةُ الهُوُّ، ورأْسُها مثلُ رأْس الدَّحْل. الأَصمعي: هُوَّةٌ وهُوًى. والهُوَّة: البئر؛ قاله أَبو عَمْرٍو، وَقِيلَ: الهُوَّة الحُفْرة الْبَعِيدَةُ الْقَعْرِ، وَهِيَ المَهْواةُ. ابْنُ الأَعرابي: الرِّوَايَةُ عَرْشَ هُوِيَّة، أَراد أُهْوِيَّةٍ، فَلَمَّا سَقَطَتِ الْهَمْزَةُ رُدَّت الضَّمَّةُ إِلَى الْهَاءِ، الْمَعْنَى لَمَّا رأَيت الأَمر مُشْرِفًا عَلَى الْفَوْتِ مَضَيْتُ وَلَمْ أُقم. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا عَرَّسْتم فاجْتَنِبُوا هُوِيَّ الأَرضِ
«4» ؛ هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ جَمْعُ هُوَّة، وَهِيَ الحُفْرة وَالْمُطَمْئِنُ مِنَ الأَرض، وَيُقَالُ لَهَا المَهْواةُ أَيضاً. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رضي الله عنها، وَوَصَفَتْ أَباها قَالَتْ: وامْتاحَ مِنَ المَهْواة
،
(3). قوله [وقيل الهوية بئر] أي على وزن فعيلة كما صرح به في التكملة، وضبط الهاء في البيت بالفتح والواو بالكسر. وقوله [طواطي] كذا بالأصل.
(4)
. قوله [هوي الأرض] كذا ضبط في الأصل وبعض نسخ النهاية، وهو بضم فكسر وشد الياء، وفي بعض نسخها بفتحتين.
أَرادت الْبِئْرَ العَمِيقَة أَي أَنه تحَمَّل مَا لَمْ يَتحَمَّل غَيْرُهُ. الأَزهري: أَهْوى اسْمُ مَاءٍ لَبَنِي حِمَّان، وَاسْمُهُ السُّبَيْلةُ، أَتاهم الرَّاعي فَمَنَعُوهُ الوِرْدَ فَقَالَ:
إِنَّ عَلَى أَهْوى لأَلأَمَ حاضِرٍ
…
حَسَباً، وأَقْبَحَ مَجْلسٍ أَلوانا
قَبَحَ الإِلهُ وَلَا أُحاشي غَيْرَهُمْ،
…
أَهْلَ السُّبَيْلةِ مِنْ بَني حِمَّانا
وأَهْوى، وسُوقةُ أَهْوى، وَدَارَةُ أَهْوى: مَوْضِعٌ أَو مَواضِعُ، وَالْهَاءُ حَرْفُ هِجَاءٍ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ بَابِ الأَلف اللينة.
هيا: هَيُّ بْنُ بَيّ، وهَيَّانُ بْنُ بَيّانَ: لَا يُعرف هُوَ وَلَا يُعرف أَبوه. يُقَالُ: مَا أَدري أَيُّ هَيِّ بْنِ بَيٍّ هُوَ، مَعْنَاهُ أَي أَيُّ الخَلْقِ هُوَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ فِي النَّسَبِ عَمرو بن الحرثِ بْنِ مُضاض بْنِ هَيِّ بْنِ بَيِّ بْنِ جُرْهُم، وَقِيلَ: هَيَّانُ بْنُ بَيَّانَ، كَمَا تَقُولُ طامِرُ بْنُ طامِر لِمَنْ لَا يُعْرَف وَلَا يُعرف أَبوه، وَقِيلَ: هَيُّ بْنُ بيٍّ كَانَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فَانْقَرَضَ نَسْلُهُ، وَكَذَلِكَ هَيَّانُ بْنَ بَيَّانَ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ هَيُّ بْنُ بَيٍّ، وهَيَّانُ بْنُ بَيَّانَ، وبَيُّ بْنُ بَيٍّ، يُقَالُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ خَسِيساً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
فأَقْعَصَتْهُمْ وحَطَّتْ بَرْكَها بِهِمُ،
…
وأَعْطَتِ النَّهْبَ هَيَّانَ بنَ بَيَّانِ
وَقَالَ ابْنُ أَبي عُيَيْنَةَ:
بعِرْضٍ مِنْ بَني هَيِّ بْنِ بَيٍّ؛
…
وأَنْذالِ المَوالي والعَبيدِ
الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ يَا هَيَّ مَا لِي؛ مَعْنَاهُ التَّلَهُّف والأَسى؛ وَمَعْنَاهُ: يَا عَجَبا مَا لِي، وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التَّعَجُّبُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهَا التأَسف عَلَى الشَّيْءِ يَفُوتُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
يَا هَيَّ مَا لِي: قَلِقَتْ مَحاوِرِي،
…
وَصَارَ أَشْباهُ الفَغا ضَرائرِي
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ يَا هَيَّ مَا لِي وَيَا هَيَّ مَا أَصحابك، لَا يُهْمَزَانِ، قَالَ: وَمَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ كأَنه قَالَ يَا عَجَبي؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ حُمَيْدٍ الأَرقط:
أَلا هَيَّما. مِمَّا لَقِيتُ وهَيَّما،
…
ووَيْحاً لمَنْ لَمْ يَدْرِ مَا هُنَّ وَيْحَما
الْكِسَائِيُّ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَن يَتَعَجَّبُ بهَيَّ وفَيَّ وشَيَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ مَا فَيَقُولُ يَا هَيَّما وَيَا شَيَّما وَيَا فَيَّما أَي مَا أَحسن هَذَا، وَقِيلَ: هُوَ تَلَهُّفٌ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:
يَا هَيَّ مَا لِي، مَنْ يُعَمَّرْ يُفْنِه
…
مَرُّ الزَّمانِ عَلَيْهِ والتَّقْلِيبُ
الْفَرَّاءُ: يُقَالُ مَا هَيَّانُ هَذَا أَي مَا أَمْرُه؟ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْعَرَبُ تَقُولُ هَيِّكَ أَي أَسْرِعْ فِيمَا أَنت فِيهِ. وهَيا هَيا: كَلِمَةُ زَجْر للإِبل؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وجُلُّ عِتابِهِنَّ هَيا وهَيْدُ
قَالَ: وهِي وَهَا مِنْ زَجْرِ الإِبل، هَيْهَيْت بِهَا هَيْهاة وهَيْهاء؛ وأَنشد:
مِنْ وَجْسِ هَيْهاءٍ ومِنْ يَهْيائِه
وَقَالَ الْعَجَّاجُ:
هَيْهاتَ مِنْ مُنْخَرَقٍ هَيْهاؤه
قَالَ: وهَيْهاؤه مَعْنَاهُ البُعْدُ وَالشَّيْءُ الَّذِي لَا يُرْجَى. أَبو الْهَيْثَمِ: وَيَقُولُونَ عِنْدَ الإِغراء بِالشَّيْءِ هِي هِي، بِكَسْرِ الْهَاءِ، فإِذا بَنوا مِنْهُ فِعْلًا قَالُوا هَيْهَيْتُ بِهِ أَي أَغْرَيْتُه. وَيَقُولُونَ: هَيَّا هَيَّا أَي أَسْرِعْ إِذا حَدَوْا