المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يُقَالَ ضَرَبْت إِياك، وَكَذَلِكَ ضَرَبْتهم «3» لَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ - لسان العرب - جـ ١٥

[ابن منظور]

الفصل: يُقَالَ ضَرَبْت إِياك، وَكَذَلِكَ ضَرَبْتهم «3» لَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ

يُقَالَ ضَرَبْت إِياك، وَكَذَلِكَ ضَرَبْتهم «3» لَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْت إِيَّاكَ وزَيْداً أَي وضَرَبْتُك، قَالَ: وأَما التَّحْذِيرُ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إِيَّاكَ ورُكُوبَ الفاحِشةِ ففِيه إضْمارُ الْفِعْلِ كأَنه يَقُولُ إِيَّاكَ أُحَذِّرُ رُكُوبَ الفاحِشةِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسانَ: إِذَا قُلْتَ إِيَّاكَ وَزَيْدًا فأَنت مُحَذِّرٌ مَن تُخاطِبهُ مِن زَيد، وَالْفِعْلُ النَّاصِبُ لَهُمَا لَا يَظْهَرُ، وَالْمَعْنَى أُحَذِّرُكَ زَيْداً كأَنه قَالَ أُحَذِّرُ إِيَّاكَ وزَيْداً، فإيَّاكَ مُحَذَّر كأَنه قَالَ‌

‌ با

عِدْ نَفْسَك عَنْ زَيْدٍ وباعِدْ زَيْداً عَنْكَ، فَقَدْ صَارَ الْفِعْلُ عَامِلًا فِي المُحَذَّرِ والمُحَذَّرِ مِنْهُ، قَالَ: وَهَذِهِ المسأَلة تُبَيِّنُ لَكَ هَذَا الْمَعْنَى، تَقُولُ: نفسَك وزَيداً، ورأْسَكَ والسَّيْفَ أَي اتَّقِ رَأْسَك أَن يُصِيبه السَّيْفُ واتَّقِ السَّيْفَ أَن يُصِيبَ رَأْسَك، فرأْسُه مُتَّقٍ لِئَلَّا يُصِيبَه السيفُ، والسَّيْف مُتَّقًى، وَلِذَلِكَ جَمَعَهُمَا الفِعْل؛ وَقَالَ:

فإِيَّاكَ إِيَّاكَ المِراءَ، فإِنَّه

إِلَى الشَّرِّ دَعَّاءٌ، وللشَّرِّ جالِبُ

يُرِيدُ: إِيَّاكَ والمِراء، فَحَذَفَ الْوَاوَ لأَنه بتأْويل إِيَّاكَ وأَنْ تُمارِيَ، فَاسْتُحْسِنَ حَذْفُهَا مَعَ المِراء. وَفِي حَدِيثِ

عَطاء: كَانَ مُعاويةُ، رضي الله عنه، إِذَا رَفَع رأْسَه مِنَ السَّجْدةِ الأَخِيرةِ كانَتْ إِيَّاها

؛ اسْمُ كَانَ ضَمِيرُ السَّجْدَةِ، وإِيَّاها الْخَبَرُ أَي كَانَتْ هِيَ هِيَ أَي كَانَ يَرْفَع مِنْهَا ويَنْهَضُ قَائِمًا إِلَى الرَّكْعَةِ الأُخرى مِنْ غَيْرِ أَن يَقْعُد قَعْدةَ الاسْتِراحة. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إيايَ وَكَذَا

أَي نَحِّ عنِّي كَذَا ونَحِّني عَنْهُ. قَالَ: إِيّا اسْمٌ مَبْنِيٌّ، وَهُوَ ضَمِيرُ الْمَنْصُوبِ، وَالضَّمَائِرُ الَّتِي تُضاف إِلَيْهَا مِنَ الْهَاءِ وَالْكَافِ وَالْيَاءِ لَا مَواضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب فِي الْقَوْلِ الْقَوِيِّ؛ قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ إيَّا بِمَعْنَى التَّحْذِيرِ. وأَيايا: زَجْرٌ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

إِذَا قَالَ حادِيهِمْ: أَيايا، اتَّقَيْتُه

بِمِثْل الذُّرَا مُطْلَنْفِئاتِ العَرائِكِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْبَيْتِ:

إِذَا قَالَ حاديِنا: أَيا، عَجَسَتْ بِنا

خِفَافُ الخُطى مُطْلَنْفِئاتُ العَرائكِ

وإياةُ الشمسِ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: ضَوْءُها، وَقَدْ تُفْتَحُ؛ وَقَالَ طَرَفةُ:

سَقَتْه إِياةُ الشمْسِ إِلا لِثاتِه

أُسِفَّ، وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإِثْمِدِ

فَإِنْ أَسقطت الْهَاءَ مَدَدْت وَفَتَحْتَ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لمَعْنِ بْنِ أَوْسٍ:

رَفَّعْنَ رَقْماً علَى أَيْلِيَّةٍ جُدُدٍ،

لاقَى أَيَاها أَياءَ الشَّمْسِ فَأْتَلَقا

وَيُقَالُ: الأَياةُ لِلشَّمْس كالهالةِ لِلْقَمَرِ، وَهِيَ الدَّارَّةُ حولها.

با

: الْبَاءُ حَرْفُ هِجَاءٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وأَكثر مَا تَرِد بِمَعْنَى الإِلْصاق لِمَا ذُكِر قَبْلها مِنِ اسْمٍ أَو فِعْلٍ بِمَا انْضَمَّتْ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى المُلابسة والمُخالَطة، وَبِمَعْنَى مِنْ أَجل، وَبِمَعْنَى فِي وَمِنْ وَعَنْ وَمَعَ، وَبِمَعْنَى الْحَالِ وَالْعِوَضِ، وَزَائِدَةً، وكلُّ هَذِهِ الأَقسامِ قَدْ جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ، وَتُعْرَفُ بِسِيَاقِ اللَّفْظِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَالْبَاءُ الَّتِي تأْتي للإِلصاق كَقَوْلِكَ: أَمْسَكْت بِزَيْدٍ، وَتَكُونُ لِلِاسْتِعَانَةِ كَقَوْلِكَ: ضَرَبْتُ بالسيَّف، وَتَكُونُ للإِضافة كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما مَا يَحْكِيهِ أَصحاب الشَّافِعِيِّ مِنْ أَن الباءَ لِلتَّبْعِيضِ فَشَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ أَصحابنا وَلَا وَرَدَ بِهِ بَيْتٌ، وَتَكُونُ لِلْقَسَمِ كَقَوْلِكَ: بِاللَّهِ لأَفْعَلَنَّ. وقوله

(3). قوله [وكذلك ضربتهم إلى قوله قال وأما إلخ] كذا بالأصل.

ص: 441

تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ؛ إِنَّمَا جاءَت الْبَاءُ فِي حَيِّز لَمْ لأَنها فِي مَعْنَى مَا وَلَيْسَ، وَدَخَلَتِ الباءُ فِي قَوْلِهِ: أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، لأَن مَعْنَى أَشرَكَ بِاللَّهِ قَرَنَ بِاللَّهِ عز وجل غَيْرَهُ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ. وَالْبَاءُ للإِلْصاق والقِرانِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: وَكَّلْت بِفُلَانٍ، مَعْنَاهُ قَرَنْتُ بِهِ وَكيلًا. وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ: الجالِبُ لِلْبَاءِ فِي بِسْمِ اللَّهِ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ، كأَنه قَالَ أَبتدئ بِاسْمِ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ

مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنه قَالَ: رأَيته يَشْتَدُّ بَيْنَ الهَدَفَيْن فِي قَمِيصٍ فَإِذَا أَصاب خَصْلةً يَقُولُ أَنا بِهَا أَنا بِهَا

، يَعْنِي إِذا أَصاب الهَدَفَ قَالَ أَنا صاحِبُها ثُمَّ يَرْجِعُ مُسكِّناً قَوْمَهُ حَتَّى يمُرَّ فِي السُّوقِ؛ قَالَ شَمِرٌ: قَوْلُهُ أَنا بِهَا يَقُولُ أَنا صاحِبُها. وَفِي حَدِيثِ

سَلَمَةَ بْنِ صَخْر: أَنه أَتى النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ أَن رَجُلًا ظاهَرَ امرأَتَه ثُمَّ وقَع عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم: لَعَلَّكَ بذَلِك يَا سلَمةُ؟ فَقَالَ: نَعَم أَنا بذَلِكَ

؛ يَقُولُ: لَعَلَّكَ صاحِبُ الأَمْر، وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ لَعَلَّكَ المُبْتَلى بِذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: أَنه أُتِيَ بامرأَةٍ قَدْ زَنَتْ فَقَالَ: مَنْ بِكِ؟

أَي مَنِ الفاعِلُ بكِ؛ يَقُولُ: مَن صاحِبُك. وَفِي حَدِيثِ الجُمعة:

مَن تَوَضَّأَ للجُمعة فبِها ونِعْمَتْ

أَي فبالرُّخصة أَخَذَ، لأَن السُّنة فِي الْجُمُعَةِ الغُسلُ، فأَضمر تَقْدِيرَهُ ونِعْمَت الخَصْلَةُ هِيَ فحذَف الْمَخْصُوصَ بِالْمَدْحِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فبالسُّنْة أَخذَ، والأَوَّل أَوْلى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ*؛ الْبَاءُ هَاهُنا لِلِالْتِبَاسِ وَالْمُخَالَطَةِ، كَقَوْلِهِ عز وجل: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ أَي مُخْتَلِطَة ومُلْتَبِسة بِهِ، وَمَعْنَاهُ اجْعَلْ تَسْبِيحَ اللهِ مُخْتَلِطاً ومُلْتَبِساً بِحَمْدِهِ، وَقِيلَ: الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ كَمَا يُقَالُ اذْهَب بِهِ أَي خُذْه مَعَكَ فِي الذَّهاب كأَنه قَالَ سَبِّحْ رَبَّكَ مَعَ حَمْدِكَ إِيَّاهُ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:

سُبْحَانَ اللَّهِ وبحَمْده

أَي وبحَمْده سَبَّحت، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْبَاءِ الْمُفْرَدَةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَامِلٍ مَحْذُوفٍ، قَالَ شَمِرٌ: وَيُقَالُ لمَّا رَآنِي بالسِّلاح هَرَبَ؛ مَعْنَاهُ لَمَّا رَآنِي أَقْبَلْتُ بِالسِّلَاحِ وَلَمَّا رَآنِي صاحِبَ سِلاح؛ وَقَالَ حُميد:

رَأَتْني بحَبْلَيْها فرَدَّتْ مَخافةً

أَراد: لَمَّا رأَتْني أَقْبَلْتُ بِحَبْلَيْهَا. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ؛ أَدخل الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بإِلْحاد لأَنها حَسُنَت فِي قَوْلِهِ ومَن يُرِدْ بأَن يُلْحِد فِيهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ؛ قِيلَ: ذهَب بِالْبَاءِ إِلَى الْمَعْنَى لأَن الْمَعْنَى يَرْوى بِهَا عِبادُ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ؛ أَراد، وَاللَّهُ أَعلم، سأَل عَنْ عَذَابٍ وَاقِعٍ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَتُبْصِرُ «4» وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عز وجل: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً*؛ دَخَلَتِ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ وَكَفى بِاللَّهِ* للمُبالَغة فِي الْمَدْحِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى قَصْدِ سَبِيلِهِ، كَمَا قَالُوا: أَظْرِفْ بعَبْدِ اللهِ وأَنْبِلْ بعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فأَدخلوا الْبَاءَ عَلَى صاحبِ الظَّرْف والنُّبْلِ للمُبالغة فِي الْمَدْحِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: ناهِيكَ بأَخِينا وحَسْبُكَ بصدِيقنا، أَدخلوا الْبَاءَ لِهَذَا الْمَعْنَى، قَالَ: وَلَوْ أَسقطت الْبَاءَ لَقُلْتَ كَفَى اللهُ شَهيداً، قَالَ: وَمَوْضِعُ الْبَاءِ رَفْعٌ فِي قَوْلِهِ كَفى بِاللَّهِ*؛ وَقَالَ أَبو بَكْرٍ: انْتصابُ قَوْلِهِ شَهِيداً* عَلَى الْحَالِ مِنَ اللَّهِ أَو عَلَى الْقَطْعِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى التَّفْسِيرِ، مَعْنَاهُ كَفَى بِاللَّهِ مِنَ الشَّاهِدِينَ فيَجْري فِي بَابِ الْمَنْصُوبَاتِ مَجْرى الدِّرْهَمِ

(4). قوله [وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَسَتُبْصِرُ إلخ] كتب بهامش الأَصل كذا أي أن المؤلف من عادته إذا وجد خللًا أو نقصاً كتب كذا أو كذا وجدت.

ص: 442

فِي قَوْلِهِ عِنْدِي عِشْرُونَ دِرْهَماً، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً؛ أَي سَلْ عَنْهُ خَبِيراً يُخْبِرْكَ؛ وَقَالَ عَلْقَمَةُ:

فإنْ تَسْأَلوني بالنِّساء، فإِنَّني

بَصِيرٌ بأَدْواءِ النِّساءِ طَبيبُ

أَي تَسْأَلُوني عَنِ النِّساء؛ قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؛ أَي مَا خَدَعكَ عَنْ رَبِّكَ الْكَرِيمِ والإِيمانِ بِهِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل: وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ؛ أَي خَدَعَكُم عَنِ اللَّهِ والإِيمان بِهِ وَالطَّاعَةِ لَهُ الشَّيْطانُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ أَرْجُو بذلِك، فسأَلتُه فَقَالَ: أَرْجُو ذَاكَ، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ يُعْجِبُني بأَنَّك قَائِمٌ، وأُريدُ لأَذْهَب، مَعْنَاهُ أَريد أَذْهَبُ. الْجَوْهَرِيُّ: الْبَاءُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ «1» ، قَالَ: وأَما الْمَكْسُورَةُ فَحَرْفُ جَرٍّ وَهِيَ لإِلصاق الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ، تَقُولُ: مَرَرْتُ بزَيْدٍ، وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ مَعَ اسْتِعَانَةٍ، تَقُولُ: كَتبتُ بِالْقَلَمِ، وَقَدْ تَجِيءُ زَائِدَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً*؛ وحَسْبُكَ بِزَيْدٍ، وَلَيْسَ زيدٌ بِقَائِمٍ. وَالْبَاءُ هِيَ الأَصل فِي حُروف القَسَم تَشْتَمِلُ عَلَى المُظْهَر والمُضْمَر، تَقُولُ: بِاللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا، وَتَقُولُ فِي المُضْمَر: لأَفْعَلَنَّ؛ قَالَ غُوِيَّةُ بْنُ سُلْمَى:

أَلا نادَتْ أُمامةُ باحْتمالي

لتَحْزُنَني، فَلا يَكُ مَا أُبالي

الْجَوْهَرِيُّ: الْبَاءُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الشَّفَةِ، بُنِيَت عَلَى الكسرِ لاسْتِحالةِ الابْتِداء بالمَوْقُوفِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ بُنِيت عَلَى حَرَكَةٍ لاستِحالة الِابْتِدَاءِ بِالسَّاكِنِ، وَخُصَّتْ بِالْكَسْرِ دُونَ الْفَتْحِ تَشْبِيهًا بِعَمَلِهَا وَفَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا يَكُونُ اسْمًا وَحَرْفًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْبَاءُ مِنْ عَوَامِلِ الْجَرِّ وَتَخْتَصُّ بِالدُّخُولِ عَلَى الأَسماء، وَهِيَ لإِلصاق الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ، تَقُولُ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ كأَنك أَلْصَقْتَ المُرور بِهِ. وكلُّ فِعْلٍ لَا يَتَعَدَّى فَلَكَ أَن تُعَدِّيه بالباءِ والأَلف وَالتَّشْدِيدِ، تَقُولُ: طارَ بِهِ، وأَطارَه، وطَيّره؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَا يَصِحُّ هَذَا الإِطلاق عَلَى العُموم، لأَنَّ مِنَ الأَفْعال مَا يُعَدَّى بالهَمْزة وَلَا يُعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ نَحْوَ عادَ الشيءُ وأَعَدْتُه، وَلَا تَقُلْ عَوَّدْته، وَمِنْهَا مَا يُعدَّى بِالتَّضْعِيفِ وَلَا يعدَّى بِالْهَمْزَةِ نَحْوَ عَرَف وعَرَّفْتُه، وَلَا يُقَالُ أَعْرَفْتُه، وَمِنْهَا مَا يُعَدَّى بِالْبَاءِ وَلَا يُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَلَا بِالتَّضْعِيفِ نَحْوَ دفَعَ زَيْدٌ عَمْراً ودَفَعْتُه بعَمرو، وَلَا يُقَالُ أَدْفَعْتُه وَلَا دَفَّعْتَه. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ تُزَادُ الْبَاءُ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِمْ بحَسْبِكِ قَوْلُ السَّوْءِ؛ قَالَ الأَشعر الزَّفَيانُ وَاسْمُهُ عَمرو بْنُ حارِثَةَ يَهْجُو ابنَ عَمِّهِ رضْوانَ:

بحَسْبِكَ فِي القَوْمِ أَنْ يَعْلَمُوا

بأَنَّكَ فِيهِمْ غَنِيٌّ مُضِرّ

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:

نحنُ بَنُو جَعْدَةَ أَصحابُ الفَلَجْ،

نَضْرِبُ بالسيفِ ونرْجُو بالفَرَجْ

أَي الفَرَجَ؛ وَرُبَّمَا وُضِعَ موضِعَ قَوْلِكَ مِنْ أَجل كَقَوْلِ لَبِيدٍ:

غُلْبٌ تَشَذَّرُ بالذُحُولِ كأَنهمْ

جِنُّ البَدِيِّ، رَواسِياً أَقْدامُها

أَي مِنْ أَجل الذُّحُول، وَقَدْ تُوضَعُ مَوْضِعَ على

(1). قوله [الْجَوْهَرِيُّ الْبَاءُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ] كذا بالأصل، وليست هذه العبارة له كما في عدة نسخ من صحاح الجوهري ولعلها عبارة الأَزهري.

ص: 443