المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الجزء الخامس عشر وي   ‌ ‌فصل الطاء المهملة طآ: الطآةُ مثلُ الطَّعاةِ: الحَمْأَةُ، قَالَ - لسان العرب - جـ ١٥

[ابن منظور]

الفصل: الجزء الخامس عشر وي   ‌ ‌فصل الطاء المهملة طآ: الطآةُ مثلُ الطَّعاةِ: الحَمْأَةُ، قَالَ

الجزء الخامس عشر

وي

‌فصل الطاء المهملة

طآ: الطآةُ مثلُ الطَّعاةِ: الحَمْأَةُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كَذَا قرأْتُه عَلَى أَبي سَعِيدٍ فِي المُصَنَّف. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الأَحمر الطاءَةُ مثلُ الطاعَةِ الحَمْأَةُ، والطَّآةُ مَقْلوبَةٌ مِنَ الطَّاءَةِ مِثْلُ الصَّآةِ مقلوبةٌ مِنَ الصَّاءَةِ، وَهِيَ مَا يَخْرُجُ مِنَ القَذَى مَعَ المَشِيمة. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: الطُّؤاةُ الزُّناة. وَمَا بِالدَّارِ طُوئِيٌّ مِثَالُ طُوعِيٍّ وطُؤْوِيٌّ أَيْ مَا بِهَا أَحَدٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

وبَلْدَة ليسَ بِها طُوئِيُّ،

وَلَا خَلا الجِنَّ بِها إِنْسِيُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: طُوئِيٌّ عَلَى أَصله، بِتَقْدِيمِ الْوَاوِ عَلَى الْهَمْزَةِ، لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لأَن آخِرَهُ هَمْزَةٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ طُؤْوِيٌّ، الْهَمْزَةُ قَبْلَ الواوِ، عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الكِلابيون يَقُولُونَ:

وبَلْدَةٍ ليسَ بها طُوئِيُ

الْوَاوُ قَبْلَ الْهَمْزَةِ، وتميمٌ تجعلُ الْهَمْزَةَ قَبْلَ الْوَاوِ فتقولُ طُؤْوِيٌّ.

طبي: طَبَيْته عَنِ الأَمر: صَرَفْتَه. وطَبَى فُلَانٌ فُلَانًا يَطْبيه عَنْ رَأْيه وأَمْرِه. وكلُّ شيءٍ صَرَفَ شَيْئًا عَنْ شيءٍ فقَدْ طَبَاهُ عَنْهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَا يَطَّبيني العَمَلُ المُفَدَّى «4»

أَي لَا يَسْتَميلُني. وطَبَيته إِلَيْنَا طَبْياً وأَطْبَيْته: دَعَوْته، وَقِيلَ: دَعَوْتُه دُعاءً لَطِيفًا، وَقِيلَ: طَبَيْته قُدْته؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ وأَنشد بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ:

لَياليَ اللَّهوُ يَطْبِيني فأَتبَعُه،

كأَنَّني ضارِبٌ فِي غَمْرةٍ لَعِبُ

ويروى: طبو

يَطْبُوني أَي يَقُودُني. وطَباهُ طبو

يَطْبُوه ويَطْبِيه إِذَا دَعاه؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يَقُولُ ذُو الرُّمَّةِ يَدْعُوني اللَّهوُ فأَتْبَعُه، قَالَ: وَكَذَلِكَ اطَّباهُ عَلَى افْتَعَلَه. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ مُصْعَباً اطَّبَى القُلوب حَتَّى مَا تَعْدِلُ بِهِ

أَي تَحَبَّب إِلَى قُلُوب النَّاس وقَرَّبَها مِنْهُ. يقال: طَباهُ طبو

يَطْبُوه

(4). قوله [المفدى] هكذا في الأصل المعتمد عليه، وفي التهذيب: المقذى، بالقاف والذال المعجمة.

ص: 3

ويَطْبِيه إِذَا دَعاهُ وصَرَفَه إِلَيْهِ واختارَه لنَفْسِه، واطَّباه يَطَّبِيه افْتَعَلَ مِنْهُ، فقُلِبَت التاءُ طَاءً وأُدْغِمَت. والطَّباةُ: الأَحْمَقُ. والطُّبْيُ والطِّبْيُ: حَلَماتُ الضَّرْع الَّتِي فِيهَا اللَّبَنُ مِنَ الخُفِّ والظِّلْفِ والحافرِ والسِّباع، وَقِيلَ: هُوَ لذَواتِ الحافِرِ والسِّباعِ، كالثَّدْي لِلْمَرْأَةِ وكالضَّرْعِ لِغَيْرها، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَطْباءٌ. الأَصمعي: يُقَالُ للسِّباعِ كُلِّهَا طِبْيٌ [طُبْيٌ] وأَطْبَاءٌ، وَذَوَاتُ الحافِرِ كُلُّها مِثْلُها، قَالَ: والخُفّ والظِّلْف خِلْفٌ وأَخلافٌ. التَّهْذِيبِ: والطُّبْيُ الْوَاحِدُ مِنْ أَطْباءِ الضَّرْع، وكلُّ شَيء لَا ضَرْع لَهُ، مثلُ الكَلْبَة، فَلَها أَطْباءٌ. وَفِي حَدِيثِ الضَّحَايا:

وَلَا المُصْطَلَمَة أَطْباؤُها

أَيِ المَقْطُوعَة الضُّرُوعِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقِيلَ يُقَالُ لِمَوْضع الأَخْلافِ مِنَ الخَيْلِ والسِّباعِ أَطْبَاءٌ كَمَا يُقَالُ فِي ذَواتِ الخُفِّ والظِّلْفِ خِلْفٌ وضَرْعٌ. وَفِي حَدِيثِ

ذِي الثُّدَيَّة: كأَنَّ إحْدَى يَدَيه طُبْيُ شاةٍ.

وَفِي المَثَل: جاوَزَ الْحِزَامُ الطُّبْيَين. وَفِي حَدِيثِ

عُثْمَانَ: قَدْ بَلغ السيْلُ الزُّبى وجاوَزَ الحِزامُ الطُّبْيَيْن

؛ قَالَ: هَذَا كِنَايَةٌ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَجاوُزِ حَدِّ الشَّرِّ والأَذى لأَن الْحِزَامَ إِذَا انْتَهَى إِلَى الطُّبْيَيْنِ فَقَدِ انْتَهى إِلَى أَبعد غاياتِه، فكيفَ إِذَا جَاوَزَه؟ وَاسْتَعَارَهُ الحسينُ بْنُ مُطَيْر للمطَر عَلَى التَّشْبِيهِ فَقَالَ:

كَثُرَتْ ككَثْرَة وَبْلِهِ أَطْبَاؤه،

فإذا تَجَلَّتْ فاضَتِ الأَطْباءُ «1»

وخِلْفٌ طَبِيٌّ مُجَيَّبٌ. وَيُقَالُ: أَطْبَى بنُو فلانٍ فُلَانًا إِذَا خالُّوه وقَبِلُوه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ خالُّوه ثُمَّ قَتَلوه. وَقَوْلُهُ خالُّوه مِنَ الخُلَّة، وَهِيَ المَحَبَّة. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي زِيَادٍ الْكِلَابِيِّ قَالَ: شاةٌ طبو

طَبْوَاءُ إِذَا انْصَبَّ خِلْفاها نحو الأَرض وطالا.

طثا: الطَّثْيَة: شجرةٌ تَسْمُو نحوَ القامةِ شَوِكَةٌ مِنْ أَصلها إِلَى أَعْلاها، شوكُها غالبٌ لوَرَقِها، ووَرَقُها صِغارٌ، وَلَهَا نُوَيْرةٌ بَيْضَاءُ يَجْرُسُها النَّحْلُ، وَجَمْعُهَا طَثْيٌ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ. ابْنُ الأَعرابي: طَثَا إذا لعِبَ بالقُلَةِ. والطُّثَى: الخَشَبات الصِّغارُ.

طحا: طَحَاه طَحْواً وطُحُوّاً: بَسَطَهُ. وطَحَى الشَّيْءَ يَطْحِيه طَحْياً: بَسَطَه أَيضاً. الأَزهري: الطَّحْو كالدَّحْو، وَهُوَ البَسْطُ، وَفِيهِ لُغَتَانِ طَحَا يَطْحُو وطَحَى يَطْحَى. والطَّاحِي: المُنْبَسِطُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالْأَرْضِ وَما طَحاها

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: طَحَاها ودَحاها واحدٌ، قَالَ شَمِرٌ: مَعْنَاهُ ومَنْ دَحاها فأَبدَل الطاءَ مِنَ الدَّالِ، قَالَ: ودَحاها وسَّعَها. وطَحَوْته مثلُ دَحَوْته أَي بَسَطْته. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَما قِراءَة

الكِسائي طَحِيَها

بالإِمالَة، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَواتِ الواوِ، فَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لأَنّها جاءتْ مَعَ مَا يَجُوزُ أَن يُمال، وَهُوَ يَغْشاها وبَناها، عَلَى أَنهم قَدْ قَالُوا مِظَلَّة مَطْحِيَّة، فَلَوْلَا أَنَّ الْكِسَائِيَّ أَمال تَلاها مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها، لقُلْنا إِنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى قَوْلِهِمْ مِظَلَّة مَطْحِيَّة ومِظَلَّة مَطْحُوَّة: عَظِيمَةٌ. ابْنُ سِيدَهْ: ومِظَلَّة طاحِيةٌ وَمَطْحِيَّةٌ عَظيمةٌ، وَقَدْ طَحاها طحْواً وطَحْياً. أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلْبَيْتِ الْعَظِيمِ: مِظَلَّةٌ مَطْحُوَّةٌ ومَطْحِيَّة وَطَاحِيَةٌ، وَهُوَ الضخْمُ. وضَربَه ضرْباً طَحَا مِنْهُ أَي امْتَدَّ. وطَحَا بِهِ قَلْبُه وهَمُّه يَطْحَى طَحْواً: ذَهَبَ بِهِ فِي مذهبٍ بعيدٍ، مأْخوذٌ مِنْ ذَلِكَ. وطَحَا بِكَ قَلْبُكَ يَطْحى طَحياً: ذَهَبَ. قَالَ: وأَقبَل التَّيْسُ فِي طَحْيَائه

(1). قوله [تجلت] هكذا في الأصل.

ص: 4

أَي هِبَابِه. وطَحَا يَطْحُو طُحُوّاً: بعُدَ؛ عَنِ ابْنِ دُريدٍ. والقومُ يَطْحَى بعضُهم بَعْضًا أَي يَدفَع. وَيُقَالُ: مَا أَدْرِي أَينَ طَحَا، مِنْ طَحَا الرجلُ إِذَا ذَهَبَ فِي الأَرضِ. والطَّحَا مقصورٌ: المُنْبَسِطُ مِنَ الأَرض. والطَّحْيُ مِنَ الناسِ: الرُّذالُ. والمُدوِّمَةُ الطَّواحي: هِيَ النُّسورُ تَسْتديرُ حولَ القَتْلى. ابْنُ شُمَيْلٍ: المُطَحِّي اللازِقُ بالأَرض. رَأَيْتُهُ مُطَحِّياً أَي مُنْبَطِحاً. والبَقْلة المُطَحِّيَة: النابتَةُ عَلَى وَجْهِ الأَرضِ قَدْ افْتَرَشَتْها. وَقَالَ الأَصمعي فِيمَا رَوى عَنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ: إِذَا ضرَبَه حَتَّى يَمْتَدَّ مِنَ الضَّرْبَةِ عَلَى الأَرضِ قِيلَ طَحَا مِنْهَا؛ وأَنشد لصَخْر الغَيّ:

وخَفِّضْ عَليكَ القَولَ، واعْلَم بأَنَّني

منَ الأَنَسِ الطَّاحِي عليكَ العَرَمْرَمِ

وضَرَبَه ضرْبةً طَحا مِنْهَا أَي امْتَدَّ؛ وَقَالَ:

لَهُ عَسْكَرٌ طاحِي الضِّفَافِ عَرَمْرَم

وَمِنْهُ قِيلَ طَحَا بِهِ قلْبُه أَي ذَهَبَ بِهِ فِي كلِّ مَذْهَبٍ؛ قَالَ عَلْقَمة بنُ عَبدَة:

طَحَا بكَ قلبٌ، فِي الحِسانِ طَرُوبُ،

بُعَيْدَ الشَّبابِ، عَصْرَ حانَ مَشيبُ

قَالَ الْفَرَّاءُ: شَرِبَ حَتَّى طَحَّى، يريدُ مَدَّ رِجْلَيْهِ؛ قَالَ: وطَحَّى البعيرُ إِلَى الأَرض إِمّا خِلاءً وَإِمَّا هُزالًا أَي لَزِقَ بِهَا. وَقَدْ طَحَّى الرجلُ إِلَى الأَرض إِذَا مَا دَعَوْه فِي نَصْرٍ أَو معروفٍ فلمْ يأْتِهِم، كلُّ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ الأَصمعي: كأَنه رَدَّ قَوْلَهُ بِالتَّخْفِيفِ «1» والطاحِي: الْجَمْعُ العظيمُ. والطائحُ: الهالكُ، وطَحا إِذَا مَدَّ الشيءَ، وطَحا إِذَا هَلَكَ. وطَحَوْته إِذَا بَطَحْته وصَرَعْته فطَحَّى: انْبَطَح انْبِطَاحًا. والطَّاحِي: المُمْتَدُّ. وطحَيْتُ أَي اضْطَجَعت. وفَرَسٌ طاحٍ أَي مُشْرِفٌ. وَقَالَ بعضُ الْعَرَبِ فِي يمينٍ لَهُ: لَا والقمرِ الطَّاحِي أَي المُرْتَفِعِ. والطُّحَيُّ: موضعٌ؛ قَالَ مُلَيْح:

فأَضْحَى بأَجْزاعِ الطُّحَيِّ، كأَنه

فَكِيكُ أُسارَى فُكَّ عَنْهُ السلاسِلُ

وطاحيةُ: أَبو بَطْنٍ مِنَ الأَزْدِ، من ذلك.

طخا: طَخا الليلُ طَخْواً وطُخُوّاً: أَظْلَم. والطَّخْوةُ: السَّحابةُ الرَّقيقة. وَلَيْلَةٌ طَخْوَاءُ: مُظلِمة. والطَّخْيَةُ والطُّخْيَةُ؛ عَنْ كراعٍ: الظُّلْمَة. وليلةٌ طَخْياءُ: شديدةُ الظُّلْمَة قَدْ وارَى السَّحابُ قَمَرَها. وليالٍ طاخياتٌ عَلَى الْفِعْلِ أَو عَلَى النَّسَبِ إِذ فاعلاتٌ لَا يكونُ جَمْعَ فَعْلاءَ. وظلامٌ طاخٍ. والطَّخْيَاءُ: ظُلمةُ الليلِ، ممدودٌ، وَفِي الصِّحَاحِ: اللَّيْلَةُ المُظلِمةُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

فِي لَيْلةٍ صَرَّةٍ [صِرَّةٍ] طَخْيَاءَ داجِيَةٍ

مَا تُبْصِرُ العينُ فِيهَا كَفَّ مُلْتَمِسِ

قَالَ: وطَخا ليلُنا طَخْواً وطُخُوّاً أَظلم. والطَّخَاءُ والطَّهاءُ والطَّخافُ، بِالْمَدِّ: السَّحابُ الرقيقُ المرتفعُ؛ يُقَالُ: مَا فِي السَّمَاءِ طَخَاءٌ أَي سَحَابٌ وظُلْمَة، واحدتُه طَخاءة. وكلُّ شيءٍ أُلْبِسَ شَيْئًا طَخاء. وَعَلَى قَلْبِهِ طَخاءٌ وطَخاءَةٌ أَي غَشْيَةٌ وكَرْبٌ، وَيُقَالُ: وجَدتُ عَلَى قَلْبِي طَخاءً مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِذَا وجَدَ أَحَدُكم عَلَى قَلْبِهِ طَخاءً فليأْكل السَّفَرْجَلَ

؛ الطَّخَاءُ: ثقلٌ وغِشاءٌ وغَشْيٌ، وأَصل الطَّخَاء والطَّخْيَة الظُّلْمة والغَيم.

(1). قوله [قَالَ الأَصمعي كَأَنَّهُ رَدَّ قوله بالتخفيف] هكذا في الأصل وعبارة التهذيب، قلت كأنه (يعني الفراء) عارض بهذا الكلام ما قال الأَصمعي في طحا بالتخفيف.

ص: 5

وَفِي الْحَدِيثِ:

إنَّ للقلبِ طَخاءً كطَخاء الْقَمَرِ

أَي شَيْئًا يَغْشاه كَمَا يُغْشَى القمرُ. والطَّخْيَةُ: السَّحابةُ الرَّقِيقَةُ. اللِّحْيَانِيُّ: مَا فِي السَّمَاءِ طُخْيَةٌ، بِالضَّمِّ، أَي شيءٌ مِنْ سَحابٍ، قَالَ: وَهُوَ مِثْلُ الطُّخْرُورِ. التَّهْذِيبِ: الطَّخَاءَةُ والطَّهاءةُ مِنَ الغَيْمِ كلُّ قطعةٍ مستدِيرةٍ تَسُدُّ ضَوْءَ القَمر وتُغَطِّي نُورَهُ، وَيُقَالُ لَهَا الطَّخْيَةُ، وَهُوَ مَا رقَّ وَانْفَرَدَ، ويُجْمَع عَلَى الطِّخاء والطِّهاءِ. والطَّخْيَةُ: الأَحْمَق، وَالْجَمْعُ الطَّخْيُون. وتكلَّم فلانٌ بكلمةٍ طَخْيَاءَ: لَا تُفْهم. وطاخِيةُ، فِيمَا ذُكرَ عَنِ الضَّحَّاك: اسمُ النَّملة الَّتِي أَخْبَر اللَّهُ عَنْهَا أَنها كلَّمَت سُلَيْمَانَ، عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

طدي: الْجَوْهَرِيُّ: عادةٌ طادِيَةٌ أَي ثابتةٌ قديمةٌ، وَيُقَالُ: هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْ واطِدة؛ قَالَ الْقَطَامِيُّ:

مَا اعْتادَ حُبُّ سُلَيْمَى حينَ مُعْتادِ،

وما تَقَضَّى بَواقِي دِينِها الطادِي

أَي مَا اعْتادني حِينَ اعتيادٍ، والدينُ: الدَّأْبُ والعادة.

طرا: طَرا طُرُوّاً: أَتى مِنْ مكانٍ بعيدٍ، وَقَالُوا الطَّرَا والثرَى، فالطَّرَا كلُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ جِبِلَّة الأَرضِ؛ وَقِيلَ الطَّرَا مَا لَا يُحْصى عَدَدُه مِنْ صُنُوف الْخَلْقِ. اللَّيْثُ: الطَّرَا يُكَثَّرُ بِهِ عَدَدُ الشَّيْءِ. يُقَالُ: هُمْ أَكْثَرُ مِنَ الطَّرَا والثرَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الطَّرَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ كلُّ شيءٍ مِنَ الخَلْق لَا يُحْصَى عَدَدُه وأَصنافُه، وَفِي أَحَدِ القَولَيْن كلُّ شيءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرض مِمَّا لَيْسَ مِنْ جِبِلَّة الأَرض مِنَ التُّرابِ والحَصْباءِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ الطَّرَا. وشيءٌ طَرِيٌّ أَي غَضٌّ بيِّنُ الطَّراوَةِ، وَقَالَ قُطْرُبٌ: طَرُوَ اللحْمُ وطَرِيَ ولَحْمٌ طَرِيٌّ، غيرُ مهموزٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. ابْنُ سِيدَهْ: طَرُوَ الشيءُ يَطْرُو وطَرِيَ طَراوَةً وطَراءً وطَراءَةً وطَراةً مِثْلُ حَصاةٍ، فَهُوَ طَرِيٌّ. وطَرَّاهُ: جَعَلَهُ طَرِيَّاً؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

قُلْت لطاهِينا المُطَرِّي للْعَمَلْ:

عَجِّلْ لَنا هَذَا وأَلْحِقْنا بِذَا الْ

«1» بالشَّحْم إِنَّا قَدْ أَجِمْناهُ بَجَلْ

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ. وأَطْرَى الرجلَ: أَحسَن الثَّنَاءَ عَلَيْهِ. وأَطْرَى فُلَانٌ فُلاناً إِذَا مَدَحَه بِمَا لَيْسَ فِيهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: لَا تُطْرُوني كَمَا أَطْرَتِ النصارَى المسِيحَ فإِنَّما أَنا عَبْدٌ وَلَكِنْ قُولُوا عبدُ اللَّهِ ورَسُولُه

؛ وَذَلِكَ أَنَّهم مَدَحُوه بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَقَالُوا: هُوَ ثالثُ ثَلاثةٍ وَإِنَّهُ ابنُ اللَّهِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ شِرْكهم وكُفرِهِم. وأَطْرَى إِذَا زَادَ فِي الثَّنَاءِ. والإِطراءُ: مُجاوَزَةُ الحَدِّ فِي المَدْحِ والكَذِبُ فِيهِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ مُطَرًّى فِي نَفْسه أَي مُتَحَيِّرٌ. والطَّرِيُّ: الغريبُ. وطَرَى إِذَا أَتَى، وطَرَى إِذَا مَضى، وطَرَى إِذَا تَجَدَّدَ، وطَرِيَ يَطْرَى إِذا أَقبَل، «2» وطَرِيَ يَطْرَى إِذَا مَرّ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ رجلٌ طارِيٌّ وطُورانيٌّ وطُورِيٌّ وطُخْرورٌ وطُمْرورٌ أَي غَرِيبٌ، وَيُقَالُ للغُربَاء الطُّرَّاءُ، وهم الذين يأتون مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ، وَيُقَالُ: لكلِّ شيءٍ أُطْرُوانِيَّةٌ يَعْني الشَّبابَ. وطَرَّى الطِّيبَ: فَتَقَه بأَخْلاطٍ وخَلَّصه،

(1). قوله [بذا ال بالشحم] هكذا في الأصول بإعادة الباء في الشحم.

(2)

. قوله [وَطَرِيَ يَطْرَى إِذَا أَقْبَلَ] ضبطه في القاموس كرَضِيَ، وفي التكملة والتهذيب كرَمَى.

ص: 6

وَكَذَلِكَ طَرَّى الطعامَ. والمُطَرَّاةُ: ضربٌ مِنَ الطِّيب؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: يُقَالُ لِلأَلُوَّة مُطَرَّاةٌ إِذَا طُرِّيَتْ بطِيبٍ أَو عَنْبرٍ أَو غَيرِه، وطرَّيْتُ الثَّوْبَ تَطْرِيَةً. أَبو زَيْدٍ: أَطْرَيْتُ العَسَل إِطْرَاءً وأَعْقَدْتُه وأَخْتَرْتُه سَواءٌ. وغِسْلَة مُطَرَّاةٌ أَي مُرَبَّاةٌ بالأَفاوِيه يُغْسَلُ بِهَا الرأسُ أَوِ اليَدُ، وَكَذَلِكَ العُودُ المُطَرَّى المُرَبَّى مِنْهُ مثلُ المُطيَّرِ يُتَبَخَّرُ بِهِ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يَسْتَجْمِرُ بالأَلُوَّةِ

: هُوَ العُودُ «1» والمُطَرَّاةُ الَّتِي يُعْمَلُ عَلَيْهَا أَلوانُ الطيبِ غَيْرِهَا كالعَنْبرِ والمِسْكِ وَالْكَافُورِ. والإِطْرِيَةُ، بِكَسْرِ الْهَمْزِ مِثْلُ الهِبْرِيَةِ: ضربٌ مِنَ الطَّعامِ، وَيُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ لاخْشَهْ. قَالَ شَمِرٌ: الإِطْرِيَةُ شيءٌ يُعْمَلُ مِثْلُ النَّشاسْتَجْ المُتَلَبِّقة؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: هُوَ طَعامٌ يتَّخِذُه أَهلُ الشامِ ليسَ لَهُ واحدٌ، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُ الْهَمْزَةَ فيقولُ إِطْرِيَة بِوَزْنِ زِبْنِيةٍ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَكَسْرُهَا هُوَ الصَّوَابُ وفتحُها لحنٌ عندَهُم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَلِفُها واوٌ، وإِنما قَضَيْنا بِذَلِكَ لِوُجُودِ ط ر وو عدم ط ر ي، قَالَ: وَلَا يُلْتَفَتُ إِلى مَا تَقْلِبه الْكَسْرَةُ فإِنَّ ذَلِكَ غيرُ حُجَّة. واطْرَوْرَى الرَّجُلُ: اتَّخَمَ وانْتَفَخَ جَوْفُهُ. أَبو عَمْرٍو: إِذا انْتَفَخَ بَطنُ الرجلِ قِيلَ اطْرَوْرَى اطْرِيرَاءً. وَقَالَ شَمِرٌ: اطْرَوْرَى، بالطاءِ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي بالظاءِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ رَوَى أَبو الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ ظَرِيَ بطنُ الرَّجُلِ إِذا لَمْ يَتمالَكْ لِيناً؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالصَّوَابُ اظْرَوْرَى، بِالظَّاءِ، كَمَا قَالَ شَمِرٌ. والطِّريَّانُ: الطَّبَقُ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الطِّرِيَّان الَّذِي يُؤْكلُ عَلَيْهِ، قَالَ: وقَع فِي بَعْضِ نُسَخِ كِتَابِ يَعْقُوبَ مخفَّفَ الراءِ مشَدَّد الْيَاءِ عَلَى فِعِلَّان كالفِرِكَّانِ والعِرِفَّانِ، وَوَقَعَ فِي النُّسَخِ الجِيلِيَّة مِنْهُ الطِّرِّيَانُ، مُشَدَّدَ الرَّاءِ مخفَّف الْيَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ

عَنْ أَبي أُمامة قَالَ: بَيْنا رسولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يأْكلُ قَدِيداً عَلَى طِرِّيانٍ جَالِسًا عَلَى قَدَمَيْهِ

؛ قَالَ شَمِرٌ: قَالَ الْفَرَّاءُ هُوَ الطِّرِّيَانُ الَّذِي تُسَمِّيه الناسُ الطِّرْيَانَ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ الطِّرِيَّانُ الَّذِي يُؤْكَلُ عَلَيْهِ، جَاءَ بِهِ فِي حروفٍ شُدِّدَتْ فِيهَا الْيَاءُ مِثْلُ الباريِّ والبَخاتيِّ والسَّراريِّ.

طسي: طَسَتْ نَفْسُه طَسْياً وطَسِيَتْ: تَغَيَّرَتْ مِنْ أَكلِ الدَّسَمِ وعَرَضَ لَهُ ثِقَلٌ مِنْ ذَلِكَ ورأَيته مُتَكَرِّهاً لِذَلِكَ، وَهُوَ أَيضاً بالهمزِ. وطَسا طَسْياً: شرِبَ اللَّبَنَ حتى يُخَثِّرَهُ.

طشا: تَطَشَّى المريضُ: بَرِئَ. وَفِي نوادِرِ الأَعراب: رجلٌ طِشَّةٌ، وَتَصْغِيرُهُ طُشَيَّة إِذا كَانَ ضعِيفاً. وَيُقَالُ: الطُّشَّة أُمُّ الصِّبْيانِ. وَرَجُلٌ مَطْشِيٌّ ومَطْشُوٌّ.

طعا: حَكَى الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي: طَعَا إِذا تَباعَد. غَيْرُهُ: طَعَا إِذا ذَلَّ. أَبو عَمْرٍو: الطاعِي بِمَعْنَى الطائِعِ إِذا ذَلَّ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الإِطْعاءُ: الطَّاعَةُ.

طغي: الأَزهري: اللَّيْثُ الطُّغْيانُ وطغو

الطُّغْوانُ لغةٌ فِيهِ، والطَّغْوَى بِالْفَتْحِ مثلُه، والفِعْل طغو

طَغَوْت وطَغَيْت، وَالِاسْمُ الطَّغْوَى. ابْنُ سِيدَهْ: طَغَى يَطْغى طَغْياً وطغو

يَطْغُو طُغْياناً جاوَزَ القَدْرَ وَارْتَفَعَ وغَلا فِي الكُفْرِ. وَفِي حَدِيثِ

وَهْبٍ: إِنَّ لِلْعِلْم طُغْياناً كطُغْيانِ المَالِ

أَي يَحْمِل صاحِبَه عَلَى التَّرَخُّص بِمَا اشْتَبَه مِنْهُ إِلى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، ويَتَرَفَّع بِهِ عَلَى مَنْ دُونَه، وَلَا يُعْطي حَقَّه بالعَمَلِ بِهِ كَمَا يَفْعَلُ

(1). قوله: [هو العود أي الْعُودُ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ]. ورواية هذا الحديث في

النهاية: أَنَّهُ كانَ يستجمرُ بالأَلُوَّةِ غيرَ مُطَرَّاة.

ص: 7

رَبُّ المالِ. وكلُّ مُجَاوِزٍ حدَّه فِي العِصْيانِ طَاغٍ. ابنَ سيدة: طغو

طَغَوْتُ طغو

أَطْغُو وأَطْغَى طغو

طُغُوّاً كَطَغَيْت، وطَغْوَى فَعْلى مِنْهُمَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ مِنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها

، قَالَ: أَراد بطُغْيانِها، وَهُمَا مصدَران إِلَّا أَنَّ الطَّغْوَى أَشكل برُؤُوس الْآيَاتِ فاخْتير لِذَلِكَ أَلا تَرَاهُ قَالَ: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ معناهُ وآخِرُ دُعائِهِمْ. وَقَالَ الزَّجَّاج: أَصل طَغْواها طَغْياهَا، وفَعْلى إِذا كَانَتْ مِنْ ذواتِ الياءِ أُبْدِلَتْ فِي الِاسْمِ وَاوًا ليُفْصَل بَيْنَ الِاسْمِ والصِّفَةِ، تَقُولُ هِيَ التَّقْوَى، وإِنما هِيَ مِنْ تَقَيْتُ، وَهِيَ البَقْوَى مَنْ بَقيت. وَقَالُوا: امرأَةٌ خَزْيا لأَنه صِفَة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ

. وطَغِيَ يَطْغَى مِثْلُه. وأَطْغاهُ المالُ أَي جَعَلَه طاغِياً. وَقَوْلُهُ عز وجل: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ

؛ قَالَ الزجاجُ: الطَّاغِيَةُ طُغْيانُهُم اسْمٌ كالعاقِبَةِ والعافِيَة. وَقَالَ قَتادة: بَعَثَ اللهُ عَلَيْهِمْ صَيْحَةً، وَقِيلَ: أُهْلِكُوا بالطَّاغِيَةِ أَي بِصَيْحَةِ العذابِ، وَقِيلَ أُهْلِكوا بالطَّاغِيَة أَي بطُغْيانهم. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ: الطَّغْيَا الْبَغْيُ والكُفْرُ؛ وأَنشد:

وإِنْ رَكِبوا طَغْياهُمُ وضلالَهُم،

فَلَيْسَ عذابُ اللهِ عَنْهُمْ بِلابِثِ

وَقَالَ تَعَالَى: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ

. وطَغَى الماءُ وَالْبَحْرُ: ارتَفَع وَعَلَا عَلَى كلِّ شيءٍ فاخْتَرَقَه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ

. وطَغَى البحرُ: هاجَتْ أمواجُه. وطَغَى الدَّمُ: تَبَيَّغَ. وطَغَى السَّيْلُ إِذا جاءَ بماءٍ كثيرٍ. وكلُّ شيءٍ جَاوَزَ القَدْرَ فَقَدْ طَغَى كَمَا طَغَى الماءُ عَلَى قومِ نوحٍ، وَكَمَا طَغَتِ الصيحةُ عَلَى ثمودَ. وَتَقُولُ: سمعتُ طَغْيَ فلانٍ أَي صَوْتَه، هُذَلِيَّة، وَفِي النوادِرِ: سمعتُ طَغْيَ القومِ وطَهْيَهم ووَغْيَهم أَي صَوْتَهم. وطَغَتِ البقرةُ تَطْغَى: صاحَتْ. ابْنُ الأَعرابي: يقالُ لِلْبَقَرَةِ الخائرَةُ والطَّغْيَا، وَقَالَ المُفَضَّل: طُغْيَا، وفتَحَ الأَصْمَعِيُّ طَاءَ طَغْيَا. وَقَالَ ابْنُ الأَنْبارِي: قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ طَغْيَا، مقصورٌ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ، وَهِيَ بقرةُ الوَحْشِ الصغيرةُ. وَيُحْكَى عَنِ الأَصْمعي أَنه قَالَ: طُغْيَا، فَضَمَّ. وطَغْيَا: اسمٌ لبَقَرةِ الوحشِ، وَقِيلَ للصَّغيرِ مِنْ بقرِ الوحشِ مِنْ ذَلِكَ جَاءَ شَاذًّا؛ قَالَ أُمَيَّةُ بنُ أَبي عائذٍ الهُذَلي:

وإِلَّا النَّعامَ وحَفَّانَهُ،

وطَغْيَا مَعَ اللَّهَقِ الناشِطِ

قَالَ الأَصمعي: طُغْيَا بِالضَّمِّ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: طَغْيَا بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الصغيرُ مِنْ بَقَرِ الوحشِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُ الأَصمعي هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَوْلُ ثَعْلَبٍ غَلَطٌ لأَن فَعْلى إِذا كَانَتِ اسْمًا يجبُ قَلْبُ يَائِهَا وَاوًا نَحْوَ شَرْوَى وتَقْوَى، وَهُمَا مِنْ شَرَيْتُ وتَقَيْت، فَكَذَلِكَ يَجِبُ فِي طَغْيا أَن يَكُونَ طَغْوَى، قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الأَصمعي لأَن فُعْلى إِذا كَانَتِ مِنَ الْوَاوِ وَجَب قَلْبُ الْوَاوِ فيها يَاءً نَحْوَ الدُّنْيَا والعُلْيا، وهُما مِنْ دَنَوْتُ وعَلَوْت. والطَّاغِيَة: الصاعِقةُ. والطَّغْيَةُ: المُسْتَصْعَبُ الْعَالِي مِنَ الْجَبَلِ، وَقِيلَ: أَعْلى الْجَبَلِ، قَالَ ساعِدة بْنُ جُؤيَّة:

صَبَّ اللَّهِيفُ لَهَا السُّبُوبَ بطَغْيةٍ

تُنبي العُقابَ، كَمَا يُلَطُّ المِجْنَبُ

قَوْلُهُ: تُنْبي أَي تَدْفَع لأَنه لَا يَثْبُت عَلَيْهَا مَخالِبُها لمَلاسَتِها، وكلُّ مكانٍ مُرتَفع طغو

طَغْوَةٌ، وَقِيلَ:

ص: 8

الطَّغْيَةُ الصَّفاةُ المَلْساءُ؛ وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الطَّغْيةُ مِنْ كلِّ شَيْءٍ نُبْذَةٌ مِنْهُ، وأَنشد بيتَ سَاعدةَ أَيضًا يَصِفُ مُشْتارَ الْعَسَلِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: واللَّهِيفُ المكروبُ، والسُّبُوبُ جَمْعُ سِبٍّ الحَبْل، والطَّغْيةُ النَّاحِيَةُ مِنَ الجبلِ، ويُلَطُّ يُكَبُّ، والمِجْنَبُ التُّرْس أَي هَذِهِ الطَّغْية كأَنها تُرْسٌ مَكْبُوبٌ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: قِيلَ لابْنَةِ الخُسِّ مَا مائةٌ مِنَ الخَيْل؟ قَالَتْ: طَغْيٌ عِنْدَ مَنْ كَانَتْ وَلَا توجدُ؛ فإِما أَن تَكُونَ أَرادت الطُّغْيَانَ أَي أَنها تُطْغي صاحبَها، وإِما أَن تَكُونَ عَنَتِ الكَثْرَةَ، وَلَمْ يُفَسِّره ابنُ الأَعْرابي. والطاغوتُ، يقعُ عَلَى الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ: وزْنُه فَعَلُوتٌ إِنَّمَا هُوَ طَغَيُوتٌ، قُدِّمتِ الياءُ قَبْلَ الغَيْن، وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ وَقَبْلَهَا فَتْحَةٌ فَقُلِبَتْ أَلِفاً. وطاغُوتٌ، وإِن جَاءَ عَلَى وَزْنِ لاهُوتٍ فَهُوَ مَقْلُوبٌ لأَنه مِنْ طَغَى، ولاهُوت غَيْرُ مَقْلوبٍ لأَنه مِنْ لَاهَ بمَنْزِلة الرَّغَبُوت والرَّهَبُوتِ، وأَصل وَزْن طاغُوتٍ طَغَيُوت عَلَى فَعَلُوتٍ، ثُمَّ قُدِّمَتِ الياءُ قَبْلَ الغينِ مُحافَظَة عَلَى بَقائِها فَصار طَيَغُوت، ووَزْنُه فَلَعُوت، ثُمَّ قُلِبت الْيَاءُ أَلفاً لتَحَرُّكها وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا فَصَارَ طاغُوت. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ

؛ قَالَ اللَّيْثُ: الطاغُوت تَاؤُهَا زائدةٌ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ طَغَى، وَقَالَ أَبو إِسحاق: كلُّ معبودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ عز وجل جِبْتٌ وطاغُوتٌ، وَقِيلَ: الجِبْتُ والطَّاغُوتُ الكَهَنَةُ والشَّياطينُ، وَقِيلَ فِي بَعْضِ التَّفْسِيرِ: الجِبْتُ والطَّاغُوت حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وكعبُ بنُ الأَشْرفِ اليَهودِيّانِ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا غيرُ خَارِجٍ عَمَّا قَالَ أَهل اللُّغَةِ لأَنهم إِذا اتَّبَعُوا أَمرَهما فَقَدْ أَطاعُوهما مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَقَالَ الشَّعبيُّ وعطاءٌ ومجاهدٌ: الجِبْتُ السِّحرُ، والطاغوتُ: الشَّيْطَانُ: والكاهِنُ وكلُّ رأْسٍ فِي الضَّلال، قَدْ يَكُونُ وَاحِدًا؛ قَالَ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ

؛ وَقَدْ يَكُونُ جَمْعاً؛ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ

؛ فَجَمَع؛ قَالَ اللَّيْثُ: إِنما أَخبر عَنِ الطاغُوت بجَمْعٍ لأَنه جنسٌ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ؛ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الطاغوتُ واحدٌ وجِماعٌ؛ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ مِثْلُ الفُلْكِ يُذَكَّرُ ويؤنَّث؛ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها؛ وَقَالَ الأَخفش: الطاغوتُ يكونُ للأَصْنامِ، والطاغوتُ يَكُونُ مِنَ الجِنِّ والإِنس، وَقَالَ شَمِرٌ: الطَّاغُوتُ يَكُونُ مِنَ الأَصنام وَيَكُونُ مِنَ الشَّيَاطِينِ؛ ابْنُ الأَعرابي: الجِبْتُ رَئيس اليَهود والطاغوتُ رَئِيسُ النصارَى؛ وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: الطَّاغُوتُ كعبُ بنُ الأَشْرفِ، والجِبْتُ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وجمعُ الطاغوتِ طَواغِيتُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا تَحْلِفُوا بآبائكُمْ وَلَا بالطَّواغِي

، وَفِي الْآخَرِ:

وَلَا بالطَّواغِيتِ

، فالطَّوَاغِي جَمْعُ طاغِيَةٍ، وَهِيَ مَا كَانُوا يَعْبُدونه مِنَ الأَصْنامِ وغَيْرِها؛ وَمِنْهُ: هَذِهِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ وخَثْعَمَ أَي صَنَمُهم ومَعْبودُهم، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد بالطَّواغِي مَنْ طَغَى فِي الكُفرِ وجاوَزَ الحَدَّ، وَهُمْ عُظَماؤهم وكُبَراؤهم، قَالَ: وأَما الطَّواغِيتُ فَجَمْعُ طَاغُوتٍ وَهُوَ الشيطانُ أَو مَا يُزَيّن لَهُمْ أَن يَعْبُدوا مِنَ الأَصْنامِ. وَيُقَالُ: للصَّنَم: طاغوتٌ. والطاغِيةُ: مَلِكُ الرُّومِ. اللَّيْثُ: الطاغِيةُ الجَبَّارُ العَنيدُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الطاغِيةُ الأَحْمَقُ المسْتَكْبِرُ الظالِمُ. وَقَالَ شَمِرٌ: الطَّاغِيَة الَّذِي لَا يُبالي مَا أَتى يأْكلُ

ص: 9

الناسَ ويَقْهَرُهم، لَا يَثْنِيه تَحَرُّجٌ ولا فَرَقٌ.

طفا: طَفَا الشيءُ فَوْقَ الْمَاءِ يَطْفُو طَفْواً وطُفُوّاً: ظَهَرَ وعَلا ولمْ يَرْسُبْ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه ذكرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ كأَنَّ عَيْنَه عِنَبَةٌ طافِيَةٌ

؛ وَسُئِلَ أَبو الْعَبَّاسِ عَنْ تَفْسِيرِهِ فَقَالَ: الطَّافِيَة مِنَ العِنَبِ الحَبَّةُ الَّتِي قَدْ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّ نِبْتَةِ أَخَواتِها مِنَ الحَبِّ فَنَتَأَتْ وظَهَرَتْ وارْتَفَعَتْ، وَقِيلَ: أَراد بِهِ الحَبَّةَ الطافيةَ عَلَى وجهِ الماءِ، شبَّه عَيْنَهُ بِهَا، وَمِنْهُ الطَّافِي مِنَ السَّمَك لأَنه يَعْلُو ويَظْهَرُ عَلَى رأْسِ الماءِ. وطَفَا الثَّورُ الوَحْشِيُّ عَلَى الأَكَمِ والرِّمالِ؛ قَالَ العَجَّاج:

إِذا تَلَقَّتْهُ الدِّهاسُ خَطْرَفا،

وإنْ تَلَقَّتْه العَقَاقِيلُ طَفَا

ومَرَّ الظَّبْيُ يَطْفُو إِذا خَفَّ عَلَى الأَرض واشْتَدَّ عَدْوُه. والطُّفَاوَة: مَا طَفا مِنْ زَبَد القِدْر ودَسَمها. والطُّفَاوَة، بِالضَّمِّ: دارَةُ الشمسِ والقمرِ. الْفَرَّاءُ: الطُّفَاوِيُّ مأْخوذٌ مِنَ الطُّفاوَةِ، وَهِيَ الدَّارَةُ حولَ الشمسِ؛ وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: الطُّفَاوَة الدَّارَةُ الَّتِي حولَ القمرِ، وَكَذَلِكَ طُفَاوَةُ القِدْرِ مَا طَفا عَلَيْهَا مِنَ الدَّسَمِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

طُفاوَةُ الأُثْرِ كَحَمِّ الجُمَّلِ

والجُمَّل: الذينَ يُذِيبُون الشَّحْمَ: والطَّفْوَةُ: النَّبْتُ الرقيقُ. وَيُقَالُ: أَصَبْنَا طُفَاوةً مِنَ الرَّبِيعِ أَي شَيْئًا مِنْهُ. والطُّفاوةُ: حَيٌّ مِنْ قَيْسِ عَيْلانَ. والطَّافِي: فرسُ عَمْرو بنِ شَيْبانَ. والطُّفْيَةُ: خُوصَةُ المُقْلِ، والجَمْع طُفْيٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

لِمَنْ طَلَلٌ بالمنْتَضى غَيرُ حائِلِ،

عَفَا بَعْدَ عَهْدٍ مِنْ قِطارٍ وَوابِلِ؟

عَفَا غَيْرَ نُؤْيِ الدارِ مَا إِنْ تُبِينُهُ،

وأَقْطاعِ طُفْيٍ قَدْ عَفَتْ فِي المَعاقِلِ

المَناقِلُ: جَمْعُ مَنْقَلٍ وَهُوَ الطَّريقُ فِي الجَبَل، وَيُرْوَى: فِي المَنازِل، وَيُرْوَى فِي المَعاقِلِ، وَهُوَ كَذَا فِي شِعْرِهِ. وَذُو الطُّفْيَتَيْنِ: حَيَّة لَهَا خَطَّان أَسْودان يُشَبَّهانِ بالخُوصَتَيْن، وَقَدْ أَمر النبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، بقَتْلِها. وَفِي الْحَدِيثِ:

اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْن والأَبْتَرَ

، وَقِيلَ: ذُو الطُّفْيَتَيْن الَّذِي لَهُ خَطَّانِ أَسْوَدان عَلَى ظَهرِه. والطُّفْيَةُ: حَيَّةٌ لَيِّنَة خَبيثَة قَصِيرة الذَّنَب يُقَالُ لَهَا الأَبْتَرُ. وَفِي حَدِيثِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: اقْتُلُوا الجانَّ ذَا الطُّفْيَتَيْن والأَبْتَرَ

؛ قَالَ الأَصمعي: أُراه شَبَّه الخَطَّيْن اللَّذَيْنِ عَلَى ظَهْرِهِ بخُوصَتَيْن مِنْ خُوصِ المُقْلِ، وَهُمَا الطُّفْيَتَانِ، ورُبَّما قِيلَ لِهَذِه الحَيَّةِ طُفْيَةٌ عَلَى مَعْنَى ذَاتِ طُفْيَة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وهُمْ يُذِلُّونَها مِنْ بَعْدِ عِزَّتِها،

كَمَا تَذِلُّ الطُّفَى مِنْ رُقْيَةِ الرَّاقِي

أَي ذَواتُ الطُّفَى، وَقَدْ يُسَمَّى الشيُّ بِاسْمِ مَا يُجاوِرُه. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ: أَن أَبا عُبَيدة قَالَ خَطَّانِ أَسْودَانِ، وأَنّ ابْنَ حَمْزَة قَالَ أَصْفَرانِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

عَبْدٌ إِذا مَا رَسَبَ القَوْمُ طَفَا

قَالَ: طَفَا أَي نزَا بِجَهْلِهِ إِذا تَرَزَّنَ الحَلِيمُ.

طلي: طَلى الشيءَ بالهِنَاءِ وغَيرِهِ طَلْياً: لَطَخَه، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ طَلَيْته إِيَّاه؛ قَالَ مِسْكينٌ الدَّارِمي:

كأَنّ المُوقِدِينَ بِهَا جِمالٌ،

طَلاهَا الزَّيْتَ والقَطِرانَ طالِ

ص: 10

وطَلَّاهُ: كطَلاه؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

وسِرْبٍ يُطَلَّى بالعَبِيرِ، كأَنَّه

دِماءُ ظِباءٍ بالنُّحورِ ذَبِيح

وَقَدِ اطَّلى بِهِ وتَطَلَّى؛ وَرُوِيَ بَيْتُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

وسِرْبٍ تَطَلَّى بالعَبيرِ

والطِّلاءُ: الهِناءُ. والطِّلاءُ: القَطِرانُ وكلُّ مَا طَلَيت بِهِ. وطَلَيْتُه بالدُّهْنِ وغيرِه طَلْياً، وتَطَلَّيْت بِهِ واطَّليْتُ بِهِ عَلَى افْتَعَلْت. والطِّلاءُ: الشَّرابُ، شُبِّهَ بطِلاءِ الإِبل وَهُوَ الهِناءُ. والطِّلاءُ: مَا طُبخَ مِنْ عَصير العِنَبِ حَتَّى ذهَبَ ثُلُثاه، وتُسَمِّيه العَجَمُ المَيْبَخْتَج، وبعضُ الْعَرَبِ يسَمِّي الخَمْرَ الطِّلاء؛ يريدُ بِذَلِكَ تَحْسِينَ اسْمِها إِلا أَنها الطِّلاءُ بعَيْنها؛ قَالَ عَبِيدُ بنُ الأَبْرصْ للمُنْذِرِ حِينَ أَراد قتلَه:

هي الخَمْرُ يكنُونَها بالطِّلا،

كَمَا الذِّئبُ يُكْنَى أَبا جَعْدَهْ

وَاسْتَشْهَدَ بِهِ ابْنُ سِيدَهْ عَلَى الطلاءِ خاثِرِ المنَصَّف يُشبه بِهِ، وَضَرَبَهُ عُبَيْدٌ مَثَلًا أَي تُظهِرُ لِي الإِكْرامَ وأَنتَ تُرِيدُ قَتْلي، كَمَا أَنَّ الذئبَ وإِن كَانَتْ كُنْيَتُه حَسَنَةً فإِنَّ عملَه لَيْسَ بحَسَنٍ، وَكَذَلِكَ الخمرُ وإِن سُمِّيَتْ طِلاءً وحسُنَ اسمُها فإِن عَمَلَها قَبِيحٌ؛ وَرَوَى ابْنُ قُتَيْبة بيتَ عَبِيدٍ:

هِيَ الخَمْر تُكْنَى الطِّلا،

وعَرُوضُه، عَلَى هَذَا، تَنْقُصُ جُزْءًا، فإِذاً هَذِهِ الرِّوَايَةُ خطأٌ؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالُوا هِيَ الخَمْرُ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ أَحمد بْنُ دَاوُدَ الدِّينَوَرِي: هَكَذَا يُنْشد هَذَا الْبَيْتُ عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ ونصفُه الأَول يَنْقُصُ جُزْءًا. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رضي الله عنه: أَنه كَانَ يرزُقُهمُ الطِّلاءَ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ، الشرابُ المطبوخُ مِنْ عَصير العنَبِ، قَالَ: وَهُوَ الرُّبُّ، وأَصله القَطِرانُ الخاثِرُ الَّذِي تُطْلى بِهِ الإِبل؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

إِنّ أَوَّلَ مَا يُكْفَأُ الإِسلامُ كَمَا يُكفَأُ الإِناءُ فِي شرابٍ يقالُ لَهُ الطِّلاءُ

؛ قَالَ هَذَا نَحْوُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ:

سيَشْرَبُ ناسٌ مِنْ أُمَّتي الخَمْرَ يُسَمُّونها بِغَيْرِ اسْمِهَا

؛ يريدُ أَنهم يَشْرَبون النَّبيذَ المُسكرَ المطبوخَ وَيُسَمُّونَهُ طِلاءً تَحرُّجاً مِنْ أَن يُسَمُّوهُ خَمْرًا، فأَما الَّذِي فِي حَدِيثِ عليٍّ، رضي الله عنه، فَلَيْسَ مِنَ الخمر في شيء وو ناقة طَلْيَاءُ، ممدودٌ: مَطْلِيَّة. والطُّلْيَة: صُوفَةٌ تُطْلى بِهَا الإِبل. وَيُقَالُ: فُلَانٌ مَا يُساوي طُلْيَة، وَهِيَ الصُّوفَةُ الَّتِي تُطْلى بِهَا الجَرْبى، وَهِيَ الرِّبْذةُ أَيضاً؛ قَالَهُ ابْنُ الأَعرابي، وَقَالَ أَبو طَالِبٍ: مَا يُساوي طُلْيَةً أَي الخَيطَ الَّذِي يُشَدُّ فِي رِجلِ الجَدْي مَا دَامَ صَغِيرًا، وَقِيلَ: الطُّلْيَةُ خِرْقة الْعَارِكِ، وَقِيلَ: هِيَ الثَّمْلَةُ الَّتِي يُهنَأُ بِهَا الجَربُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُ الْعَامَّةِ لَا يُساوي طُليَةً غَلَط إِنما هو طلو

طِلْوة، وطلو

الطِّلْوَةُ قطعَة حَبْلٍ. والطَّلَى: المَطْلِيُّ بالقَطِران. وطَلَيْتُ البَعيرَ أَطْلِيه طَلْياً، والطِّلاءُ الِاسْمُ. والطَّلِيُّ: الصَّغِيرُ مِنْ أَولادِ الغَنم، وَإِنَّمَا سُمِّيَ طَلِيّاً لأَنه يُطْلى أَي تُشَدّ رِجْلُهُ بخيطٍ إِلَى وَتِدٍ أَياماً، واسمُ مَا يُشَّدُ بِهِ الطَّلْي. والطِّلاءُ: الحبلُ الَّذِي يُشَدَّ بِهِ رِجْلُ الطَّلى إلى وتد. وطلو

طَلَوْتُ الطَّلَى: حَبَسْته. وطلو

الطِّلْوُ وطلو

الطِّلْوَة: الخَيْط الَّذِي يُشَدُّ بِهِ رِجْلُ الطَّلى إِلَى الوتِدِ. والطَّلْيُ والطُّلْيَة والطِّلْيَة؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ الخَيْطُ الَّذِي يُشَدّ فِي رِجْل الجَدْي مَا دَامَ صَغِيرًا، فَإِذَا كَبِرَ رُبِقَ والرَّبْقُ فِي العُنُق. وَقَدْ طَلَيْت الطَّلى أَي شَدَدْتُه.

ص: 11

وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ دُرَيْد قَالَ: طلو

الطِّلْوُ والطَّلَى بمعنًى. وطلو

الطِّلْوَة: قِطعة خَيْطٍ. وَقَالَ ابْنُ حَمْزة: الطَّلِيُّ المَرْبوطُ فِي طُلْيَتِه لَا فِي رِجْلَيْه. والطُّلْيَة: صَفْحَة العُنُقِ، وَيُقَالُ الطُّلاةُ أَيضاً؛ قال: ويُقَوِّي أَن الطَّلِيَّ المربوطُ فِي عُنُقه قَوْلُ ابْنُ السِّكِّيتِ: رَبَقَ البَهْمَ يَرْبُقُها إذا جَعَلَ رُؤوسَها فِي عُرَى حَبْلٍ. وَيُقَالُ: اطْلِ سَخْلَتَك أَي ارْبُقها. وَقَالَ الأَصمعي: الطَّلِيُّ والطَّلَى وطلو

الطَّلْوُ بِمَعْنًى. والطُّلْيَة أَيضاً: خِرْقة العرِك، وَقَدْ طَلَيْته. قَالَ الْفَارِسِيَّ: الطَّلِيُّ صفةٌ غالبةٌ كسَّروه تَكْسِيرَ الأَسماء فَقَالُوا طُلْيانٌ، كَقَوْلِهِمْ للجَدْولَ سَريٌّ وسُرْيانٌ. ويقال: طلو

طَلوتُ الطَّلَى وطَلَيْته إِذَا رَبَطْته برِجْله وحَبَسْته. وطَلَيْتُ الشيءَ: حَبَسْته، فهو طَلِيٌّ ومَطْلِيٌّ. وطَلَيْت الرجُلَ طَلْياً فَهُوَ طَلِيٌّ ومَطلِيٌّ: حَبَسْته. والطَّلَى والطَّلَيَانُ وطلو

الطَّلَوَانُ: بياضٌ يعلُو اللِّسانَ مِنْ مَرَض أَو عَطَشٍ؛ قَالَ:

لقَدْ تَرَكَتْني ناقَتي بتَنُوفَةٍ،

لِسانيَ مَعْقُولٌ مِنَ الطَّلَيَانِ

والطَّلِيُّ والطِّلْيانُ: القَلَح فِي الأَسْنانِ، وَقَدْ طَلِيَ فُوه فَهُوَ يَطْلَى طَلًى، وَالْكَلِمَةُ وَاوِيَّةٌ وَيَائِيَّةٌ. وبأَسْنانِه طَلِيٌّ وطِلْيَانٌ، مثلُ صبيٍّ وصِبْيانٍ، أَي قَلَحٌ. وَقَدْ طَلِيَ فَمه، بِالْكَسْرِ، يَطْلَى طَلًى إِذَا يَبِسَ رِيقُه مِنَ العَطَشِ. وطلو

الطُّلاوَةُ: الرِّيقُ الَّذِي يَجِفُّ عَلَى الأَسْنانِ مِنَ الجُوع، وَهُوَ طلو

الطَّلَوَانُ. الْكِلَابِيُّ: الطِّلْيانُ لَيْسَ بالفَتْح، يُقَالُ: طَلِيَ فَمُ الإِنسانِ إِذا عَطِشَ وبقِيَتْ رِيقة ثَقِيلَةٌ فِي فَمِه، وَرُبَّمَا قِيلَ كَانَ الطَّلَى مِنْ جَهْدٍ يُصيبُ الإِنسانَ مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ، وطَلِيَ لسانُه إِذا ثقُلَ، مأْخوذٌ مَنْ طَلَى البَهْمَ إِذا أَوْثقَه. والطَّلَا وطلو

الطُّلاوَةُ وطلو

الطِّلاوة وطلو

الطَّلَوان وطلو

الطُّلْوانُ: الرِّيقُ يَتَخَثَّر ويَعْصِبُ بالفَمِ مِنْ عطشٍ أَو مَرَضٍ، وقيل: طلو

الطُّلْوَانُ، بِضَمِّ الطَّاءِ، الرِّيقُ يَجِفُّ عَلَى الأَسنان، لَا جَمْع لَهُ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: في فَمِه طلو

طُلاوَةٌ أَي بَقِيَّةٌ مِنْ طَعامٍ. وطلو

طَلاوة الكلإِ: الْقَلِيلُ مِنْهُ. والطُّلايَة وطلو

الطُّلاوَة: دُواية اللَّبَن. وطلو

الطُّلاوة: الجِلْدَة الرَّقِيقَة فَوْقَ اللبنِ أَو الدمِ. وطلو

الطُّلاوَة: مَا يُطْلى بِهِ الشيءُ، وقياسُه طُلايَة لأَنه مِنْ طَلَيْت، فدَخَلَت الْوَاوُ هُنَا عَلَى الْيَاءِ كَمَا حَكَاهُ الأَحْمَر عَنِ العَرَب مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ عِنْدَكَ لأَشاوِيَّ. والطَّلَى: الصغيرُ مِنْ كلِّ شيءٍ، وَقِيلَ: الطَّلَى هُوَ الْوَلَدُ الصغيرُ مِنْ كلِّ شيءٍ؛ وَشَبَّهَ العجَّاج رَمادَ المَوْقِد بَينَ الأَثافي بالطَّلَى بَيْنَ أُمَّهاتِه فَقَالَ:

طَلَى الرّمادِ اسْتُرْئِمَ الطَّلِيُ

أَرادَ: اسْتُرْئِمَهُ؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: هَذَا مَثَل جعَل الرَّمادَ كَالْوَلَدِ لثلاثةِ أَيْنُقٍ، وَهِيَ الأَثافي عَطَفْنَ عَلَيْهِ؛ يَقُولُ: كأَنَّما الرَّمادُ ولدٌ صغيرٌ عَطَفَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيْنُقٍ. الْجَوْهَرِيُّ: الطَّلا الْوَلَدُ مِنْ ذواتِ الظِّلْفِ والخُفِّ، والجمعُ أَطلاءٌ؛ وأَنشد الأَصمعي لِزُهَيْرٍ:

بِهَا العِينُ والآرامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً،

وأَطْلاؤُها يَنْهَضْنَ مِنْ كلِّ مَجْثَمِ

ابْنُ سِيدَهْ: وطلو

الطَّلْوُ والطَّلا الصغيرُ مِنْ كلِّ شيءٍ، وَقِيلَ: الطَّلا ولَدُ الظَّبْية سَاعَةَ تَضَعهُ، وَجَمْعُهُ طِلْوَانٌ، وَهُوَ طَلًا ثُمَّ خِشْفٌ، وَقِيلَ: الطَّلا مِنْ أَولادِ الناسِ والبَهائمِ والوَحْشِ مِنْ حينِ يولدُ إِلى أَن يَتَشدّدَ. وامرأَة مُطْلِيَةٌ: ذاتُ طَلًى.

وَفِي حَدِيثِهِ، صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا مَا يَأْتِينَ

ص: 12

لأَزواجِهِنَّ دَخلَ مُطْلِياتُهُنّ الْجَنَّةَ

، وَالْجَمْعُ أَطلاءٌ وطُلِيٌّ وطُلْيانٌ وطِلْيانٌ؛ وَاسْتَعَارَ بَعْضُ الرُّجَّاز الأَطْلاء لفَسيلِ النَّخْلِ فَقَالَ:

دُهْما كأَنَّ الليلَ فِي زُهائِها،

لَا تَرْهَبُ الذِّئبَ عَلَى أَطْلائِها

يَقُولُ: إِن أَولادَها إِنَّمَا هِيَ فَسِيلٌ، فَهِيَ لَا تَرْهَب الذِّئْبَ، لِذَلِكَ فَإِنَّ الذِّئاب لَا تأكلُ الفَسيلَ. الْفَرَّاءُ: اطْلُ طَلِيَّكَ، والجمع الطُّلْيانُ، وطلو

طَلَوْته، وَهُوَ الطَّلا، مقصورٌ، يَعْنِي ارْبطْه برِجلِه. والطِّلَى: اللَّذَّةُ؛ قَالَ أَبو صَخْر الْهُذَلِيُّ:

كَمَا تُثَنِّي حُمَيّا الكأْسِ شارِبَها،

لَمْ يَقْضِ مِنْهَا طِلاهُ بَعْدَ إِنْفادِ

وَقَضَى ابْنُ سِيدَهْ عَلَى الطِّلَى اللذَّة بالياءِ، وإِنْ لَمْ يُشْتَقَّ كَمَا قَالَ لِكَثْرَةِ ط ل ي وَقِلَّةِ ط ل و. وتَطَلَّى فلانٌ إِذا لَزِمَ اللَّهْوَ والطَّرَبَ. وَيُقَالُ: قَضَى فلانٌ طَلاهُ مِنْ حاجتِه أَي هَوَاهُ. والطُّلاةُ: هِيَ العُنُق، وَالْجَمْعُ طُلىً مِثلُ تُقاةٍ وتُقىً، وبعضهم يقول طلو

طُلْوةٌ وطُلىً. والطُّلَى: الأَعْناق، وَقِيلَ: هِيَ أُصُولُ الأَعناقِ، وَقِيلَ: هِيَ مَا عَرُضَ مِنْ أَسفل الخُشَشاءِ، واحدتُها طُلْيَة. غَيْرُهُ: الطُّلَى جَمْعُ طُلْيَةٍ، وَهِيَ صَفْحة العُنُق. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: قَالَ أَبو الْخَطَّابِ طُلاةٌ وَهُوَ مِنْ بَابِ رُطَبَة ورُطَبٍ لَا مِنْ بَابِ تَمْرَةٍ وتَمْرٍ، فَافْهَمْ؛ وَأَنْشَدَ غيرُه قولَ الأَعْشى:

مَتَّى تُسْقَ مِنْ أَنْيابِها بَعْدَ هَجْعةٍ

مِنَ الليلِ شِرْباً، حِينَ مَالَتْ طُلاتُها

قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَا نَظيرَ لَهُ إِلَّا حَرْفان: حُكاةٌ وحُكىً، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ العَظاء، وَقِيلَ: هِيَ دَابَّةٌ تُشْبه الْعَظَاءَ،، ومُهاةٌ ومُهىً، وَهُوَ ماءُ الْفَحْلِ فِي رَحِم الناقةِ، وَاحْتَجَّ الأَصمعي عَلَى قَوْلِهِ واحدتُها طُلْيَة بِقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:

أَضَلَّه راعِيا كَلْبِيَّةٍ صَدَرا

عن مُطْلِبِ، وطُلى الأَعْناقِ تضْطَرِبُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَنه يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جمعَ طَلاةٍ كمَهاةٍ ومَهىً. وأَطْلَى الرجلُ والبعيرُ إطْلاءً، فَهُوَ مُطْلٍ: وَذَلِكَ إِذَا مَالَتْ عُنُقُه لِلْمَوْتِ أَو لِغَيْرِهِ؛ قَالَ:

وسائلةٍ تُسائلُ عَنْ أَبيها،

فَقُلْتُ لَهَا: وَقَعْتِ عَلَى الخَبيرِ

تَرَكْتُ أَباكِ قَدْ أَطْلَى، وَمَالَتْ

عَلَيْهِ القَشْعَمان مِن النُّسورِ

وَيُرْوَى: مثالَ الثُّعْلُبان. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَا أَطْلَى نَبيٌّ قَطُّ

أَي مَا مالَ إِلَى هواهُ، وأَصله مِنْ مَيل الطُّلا، وَهِيَ الأَعْناقُ، إِلَى أَحدِ الشِّقَّيْنِ، وطلو

الطُّلْوَة: لغةٌ فِي الطُّلْيَة الَّتِي هِيَ عَرْضُ العُنُق. والطُّلْيَة: بياضُ الصُّبْحِ والنُّوَّار. وَرَجُلٌ طَلىً، مقصورٌ إِذَا كَانَ شَدِيدَ المَرَضِ مِثْلُ عَمىً، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَع، وَرُبَّمَا قِيلَ رَجُلانِ طَلَيَان وعَمَيان ورِجالٌ أَطْلاءٌ وأَعْماءٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أفاطِمَ، فاسْتَحْيي طَلًى وتَحَرَّجِي

مُصاباً، مَتَى يَلْجَجْ بِهِ الشَّرُّ يَلْجَجِ

ابْنُ السِّكِّيتِ: طَلَّيْتُ فُلَانًا تَطلِيَةً إِذَا مَرَّضْته وَقُمْتَ فِي مَرَضِه عَلَيْهِ. والطُّلَّاءُ مثال المُكَّاء: الدَّمُ؛ يقال: تَرَكْته يَتَشَحَّط فِي طُلَّائِه أَي يضطرِب فِي دَمِه مَقْتُولًا، وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: الطُّلَّاءُ شيءٌ يَخْرُجُ بَعْدَ شُؤْبُوبِ الدَّمِ يُخالِفُ لَونَ الدَّمِ، وَذَلِكَ عِنْدَ خُرُوجِ

ص: 13

النَّفْسِ مِنَ الذَّبيحِ وَهُوَ الدَّم الَّذِي يُطْلى بِهِ. وَقَالَ ابْنُ بُزْرُجٍ: يُقَالُ هُوَ أَبغضُ إِليَّ مِنَ الطَّلِيَّا والمُهْلِ، وزَعم أَن الطَّلِيَّا قُرْحة تَخْرُج في جَنْبِ الإِنسان شَبِيهَة بالقُوبَاء، فيقال للرجل إنما هي قُوبَاء وليستْ بطَلِيَّا، يُهَوّنُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الطَّلِيَّا الجَرَب. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَما الطَّلْياءُ فَهِيَ الثَّمَلة، مَمْدُودَةٌ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِمْ هُوَ أَهْون عَلَيْهِ مِنْ طَلْية: هِيَ الرِّبذَة وَهِيَ الثَّمَلة؛ قَالَهُ بِفَتْحِ الطَّاءِ. أَبُو سَعِيدٍ: أَمْرٌ مَطْلِيٌّ أَي مُشْكِل مُظْلِمٌ كأَنه قَدْ طُلِيَ بِمَا لبَّسَه؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

شامِذاً، تَتَّقِي المُبِسَّ عَلَى المُرْيَةِ،

كَرْهاً، بالصِّرْفِ ذِي الطُّلَّاءِ

قَالَ: الطُّلَّاءُ الدَّمُ فِي هَذَا الْبَيْتِ، قَالَ: وَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ يُرِيدُونَ تسكِين حَرْبٍ «2» وَهِيَ تَسْتَعْصِي عَلَيْهِمْ وتَزْبِنُهُم لِمَا هُريقَ فِيهَا منَ الدِّماءِ، وأَراد بالصِّرْفِ الدمَ الخالِص. والطَّلَى: الشَّخْصُ، يُقَالُ: إِنه لَجَمِيلُ الطَّلَى؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو:

وخَدٍّ كَمَتْنِ الصُّلَّبيِّ جَلَوْتُه،

جَمِيلِ الطَّلَى، مُسْتَشْرِبِ اللَّوْنِ أَكْحَلِ

ابن سيدة: طلو

الطَّلاوَة وطلو

الطُّلاوَة الحُسْنُ والبَهْجَةُ والقَبولُ فِي النَّامي وَغَيْرِ النَّامِي، وحديثٌ عليه طلو

طُلاوَةٌ «3» وعلى كلامِهِ طلو

طُلاوةٌ عَلَى المَثَل، وَيَجُوزُ طلو

طَلاوةٌ. وَيُقَالُ: مَا عَلَى وجْهه حَلاوةٌ ولا طلو

طَلاوةٌ، وما عليه طلو

طُلاوةٌ، وَالضَّمُّ اللغةُ الجيِّدة، وَهُوَ الأَفْصَح. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: مَا عَلَى كَلَامِهِ طلو

طَلاوةٌ وحَلاوة، بِالْفَتْحِ، قَالَ: ولا أَقول طلو

طُلاوة بِالضَّمِّ إِلا للشيءِ يُطْلى بِهِ، وَقَالَ أَبو عمرو: طلو

طَلاوة وطلو

طُلاوة وطلو

طِلاوة. وَفِي قِصَّة الوَلِيد بْنِ المُغِيرة: إِنَّ لَهُ لحَلاوةً وإِنَّ عليه طلو

لَطُلاوَةً أَي رَوْنَقاً وحُسْناً، قَالَ: وَقَدْ تُفْتَحُ الطَّاءُ. وطلو

الطُّلاوَة: السِّحْر «4» ابْنُ الأَعرابي: طَلَّى إِذا شتَم شَتْماً قَبيحاً والطِّلاءُ: الشَّتْمُ. وطَلَّيْتُه أَي شَتَمْته. أَبو عَمْرٍو: وليلٌ طالٍ أَي مُظْلِمٌ كأَنه طَلى الشُّخُوصَ فَغَطَّاها؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

أَلا طَرَقَتْنا بالمَدِينَة، بَعْدَ ما

طَلى اللَّيْلُ أَذْنابَ النِّجادِ، فأَظْلَمَا

أَي غَشَّاها كَمَا يُطْلى البَعِيرُ بالقَطِرانِ. والمِطلاءُ: مَسِيلٌ ضَيِّقٌ مِنَ الأَرض، يُمَدُّ ويُقْصَر، وَقِيلَ: هِيَ أَرضٌ سَهْلةٌ ليِّنةٌ تُنْبِتُ العِضَاهَ؛ وَقَدْ وَهِمَ أَبو حَنِيفَةَ حِينَ أَنشد بَيْتَ هِمْيان:

ورُغُلَ المِطْلَى بِهِ لَواهِجا

وَذَلِكَ أَنه قَالَ: المِطْلاءِ مَمْدُودٌ لَا غَيْرُ، وإِنما قَصَرَه الراجزُ ضَرورة، وَلَيْسَ هِمْيانُ وحْدَه قَصَرَها. قَالَ الفارسيُّ: إِن أَبا زِيَادٍ الكِلابيَّ ذَكَرَ دَارَ أَبي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ فَقَالَ تَصُبُّ فِي مَذانِبَ ونَواصِرَ، وَهِيَ مِطْلىً؛ كَذَلِكَ قَالَهَا بالقَصْر. أَبو عُبَيْدٍ: المَطالِي الأَرض السَّهْلة اللَّيِّنَة تُنْبِتُ العِضاهَ، واحدَتُها مِطْلاء عَلَى وَزْنٍ مِفْعال. وَيُقَالُ: المَطَالِي المَواضِعُ الَّتِي تَغْذُو فِيهَا الوَحْش أَطلاءَها. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَة: المَطالي رَوْضاتٌ، وَاحِدُهَا مِطْلًى، بالقَصْر لَا غيرُ، وأَما المِطْلاءُ لِمَا انْخَفَض مِنَ الأَرض واتَّسَعَ فَيُمَدُّ ويُقْصَرُ، والقَصْرُ فِيهِ أَكثر، وجمعهُ مَطالٍ؛ قَالَ زَبَّانُ بنُ سَيّارٍ الْفَزَارِيُّ:

(2). قوله [يريدون تسكين حرب إلخ] تقدم لنا في مادة شمذ: قَالَ أَبُو زُبَيْدٍ يَصِفُ حرباء، والصواب يصف حرباً.

(3)

. قوله [طلاوة] هي مثلثة كما في القاموس.

(4)

. قوله [والطلاوة السحر] في القاموس أنه مثلث.

ص: 14

رَحَلْتُ إِليكَ مِنْ جَنَفاءِ، حَتَّى

أَنَخْتُ فِناءَ بَيْتِك بالمَطَالِي

وَقَالَ ابْنُ السَّيْرَافِيِّ: الْوَاحِدَةُ مِطْلاءٌ، بِالْمَدِّ، وَهِيَ أَرضٌ سَهْلة. والمُطَلِّي: هُوَ المُغَنِّي. وطلو

الطِّلْوُ: الذِّئْب. وطلو

الطِّلْوُ: القانصُ اللطيفُ الجِسْمِ، شُبِّه بالذِّئبِ؛ قَالَ الطرِمَّاح:

صادَفَتْ طلو طِلْواً طَويلَ القَرَا،

حافِظَ العَينِ قَلِيلَ السَّأَمْ»

طما: طَمَا الماءُ يَطْمُو طُمُوًّا ويَطْمِي طُمِيّاً: ارْتَفَعَ وعَلا ومَلأَ النَّهْرُ، فَهُوَ طامٍ، وَكَذَلِكَ إِذا امْتلأَ البحْرُ أَو النَّهر أَو الْبِئْرُ. وَفِي حَدِيثِ

طَهْفة: مَا طَمَا البحرُ وَقَامَ تِعارٌ

أَي ارْتَفَع موجُه، وتِعارٌ اسْمُ جَبَل. وطَمَى النَّبْتُ: طالَ وعَلا، وَمِنْهُ يُقَالُ: طَمَت المرأَةُ بزَوْجها أَي ارْتَفَعَتْ بِهِ. وطَمَتْ بِهِ هِمَّتُه: عَلَتْ، وَقَدْ يُستَعار فِيمَا سِوى ذَلِكَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

لَهَا مَنْطِقٌ لَا هِذْرِيانٌ طَمَى بهِ

سَفاهٌ، وَلَا بادِي الجَفاءِ جَشِيبُ

أَي أَنه لَمْ يَعْلُ بِهِ كَمَا يَعْلُو الماءُ بالزَّبَد فَيَقْذِفُه. وطَمَى يَطْمِي مثلُ طَمَّ يَطِمُّ [يَطُمُ] إِذا مَرَّ مُسْرعاً؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَراد وِصالًا ثُمَّ صَدَّتْه نِيَّةٌ،

وكانَ لَهُ شَكْلٌ فخالفَها يَطْمِي

وطَمِيَّةُ: جَبَلٌ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

كأَنَّ طَمِيَّة المُجَيْمِر غُدْوَةً،

منَ السَّيلِ والأَغْثاءِ، فِلْكة مِغْزَل

طنا: الطَّنَى: التُّهَمَةُ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْهَمْزِ أَيضاً. والطُّنِيُّ والطُّنُوُّ: الفُجور، قَلبوا فِيهِ الْيَاءُ وَاوًا كَمَا قَالُوا المُضُوّ فِي المُضِيّ، وَقَدْ طَنِيَ إِليها طَنًى، وقومٌ زُنَاةٌ طُناةٌ. وطَنِيَ فِي الفُجور وأَطْنَى: مَضَى فِيهِ. والطَّنَى: الرِّيبَةُ والتُّهَمة. والطَّنَى: الظنُّ مَا كانَ. والطَّنَى: أَن يَعظُم الطِّحالُ عَنِ الحمَّى، يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ طَنٍ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهُوَ الَّذِي يُحَمُّ غِبّاً فيَعْظُمُ طِحالُه، وَقَدْ طَنِيَ طَنًى، وَبَعْضُهُمْ يَهْمِزُ فَيَقُولُ: طَنِئَ طَنَأً فَهُوَ طَنِئٌ. والطَّنَى فِي البَعير: أَن يَعْظُم طِحالُه عَنِ النُّحازِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والطَّنَى: لُزُوقُ الطِّحَالِ بالجَنْبِ والرئَةِ بالأَضْلاعِ مِنَ الجانِبِ الأَيْسَرِ، وَقِيلَ: الطَّنَى لزُوق الرئَةِ بالأَضْلاعِ حَتَّى رُبَّما عَفِنَتْ واسْوَدَّتْ، وأَكثرُ مَا يُصيبُ الإِبِلَ، وبَعِيرٌ طَنىً؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

من داءِ نَفْسِي بَعْدَ ما طَنِيتُ

مِثلَ طَنَى الإِبْلِ، وما ضَنِيتُ

أَي وبعدَ ما ضَنِيتُ. الْجَوْهَرِيُّ: الطَّنَى لزُوق الطِّحالِ بالجَنْبِ مِنْ شِدَّةِ العَطشِ؛ تقولُ مِنْهُ: طَنِيَ، بِالْكَسْرِ، يَطْنَى طَنًى فَهُوَ طنٍ وطَنًى، وطَنَّاهُ تَطنِيَةً: عالَجَه مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ الحرث بْنُ مُصرّف وَهُوَ أَبو مزاحِمٍ العُقَيلي:

أَكْوِيه، إِمَّا أَرادَ الكَيَّ، مُعْتَرِضاً

كَيَّ المُطَنِّي مِنَ النَّحْزِ الطَّنَى الطَّحِلا

قَالَ: والمُطَنِّي الَّذِي يُطَنِّي البَعِيرَ إِذا طَنِيَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والطَّنَى يكونُ فِي الطِّحالِ. الْفَرَّاءُ: طَنِيَ الرجلُ طَنًى إِذا التَصَقَتْ رئتَهُ بجَنْبِهِ مِنَ العَطشِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: طَنَّيْت بَعِيرِي فِي جَنْبيه كَوَيْته مِنَ الطَّنَى، ودواءُ الطَّنَى أَن يُؤخذ وتِدٌ فيُضجَعَ عَلَى جَنْبِه فيُجْرَى بين أَضلاعِه

(1). قوله [طويل القرا] في التكملة: طويل الطوى.

ص: 15

أَحْزازٌ لَا تُخْرَقُ. والطَّنَى: المَرضُ، وَقَدْ طَنِيَ. ورجلٌ طَنًى: كضَنًى. والإِطْنَاء: أَن يَدَع المرضُ المَرِيضَ وَفِيهِ بقِيَّة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد فِي صِفَةِ دَلْوٍ:

إِذا وَقَعْتِ فَقَعِي لِفِيكِ،

إِن وقُوعَ الظَّهْرِ لَا يُطْنِيكِ

أَي لَا يُبْقِي فِيكِ بَقِيَّةً؛ يَقُولُ: الدَّلْو إِذا وَقَعَت عَلَى ظَهْرِها انْشَقَّت وإِذا وَقَعَت لِفِيها لَمْ يَضِرْها. وَقَوْلُهُ: وقُوعَ الظَّهْرِ أَراد أَن وقُوعَك عَلَى ظَهْركِ. ابْنُ الأَعرابي: ورَماهُ اللَّهُ بأَفْعَى حارِيَةٍ وَهِيَ الَّتِي لَا تُطْني أَي لَا تُبْقِي. وحَيَّة لَا تُطْنِي أَي لَا تُبْقي وَلَا يَعِيش صاحِبُها، تَقْتُل مِنْ ساعَتِها، وأَصله الْهَمْزُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَفِي حَدِيثِ

اليهوديَّة الَّتِي سَمَّتِ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم: عَمَدَتْ إِلى سُمٍّ لَا يُطْنِي

أَي لا يَسْلم عليه أَحدٌ. يُقَالُ: رَمَاهُ اللَّهُ بأَفْعَى لَا تُطْنِي أَي لَا يُفْلت لَديغُها. وضَرَبه ضَرْبَةً لَا تُطْني أَي لَا تُلْبثُه حَتَّى تَقْتُلَه، وَالِاسْمُ مِنْ ذَلِكَ الطَّنَى. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: يُقَالُ لدَغَتْه حَيَّة فأَطْنَتْه إِذا لَمْ تَقْتُلْه، وَهِيَ حيَّة لَا تُطْنِي أَي لَا تُخْطِئ، والإِطْنَاءُ مثلُ الإِشْواءِ، والطَّنَى المَوْتُ نَفْسه. ابْنُ الأَعرابي: أَطْنَى الرَّجُلُ إِذا مَالَ إِلى الطَّنَى، وَهُوَ الريبَة والتُّهَمة، وأَطْنَى إِذا مَالَ إِلى الطَّنَى، وَهُوَ البِساطُ، فنامَ عَلَيْهِ كَسَلًا، وأَطْنَى إِذا مَالَ إِلى الطَّنَى، وَهُوَ المنزلُ، وأَطْنَى إِذا مَالَ إِلى الطَّنَى «1» . فشَرِبَه، وَهُوَ الماءُ يَبْقَى أَسْفَلَ الحَوْض، وأَطْنَى إِذا أَخَذَه الطَّنَى، وَهُوَ لُزُوقُ الرِّئةِ بالجَنْبِ. والأَطْناءُ: الأَهواء. والطَّنَى: غَلْفَقُ الماءِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ولستُ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ. والطَّنَى شِراءُ الشَّجَرِ، وَقِيلَ: هُوَ بَيْعُ ثَمَر النَّخْل خاصَّةً، أَطْنَيْتُها: بِعْتُها، وأَطْنَيْتُها: اشْتَرَيْتُها، وأَطنَيْتُه: بِعْتُ عَلَيْهِ نَخْلَه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْيَاءِ لِعَدَمِ ط ن وو وجود ط ن ي، وَهُوَ قوله الطَّنَى التُّهَمَة.

طها: طَهَا اللحْمَ يَطْهُوهُ ويَطْهاهُ طَهْواً وطُهُوًّا وطُهِيّاً وطِهايَةً وطَهْياً: عالجَه بالطَّبْخِ أَو الشيِّ، وَالِاسْمُ الطَّهْيُ، وَيُقَالُ يَطْهَى، والطَّهْوُ والطَّهْيُ أَيضاً الخَبْزُ. ابْنُ الأَعرابي: الطُّهَى الطَّبيخُ، والطَّاهِي الطَّبَّاخ، وَقِيلَ: الشَّوَّاء، وَقِيلَ: الخَبَّازُ، وَقِيلَ: كُلُّ مُصْلِحٍ لِطعام أَو غيرِهِ مُعالِجٍ لَهُ طاهٍ، رَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي، والجمع طُهَاةٌ وطُهِيٌّ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

فَظَلَّ طُهاةُ اللَّحْمِ مِنْ بَيْنِ مُنْضِجٍ

صفِيفَ شِواء، أَو قَدِيرٍ مُعَجَّلِ

أَبو عَمْرٍو: أَطْهَى حَذِقَ صِنَاعَتَه. وَفِي حَدِيثِ

أُمِّ زَرْعٍ: وَمَا طُهاةُ أَبي زَرْعٍ

، يَعْنِي الطبَّاخِينَ، واحِدُهم طاهٍ، وأَصلُ الطَّهْوِ الطَّبْخُ الجَيِّدُ المُنْضِجُ. يُقَالُ: طَهَوْتُ الطّعَامَ إِذا أَنْضَجْتَه وأَتْقَنْتَ طَبْخَه. والطَّهْو: العَمَل؛ اللَّيْثُ: الطَّهْوُ عِلاجُ اللَّحْم بالشَّيِّ أَو الطَّبْخ،

وَقِيلَ لأَبي هُرَيْرَةَ: أَأَنت سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: وَمَا كَانَ طَهْوي

«2» أَي مَا كَانَ عَمَلي إِن لَمْ أُحكم ذَلِكَ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هَذَا عِنْدِي مَثَلٌ ضَرَبه لأَنَّ الطَّهْوَ فِي كلامِهِمْ إِنْضاجُ الطَّعامِ، قَالَ: فنُرَى أَنّ مَعْنَاهُ أَنّ أَبا هُرَيْرَةَ جَعَلَ إِحْكامَه لِلْحَدِيثِ وإِتْقانَه إِيَّاه كالطَّاهي المُجِيدِ المُنْضِجِ لِطَعامِهِ، يَقُولُ: فَمَا كَانَ عَمَلي إِن كنتُ

(1). قوله [إِذَا مَالَ إِلَى الطَّنَى] هكذا في الأَصل والمحكم، والذي في القاموس: إلى الطنو، بالكسر

(2)

. قوله [وما كان طَهْوِي]. هذا لفظ الحديث في المحكم، ولفظه في

التهذيب: فقال أنا ما طَهْوِي

إلخ.

ص: 16

لَمْ أُحْكِمْ هَذِهِ الروايَةَ الَّتِي رَوَيْتها عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، كإِحْكامِ الطَّاهِي لِلطَّعَامِ، وَكَانَ وجْه الْكَلَامِ أَن يَقُولَ فَمَا كَانَ إِذاً طَهْوِي «1» وَلَكِنَّ الحدِيث جَاءَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّه لَمْ يَكُنْ لِي عَمَلٌ غيرُ السمَاعِ، أَو أَنَّه إنكارٌ لأَنْ يكونَ الأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى التَّعَجُّب كأَنه قَالَ وإِلَّا فأَيُّ شيءٍ حِفْظِي وإِحْكامي مَا سَمِعْتُ والطُّهَى: الذَّنْبُ. طَهَى طَهْياً: أَذْنَبَ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَذَلِكَ مِنْ قَوْل أَبي هُرَيْرَةَ أَنا مَا طَهْوِي أَي أَيُّ شَيْءٍ طَهْوِي، عَلَى التَّعَجب، كأَنه أَراد أَي شَيءٍ حِفْظِي لِمَا سَمِعْتُهُ وَإِحْكَامِي. وطَهَتِ الإِبلُ تَطْهَى طَهْواً وطُهُوّاً وطَهْياً: انْتَشَرَتْ وذَهَبَتْ فِي الأَرض؛ قَالَ الأَعشى:

ولَسْنَا لبَاغِي المُهْمَلاتِ بِقِرْفَةٍ،

إِذَا مَا طَهَى باللَّيْلِ مُنْتَشِراتُها

وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: إِذا ماطَ، مِنْ ماطَ يَمِيطُ. والطُّهَاوَة: الجِلْدَة الرَّقِيقَة فوقَ اللَّبَنِ أَو الدَّم. وطَهَا فِي الأَرض طَهْياً: ذَهب فِيهَا مثلَ طَحَا؛ قَالَ:

مَا كانَ ذَنْبِي أَنْ طَهَا ثُمَّ لَمْ يَعُد،

وحُمْرانُ فِيهَا طائِشُ العَقْلِ أَصْوَرُ

وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ:

طَهَا هِذْرِيانٌ، قَلَّ تَغْمِيضُ عَيْنِه

عَلَى دُبَّة مِثْلِ الخَنِيف المُرَعْبَلِ

وَكَذَلِكَ طَهَتِ الإِبلُ. والطَّهْيُ: الغَيْمُ الرَّقيق، وَهُوَ الطَهاءُ لُغَةٌ فِي الطَّخاءِ، واحدَتُه طَهاءَةٌ؛ يُقَالُ: مَا عَلَى السَّمَاءِ طَهاءَةٌ أَي قَزَعة. ولَيلٌ طاهٍ أَي مُظْلِمٌ. الأَصمعي: الطَّهَاءُ والطَّخاءُ والطَّخافُ والعَماءُ كلُّه السحابُ المرتفِعُ، والطَّهْي الصِّراع، والطَّهْي الضَّرْبُ الشَّدِيدُ. وطُهَيَّةُ: قَبيلة، النسَبُ إِلَيْهَا طُهَوِيٌّ وطُهْوِيٌّ وطَهَوِيٌّ وطَهْوِيٌّ، وَذَكَرُوا أَنَّ مُكَبَّره طهْوة، وَلَكِنَّهُمْ غلَب اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ مُصَغَّراً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا لَيْسَ بقَوِيٍّ، قَالَ: وَقَالَ سِيبَوَيْهِ النَّسَب إِلى طُهَيَّة طُهْوِيٌّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: طُهَوِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ، وَقِيلَ: هُمْ حَيٌّ مِنَ تَمِيمٍ نُسِبوا إِلى أُمِّهِمْ، وَهُمْ أَبو سَوْدٍ وعَوْفٌ وَحَبِيشٌ «2» بَنُو مالكِ بنِ حَنْظَلَة؛ قَالَ جَرِيرٌ:

أَثَعْلَبَة الفَوارِسَ أَوْ رِياحاً،

عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ والخِشابا؟

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ السَّيْرَافِيِّ لَا يُرْوَى فِيهِ إِلَّا نصبُ الفوارِس عَلَى النَّعْتِ لثَعلبة؛ الأَزهري: مَنْ قَالَ طَهْوِيٌّ جَعلَ الأَصلَ طَهْوَةَ. وَفِي النوادِرِ: مَا أَدْرِي أَيُّ الطَّهْياءِ هُوَ «3» وأَيُّ الضَّحْياءِ هُوَ وأَيُّ الوَضَحِ هُوَ؛ وَقَالَ أَبو النَّجْمِ:

جَزَاهُ عَنَّا ربُّنا، رَبُّ طَهَا،

خَيْرَ الْجَزَاءِ فِي العَلاليِّ العُلا

فَإِنَّمَا أَرادَ رَبُّ طَه السُّورة، فَحَذَف الأَلِفَ؛ وأَنشد الباهليُّ للأَحْولِ الكِنْدِيِّ:

وليْتَ لَنَا، مِنْ ماءِ زَمْزَمَ، شَرْبةً

مُبَرَّدةً باتَتْ عَلَى الطَّهَيَانِ

يَعْنِي مِنْ ماءِ زمزمٍ، بدلَ ماءِ زَمْزَمَ، كقوله:

(1). قوله [فَمَا كَانَ إِذًا طَهْوِي] هكذا في الأصل، وعبارة التهذيب: أن يقول فما طهوي أي فَمَا كَانَ إِذًا طَهْوِي إلخ.

(2)

. قوله [حبيش] هكذا في الأصل وبعض نسخ الصحاح، وفي بعضها: حنش.

(3)

. قوله [أي الطهياء هو إلخ] فسره في التكملة فقال: أَيْ أَيّ النَّاسِ هُوَ.

ص: 17

كَسَوْناها مِنَ الرَّيْطِ اليَماني

مُسُوحاً، فِي بَنائِقها فُضُولُ

يَصِفُ إِبلًا كَانَتْ بِيضًا وسَوَّدها العَرَنُ، فكأَنها كُسِيَتْ مُسُوحاً سوداً بعد ما كَانَتْ بِيضًا. والطَّهَيَانُ: كأَنه اسْمُ قُلَّةِ جبلٍ. والطَّهَيَانُ: خَشَبَةٌ يُبَرَّد عَلَيْهَا الماءُ؛ وأَنشد بَيْتَ الأَحولِ الكِنْدِي:

مُبرَّدةً باتَتْ عَلَى طَهَيانِ

وحَمْنانُ مكةُ «1» شرَّفَها اللَّهُ تَعَالَى. ورأَيتُ بِخَطِّ الشَّيْخِ الْفَاضِلِ رَضِيِّ الدِّينِ الشاطِبيّ، رحمه الله، فِي حَوَاشِي كِتَابِ أَمَالي ابْنُ بَرِّيٍّ قَالَ: قَالَ أَبو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ طَهَيَان، بِفَتْحِ أَوله وَثَانِيهِ وَبَعْدَهُ الياءُ أُخت الواوِ، اسْمُ ماءٍ. وطَهَيَان: جَبَلٌ؛ وأَنشد:

فلَيْتَ لَنَا، مِنْ ماءِ حَمْنانَ، شَرْبةً

مُبَرَّدةً باتَت عَلَى الطَّهَيَانِ

وشَرحَه فَقَالَ: يُرِيدُ بَدَلًا مِنْ ماءِ زمزَم كَمَا قَالَ

عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، لأَهل الْعِرَاقِ، وَهُمْ مِائَةُ أَلف أَو يَزِيدُونَ: لَوَدِدْتُ لَوْ أَنَّ لِي مِنْكُمْ مائَتَيْ رجلٍ مِنْ بَني فِراسِ بنِ غَنْمٍ لَا أُبالي مَنْ لَقِيتُ بهم.

طوي: الطَّيُّ: نَقِيضُ النَّشْرِ، طَوَيْته طَيّاً وطِيَّةً وَطِيَةً، بِالتَّخْفِيفِ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ وَهِيَ نَادِرَةٌ، وَحَكَى: صَحِيفة جافيَة الطِّيَةِ، بِالتَّخْفِيفِ أَيضاً، أَي الطَّيّ. وَحَكَى أَبو عَلِيٍّ: طَيَّةٌ وطُوًى ككَوَّة وكُوًى، وطَوَيته وَقَدِ انْطَوَى واطَّوَى وتَطَوَّى تَطَوِّياً، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: تَطَوَّى انْطِواءً؛ وأَنشد:

وَقَدْ تَطَوَّيْتُ انطِواءَ الحِضْبِ

الحِضْبُ: ضربٌ مِنَ الحَيَّاتِ، وَهُوَ الوتَرُ أَيضاً، قَالَ: وَكَذَلِكَ جميعُ مَا يُطْوَى. وَيُقَالُ: طَوَيتُ الصَّحيفةَ أَطْوِيها طَيّاً، فالطَّيُّ المصدرُ، وطَوَيْتُها طَيَّةً وَاحِدَةً أَي مَرَّةً وَاحِدَةً. وإِنه لحَسَنُ الطِّيَّة، بِكَسْرِ الطاءِ: يُرِيدُونَ ضَرْباً مِنَ الطَّيِّ مثلُ الجِلسَة والمِشْيَة والرِّكْبةِ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

مِنَ دِمْنَةٍ نَسَفَتْ عَنْهَا الصَّبا سُفَعاً،

كَمَا تُنَشَّرُ بعدَ الطِّيَّةِ الكُتُبُ

فكسَر الطَّاءَ لأَنه لَمْ يُرِدْ بِهِ المَرَّة الْوَاحِدَةَ. وَيُقَالُ للحيَّة وَمَا يُشبِهُها: انْطَوَى يَنْطوِي انْطِواءً فَهُوَ مُنْطَوٍ، عَلَى مُنْفَعِلٍ. وَيُقَالُ: اطَّوَى يَطَّوِي اطِّواءً إِذا أَردتَ بِهِ افْتَعَل، فأَدْغِمِ التَّاءَ فِي الطاءِ فَتَقُولُ مُطَّوٍ مُفْتَعِل. وَفِي حَدِيثِ بناءِ الكَعْبةِ:

فتَطَوَّتْ موضعَ البَيْتِ كالحَجَفَة

أَي اسْتَدارَتْ كالتُّرْسِ، وَهُوَ تَفَعَّلَتْ مِنَ الطيِّ. وَفِي حَدِيثِ السفَرِ:

اطْوِ لَنا الأَرضَ

أَي قَرِّبها لَنَا وسَهِّلِ السَّيْرَ فِيهَا حَتَّى لَا تَطُولَ عَلَيْنَا فكأَنها قَدْ طُوِيَتْ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن الأَرضَ تُطْوَى بالليلِ مَا لَا تُطْوَى بالنَّهارِ

أَي تُقْطَع مسافتُها لأَن الإِنسان فِيهِ أَنشَطُ مِنْهُ فِي النهارِ وأَقدرُ عَلَى المَشْي والسيرِ لعدمِ الحَرِّ وَغَيْرِهِ. والطَّاوِي مِنَ الظِّباءِ: الَّذِي يَطْوِي عُنُقَه عِنْدَ الرُّبوضِ ثُمَّ يَرْبِضُ؛ قَالَ الرَّاعِي:

أَغَنّ غَضِيض الطَّرْفِ، باتَتْ تَعُلُّه

صَرَى ضَرّةٍ شَكْرى، فأَصْبَحَ طَاوِيا

عَدَّى تَعُلُّ إِلى مفعولَيْن لأَن فِيهِ مَعْنَى تَسْقِي. والطِّيَّة: الْهَيْئَةُ الَّتِي يُطْوَى عَلَيْهَا. وأَطْوَاءُ الثَّوْبِ والصحيفةِ والبطْنِ والشَّحمِ والأَمعاء والحَيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: طَرائِقُه ومَكاسِرُ طَيِّه،

(1). قوله [وحمنان مكة] أي في صدر البيت على الرواية الآتية بعده،. وقد أسلفها في مادة ح م ن ونسب البيت هناك ليعلى بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قَيْسٍ الشكري، قال: وَشَكْرٌ قَبِيلَةٌ مِنَ الْأَزْدِ.

ص: 18

واحدُها طِيٌّ، بِالْكَسْرِ، وطَيٌّ، بِالْفَتْحِ، وطِوًى. اللَّيْثُ: أَطْوَاءُ الناقةِ طَرائقُ شَحْمها، وَقِيلَ: طَرائِقُ شَحْمِ جَنْبَيْها وسنَامِها طَيٌّ فَوْقَ طَيٍّ. ومَطاوي الحيَّةِ ومَطَاوِي الأَمْعاءِ والثَّوْبِ والشحمِ والبطْنِ: أَطواؤُها، والواحدُ مَطْوًى. وتَطوَّتِ الحَيَّة أَي تحوَّت. وطِوَى الحيَّة: انْطِواؤُها. ومَطَاوِي الدِّرْعِ: غُضُونُها إِذا ضُمَّتْ، وَاحِدُهَا مِطْوًى؛ وأَنشد:

وعِنديَ حَصْداءُ مَسْرُودَةٌ،

كأَنَّ مَطاوِيَها مِبْرَدُ

والمِطْوَى: شيءٌ يُطوَى عَلَيْهِ الغَزْلُ. والمُنْطَوِي: الضامرُ البَطْنِ. وَهَذَا رجلٌ طَوِيّ البَطنِ، عَلَى فَعِلٍ، أَي ضامِرُ البَطنِ، عَنِ ابْنِ السِّكِّيت؛ قَالَ العُجَيرُ السَّلوليّ:

فقامَ فأَدنَى مِنْ وِسادِي وِسادَه

طَوِي البَطْنِ، ممشُوقُ الذراعَينِ، شَرْجَبُ

وسِقاءٌ طَوٍ: طُوِيَ وَفِيهِ بَلَلٌ أَو بَقِيَّةُ لبَنٍ فَتَغَيَّر ولَخِنَ وتَقَطَّع عَفَناً، وَقَدْ طَوِيَ طَوًى. والطَّيُّ فِي العَرُوضِ: حَذْفُ الرابِعِ مِنْ مُسْتَفْعِلُنْ ومَفْعُولاتُ، فَيَبْقَى مُسْتَعِلُنْ ومَفْعُلات فيُنْقَل مُسْتَعِلُنْ إِلَى مُفْتَعِلُنْ ومَفْعُلات إِلى فاعلاتُ، يَكُونُ ذَلِكَ فِي البَسيطِ والرَّجَز والمنْسَرِح، وَرُبَّمَا سُمِّيَ هَذَا الجزءُ إِذا كَانَ ذَلِكَ مَطْوِيّاً لأَن رابعهُ وسَطُه عَلَى الاسْتِواء فشُبِّه بالثَّوْبِ الَّذِي يُعطَفُ مِنْ وَسَطه. وطَوَى الرَّكِيَّة طَيّاً: عَرَشَهَا بالحِجارةِ والآجُرِّ، وَكَذَلِكَ اللَّبِنُ تَطْوِيه فِي البِناءِ. والطَّوِيُّ: البئرُ المَطْوِيَّة بِالْحِجَارَةِ، مُذَكَّر، فإِن أُنِّثَ فَعَلى الْمَعْنَى كَمَا ذُكِّرَ البئرُ عَلَى الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ:

يَا بِئرُ، يَا بِئرَ بَني عَدِيِّ

لأَنْزَحَنْ قَعْرَكِ بالدُّلِيِّ،

حَتَّى تَعُودي أَقْطَعَ الوَلِيِ

أَرادَ قَلِيباً أَقْطَعَ الوَلِيِّ، وَجَمْعُ الطَّوِيِّ البئرِ أَطْوَاءٌ. وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ:

فَقُذِفوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ

أَي بِئرٍ مَطوِيَّةٍ مِنْ آبارِها؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: والطَّوِيُّ فِي الأَصْل صِفَةٌ فعيلٌ بِمَعْنَى مَفْعول، فَلِذَلِكَ جَمَعُوه عَلَى الأَطْوَاء كَشَرِيفٍ وأَشرافٍ ويَتِيمٍ وأَيْتامٍ، وإِن كَانَ قَدِ انْتَقَلَ إِلى بابِ الاسْمِيَّة. وطَوَى كَشْحَه عَلَى كَذَا: أَضْمَرَه وَعَزَمَ عَلَيْهِ. وطَوَى فلانٌ كَشْحَهُ: مَضَى لِوَجْهِه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وصاحبٍ قَدْ طَوَى كَشْحاً فَقُلْتُ لَهُ:

إِنَّ انْطِواءَكَ هَذَا عَنْكَ يَطْوِيني

وطَوَى عنِّي نَصِيحتَه وأَمْرَه: كَتَمه. أَبو الْهَيْثَمِ: يُقَالُ طَوَى فُلانٌ فُؤادَهُ عَلَى عَزِيمةِ أَمرٍ إِذا أَسَرَّها فِي فُؤادِه. وطَوَى فُلانٌ كَشْحَه: أَعْرَضَ بِودِّهِ. وطوَى فلانٌ كَشْحَه على عَدواةٍ إِذا لَمْ يُظْهِرْها. وَيُقَالُ: طَوَى فُلانٌ حَديثاً إِلى حَديثٍ أَي لَمْ يُخْبِرْ بِهِ وأَسَرَّه فِي نفسِه فَجازَه إِلى آخَرَ، كَمَا يَطْوِي المُسافِرُ مَنزلًا إِلى مَنزلٍ فَلَا يَنْزِلُ. وَيُقَالُ: اطْوِ هَذَا الحديثَ أَي اكْتُمْه. وطَوَى فلانٌ كَشْحَه عَني أَي أَعْرَضَ عَنِّي مُهاجِراً. وطَوَى كَشْحَهُ عَلَى أَمْرٍ إِذَا أَخْفاه؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

وكانَ طَوَى كَشْحاً عَلَى مُسْتَكِنَّةٍ،

فَلا هُوَ أَبْداها وَلَمْ يَتَقَدَّم

أَرادَ بالمُسْتَكِنَّةِ عَداوَةً أَكَنَّها فِي ضَميره. وطَوَى البِلادَ طَيّاً: قَطَعَها بلَداً عَنْ بَلَدٍ. وطَوَى اللَّهُ

ص: 19

لَنَا البُعْدَ أَي قرّبَه. وفلانٌ يَطْوِي البلادَ أَي يَقْطَعُها بَلداً عَنْ بَلَدٍ. وطَوَى المَكانَ إِلى المَكانِ: جاوَزه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

عَلَيْهَا ابنُ عَلَّاتٍ إِذا اجْتَسَّ مَنْزِلًا،

طَوَتْهُ نُجُومُ اللَّيْلِ، وَهْي بَلاقِعُ

أَي أَنه لَا يُقِيمُ بالمَنْزِل، لَا يُجاوِزُه النَّجْمُ إِلا وَهُوَ قَفْر مِنْهُ، قَالَ: وَهِيَ بلاقِعُ لأَنه عَنَى بالمَنْزل المنازِلَ أَي إِذا اجْتَسَّ مَنازِلَ؛ وأَنشد:

بهَا الوَجْناءُ مَا تَطْوِي بماءٍ

إِلى ماءٍ، ويُمْتَلُّ السَّلِيلُ

يَقُولُ: وإِن بَقِيَتْ فإِنها لَا تَبْلغُ الماءَ ومَعَها حِين بُلوغِها فَضْلَةٌ مِنَ الماءِ الأَوَّلِ. وطَوَيْت طِيَّةً بَعُدَتْ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ فأَما قَوْلُ الأَعشى:

أَجَدَّ بِتَيَّا هَجْرُها وشَتاتُها،

وحُبَّ بِهَا لَوْ تُسْتَطاعُ طِياتُها

إِنما أَراد طِيَّاتُها فحَذَف الْيَاءَ الثَّانِيَةَ. والطِّيَّة: النَّاحِيَةُ. والطِّيَّةُ: الْحَاجَةُ والوَطَر، والطِّيَّةُ تكونُ مَنْزِلًا وتكونُ مُنْتَوًى. وَمَضَى لِطيَّتِه أَي لوجهِه الَّذِي يريدُه ولِنِيَّتِه الَّتِي انْتَواها. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَمَّا عَرَضَ نفسَه عَلَى قَبائلِ الْعَرَبِ قَالُوا لَهُ يَا مُحَمَّدُ اعْمِدْ لِطِيَّتِكَ

أَي امْضِ لِوَجْهِكَ وقَصْدِك. وَيُقَالُ: الْحَقْ بطِيَّتِك وبنِيَّتِك أَي بحاجتِك. وطِيَّةٌ بعيدةٌ أَي شاسِعةٌ. والطَّوِيَّة: الضَّمِيرُ. والطِّيَّة: الوَطَنُ والمَنْزِلُ والنِّيَّة. وبَعُدَتْ عَنَّا طِيَّتُه: وَهُوَ المَنْزِلُ الَّذِي انْتَواهُ، وَالْجَمْعُ طِيَّاتٌ، وَقَدْ يُخَفَّفُ فِي الشِّعْرِ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ: أَصَمّ القلبِ حُوشِيّ الطِّيَاتِ والطَّواءُ: أَن يَنْطَوِي ثَدْيا المرأَةِ فَلَا يَكْسِرهما الحَبَل؛ وأَنشد:

وثَدْيانِ لَمْ يَكْسِرْ طَواءَهُما الحَبَلْ

قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: والأَطْواءُ الأَثْناءُ فِي ذَنَب الجَرادة وَهِيَ كالعُقْدَةِ، واحِدُها طِوًى. والطَّوَى: الجُوعُ. وَفِي حَدِيثِ

فَاطِمَةَ: قَالَ لَهَا لَا أُخْدِمُكِ وأَتْرُكَ أَهلَ الصُّفَّة تَطْوَى بطونُهم.

والطَّيَّانُ: الجائعُ. ورجلٌ طَيَّانُ: لَمْ يأْكل شَيْئًا، والأُنثى طَيَّا، وَجَمْعَهَا طِوَاءٌ. وَقَدْ طَوِيَ يَطْوَى، بِالْكَسْرِ، طَوًى وطِوًى؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ: خَمُصَ مِنَ الجوعِ، فَإِذَا تَعَمَّدَ ذلك قيل طَوَى يَطْوِي، بِالْفَتْحِ، طَيّاً. اللَّيْثُ: الطَّيَّانُ الطَّاوِي الْبَطْنِ، والمرأَةُ طَيَّا وطاوِيةٌ. وَقَالَ: طَوَى نهارَه جَائِعًا يَطْوِي طَوًى، فَهُوَ طاوٍ وطَوًى أَي خَالِي البَطنِ جَائِعٌ لَمْ يأْكل. وَفِي الْحَدِيثِ:

يَبِيتُ شَبْعانَ وجارُهُ طاوٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه كَانَ يَطْوِي بَطنَه عَنْ جارِه

أَي يُجِيعُ نفسَه ويؤثِرُ جارَه بطعامِه. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه كَانَ يَطْوِي يَوْمَيْنِ

أَي لَا يأْكل فِيهِمَا وَلَا يَشْرَب. وأَتيته بَعْدَ طُوًى مِنَ اللَّيْلِ أَي بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْهُ. ابْنُ الأَعرابي: طَوَى إِذا أَتى، وطَوَى إِذا جَازَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الطَّيُّ الإِتيانُ والطَّيُّ الجوازُ؛ يُقَالُ: مَرَّ بِنَا فَطَوَانا أَي جَلَسَ عِنْدَنَا، ومَرَّ بِنَا فطَوَانا أَي جازَنا. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: طُوًى اسْمُ موضِعٍ بالشأْم، تُكْسَرُ طاؤُه وتُضَمُّ ويُصْرَفُ وَلَا يُصْرَف، فَمَنْ صَرَفَه جَعلَه اسمَ وادٍ ومكانٍ وجَعَله نكرَةً، وَمَنْ لَمْ يَصْرِفْه جَعَلَه اسْمَ بَلْدة وبُقْعَة وجَعَله مَعْرِفَةً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِذا كَانَ طُوًى اسْماً لِلْوَادِي فَهُوَ عَلم لَهُ، وإِذا كَانَ اسْمًا عَلَماً فَلَيْسَ يَصِحُّ تَنْكيرُه لتَبايُنِهما، فَمَنْ صَرَفه جَعَلَهُ اسْمًا لِلْمَكَانِ، وَمَنْ لَمْ

ص: 20

يَصْرفه جَعَلَهُ اسْمًا للبُقْعة، قَالَ: وَإِذَا كَانَ طُوًى وطِوًى، وَهُوَ الشَّيْءُ المَطْوِيّ مَرَّتَيْنِ، فَهُوَ صِفَةٌ بِمَنْزِلَةِ ثُنًى وثِنًى، وَلَيْسَ بعَلَمٍ لشيءٍ، وَهُوَ مَصْروفٌ لَا غيرُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

أَفي جَنْبِ بَكْرٍ قَطَّعَتْني مَلامَةً؟

لعَمْري لَقَدْ كَانَتْ مَلامَتُها ثِنَى

وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:

أَعاذِل، إِنَّ اللَّوْمَ فِي غيرِ كُنْهِه،

عليَّ طِوًى [طُوًى] مِنْ غَيِّك المُتَرَدِّد

ورأَيت فِي حَاشِيَةِ نُسْخَةٍ مِنْ أَمالي ابْنِ بَرِّيٍّ: إِن الَّذِي فِي شِعْرِ عَدِيّ: عَليَّ ثِنًى مِنْ غَيِّك. ابْنُ سِيدَهْ: وطُوًى وطِوًى جَبَلٌ بِالشَّامِ، وَقِيلَ: هُوَ وادٍ فِي أَصلِ الطُّورِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً

؛ قَالَ أَبو إِسحاق: طُوًى اسمُ الْوَادِي، وَيَجُوزُ فِيهِ أَربعة أَوجه: طُوَى، بِضَمِّ الطَّاءِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَبِتَنْوِينٍ، فَمَنْ نَوَّنه فَهُوَ اسْمٌ لِلْوَادِي أَو الجَبَل، وَهُوَ مذكَّر سُمِّيَ بمذكَّرٍ عَلَى فُعَلٍ نَحْوُ حُطَمٍ وصُرَدٍ، وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْه تركَ صَرْفَه مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحداهما أَن يَكُونَ مَعْدُولًا عَنْ طاوٍ فَيَصِيرُ مثلَ عُمَرَ المعدولِ عَنْ عامرٍ فَلَا يَنْصَرِفُ كَمَا لَا يَنْصَرِفُ عُمَر، وَالْجِهَةُ الأُخرى أَن يَكُونَ اسْمًا للبُقْعة كَمَا قَالَ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَإِذَا كُسر فَنُوِّن فَهُوَ طِوًى مثلُ مِعًى وضِلَعٍ، مصروفٌ، وَمَنْ لَمْ يُنَوِّن جعلَه اسْمًا للبُقْعة، قَالَ: وَمَنْ قرأَ طِوًى، بِالْكَسْرِ، فَعَلَى مَعْنَى المُقَدَّسة مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَمَا قَالَ طُرْفَةُ، وأَنشد بَيْتَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ آنِفاً، وَقَالَ: أَرادَ اللَّوْمَ المكَرَّرَ عليَّ. وسُئل المُبَرِّد عَنْ وادٍ يُقَالُ لَهُ طُوًى: أَتَصْرِفُه؟ قَالَ: نَعَمْ لأَن إِحدى العِلَّتين قَدِ انْخَرَمت عَنْهُ. وقرأَ

ابْنُ كُثيرٍ ونافعٌ وأَبو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ الحَضْرَميّ: طُوَى وأَنا وطُوَى اذْهَبْ

، غيرَ مُجْرًى، وقرأَ الكسائيُّ وعاصمٌ وَحَمْزَةٌ وابنُ عَامِرٍ: طُوىً*، مُنَوَّناً فِي السُّورَتَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ طُوًى مِثْلُ طِوًى، وَهُوَ الشَّيْءُ المَثْنِيُّ. وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تعالى: بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً*

؛ أَي طُوِيَ مَرَّتَيْنِ أَي قُدِّسَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: ثُنِيَتْ فِيهِ البَرَكة والتَّقْدِيسُ مَرَّتَيْنِ. وَذُو طُوًى، مَقْصُورٌ: وادٍ بِمَكَّةَ، وَكَانَ فِي كِتَابِ أَبي زَيْدٍ مَمْدُودًا، وَالْمَعْرُوفُ أَن ذَا طُوًى مَقْصُورٌ وادٍ بِمَكَّةَ. وَذُو طُواءٍ، مَمْدُودٌ: مَوْضِعٌ بِطَرِيقِ الطائفِ، وَقِيلَ: وادٍ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَذُو طُوًى، بِضَمِّ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْمُخَفَّفَةِ، مَوْضِعٌ عِنْدَ بَابِ مَكَّةَ يُسْتحب لِمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ أَن يَغْتَسِلَ بِهِ. وَمَا بِالدَّارِ طُوئِيٌّ بِوَزْنِ طُوعِيٍّ وطُؤوِيٌّ بِوَزْنِ طُعْوِيٍّ أَي مَا بِهَا أَحَدٌ، وَهُوَ مذكورٌ فِي الهَمْزة. والطَّوُّ: موضِعٌ. وطَيِءٌ: قَبيلة، بِوَزْنِ فَيْعِلٍ، وَالْهَمْزَةُ فِيهَا أَصلية، وَالنِّسْبَةُ إِليها طَائِيٌّ لأَنه نُسِبَ إِلى فِعْلٍ فَصَارَتِ الْيَاءُ أَلِفاً وَكَذَلِكَ نَسَبُوا إِلى الْحَيْرَةِ حارِيّ لأَن النِّسْبَةَ إِلى فَعِلٍ فَعَلِيٌّ كَمَا قَالُوا فِي رَجُلٍ مِنَ النَّمِر نَمَرِيٌّ «2» ، قال: وتأْليفُ طَيِءٍ مِنْ هَمْزَةٍ وَطَاءٍ وَيَاءٍ، وَلَيْسَتْ مِنْ طَوَيْت فَهُوَ مَيِّتُ التَّصْرِيف. وَقَالَ بَعْضُ النسَّابِينَ: سُمِّيت طَيِءٌ طَيّئاً لأَنه أَوّلُ مَنْ طَوَى المَناهِلَ أَي جازَ مَنْهَلًا إِلى مَنْهَلٍ آخَرَ وَلِمَ يَنْزِلْ. والطاءُ: حرفُ هِجاءٍ مِنْ حُرُوفِ المُعْجَمِ، وَهُوَ حَرْفٌ مَجْهُورٌ مُسْتَعْلٍ، يَكُونُ أَصلًا وبَدَلًا، وأَلفُها تَرْجِع إِلى الْيَاءِ، إِذا هَجَّيْتَه جَزَمْتَه

(2). قوله [من النمر نمري] تقدم لنا في مادة حير كَمَا نَسَبُوا إِلَى التَّمْرِ تمري بالتاء المثناة والصواب ما هنا.

ص: 21

وَلَمْ تُعْرِبْهُ كَمَا تَقُولُ طَ دَ مُرْسَلَةَ اللَّفْظِ بِلَا إِعْرابٍ، فإِذا وَصَفْتَه وصَيَّرْتَه اسْماً أَعْرَبْتَه كَمَا تُعْرِبُ الِاسْمَ، فتقولُ: هَذِهِ طاءٌ طَويلَةٌ، لمَّا وَصَفْتَه أَعْرَبْتَه. وشعرٌ طاوِيٌّ: قافِيَتُه الطاء.

طيا: الطَايَةُ: الصَّخْرَةُ العظِيمةُ فِي رَمْلَةٍ أَو أَرض لَا حِجارةَ بِهَا. والطَّايَة: السَّطْحُ الَّذِي يُنامُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُسَمَّى بِهَا الدُّكّانُ. قَالَ: وَتَوْدِيهُ التَّايَةِ «1» وَهُوَ أَن يَجْمَعَ بَيْنَ رؤوس ثَلَاثِ شَجَرَاتٍ أَو شَجَرَتَيْنِ، ثُمَّ يُلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبٌ فيستظلَّ بِهَا. وَجَاءَتِ الإِبل طَايَاتٍ أَي قُطْعاناً، وَاحِدَتُهَا طَايَة؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ لَجَإٍ يَصِفُ إِبلًا:

تَرِيعُ طاياتٍ وتَمْشِي هَمْسا

‌فصل الظاء المعجمة

ظبا: الظُّبَة: حَدُّ السَّيْفِ والسِّنانِ والنَّصْل والخَنجر وَمَا أَشْبه ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ

قَيْلة: أَنها لمَّا خَرَجَتْ إِلى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَدركها عمُّ بناتِها قَالَ فأَصابَتْ ظُبَةُ سيفِه طَائِفَةً مِنْ قُرون رأْسه

؛ ظُبَة السَّيْفِ: حَدُّه، وَهُوَ مَا يَلي طَرَف السَّيْفِ، وَمِثْلُهُ ذُبابه؛ قَالَ الكميت:

يَرَى الرَّاؤُونَ، بالشَّفَرات، مِنَّا

وَقُودَ أَبي حُباحِبَ والظُّبِينا

وَالْجَمْعُ ظُبَاتٌ وظِبُونَ وظُبُونَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا قَضَيْنَا عَلَيْهِ بِالْوَاوِ لِمَكَانِ الضَّمَّةِ لأَنها كأَنها دَلِيلٌ عَلَى الْوَاوِ، مَعَ أَن مَا حُذِفَتْ لَامُهُ وَاوًا نَحْوَ أَب وأَخ وحَمٍ وهَنٍ وسَنَة وعِضَة فِيمَنْ قَالَ سَنَوات وعِضَوات أَكثر مِمَّا حُذِفَتْ لامُه يَاءً، وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِنْهَا فَاءً وَلَا عَيْنًا، أَما امْتِنَاعُ الْفَاءِ فلأَن الْفَاءَ لَمْ يَطَّرِد حَذْفُهَا إِلا فِي مَصَادِرِ بَنَاتِ الْوَاوِ نَحْوَ عِدَة وزِنَة وحِدَة، وَلَيْسَتْ ظُبَة مِنْ ذَلِكَ، وأَوائل تِلْكَ الْمَصَادِرِ مَكْسُورَةٌ وأَول ظُبَةٍ مَضْمُومٌ، وَلَمْ يُحْذَفْ فَاءٌ مِنْ فُعْلة إِلا فِي حَرْفٍ شَاذٍّ لَا نَظِيرَ لَهُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ فِي الصِّلة صُلة، وَلَوْلَا الْمَعْنَى وأَنَّا قَدْ وَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ صِلَة فِي مَعْنَاهَا، وَهِيَ مَحْذُوفَةُ الْفَاءِ مِنْ وَصَلْت، لَمَا أَجَزْنا أَن تَكُونَ مَحْذُوفَةَ الْفَاءِ، فَقَدْ بَطَلَ أَن تَكُونَ ظُبَة مَحْذُوفَةَ الْفَاءِ، وَلَا تَكُونُ أَيضاً مَحْذُوفَةَ الْعَيْنِ لأَن ذَلِكَ لَمْ يأْت إِلا فِي سَهْ وَمَهْ، وَهُمَا حَرْفَانِ نَادِرَانِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا. وظُبَةُ السَّيْفِ وظُبَةُ السَّهْم: طَرَفُه؛ قَالَ بَشامة بْنُ حَرَى النَّهْشلي:

إِذا الكُماةُ تَنَحَّوْا أَن يَنالهُم

حَدُّ الظُّبَات، وصَلْناها بأَيدينا

وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: نَافِحُوا بالظُّبَى

؛ هِيَ جَمْعُ ظُبَة السَّيْفِ، وَهُوَ طَرَفُه وحَدُّه. قَالَ: وأَصل الظُّبَة ظُبَوٌ، بِوَزْنِ صُرَد، فَحُذِفَتِ الْوَاوُ وعوّض مِنْهَا الْهَاءُ. وَفِي حَدِيثِ

الْبَرَاءِ: فوضَعْتُ ظَبيبَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ

؛ قَالَ الْحَرْبِيُّ: هَكَذَا رُوِيَ وإِنما هُوَ ظُبَة السَّيْفِ، وَهُوَ طَرَفه، وَتُجْمَعُ عَلَى الظُّبَات والظُّبِين، وأَما الضَّبيب، بِالضَّادِ، فَسَيَلانُ الدَّمِ مِنَ الْفَمِ وَغَيْرِهِ؛ وَقَالَ أَبو مُوسَى: إِنَّمَا هُوَ بِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرَهُ. وَيُقَالُ لِحَدِّ السِّكِّينِ: الغِرار والظُّبَة والقُرْنَةُ، ولِجانِبِها الَّذِي لَا يَقْطَعُ: الكَلُّ. والظُّبَة: جِنْسٌ مِنَ المَزاد. التَّهْذِيبَ: الظَّبْيَة شِبْهُ العِجْلة والمَزادة، وإِذا خَرَجَ الدجَّال تَخْرُجُ قُدَّامه امرأَة تُسَمَّى ظَبْيَةَ، وَهِيَ تُنْذِر الْمُسْلِمِينَ بِهِ. والظَّبْية: الجِراب، وَقِيلَ: الْجِرَابُ الصغير خاصة، وقيل: هو مِنْ جِلْدِ الظِّباء. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه أُهْدِي لِلنَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، ظَبْيَة فِيهَا خَرَزٌ فأَعطى الآهِلَ منها والعَزَبَ

؛

(1). قوله [وتوديه التاية إلخ] هكذا في الأصل.

ص: 22

الظَّبْيَةُ: جِراب صَغِيرٌ عَلَيْهِ شَعْرٌ، وَقِيلَ: شِبْه الخَريطة والكِيس. وَفِي حَدِيثِ

أَبي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبي أُسيد قَالَ: التَقَطْتُ ظَبْيَةً فِيهَا أَلف وَمِائَتَا دِرْهَمٍ وقُلْبانِ مِنْ ذَهَبٍ

أَي وَجَدْت، وتُصَغَّر فَيُقَالُ ظُبَيَّة، وَجَمْعُهَا ظِبَاء؛ وَقَالَ عَدِيّ:

بَيْتِ جُلُوفٍ طَيِّبٍ ظِلُّهُ،

فِيهِ ظِبَاءٌ ودَواخِيلُ خُوصْ

وَفِي حَدِيثِ

زَمْزَم: قِيلَ لَهُ احْفِرْ ظَبْيَة، قَالَ: وَمَا ظَبْيَةُ؟ قَالَ: زَمْزَم

؛ سُمِّيَتْ بِهِ تَشْبِيهًا بالظَّبية الخَريطة لِجَمْعِهَا مَا فيها. الظَّبْيُ: الْغَزَالُ، وَالْجَمْعُ أَظْبٍ وظِبَاءٌ وظُبِيٌّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَظْبٍ أَفْعُلٌ، فأَبدلوا ضَمَّةَ الْعَيْنِ كَسْرَةً لِتَسْلَمَ الْيَاءُ، وظُبِيٌّ عَلَى فُعُول مِثْلَ ثَدْيٍ وثُدِيّ، والأُنثى ظَبْيَة، وَالْجُمْعُ ظَبَيَاتٌ وظِبَاء. وأَرض مَظْبَاةٌ: كَثِيرَةُ الظِّباء. وأَظْبَتِ الأَرض: كثرَ ظِباؤها. وَلَكَ عِنْدِي مائةٌ سِنَّ الظَّبْيِ أَي هنَّ ثُنْيان لأَن الظَّبْيَ لَا يَزِيدُ عَلَى الإِثْناء؛ قَالَ:

فَجَاءَتْ كسِنِّ الظَّبْي، لَمْ أَرَ مِثْلَها

بَوَاءَ قَتيل، أَو حَلُوبَة جَائِعِ

وَمِنْ أَمثالهم فِي صِحَّة الْجِسْمِ: بِفُلَانٍ دَاءُ ظَبْيٍ؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو: مَعْنَاهُ أَنه لَا دَاءَ بِهِ، كَمَا أَن الظَّبْيَ لَا دَاءَ بِهِ؛ وأَنشد الأُموي:

فَلَا تَجْهَمِينا، أُمَّ عَمْرٍو، فإِنما

بِنا داءُ ظَبْيٍ، لَمْ تَخُنه عَوامِلُه

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الأُموي وداء الظَّبي أَنه إِذا أَراد أَن يَثِبَ مَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ وَثَب. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، أَمر الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ أَن يأْتي قَوْمَهُ فَقَالَ إِذَا أَتَيْتَهم فارْبِضْ فِي دَارِهِمْ ظَبْياً

؛ وتأْويله أَنه بَعَثَهُ إِلى قَوْمٍ مُشْرِكِينَ ليَتَبصَّر مَا هُمْ عَلَيْهِ وَيَتَجَسَّسَ أَخبارهم وَيَرْجِعَ إِلَيْهِ بِخَبَرِهِمْ وأَمره أَن يَكُونَ مِنْهُمْ بِحَيْثُ يَرَاهُمْ ويَتَبَيَّنُهُم وَلَا يَسْتَمْكِنُونَ مِنْهُ، فإِن أَرادوه بِسُوءٍ أَو رابَه مِنْهُمْ رَيْبٌ تَهَيّأَ لَهُ الهَرَب وتَفَلَّتَ مِنْهُمْ، فَيَكُونُ مِثْلَ الظَّبْي الَّذِي لَا يَرْبِض إِلا وَهُوَ مُتَبَاعِدٌ مُتَوَحِّشٌ بِالْبَلَدِ القَفْر، وَمَتَى ارْتَابَ أَو أَحَسَّ بفَزَع نَفَر، وَنَصَبَ ظَبْياً عَلَى التَّفْسِيرِ لأَن الرُّبوض لَهُ، فَلَمَّا حُوِّلَ فِعْلُهُ إِلى الْمُخَاطَبِ خَرَج قَوْلُهُ ظبْياً مفسِّراً؛ وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: قَالَ ابْنُ الأَعرابي أَراد أَقِم فِي دَارِهِمْ آمِناً لَا تَبْرح كأَنك ظَبْيٌ فِي كِناسه قَدْ أَمِن حَيْثُ لَا يَرَى إِنْسًا. وَمِنْ أَمثالهم: لأَتْرُكَنَّه تَرْكَ الظَّبْي ظِلَّه، وَذَلِكَ أَن الظَّبْيَ إِذا تَرَك كِناسه لَمْ يَعُد إِليه؛ يُقَالُ ذَلِكَ عِنْدَ تأْكيد رَفْضِ الشَّيْءِ، أَيَّ شَيْءٍ كَانَ. وَمِنْ دُعَائِهِمْ عِنْدَ الشَّماتة: بهِ لَا بِظَبْيٍ أَي جَعَلَ اللهُ تَعَالَى مَا أَصابه لَازِمًا لَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ فِي زِيَادٍ:

أَقُولُ لَهُ لمَّا أَتانا نَعِيُّه:

بِهِ لَا بِظَبْيٍ بالصَّرِيمةِ أَعْفَرَا

والظَّبْيُ: سِمَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ؛ وإِياها أَراد عَنْتَرَةُ بِقَوْلِهِ:

عَمْرَو بْنَ أَسْوَدَ فَا زَبَّاءَ قاربةٍ

ماءَ الكُلابِ عَلَيْهَا الظَّبْيُ، مِعْناقِ «1»

والظَّبْيَة: الحَيَاء مِنَ المرأَة وكلِّ ذِي حافِرٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: والظَّبْيَة جَهاز المرأَة وَالنَّاقَةِ، يَعْنِي حَيَاءَها؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الظَّبْيَة للكَلْبة؛ وخَصَّ ابْنُ الأَعرابي بِهِ الأَتانَ والشاةَ والبَقَرةَ. والظَّبْيَةُ مِنَ الفَرس: مَشَقُّها وَهُوَ مَسْلَكُ الجرْدان فِيهَا. الأَصمعي: يُقَالُ لكلِّ ذَاتِ خُفٍّ أَو ظِلْفٍ الحَيَاءُ، ولكلِّ ذَاتِ حافرٍ الظَّبْيَة؛ وَلِلسِّبَاعِ كُلِّهَا الثَّفْر.

(1). فا زبَّاء أي فم زباء.

ص: 23

والظَّبْيُ: اسْمُ رَجُلٍ. وظَبْيٌ: اسمُ مَوْضِعٍ، وَقِيلَ: هُوَ كَثِيبُ رَمْل، وَقِيلَ: هُوَ وادٍ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ رَمْلة؛ وَبِهِ فُسِّر قولُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وتَعْطُو برَخْصٍ غيرِ شَثْنٍ كأَنه

أَسارِيعُ ظَبْيٍ، أَو مَسَاويكُ إِسْحِل

ابْنُ الأَنباري: ظُبَاء اسْمُ كَثِيبٍ بِعَيْنِهِ؛ وأَنشد:

وكَفّ كَعُوَّاذِ النَّقا لَا يَضيرُها،

إِذا أُبْرِزَتْ، أَن لا يكونَ خِضابُ «1»

وعُوَّاذ النَّقا: دوابُّ تُشْبِهُ العَظَاء، وَاحِدَتُهَا عَائِذَةٌ تَلْزم الرملَ لَا تَبْرَحُه، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الظُّبَاءُ وادٍ بِتهامة. والظَّبْيَة: مُنْعَرَج الْوَادِي، وَالْجَمْعُ ظِبَاء، وَكَذَلِكَ الظُّبَة، وَجَمْعُهَا ظُباءٌ، وَهُوَ مِنَ الْجَمْعِ الْعَزِيزِ؛ وَقَدْ رَوَى بَيْتَ أَبي ذُؤَيْبٍ بِالْوَجْهَيْنِ:

عَرَفْتُ الديارَ لأُمّ الرَّهينِ

بينَ الظُّبَاء فَوَادِي عُشَرْ

قَالَ: الظُّبَاء جَمْعُ ظُبَة لمُنْعَرج الْوَادِي، وَجَعَلَ ظُبَاءً مِثْلَ رُخالٍ وظُؤارٍ مِنَ الْجَمْعِ الَّذِي جَاءَ عَلَى فُعال، وأَنكر أَن يَكُونَ أَصلَه ظُبًى ثُمَّ مَدَّه لِلضَّرُورَةِ؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ جِنِّي يَنْبَغِي أَن تَكُونَ الهمزةُ فِي الظُّبَاءِ بَدَلًا مِنْ ياءٍ وَلَا تَكُونُ أَصلًا، أَمّا مَا يَدْفَعُ كونَها أَصلًا فلأَنهم قَدْ قَالُوا فِي واحِدِها ظُبَة، وَهِيَ مُنْعَرَج الْوَادِي، واللامُ إِنما تُحْذَف إِذا كَانَتْ حرفَ علَّة، وَلَوْ جَهِلْنا قولَهم فِي الْوَاحِدِ مِنْهَا ظُبَة، لَحَكَمْنَا بأَنها مِنَ الْوَاوِ اتِّباعاً لِمَا وَصَّى بِهِ أَبو الْحَسَنِ مِنْ أَن اللَّام الْمَحْذُوفَةَ إِذا جُهِلَت حُكم بأَنها واوٌ، حَمْلًا عَلَى الأَكثر، لكنَّ أَبا عُبَيْدَةَ وأَبا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ رَوَيَاهُ بَيْنَ الظِّبَاء، بِكَسْرِ الظَّاءِ وَذَكَرَا أَن الْوَاحِدَ ظَبْية، فَإِذَا ظَهَرَتِ الْيَاءُ لَامًا فِي ظَبْيَةٍ وَجَبَ القَطْع بِهَا وَلَمْ يَسُغ العدولُ عَنْهَا، وَيَنْبَغِي أَن يَكُونَ الظُّباء الْمَضْمُومُ الظَّاءِ أَحدَ مَا جَاءَ مِنَ الجُمُوع عَلَى فُعال، وَذَلِكَ نَحْوُ رُخال وظُؤَارٍ وعُراق وثُناء وأُناسٍ وتُؤَامٍ ورُباب، فَإِنْ قُلْتَ: فَلَعَلَّهُ أَراد ظُبًى جَمْعَ ظُبَة ثُمَّ مَدَّ ضَرُورَةً؟ قِيلَ: هَذَا لَوْ صَحَّ الْقَصْرُ، فأَما وَلَمْ يَثْبُتِ القصرُ مِنْ جِهَةٍ فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ لِتَرْكِكَ القياسَ إِلى الضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَقِيلَ: الظِّبَاءُ فِي شِعْرِ أَبي ذُؤَيْبٍ هَذَا وادٍ بِعَيْنِهِ. وظَبْيَةُ: موضعٌ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ ذُرَيْحٍ:

فغَيْقَةُ فالأَخْيافُ، أَخْيافُ ظَبْيةٍ،

بِهَا مِنْ لُبَيْنى مَخْرَفٌ ومَرابِعُ

وعِرْقُ الظُّبْيَة، بِضَمِّ الظَّاءِ: مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَميال مِنَ الرَّوْحاء بِهِ مسجدُ سَيِّدِنَا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم. وَفِي حَدِيثِ

عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: مِنْ ذِي الْمَرْوَةِ إِلى الظَّبْيَة

؛ وَهُوَ مَوْضِعٌ فِي دِيَارِ جُهينة أَقْطعه النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، عَوْسَجَة الجُهَني. والظُّبْيَة: اسْمُ مَوْضِعٍ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ. وظَبْيَان: اسْمُ رجل، بفتح الظاء.

ظرا: الظَّرَوْرَى: الكَيِّسُ. رَجُلٌ ظَرَوْرَى: كَيِّسٌ. وظَرِيَ يَظْرَى إِذا كاسَ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: ظَرَى إِذا لَانَ، وظَرَى إِذا كاسَ، واظْرَوْرَى كاسَ وحَذِقَ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: اطْرَوْرى، بِالطَّاءِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ. واظْرَوْرَى الرجلُ اظْرِيرَاءً: اتَّخَم فانْتَفَخ بَطْنُهُ، وَالْكَلِمَةُ واوِيَّة ويائِيَّة. واظْرَوْرَى بطْنُه إِذا انْتَفَخَ، وَذَكَرُهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي ضَرَا، بِالضَّادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْفَصْلَ. الأَزهري: قرأْت فِي نَوَادِرِ الأَعْراب الاطْرِيرَاء والاظْرِيراءُ البِطْنَةُ، وَهُوَ مُطْرَوْرٍ ومُظْرَوْرٍ،

(1). قوله [كعوّاذ النقا إلخ] هكذا في الأصول التي بأيدينا، ولا شاهد فيه على هذه الرواية، ولعله روي: كعوّاذ الظبا.

ص: 24

قَالَ: وَكَذَلِكَ المُحْبَنْطي والمُحْبَنْظِي، بِالظَّاءِ؛ وَقَالَ الأَصمعي: اطْرَوْرَى بَطْنُه، بِالطَّاءِ. أَبُو زَيْدٍ اظْرَوْرَى الرجلُ غَلب الدَّسَمُ عَلَى قَلْبِه فانتفَخَ جوفُه فَمَاتَ، وَرَوَاهُ الشَّيْبَانِيُّ: اطْرَوْرى، وَالشَّيْبَانِيُّ ثِقَةٌ، وأَبو زَيْدٍ أَوثق مِنْهُ.

ابْنُ الأَنباري: ظَرَى بَطْنُه يَظْرِي إِذَا لَمْ يَتَمالَكْ لِيناً. وَيُقَالُ: أَصابَ المالَ الظَّرَى فأَهْزَلَه، وَهُوَ جُمُود الْمَاءِ لِشِدَّة البَرْدِ. ابْنُ الأَعرابي: الظَّارِي العاضُّ. وَظَرَى يَظْرِي إِذَا جَرَى.

ظلا: ابْنُ الأَعرابي: تَظَلَّى فلانٌ إِذَا لَزِمَ الظِّلالَ والدَّعَة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كَأَنَّ فِي الأَصل تَظَلَّلَ، فقُلبَت إحد اللَّامَاتِ يَاءً كَمَا قَالُوا تَظَنَّيْت من الظنّ.

ظما: ظمو

الظِّمْو مِنْ أَظْماء الإِبل لُغَةٌ فِي الظِّمْءِ. والظَّمَا، بِلَا هَمْزٍ: ذُبُولُ الشَّفَةِ مِنَ العَطَشِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهُوَ قِلَّة لحْمِه ودَمِه وَلَيْسَ مِنْ ذُبُولِ العَطَشِ، وَلَكِنَّهُ خِلْقَة محمودَةٌ. وكلُّ ذابلٍ مِنَ الحَرِّ ظَمٍ وأَظْمَى. والمَظْمِيُّ مِنَ الأَرضِ والزَّرْعِ: الَّذِي تَسْقِيهِ السَّماءُ، والمَسْقَوِيُّ: مَا يُسْقَى بالسَّيحِ. وَفِي حَدِيثِ

معاذٍ: وَإِنْ كَانَ نَشْرُ أَرضٍ يُسْلِمُ عَلَيْهَا صاحِبُها فَإِنَّهُ يُخْرِجُ مِنْهَا مَا أَعْطَى نَشْرُها: ربعَ المَسْقَوِيّ وعُشْرَ المَظْمِيّ

، وَهُمَا مَنْسُوبَانِ إِلَى المَظْمَى وَإِلَى المَسْقَى، مَصْدَرَي سَقَى وظَمَى. قَالَ أَبو مُوسَى: المَظْمِيُّ أَصله المَظْمَئيُّ فتُرك هَمْزُه، يعني في الرِّواية، قَالَ: وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الْمُعْتَلِّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْهَمْزِ وَلَا تعرَّض إِلَى ذِكْرِهِ تَخْفِيفَهُ. والظَّمَى: قِلَّةُ دَمِ اللِّثَةِ ولَحْمِها، وَهُوَ يَعْتَري الحُبْش. رجلٌ أَظْمَى وامرأَة ظَمْيَاء وشَفَةٌ ظَمْيَاءُ: ليْسَتْ بوارِمة كَثِيرَةَ الدَّمِ ويُحْمَدُ ظَماها. وشَفَةٌ ظَمْيَاء بَيِّنَة الظَّمَى إِذَا كَانَ فِيهَا سُمْرَة وذُبُولٌ. ولِثَةٌ ظَمْيَاءُ: قَلِيلَةُ الدَّمِ. وعينٌ ظَمْياءُ: رَقِيقَةُ الجَفْن. وساقٌ ظَمْيَاءُ: قلِيلة اللَّحْمِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: مُعْتَرِقَةِ اللَّحْمِ. وظِلٌّ أَظْمَى: أَسْوَدُ. وَرَجُلٌ أَظْمى: أَسود الشَّفَة، والأُنْثَى ظَمْياء. ورُمْحٌ أَظْمَى: أَسْمَرُ. الأَصمعي: مِنَ الرِّماح الأَظْمى، غيرُ مَهْمُوزٍ، وَهُوَ الأَسْمَرُ، وقَناةٌ ظَمياءُ بَيِّنَةُ الظَّمى منقوصٌ. أَبو عَمْرٍو: ناقَةٌ ظَمْيَاءُ وَإِبِلٌ ظُمْيٌ إِذَا كَانَ فِي لَوْنِهَا سَوَادٌ. أَبو عَمْرٍو: الأَظْمى الأَسودُ، وَالْمَرْأَةُ ظَمْياء لسَوْداء الشَّفَتَين، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: رجلٌ أَظْمَى أَسمر، وامرأَةٌ ظَمْيَاء، والفعلُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ ظَمِيَ ظَمًى. وَيُقَالُ للفرسِ إِذَا كَانَ مُعَرَّقَ الشَّوَى: إِنَّهُ لأَظْمَى الشَّوَى، وإنَّ فُصُوصه لظِماءٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا رَهَلٌ وكانت مُتَوَتِّرَةً، ويُحْمَدُ ذَلِكَ فِيهَا، والأَصلُ فِيهَا الْهَمْزُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ يَصِفُ فَرَسًا أَنشده ابْنُ السِّكِّيتِ:

يُنْجِيه مِنْ مِثْلِ حَمامِ الأَغلالْ

وَقْعُ يَدٍ عَجْلَى ورِجْلٍ شِمْلالْ

ظَمْأَى النَّسَى مِنْ تحتِ رَيَّا مِنْ عالْ

والظَّمْيَان: شجرٌ يَنْبُتُ بنَجْدٍ يشبه القَرَظ.

ظنى: قَالَ الأَزهري: لَيْسَ فِي بَابِ الظَّاءِ وَالنُّونِ غيرُ التَّظَنِّي مِنَ الظنِّ، وأَصله التَّظَنُّنُ، فأُبْدل مِنْ إِحْدَى النُّوناتِ ياءٌ، وَهُوَ مثلُ تَقَضّى مِنْ تَقَضَّضَ.

ظوا: أَرض مَظْواةٌ ومَظْياةٌ: تُنْبتُ الظَّيّان، فأَما مَظْواةٌ فإنها من ظ وي، وأَما مَظْيَاةٌ فإِما أَن تَكُونَ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ، وَإِمَّا أَن تَكُونَ مَقْلُوبَةً مِنْ مَظْواةٍ، فَهِيَ عَلَى هَذَا مَفْعَلة.

ص: 25

وأَدِيمٌ مُظَوًّى: مدبوغٌ بالظَّيّانِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. والظاءُ: حرفُ هِجاءٍ، وَهُوَ حَرْفٌ مهجور يَكُونُ أَصلًا لَا بَدَلًا وَلَا زَائِدًا؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: اعْلَمْ أَن الظَّاء لَا تُوجَدُ فِي كَلَامِ النَّبَطِ، فإِذا وقَعَت فِيهِ قلَبوها طَاءً، وَلِهَذَا قَالُوا البُرْطُلة وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ الظِّلِّ، وَقَالُوا ناطُور وَإِنَّمَا هُوَ نَاظُورٌ، فاعُول مِنْ نَظَرَ يَنْظُر. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَا يَقُولُ أَصحابنا الْبَصْرِيُّونَ، فأَما قَوْلُ أَحمَد بنِ يَحْيَى فَيَقُولُ ناطُور ونواطِير مِثْلُ حَاصُودٌ وحَواصِيد، وَقَدْ نَطَرَ يَنْطُر. ابْنُ الأَعرابي: أَظْوَى الرَّجُلُ إِذا حَمُقَ.

ظيا: الظَّيَاةُ: الرجلُ الأَحْمَقُ. والظَيَّانُ: نَبْتٌ بِالْيَمَنِ يُدْبَغُ بوَرَقه، وَقِيلَ: هُوَ ياسَمينُ البَرّ، وَهُوَ فَعْلانُ، واحدتُه ظَيَّانَةٌ. وأَدِيمٌ مُظَيّاً: مَدْبُوغٌ بالظَّيّان. وأَرض مِظْيَاةٌ: لِكَثِيرَةِ الظَّيَّانِ. الأَصمعي: مِنْ أَشجارِ الجبالِ العَرْعَرُ والظَّيَّانُ والنَّبْعُ والنَّشَمُ. اللَّيْثُ: الظَيَّانُ شَيْءٌ مِنَ العسَل، ويجيءُ فِي بَعْضِ الشعرِ الظَّيُّ والظِّيُّ، بِلَا نُونٍ، قَالَ: وَلَا يُشْتقُّ مِنْهُ فِعْلٌ فتُعْرَف ياؤُه، وَبَعْضُهُمْ يُصَغِّرُه ظُيَيّاناً، وَبَعْضُهُمْ ظُوَيَّاناً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَيْسَ الظَّيَّانُ مِنَ الْعَسَلِ فِي شيءٍ، إِنَّمَا الظيّانُ مَا فَسَّرَهُ الأَصمعي أَوَّلًا؛ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ الخُناعِي:

يَا مَيُّ، إِنَّ سِباعَ الأَرضِ هالِكةٌ،

والغُفْرُ والأُدْمُ والآرامُ والناسُ

والجَيشُ لَنْ يُعْجِزَ الأَيامَ ذُو حِيَدٍ

بمُشْمَخِرّ، بِهِ الظَّيَّانُ والآسُ

أَرادَ: بِذِي حِيَدٍ وَعْلًا فِي قَرْنِهِ حِيَدٌ، وَهِيَ أَنابيبهُ، وحِيَدٌ جَمْعُ حَيدَة كَحَيْضَةٍ وحِيَضٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ قَدْ عَزَبَ أَن يُعْلَم أَصلُها مِنْ طريقِ الاشتِقاقِ فَلَمْ يَبْقَ إِلا حَمْلُها عَلَى الأَكثر، وَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَن عينَها واوٌ، لأَنّ بَابَ طَوَيْت أَكثر مِنْ بَابِ حَيِيت، والمُشْمَخِرُّ: الْجَبَلُ الطويلُ: والآسُ هَاهُنَا: شَجَرٌ، والآسُ: العسلُ أَيضاً، وَالْمَعْنَى لَا يَبْقى لأَنه لَوْ أَراد الإِيجابَ لأَدْخَلَ عَلَيْهِ اللامَ لأَنَّ اللامَ فِي الإِيجاب بمنْزلة لَا فِي النَّفْي. والظَّيَّان: العَسَل، وَالْآسُ: بَقِيَّةُ العَسَل فِي الخَلِيَّةِ. والظاءُ: حرفٌ مِنْ حُرُوفِ المُعْجَم، وَهُوَ حَرْفٌ مُطبَقٌ مستَعْل. وَالظَّاءُ: نَبِيبُ التَّيْسِ وصَوْتُه؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ:

لَهُ ظَاءٌ كَمَا صَخِب الغريمُ

وَيُرْوَى: ظَأْبٌ. وظَيَّيْتُ ظَاءً: عَمِلْتها.

‌فصل العين المهملة

عاعا: قَالَ الأَزهري فِي آخِرِ لَفِيفِ الْمُعْتَلِّ فِي تَرْجَمَةِ وَعَعَ الْعَاعَاءُ صَوْتُ الذِّئبِ.

عبا: عَبَا المَتاعَ عَبْواً وعَبَّاه: هَيَّأَه. وعَبَّى الْجَيْشَ: أَصْلَحه وهَيّأَه تَعْبِيَةً وتَعْبِئَةً وتَعْبيئاً، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: عَبّأْتُه بالهمزة. والعَبايةُ ضَرْبٌ مِنَ الأَكْسِيَة واسِعٌ فِيهِ خُطوطٌ سُودٌ كِبارٌ، وَالْجَمْعُ عَباءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

لِباسُهم العَباءُ

، وَقَدْ تكَرَّر فِي الْحَدِيثِ، والعَباءَةُ لُغَةٌ فِيهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنَّمَا هُمِزَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حرفُ العِلّة فِيهَا طَرَفاً لأَنهم جاؤوا بِالْوَاحِدِ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْجَمْعِ عَبَاء، كَمَا قَالُوا مَسنِيَّة ومَرْضِيَّة، حِينَ جَاءَتْ عَلَى مسنِيٍّ ومرضِيٍّ، وَقَالَ: العَبَاءُ ضربٌ مِنَ الأَكْسِية، وَالْجَمْعُ أَعْبِيَةٌ، والعَباءُ عَلَى هذا واحدٌ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابنُ جِني وَقَالُوا عَبَاءة،

ص: 26

وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي، لمَّا لَحِقَت الهاءُ آخِراً وجَرَى الإِعرابُ عَلَيْهَا وقَوِيَت الياءُ لبُعْدِها عَنِ الطرَف، أَنْ لَا تُهْمَز وأَنْ لَا يُقَالَ إِلا عَباية فيُقْتَصَر عَلَى التَّصْحِيحِ دُونَ الإِعْلال، وأَن لَا يَجُوزَ فِيهِ الأَمرانِ، كَمَا اقْتُصر فِي نِهايَةٍ وغَباوةٍ وشَقاوةٍ وسعايةٍ ورِمايةٍ عَلَى التَّصْحِيحِ دُونَ الإِعلال، لأَن الخليلَ، رحمه الله، قَدْ عَلَّل ذَلِكَ فَقَالَ: إِنهم إِنما بَنَوْا الواحِدَ عَلَى الْجَمْعِ، فَلَمَّا كَانُوا يَقُولُونَ عَباءٌ فَيَلْزَمُهُمْ إِعْلالُ الْيَاءِ لِوُقُوعِهَا طَرَفاً، أَدْخَلُوا الْهَاءَ، وَقَدِ انْقَلَبَت الياءُ حِينَئِذٍ هَمْزَةً فَبَقِيَت اللامُ مُعْتَلَّة بعدَ الْهَاءِ كَمَا كَانَتْ مُعْتَلَّة قَبْلها؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جمعُ العَباءَة والعَبايَة العَباءَاتُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعَبَى الْجَافِي، والمَدُّ لُغَةٌ؛ قَالَ:

كَجَبْهَةِ الشَّيْخِ العَبَاءِ الثَّطِّ

وَقِيلَ: العَبَاءُ بالمدِّ الثَّقِيلُ الأَحْمَقُ. وَرَوَى الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ: العَبَى، مقصورٌ، الرجلُ العَبامُ، وَهُوَ الْجَافِي العَيِيُّ، ومَدّه الشَّاعِرُ فَقَالَ، وأَنشد أَيضاً الْبَيْتَ:

كَجَبْهَةِ الشَّيْخِ العَبَاءِ الثَّطِّ

قَالَ الأَزهري: وَلَمْ أَسمع العَبَاءَ بِمَعْنَى العَبامِ لِغَيْرِ اللَّيْثِ، وأَما الرجزُ فَالرِّوَايَةُ عِنْدِي:

كَجَبْهَةِ الشَّيْخِ العَيَاءِ

بِالْيَاءِ. يُقَالُ: شيخٌ عَياءٌ وعَيايَاءٌ، وَهُوَ العَبامُ الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى النِّساءِ، قَالَ: ومَنْ قَالَهُ بِالْبَاءِ فَقَدْ صَحَّفَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ فِي تَرْخِيم اسْمٍ مثلِ عبدِ الرحمنِ أَو عبدِ الرحِيم عَبْوَيْه مِثْلُ عمروٍ وعَمْرَوَيْه. والعَبُ: ضَوْءُ الشَّمْسِ وحُسْنُها يُقَالُ: مَا أَحْسَنَ عَبَها، وأَصْلُه العَبْوُ فنُقِصَ. وَيُقَالُ: امرأَةٌ عابِيَةٌ أَي ناظِمَة تَنْظِمُ الْقَلَائِدَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ سِهَامًا:

لَهَا أُطُرٌ صُفْرٌ لِطافٌ كَأَنَّهَا

عَقِيقٌ، جَلاهُ العَابِيَاتُ، نظِيمُ

قَالَ: والأَصل عابِئَةٌ، بِالْهَمْزِ، مِنْ عَبَأْتُ الطِّيبَ إِذَا هَيَّأْتَه. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعَبَاةُ مِنَ السُّطَّاحِ الَّذِي يَنْفَرِشُ عَلَى الأَرض. وَابْنُ عَبَايَة: مِنْ شُعَرائِهم. وعَبَايَةُ بْنُ رِفاعَةَ: من رُواةِ الحديث.

عتا: عَتَا يَعْتُو عُتُوّاً وعِتِيّاً: اسْتَكْبَرَ وجاوَزَ الحَدَّ، فأَما قَوْلُهُ:

أَدْعُوكَ يَا رَبِّ، مِنَ النارِ الَّتِي

أَعْدَدْتَها للظَّالِمِ الْعَاتِي العَتي

فقد يجور أَنْ يَكُونَ أَراد العَتيَ عَلَى النَّسَبِ كَقَوْلِكَ رَجلٌ حَرِحٌ وسَتِهٌ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَرَادَ العَتِيَّ فخَفَّفَ لأَنَ الْوَزْنَ قَدِ انْتَهَى فارتَدَعَ. وَيُقَالُ: تَعَتَّتِ المرأةُ وتَعَتَّى فلانٌ؛ وأَنشد:

بأَمْرِهِ الأَرض فَمَا تَعَتَّتِ

أَيْ فَمَا عَصَتْ. وَقَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ تَعا: والعُتَا العِصْيانُ. والعَاتِي: الجَبَّار، وَجَمْعُهُ عُتَاةٌ. والعَاتِي: الشَّدِيدُ الدُّخُولِ فِي الفَساد المُتَمَرِّدُ الَّذِي لَا يقبلُ موعِظَة. الْفَرَّاءُ: الأَعْتَاءُ الدُّعَّارُ مِنَ الرجالِ، الواحدُ عَاتٍ. وتَعَتَّى فلانٌ: لَمْ يُطِعْ. وعَتا الشيخُ عُتِيّاً وعَتِيّاً، فتح الْعَيْنِ: أَسَنَّ وكَبِرَ ووَلَّى. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا

، وقرئَ: عِتِيًّا. وَقَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ: كلُّ قَدِ انْتَهَى فَقَدْ عَتَا

ص: 27

يَعْتُو عِتْياً وعُتُوّاً، وعَسَا يَعْسو عُسُوّاً وعُسِيّاً، فأَحبَّ زكرياءُ، سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَن يَعْلَم مِنْ أَيِّ جِهْةٍ يكونُ لَهُ ولدٌ، ومِثْلُ امْرَأَته لَا تَلِدُ ومِثْلُه لَا يُولَدُ لَهُ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: كَذلِكَ، مَعْنَاهُ، واللهُ أَعلم، الأَمرُ كَمَا قيلَ لَكَ. وَيُقَالُ لِلشَّيْخِ إِذَا ولَّى وكَبِرَ: عَتَا يَعْتُو عُتُوّاً وعَسا يَعْسُو مثلُه، الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ عَتَوْتَ يَا فلانُ تَعْتُو عُتُوّاً وعُتِيّاً وعِتِيّاً، والأَصل عُتُوٌّ ثُمَّ أَبْدَلُوا إِحْدَى الضَّمَّتَيْنِ كَسْرَةً فانْقَلَبَتْ الواوُ ياءً فقالوا عُتِيّاً، ثُمَّ أَتْبَعُوا الكسرةَ الكسرةَ فَقَالُوا عِتِيّاً ليُؤَكِّدُوا البَدَل، ورجلٌ عاتٍ وقومٌ عُتِيٌّ، قَلَبوا الواوَ يَاءً؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِي: وفُعولٌ إِذَا كَانَتْ جَمْعاً فحَقُّها القلبُ، وَإِذَا كَانَتْ مصدَراً فحقُّه التَّصْحِيحُ لأَن الجمعَ أَثْقَل عِنْدَهُمْ مِنَ الواحدِ. وَفِي الْحَدِيثُ:

بِئْسَ العبدُ عبدٌ عَتا وطَغى

؛ العُتُوُّ: التجبُّر والتكبُّر. وتَعَتَّيتُ: مثلُ عَتَوْتُ، قَالَ: وَلَا تَقُل عَتَيْتُ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: عَتِيتُ لُغَةٌ فِي عَتَوْتُ. وعَتَّى: بِمَعْنَى حتَّى، هُذَلِيَّةٌ وثَقَفِيَّة،

وقرأَ بَعْضُهُمْ: عَتَّى حينٍ

؛ أَي حَتَّى حينٍ. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: بَلَغَه أَنَّ ابنَ مسعودٍ، رضي الله عنه، يُقْرِئُ الناسَ عَتَّى حينٍ، يُرِيدُ حَتَّى حينٍ فَقَالَ: إِن الْقُرْآنَ لمْ يَنْزِلْ بلُغَة هُذَيْلٍ، فأَقْرِئ الناسَ بلُغَةِ قريشٍ

، كلُّ العربِ يَقُولون حَتَّى إِلَّا هُذَيلًا وثَقِيفاً فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ عَتَّى. وعَتْوَةُ: اسمُ فرسٍ.

عثا: العَثَا: لَونٌ إِلَى السَّوادِ مَعَ كَثْرَةِ شَعَر. والأَعْثَى: الكثيرُ الشَّعَرِ الْجَافِي السَّمِجُ، والأُنثى عَثْوَاءُ. والعُثْوَةُ: جُفوفُ شَعَرِ الرأَس والْتبادُهُ وبُعْدُ عَهْده بالمَشْطِ. عَثِيَ شعرهُ يَعْثَى عَثْوًا وعَثاً، وَرُبَّمَا قِيلَ لِلرَّجُلِ الْكَثِيرِ الشَّعَرِ أَعْثَى، وَلِلْعَجُوزِ عَثْوَاء، وضِبْعانٌ أَعْثَى: كثيرُ الشَّعَرِ، والأُنثى عَثْوَاء، وَالْجَمْعُ عُثْوٌ وعُثْيٌ مُعاقبَة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الذَّكَرُ مِنَ الضِّباعِ يُقَالُ لَهُ عِثْيَانٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعِثْيانُ الذَّكَرُ مِنَ الضِّباعِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ للضَّبُع غَثْواء، بالغين المعجمة أَيضاً، وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: فِي الرأْس العُثْوَة، وَهُوَ جُفوف شَعَرِهِ والْتِبَادُه مَعاً. وَرَجُلٌ أَعْثى: كَثِيرُ الشَّعَرِ. وَرَجُلٌ أَعْثى: كَثِيفُ اللحْية؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ فِي الأَعْثَى الكَثِير الشَّعَر لِشَاعِرٍ:

عَرَضَتْ لَنَا تَمْشِي فيَعْرِضُ، دُونَها،

أَعْثَى غَيُورٌ فاحِشٌ مُتَزَعِّمُ

ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ شابَ عُثَا الأَرضِ إِذا هَاجَ نَبْتُها، وأَصل العُثَا الشَّعَر ثُمَّ يُستَعار فِيمَا تَشَعَّثَ مِنَ النَّبَاتِ مِثْلُ النَّصِيِّ والبُهْمى والصِّلِّيان؛ وَقَالَ ابْنُ الرِّقَاعِ:

بِسَرارة حَفَشَ الرَّبِيعُ غُثَاها،

حوَّاءَ يَزْدَرِعُ الغَمِيرَ ثَراها

حَتَّى اصْطَلى وَهَجَ المَقِيظ، وخانَه

أَنْقَى مَشارِبِه، وشابَ عُثاها

أَي يَبِسَ عُشْبُها. والأَعْثَى: لونٌ إِلَى السَّوَادِ. والأَعْثَى: الضَّبُع الْكَبِيرُ. أَبو عَمْرٍو: العَثْوَة والوَفْضةُ «2» والغُسْنة هِيَ الجُمَّة مِنَ الرَّأْسِ وَهِيَ الوَفْرة. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: العُثَى اللِّمَم الطِّوال؛ وَقَوْلُ ابْنِ الرِّقَاعِ:

لَوْلَا الحَياءُ، وأَنَّ رأْسِيَ قَدْ عَثَا

فِيهِ المَشِيبُ، لَزُرْتُ أَمَّ القاسم

(2). قوله [والوفضة] هكذا في الأصول.

ص: 28

عَثَا فِيهِ المَشيبُ أَي أَفسد. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: عَثَا عُثُواً وعَثِيَ عُثُوّاً أَفْسَدَ أَشَدَّ الإِفسادِ، وَقَالَ: وَقَدْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ في المعتل بالياء على غَيْرَ هَذِهِ الصِّيغَةِ مِنَ الْفِعْلِ، وَقَالَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَهُ: عَثِيَ فِي الأَرضِ عُثِيًّا وعِثِيّاً وعَثَياناً وعَثَى يَعْثَى؛ عَنْ كُرَاعٍ نادرٌ، كلُّ ذَلِكَ أَفسد. وَقَالَ كُرَاعٌ: عَثَى يَعْثَى مَقلوبٌ مِنْ عَاثَ يَعيثُ، فَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا يَعْثي إلَّا أَنه نادرٌ، وَالْوَجْهُ عَثِيَ فِي الأَرض يَعْثَى. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ*

؛ القُرَّاء كلُّهم قرؤوا وَلا تَعْثَوْا*

، بِفَتْحِ الثَّاءِ، مِنْ عَثِيَ يَعْثَى عُثُوّاً وَهُوَ أَشدُّ الْفَسَادِ، وَفِيهِ لُغَتَانِ أُخْرَيان لَمْ يُقْرأْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا: إِحْدَاهُمَا عَثَا يَعْثُو مِثْلُ سمَا يَسْمُو؛ قَالَ ذَلِكَ الأَخفش وَغَيْرُهُ، وَلَوْ جَازَتِ الْقِرَاءَةُ بِهَذِهِ اللُّغَةِ لَقُرِئَ وَلَا تَعْثُوا، وَلَكِنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّة وَلَا يُقْرأُ إلَّا بِمَا قَرأَ بِهِ القرَّاء، وَاللُّغَةُ الثَّانِيَةُ عاثَ يَعِيثُ، وَتَفْسِيرُهُ فِي بَابِهِ. ابْنُ بُزُرْجَ: وَهُمْ يَعْثَوْنَ مثْل يَسْعَوْن، وعَثَا يَعْثُو عُثُوّاً. قَالَ الأَزهري: وَاللُّغَةُ الْجَيِّدَةُ عَثِيَ يَعْثَى لأَن فَعَل يَفْعَل لا يَكُونُ إلَّا فِيمَا ثَانِيهِ أَوْ ثالثُه أحدُ حُرُوفِ الْحَلْقِ؛ أَنشد أَبو عَمْرٍو:

وحاصَ مِنِّي فَرَقاً وطَحْرَبا،

فأَدْرَكَ الأَعْثَى الدَّثُورَ الخُنْتُبا،

فَشَدّ شَدّاً ذَا نَجاءٍ مُلْهبا

ابْنُ سِيدَهْ: الأَعْثَى الأَحْمَقُ الثَّقِيلُ، لامُه ياءٌ لِقَوْلِهِمْ فِي جَمْعِه عُثْيٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ: فوَلَدتْ أَعْثَى ضَروطاً عُنْبُجا والعَثَوْثَى: الْجَافِي الغليظ.

عجا: الأُمُّ تَعْجُو ولَدَها: تُؤخِّرُ رَضاعَه عَنْ مَواقِيته ويورثُ ذَلِكَ وَلَدَهَا وَهْناً؛ قَالَ الأَعشى:

مُشْفِقاً قَلْبُها عَلَيْه، فما تَعْجُوه

إلَّا عُفافةٌ أَو فُواقُ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَجَتِ الأُمُّ وَلَدها تَعْجُوه عَجْواً إِذَا سَقَتْه اللَّبن، وَقِيلَ: عَجَتِ الْمَرْأَةُ ابْنَها عَجْواً أَخَّرَتْ رَضاعَه عَنْ وَقْتِهِ، وَقِيلَ: داوَتْه بالغِذاء حَتَّى نَهَض. والعُجْوَة والمُعاجاةُ: أَن لَا يَكُونَ للأُمِّ لبنٌ يُرْوِي صَبِيَّها فتُعاجِيه بشيءٍ تعلِّلُه بِهِ سَاعَةً، وَكَذَلِكَ إِنْ ولِيَ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرَ أُمِّه، والاسمُ مِنْهُ العُجْوة، وَالْفِعْلُ العَجْوُ، وَاسْمُ ذَلِكَ الوَلد العَجِيُّ، والأُنثى عجيَّةٌ، وَقَدْ عَجتْه. وَعَجَاهُ اللَبنُ: غَذاه؛ وأَنشد بَيْتَ الأَعشى.

وتَعادَى عَنْهُ النهارُ، فَمَا تَعْجُوه

إلَّا عُفافةٌ أَو فُواقُ

وأَما مَنْ مُنِع اللبنَ فغُذِي بالطَّعام فَيُقَالُ: عُوجِيَ. والعَجيُّ: الفَصِيلُ تموتُ أُمُّه فيُرْضِعُه صَاحِبُهُ بلبَنِ غَيْرِهَا وَيَقُومُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ البَهْمة؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ الَّذِي يُغَذَّى بِغَيْرِ لَبَنٍ، والأُنثى عَجِيَّة، وَقِيلَ: الذَّكَرُ والأُنثى جَمِيعًا بِغَيْرِ هاءٍ، وَالْجَمْعُ مِنْ كلِّ ذَلِكَ عُجايا وعَجايا، والأَخيرة أَقيس؛ قَالَ الشَّاعِرِ:

عَداني أَنْ أَزُورَك أَنَّ بَهْمي

عَجَايا، كلُّها، إِلَّا قَلِيلَا

وَيُقَالُ للَّبَنِ الَّذِي يُعَاجَى بِهِ الصَّبيُّ اليَتيم أَي يُغَذَّى بِهِ: عُجاوَةٌ، وَيُقَالُ لِذَلِكَ الْيَتِيمِ الَّذِي يُغَذَّى بِغَيْرِ لَبَنِ أُمِّه: عَجِيٌّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

كنتُ يَتِيماً وَلَمْ أَكُنْ عَجِيّاً

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الَّذِي لَا لَبنَ لأُمِّه، أَو ماتَتْ أُمُّه فعُلِّلَ بلَبن غَيْرِهَا أَو بشيءٍ آخَرَ فأَورثه ذَلِكَ وَهْناً. وعاجيْتُ الصّبيَّ إِذَا أَرْضَعْتَه بلَبن غَير أُمّه أَو مَنَعْته اللَّبنَ وغَذَّيْته

ص: 29

بِالطَّعَامِ. وعَجا الصَّبيَّ يَعْجُوه إِذَا عَلَّله بِشَيْءٍ فَهُوَ عَجِيٌّ، وعَجِيَ هُوَ يَعْجَى عَجاً، وَيُقَالُ لِلَّبَنِ الَّذِي يُعاجَى بِهِ الصَّبيُّ: عُجَاوَةٌ؛ وأَنشد اللَّيْثُ لِلنَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ:

إِذا شِئْتَ أَبْصَرْتَ، مِنْ عَقْبِهِمْ

يَتَامى يُعاجَوْنَ كالأَذْؤُب

وَقَالَ آخَرُ فِي صِفَةِ أَولاد الْجَرَادِ:

إِذَا ارْتَحَلَتْ مِنْ مَنزِلٍ خَلَّفَتْ بِه

عَجَايا، يُحاثي بالتُّرابِ صغيرُها

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ العَجِيّ فِي الْبَهَائِمِ مِثْلُ اليَتيم فِي النَّاسِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: العَجِيُّ مِنَ النَّاسِ الَّذِي يَفْقِدُ أُمَّه. وعَجَوْته عَجْواً: أَمَلْته؛ قَالَ الْحَرِثُ بْنُ حِلِّزَة:

مُكْفَهِرًّا عَلَى الْحَوَادِثِ، لَا تَعْجُوهُ

للِدَّهْرِ مُؤْيِدٌ صَمَّاءُ

وَيُرْوَى: لَا تَرْتُوه. وعَجا البَعيرُ: رَغا. وعَجا فَاهُ: فَتَحه. قَالَ الأَزهري: وعَجا شِدْقَه إِذَا لَوَاهُ. قَالَ خلَفٌ الأَحْمر: سأَلتُ أَعرابيّاً عَنْ قولهِم عَجَا شِدْقَه فَقَالَ إِذَا فَتَحه وأَمالَه؛ قَالَ الأَزهري: قَالَ الطِّرمَّاح يَصِفُ صَائِدًا لَهُ أَولادٌ لَا أُمَّهات لَهمُ فَهُمْ يعاجَون تَرْبِيةً سَيِّئة:

إِنْ يُصِبْ صَيداً يكُنْ جُلُّهُ

لعَجايا، قُوتُهمْ باللِّحامْ

وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ لَقِيَ فلانٌ مَا عَجَاه وَمَا عَظاه وَمَا أَوْرَمَه إِذَا لَقِيَ شِدّةً وبَلاءً. ولَقَّاه اللَّهُ مَا عَجَاه وَمَا عَظاه أَي مَا ساءهُ. وَفِي حَدِيثِ

الْحَجَّاجِ: أَنه قَالَ لِبَعْضِ الأَعراب أَراكَ بَصيراً بِالزَّرْعِ، فَقَالَ: إِنِّي طالَما عَاجَيْتُهُ

أَي عانَيْتُه وعالَجْتُه. والعَجِيُّ: السّيّءُ الغِذاء؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ:

يَسْبِقُ فِيهَا الحَمَل العَجِيّا

رَغْلًا، إِذَا مَا آنسَ العَشِيَّا

والعُجَاوَة: قَدْرُ مُضْغةٍ مِنْ لحْمٍ تكونُ مَوْصُولَةً بِعَصبة تَنْحَدِرُ مِنْ رُكْبةِ البعيرِ إِلَى الفرْسِنِ، وَهِيَ مِنَ الفَرَسِ مَضِيغَةٌ، وَهِيَ العُجَاية أَيضًا، وَقِيلَ: هيَ عَصَبة فِي باطِنِ يدِ الناقةِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: عُجَاوَةُ الساقِ عَصَبة تَتقَلَّع معَها فِي طَرَفِها مثلُ العُظَيْمِ، وَجَمْعُهَا عُجًى كَسَّروه عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ فَكَأَنَّهُمْ جَمَعوا عُجْوَةً أَو عُجَاةً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ وَاوِيَّةٌ وَيَائِيَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: العُجَايَة مِنَ الفَرَسِ العَصَبةُ المُسْتَطيلة فِي الوَظيفِ ومُنْتَهاها إِلَى الرُّسْغَين وَفِيهَا يَكُونُ الحَطْمُ، قَالَ: والرُّسْغُ مُنتهى العُجايةِ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مُعْتَلِّ الْيَاءِ: العُجَايَة عصبٌ مركَّبٌ فِيهِ فصوصٌ مِنْ عِظامٍ كأَمثالِ فُصُوصِ الخاتَمِ تَكُونُ عِنْدَ رُسْغِ الدابةِ؛ زَادَ غَيْرُهُ: وَإِذَا جاعَ أَحدُهم دَقَّها بَيْنَ فِهْرَيْنِ فأَكلها؛ وَقَالَ كَعْبٌ:

سُمْرُ العُجَايَاتِ يَتْرُكْنَ الحَصَى زِيَمًا،

لم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكْمِ تَنْعِيلُ

قَالَ: وتُجْمَعُ عَلَى العُجَى، يَصِفُ حَوافِرَها بِالصَّلَابَةِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثيرِ: هِيَ أَعصابُ قوائِمِ الإِبلِ والخَيْلِ واحدتُها عُجايةٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقِيلَ الْعُجَايَةُ كُلُّ عَصَبةٍ فِي يدٍ أَو رِجْلٍ، وَقِيلَ: هِيَ عَصبَة باطِنِ الوَظيفِ مِنَ الفرسِ والثَّوْرِ، والجمْعُ عُجًى وعُجِيٌّ، عَلَى حَذْفِ الزائِدِ فِيهِمَا، وعُجَايا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العُجَايَتَانِ عَصَبتان فِي باطِنِ يَدَي الفرَسِ، وأَسْفَلَ مِنْهُمَا هَناتٌ كأَنها الأَظفارُ تُسَمَّى السَّعْداناتِ، وَيُقَالُ: كلُّ عَصَبٍ يَتَّصلُ بالحافِرِ فَهُوَ عُجايةٌ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

ص: 30

وحافِرٌ صُلْبُ العُجَى مُدَمْلَقُ،

وساقُ هَيْقُواتِها مُعَرَّقُ «3»

معرَّق: قَلِيلُ اللَّحْمِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشده فِي فصلِ دَمْلَقَ:

وساقُ هَيْقٍ أَنفُها مُعرَّقُ

والعَجْوَة: ضَرْبٌ مِنَ التَّمرِ يقالُ هُوَ مِمَّا غَرَسهُ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، بِيَدِهِ، وَيُقَالُ: هُوَ نَوعٌ مِنْ تَمرِ المَدينةِ أَكبر منَ الصَّيْحانيِّ يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ مِنْ غَرْسِ النبيِ، صلى الله عليه وسلم. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العَجْوَةُ ضَرْبٌ مِنْ أَجْوَدِ التَّمْرِ بِالْمَدِينَةِ ونَخْلتُها تُسَمَّى لِينَةً؛ قال الأَزهري: العَجْوَةُ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ هِيَ الصَّيْحَانيَّةُ، وَبِهَا ضُرُوبٌ مِنَ العَجْوة لَيْسَ لَهَا عُذُوبة الصَّيْحانيَّةِ وَلَا رِيُّها وَلَا امتِلاؤها. وَفِي الْحَدِيثِ:

العَجْوَةُ مِنَ الجنةِ.

وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ: العَجْوةُ بالحجازِ أُمُّ التَّمْرِ الَّذِي إِلَيْهِ المَرْجِعُ كالشِّهْرِيز بالبَصْرةِ، والتَّبّيّ بِالْبَحْرَيْنِ، والجُذاميِّ بِالْيَمَامَةِ. وَقَالَ مرَّة أُخرى: العَجْوَة ضربٌ مِنَ التَّمْرِ. وَقِيلَ لأُحَيْحةَ بْنِ الجُلاحِ: مَا أَعْدَدْتَ لِلشِّتَاءِ؟ قَالَ: ثلثَمائةٍ وسِتِّينَ صَاعًا مِنْ عَجْوة تُعْطِي الصبيَّ مِنْهَا خَمْسًا فيردُّ عليكَ ثَلَاثًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ العُجى الجُلود اليابسةُ تُطْبَخُ وتُؤكلُ، الواحدةُ عُجْية؛ وَقَالَ أَبو المُهَوِّش:

ومُعَصِّبٍ قَطَعَ الشِّتاءَ، وقُوتُه

أَكلُ العُجَى وتَكَسُّبُ الأَشْكادِ

فبَدَأْتُه بالمَحْضِ، ثُمَّ ثَنَيْتُه

بالشَّحْمِ، قَبْلَ مُحَمَّدٍ وزِيادِ

وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ وَلَّاد: العُجَى فِي الْبَيْتِ جَمْعُ عُجْوَةٍ، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وقال: وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ إِنما ذَلِكَ عُكوَةٌ وعُكًى؛ قَالَ:

حَتَّى تُوَلِّيك عُكَى أَذْنابِها

وسيأْتي ذِكْرُهُ. والعُجَى أَيضاً: عَصَبَة الوَظِيف، والأَشْكادُ: جَمْعُ شُكْدٍ، وهو العَطاءُ.

عدا: العَدْو: الحُضْر. عَدَا الرَّجُلُ والفرسُ وَغَيْرُهُ يَعْدُو عَدْواً وعُدُوّاً وعَدَوانًا وتَعْداءً وعَدَّى: أَحْضَر؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

مِنْ طُولِ تَعْداءِ الرَّبيعِ فِي الأَنَقْ

وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أَتيْته عَدْواً، وُضع فِيهِ المصدرُ عَلَى غَيْر الفِعْل، وَلَيْسَ فِي كلِّ شيءٍ قِيلَ ذَلِكَ إِنَّمَا يُحكى مِنْهُ مَا سُمع. وَقَالُوا: هُوَ مِنِّي عَدْوةُ الفَرَس، رفعٌ، تُرِيدُ أَن تَجْعَلَ ذَلِكَ مسافَة مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَقَدْ أَعْدَاه إِذَا حَمَله عَلَى الحُضْر. وأَعْدَيْتُ فَرَسِي: اسْتَحضَرته. وأَعْدَيْتَ فِي مَنْطِقِكَ أَي جُرت. وَيُقَالُ للخَيْل المُغِيرة: عادِيَة؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً

؛

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الخَيْل

؛

وَقَالَ عَلِيٍّ، رضي الله عنه: الإِبل هَاهُنَا.

والعَدَوانُ والعَدَّاء، كِلَاهُمَا: الشَّديدُ العَدْوِ؛ قَالَ:

وَلَوْ أَنَّ حَيًّا فائتُ المَوتِ فاتَه

أَخُو الحَرْبِ فَوقَ القارِحِ العَدَوانِ

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدًا عَلَيْهِ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

وصَخْر بْنُ عَمْرِو بنِ الشَّرِيد، فإِنَّه

أَخُو الحَرْبِ فَوقَ السَّابحِ العَدَوانِ

وَقَالَ الأَعشى:

والقارِحَ العَدَّا، وَكُلَّ طِمِرَّةٍ

لَا تَسْتَطِيعُ يَدُ الطَّويلِ قَذالَها

أَراد العَدَّاءِ، فقَصَر لِلضَّرُورَةِ، وأَراد نيلَ قَذالها

(3). قوله [وساق هيقواتها إلخ] قال في التكملة: هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ، والصواب هيق أنفها إلخ. وقد أنشده في حرف القاف على الصواب والرجز للزفيان.

ص: 31

فحَذَف لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَرسٌ عَدَوانٌ إِذَا كَانَ كَثِيرَ العَدْو، وذئْبٌ عَدَوانٌ إِذَا كَانَ يَعْدُو عَلَى النَّاسِ والشَّاءِ؛ وأَنشد:

تَذْكُرُ، إذْ أَنْتَ شَديدُ القَفْزِ،

نَهْدُ القُصَيْرى عَدَوانُ الجَمْزِ،

وأَنْتَ تَعْدُو بِخَرُوف مُبْزِي

والعِداء والعَداءَ: الطَّلَق الْوَاحِدُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: الطَّلَق الْوَاحِدُ لِلْفَرَسِ؛ وأَنشد:

يَصرَعُ الخَمْسَ عَداءً فِي طَلَقْ

وَقَالَ: فَمَنْ فَتَحَ العينَ قَالَ جازَ هَذَا إِلَى ذَاكَ، وَمَنْ كَسَر العِدَاء فَمَعْنَاهُ أَنه يُعادِي الصيدَ، مِنَ العَدْو وَهُوَ الحُضْر، حَتَّى يَلْحقَه. وتَعَادَى القومُ: تَبارَوْا فِي العَدْو. والعَدِيُّ: جماعةُ القومِ يَعْدون لِقِتال وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: العَدِيّ أَول مَنْ يَحْمل مِنَ الرَّجَّالة، وَذَلِكَ لأَنهم يُسْرِعُونَ العَدْوَ، والعَدِيُّ أَولُ مَا يَدْفَع مِنَ الغارةِ وَهُوَ مِنْهُ؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ الخُناعِي الهُذلي:

لمَّا رأَيتُ عَدِيَّ القَوْمِ يَسْلُبُهم

طَلْحُ الشَّواجِنِ والطَّرْفاءُ والسَّلَمُ

يَسْلُبهم: يَعْنِي يَتَعَلَّقُ بِثِيَابِهِمْ فيُزِيلُها عَنْهُمْ، وَهَذَا الْبَيْتُ اسْتُشْهِدَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى العَدِيِّ الَّذِينَ يَعْدون عَلَى أَقْدامِهم، قَالَ: وَهُوَ جَمْعُ عادٍ مِثْلُ غازٍ وغَزِيٍّ؛ وَبَعْدُهُ:

كَفَتُّ ثَوْبيَ لَا أُلْوي إِلَى أَحدٍ،

إِني شَنِئتُ الفَتَى كالبَكْر يُخْتَطَم

والشَّواجِنُ: أَوْدية كثيرةُ الشَّجَر الْوَاحِدَةُ شاجِنة، يَقُولُ: لمَّا هَرَبوا تَعَلَّقت ثيابُهم بالشَّجَر فَتَرَكُوها. وَفِي حَدِيثِ

لُقْمان: أَنا لُقْمانُ بنُ عادٍ لِعاديَةٍ لِعادٍ

؛ العاديَة: الخَيْل تَعْدو، وَالْعَادِي الواحدُ أَي أَنا لِلْجَمْعِ وَالْوَاحِدِ، وَقَدْ تَكُونُ العاديةُ الرِّجَالَ يَعْدونَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ خَيْبَرَ:

فَخَرَجَتْ عادِيَتُهم

أَي الَّذِينَ يَعْدُون عَلَى أَرجُلِهِم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعَادِيَةُ كالعَدِيِّ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الخَيْلِ خاصَّة، وَقِيلَ: العَادِيَةُ أَوَّلُ مَا يحمِل مِنَ الرجَّالةِ دُونَ الفُرْسان؛ قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

وعَادِيَة تُلْقِي الثِّيابَ كأَنما

تُزَعْزِعُها، تحتَ السَّمامةِ، رِيحُ

وَيُقَالُ: رأَيْتُ عَدِيَّ الْقَوْمِ مُقْبِلًا أَي مَن حَمَل مِنَ الرَّجَّالة دُونَ الفُرْسان. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: العَدِيُّ جَمَاعَةُ القَوْم، بلُغةِ هُذَيل. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ

، وَقُرِئَ:

عُدُوّاً

مِثْلُ جُلُوس؛ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نُهُوا قَبْلَ أَن أَذِن لَهُمْ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ أَن يَلْعَنُوا الأَصْنامَ الَّتِي عَبَدوها، وَقَوْلُهُ: فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ

؛ أَي فَيَسُبُّوا اللَّهَ عُدْوَاناً وظُلْماً، وعَدْواً مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ وَعَلَى إِرَادَةِ اللَّامِ، لأَن الْمَعْنَى فيَعْدُون عَدْواً أَي يظْلِمون ظُلْمًا، وَيَكُونُ مَفْعولًا لَهُ أَي فيسُبُّوا اللَّهَ لِلظُّلْمِ، وَمَنْ قرأَ فيَسُبُّوا اللَّهَ عُدُوّاً فَهُوَ بِمَعْنَى عَدْواً أَيضاً. يُقَالُ فِي الظُّلْم: قَدْ عَدَا فُلَانٌ عَدْواً وعُدُوّاً وعُدْوَاناً وعَدَاءً أَي ظَلَمَ ظُلْمًا جَاوَزَ فِيهِ القَدْر، وَقُرِئَ:

فيَسُبُّوا اللَّهَ عَدُوّاً

، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ هَاهُنَا فِي مَعْنَى جَمَاعَةٍ، كأَنه قَالَ فيسُبُّوا اللَّهَ أَعداء، وعَدُوّاً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ فِي هَذَا الْقَوْلِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ

؛ عَدُوّاً فِي مَعْنَى أَعداءً، الْمَعْنَى كَمَا جَعَلْنَا لَكَ ولأُمتك شياطينَ الإِنس وَالْجِنِّ أَعداء، كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِمَنْ تَقَدَّمك مِنَ الأَنبياء وأُممهم، وعَدُوّاً هَاهُنَا مَنْصُوبٌ لأَنه مَفْعُولٌ بِهِ، وشياطينَ

ص: 32

الإِنس مَنْصُوبٌ عَلَى الْبَدَلِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ عَدُوّاً مَنْصُوبًا عَلَى أَنه مَفْعُولٌ ثَانٍ وَشَيَاطِينَ الإِنس الْمَفْعُولُ الأَول. والعَادِي: الظَّالِمُ، يُقَالُ: لَا أَشْمَتَ اللهُ بِكَ عادِيَكَ أَي عَدُوَّك الظَّالِمَ لَكَ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: قولُ العَرَب فلانٌ عَدُوُّ فلانٍ مَعْنَاهُ فُلَانٌ يَعْدُو عَلَى فُلَانٍ بالمَكْروه ويَظْلِمُه. وَيُقَالُ: فُلَانٌ عَدُوُّك وَهُمْ عَدُوُّك وَهُمَا عَدُوُّك وفلانةُ عَدُوَّةُ فُلَانٍ وعَدُوُّ فُلَانٍ، فَمَنْ قَالَ فُلَانَةُ عدُوَّة فلانٍ قَالَ: هُوَ خبَر المُؤَنَّث، فعلامةُ التأْنيثِ لازمةٌ لَهُ، وَمَنْ قَالَ فُلَانَةُ عدوُّ فُلَانٍ قَالَ ذكَّرت عَدُوًّا لأَنه بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمُ امرأَةٌ ظَلُومٌ وغَضوبٌ وصَبور؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا إِذا جَعَلْت ذَلِكَ كُلَّه فِي مذهبِ الِاسْمِ والمَصْدرِ، فإِذا جَعَلْتَه نَعْتًا مَحْضاً قُلْتَ هُوَ عَدُوُّكَ وَهِيَ عدُوَّتُك وَهُمْ أَعداؤك وهُنَّ عَدُوَّاتُك. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ

؛ أَي فَلَا سَبيل، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَلا عُدْوانَ عَلَيَ

؛ أَي فَلَا سَبِيلَ عليَّ. وَقَوْلُهُمْ: عَدَا عَلَيْهِ فَضَربه بِسَيْفِهِ، لَا يُرادُ بِهِ عَدْوٌ عَلَى الرِّجْلين وَلَكِنْ مِنَ الظُّلْم. وعَدَا عَدْواً: ظَلَمَ وَجَارَ. وَفِي حَدِيثِ

قتادَةَ بنِ النُّعْمان: أَنه عُدِيَ عَلَيْهِ

أَي سُرِقَ مالُه وظُلِمَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَا ذِئبْان عَادِيانِ أَصابا فَرِيقَةَ غَنَمٍ

؛ العَادِي: الظَّالِمُ، وأَصله مِنْ تجاوُزِ الحَدِّ فِي الشَّيْءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَا يَقْتُلُه المُحْرِمُ كَذَا وَكَذَا والسَّبُعُ العادِي

أَي الظَّالِمُ الَّذِي يَفْتَرِسُ الناسَ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رضي الله عنه: لَا قَطْعَ عَلَى عادِي ظَهْرٍ.

وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أُتيَ برَجُل قَدِ اخْتَلَس طَوْقاً فَلَمْ يَرَ قَطْعَه وَقَالَ: تِلك عادِيَةُ الظَّهْرِ

؛ العَادِية: مِنْ عَدَا يَعْدُو عَلَى الشَّيْءِ إِذا اخْتَلَسه، والظَّهْرُ: مَا ظَهَرَ مِنَ الأَشْياء، وَلَمْ يرَ فِي الطَّوْق قَطعاً لأَنه ظاهِرٌ عَلَى المَرْأَة والصَّبيّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ*

؛ قَالَ يَعْقُوبُ: هُوَ فاعِلٌ مِنْ عَدَا يَعْدُو إِذَا ظَلَم وجارَ. قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ أَي غيرَ باغٍ وَلَا عائِدٍ فَقَلَبَ، والاعْتداءُ والتَّعَدِّي والعُدْوان: الظُّلْم. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ

؛ يَقُولُ: لَا تَعاوَنوا عَلَى المَعْصية والظُّلْم. وعَدَا عَلَيْهِ عَدْواً وعَدَاءً وعُدُوّاً وعُدْواناً وعِدْواناً وعُدْوَى وتَعَدَّى واعْتَدَى، كُلُّه: ظَلَمه. وعَدَا بنُو فُلَانٍ عَلَى بَنِي فُلَانٍ أَي ظَلَمُوهم. وَفِي الْحَدِيثِ:

كَتَبَ ليَهُود تَيْماءَ أَن لَهُم الذمَّةَ وَعَلَيْهِمِ الجِزْيَةَ بِلَا عَداء

؛ العَداءُ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: الظُّلْم وتَجاوُز الْحَدِّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا

؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تقاتِلُوا غَيْرَ مَن أُمِرْتُم بقِتالِه وَلَا تَقتلوا غَيْرَهُمْ، وَقِيلَ: وَلَا تَعْتَدوا أَي لَا تُجاوزوا إِلى قَتْل النِّساءِ والأَطفال. وعَدَا الأَمرَ يَعْدُوه وتَعَدَّاه، كِلَاهُمَا: تَجاوَزَة. وعَدَا طَوْرَه وقَدْرَهُ: جاوَزَهُ عَلَى المَثَل. وَيُقَالُ: مَا يَعْدُو فلانٌ أَمْرَك أَي مَا يُجاوِزه. والتَّعَدِّي: مُجاوَزَةُ الشَّيْءِ إِلى غَيْرِه، يُقَالُ: عَدَّيْتُه فتَعَدَّى أَي تَجاوزَ. وقوله: فَلا تَعْتَدُوها

أَي لَا تَجاوَزُوها إِلى غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ قوله: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ

؛ أَي يُجاوِزْها. وَقَوْلُهُ عز وجل: فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ*

؛ أَي المُجاوِزُون مَا حُدَّ لَهُمْ وأُمِرُوا بِهِ، وَقَوْلُهُ عز وجل: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ*

؛ أَي غَيْرَ مُجاوِزٍ لِمَا يُبَلِّغه ويُغْنِيه مِنَ الضَّرُورَةِ، وأَصل هَذَا كُلِّهِ مُجاوَزة الْحَدِّ والقَدْر والحَقّ. يُقَالُ: تَعَدَّيْت الحَقَّ واعْتَدَيْته وعَدَوْته أَي جاوَزْته. وَقَدْ قَالَتِ الْعَرَبُ: اعْتَدَى فلانٌ عَنِ الْحَقِّ واعْتَدَى فوقَ الحقِّ، كأَن مَعْنَاهُ

ص: 33

جَازَ عَنِ الْحَقِّ إِلى الظُّلْمِ. وعَدَّى عَنِ الأَمر: جَازَهُ إِلى غَيْرِه وتَرَكه. وَفِي الْحَدِيثِ:

المُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كمانِعِها

، وَفِي رِوَايَةٍ:

فِي الزَّكاة

؛ هُو أَن يُعْطِيَها غَيْرَ مُسْتَحِقِّها، وَقِيلَ: أَرادَ أَنَّ الساعِيَ إِذا أَخذَ خِيارَ الْمَالِ رُبَّما منعَه فِي السَّنة الأُخرى فَيَكُونُ السَّاعِي سبَبَ ذَلِكَ فَهُمَا فِي الإِثم سَوَاءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

سَيكُون قومٌ يَعْتَدُون فِي الدُّعاءِ

؛ هُوَ الخُروج فِيهِ عنِ الوَضْعِ الشَّرْعِيِّ والسُّنَّة المأْثورة. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ

؛ سَمَّاه اعْتِداء لأَنه مُجازاةُ اعْتِداءٍ فسُمِّي بمثْل اسْمِهِ، لأَن صُورَةَ الفِعْلين واحدةٌ، وإِن كَانَ أَحدُهما طَاعَةً وَالْآخَرُ مَعْصِيَةً؛ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ظَلَمني فُلَانٌ فظلَمته أَي جازَيْتُه بظُلْمِه لَا وَجْه للظُّلْمِ أَكثرُ مِنْ هَذَا، والأَوَّلُ ظُلْم وَالثَّانِي جزاءٌ لَيْسَ بِظُلْمٍ، وَإِنْ وَافَقَ اللفظُ اللفظَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها؛ السَّيِّئَةُ الأُولى سَيِّئَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مُجازاة وَإِنْ سُمِّيَتْ سَيِّئَةً، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ. يُقَالُ: أَثِمَ الرجلُ يَأْثَمُ إِثْماً وأَثَمه اللهُ عَلَى إِثمه أَي جَازَاهُ عَلَيْهِ يَأْثِمُه أَثاماً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً؛ أَي جَزَاءً لإِثْمِه. وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ

؛ المُعْتَدون: المُجاوِزون مَا أُمرُوا بِهِ. والعَدْوَى: الْفَسَادُ، والفعلُ كَالْفِعْلِ. وعَدا عَلَيْهِ اللِّصُّ عَداءً وعُدْوَاناً وعَدَواناً: سَرَقَه؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ. وذئبٌ عَدَوانٌ: عادٍ. وذِئْبٌ عَدَوانٌ: يَعْدُو عَلَى الناسِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:

السلطانُ ذُو عَدَوانٍ وَذُو بَدَوانٍ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي سريعُ الانصِرافِ والمَلالِ، مِنْ قَوْلِكَ: مَا عَداك أَي مَا صَرَفَك. ورجلٌ مَعْدُوٌّ عَلَيْهِ ومَعْدِيٌّ عَلَيْهِ، عَلَى قَلْب الواوِ يَاءً طَلَب الخِّفَّةِ؛ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ؛ وأَنشد لِعَبْدِ يَغُوث بْنِ وَقَّاص الحارثِي:

وَقَدْ عَلِمَتْ عِرْسِي مُلَيْكَة أَنَّني

أَنا اللَّيْثُ، مَعْدِيّاً عَلَيْهِ وعادِيا

أُبْدِلَت الياءُ مِنَ الْوَاوِ اسْتِثْقالًا. وَعَدَا عَلَيْهِ: وَثَب؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لأَبي عارِمٍ الْكِلَابِيِّ:

لَقَدْ عَلمَ الذئْب الَّذِي كَانَ عادِياً،

عَلَى النَّاسِ، أَني مائِرُ السِّهم نازِعُ

وَقَدْ يَكُونُ العَادِي هُنَا مِنَ الْفَسَادِ والظُّلم. وعَدَاهُ عَنِ الأَمْرِ عَدْواً وعُدْواناً وعَدّاه، كِلَاهُمَا: صَرَفَه وشَغَله. والعَدَاءُ والعُدَواءُ والعَادِيَة، كلُّه: الشُّغْلُ يَعْدُوك عَنِ الشَّيْءِ. قَالَ مُحارب: العُدَواءُ عادةُ الشُّغْل، وعُدَوَاءُ الشُّغْلِ موانِعُه. وَيُقَالُ: جِئْتَني وأَنا فِي عُدَوَاءَ عنكَ أَي فِي شُغْلٍ؛ قَالَ اللَّيْثُ: العَادِيَةُ شُغْلٌ مِنْ أَشْغال الدَّهْرِ يَعْدُوك عَنْ أُمورك أَي يَشْغَلُك، وَجَمْعُهَا عَوَادٍ، وَقَدْ عَدَانِي عَنْكَ أَمرٌ فَهُوَ يَعْدُوني أَي صَرَفَني؛ وَقَوْلُ زُهَيْرٍ:

وعَادَكَ أَن تُلاقِيها العَدَاء

قَالُوا: مَعْنَى عادَكَ عَداكَ فقَلبَه، وَيُقَالُ: مَعْنَى قَوْلِهِ عادَكَ عادَ لَكَ وعاوَدَك؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابِي:

عَدَاكَ عَنْ رَيَّا وأُمِّ وهْبِ،

عَادِي العَوَادِي واختلافُ الشَّعْبِ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: عَادِي العَوَادِي أَشدُّها أَي أَشدُّ الأَشغالِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ زيدٌ رجُلُ الرجالِ أَي أَشدُّ الرجالِ. والعُدَوَاءُ: إِناخةٌ قَلِيلَةٌ. وتَعَادَى المكانُ: تَفاوَتَ وَلَمْ يَسْتوِ. وجَلَس عَلَى عُدَوَاءَ أَي عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ.

ص: 34

ومَرْكَبٌ ذُو عُدَوَاءَ أَي لَيْسَ بمُطْمَئِنٍّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُصَنَّفِ جئتُ عَلَى مركبٍ ذِي عُدَواءٍ مَصْرُوفٌ، وَهُوَ خطأٌ مِنْ أَبي عُبَيد إِن كَانَ قَائِلَهُ، لأَنَّ فُعَلاء بناءٌ لَا يَنْصَرِفُ فِي مَعْرِفَةٍ وَلَا نَكِرَةٍ. والتَّعَادِي: أَمكنةٌ غَيْرُ مستويةٍ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ الزُّبَيْرِ وَبِنَاءِ الْكَعْبَةِ: وَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَراثِيمُ وتَعَادٍ

أَي أَمكنة مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ مُستوية؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:

مِنْهَا عَلَى عُدَواء الدَّارِ تَسقِيمُ «4»

قَالَ الأَصمعي: عُدَواؤه صَرْفُه وَاخْتِلَافُهُ، وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: عُدَوَاء عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ، وَإِذَا نَامَ الإِنسانُ عَلَى مَوْضِعٍ غَيْرِ مُسْتو فيهِ ارْتفاعٌ وانْخفاضٌ قَالَ: نِمْتُ عَلَى عُدَواءَ. وَقَالَ النَّضْرُ: العُدَوَاءُ مِنَ الأَرض الْمَكَانُ المُشْرِف يَبْرُكُ عَلَيْهِ البعيرُ فيَضْطَجعُ عَلَيْهِ، وَإِلَى جَنْبِهِ مكانٌ مطمئنٌ فَيَمِيلُ فِيهِ الْبَعِيرُ فيتَوهَّنُ، فالمُشْرِف العُدَواءُ، وتَوَهُّنه أَن يَمُدَّ جسمَه إِلَى الْمَكَانِ الوَطِيء فَتَبْقَى قَوَائِمُهُ عَلَى المُشْرِف وَلَا يَسْتَطيع أَن يقومَ حَتَّى يَمُوتَ، فتَوَهُّنه اضطجاعُه. أَبو عَمْرٍو: العُدَوَاءُ الْمَكَانُ الَّذِي بَعْضُهُ مُرْتَفِعٌ وَبَعْضُهُ مُتطأْطِئٌ، وَهُوَ المُتَعَادِي. ومكانٌ مُتَعَادٍ: بعضُه مُرْتَفِعٌ وبعضُه مُتطامِن لَيْسَ بمُسْتوٍ. وأَرضٌ مُتَعَادِيَةٌ: ذاتُ جِحَرة ولَخاقِيق. والعُدَوَاءُ، عَلَى وَزْن الغُلَواءِ: الْمَكَانُ الَّذِي لَا يَطْمَئِنُّ مَن قَعَد عَلَيْهِ. وَقَدْ عادَيْتُ القِدْر: وَذَلِكَ إِذَا طامَنْتَ إِحْدَى الأَثافيِّ ورَفَعْت الأُخْرَيَيْن لِتَمِيلَ القِدْر عَلَى النَّارِ. وتَعَادَى مَا بَيْنَهُمْ: تَباعَدَ؛ قَالَ الأَعشى يَصِفُ ظَبْيَة وغَزالها:

وتَعَادَى عَنْهُ النهارَ، فمَا تَعْجُوه

إِلَّا عُفافةٌ أَو فُواقُ

يَقُولُ: تباعَدُ عَنْ وَلَدها فِي المَرعى لِئَلَّا يَسْتَدِلَّ الذِّئبُ بِهَا عَلَى ولدِها. والعُدَوَاءُ: بُعْدُ الدَّارِ. والعَدَاءُ: البُعْد، وَكَذَلِكَ العُدَواءُ. وقومٌ عِدًى: متَباعدون، وَقِيلَ: غُرباءُ، مقصورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، والمَعْنيان مُتقارِبانِ، وهُم الأَعْدَاءُ أَيضا لأَن الغَريبَ بَعِيدٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا كنتَ فِي قَوْمٍ عِدًى لستَ مِنْهُمُ،

فكُلْ مَا عُلِفْتَ مِنْ خَبِيثٍ وطَيِّب

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا البيتُ يُروى لِزُرارة بنِ سُبَيعٍ الأَسَدي، وَقِيلَ: هُوَ لنَضْلة بنِ خالدٍ الأَسَدِي، وَقَالَ ابْنُ السِّيرَافِيِّ: هُوَ لدُودانَ بنِ سَعْدٍ الأَسَدِي، قَالَ: وَلَمْ يأَتِ فِعَلٌ صفَةً إِلَّا قَوْمٌ عِدًى، ومكانٌ سِوًى، وماءٌ رِوًى، وماءٌ صِرًى، ومَلامةٌ ثِنًى، ووادٍ طِوًى، وَقَدْ جَاءَ الضمُّ فِي سُوًى وثُنًى وطُوًى، قَالَ: وَجَاءَ عَلَى فِعَل مِنْ غَيْرِ المعتلِّ لحمٌ زِيَمٌ وسَبْيٌ طِيَبَة؛ قَالَ عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ: قومٌ عِدًى أَي غُربَاءُ، بِالْكَسْرِ، لَا غيرُ، فَأَمَّا فِي الأَعداءِ فَيُقَالُ عِدًى وعُدًى وعُداةٌ. وَفِي حَدِيثِ

حَبِيبِ بْنِ مسلَمة لَمَّا عَزَله عُمر، رضي الله عنه، عَنْ حِمْصَ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ يَنزِعُ قَوْمَه ويَبْعثُ القَوْمَ العِدَى «5»

؛ العِدَى، بِالْكَسْرِ: الغُرَباءَ، أَرَادَ أَنَّهُ يَعْزِلُ قَوْمه مِنَ الْوِلَايَاتِ ويوَلّي الغُربَاء والأَجانِبَ؛ قَالَ: وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ العِدَى بِمَعْنَى الأَعْداءِ؛ قَالَ بِشْرُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ

(4). قوله [منها على عدواء إلخ] هو عجز بيت صدره كما في مادة سقم:

هَامَ الْفُؤَادُ بِذِكْرَاهَا وَخَامَرَهُ

(5)

. في النهاية: العِدَى بالكسر الغرباء والأجانب والأَعداء، فأما بالضم فهم الأَعداء خاصة.

ص: 35

مَالِكٍ الأَنصاري:

فأَمَتْنا العُدَاةَ مِنْ كلِّ حَيٍّ

فاسْتَوَى الرَّكْضُ حِينَ ماتَ العِدَاءُ

قَالَ: وَهَذَا يَتَوَجَّهُ عَلَى أَنه جَمْعُ عادٍ، أَو يَكُونُ مَدَّ عِدًى ضَرُورَةً؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِ الأَخطل:

أَلا يَا اسْلَمِي يَا هِنْدُ، هِنْدَ بَني بَدْرِ،

وإنْ كَانَ حَيَّانا عِدًى آخِرَ الدهْرِ

قَالَ: العِدَى التَّباعُد. وقَوْمٌ عِدًى إِذَا كَانُوا مُتَباعِدِين لَا أَرحامَ بَيْنَهُمْ وَلَا حِلْفَ. وقومٌ عِدًى إِذَا كَانُوا حَرْباً، وَقَدْ رُوِي هَذَا البيتُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، مِثْلُ سِوًى وسُوًى. الأَصمعي: يُقَالُ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ عِدًى، مَقْصُورٌ، يَكُونُ للأَعداء وللغُرَباء، وَلَا يُقَالُ قَوْمٌ عُدًى إِلَّا أَن تُدْخِلَ الْهَاءَ فَتَقُولَ عُداة فِي وَزْنِ قُضَاةٍ، قَالَ أَبو زَيْدٍ: طالتْ عُدَواؤهُمْ أَي تباعُدُهم وتَفَرُّقُهم. والعَدُوُّ: ضِدُّ الصَّدِيق، يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ والأُنثى والذكَر بلفظٍ وَاحِدٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العَدُوُّ ضِدُّ الوَلِيِّ، وَهُوَ وصْفٌ ولكِنَّه ضَارَعَ الِاسْمَ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فَعُولٌ إِذَا كَانَ فِي تأْويل فاعلٍ كَانَ مُؤَنَّثُه بِغَيْرِ هَاءٍ نَحْوُ رجلٌ صَبُور وامرأَة صَبور، إِلَّا حَرْفًا وَاحِدًا جاءَ نَادِرًا قَالُوا: هَذِهِ عَدُوَّة لِلَّهِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَإِنَّمَا أَدخلوا فِيهَا الْهَاءَ تَشْبِيهًا بصَديقةٍ لأَن الشيءَ قَدْ يُبْنى عَلَى ضِدِّهِ، وَمِمَّا وضَع بِهِ ابْنُ سِيدَهْ مِنْ أَبي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَعرابي مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي خُطْبة كِتَابِهِ الْمُحْكَمِ فَقَالَ: وَهَلْ أَدَلُّ عَلَى قِلَّةِ التَّفْصِيلِ وَالْبُعْدِ عَنِ التَّحْصِيلِ مِنْ قولِ أَبي عبدِ اللَّهِ بنِ الأَعرابي فِي كِتَابِهِ النَّوَادِرِ: العَدوّ يَكُونُ لِلذَّكَرِ والأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ، وَالْجَمْعُ أَعداءٌ وأَعادٍ وعُداةٌ وعِدًى وعُدًى، فأَوْهم أَن هَذَا كلَّه لشيءٍ وَاحِدٍ؟ وَإِنَّمَا أَعْدَاءٌ جَمْعُ عَدُوٍّ أَجروه مُجْرى فَعِيل صِفَةً كشَرِيفٍ وأَشْرافٍ ونصِيرٍ وأَنصارٍ، لأَن فَعُولًا وفَعِيلًا متساويانِ فِي العِدَّةِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَكَوْنِ حَرْفِ اللِّينِ ثَالِثًا فِيهِمَا إِلَّا بِحَسْبِ اخْتِلَافِ حَرفَيِ اللِّين، وَذَلِكَ لَا يوجبُ اخْتِلَافًا فِي الْحُكْمِ فِي هَذَا، أَلا تَراهم سَوَّوْا بَيْنَ نَوارٍ وصَبورٍ فِي الْجَمْعِ فَقَالُوا نُوُرٌ وصُبُرٌ، وَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَن يكسَّر عَدُوٌّ عَلَى مَا كُسّرَ عَلَيْهِ صَبُورٌ؟ لَكِنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لأَجْحفوا، إِذْ لَوْ كَسَّروه عَلَى فُعُلٍ لَلَزِمَ عُدُوٌ، ثُمَّ لَزِمَ إِسْكَانُ الْوَاوِ كَرَاهِيَةَ الْحَرَكَةِ عَلَيْهَا، فَإِذَا سَكَنَت وَبَعْدَهَا التنوين التقَى ساكناً فَحُذِفَتِ الْوَاوُ فَقِيلَ عُدٌ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْمٌ آخِرُهُ واوٌ قبلَها ضمَّة، فَإِنْ أَدَّى إِلَى ذَلِكَ قِيَاسٌ رُفِضَ، فَقُلِبَتِ الضَّمَّةُ كَسْرَةً وَلَزِمَ لِذَلِكَ انْقِلَابُ الْوَاوِ يَاءً فَقِيلَ عُدٍ، فتَنَكَّبت الْعَرَبُ ذَلِكَ فِي كُلِّ معتلِّ اللَّامِ عَلَى فَعَوْلٍ أَو فَعِيل أَو فَعال أَو فِعالٍ أَو فُعالٍ عَلَى مَا قَدْ أَحكمته صِنَاعَةُ الإِعرابِ، وأَما أَعادٍ فجمعُ الْجَمْعِ، كَسَّروا عَدُوّاً عَلَى أَعْداءٍ ثُمَّ كَسَّروا أَعْدَاءً عَلَى أَعَادٍ وأَصلُه أَعَادِيّ كأَنْعامٍ وأَناعيم لأَن حرفَ اللِّينِ إِذَا ثبَت رَابِعًا فِي الواحدِ ثبتَ فِي الْجَمْعِ، وَكَانَ يَاءً، إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ شَاعِرٌ كَقَوْلِهِ أَنشده سِيبَوَيْهِ:

والبَكَراتِ الفُسَّجَ العَطامِسَا

وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا أَعادٍ كَرَاهَةَ الياءَين مَعَ الْكَسْرَةِ كَمَا حَكَى سِيبَوَيْهِ فِي جَمْعِ مِعْطاءٍ مَعاطٍ، قَالَ: وَلَا يَمْتَنِعُ أَن يَجِيءَ عَلَى الأَصل مَعاطِيّ كأَثافيّ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَن يُقَالَ أَعَادِيّ، وأَما عُداةٌ فَجَمْعُ عادٍ؛ حَكَى أَبو زَيْدٍ عَنِ الْعَرَبِ: أَشْمَتَ اللهُ عادِيَكَ أَي عَدُوّكَ، وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي بَابِ فاعلٍ مِمَّا لامُهُ حرفُ علَّةٍ، يَعْنِي أَن يُكَسَّر عَلَى فُعلَةٍ كقاضٍ

ص: 36

وقُضاةٍ ورامٍ ورُماةٍ، وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ تَكْسِيرِ مَا كَانَ مِنَ الصِّفَةِ عِدَّتُه أَربعةُ أَحرف، وَهَذَا شَبِيهٌ بلفظِ أَكثرِ النَّاسِ فِي توهُّمِهم أَن كُماةً جمعُ كَمِيٍّ، وفعيلٌ لَيْسَ مِمَّا يكسَّر عَلَى فُعَلةٍ، وَإِنَّمَا جمعُ كَمِيٍّ أَكماءٌ؛ حَكَاهُ أَبو زَيْدٍ، فأَما كُماةٌ فَجَمْعُ كامٍ مِنْ قَوْلِهِمْ كَمَى شجاعتَه وشهادَتَه كتَمها، وأَما عِدًى وعُدًى فَاسْمَانِ لِلْجَمْعِ، لأَن فِعَلًا وفُعَلًا لَيْسَا بِصِيغَتَيْ جَمْعٍ إِلَّا لِفعْلَةٍ أَوْ فُعْلة وَرُبَّمَا كَانَتْ لفَعْلة، وَذَلِكَ قَلِيلٌ كهَضْبة وهِضَب وبَدْرة وبِدر، والله أَعلم. والعَدَاوَة: اسمٌ عامٌّ مِنَ العَدُوِّ، يُقَالُ: عَدُوٌّ بَيِّنُ العَدَاوَة، وفلانٌ يُعَادِي بَنِي فُلَانٍ. قَالَ اللَّهُ عز وجل: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً

؛ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي

؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: عَدُوٌّ وصْفٌ وَلَكِنَّهُ ضارَع الِاسْمَ، وَقَدْ يُثنَّى ويُجمع ويُؤَنَّث، وَالْجَمْعُ أَعْدَاءٌ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَمْ يكسَّر عَلَى فُعُلٍ، وَإِنْ كَانَ كصَبُورٍ، كَرَاهِيَةَ الإِخْلالِ والاعْتلال، وَلَمْ يكسَّر عَلَى فِعْلانٍ كَرَاهِيَةَ الْكَسْرَةِ قَبْلَ الْوَاوِ لأَنَّ السَّاكِنَ لَيْسَ بِحَاجِزٍ حصِين، والأَعَادِي جَمْعُ الْجَمْعِ. والعِدَى والعُدَى: اسْمَانِ لِلْجَمْعِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العِدَى، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، الأَعْدَاءُ، وَهُوَ جمعٌ لَا نَظِيرَ لَهُ، وَقَالُوا فِي جَمْعِ عَدُوَّة عَدَايَا لَمْ يُسْمَعْ إِلَّا فِي الشِّعْرِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ

؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ هُمُ العَدُوُّ الأَدْنَى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ هُمُ العَدُوُّ الأَشدّ لأَنهم كانوا أَعْداء النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، ويُظهرون أَنهم مَعَهُ. والعَادِي: العَدُوُّ، وجَمْعُه عُداةٌ؛ قَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ:

أَشْمَتَ ربُّ العالَمين عادِيَكْ

وَقَالَ الْخَلِيلُ فِي جَمَاعَةِ العَدُوِّ عُدًى وعِدًى، قَالَ: وَكَانَ حَدُّ الْوَاحِدِ عَدُو، بِسُكُونِ الْوَاوِ، فَفَخَّمُوا آخِرَهُ بِوَاوٍ وَقَالُوا عَدُوٌّ، لأَنهم لَمْ يَجِدُوا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمًا فِي آخِرِهِ وَاوٌ سَاكِنَةٌ، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ قومٌ عِدًى، وَحَكَى أَبو الْعَبَّاسِ: قومٌ عُدًى، بِضَمِّ الْعَيْنِ، إِلَّا أَنه قَالَ: الاخْتِيار إِذَا كَسَرْتَ الْعَيْنَ أَنْ لَا تأْتيَ بِالْهَاءِ، والاختيارُ إِذَا ضَمَمْتَ العينَ أَن تأْتيَ بِالْهَاءِ؛ وأَنشد:

مَعاذةَ وجْه اللهِ أَن أُشْمِتَ العِدَى

بلَيلى، وَإِنْ لَمْ تَجْزني مَا أَدِينُها

وَقَدْ عَادَاه مُعَادَاةً وعِداءً، والاسمُ العَدَاوَة، وَهُوَ الأَشدُّ عَادِيًا. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: العُدَى جَمْعُ عَدُوّ، والرُّؤَى جَمْعُ رؤيَةٍ، والذُّرَى جَمْعُ ذِرْوَة؛ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِنَّمَا هُوَ مِثْلُ قُضاة وغُزاة ودُعاة فَحَذَفُوا الْهَاءَ فَصَارَتْ عُدًى، وَهُوَ جَمْعُ عادٍ. وتَعَادَى القومُ: عَادَى بعضُهم بَعْضًا. وقومٌ عِدًى: يُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَإِنْ كَانَ أَصله الواوَ لِمَكَانِ الْكَسْرَةِ الَّتِي فِي أَوَّله، وعُدًى مِثْلُهُ، وَقِيلَ: العُدَى الأَعْداءُ، والعِدَى الأَعْداءُ الَّذِينَ لَا قَرابة بَيْنَكَ وبينَهُم، قَالَ: وَالْقَوْلُ هُوَ الأَوّل. وقولُهم: أَعْدَى مِنَ الذئبِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: يَكُونُ مِنَ العَدْوِ وَيَكُونُ مِنَ العَداوَة، وكونُه مِنَ العَدْوِ أَكثر، وأُراه إِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى أَنه لَا يُقَالُ أَفْعَل مِنْ فاعَلْت، فَلِذَلِكَ جَازَ أَن يَكُونَ مِنْ العَدْوِ لَا مِنَ العَداوَة. وتَعَادَى مَا بينَهم: اخْتَلف. وعَدِيتُ لَهُ: أَبْغَضْتُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. ابْنُ شُمَيْلٍ: رَدَدْت عَنِّي عادِيَةَ فُلَانٍ أَي حِدَّته وغَضبه. وَيُقَالُ: كُفَّ عَنَّا عادِيَتَك أَي ظُلْمك وَشَرَّكَ، وَهَذَا مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَاعِلَةٍ كالراغِية وَالثَّاغِيَةِ. يُقَالُ: سَمِعْتُ راغِيَةَ الْبَعِيرِ وَثَاغِيَةَ الشَّاةِ أَي رُغاء الْبَعِيرِ وثُغاء الشَّاةِ، وَكَذَلِكَ عَادِيَةُ الرَّجُلِ عَدْوُه عَلَيْكَ بِالْمَكْرُوهِ.

ص: 37

والعُدَوَاء: أَرض يَابِسَةٌ صُلْبة ورُبَّما جَاءَتْ فِي الْبِئْرِ إِذَا حُفِرَتْ، قَالَ: وَقَدْ تَكُون حَجَراً يُحادُ عَنْهُ فِي الحَفْرِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ ثَوْرًا يَحْفِرُ كِنَاسًا:

وإنْ أَصابَ عُدَوَاءَ احْرَوْرَفا

عَنْها، وَوَلّاها الظُّلُوفَ الظُّلَّفا

أَكَّد بالظُّلَّفِ كَمَا يُقَالُ نِعافٌ نُعَّف وبِطاحٌ بُطَّحٌ وكأَنه جَمَعَ ظِلْفاً ظَالِفًا، وَهَذَا الرَّجَزُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ شَاهِدًا عَلَى عُدَوَاءِ الشُّغْلِ موانِعِه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ لِلْعَجَّاجِ وَهُوَ شَاهِدٌ عَلَى العُدَوَاء الأَرضِ ذَاتِ الْحِجَارَةِ لَا عَلَى العُدَواء الشُّغْلِ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ أَيضاً قَالَ: ظُلَّف جَمْعُ ظالِف أَي ظُلُوفُهُ تَمْنَعُ الأَذى عَنْهُ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ أَرض ذاتُ عُدَوَاءَ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِيمَةً وَطِيئةً وَكَانَتْ مُتَعادِيةً. ابْنُ الأَعرابي: العُدَوَاءُ الْمَكَانُ الغَلِيظ الخَشِن. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: زَعَمَ أَبو عَمْرٍو أَن العِدَى الْحِجَارَةُ والصُّخور؛ وأَنشد قَوْلَ كُثَيِّر:

وحالَ السَّفَى بَيني وبَينَك والعِدَى،

ورهْنُ السَّفَى غَمْرُ النَّقيبة ماجِدُ

أَراد بالسَّفَى ترابَ الْقَبْرِ، وبالعِدَى مَا يُطْبَق عَلَى اللَّحد مِنَ الصَّفائح. وأَعْدَاءُ الْوَادِي وأَعْناؤه: جَوَانِبُهُ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ بَدْرٍ الهُذَلي فمدَّ العِدَى، وَهِيَ الْحِجَارَةُ وَالصُّخُورُ:

أَو اسْتَمَرّ لمَسْكَنٍ، أَثْوَى بِهِ

بِقَرارِ ملْحَدةِ العِدَاءِ شَطُونِ

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: العِدَاءُ، ممدودٌ، مَا عادَيْت عَلَى المَيّت حينَ تَدْفِنُه مِنْ لَبِنٍ أَو حِجَارَةٍ أَوْ خَشَبٍ أَو مَا أَشبَهه، الْوَاحِدَةُ عِداءة. وَيُقَالُ أَيضاً: العِدَى والعِداءُ حَجَرٌ رَقِيقٌ يُسْتَرُ بِهِ الشَّيْءُ، وَيُقَالُ لكلِّ حَجَرٍ يُوضَعُ عَلَى شَيْءٍ يَسْتُره فَهُوَ عِدَاءٌ؛ قَالَ أُسامة الْهُذَلِيِّ:

تَاللَّهِ مَا حُبِّي عَلِيّاً بشَوى

قَدْ ظَعَنَ الحَيُّ وأَمْسى قدْ ثَوى،

مُغادَراً تحتَ العِدَاء والثَّرَى

مَعْنَاهُ: مَا حُبِّي عَلِيًّا بخَطَإٍ. ابْنُ الأَعرابي: الأَعْدَاء حِجارَة المَقابر، قَالَ: والأَدْعاء آلَامُ النَّارِ «1» وَيُقَالُ: جئْتُك عَلَى فَرَسٍ ذِي عُدَوَاء، غَيْرِ مُجْرًى إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَا طُمَأْنينة وسُهولة. وعُدَوَاءُ الشَّوْق: مَا بَرَّح بِصَاحِبِهِ. والمُتَعَدِّي مِنَ الأَفعال: مَا يُجاوزُ صاحبَه إِلَى غَيْرِهِ. والتَّعَدِّي فِي القافِية: حَرَكة الْهَاءِ الَّتِي لِلْمُضْمَرِ الْمُذَكَّرِ السَّاكِنَةُ فِي الْوَقْفِ؛ والمُتَعَدِّي الواوُ الَّتِي تلحقُه مِنْ بَعْدِهَا كَقَوْلِهِ:

تَنْفُشُ مِنْهُ الخَيْل ما لا يَغْزِلُهُو

فحَركة الْهَاءِ هِيَ التَّعَدِّي وَالْوَاوُ بَعْدَهَا هِيَ المُتَعَدِّي؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:

وامْتَدَّ عُرْشا عُنْقِهِ للمُقْتَهِي

حَرَكَةُ الْهَاءِ هِيَ التَّعَدِّي وَالْيَاءُ بَعْدَهَا هِيَ المُتَعَدِّي، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ هَاتَانِ الْحَرَكَتَانِ تَعَدِّياً، وَالْيَاءُ والواوُ بَعْدَهُمَا مُتَعَدِّياً لأَنه تَجاوزٌ للحَدّ وخروجٌ عَنِ الواجبِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْوَزْنِ لأَنّ الوزنَ قَدْ تَناهى قبلَه، جَعَلُوا ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الخَزْمِ فِي أَوَّله. وعَدَّاه إِلَيْهِ: أَجازَه وأَنْفَذَه. وَرَأَيْتُهُمْ عَدَا أَخاك وَمَا عَدَا أَخاكَ أَي مَا خَلا، وَقَدْ يُخْفَض بِهَا دُونَ مَا، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وعَدَا فِعْلٌ يُسْتَثْنى بِهِ مَعَ مَا وَبِغَيْرِ مَا، تقولُ جاءَني القومُ مَا عَدَا زيداً، وجاؤوني عَدَا زَيْدًا، تنصبُ مَا بَعْدَهَا بِهَا والفاعلُ مُضْمَر فِيهَا. قَالَ الأَزهري: مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْلُهُمْ مَا رأَيت أَحداً مَا عَدَا زيداً كقولك

(1). قوله [آلام النار] هو هكذا في الأصل والتهذيب.

ص: 38

مَا خَلَا زَيْدًا، وتَنْصب زَيْدًا فِي هذَيْن، فَإِذَا أَخرجتَ مَا خَفَضتَ ونَصَبت فقلتَ مَا رأيتُ أَحداً عدَا زَيْدًا وعَدَا زيدٍ وَخَلَا زَيْداً وخَلا زيدٍ، النَّصْبُ بِمَعْنَى إلَّا والخفضُ بِمَعْنَى سِوى. وعَدِّ عَنَّا حاجَتَك أَي اطْلُبْها عندَ غيرِنا فإِنَّا لَا نَقْدِرُ لَكَ عَلَيْهَا، هَذِهِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَيُقَالُ: تَعَدَّ مَا أَنت فِيهِ إِلَى غَيْرِهِ أَي تجاوَزْه. وعَدِّ عَمَّا أَنت فِيهِ أَي اصْرِفْ هَمَّك وقولَك إِلَى غَيْرِهِ. وعَدَّيْتُ عَنِّي الهمَّ أَي نحَّيته. وَتَقُولُ لِمَنْ قَصَدَك: عدِّ عنِّي إِلَى غَيْرِي: وَيُقَالُ: عادِ رِجْلَك عَنِ الأَرض أَي جافِها، وَمَا عَدَا فلانٌ أَن صَنعَ كَذَا، وَمَا لِي عَنْ فلانٍ مَعْدىً أَي لَا تَجاوُزَ لِي إِلَى غَيْرِهِ وَلَا قُصُور دُونَهُ. وعَدَوْته عَنِ الأَمر: صرَفْته عَنْهُ. وعدِّ عَمَّا تَرَى أَي اصْرِفْ بصَرَك عَنْهُ. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: أَنه أُتيَ بسَطِيحَتَيْنِ فِيهِمَا نبيذٌ فشَرِبَ مِنْ إِحْدَاهُمَا وعَدَّى عَنِ الأُخرى

أَي تَرَكها لِمَا رَابَهُ مِنْهَا. يُقَالُ: عدِّ عَنْ هَذَا الأَمرِ أَي تجاوَزْه إِلَى غَيْرِهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الآخرُ: أَنه أُهْدِيَ لَهُ لَبَنٌ بِمَكَّةَ فعدَّاه أَي صَرَفَهُ عَنْهُ. والإِعْدَاءُ: إعْداءُ الحرب. وأَعْدَاه الداءُ يُعْدِيه إعْدَاءً: جاوزَ غَيْرَهُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يصيبَه مثلُ مَا بصاحبِ الداءِ. وأَعْدَاهُ مِنْ علَّته وخُلُقِه وأَعْدَاهُ بِهِ: جَوَّزَهُ إِلَيْهِ، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ العَدْوَى. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا عَدْوَى وَلَا هامَة وَلَا صَفَر وَلَا طيرَةَ وَلَا غُولَ

أَي لَا يُعْدي شَيْءٌ شَيْئًا. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ العَدْوَى فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ اسمٌ مِنَ الإِعْدَاء كالرَّعْوى والبَقْوَى مِنَ الإِرْعاءِ والإِبْقاءِ. والعَدْوَى: أَنْ يَكُونَ بِبَعِيرٍ جَرَب مَثَلًا فتُتَّقى مُخالَطَتُه بِإِبِلٍ أُخرى حِذار أَن يَتعَدَّى مَا بِهِ مِنَ الجَرَب إِلَيْهَا فيصيبَها مَا أَصابَه، فَقَدْ أَبطَله الإِسلامُ لأَنهم كَانُوا يظُنُّون أَن الْمَرَضَ بِنَفْسِهِ يتَعَدَّى، فأَعْلَمَهم النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، أَن الأَمر لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُمرض ويُنْزلُ الداءَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي بَعْضِ الأَحاديث وَقَدْ قِيلَ لَهُ، صلى الله عليه وسلم:

إِن النُّقْبة تَبْدُو وبمشْفر الْبَعِيرِ فتُعْدِي الإِبل كُلَّهَا، فَقَالَ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، لِلَّذِي خَاطَبَهُ: فمَن الَّذِي أَعدَى البعيرَ الأَول

أَي مِنْ أَين صَارَ فِيهِ الجَرَب؟ قَالَ الأَزهري: العَدْوَى أَن يَكُونَ بِبَعِيرٍ جَرَبٌ أَو بِإِنْسَانٍ جُذام أَو بَرَصٌ فتَتَّقيَ مخالطتَه أَو مُؤَاكَلَتَهُ حِذار أَن يَعْدُوَه مَا بِهِ إِليك أَي يُجاوِزه فيُصيبك مثلُ مَا أَصابه. وَيُقَالُ: إِنَّ الجَرَب ليُعْدِي أَي يُجَاوِزُ ذَا الجَرَب إِلَى مَنْ قَارَبَهُ حَتَّى يَجْرَبَ، وَقَدْ نَهى النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، مَعَ إِنْكَارِهِ العَدْوَى، أَن يُورِدَ مُصِحٌّ عَلَى مُجْرِب لِئَلَّا يُصِيبَ الصِّحاحَ الجَرَبُ فَيُحَقِّقَ صاحبُها العَدْوَى. والعَدْوَى: اسمٌ مِنْ أَعْدَى يُعْدِي، فَهُوَ مُعْدٍ، وَمَعْنَى أَعْدَى أَي أَجاز الجَرَبَ الَّذِي بِهِ إِلى غَيْرِهِ، أَو أَجاز جَرَباً بِغَيْرِهِ إِليه، وأَصله مِنْ عَدَا يَعْدُو إِذا جَاوَزَ الحدَّ. وتَعَادَى القومُ أَي أَصاب هَذَا مثلُ دَاءِ هَذَا. والعَدْوَى: طَلَبُك إِلى والٍ ليُعْدِيَكَ عَلَى منْ ظَلَمك أَي يَنْتَقِم مِنْهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: العَدْوَى النُّصْرَة والمَعُونَة. وأَعْدَاهُ عَلَيْهِ: نَصَره وأَعانه. واسْتَعْدَاهُ: اسْتَنْصَره وَاسْتَعَانَهُ. واسْتَعْدَى عَلَيْهِ السلطانَ أَي اسْتَعانَ بِهِ فأَنْصَفه مِنْهُ. وأَعْدَاهُ عَلَيْهِ: قَوَّاه وأَعانه عَلَيْهِ؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ حذاق:

وَلَقَدْ أَضاءَ لَكَ الطَّريقُ، وأَنْهَجَتْ

سُبُلُ المكارِمِ، والهُدَى يُعْدِي

أَي إِبْصارُكَ الطَّريقَ يقوِّيك عَلَى الطَّريقِ ويُعينُك؛

ص: 39

وَقَالَ آخَرُ:

وأَنتَ امرؤٌ لَا الجُودُ منكَ سَجيَّةٌ

فتُعْطِي، وَقَدْ يُعْدِي عَلَى النَّائِلِ الوُجْدُ

وَيُقَالُ: اسْتَأْداه، بالهمزة، فَآدَاهُ أَي أَعانَه وقَوَّاه، وبعضُ أَهل اللُّغَةِ يَجْعَلُ الْهَمْزَةَ فِي هَذَا أَصلًا وَيَجْعَلُ الْعَيْنَ بَدَلًا مِنْهَا. وَيُقَالُ: آدَيْتُك وأَعْدَيْتُك مِنَ العَدْوَى، وَهِيَ المَعونة. وعَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ فصاعِداً مُعَادَاةً وعِدَاءً: وَالَى؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

فعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ ونَعْجَةٍ،

وَبَيْنَ شَبُوبٍ كالقَضِيمَةِ قَرْهَبِ

وَيُقَالُ: عَادَى الفارِسُ بَيْنَ صَيْدَيْن وَبَيْنَ رَجُلَين إِذا طَعَنهما طَعْنَتَيْنِ مُتَوالِيَتَيْن. والعِدَاء، بِالْكَسْرِ، والمُعَادَاة: المُوالاة والمتابَعة بَيْنَ الِاثْنَيْنِ يُصرَعُ أَحدهما عَلَى إِثر الْآخَرِ فِي طَلَقٍ وَاحِدٌ؛ وأَنشد لِامْرِئِ الْقَيْسِ:

فعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ ونَعْجةٍ

دِراكاً، وَلَمْ يُنْضَحْ بماءٍ فيُغْسَلِ

يُقَالُ: عَادَى بَيْنَ عَشَرة مِنَ الصَّيْد أَي وَالَى بَيْنَهَا قَتْلًا ورَمْياً. وتَعَادَى القومُ عَلَى نَصْرِهِمْ أَي تَوالَوْا وتَتابَعوا. وعِداءُ كلِّ شيءٍ وعَدَاؤُه وعِدْوَتُه وعُدْوَتُه وعِدْوُه: طَوَارُه، وَهُوَ مَا انْقادَ مَعَهُ مِن عَرْضِه وطُولِه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ مَا أَنشده أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ:

بَكَتْ عَيْني، وحَقَّ لَهَا البُكاءُ،

وأَحْرَقَها المَحابِشُ والعَدَاء «2»

وَقَالَ ابْنُ أَحمر يُخَاطِبُ نَاقَتَهُ:

خُبِّي، فَلَيْس إِلى عثمانَ مُرْتَجَعٌ

إِلّا العَدَاءُ، وإِلا مَكْنَعٌ ضَرَرُ «3»

وَيُقَالُ: لَزِمْت عَدَاءَ النَّهْرِ وعَدَاءَ الطَّرِيقِ والجبلِ أَي طَوَاره. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ الْزَمْ عَدَاء الطَّرِيقِ، وَهُوَ أَن تأْخذَه لَا تَظْلِمه. وَيُقَالُ: خُذْ عَداءَ الْجَبَلِ أَي خُذْ فِي سَنَدِه تَدورُ فِيهِ حَتَّى تعلُوَه، وإِن اسْتَقام فِيهِ أَيضاً فَقَدْ أَخَذَ عَدَاءَه. وَقَالَ ابْنُ بُزْرُجٍ: يُقَالُ الْزَمِ عِدْوَ أَعْدَاءِ الطريقِ «4» والْزَمْ أَعْدَاء الطَّرِيقِ أَي وَضَحَه. وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ لِآخَرَ: أَلَبناً نَسْقِيكَ أَم مَاءً؟ فأَجاب: أَيَّهُما كَانَ وَلَا عَدَاءَ؛ مَعْنَاهُ لَا بُدَّ مِنْ أَحدهما وَلَا يَكُونَنَّ ثَالِثٌ. وَيُقَالُ: الأَكْحَل عِرْقٌ عَداءَ الساعِدِ. قَالَ الأَزهري: والتَّعْدَاءُ التَّفْعال مِنْ كُلِّ مَا مَرَّ جَائِزٌ. والعِدَى والعَدَا: النَّاحِيَةُ؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ، وَالْجَمْعُ أَعْدَاءٌ. والعُدْوَةُ: المكانُ المُتَباعِدُ؛ عَنْ كُرَاعٍ. والعِدَى والعُدْوةُ والعِدْوَةُ والعَدْوَة، كلُّه: شاطئُ الْوَادِي؛ حَكَى اللِّحْيَانِيُّ هَذِهِ الأَخيرةَ عَنْ يُونُسَ. والعُدْوَة: سنَدُ الْوَادِي، قَالَ: وَمِنَ الشاذِّ قِرَاءَةُ قَتادة:

إِذ أَنتم بالعَدْوَةِ الدُّنْيَا.

والعِدْوَة والعُدْوة أَيضاً: الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ. قَالَ اللَّيْثُ: العُدْوة صَلابة مِنْ شاطئِ الْوَادِي، وَيُقَالُ عِدْوة. وَفِي التَّنْزِيلِ: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: العُدْوَة شاطئُ الْوَادِي، الدُّنْيَا مِمَّا يَلي الْمَدِينَةَ، والقُصْوَى مِمَّا يَلِي مَكَّةَ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: عُدْوَةُ الْوَادِي وعِدْوَتُه جانبُه وحافَتُه، وَالْجَمْعُ عِدًى وعُدًى؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْجَمْعُ عِداءٌ مثلُ بُرْمَةٍ وبِرامٍ ورِهْمَةٍ ورِهامٍ وعِدَياتٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْجَمْعُ عِدَياتٌ، قَالَ: وَصَوَابُهُ عِدَواتٌ

(2). قوله [المحابش] هكذا في الأصل.

(3)

. قوله [إلا مكنع ضرر] هو هكذا في الأصل.

(4)

. قوله [عدو أعداء الطريق] هكذا في الأصل والتهذيب.

ص: 40

وَلَا يَجُوزُ عِدِواتٌ عَلَى حَدِّ كِسِراتٍ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يَقُولُونَ فِي جَمْعِ جِرْوةٍ جِرِياتٌ، كَرَاهَةَ قلْب الْوَاوِ يَاءً، فَعَلَى هَذَا يُقَالُ جِرْوات وكُلْياتٌ بالإِسكان لَا غيرُ. وَفِي حَدِيثِ الطَّاعُونِ:

لَوْ كَانَتْ لَكَ إِبلٌ فَهَبَطت وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ

؛ العُدْوَة، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ: جانبُ الوادي، وقيل: العُدْوَة الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ شَيْئًا عَلَى مَا هُوَ مِنْهُ. وعَدَاءُ الخَنْدَقِ وعَداء الْوَادِي: بطنُه وعَادَى شعَره: أَخَذَ مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِ

حُذَيْفَة: أَنه خَرَجَ وَقَدْ طَمَّ رأْسَه فَقَالَ: إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرةٍ لَا يُصيبُها الْمَاءُ جَنابةً، فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رأْسي كَمَا تَرَوْنَ

؛ التَّفْسِيرُ لِشَمِرٍ: مَعْنَاهُ أَنه طَمّه واسْتَأْصله ليَصِلَ الماءُ إِلى أُصولِ الشَّعَر، وَقَالَ غَيْرُهُ: عادَيْتُ رأْسِي أَي جَفَوْت شعرَه وَلَمْ أَدْهُنْه، وَقِيلَ: عادَيْتُ رأْسي أَي عاوَدْتُه بوضُوء وغُسْلٍ. ورَوَى

أَبو عَدْنانَ عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ: عَادَى شَعْرَهُ رَفَعَه

، حَكَاهُ الهَرَويّ فِي الْغَرِيبَيْنِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: رَفَعَه عِنْدَ الغسلِ. وعَادَيْت الوسادةَ أَي ثَنَيْتُها. وعَادَيْتُ الشيءَ: باعَدْته. وتَعَادَيْتُ عَنْهُ أَي تَجَافَيْت. وَفِي النَّوَادِرِ: فُلَانٌ مَا يُعَادِيني وَلَا يُواديني؛ قَالَ: لَا يُعادِيني أَي لَا يُجافِيني، وَلَا يُواديني أَي لَا يُواتيني. والعَدَوِيَّة: الشَّجَرُ يَخْضَرُّ بعدَ ذَهَابِ الرَّبِيعِ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ أَبو زِيادٍ العَدَوِيَّة الرَّبْل، يُقَالُ: أَصاب المالُ عَدَوِيَّةً، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: لَمْ أَسمَعْ هَذَا مِنَ غَيْرِ أَبي زِيادٍ. اللَّيْثُ: العَدَوِيَّة مِنْ نَبَاتِ الصَّيْفِ بَعْدَ ذَهَابِ الرَّبِيعِ أَن تَخْضَرَّ صِغَارُ الشَّجَرِ فتَرْعاه الإِبل، تَقُولُ: أَصابت الإِبلُ عَدَوِيَّةً؛ قَالَ الأَزهري: العَدَوِيَّة الإِبل الَّتِي تَرْعى العُدْوَة، وَهِيَ الخُلَّة، وَلَمْ يَضْبِطِ اللَّيْثُ تَفْسِيرَ العَدَوِيَّة فَجَعَلَهُ نَباتاً، وَهُوَ غَلَطٌ، ثُمَّ خَلَّط فَقَالَ: والعَدَوِيَّة أَيضاً سِخالُ الْغَنَمِ، يُقَالُ: هِيَ بَنَاتُ أَربعين يَوْمًا، فإِذا جُزَّت عَنْهَا عَقِيقتُها ذَهَبَ عَنْهَا هَذَا الِاسْمُ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ تَصْحِيفٌ مُنْكَرٌ، وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ الغَدَويَّة، بِالْغَيْنِ، أَو الغَذَويَّة، بِالذَّالِ، والغِذاء: صِغَارُ الْغَنَمِ، وَاحِدُهَا غَذِيٌّ؛ قَالَ الأَزهري: وَهِيَ كُلُّهَا مُفَسَّرَةٌ فِي معتل الغين، وَمَنْ قَالَ العَدَوِيةُ سِخال الْغَنَمِ فَقَدْ أَبْطَل وصحَّف، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ فِي مُحكَمِه أَيضاً فَقَالَ: والعَدَوِيَّة صِغارُ الغنمِ، وَقِيلَ: هِيَ بناتُ أَربعين يَوْمًا. أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَصحابه: تَقادَعَ القومُ تَقادُعاً وتَعادَوْا تَعادِياً وَهُوَ أَن يَمُوتَ بَعْضُهُمْ فِي إِثْر بَعْضٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وتَعادَى القومُ وتَعادَتِ الإِبلُ جَمِيعًا أَي مَوَّتَتْ، وَقَدْ تَعادَتْ بالقَرْحة. وتَعَادَى الْقَوْمُ: ماتَ بَعْضُهُمْ إِثْرَ بعَضٍ فِي شَهْرٍ واحدٍ وعامٍ وَاحِدٍ؛ قَالَ:

فَما لَكِ منْ أَرْوَى تَعَادَيْت بالعَمى،

ولاقَيْتِ كَلّاباً مُطِلًّا وَرَامِيَا

يدعُو عَلَيْهَا بالهلاكِ. والعُدْوة: الخُلَّة مِنَ النَّبَات، فإِذا نُسِبَ إِليها أَو رَعَتْها الإِبلُ قِيلَ إِبل عُدْوِيَّةٌ عَلَى القِياسِ، وإِبلٌ عَدَوِيَّة عَلَى غَيْرِ القِياسِ، وعَوادٍ عَلَى النَّسَبِ بِغَيْرِ يَاءِ النَّسَبِ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وإِبلٌ عادِيَةٌ وعَوادٍ: تَرْعى الحَمْضَ قَالَ كُثَيِّر:

وإِنَّ الَّذِي يَنْوي منَ المالِ أَهلُها

أَوارِكُ، لمَّا تَأْتَلِفْ، وعَوَادِي

ويُرْوى: يَبْغِي؛ ذكَرَ امرأَةً وأَن أَهلَها يطلبُون فِي مَهْرِها مِنَ المالِ مَا لَا يُمْكن وَلَا يَكُونُ كَمَا لَا تَأْتَلِفُ هَذِهِ الأَوارِكُ والعَوَادِي، فكأَن هَذَا ضِدَّ لأَنَّ العَوَادِيَ عَلَى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ هِيَ الَّتِي

ص: 41

تَرْعى الخُلَّةَ وَالَّتِي تَرْعَى الحَمْضَ، وَهُمَا مُخْتَلِفا الطَّعْمَيْن لأَن الخُلَّة مَا حَلا مِنَ المَرْعى، والحَمْض مِنْهُ مَا كَانَتْ فِيهِ مُلُوحَةٌ، والأَوارك الَّتِي تَرْعَى الأَراك وليسَ بحَمْضٍ وَلَا خُلَّة، إِنما هُوَ شَجَرٌ عِظامٌ. وَحَكَى الأَزهري عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ: وإِبلٌ عَادِيَةٌ تَرْعَى الخُلَّة وَلَا تَرْعَى الحَمْضَ، وإِبلٌ آرِكَةٌ وأَوَارِكُ مُقِيمَةٌ فِي الحَمْضِ؛ وأَنشد بَيْتَ كُثَيِّرٍ أَيضاً وَقَالَ: وَكَذَلِكَ العَادِيات؛ وَقَالَ:

رأَى صاحِبي فِي العَادِياتِ نَجِيبةً،

وأَمْثالها فِي الواضِعاتِ القَوامِسِ

قَالَ: ورَوَى الرَّبيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي بَابِ السَّلَم أَلْبان إِبلٍ عَوادٍ وأَوارِكَ، قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرَ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي ذَرٍّ: فقَرَّبوها إِلى الْغَابَةِ تُصيبُ مِن أَثْلها وتَعْدُو فِي الشَّجَر

؛ يَعْنِي الإِبلَ أَي تَرْعى العُدْوَةَ، وَهِيَ الخُلَّة ضربٌ مِنَ المَرْعَى مَحبوبٌ إِلى الإِبل. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والعَادِيَةُ مِنَ الإِبل المُقِيمة فِي العِضاهِ لَا تُفارِقُها وَلَيْسَتْ تَرْعَى الحَمْضَ، وأَما الَّذِي فِي حَدِيثِ

قُسٍّ: فَإِذَا شَجَرة عادِيَّةٌ

أَي قَدِيمة كأَنها نُسِبَت إِلى عادٍ، وهمْ قومُ هودٍ النبيِّ، صلى الله عليه وَعَلَى نَبيِّنا وَسَلَّمَ، وَكُلُّ قديمٍ يَنْسُبُونه إِلى عادٍ وإِن لَمْ يُدْرِكْهُم. وَفِي كِتَابِ

عليٍّ إِلى مُعاوية: لَمْ يَمْنَعْنا قَدِيمُ عِزِّنا وعادِيُّ طَوْلِنا عَلَى قَوْمِك أَنْ خَلَطْناكُم بأَنْفُسِنا.

وتَعدَّى القَوْمُ: وجَدُوا لَبَناً يَشْرَبونَه فأَغْناهُمْ عَنِ اشْتِراء اللَّحْمِ، وتَعَدَّوْا أَيضاً: وجَدُوا مَراعِيَ لمَواشيهِمْ فأَغْناهُم ذَلِكَ عَنِ اشْتِراءِ العَلَف لهَا؛ وَقَوْلُ سَلامَة بْنِ جَنْدَل:

يَكُونُ مَحْبِسُها أَدْنَى لمَرْتَعِها،

ولَوْ تَعَادَى ببكْءٍ كلُّ مَحْلُوب

مَعْنَاهُ لَوْ ذَهَبَتْ أَلْبانُها كلُّها؛ وَقَوْلُ الْكُمَيْتِ:

يَرْمِي بعَيْنَيْهِ عَدْوَةَ الأَمدِ الأَبعدِ،

هَلْ فِي مطافِهِ رِيَب؟

قَالَ: عَدْوَة الأَمد مَدُّ بصَره ينظُر هَلْ يَرى رِيبةً تَريبهُ. وَقَالَ الأَصمعي: عَدَانِي مِنْهُ شَرٌّ أَي بَلَغني، وعَدَانِي فُلَانٌ مِنْ شَرِّه بشَرّ يَعْدُونِي عَدْواً؛ وَفُلَانٌ قَدْ أَعْدَى النَّاسَ بشَرٍّ أَي أَلْزَقَ بِهِمْ مِنْهُ شَرّاً، وَقَدْ جَلَسْتُ إِليه فأَعْدَانِي شَرًّا أَي أَصابني بشرِّه. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رضي الله عنه، أَنه قَالَ لطَلْحَة يومَ الجَمَل: عرَفْتَني بِالْحِجَازِ وأَنْكَرْتني بِالْعِرَاقِ فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا؟

وَذَلِكَ أَنه كَانَ بايَعه بالمَدِينة وجاءَ يُقَاتِلُهُ بالبَصْرة، أَي مَا الَّذِي صَرَفَك ومَنَعك وَحَمَلَكَ عَلَى التَّخَلّف، بعدَ مَا ظَهَرَ مِنْكَ مِنَ التَّقَدّم فِي الطَّاعَةِ وَالْمُتَابَعَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَا بَدَا لكَ مِنِّي فصَرَفَك عَنِّي، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ مَا عَدَا مِمَّا بدَا أَي مَا عَداك مِمَّا كَانَ بَدَا لَنَا مِنْ نصرِك أَي مَا شَغَلك؛ وأَنشد:

عَدَاني أَنْ أَزُورَك أَنَّ بَهْمِي

عَجايا كلُّها، إِلَّا قَلِيلَا

وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ: مَا عَدَا مَنْ بَدَا، هَذَا خطأٌ وَالصَّوَابُ أَمَا عَدَا مَنْ بَدَا، عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ يَقُولُ: أَلمْ يَعْدُ الحقَّ مَنْ بدأَ بِالظُّلْمِ، وَلَوْ أَراد الإِخبار قَالَ: قَدْ عَدَا منْ بَدانا بِالظُّلْمِ أَي قَدِ اعْتَدَى، أَو إِنَّمَا عَدَا مَنْ بَدَا. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: وَيُقَالُ فَعَلَ فُلَانٌ ذَلِكَ الأَمرَ عَدْواً بَدْواً أَي ظَاهِرًا جِهاراً. وعَوَادِي الدَّهْر: عَواقِبُه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

هَجَرَتْ غَضُوبُ وحُبَّ مَنْ يتَجَنَّبُ،

وعَدَتْ عَوَادٍ دُونَ وَلْيك تَشْعَبُ

ص: 42

وَقَالَ الْمَازِنِيُّ: عَدَا الماءُ يَعْدُو إِذا جَرَى؛ وأَنشد:

وَمَا شَعَرْتُ أَنَّ ظَهْري ابتلَّا،

حَتَّى رأَيْتُ الماءَ يَعْدُو شَلَّا

وعَدِيٌّ: قَبيلَةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وعَدِيٌّ مِنْ قُرَيش رهطُ عُمر بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، وَهُوَ عَدِيُّ بْنِ كَعْب بْنِ لُؤَيِّ بنِ غالبِ بنِ فهْرِ بْنِ مالكِ بنِ النَّضْرِ، وَالنِّسْبَةُ إِليه عَدَوِيٌّ وَعَدَيِيٌّ، وحُجَّة مَن أَجازَ ذَلِكَ أَن الياءَ فِي عَدِيٍّ لمَّا جَرَتْ مَجْرى الصَّحِيحِ فِي اعْتقابِ حَرَكات الإِعراب عَلَيْهَا فَقَالُوا عَدِيٌّ وعَدِيّاً وعَدِيٍّ، جَرَى مَجْرَى حَنِيفٍ فَقَالُوا عَدَيِيٌّ كَمَا قَالُوا حَنَفِيٌّ، فِيمَن نُسِب إِلى حَنِيفٍ. وعَدِيُّ بْنُ عَبْدِ مَناة: مِنَ الرِّباب رَهْطِ ذِي الرُّمَّة، وَالنِّسْبَةُ إِليهم أَيضاً عَدَوِيّ، وعَدِيٌّ فِي بَنِي حَنيفة، وعَدِيٌّ فِي فَزارة. وبَنُو العَدَوِيَّة: قومٌ مِنْ حَنْظلة وتَمِيمٍ. وعَدْوَانُ، بِالتَّسْكِينِ: قَبيلَةٌ، وَهُوَ عَدْوَانُ بْنُ عَمْرو بْنِ قَيْس عَيْلانَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

عَذِيرَ الحَيِّ مِنْ عَدْوانَ،

كَانُوا حيَّةَ الأَرضِ

أَراد: كَانُوا حَيَّاتِ الأَرْضِ، فوضَع الواحدَ مَوْضِعَ الْجَمْعِ. وبَنُو عِدًى: حَيٌّ مِنْ بَنِي مُزَيْنَة، النَسَبَ إِليه عِدَاوِيٌّ نادرٌ؛ قَالَ:

عِداوِيَّةٌ، هيهاتَ منكَ محلُّها

إِذا مَا هِيَ احْتَلَّتْ بقُدْسٍ وآرَةِ

ويروى: بقدس أُوارَةِ. ومَعْدِيكرَبَ: مَنْ جَعله مَفْعِلًا كَانَ لَهُ مَخْرَج مِنَ الْيَاءِ والواو، قال الأَزهري: مَعْدِيكرَب اسْمَانِ جُعِلا اسْمًا وَاحِدًا فأُعْطِيا إِعراباً وَاحِدًا، وَهُوَ الْفَتْحُ. وَبَنُو عِدَاءٍ «1»: قَبِيلَةٌ؛ هن ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

أَلمْ تَرَ أَنَّنا، وبَني عِداءٍ،

توارَثْنا مِنَ الْآبَاءِ داءَ؟

وَهُمْ غيرُ بَنِي عِدًى مِنْ مُزينة. وسَمَوْأَلُ بنُ عادِياءَ، ممدودٌ؛ قَالَ النَّمِر بْنُ تَوْلب:

هَلَّا سأَلْت بِعادِياءَ وبَيْتِه،

والخَلِّ والخَمْرِ الَّتِي لَمْ تُمْنَع

وَقَدْ قصَره المُرادِي فِي شِعْره فَقَالَ:

بَنَى لِي عادِيَا حِصْناً حَصِيناً،

إِذا مَا سامَني ضَيْمٌ أَبَيْتُ

عذا: العَذَاةُ: الأَرضُ الطَّيِّبة التُّرْبَةِ الكَريمَةُ المَنْبِتِ الَّتِي ليستْ بسَبِخَةٍ، وَقِيلَ: هِيَ الأَرضُ البعيدةُ عَنِ الأَحْساءِ والنُّزُوزِ وَالرِّيفِ، السَّهْلَة المَريئَة الَّتِي يَكُونُ كَلَؤُها مَريئاً ناجِعاً، وَقِيلَ: هِيَ البعيدةُ مِنَ الأَنْهارِ والبُحورِ والسِّبَاخِ، وَقِيلَ: هِيَ الْبَعِيدَةُ مِنَ النَّاسِ، وَلَا تكونُ العَذَاةُ ذَاتَ وخامَةٍ وَلَا وَباءٍ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

بأَرْضٍ هِجانِ التُّرْب وسْمِيَّةِ الثَّرى،

عَذَاةٍ نَأَتْ عَنْهَا المُلوحة والبَحْرُ

وَالْجَمْعُ: عَذَواتٌ وعَذاً. والعِذْيُ: كالعَذاةِ، قلبَت الواوُ يَاءً لِضَعْفِ السَّاكِنِ أَن يَحْجُز كَمَا قَالُوا صِبْية، وَقَدْ قِيلَ إِنه ياءٌ، وَالِاسْمُ العَذَاءُ، وَكَذَلِكَ أَرضٌ عَذِيَةٌ مثلُ خَرِبَةٍ. أَبو زَيْدٍ: وعَذُوَتِ الأَرض وعَذِيَتْ أَحسنَ العَذاةِ وَهِيَ الأَرضُ الطيبةُ التُّرْبةِ البعيدةُ مِنَ الْمَاءِ. وَقَالَ حُذَيفة لِرَجُلٍ: إِن كُنْتَ لَا بدَّ نَازِلًا بالبَصْرة فانْزِلْ عَذَواتِها وَلَا تَنْزِلْ سُرَّتها؛ جمعُ عَذاةٍ، وَهِيَ الأَرضُ الطَّيِّبَةُ التُّرْبَةِ الْبَعِيدَةُ مِنَ المِياه والسِّباخ. واسْتَعْذَيْتُ المكانَ واسْتَقْمَأْتُه، وَقَدْ قامأَني فلانٌ أَي وافَقَني.

(1). قوله [وبنو عِدَاء إلخ] ضبط في المحكم بكسر العين وتخفيف الدال والمدّ في الموضعين، وفي القاموس: وبنو عَدَّاء، مضبوطاً بفتح العين والتشديد والمدّ.

ص: 43

وأَرْضٌ عَذَاةٌ إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَمْضٌ وَلَمْ تكنْ قَريبةً مِنْ بِلَادِهِ. والعَذَاة: الخَامَةُ مِنَ الزَّرْعِ. يُقَالُ: رَعَيْنا أَرْضاً عَذَاةً ورَعَيْنا عَذَواتِ الأَرْض، وَيُقَالُ فِي تَصْرِيفِهِ: عَذِيَ يَعْذَى عَذًى، فَهُوَ عَذِيٌّ وعِذْيٌ، وَجَمْعُ العِذْيِ أَعْذَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي تَرْجَمَةِ عَذَيَ بِالْيَاءِ: العِذْيُ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُنبت فِي الصَّيْفِ والشتاءِ مِنْ غَيْرِ نَبْعِ ماءٍ، والعِذْيُ، بِالتَّسْكِينِ: الزَّرْع الَّذِي لَا يُسْقى إِلَّا مِنْ ماءِ المَطَرِ لبُعْدِه مِنَ المِياهِ، وَكَذَلِكَ النَّخْلُ، وَقِيلَ: العِذْي مِنَ النَّخِيل مَا سَقَتْه السماءُ، والبَعْلُ مَا شَرِبَ بعُرُوقه مِنْ عيونِ الأَرض مِنْ غيرِ سَماءٍ وَلَا سَقْيٍ، وَقِيلَ: العِذْيُ البَعْل نَفْسُه، قَالَ: وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ العِذْيُ كلُّ بَلَدٍ لَا حَمْضَ فِيهِ. وإبلٌ عَوَاذٍ إِذا كَانَتْ فِي مَرْعًى لَا حَمْض فِيهِ، فإِذا أَفْرَدْت قلتَ إِبل عَاذِيَة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعْرِفُ مَعْنَى هَذَا، وذهبَ ابنُ جِنِّي إِلى أَنَّ ياءَ عِذْيٍ بدلٌ مِنْ واوٍ لِقَوْلِهِمْ أَرَضُونَ عَذَوَاتٌ، فإِن كَانَ ذَلِكَ فبابُه الْوَاوُ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: إِبلٌ عاذِيَةٌ وعَذَوِيَّة تَرْعى الخُلَّة. والليث: والعِذْيُ موضعٌ بِالْبَادِيَةِ؛ قَالَ الأَزهري: لَا أَعرِفُه وَلَمْ أَسْمَعْه لغيرِه، وأَما قَوْلُهُ فِي العِذْيِ أَيضاً إِنه اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُنْبِتُ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ مِنْ غَيْرِ نَبْعِ ماءٍ فإِن كَلَامَ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَ العِذْيُ اسْمًا لِلْمَوْضِعِ، وَلَكِنِ العِذْيُ مِنَ الزُّرُوعِ والنخيلِ مَا لَا يُسْقَى إِلَّا بِمَاءِ السَّمَاءِ، وَكَذَلِكَ عِذْيُ الكَلإِ والنباتِ مَا بَعُدَ عَنِ الرِّيفِ وأَنْبَتَه ماءُ السماءِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعَذَوَانُ النَّشِيطُ الْخَفِيفُ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ كبِيرُ حِلمٍ وَلَا أَصالةٍ؛ عَنْ كُرَاعٍ، والأُنثى بِالْهَاءِ. وعَذَا يَعْذُو إِذَا طابَ هَواؤه.

عرا: عَرَاهُ عَرْواً واعْتَرَاه، كِلَاهُمَا: غَشِيَه طَالِبًا مَعْرُوفَهُ، وَحَكَى ثَعْلَبٌ: أَنه سَمِعَ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ إِذا أَتيْت رجُلًا تَطْلُب مِنْهُ حَاجَةً قلتَ عَرَوْتُه وعَرَرْتُه واعْتَرَيْتُه واعْتَرَرْتُه؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَرَوْتُه أَعْرُوه إِذا أَلْمَمْتَ بِهِ وأَتيتَه طَالِبًا، فَهُوَ مَعْرُوٌّ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي ذَرٍّ: مَا لَك لَا تَعْتَرِيهمْ وتُصِيبُ مِنْهُمْ؟

هُوَ مِنْ قَصْدِهم وطَلَبِ رِفْدِهم وصِلَتِهِم. وَفُلَانٌ تَعْرُوه الأَضْيافُ وتَعْتَرِيهِ أَي تَغْشاهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:

أَتيتُكَ عَارِياً خَلَقاً ثِيابي،

عَلَى خَوْفٍ، تُظَنُّ بيَ الظُّنونُ

وَقَوْلُهُ عز وجل: إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: كَانُوا كَذَّبوه يَعْنِي هُوداً، ثُمَّ جعَلوه مُخْتَلِطاً وادَّعَوْا أَنَّ آلهَتَهم هِيَ الَّتِي خَبَّلَتْه لعَيبِه إِيَّاها، فهُنالِكَ قَالَ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ مَا نَقُولُ إِلا مَسَّكَ بعضُ أَصْنامِنا بجُنون لسَبِّكَ إِيّاها. وعَراني الأَمْرُ يَعْرُوني عَرْواً واعْتَرَانِي: غَشِيَني وأَصابَني؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاعِي:

قالَتْ خُلَيْدةُ: مَا عَرَاكَ؟ ولمْ تكنْ

بَعْدَ الرُّقادِ عن الشُّؤُونِ سَؤُولا

وَفِي الْحَدِيثِ:

كَانَتْ فَدَكُ لِحُقوقِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، الَّتِي تَعْرُوه

أَي تَغْشَاهُ وتَنْتابُه. وأَعْرَى القومُ صاحِبَهُم: تَرَكُوهُ فِي مَكَانِهِ وذَهَبُوا عَنْهُ. والأَعْرَاءُ: الْقَوْمُ الَّذِينَ لَا يُهِمُّهم مَا يُهِمُّ أَصحابَهم. وَيُقَالُ: أَعْرَاه صَدِيقُه إِذا تَبَاعَدَ عَنْهُ وَلَمْ يَنْصُرْه. وَقَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ لكلِّ شَيْءٍ أَهْمَلْتَه وخَلَّيْتَه

ص: 44

قَدْ عَرَّيْته؛ وأَنشد:

أَيْجَعُ ظَهْري وأُلَوِّي أَبْهَرِي،

لَيْسَ الصحيحُ ظَهْرُه كالأَدْبَرِ،

وَلَا المُعَرَّى حِقْبةً كالمُوقَرِ

والمُعَرَّى: الجَمَل الَّذِي يرسَلُ سُدًى وَلَا يُحْمَل عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ يَصِفُ نَاقَةً:

فكَلَّفْتُها مَا عُرِّيَتْ وتأَبَّدَتْ،

وَكَانَتْ تُسامي بالعَزيبِ الجَمَائِلا

قَالَ: عُرِّيت أُلْقي عَنْهَا الرحْل وتُرِكت مِنَ الحَمْل عَلَيْهَا وأُرْسِلَتْ تَرْعى. والعُرَوَاءُ: الرِّعْدَة، مِثْلُ الغُلَواء. وَقَدْ عَرَتْه الحُمَّى، وَهِيَ قِرَّة الحُمَّى ومَسُّها فِي أَوَّلِ مَا تأْخُذُ بالرِّعْدة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَسَدٌ تَفِرُّ الأُسْدُ مِنْ عُرَوَائِه،

بمَدَافِعِ الرَّجَّازِ أَو بِعُيُون

الرَّجَّازُ: وَادٍ، وعُيُونٌ: موضعٌ، وأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمل فِيهِ صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه. وَيُقَالُ: عَرَاه البَرْدُ وعَرَتْه الحُمَّى، وَهِيَ تَعْرُوه إِذا جاءَته بنافضٍ، وأَخَذَتْه الحُمَّى بعُرَوَائِها، واعْتَرَاهُ الهمُّ، عامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ الأَصمعي: إِذا أَخَذَتِ المحمومَ قِرَّةٌ ووَجَدَ مسَّ الحُمَّى فَتِلْكَ العُرَوَاء، وَقَدْ عُرِيَ الرجلُ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَهُوَ مَعْرُوٌّ، وإِن كَانَتْ نَافِضًا قِيلَ نَفَضَتْه، فَهُوَ مَنْفُوضٌ، وإِن عَرِقَ مِنْهَا فَهِيَ الرُّحَضاء. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: العُرَواء قِلٌّ يأْخذ الإِنسانَ مِنَ الحُمَّى ورِعدَة. وَفِي حَدِيثِ

الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ: أَنه كَانَ تُصيبُه العُرَواءُ

، وَهِيَ فِي الأَصْل بَرْدُ الحُمَّى. وأَخَذَتْه الحُمَّى بنافضٍ أَي برِعْدة وبَرْد. وأَعْرَى إِذا حُمَّ العُرَوَاء. وَيُقَالُ: حُمَّ عُرَواء وحُمَّ العُرَوَاء وحُمَّ عُرْواً «2» . والعَرَاة: شِدَّةِ البرْد. وَفِي حَدِيثِ

أَبي سَلَمَةَ: كنتُ أَرى الرُّؤْيا أُعْرَى مِنْهَا

أَي يُصيبُني البَرْدُ والرِّعْدَة مِنَ الخَوْف. والعُرَوَاء: مَا بينَ اصْفِرارِ الشَّمْسِ إِلى اللَّيْلِ إِذا اشْتَدَّ البَرْدُ وهاجَتْ رِيحٌ باردةٌ. ورِيحٌ عَرِيٌّ وعَرِيَّةٌ: بارِدَة، وَخَصَّ الأَزهري بِهَا الشَّمالَ فَقَالَ: شَمال عَرِيَّةٌ بَارِدَةٌ، وَلَيْلَةٌ عَريَّةٌ بَارِدَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي دُواد:

وكُهولٍ، عِنْدَ الحِفاظ، مَراجِيح

يُبارُونَ كلَّ رِيحٍ عَرِيَّة

وأَعْرَيْنا: أَصابنا ذَلِكَ وَبَلَغْنَا بردَ الْعَشِيِّ. وَمِنْ كلامِهم: أَهْلَكَ فقَدْ أَعْرَيْتَ أَي غَابَتِ الشَّمْسُ وبَرَدَتْ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: العَرَى البَرْد، وعَرِيَت لَيْلَتُنا عَرًى؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

وكأَنَّما اصْطَبَحَتْ قَرِيحَ سَحابةٍ

بِعَرًى، تنازعُه الرياحُ زُلال

قَالَ: العَرَى مَكَانٌ بَارِدٌ. وعُرْوَةُ الدَّلْوِ والكوزِ ونحوهِ: مَقْبِضُهُ. وعُرَى المَزادة: آذانُها. وعُرْوَةُ القَمِيص: مَدْخَلُ زِرِّه. وعَرَّى القَمِيص وأَعْراه: جَعَلَ لَهُ عُرًى. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا تُشَدُّ العُرَى إِلَّا إِلى ثَلَاثَةِ مَساجِدَ

؛ هِيَ جمعُ عُرْوَةٍ، يريدُ عُرَى الأَحْمالِ والرَّواحِلِ. وعَرَّى الشَّيْءَ: اتَّخَذَ لَهُ عُرْوَةً. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها

؛ شُبِّه بالعُرْوَة الَّتِي يُتَمسَّك بِهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: العُرْوَة الوُثْقَى قولُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَقَدْ عَقَدَ لنَفْسِه مِنَ الدِّين عَقْداً وَثِيقًا لَا تَحُلُّه حُجَّة. وعُرْوَتا الفَرْجِ: لحْمٌ

(2). قوله [وحم عرواً] هكذا في الأصل.

ص: 45

ظاهِرٌ يَدِقُّ فيَأْخُذُ يَمْنَةً ويَسْرةً مَعَ أَسْفَلِ البَطْنِ، وفَرْجٌ مُعَرًّى إِذَا كَانَ كَذَلِكَ. وعُرَى المَرْجان: قلائدُ المَرْجان. وَيُقَالُ لطَوْق القِلادة: عُرْوَةٌ. وَفِي النَّوَادِرِ: أَرضٌ عُرْوَةٌ وذِرْوَة وعِصْمة إِذا كَانَتْ خَصيبة خِصَبًا يَبْقَى. والعُرْوَة مِنَ النَّباتِ: مَا بَقِي لَهُ خضْرة فِي الشِّتَاءِ تَتعلَّق بِهِ الإِبلُ حَتَّى تُدرِكَ الرَّبيع، وَقِيلَ: العُرْوَة الْجَمَاعَةُ مِنَ العِضاهِ خاصَّةً يَرْعَاهَا الناسُ إِذَا أَجْدَبوا، وَقِيلَ: العُرْوَةُ بَقِيَّةُ العِضاهِ والحَمْضِ فِي الجَدْبِ، وَلَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنَ الشَّجَرِ عُرْوَةٌ إِلَّا لَهَا، غيرَ أَنه قَدْ يُشْتَقُّ لِكُلِّ مَا بَقِيَ مِنَ الشَّجَرِ فِي الصَّيْفِ. قَالَ الأَزهري: والعُرْوَة مِنْ دِقِّ الشَّجَرِ مَا لَهُ أَصلٌ باقٍ فِي الأَرض مِثْلُ العَرْفَج والنَّصِيِّ وأَجناسِ الخُلَّةِ والحَمْضِ، فَإِذَا أَمْحَلَ الناسُ عَصَمت العُرْوةُ الماشيةَ فتبلَّغَت بِهَا، ضَرَبَهَا اللهُ مَثَلًا لِمَا يُعْتَصَم بِهِ مِنَ الدِّين فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى *

؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

مَا كَانَ جُرِّبَ، عندَ مَدِّ حِبالِكُمْ،

ضَعْفٌ يُخافُ، وَلَا انْفِصامٌ فِي العُرَى

قَوْلُهُ: انْفِصَامٌ فِي العُرَى أَي ضَعْف فِيمَا يَعْتَصِم بِهِ النَّاسُ. الأَزهري: العُرَى ساداتُ النَّاسِ الَّذِينَ يَعْتَصِم بِهِمُ الضُّعفاء ويَعيشون بعُرْفِهم، شبِّهوا بعُرَى الشَّجَر الْعَاصِمَةِ الماشيةَ فِي الجَدْب. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعُرْوَة أَيضاً الشَّجَرُ المُلْتَفُّ الَّذِي تَشْتُو فِيهِ الإِبل فتأْكلُ مِنْهُ، وَقِيلَ: العُرْوَة الشيءُ مِنَ الشجرِ الَّذِي لَا يَزالُ بَاقِيًا فِي الأَرض وَلَا يَذْهَب، ويُشَبَّه بِهِ البُنْكُ مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: العُرْوَة مِنَ الشَّجَرِ مَا يَكْفِي المالَ سَنَته، وَهُوَ مِنَ الشَّجَرِ مَا لَا يَسْقُط وَرَقُه فِي الشِّتاء مِثْلُ الأَراكِ والسِّدْرِ الَّذِي يُعَوِّلُ الناسُ عَلَيْهِ إِذا انْقَطَعَ الكلأَ، وَلِهَذَا قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ إِنَّهُ الشَّجَرُ الَّذِي يَلجأُ إِلَيْهِ المالُ فِي السَّنَةِ المُجْدبة فيَعْصِمُه مِنَ الجَدْبِ، والجمعُ عُرًى؛ قَالَ مُهَلْهِل:

خَلَع المُلوكَ وسارَ تَحْتَ لِوائِه

شجرُ العُرَى، وعُراعِرُ الأَقوامِ

يَعْنِي قَوْمًا يُنتَفَع بِهِمْ تَشْبِيهًا بِذَلِكَ الشَّجَرِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى الْبَيْتُ لشُرَحْبِيل بنِ مالكٍ يمدَحُ معديكرب بْنَ عَكِبٍ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَيُرْوَى عُراعِر وعَراعِر، فَمَنْ ضَمَّ فَهُوَ وَاحِدٌ، وَمَنْ فتَح جَعَلَهُ جَمْعًا، ومثلُه جُوالِق وجَوالِق وقُماقِم وقَماقِم وعُجاهِن وعَجاهِن، قَالَ: والعُراعِرُ هُنَا السيِّد؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

ولمْ أَجِدْ عُرْوَةَ الخلائقِ إلا

الدِّينَ، لمَّا اعْتَبَرْتُ، والحَسبَا

أَي عِمادَه. ورَعَيْنا عُرْوَة مكَّةَ لِما حولَها. والعُرْوَة: النفيسُ مِنَ المالِ كالفَرَسِ الْكَرِيمِ وَنَحْوِهِ. والعُرْيُ: خلافُ اللُّبْسِ. عَرِيَ مِنْ ثَوْبه يَعْرَى عُرْياً وعُرْيَةً فَهُوَ عارٍ، وتَعَرَّى هُوَ عُرْوة شَدِيدَةً أَيضاً وأَعْرَاهُ وعَرَّاه، وأَعْرَاهُ مِنَ الشيءِ وأَعْرَاه إِياهُ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبلٍ فِي صِفَةِ قِدْحٍ:

بِهِ قَرَبٌ أَبْدَى الحَصَى عَنْ مُتونِه،

سَفاسقُ أَعْرَاها اللِّحاءَ المُشَبِّحُ

ورَجلٌ عُرْيَانٌ، وَالْجَمْعُ عُرْيَانُون، وَلَا يُكسَّر، وَرَجُلٌ عارٍ مِنْ قومٍ عُرَاةٍ وامرأَة عُرْيَانَةٌ وعَارٍ وعَارِيَةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمَا كَانَ عَلَى فُعْلانٍ فَمُؤَنَّثُه بِالْهَاءِ. وجاريةٌ حسَنة العُرْيةِ والمُعَرَّى والمُعَرَّاةِ أَيِ المُجَرَّدِ أَي حَسَنَة عندَ تَجْريدِها مِنْ ثِيَابِهَا، وَالْجَمْعُ المَعَارِي، والمَحاسِرُ مِنَ المرأةِ مِثْلُ المَعَاري، وعَرِيَ البَدَن مِنَ اللَّحْم كَذَلِكَ؛

ص: 46

قَالَ قَيْسُ بنُ ذَريح:

وللحُبِّ آيَاتٌ تُبَيّنُ بالفَتى

شُحوباً، وتَعْرَى مِنْ يَدَيْه الأَشاجعُ

وَيُرْوَى: تَبَيَّنُ شُحُوبٌ. وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَتِهِ، صلى الله عليه وسلم:

عارِي الثَّدْيَيْن

، وَيُرْوَى: الثَّنْدُوَتَيْن؛ أَراد أَنه لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَعْرٌ، وَقِيلَ: أَرادَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا لَحْمٌ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي صِفَتِهِ، صلى الله عليه وسلم،

أَشْعَر الذراعَيْن والمَنْكِبَين وأَعْلى الصَّدرِ.

الْفَرَّاءُ: العُرْيَانُ مِنَ النَّبْتِ الَّذِي قَدْ عَرِيَ عُرْياً إِذَا اسْتَبانَ لَكَ. والمَعَارِي: مَبَادِي العِظامِ حيثُ تُرى مِنَ اللَّحْمِ، وَقِيلَ: هِيَ الوَجْهُ واليَدَانِ والرِّجْلانِ لأَنها باديةٌ أَبداً؛ قَالَ أَبو كبِيرٍ الهُذَليّ يَصِفُ قَوْمًا ضُرِبُوا فسَقَطوا عَلَى أَيْديهم وأَرْجُلِهمْ:

مُتَكَوِّرِينَ عَلَى المَعَاري، بَيْنَهُم

ضَرْبٌ كتَعْطاطِ المَزادِ الأَثْجَلِ

وَيُرْوَى: الأَنْجَلِ، ومُتَكَوِّرينَ أَي بعضُهم عَلَى بَعْضٍ. قَالَ الأَزهري: ومَعَارِي رؤوس الْعِظَامِ حَيْثُ يُعَرَّى اللحمُ عَنِ العَظْم. ومَعَارِي الْمَرْأَةِ: مَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ إظْهاره، واحدُها مَعْرًى. وَيُقَالُ: مَا أَحْسَنَ مَعَارِيَ هَذِهِ المرأَة، وَهِيَ يَدَاها ورِجْلاها ووجهُها، وأَورد بَيْتِ أَبي كَبِيرٍ الْهُذَلِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا يَنْظُر الرَّجُلُ إِلَى عِرْيَة المرأَةِ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ، يُرِيدُ مَا يَعْرَى مِنْهَا ويَنْكَشِفُ، وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ

لَا يَنْظُر إِلَى عَوْرَة المرأَةِ

؛ وَقَوْلُ الرَّاعِي:

فإنْ تَكُ ساقٌ مِنْ مُزَيْنَة قَلَّصَتْ

لِقَيْسٍ بحَرْبٍ لَا تُجِنُّ المَعَارِيا

قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: أَراد العورةَ والفَرْجَ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ الهُذَلي:

أَبِيتُ عَلَى مَعَارِيَ واضِحَاتٍ،

بِهِنَّ مُلَوَّبٌ كَدَمِ العِباطِ

فَإِنَّمَا نَصَبَ الياءَ لأَنه أَجْراها مُجْرى الحَرْفِ الصَّحِيحِ فِي ضَرُورةِ الشِّعْرِ، وَلَمْ يُنَوّن لأَنه لا يَنْصرِف، وَلَوْ قَالَ مَعارٍ لَمْ ينكَسر البيتُ وَلَكِنَّهُ فرَّ مِنَ الزِّحَافِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والمَعَارِي الفُرُش، وَقِيلَ: إنَّ الشَّاعِرَ عَناها، وَقِيلَ: عَنى أَجْزاءَ جِسْمِها واخْتار مَعَارِيَ عَلَى مَعَارٍ لأَنه آثَرَ إتْمامَ الوَزْنِ، وَلَوْ قَالَ معارٍ لمَا كُسر الْوَزْنُ لأَنه إِنَّمَا كَانَ يَصِيرُ مِنْ مُفاعَلَتُن إِلَى مَفاعِيلن، وَهُوَ العَصْب؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

فلَوْ كانَ عبدُ اللهِ مَولًى هَجَوْتُه،

ولكِنَّ عبدَ اللهِ مَولى مَوَالِيا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ للمُتَنَخّل الْهُذَلِيِّ. قَالَ: وَيُقَالُ عَرِيَ زيدٌ ثوبَه وكسِي زيدٌ ثَوْباً فيُعَدِّيه إِلَى مَفْعُولٍ؛ قَالَ ضَمْرة بنُ ضَمْرَةَ:

أَرَأَيْتَ إنْ صَرَخَتْ بلَيلٍ هامَتي،

وخَرَجْتُ مِنْها عَارِياً أَثْوابي؟

وَقَالَ الْمُحْدَثُ:

أَمَّا الثِّيابُ فتعْرَى مِنْ مَحاسِنِه،

إِذَا نَضاها، ويُكْسَى الحُسْنَ عُرْيَانا

قَالَ: وَإِذَا نَقَلْتَ أَعرَيْت، بِالْهَمْزِ، قُلْتَ أَعْرَيْتُه أَثْوَابَه، قَالَ: وأَما كَسِيَ فتُعَدِّيه مِنْ فَعِل إِلَى فَعَل فَتَقُولُ كَسَوْتُهُ ثَوْبًا، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَعْرَيْته أَنا وعَرَّيْتُه تَعْرية فتَعَرَّى. أَبو الْهَيْثَمِ: دَابَّةٌ عُرْيٌ وخَيْلٌ أَعْرَاءٌ ورَجلٌ عُرْيَان وامرأَةٌ عُرْيَانَةٌ إِذَا عَرِيا مِنْ أَثوابهما، وَلَا يُقَالُ رجلٌ عُرْيٌ. ورجلٌ عارٍ إِذَا أَخْلَقَت أَثوابُه؛ وأَنشد

ص: 47

الأَزهري هُنَا بَيْتَ النَّابِغَةِ:

أَتَيْتُك عارِياً خَلَقاً ثِيابي

وَقَدْ تَقَدَّمَ. والعُرْيانُ مِنَ الرَّمْل: نَقًا أَو عَقِدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ شَجَرٌ. وفَرَسٌ عُرْيٌ: لَا سَرْجَ عَلَيْهِ، وَالْجَمْعُ أَعْراءٌ. قَالَ الأَزهري: يُقَالُ: هُوَ عِرْوٌ مِنْ هَذَا الأَمر كَمَا يُقَالُ هُوَ خِلْوٌ مِنْهُ. والعِرْوُ: الخِلْو، تَقُولُ أَنا عِرْوٌ مِنْهُ، بِالْكَسْرِ، أَيْ خِلْو. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ورجلٌ عِرْوٌ مِنَ الأَمْرِ لَا يَهْتَمُّ بِهِ، قَالَ: وأُرَى عِرْواً مِنَ العُرْيِ عَلَى قَوْلِهِمْ جَبَيْتُ جِباوَةً وأَشاوَى فِي جَمْعِ أَشْياء، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فبابُه الياءُ، والجمعُ أَعْرَاءٌ؛ وَقَوْلُ لَبِيدٌ:

والنِّيبُ إنْ تُعْرَ منِّي رِمَّةً خَلَقاً،

بَعْدَ المَماتِ، فَإِنِّي كُنتُ أَتَّئِرُ

وَيُرْوَى: تَعْرُ مِنِّي أَي تَطْلُب لأَنها رُبَّمَا قَضِمت العظامَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: تُعْرَ منِّي مَنْ أَعْرَيْتُه النخلةَ إِذَا أَعطيته ثَمَرَتَهَا، وتَعْرُ مِنِّي تَطْلُب، مِنْ عَرَوْتُه، ويروى: تَعْرُمَنِّي، بِفَتْحِ الْمِيمِ، مِنْ عَرَمْتُ العظمَ إِذَا عَرَقْت مَا عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْمِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنَّهُ أُتيَ بِفَرَسٍ مُعْرَوْرٍ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي لَا سَرْج عَلَيْهِ وَلَا غَيْرَهُ. واعْرَوْرَى فرسَه: رَكبه عُرْياً، فَهُوَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، أَو يَكُونُ أُتي بِفَرَسٍ مُعْرَوْرىً عَلَى الْمَفْعُولِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: واعْرَوْرَى الفرسُ صارَ عُرْياً. واعْرَوْرَاه: رَكبَه عُرْياً، وَلَا يُسْتَعْمل إِلَّا مَزِيدًا، وَكَذَلِكَ اعْرَوْرَى الْبَعِيرُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

واعْرَوْرَتِ العُلُطَ العُرْضِيَّ، تَرْكُضُه

أُمُّ الْفَوَارِسِ بالدِّئْداء والرَّبَعَهْ

وَهُوَ افعَوْعَل؛ واسْتَعارَه تأَبَّطَ شَرًّا للمَهْلَكة فَقَالَ:

يَظَلُّ بمَوْماةٍ ويُمْسِي بغيرِها

جَحِيشاً، ويَعْرَوْرِي ظُهورَ المَهالكِ

وَيُقَالُ: نَحْنُ نُعاري أَي نَرْكَبُ الْخَيْلَ أَعْرَاءً، وَذَلِكَ أَخفُّ فِي الْحَرْبِ. وَفِي حَدِيثِ

أَنس: أَن أَهل الْمَدِينَةِ فَزِعوا لَيْلًا، فَرَكِبَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، فَرَسًا لأَبي طَلْحَةَ عُرْياً.

واعْرَوْرَى مِنِّي أَمراً قَبِيحًا: رَكِبَه، وَلَمْ يَجِئ فِي الكلامِ افْعَوْعَل مُجاوِزاً غَيْرَ اعْرَوْرَيْت، واحْلَوْلَيْت المكانَ إِذَا اسْتَحْلَيْته. ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِمْ أَنا النَّذير العُريان: هُوَ رَجُلٌ مَنْ خَثْعَم، حَمَل عَلَيْهِ يومَ ذِي الخَلَصة عوفُ بنُ عَامِرِ بْنِ أَبِي عَوْف بْنِ عُوَيْف بْنِ مَالِكِ بْنِ ذُبيان ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَشْكُر فقَطع يدَه وَيَدَ امرأَته، وَكَانَتْ مِنْ بَنِي عُتْوارة بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ إِنَّمَا مَثَلي ومَثَلُكم كَمَثَلِ رَجُلٍ أَنْذَر قومَه جَيْشاً فَقَالَ: أَنا النَّذير العُرْيان أُنْذِركم جَيْشاً

؛ خَصَّ العُرْيان لأَنه أَبْيَنُ لِلْعَيْنِ وأَغرب وأَشنع عِنْدَ المُبْصِر، وَذَلِكَ أَن رَبيئة الْقَوْمَ وعَيْنَهم يَكُونُ عَلَى مَكَانٍ عالٍ، فَإِذَا رَأَى العَدُوَّ وَقَدْ أَقبل نَزَع ثَوْبَهُ وأَلاحَ بِهِ ليُنْذِرَ قومَه ويَبْقى عُرْياناً. وَيُقَالُ: فُلَانٌ عُرْيَان النَّجِيِّ إِذَا كَانَ يُناجي امرأَتَه ويُشاوِرها ويصَدُرُ عَنْ رَأْيها؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

أَصاخَ لِعُرْيانِ النَّجِيِّ، وإنَّه

لأَزْوَرُ عَنْ بَعْض المَقالةِ جانِبُهْ

أَي اسْتَمع إِلَى امْرَأَتِهِ وأَهانني. وأَعْرَيتُ المَكانَ: ترَكْتُ حضُوره؛ قَالَ ذُو الرمة:

ومَنْهَل أَعْرَى حَياه الْحُضَّرُ

ص: 48

والمُعَرَّى مِنَ الأَسماء: مَا لمْ يدخُلْ عَلَيه عاملٌ كالمُبْتَدإ. والمُعَرَّى مِنَ الشِّعْر: مَا سَلِمَ مِنَ الترْفِيلِ والإِذالةِ والإِسْباغِ. وعَرَّاهُ مِنَ الأَمرِ: خَلَّصَه وجَرَّده. وَيُقَالُ: مَا تَعَرَّى فُلَانٌ مِنْ هَذَا الأَمر أَي مَا تخلَّص. والمَعَارِي: الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ. وَرَوَى الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي: العَرَا الفِناء، مَقْصُورٌ، يُكْتَبُ بالأَلف لأَن أُنْثاه عَرْوَة؛ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ العَرَا الساحةُ والفِناء، سُمِّيَ عَراً لأَنه عَرِيَ مِنَ الأَبنية والخِيام. وَيُقَالُ: نَزَلَ بِعَراه وعَرْوَتِه وعَقْوَتِه أَي نزَل بساحَتهِ وَفِنَائِهِ، وَكَذَلِكَ نَزَل بِحَراه، وأَما العَراء، مَمْدُودًا، فَهُوَ مَا اتَّسَع مِنْ فَضَاءِ الأَرض؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هُوَ المكانُ الفَضاءُ لَا يَسْتَتِرُ فِيهِ شيءٌ، وَقِيلَ: هِيَ الأَرضُ الْوَاسِعَةُ. وَفِي التَّنْزِيلِ: فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ

، وجَمْعُه أَعْرَاءٌ؛ قَالَ ابْنَ جِنِّي: كَسَّروا فَعالًا عَلَى أَفْعالٍ حَتَّى كَأَنَّهُمْ إِنَّمَا كسَّروا فَعَلًا، وَمِثْلُهُ جَوادٌ وأَجوادٌ وعَياءٌ وأَعْياءٌ، وأَعْرَى: سارَ فِيها «3»

؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ عَراءٌ لأَنه لَا شَجَرَ فِيهِ وَلَا شَيْءَ يُغَطِّيه، وَقِيلَ: إِنَّ العَرَاء وَجْه الأَرض الْخَالِي؛ وأَنشد:

وَرَفَعْتُ رِجلًا لَا أَخافُ عِثارَها،

ونَبَذْتُ بالبَلَدِ العَرَاء ثِيَابِي

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: العَرَاء عَلَى وجْهين: مَقْصُورٌ، وَمَمْدُودٌ، فَالْمَقْصُورُ النَّاحِيَةُ، وَالْمَمْدُودُ الْمَكَانُ الْخَالِي. والعَراء: مَا اسْتَوَى مِنْ ظَهْر الأَرض وجَهَر. والعَراء: الجَهراء، مُؤَنَّثَةٌ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ. والعَرَاء: مُذكَّر مَصْرُوفٌ، وهُما الأَرض الْمُسْتَوِيَةُ المُصْحرة وَلَيْسَ بِهَا شَجَرٌ وَلَا جبالٌ وَلَا آكامٌ وَلَا رِمال، وَهُمَا فَضاء الأَرض، وَالْجَمَاعَةُ الأَعْرَاء. يُقَالُ: وَطِئْنا عَرَاءَ الأَرض والأَعْرِيَة. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: العَرَا مِثْلَ العَقْوَة، يُقَالُ: مَا بِعَرانا أَحَدٌ أَي مابعَقْوَتنا أَحدٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

فكَرِهَ أَن يُعْرُوا الْمَدِينَةَ

، وَفِي رِوَايَةٍ: أَن تَعْرَى أَي تَخْلُو وَتَصِيرُ عَرَاءً، وَهُوَ الْفَضَاءُ، فَتَصِيرُ دُورهُم فِي العَراء. والعَراء: كلُّ شيءٍ أُعْرِيَ من سُتْرَتِه. وتقول: اسُتُرْه عَنِ العَرَاء. وأَعْرَاءُ الأَرض: مَا ظَهَر مِنْ مُتُونِها وظُهورِها، واحدُها عَرًى؛ وأَنشد:

وبَلَدٍ عارِيَةٍ أَعْرَاؤه

والعَرَى: الحائطُ، وقيلَ كلُّ مَا سَتَرَ مِنْ شيءٍ عَرًى. والعِرْو: الناحيةُ، وَالْجَمْعُ أَعْرَاءٌ. والعَرَى والعَرَاةُ: الجنابُ والناحِية والفِناء وَالسَّاحَةُ. ونزَل فِي عَرَاه أَي فِي ناحِيَتِه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ جِنِّي:

أَوْ مُجْزَ عَنْهُ عُرِيَتْ أَعْراؤُه «4»

فَإِنَّهُ يكونُ جمعَ عَرىً مِنْ قَوْلِكَ نَزَل بِعَراهُ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ جَمْعَ عَراءٍ وأَن يَكُونَ جَمع عُرْيٍ. واعْرَوْرَى: سَارَ فِي الأَرضِ وَحْدَه وأَعْرَاه النَّخْلَةَ: وَهَبَ لَهُ ثَمرَة عامِها. والعَرِيَّة: النَّخْلَةُ المُعْراةُ؛ قَالَ سُوَيدُ بْنُ الصَّامِتِ الأَنصاري:

لَيْسَتْ بسَنْهاءَ وَلَا رُجَّبِيَّة،

وَلَكِنْ عَرَايا فِي السِّنينَ الجَوائحِ

يَقُولُ: إنَّا نُعْرِيها الناسَ. والعَرِيَّةُ أَيضاً: الَّتِي تُعْزَلُ عَنِ المُساومةِ عِنْدَ بَيْعِ النخلِ، وَقِيلَ: العَرِيَّة النَّخْلَةُ الَّتِي قَدْ أكِل مَا عَلَيْهَا. وَرُوِيَ

عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: خَفِّفوا فِي الخَرْصِ فَإِنَّ فِي الْمَالِ العَرِيَّة والوَصِيَّة

، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:

أَنَّهُ رَخَّص فِي العَرِيَّة والعَرَايا

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: العَرَايا

(3). قوله: سار فيها أي سار في الأَرض العراء.

(4)

. قوله [أو مجز عنه] هكذا في الأَصل، وفي المحكم: أو مجن عنه.

ص: 49

وَاحِدَتُهَا عَرِيَّة، وَهِيَ النَّخْلَةُ يُعْرِيها صاحبُها رَجُلًا مُحْتَاجًا، والإِعراءُ: أَنْ يجعلَ لَهُ ثَمرَة عامِها. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: قَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ مِنَّا مَنْ يُعْرِي، قَالَ: وَهُوَ أَن يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ النخلَ ثُمَّ يَسْتَثْنِيَ نَخْلَةً أَو نَخْلَتَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْعَرَايَا ثَلَاثَةُ أَنواع، وَاحِدَتُهَا أَن يَجِيءَ الرَّجُلُ إِلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ فَيَقُولُ لَهُ: بِعْني مِنْ حَائِطِكَ ثَمَرَ نَخلَات بأَعيانها بِخرْصِها مِنَ التَّمْر، فَيَبِيعُهُ إِيَّاهَا وَيَقْبِضُ التَّمر ويُسَلِّم إِلَيْهِ النخَلات يأْكلها وَيَبِيعُهَا ويُتَمِّرها وَيَفْعَلُ بِهَا مَا يَشَاءُ، قَالَ: وجِماعُ العَرَايا كلُّ مَا أُفْرِد لِيُؤْكَلَ خاصَّة وَلَمْ يَكُنْ فِي جُمْلَةِ الْمَبِيعِ مِنْ ثَمَر الْحَائِطِ إِذَا بيعَتْ جُمْلتُها مِنْ وَاحِدٍ، وَالصِّنْفُ الثَّانِي أَن يَحْضُر رَبَّ الْحَائِطِ القومُ فَيُعْطِي الرجلَ النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ وأَكثر عَرِيَّةً يأْكلها، وَهَذِهِ فِي مَعْنَى المِنْحة، قَالَ: وللمُعْرَى أَن يَبِيعَ ثَمرَها ويُتَمِّره وَيَصْنَعَ بِهِ مَا يَصْنَعُ فِي مَالِهِ لأَنه قَدْ مَلَكه، وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ مِنَ الْعَرَايَا أَن يُعْرِي الرجلُ الرجلَ النَّخلةَ وأَكثر مِنْ حَائِطِهِ ليأْكل ثَمَرَهَا ويُهْدِيه ويُتَمِّره وَيَفْعَلَ فِيهِ مَا أَحبَّ وَيَبِيعَ مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ مِنْهُ، فَتَكُونُ هَذِهِ مُفْرَدة مِنَ الْمَبِيعِ مِنْهُ جُمْلَةً؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: العَرَايا أَن يَقُولَ الغنيُّ لِلْفَقِيرِ ثَمَرُ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَو النَّخلات لَكَ وأَصلُها لِي، وأَما تَفْسِيرِ قَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم،

إِنَّهُ رخَّص فِي العَرَايا

، فَإِنَّ التَّرْخِيصَ فِيهَا كَانَ بَعْدَ نَهَى النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم

عن المُزابَنة

، وَهِيَ بَيْعُ الثَّمَرِ في رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ، ورخَّصَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُزَابَنَةِ فِي الْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوسُق، وَذَلِكَ لِلرَّجُلِ يَفْضُل مِنْ قُوتِ سَنَته التَّمْرُ فيُدْرِك الرُّطَب وَلَا نَقْدَ بِيَدِهِ يَشْتَرِي بِهِ الرُّطَب، وَلَا نَخْلَ لَهُ يأْكل مِنْ رُطَبه، فَيَجِيءُ إِلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ فَيَقُولُ لَهُ بِعْنِي ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَو نَخْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثٍ بِخِرْصِها مِنَ التَّمْر، فَيُعْطِيهِ التَّمْرَ بثَمَر تِلْكَ النَّخلات ليُصيب مِنْ رُطَبها مَعَ النَّاسِ، فرَخَّص النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، مِنْ جُمْلَةِ مَا حَرَّم مِنَ المُزابَنة فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُق، وَهُوَ أَقلُّ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَهَذَا مَعْنَى تَرْخِيصِ النبي، صلى الله عليه وسلم، فِي العَرايا لأَن بَيْعَ الرُّطَب بالتَّمْر محرَّم فِي الأَصل، فأَخرج هَذَا الْمِقْدَارَ مِنَ الْجُمْلَةِ المُحَرَّمة لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ؛ قَالَ الأَزهري: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ العَرِيَّة مأْخوذة مِنْ عَرِيَ يَعْرَى كأَنها عَرِيَتْ مِنْ جُمْلَةِ التَّحْرِيمِ أَي حَلَّتْ وخَرَجَتْ مِنْهَا، فَهِيَ عَرِيَّة، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ المستثناةِ مِنَ الْجُمْلَةِ. قَالَ الأَزهري: وأَعْرَى فُلَانٌ فُلَانًا ثَمَرَ نخلةٍ إِذَا أَعطاه إِيَّاهَا يأْكل رُطَبها، وَلَيْسَ فِي هَذَا بيعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فَضْلٌ وَمَعْرُوفٌ. وَرَوَى شَمِرٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَحمد عَنْ أَبيه قَالَ: العَرايا أَن يُعْرِي الرجلُ مِنْ نَخْلِهِ ذَا قَرَابَتِهِ أَو جارَه مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ أَي يَهبَها لَهُ، فأُرْخص للمُعْرِي فِي بَيْعِ ثَمَرِ نَخْلَةٍ فِي رَأْسِهَا بِخِرْصِها مِنَ التَّمْرِ، قَالَ: والعَرِيَّة مستثناةٌ مِنْ جُمْلَةِ مَا نُهِي عَنْ بَيْعِهِ مِنَ المُزابنَة، وَقِيلَ: يَبِيعُهَا المُعْرَى مِمَّنْ أَعراه إيَّاها، وَقِيلَ: لَهُ أَن يَبِيعَهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَقَالَ الأَزهري: النَّخْلَةُ العَرِيَّة الَّتِي إِذَا عَرَضْتَ النخيلَ عَلَى بَيْع ثَمَرها عَرَّيْت مِنْهَا نَخْلَةً أَي عَزَلْتها عن الْمُسَاوَمَةِ. وَالْجَمْعُ العَرَايا، وَالْفِعْلُ مِنْهُ الإِعْرَاء، وَهُوَ أَن تَجْعَلَ ثَمَرَتَهَا لِمُحْتاج أَو لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ عامَها ذَلِكَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَرِيَّة فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَإِنَّمَا أُدخلت فِيهَا الْهَاءُ لأَنها أُفردت فَصَارَتْ فِي عِدَادِ الأَسماء مِثْلَ النَّطِيحة والأَكيلة، وَلَوْ جِئْتَ بِهَا مَعَ النَّخْلَةِ قُلْتَ نَخْلَةٌ عرِيٌّ؛ وَقَالَ: إِنَّ تَرْخِيصَهُ فِي بَيْعِ العَرايا بَعْدَ نَهْيِهِ عَنِ المُزابنة لأَنه ربَّما تأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى أَن يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ فرُخِّص لَهُ فِي ذَلِكَ.

ص: 50

واسْتعْرَى الناسُ فِي كلِّ وجهٍ، وَهُوَ مِنَ العَرِيَّة: أَكلوا الرُّطَبَ مِنْ ذَلِكَ، أَخَذَه مِنَ العَرايا. قَالَ أَبُو عَدْنَانَ: قَالَ الْبَاهِلِيُّ العَرِيَّة مِنَ النَّخْلِ الفارِدَةُ الَّتِي لَا تُمْسِك حَمْلَها يَتَناثر عَنْهَا؛ وأَنشدني لِنَفْسِهِ:

فَلَمَّا بَدَتْ تُكْنَى تُضِيعُ مَوَدَّتي،

وتَخْلِطُ بِي قَوْمًا لِئاماً جُدُودُها

رَدَدْتُ عَلَى تُكْنَى بَقِيَّةَ وَصْلِها

رَمِيماً، فأمْسَتْ وَهيَ رثٌّ جديدُها

كَمَا اعْتكرَتْ للَّاقِطِين عَرِيَّةٌ

مِنَ النَّخْلِ، يُوطَى كلَّ يومٍ جَريدُها

قَالَ: اعْتِكارُها كثرةُ حَتِّها، فَلَا يأْتي أَصلَها دابَّةٌ إِلَّا وَجَدَ تَحْتَهَا لُقاطاً مِنْ حَمْلِها، وَلَا يَأْتِي حَوافيها إِلَّا وَجَد فِيهَا سُقاطاً مِنْ أَيّ مَا شاءَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

شَكا رجلٌ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، رضي الله عنه، وَجَعاً فِي بَطْنِهِ فَقَالَ: كُلْ عَلَى الرِّيقِ سَبْعَ تَمَرات مِنْ نَخْلٍ غَيْرِ مُعَرّىً

؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: المُعَرَّى المُسَمَّد، وأَصله المُعَرَّر مِنَ العُرَّة، وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ فِي عَرَرَ. والعُرْيان مِنَ الْخَيْلِ: الفَرَس المُقَلِّص الطَّوِيلُ الْقَوَائِمِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبِهَا أَعراءٌ مِنَ الناسِ أَي جماعةٌ، واحدُهُم عِرْوٌ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: أَتَتْنا أَعْرَاؤُهم أَي أَفخاذهم. وَقَالَ الأَصمعي: الأَعْرَاء الَّذِينَ يَنْزِلُونَ بِالْقَبَائِلِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَاحِدُهُمْ عُرْيٌ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:

وأَمْهَلْت أَهْلَ الدَّارِ حَتَّى تَظاهَرُوا

عَليَّ، وَقَالَ العُرْيُ مِنْهُمْ فأَهْجَرَا

وعُرِيَ إِلَى الشَّيْءِ عَرْواً: بَاعَهُ ثُمَّ اسْتَوْحَش إِلَيْهِ. قَالَ الأَزهري: يُقَالُ عُريتُ إِلَى مالٍ لِي أَشدَّ العُرَوَاء إِذَا بِعْته ثُمَّ تَبِعَتْه نفسُكَ. وعُرِيَ هَواه إِلَى كَذَا أَي حَنَّ إِلَيْهِ؛ وَقَالَ أَبو وَجْزة:

يُعْرَى هَواكَ إِلَى أَسْماءَ، واحْتَظَرَتْ

بالنأْيِ والبُخْل فِيمَا كَانَ قَد سَلَفا

والعُرْوَة: الأَسَدُ، وبِه سُمِّي الرَّجُلُ عُرْوَة. والعُرْيَان: اسْمُ رَجُلٍ. وأَبو عُرْوَةَ: رجلٌ زَعَموا كَانَ يَصِيحُ بالسَّبُعِ فيَموت، ويَزْجُرُ الذِّئْبَ والسَّمْعَ فيَموتُ مكانَه، فيُشَقُّ بَطْنُه فيوجَدُ قَلْبُه قَدْ زالَ عَنْ مَوْضِعِهِ وخرَجَ مِنْ غِشائه؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:

وأَزْجُرُ الكاشِحَ العَدُوَّ، إذا اغْتابَك،

زَجْراً مِنِّي على وَضَمِ

زَجْرَ أَبي عُرْوَةَ السِّباعَ، إِذَا

أَشْفَقَ أَنْ يَلْتَبِسْنَ بالغَنَمِ

وعُرْوَةُ: اسمٌ. وعَرْوَى وعَرْوَانُ: مَوْضِعَانِ؛ قَالَ ساعِدَة بْنُ جُؤيَّة:

وَمَا ضَرَبٌ بَيْضاءُ يَسْقِي دَبُوبَها

دُفاقٌ، فعَرْوانُ الكَراثِ، فَضِيمُها؟

وَقَالَ الأَزهري: عَرْوَى اسْمُ جَبَلٍ، وَكَذَلِكَ عَرْوَانُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وعَرْوَى اسْمُ أَكَمة، وَقِيلَ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:

كَطاوٍ بعَرْوَى أَلْجَأَتْهُ عَشِيَّةٌ،

لَهَا سَبَلٌ فِيهِ قِطارٌ وحاصِبُ

وأَنشد لِآخَرَ:

عُرَيَّةُ ليسَ لَهَا ناصرٌ،

وعَرْوَى الَّتِي هَدَمَ الثَّعْلَبُ

قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمزة وعَرْوَى اسْمُ أَرْضٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

يَا وَيْحَ نَاقَتِيَ، الَّتِي كَلَّفْتُها

عَرْوَي، تَصِرُّ وِبارُها وتُنَجِّم

ص: 51

أَي تَحْفِرُ عَنِ النَّجْمِ، وَهُوَ مَا نَجَم مِنَ النَّبْت. قَالَ: وأَنْشَدَه المُهَلَّبي فِي المَقصور كلَّفْتها عَرَّى، بِتَشْدِيدِ الراءِ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا عَرَّى وادٍ. وعَرْوَى: هَضْبَة. وابنُ عَرْوَانَ: جبَل؛ قَالَ ابْنُ هَرْمة:

حِلْمُه وازِنٌ بَناتِ شَمامٍ،

وابنَ عَرْوانَ مُكْفَهِرَّ الجَبينِ

والأُعْرُوَانُ: نَبْتٌ، مثَّل بِهِ سِيبَوَيْهِ وفسَّره السِّيرَافِيُّ. وَفِي حَدِيثِ عُرْوَة بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كلَّمتُ مسعودَ بنَ عَمْروٍ مُنْذُ عَشْرِ سِنين والليلةَ أُكَلِّمُه، فَخَرَجَ فَنَادَاهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عُرْوَة، فأَقْبَل مسعودٌ وهو يقول:

أَطَرَقَتْ عَرَاهِيَهْ،

أَمْ طَرَقَتْ بِداهِيهْ؟

حَكَى ابْنُ الأَثير عَنِ الْخَطَّابِيِّ قَالَ: هَذَا حرفٌ مُشْكِل، وَقَدْ كَتَبْتُ فِيهِ إِلَى الأَزهري، وَكَانَ مِنْ جَوَابِهِ أَنه لَمْ يَجِدْه فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، والصوابُ عِنْده عَتاهِيَهْ، وهي الغَفْلة والدَّهَش أَي أَطَرَقْت غَفْلَةً بِلَا روِيَّة أَو دَهَشاً؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ لَاحَ لِي فِي هَذَا شيءٌ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الكَلِمة مُركَّبةً من اسْمَيْن: ظاهرٍ، ومكْنِيٍّ، وأَبْدَل فِيهِمَا حَرْفاً، وأَصْلُها إماَّ مِنَ العَراءِ وَهُوَ وَجْهُ الأَرض، وإِما منَ العَرا مقصورٌ، وَهُوَ الناحيَة، كأَنه قال أَطَرَقْتَ عَرائي أَي فِنائي زَائِرًا وضَيْفاً أَم أَصابتك داهِيَةٌ فجئْتَ مُسْتَغِيثاً، فالهاءُ الأُولى مِنْ عَرَاهِيَهْ مُبدلَة من الهمزة، وَالثَّانِيَةُ هاءُ السَّكْت زِيدَتْ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ؛ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يحتمِل أَن يكونَ بِالزَّايِ، مصدرٌ مِنْ عَزِه يَعْزَهُ فَهُوَ عَزِةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرَبٌ فِي الطَّرَب، فَيَكُونُ. مَعْنَاهُ أَطَرَقْت بِلَا أَرَبٍ وحاجةٍ أَم أَصابَتْك دَاهِيَةٌ أَحوجَتْك إِلَى الِاسْتِغَاثَةِ؟ وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي تَرْجَمَةِ عَرَا حَدِيثَ المَخْزومية الَّتِي تَسْتَعِيرُ المَتاع وتَجْحَدُه، وَلَيْسَ هَذَا مكانَه فِي ترتيبِنا نَحْنُ فَذَكَرْنَاهُ في ترجمة عَوَر.

عزا: العَزَاءُ: الصَّبْرُ عَنْ كُلِّ مَا فَقَدْت، وَقِيلَ: حُسْنُه، عَزِيَ يَعْزَى عَزَاءً، مَمْدُودٌ، فَهُوَ عَزٍ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لعَزِيٌّ صَبُورٌ إِذَا كَانَ حَسَنَ العَزَاء عَلَى المَصائِب. وعَزَّاه تَعْزِيَةً، عَلَى الْحَذْفِ والعِوَض، فتَعَزَّى؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يَجُوزُ غيرُ ذَلِكَ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: الإِتمامُ أَكثر فِي لِسان الْعَرَبِ، يَعْنِي التَّفْعِيلُ مِنْ هَذَا النَّحْوِ، وَإِنَّمَا ذكَرْت هَذَا ليُعْلَمَ طريقُ القِياس فِيهِ، وَقِيلَ: عَزَّيْتُه مِنْ بَابِ تَظَنَّيْت، وَقَدْ ذُكِرَ تَعْلِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَتَقُولُ: عَزَّيْتُ فُلَانًا أُعَزِّيه تَعْزِيَةً أَي أَسَّيْته وضَرَبْت لَهُ الأُسى، وأَمَرْتُه بالعَزَاء فتَعَزَّى تَعَزِّياً أَي تَصَبَّرَ تَصَبُّراً. وتَعازى القومُ: عَزَّى بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي. والتَّعْزُوَةُ: العَزاءُ؛ حَكَاهُ ابْنُ جِنِّي عَنْ أَبي زَيْدٍ، اسْمٌ لَا مصدرٌ لأَن تَفْعُلَة ليستْ مِنْ أَبْنِية الْمَصَادِرِ، وَالْوَاوُ هَاهُنَا ياءٌ، وَإِنَّمَا انْقَلَبَتْ للضَّمَّة قبلَها كَمَا قَالُوا الفُتُوّة. وعَزَا الرجلَ إِلَى أَبِيهِ عَزْواً: نَسَبَهُ، وَإِنَّهُ لحَسَن العِزْوَةِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وعَزَاه إِلَى أَبيه عَزْياً نَسَبه، وَإِنَّهُ لحَسَنُ العِزْيَة؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. يُقَالُ: عَزَوْتُه إِلَى أَبيه وعَزَيْتُه، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالِاسْمُ العَزَاء. وعَزَا فلانٌ نفسَه إِلَى بَنِي فلانٍ يَعْزُوها عَزْواً وعَزَا واعْتَزَى وتَعَزَّى، كُلُّهُ: انتَسَب، صِدْقاً أَو كَذباً، وانْتَمى إِلَيْهِمْ مِثْلُهُ، والاسمُ العِزْوَة والنِّمْوَة، وَهِيَ بِالْيَاءِ أَيضاً. والاعْتِزَاءُ: الادِّعاءُ والشِّعارُ فِي الحَرْبِ مِنْهُ. والاعْتِزَاءُ: الانْتِماءُ. وَيُقَالُ: إِلَى مَنْ تَعْزِي هَذَا الْحَدِيثَ؟ أَي إِلَى مَن تَنْمِيه. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:

ص: 52

حدَّث عطاءٌ بِحَدِيثٍ فَقِيلَ لَهُ: إِلَى مَن تَعْزِيه؟ أَي إِلَى مَنْ تُسْنِدُه، وَفِي رِوَايَةٍ: فقُلْتُ لَهُ أَتَعْزِيهِ إِلَى أَحد؟ وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن تَعَزَّى بعَزَاء الْجَاهِلِيَّةِ فأَعِضُّوه بِهَنِ أَبيه وَلَا تَكْنُوا

؛ قَوْلُهُ تَعَزَّى أَي انْتَسَبَ وانْتَمى. يُقَالُ: عَزَيْتُ الشيءَ وعَزَوْتُه أَعْزِيه وأَعْزُوه إِذَا أَسْنَدْتَه إِلَى أَحدٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا تَكْنُوا أَي قُولُوا لَهُ اعضَضْ بأَيْرِ أَبيك، وَلَا تَكْنُوا عن الأَيْرِ بالْهَنِ. والعَزَاءُ والعِزْوَة: اسْمٌ لدَعْوَى المُسْتَغِيثِ، وَهُوَ أَن يَقُولَ: يَا لَفُلانٍ، أَو يَا لَلأَنصار، أَو يَا لَلْمُهاجرينَ قَالَ الرَّاعِي:

فَلَمَّا الْتَقَتْ فُرْسانُنا ورجالُهم،

دَعَوْا: يَا لَكَعْبٍ واعْتَزَيْنا لعامِرِ

وَقَوْلُ بشرِ بْنُ أَبي خازِمٍ:

نَعْلُو القَوانِسَ بالسيُّوف ونَعْتَزِي،

والخَيلُ مُشْعَرَة النُّحورِ مِنَ الدَّمِ

وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن لمْ يَتَعَزَّ بعزَاءِ اللَّهِ فَلَيْسَ مِنَّا

أَي مَن لَمْ يَدْعُ بدَعْوَى الإِسلامِ فيقولَ: يَا لَلَّه أَو يَا لَلإِسلامِ أَو يَا لَلْمُسْلِمِينَ وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه، أَنه قَالَ: يَا للهِ لِلْمُسْلِمِينَ

قَالَ الأَزهري: لَهُ وَجْهان: أَحدهما أَنّ لَا يَتَعَزَّى بعَزاء الجاهِليَّة ودَعْوَى القَبائل، وَلَكِنْ يَقُولُ يَا لَلْمُسْلِمِينَ فَتَكُونُ دَعْوَة المُسْلِمِينَ وَاحِدَةً غيرَ مَنْهِيٍّ عَنْهَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَن مَعْنى التَّعَزِّي فِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّأَسِّي والصَّبرُ، فَإِذَا أَصاب المُسْلِمَ مصيبةٌ تَفْجَعُه قَالَ: إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، كَمَا أَمَره اللَّهُ، ومَعنى قَوْلِهِ بعَزَاءِ اللَّهِ أَي بتَعْزِيَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ؛ فأَقام الاسمَ مُقامَ المَصْدرِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ التَّعْزية، مِنْ عَزَّيْتُ كَمَا يُقَالُ أَعْطَيْته عَطاءً وَمَعْنَاهُ أَعْطَيته إِعْطَاءً. وَفِي الْحَدِيثِ:

سَيَكون للْعَرَبِ دَعْوَى قَبائِلَ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فالسَّيفَ السَّيفَ حَتَّى يَقُولوا يَا لَلْمُسلمين

وَقَالَ اللَّيْثُ: الاعْتِزَاءُ الاتّصالُ فِي الدَّعوَى إِذَا كَانَتْ حربٌ فكلُّ مَنِ ادَّعى فِي شعارِهِ أَنا فلانٌ ابنُ فُلانٍ أَو فلانٌ الفُلانيُّ فقدِ اعْتَزَى إِلَيْهِ. والعِزَةُ: عُصْبَة مِنَ النَّاسِ، وَالْجَمْعِ عِزُونَ. الأَصمعي: يُقَالُ فِي الدارِ عِزُونَ أَي أَصنافٌ مِنَ النَّاسِ. والعِزَة: الجماعةُ والفِرْقَةُ مِنَ الناسِ، والهاءُ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ، والجَمع عِزًى عَلَى فِعَل وعِزُون، وعُزون أَيضاً بِالضَّمِّ، وَلَمْ يَقُولُوا عِزات كَمَا قَالُوا ثُبات؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْكُمَيْتِ:

ونحنُ، وجَنْدَلٌ باغٍ، تَرَكْنا

كَتائبَ جَنْدَلٍ شَتىً عِزِينا

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ

؛ مَعْنَى عِزِين حِلَقاً حِلَقاً وجَماعةً جَمَاعَةً، وعِزُونَ: جَمْع عِزَةٍ فَكَانُوا عَنْ يَمِينِه وَعَنْ شِماله جماعاتٍ فِي تَفْرِقَة. وَقَالَ اللَّيْثُ: العِزَةُ عُصْبَة مِنَ النَّاسِ فَوْقَ الحَلْقَة ونُقْصانُها وَاوٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَا لِي أَراكم عِزِينَ؟

قَالُوا: هِيَ الحَلْقَة المُجْتَمِعَة مِنَ النَّاسِ كأَنَّ كلَّ جماعةٍ اعْتِزَاؤها أَي انْتِسابُها واحِدٌ، وأَصلها عِزْوَة، فَحُذِفَتِ الْوَاوُ وجُمِعَت جمعَ السلامَةِ عَلَى غَيْر قياسٍ كثُبِين وبُرِينَ فِي جَمْعِ ثُبَةٍ وبُرَةٍ. وعِزَةٌ، مثلُ عِضَةٍ: أَصْلُها عِضْوَة، وَسَنَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ويَأْتي عِزِين بِمَعْنَى مُتَفَرِّقِين وَلَا يَلْزَمُ أَن يَكُونَ مِنْ صفَة النَّاسِ بمَنْزِلَة ثُبِين؛ قَالَ: وَشَاهِدُهُ مَا أَنشده الْجَوْهَرِيُّ:

فَلَمَّا أَنْ أَتَيْنَ عَلَى أُضاخٍ،

ضَرَحْنَ حَصاهُ أَشْتاتاً عِزِينا

ص: 53

لأَنه يُرِيدُ الحَصى؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ أَحمر الْبَجَلِيِّ:

حُلِقَتْ لَهازِمُه عِزينَ ورأْسُه،

كالقُرْصِ فُرْطِحَ مِنْ طَحِينِ شَعِيرِ

وعِزْوِيتٌ فِعْلِيتٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا حَكَمْنَا عَلَيْهِ بأَنَّه فِعْلِيتٌ لِوُجُودِ نَظيره وَهُوَ عِفْرِيت ونِفْريتٌ، وَلَا يَكُونُ فِعْويلًا لأَنه لَا نَظِيرَ لَهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: جَعَلَه سِيبَوَيْهِ صفَة وفسَّره ثَعْلَبٌ بأَنه الْقَصِيرُ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيد: هُوَ اسْمُ مَوْضِع. وبَنو عَزْوَانَ: حَيٌّ مِنَ الجِنِّ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر يَصِفُ الظَّلِيمَ والعربُ تَقُولُ إِنَّ الظَّلِيمَ مِنْ مَراكِبِ الجنِّ:

حَلَقَتْ بَنُو عَزْوَانَ جُؤْجُؤَهُ

والرأْسَ، غيرَ قَنازِعٍ زُعْرِ

قَالَ اللَّيْثُ: وَكَلِمَةٌ شَنْعاءُ مِنْ لُغَةِ أَهل الشَّحْرِ، يَقُولُونَ يَعْزَى مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا، كَمَا نقولُ نَحْنُ: لعَمْري لَقَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا، ويَعْزِيكَ مَا كَانَ كَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَزْوَى، كأَنها كَلِمَةٌ يُتَلَطَّف بِهَا. وَقِيلَ: بِعِزِّي، وَقَدْ ذُكِرَ فِي عَزَزَ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: العَزْوُ لُغَةٌ مرغوبٌ عَنْهَا يَتكلم بِهَا بَنُو مَهْرَة بْنِ حَيْدَانَ، يَقُولُونَ عَزْوَى كأَنها كَلِمَةٌ يُتَلَطّفُ بِهَا، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ يَعْزى.

عسا: عَسَا الشيخُ يَعْسُو عَسْواً وعُسُوّاً وعُسِيّاً مثلُ عُتِيّاً وعَساءً وعَسْوَةً وعَسِيَ عَسًى، كلُّه: كَبِرَ مثلُ عَتِيَ. وَيُقَالُ لِلشَّيْخِ إِذَا وَلَّى وكَبِرَ: عَتَا يَعْتُو عُتِيّاً، وعَسا يَعْسُو مِثله، وَرَأَيْتُ فِي حَاشِيَةِ أَصل التَّهْذِيبِ للأَزهري الَّذِي نَقَلْت مِنْهُ حَدِيثًا متصلَ السَّند إِلَى

ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ السنَّةَ كلَّها غَيْرَ أَني لَا أَدْري أَكانَ رسولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقرَأُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا أَو عُسِيّاً

فَمَا أَدري أَهذا مِنْ أَصلِ الْكِتَابِ أَم سَطَره بعضُ الأَفاضل. وَفِي حَدِيثِ

قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمان: لمَّا أَتيتُ عَمِّي بِالسِّلَاحِ وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسا أَو عَشا

؛ عَسَا، بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، أَي كَبِرَ وأَسَنَّ مِنْ عَسا القضِيبُ إِذَا يَبِسَ، وَبِالْمُعْجَمَةِ أَيْ قَلَّ بصرُه وضَعُف. وعَسَتْ يَدُه تَعْسُو عُسُوّاً: غَلُظَتْ مِن عَمَلٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مصدرِ عَسا. وعَسَا النباتُ عُسُوّاً: غَلُظَ واشْتَدَّ؛ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى عَسِيَ يَعْسَى عَسًى؛ وأَنشد:

يَهْوُون عَنْ أَركانِ عِزٍّ أَدْرَما،

عَنْ صامِلٍ عاسٍ، إِذَا مَا اصْلَخْمَما

قَالَ: والعَسَاءُ مصدرُ عَسَا العُودُ يَعْسُو عَسَاءً، والقَساءُ مَصْدَرُ قَسا القلبُ يَقْسُو قَساءً. وعَسا الليلُ: اشتَدت ظُلْمَته؛ قَالَ:

وأَظْعَنُ الليلَ، إِذَا الليلُ عَسَا

والغَينُ أَعْرَفُ. والعَاسِي مِثلُ الْعَاتِي: وَهُوَ الْجَافِي. والعَاسِي: الشِّمْراخُ مِنْ شَمَارِيخِ العِذْقِ فِي لُغَةُ بَلْحرِث بْنِ كعبٍ. الْجَوْهَرِيُّ: وعَسَا الشيءُ يَعْسُو عُسُوَّاً وعَساءً، مَمْدُودٌ أَي يَبِسَ وَاشْتَدَّ وصَلُبَ. والعَسَا، مَقْصُورًا: البَلَح «5» والعَسْوُ: الشَّمَعُ فِي بعضِ اللُّغَاتِ. وعَسَى: طَمَعٌ وإشفاقٌ، وَهُوَ مِنَ الأَفعال غيرِ المُتَصَرِّفة؛ وَقَالَ الأَزهري: عَسَى حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ المُقَارَبَةِ، وَفِيهِ تَرَجٍّ وطَمَعٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَا يَتَصَرَّف لأَنه وَقَعَ بِلَفْظِ الْمَاضِي لِما جَاءَ فِي الْحَالِ، تَقُولُ: عَسَى زيدٌ أَن يَخْرُجَ، وَعَسَتْ فلانةُ أَن تَخْرُجَ، فزَيْدٌ فاعلُ عَسَى وأَن يَخْرُجَ مفعولُها «6» ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ إِلَّا أَن خبرَه لَا

(5). قوله [والعسا مقصوراً البلح] هذه عبارة الصحاح، وقال الصاغاني في التكملة: وهو تصحيف قبيح، والصواب الغسا بالغين.

(6)

. عَسَى عند جمهور النحويين من أخوات كاد تَرْفَعُ الِاسْمَ وَتَنْصِبُ الْخَبَرَ.

ص: 54

يَكُونُ اسْمًا، لَا يُقَالُ عَسَى زيدٌ مُنْطَلِقاً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: عَسَيْتُ أَنْ أَفْعَل كَذَا وعَسِيتُ قارَبْتُ، والأُولى أَعْلى، قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يُقَالُ عَسَيْتُ الفعلَ وَلَا عَسَيْتُ للفعلِ، قَالَ: اعْلَمْ أَنهم لَا يَستعملون عَسَى فِعلُك، اسْتَغْنَوْا بأَن تَفْعَلَ عَنْ ذلكَ كَمَا استَغْنى أَكثرُ العربِ بِعَسى عَنْ أَن يَقُولُوا عَسَيا وعَسَوْا، وبِلَوْ أَنه ذاهبٌ عَنْ لَوْ ذهابُه، وَمَعَ هَذَا أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلوا المَصْدر فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا لَمْ يَسْتَعْمِلوا الاسمَ الَّذِي فِي موضِعِه يَفْعَل فِي عَسَى وكادَ، يَعْنِي أَنهم لَا يَقُولُونَ عَسَى فَاعِلًا وَلَا كادَ فاعِلًا فتُرِك هَذَا مِنْ كلامِهِمْ للاسْتغْناء بِالشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ؛ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: عَسَى أَن تَفْعَلَ كَقَوْلِكَ دَنَا أَن تَفْعل، وَقَالُوا: عَسى الغُوَيْرُ أَبْؤُساً أَي كَانَ الغُوَيْرُ أَبْؤُساً؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَما قولُهم عَسَى الغُوَيْرُ أَبْؤُساً فشاذٌّ نادرٌ، وَضَعَ أَبْؤُساً موضعَ الخَبَر، وَقَدْ يأْتي فِي الأَمثال مَا لَا يأْتي فِي غَيْرِهَا، وَرُبَّمَا شَبَّهوا عَسَى بكادَ وَاسْتَعْمَلُوا الفِعل بعدَه بِغَيْرِ أَن فَقَالُوا عسَى زيدٌ يَنْطَلِق؛ قَالَ سُماعَةُ بْنُ أَسْوَلَ النَّعَامِيُّ:

عَسَى اللهُ يُغْنِي، عَنْ بلادِ ابنِ قادرٍ،

بمُنْهَمِرٍ جَوْنِ الرَّبابِ سَكُوب

هَكَذَا أَنشده الْجَوْهَرِيُّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُ إِنْشَادِهِ:

عَنْ بلادِ ابْنِ قاربٍ

وَقَالَ: كَذَا أَنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ؛ وَبَعْدَهُ:

هِجَفٍّ تَحُفُّ الريحُ فَوْقَ سِبالِهِ،

لَهُ مِنْ لَوِيَّاتِ العُكُومِ نَصِيبُ

وَحَكَى الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ: عَسَى تَجْرِي مَجْرى لعلَّ، تَقُولُ عَسَيْتَ وعَسَيْتُما وعَسَيْتُمْ وعَسَتِ المرأَة وعَسَتا وعَسَيْنَ؛ يُتَكلَّم بِهَا عَلَى فعلٍ ماضٍ وأُمِيتَ مَا سِوَاهُ مِنْ وجوهِ فِعْلِهِ، لَا يقالُ يَعْسى وَلَا مفعولَ لَهُ وَلَا فاعلَ. وعَسَى، فِي القرآنِ مِنَ اللهِ جَلَّ ثَناؤُه، واجبٌ وَهُوَ مِنَ العِبادِ ظَنٌّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ

، وَقَدْ أَتى اللهُ بِهِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِلَّا فِي قَوْلِهِ عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: عَسَى مِنَ اللَّهِ إيجابٌ فجاءَت عَلَى إحْدى اللُّغَتَيْنِ لأَن عَسَى فِي كَلَامِهِمْ رجاءٌ ويَقِين؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقِيلَ عَسَى كَلِمَةٌ تَكُونُ للشَّك واليَقينِ؛ قَالَ الأَزهري: وَقَدْ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ فَجَعَلَهُ يَقِيناً أَنشده أَبو عُبَيْدٍ:

ظَنِّي بِهِمْ كعَسَى، وَهُمْ بِتَنُوفَةٍ،

يَتَنازَعُونَ جوائزَ الأَمثالِ

أَي ظَنِّي بِهِمْ يَقين. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيْدَةَ، وأَما الأَصمعي فَقَالَ: ظَنِّي بِهِمْ كعَسَى أَي لَيْسَ بِثَبْتٍ كعَسى، يُرِيدُ أَن الظَّن هُنَا وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْيَقِينِ فَهُوَ كعَسى فِي كَوْنِهَا بِمَعْنَى الطَّمَعِ وَالرَّجَاءِ، وجوائزُ الأَمثال مَا جَازَ مِنَ الشِّعْرِ وَسَارَ. وَهُوَ عَسِيٌ أَن يَفْعَل كَذَا وعَسٍ أَي خَلِيقٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَلَا يُقَالُ عَسًى. وَمَا أَعْسَاهُ وأَعْسِ بِهِ وأَعْسِ بأَن يفعلَ ذَلِكَ: كَقَوْلِكَ أَحْرِ بهِ، وَعَلَى هَذَا وجَّهَ الفارِسِيُّ قِرَاءَةَ نَافِعٍ:

فَهَلْ عَسِيتُم

، بِكَسْرِ السِّينِ، قَالَ: لأَنَّهم قَدْ قَالُوا هُوَ عَسٍ بِذَلِكَ وَمَا أَعْساهُ وأَعْسِ بِهِ، فَقَوْلُهُ عَسٍ يُقَوِّي عَسِيتم، أَلَا تَرَى أَنَّ عَسٍ كحَرٍ وشجٍ؟ وَقَدْ جَاءَ فَعَلَ وفَعِلَ فِي نَحْوِ وَرَى الزَّنْدُ ووَرِيَ، فَكَذَلِكَ عَسَيتُم وعَسِيتُم، فَإِنْ أُسْنِدَ الفِعلُ إِلَى ظاهِرٍ فَقِيَاسُ عَسِيتم أَن يَقُولَ فِيهِ عَسِيَ زيدٌ مثلُ رَضِيَ زيدٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْه فسائِغٌ لَهُ أَن يأْخذَ باللغَتَين فيستعملَ إِحْدَاهُمَا فِي مَوْضِعٍ دُونَ الأُخرى كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي

ص: 55

غَيْرِهَا. وَقَالَ الأَزهري: قَالَ النَّحْوِيُّونَ يُقَالُ عَسَى وَلَا يُقَالُ عَسِيَ. وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ

؛ اتَّفَقَ القراءُ أَجمعون عَلَى فَتْحِ السِّينِ مِنْ قَوْلِهِ عَسَيْتُمْ إلَّا مَا جَاءَ عَنْ نافِعٍ أَنه كَانَ يقرأُ

فَهَلْ عَسِيتم

، بِكَسْرِ السِّينِ، وَكَانَ يقرأُ: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ

، فدلَّ موافقتُه الْقُرَّاءَ عَلَى عَسَى عَلَى أَنّ الصَّوَابَ فِي قَوْلِهِ عَسَيْتُمْ فَتْحُ السِّينِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ عَسَيْتُ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ وعَسِيتُ، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَقُرِئَ بِهِمَا فَهَلْ عَسَيْتُمْ

وعَسِيتُمْ.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: بالعَسَى أَنْ يَفْعَل، قَالَ: وَلَمْ أَسْمعهم يُصَرِّفُونها مُصَرَّفَ أَخَواتِها، يَعْنِي بأَخواتها حَرَى وبالْحَرَى وَمَا شاكَلَها. وَهَذَا الأَمرُ مَعْسَاةٌ مِنْهُ أَي مَخْلَقَة. وَإِنَّهُ لَمَعْسَاةٌ أَنْ يَفْعَل ذَاكَ: كَقَوْلِكَ مَحْراةٌ، يَكُونُ للمُذَكر والمُؤنَّث وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ بلفظٍ وَاحِدٍ. والمُعسِيَةُ: النَّاقَةُ الَّتِي يُشَكُّ فِيهَا أَبِها لَبَنٌ أَم لَا، وَالْجَمْعُ المُعْسِياتُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا المُعْسِيات مَنَعْنَ الصَّبُوحَ،

خَبَّ جَرِيُّكَ بالمُحْصَنِ

جَرِيُّه: وكِيلُه ورَسُولُه، وَقِيلَ: الجَرِيُّ الخَادِمُ، والمُحْصَنُ مَا أُحْصِنَ وادُّخِرَ مِنَ الطَّعامِ للجَدْبِ؛ وأَما مَا أَنشده أَبو الْعَبَّاسِ:

أَلم تَرَني تَرَكْتُ أَبا يَزِيدٍ

وصاحِبَه، كمِعْسَاءِ الجَوارِي

بِلَا خَبْطٍ وَلَا نَبْكٍ، ولكنْ

يَداً بِيدٍ فَها عِيثي جَعارِ

قَالَ: هَذَا رَجُلٌ طَعَن رجُلًا، ثُمَّ قَالَ: ترَكْتُه كمِعْساءٍ الجَواري يسِيلُ الدَّمُ عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ تأْخذ الحُشْوةَ فِي حَيْضِها فَدَمُها يسيلُ. والمِعْسَاءُ مِنَ الجوارِي: المُراهِقَة الَّتِي يَظنُّ مَنْ رَآهَا أَنها قَدْ تَوَضَّأَتْ. وَحَكَى الأَزهري عَنِ ابْنِ كَيْسَانَ قَالَ: اعْلَمْ أَن جَمْعَ الْمَقْصُورِ كُلَّهُ إِذَا كَانَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ وَالْيَاءِ فَإِنَّ آخِرَهُ يَسْقُط لِسُكُونِهِ وسكونِ واوِ الجمعِ وَيَاءِ الجمعِ وَيَبْقَى مَا قبلَ الأَلِف عَلَى فَتْحه، مِنْ ذَلِكَ الأَدْنَونَ جَمْعُ أَدْنَى والمُصْطَفَون والمُوسَون والعِيسَوْنَ، وَفِي النَّصْبِ وَالْخَفْضِ الأَدْنَين والمُصْطَفَيْن. والأَعْسَاء: الأَرزانُ الصُّلبَةُ، واحدُها عاسٍ. وَرَوَى ابْنُ الأَثير فِي كِتَابِهِ فِي الْحَدِيثِ:

أَفضلُ الصَّدَقَةِ المَنِيحة تَغْدُو بِعِسَاءٍ وَتَرُوحُ بعِسَاء

، وَقَالَ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ الحُمَيْدِي العِسَاءُ العُسُّ، قَالَ: وَلَمْ أَسْمعه إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ: والحُمَيْدي مِنْ أَهْلِ اللِّسانِ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبو خيثَمة ثُمَّ قَالَ بِعِساسٍ كَانَ أَجودَ «1» ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ جَمْع العُسِّ أَبدل الْهَمْزَةَ مِنَ السِّينِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: العِسَاءُ والعِساسُ جمعُ عُسٍّ. وأَبو العَسَا: رَجُلٌ؛ قَالَ الأَزهري: كَانَ خلَّاد صاحبُ شُرَطَة البَصْرَة يُكْنَى أَبا العَسَا.

عشا: العَشَا، مقصورٌ: سوءُ البَصَرِ بالليلِ والنهارِ، يكونُ فِي الناسِ والدَّوابِّ والإِبلِ والطَّيرِ، وَقِيلَ: هُوَ ذَهابُ البَصَرِ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا لَا يصحُّ إِذَا تأَمَّلته، وَقِيلَ: هُوَ أَن لَا يُبْصِر بِاللَّيْلِ، وَقِيلَ: العَشَا يكونُ سُوءَ البصَرِ مِنْ غيرِ عَمًى، ويكونُ الَّذِي لَا يُبْصِرُ باللَّيْلِ ويُبْصِرُ بالنَّهارِ، وَقَدْ عَشا يَعْشُو عَشْواً، وَهُوَ أَدْنَى بَصَرِه وَإِنَّمَا يَعْشُو بعدَ ما يَعْشَى. قال سيبويه:

(1). قوله [بعساس كان أجود] هكذا في جميع الأصول.

ص: 56

أَمالوا العَشَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَواتِ الواوِ، تَشْبيهاً بذَوات الواوِ مِنَ الأَفعال كغَزا وَنَحْوِهَا، قَالَ: وَلَيْسَ يطَّرِدُ فِي الأَسْماء إِنَّمَا يَطَّرِدُ فِي الأَفْعالِ، وَقَدْ عَشِيَ يَعْشَى عَشًى، وَهُوَ عَشٍ وأَعْشَى، والأُنثى عَشْوَاء، والعُشْوُ جَمعُ الأَعْشَى؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: العُشْوُ مِنَ الشُّعراء سَبْعة: أَعْشَى بَنِي قَيْسٍ أَبو بَصِير، وأَعْشَى باهلَةَ أَبو قُحافة «1» وأَعْشَى بَني نَهْشَلٍ الأَسْودُ بنُ يَعْفُرَ، وَفِي الإِسلام أَعْشَى بَني رَبيعة مِنْ بَنِي شَيْبانَ، وأَعْشَى هَمْدان، وأَعْشَى تَغْلِب بنُ جاوانَ، وأَعْشَى طِرْوَدٍ مِنْ سُلَيْم، وَقَالَ غَيْرُهُ: وأَعْشَى بَني مازِنٍ مِنْ تَمِيم. ورَجُلان أَعْشَيَانِ، وامرأتانِ عَشْوَاوَانِ، وَرِجَالٌ عُشْوٌ وأَعْشَوْنَ. وعَشَّى الطَّيْرَ: أَوْقَد لَهَا نَارًا لتعَشى مِنْهَا فَيَصِيدُهَا. وعَشا يَعْشُو إِذَا ضَعُفَ بَصَرُه، وأَعْشَاهُ اللَّهُ. وَفِي حَدِيثِ

ابنِ المُسَيَّب: أَنه ذَهَبَتْ إحدْى عَينَيْه وَهُوَ يَعْشُو بالأُخْرى

أَي يُبْصِر بِهَا بَصَراً ضَعِيفاً. وعَشا عَنِ الشَّيْءِ يَعْشُو: ضَعُفَ بَصَرُه عَنْهُ، وخَبَطَه خَبْطَ عَشْواء: لَمْ يَتَعَمَّدْه. وفلانٌ خابطٌ خَبْطَ عَشْوَاء، وأَصْلُه مِنَ الناقةِ العَشْواءِ لأَنها لَا تُبْصِر مَا أَمامَها فَهِيَ تَخْبِطُ بِيَدَيْها، وَذَلِكَ أَنها تَرْفَع رَأْسها فَلَا تَتَعَهَّدُ مَواضِعَ أَخْفافِها؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

رأَيْتُ المَنايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ، مَنْ تَصِبْ

تُمِتْهُ، ومَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ

وَمِنْ أَمثالهم السَّائرة: وهو يَخْبِط خَبْطَ عَشْوَاء، يضرَبُ مَثَلًا للسَّادِرِ الَّذِي يَرْكَبُ رَأْسَهُ وَلَا يَهْتَمُّ لِعاقِبَتِهِ كالنَّاقَة العَشْوَاء الَّتِي لَا تُبْصِرُ، فَهِيَ تَخْبِطُ بيَدَيْها كلَّ مَا مَرَّت بِهِ، وشَبَّه زُهَيرٌ الْمَنَايَا بخَبْطِ عَشْواءَ لأَنَّها تَعُمُّ الكُلَّ وَلَا تَخُصُّ. ابْنُ الأَعرابي: العُقابُ العَشْواءُ الَّتِي لَا تُبالي كيْفَ خَبَطَتْ وأَيْنَ ضَرَبَتْ بمخالِبها كالنَّاقة العَشْوَاء لَا تَدْرِي كَيْفَ تَضَع يَدَها. وتَعَاشَى: أَظْهَرَ العَشا، وأَرى مِنْ نَفْسِه أَنه أَعْشَى وَلَيْسَ بِهِ. وتَعَاشَى الرجلُ فِي أَمْرِه إِذَا تَجَاهَلَ، عَلَى المَثَل. وعَشَا يَعْشُو إِذَا أَتى نَارًا للضِّيافَة وعَشَا إِلَى النَّارِ، وعَشَاها عَشْواً وعُشُوّاً واعْتَشَاها واعْتَشَى بِهَا، كلُّه: رَآهَا لَيْلًا عَلَى بُعْدٍ فقَصَدَها مُسْتَضِيئاً بِهَا؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

مَتَى تأْتِهِ تَعْشُو إِلى ضَوْء نارِهِ،

تَجِدْ خَيرَ نارٍ، عندَها خَيرُ مُوقِدِ

أَي مَتَى تأْتِهِ لَا تَتَبَيَّن نارَهُ مِنْ ضَعْف بَصَرِك؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

وُجُوهاً لَوْ أنَّ المُدْلِجِينَ اعْتَشَوْا بِهَا،

صَدَعْنَ الدُّجى حتَّى تَرى اللّيْلَ يَنْجَلي «2»

وعَشَوْتُه: قَصَدْتُه لَيْلًا، هَذَا هُوَ الأَصْلُ ثُمَّ صَارَ كلُّ قاصِدٍ عاشِياً. وعَشَوْت إِلى النارِ أَعْشُو إِليها عَشْواً إِذا اسْتَدْلَلْتَ عَلَيْهَا بِبَصَرٍ ضَعيفٍ، ويُنْشد بَيْتُ الحُطيئة أَيضاً، وفسَّره فَقَالَ: الْمَعْنَى مَتَى تَأْتِه عَاشِياً، وَهُوَ مَرْفُوعٌ بَيْنَ مَجْزُومَيْن لأَن الفعلَ المُسْتَقْبَل إِذا وَقَع مَوقِعَ الْحَالِ يَرْتَفِع، كَقَوْلِكَ: إِن تأْتِ زَيْدًا تُكْرِمُه يَأْتِكَ، جَزَمْتَ تأْتِ بأَنْ، وجَزَمْتَ يأْتِكَ بِالْجَوَابِ، ورفَعْتَ تُكْرِمُه بَيْنَهُمَا وجَعَلْتَه حَالًا، وإِن صَدَرْت عَنْهُ إِلى غَيْرِهِ قُلْتَ عَشَوْتُ عَنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ

؛

(1). قوله [أبو قحافة] هكذا في الأَصل، وفي التكملة: أبو قحفان.

(2)

. قوله [وجوهاً] هو هكذا بالنصب في الأصل والمحكم، وهو بالرفع فيما سيأتي.

ص: 57

قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ مَنْ يُعْرضْ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: وَمَنْ قرأَ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ

فَمَعْنَاهُ مَن يَعْمَ عَنْهُ، وَقَالَ القُتَيبي: مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ

أَي يُظْلِمْ بَصَرُه، قَالَ: وَهَذَا قولُ أَبي عُبَيْدَةَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَرُدُّ قولَ الْفَرَّاءِ وَيَقُولُ: لَمْ أَرَ أَحداً يُجيزُ عَشَوْتُ عَنِ الشَّيْءِ أَعْرَضْتُ عَنْهُ، إِنما يُقَالُ تَعَاشَيْتُ عَنِ الشَّيْءِ أَي تَغافَلْت عَنْهُ كأَني لَمْ أَرَهُ، وَكَذَلِكَ تعامَيْت، قَالَ: وعَشَوْتُ إِلى النَّارِ أَي اسْتَدْلَلْت عَلَيْهَا ببَصَرٍ ضَعِيفٍ. قَالَ الأَزهري: أَغْفَل القُتَيْبي موضعَ الصوابِ واعْتَرَض مَعَ غَفْلَتِه عَلَى الْفَرَّاءِ يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لأَبَيِّن عُوارَه فَلَا يَغْتَرَّ بِهِ الناظرُ فِي كِتَابِهِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عَشَوْتُ إِلى النَّارِ أَعْشُو عَشْواً أَي قَصَدتُها مُهْتَدِياً بِهَا، وعَشَوْتُ عَنْهَا أَي أَعْرَضْت عَنْهَا، فيُفرِّقون بَيْنَ إِلى وعَنْ موصولَيْن بِالْفِعْلِ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ عَشَا فلانٌ إِلى النَّارِ يَعْشُو عَشْواً إِذا رأَى نَارًا فِي أَوَّل اللَّيْلِ فيَعْشُو إِليها يَسْتضِيءُ بضَوْئها. وعَشَا الرجلُ إِلى أَهلِه يَعْشُو: وَذَلِكَ مِنْ أَوَّل اللَّيْلِ إِذا عَلِمَ مكانَ أَهلِه فقَصدَ إِليهم. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: عَشِيَ الرجلُ يَعْشَى إِذا صَارَ أَعْشَى لَا يُبْصِرُ لَيْلًا؛ وَقَالَ مُزاحِمٌ العُقَيْلي فجعَل الاعْتِشَاء بِالْوُجُوهِ كَالِاعْتِشَاءِ بِالنَّارِ يَمْدَحُ قَوْمًا بِالْجَمَالِ:

يَزينُ سَنا الماوِيِّ كلَّ عَشِيَّةٍ،

عَلَى غَفلات الزَّيْنِ والمُتَجَمَّلِ،

وُجُوهٌ لوَانَّ المُدْلِجينَ اعْتَشَوْا بِهَا،

سَطَعْنَ الدُّجى حَتَّى ترَى الليْلَ يَنْجَلي

وعَشَا عَنْ كَذَا وَكَذَا يَعْشُو عَنْهُ إِذا مَضى عَنْهُ. وعَشَا إِلى كَذَا وَكَذَا يَعْشُو إِليه عَشْواً وعُشُوّاً إِذا قَصَد إِليه مُهْتَدِياً بضَوْء نارِه. وَيُقَالُ: اسْتَعْشَى فلانٌ نَارًا إِذا اهْتَدى بِهَا؛ وأَنشد:

يَتْبعن حُرُوبًا إِذا هِبْنَ قَدَمْ،

كأَنه باللَّيْلِ يَسْتَعْشِي ضَرَم «1»

يَقُولُ: هُوَ نَشِيطٌ صادِقُ الطَّرْفِ جَرِيءٌ عَلَى الليلِ كأَنه مُسْتَعْشٍ ضَرَمةً، وَهِيَ النارُ، وَهُوَ الرجلُ الَّذِي قَدْ ساقَ الخارِبُ إِبله فطَرَدَها فَعَمَد إِلى ثَوْبٍ فشَقَّه وفَتَلَه فَتْلًا شَدِيدًا، ثُمَّ غَمَره فِي زَيْتٍ أَو دُهْن فرَوَّاهُ، ثُمَّ أَشْعل فِي طَرَفِه النَّارَ فاهْتَدى بِهَا واقْتَصَّ أَثَرَ الخارِبِ ليَسْتَنْقِذَ إِبلَه؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ، وإِنما أَتى القُتَيْبيَّ فِي وَهْمِهِ الخَطَأُ مِنْ جِهَةِ أَنه لَمْ يَفْرُق بَيْنَ عَشَا إِلى النَّارِ وعَشَا عَنْهَا، وَلَمْ يَعْلَم أَن كلَّ واحدٍ مِنْهُمَا ضِدُّ الْآخَرِ مِنْ بَابِ المَيْلِ إِلى الشيءِ والمَيْل عَنْهُ، كَقَوْلِكَ: عَدَلْت إِلى بَنِي فلانٍ إِذا قَصدتَهم، وعَدَلْتُ عَنْهُمْ إِذا مَضَيْتَ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ مِلْتُ إِليهم ومِلْت عَنْهُمْ، ومَضيْت إِليهم ومضيْت عَنْهُمْ، وَهَكَذَا قَالَ أَبو إِسحق الزجَّاج فِي قَوْلِهِ عز وجل: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ

أَي يُعْرِض عَنْهُ كَمَا قَالَ الْفَرَّاءُ؛ قَالَ أَبو إِسحاق: وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أَعرض عَنِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنِ الْحِكْمَةِ إِلى أَباطِيل المضلِّين نُعاقِبْه بشيطانٍ نُقَيِّضُه لَهُ حَتَّى يُضِلَّه وَيُلَازِمَهُ قَرِينًا لَهُ فَلَا يَهْتدي مُجازاةً لَهُ حِينَ آثرَ الباطلَ عَلَى الْحَقِّ البيِّن؛ قَالَ الأَزهري: وأَبو عُبَيْدَةَ صَاحِبُ مَعْرِفَةٍ بِالْغَرِيبِ وأَيام الْعَرَبِ، وَهُوَ بَليدُ النَّظَرِ فِي بَابِ النَّحْوِ ومقَاييسه. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا أَتاه فَقَالَ لَهُ كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ عَمَلٌ هَلْ يَضُرُّ مَعَ الإِيمان ذَنْبٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: عَشِ

(1). قوله [حروبا] هكذا في الأصل، ولعله محرف، والأصل حُوذيّاً أي سائقاً سريع السير

ص: 58

وَلَا تَغْتَرَّ، ثُمَّ سأَل ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ مثلَ ذَلِكَ

؛ هَذَا مَثَلٌ لِلْعَرَبِ تَضْربُه فِي التَّوْصِية بالاحتِياط والأَخْذِ بالحَزْم، وأَصلُه أَن رَجُلًا أَراد أَن يَقْطَع مَفازَة بإبلِه وَلَمْ يُعَشِّها، ثِقَةً عَلَى مَا فِيهَا «1» مِنَ الكَلإِ، فَقِيلَ لَهُ: عَشِّ إِبلَك قَبْلَ أَن تُفَوِّزَ وخُذْ بِالِاحْتِيَاطِ، فإِن كَانَ فِيهَا كلأٌ لَمْ يَضُرَّك مَا صنَعْتَ، وإِن لَمْ يَكُنْ فِيهَا شيءٌ كنتَ قَدْ أَخَذْت بالثِّقة والحَزْم، فأَراد ابْنُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ هَذَا اجتَنِبِ الذنوبَ وَلَا تَرْكبْها اتِّكالًا عَلَى الإِسلام، وخُذْ فِي ذَلِكَ بالثِّقة وَالِاحْتِيَاطِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَعْنَاهُ تَعَشَّ إِذا كنتَ فِي سَفَرٍ وَلَا تَتَوانَ ثِقةً مِنْكَ أَنْ تتَعَشَّى عِنْدَ أَهلِكَ، فلَعَلَّك لَا تَجِدُ عِنْدَهُمْ شَيْئًا. وَقَالَ اللَّيْثُ: العَشْوُ إِتْيانُكَ نَارًا تَرْجُو عِنْدَهَا هُدًى أَو خَيْراً، تَقُولُ: عَشَوْتُها أَعْشُوها عَشْواً وعُشُوّاً، والعَاشِيَة: كُلُّ شيءٍ يعشُو بالليلِ إِلى ضَوءِ نارٍ مِنْ أَصنافِ الخَلقِ الفَراشِ وغيرِه، وَكَذَلِكَ الإِبل العَوَاشِي تَعْشُو إِلى ضَوءِ نارٍ؛ وأَنشد:

وعَاشِيَةٍ حُوشٍ بِطانٍ ذَعَرْتُها

بضَرْبِ قَتِيلٍ، وَسْطَها، يَتَسَيَّفُ

قَالَ الأَزهري: غَلِطَ فِي تَفْسِيرِ الإِبلِ العَوَاشِي أَنها الَّتِي تَعْشُو إِلى ضَوْءِ النارِ، والعَوَاشِي جمعُ العَاشِيَة، وَهِيَ الَّتِي تَرْعى لَيْلًا وتتَعَشَّى، وَسَنَذْكُرُهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ: والعُشْوَة والعِشْوَة: النارُ يُسْتَضاءُ بِهَا. والعَاشِي: القاصِدُ، وأَصلُه مِنْ ذَلِكَ لأَنه يَعْشُو إِليه كَمَا يَعْشُو إِلى النَّارِ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة:

شِهابي الَّذِي أَعْشُو الطريقَ بضَوْئِه

ودِرْعي، فَلَيلُ الناسِ بَعْدَك أَسْوَدُ

والعُشْوَة: مَا أُخِذَ مِنْ نارٍ ليُقْتَبس أَو يُسْتَضاءَ بِهِ. أَبو عَمْرٍو: العُشْوَة كالشُّعْلة مِنَ النارِ؛ وأَنشد:

حَتَّى إِذا اشْتالَ سُهَيْلٌ بسَحَرْ،

كعُشْوَةِ القابِسِ تَرْمي بالشَّرر

قَالَ أَبو زَيْدٍ: ابْغُونا عُشْوَةً أَي نَارًا نَسْتَضيءُ بِهَا. قَالَ أَبو زَيْدٍ: عَشِيَ الرجلُ عَنْ حَقِّ أَصحابِه يَعْشَى عَشًى شَدِيدًا إِذا ظَلَمَهم، وَهُوَ كَقَوْلِكَ عَمِيَ عَنِ الْحَقِّ، وأَصله مِنَ العَشَا؛ وأَنشد:

أَلا رُبَّ أَعْشَى ظالِمٍ مُتَخَمِّطٍ،

جَعَلْتُ بعَيْنَيْهِ ضِياءً، فأَبْصَرا

وَقَالَ: عَشِيَ عليَّ فلانٌ يَعْشَى عَشًى، مَنْقُوصٌ، ظَلَمَني. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ لِلرِّجَالِ يَعْشَوْنَ، وهُما يَعْشَيَانِ، وَفِي النِّسَاءِ هُنَّ يَعْشَيْن، قَالَ: لمَّا صَارَتِ الْوَاوُ فِي عَشِيَ يَاءً لكَسْرة الشِّينِ تُرِكَتْ فِي يَعْشَيَانِ يَاءً عَلَى حالِها، وَكَانَ قِياسُه يَعْشَوَانِ فتَرَكوا الْقِيَاسَ، وَفِي تَثْنِيَةِ الأَعْشَى هُمَا يَعْشَيانِ، وَلَمْ يَقُولُوا يَعْشَوانِ لأَنَّ الْوَاوَ لمَّا صَارَتْ فِي الْوَاحِدِ يَاءً لكَسْرة مَا قَبْلَها تُرِكَت فِي التَّثْنية عَلَى حَالِهَا، والنِّسْبة إِلى أَعْشَى أَعْشَوِيٌّ، وإِلى العَشِيَّةِ عَشَوِيٌّ. والعَشْوَةُ والعُشْوَةُ والعِشْوَةُ: رُكوبُ الأَمْر عَلَى غَيْرِ بيانٍ. وأَوْطأَني عَشْوَةً وعِشْوَةً وعُشْوَة: لبَسَ عليَّ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنه حَمَله عَلَى أَن يَرْكَب أَمراً غيرَ مُسْتَبينِ الرُّشْدِ فرُبَّما كَانَ فِيهِ عَطَبُه، وأَصله مِنْ عَشْوَاءِ اللَّيْلِ وعُشْوَتِه مثلُ ظَلْماءِ اللَّيْلِ وظُلْمَته، تَقُولُ: أَوْطَأْتَني عَشْوَةً أَي أَمْراً مُلْتَبِساً، وَذَلِكَ إِذا أَخْبَرْتَه بِمَا أَوْقَعْتَه بِهِ فِي حَيْرَةٍ أَو بَلِيَّة. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ: أَوطَأْته عَشْوَة أَي غَرَرْته وحَمَلْته على أَن يَطَأَ

(1). قوله [ثِقَةً عَلَى مَا فِيهَا إلخ] هَكَذَا فِي الْأَصْلِ الَّذِي بأيدينا، وفي النهاية: ثقة بما سيجده من الكلإ، وفي التهذيب: فاتكل على ما فيها إلخ.

ص: 59

مَا لَا يُبْصِرُه فرُبَّما وَقَعَ فِي بِئْرٍ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: خَبَّاط عَشَوَات

أَي يَخْبِطُ فِي الظَّلامِ والأَمر المُلْتَبِس فيَتَحَيَّر. وَفِي الْحَدِيثِ:

يَا مَعْشَرَ العَرَب احْمَدُوا اللهَ الَّذِي رَفَعَ عنكمُ العُشْوَةَ

؛ يُرِيدُ ظُلْمة الكُفْرِ كُلَّما ركِبَ الإِنسانُ أَمراً بجَهْلٍ لَا يُبْصرُ وجْهَه، فَهُوَ عُشْوَة مِنْ عُشْوَة اللَّيْلِ، وَهُوَ ظُلْمة أَوَّله. يُقَالُ: مَضى مِنَ اللَّيْلِ عَشْوَة، بِالْفَتْحِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ أَوَّلِه إِلى رُبْعه. وَفِي الْحَدِيثِ:

حَتَّى ذَهَبَ عَشْوَةٌ مِنَ اللَّيْلِ.

وَيُقَالُ: أَخَذْتُ عَلَيْهم بالعَشْوَة أَي بالسَّوادِ مِنَ اللَّيل. والعُشْوَة، بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: الأَمْرُ المُلْتَبس. وَرَكِبَ فلانٌ العَشْوَاءَ إِذا خَبَطَ أَمرَه عَلَى غيرِ بَصِيرة. وعَشْوَةُ اللَّيْلِ والسَّحَر وعَشْوَاؤه: ظُلْمَتُه. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ الأَكوع: فأَخَذَ عَلَيْهِمْ بالعَشْوَةِ

أَي بالسَّوادِ مِنَ اللَّيْلِ، ويُجْمَع عَلَى عَشَواتٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه، عليه السلام، كَانَ فِي سَفَر فاعْتَشَى فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ

أَي سَارَ وقتَ العِشاء كَمَا يُقَالُ اسْتَحَر وابْتَكَر. والعِشاءُ: أَوَّلُ الظَّلامِ مِنَ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ صلاةِ المَغْرِب إِلى العَتَمة. والعِشَاءَانِ: المَغْرِب والعَتَمة؛ قَالَ الأَزهري: يُقَالُ لِصَلَاتَيِ المَغْرِب والعِشاءِ العِشَاءَانِ، والأَصلُ العِشاءُ فغُلِّبَ عَلَى المَغْرِب، كَمَا قَالُوا الأَبَوان وَهُمَا الأَبُ والأُمُّ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: العِشَاءُ حينَ يُصَلّي الناسُ العَتَمة؛ وأَنشد:

وَمُحَوَّلٌ مَلَثَ العِشَاءِ دَعَوْتُه،

والليلُ مُنْتَشِرُ السَّقِيط بَهِيمُ «1»

قَالَ الأَزهري: صَلاةُ العِشاءِ هِيَ الَّتِي بعدَ صلاةِ المَغْرِب، ووَقْتُها حينَ يَغِيبُ الشَّفَق، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ

. وأَما العَشِيُّ فَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: إِذا زَالَتِ الشَّمْسُ دُعِي ذَلِكَ الوقتُ العَشِيَّ، فَتَحَوَّلَ الظلُّ شَرْقِيّاً وتحوَّلت الشمْسُ غَرْبيَّة؛ قَالَ الأَزهري: وَصَلَاتَا العَشِيِّ هُمَا الظُّهْر والعَصْر. وَفِي حَدِيثِ

أَبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه: صَلَّى بِنَا رسولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، إحْدى صلاتَي العَشِيِّ، وأَكْبَرُ ظَني أَنها العَصْر

، وَسَاقَهُ ابْنُ الأَثير فَقَالَ:

صَلى بِنَا إحْدى صَلَاتَيِ العَشِيِّ فسَلَّم مِنَ اثْنَتَيْن

، يريدُ صلاةَ الظُّهْر أَو العَصْر؛ وَقَالَ الأَزهري: يَقَع العَشِيُّ عَلَى مَا بَيْنَ زَوالِ الشمْسِ إِلَى وَقْت غُروبها، كُلُّ ذَلِكَ عَشِيٌّ، فَإِذَا غابَتِ الشَّمْسُ فَهُوَ العِشَاءُ، وَقِيلَ: العَشِيُّ منْ زَوالِ الشَّمْس إِلى الصَّباح، وَيُقَالُ لِما بَيْنَ المَغْرِب والعَتَمة: عِشاءٌ؛ وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ العِشَاء مِنْ زَوال الشَّمْسِ إِلى طُلوع الفَجْر، وأَنشدوا فِي ذَلِكَ:

غَدَوْنا غَدْوَةً سَحَراً بليْلٍ

عِشاءً، بعدَ ما انْتَصف النَّهارُ

وَجَاءَ عَشْوَةَ أَي عِشاءً، لَا يتمكَّن؛ لَا تَقُولُ مضتْ عَشْوَةٌ. والعَشِيُّ والعَشِيَّةُ: آخرُ النَّهَارِ، يُقَالُ: جئتُه عَشِيَّةً وعَشِيَّةَ؛ حَكَى الأَخيرةَ سِيبَوَيْهِ. وأَتَيْتُه العَشِيَّةَ: ليوْمِكَ، وَآتِيهِ عَشِيَّ غدٍ، بِغَيْرِ هاءٍ، إِذا كَانَ للمُسْتَقبل، وأَتَيتك عَشِيّاً غَيْرُ مضافٍ، وآتِيه بالعَشِيِّ وَالْغَدِ أَي كلَّ عَشيَّة وغَداةٍ، وإِني لَآتِيهِ بالعَشَايا والغَدايا. وَقَالَ اللَّيْثُ: العَشِيُّ، بِغَيْرِ هاءٍ، آخِرُ النهارِ، فإِذا قُلْتَ عَشِيَّة فَهُوَ لِيوْم واحدٍ، يُقَالُ: لَقِيته عَشِيَّةَ يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، ولَقِيته عَشِيَّةً مِنَ العَشِيّات، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها

، يَقُولُ القائلُ: وَهَلْ للعَشِيَّة ضُحًى؟ قَالَ: وَهَذَا جَيِّد مِنْ

(1). قوله [ومحوّل] هكذا في الأصل.

ص: 60

كَلَامِ الْعَرَبِ، يُقَالُ: آتِيك العَشِيَّةَ أَو غداتَها، وَآتِيكَ الغَداةَ أَو عَشِيَّتَها، فَالْمَعْنَى لَمْ يَلْبثوا إِلَّا عَشِيَّة أَو ضُحى العَشِيَّة، فأَضاف الضُّحى إِلى العَشِيَّة؛ وأَما مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

أَلا لَيتَ حَظِّي مِنْ زِيارَةِ أُمِّيَهْ

غَدِيَّات قَيْظٍ، أَو عَشِيَّات أَشْتِيَهْ

فإِنه قَالَ: الغَدَوات فِي القَيْظ أَطْوَلُ وأَطْيَبُ، والعَشِيَّاتُ فِي الشِّتاءِ أَطولُ وأَطيبُ، وَقَالَ: غَدِيَّةٌ وغَدِيَّات مثلُ عَشِيَّةٍ وعَشِيَّات، وَقِيلَ: العَشِيُّ والعَشِيَّة مِنْ صلاةِ المَغْرِب إِلَى العَتمة، وَتَقُولُ: أَتَيْتُه عَشِيَّ أَمْسِ وعَشِيَّة أَمْسِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا

، وليسَ هُناك بُكْرَةٌ وَلَا عَشِيٌّ وَإِنَّمَا أَراد لهُم رزْقُهُم فِي مِقْدار، بَيْنَ الغَداةِ والعَشِيِّ، وَقَدْ جَاءَ فِي التَّفْسِير: أَنَّ معْناه ولهُمْ رِزْقُهُم كلَّ ساعةٍ، وتصٌغِيرُ العَشِيِّ عُشَيْشِيانٌ، عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ عِنْدَ شَفىً وَهُوَ آخِرُ ساعةٍ مِنَ النَّهار، وَقِيلَ: تَصْغِيرُ العَشِيِّ عُشَيَّانٌ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ مُكَبَّره، كَأَنَّهُمْ صَغَّروا عَشيْاناً، وَالْجَمْعُ عُشَيَّانات. ولَقِيتُه عُشَيْشِيَةً وعُشَيْشِيَاتٍ وعُشَيْشِياناتٍ وعُشَيَّانات، كلُّ ذَلِكَ نَادِرٌ، وَلَقِيتُهُ مُغَيْرِبانَ الشَّمْسِ ومُغَيْرِباناتِ الشَّمْسِ. وَفِي حَدِيثِ

جُنْدَب الجُهَني: فأَتَيْنا بَطْنَ الكَديد فنَزَلْنا عُشَيْشِيَةً

، قَالَ: هِيَ تَصْغِيرُ عَشِيَّة عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، أُبْدلَ مِنَ الْيَاءِ الوُسْطى شِينٌ كأَنّ أَصلَه عُشَيِّيةً. وَحُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ: أَتَيْتُه عُشَيْشَةً وعُشَيْشِياناً وعُشيَّاناً، قَالَ: وَيَجُوزُ فِي تَصْغيرِ عَشِيَّةٍ عُشَيَّة وعُشَيْشِيَةٌ. قَالَ الأَزهري: كَلَامُ الْعَرَبِ فِي تَصْغِيرِ عَشِيَّة عُشَيْشِيَةٌ، جَاءَ نَادِرًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَلَمْ أَسْمَع عُشَيَّة فِي تَصْغِيرِ عَشِيَّة، وَذَلِكَ أَنَّ عُشَيَّة تصْغِيرُ العَشْوَة، وَهُوَ أَولُ ظُلْمة اللَّيْلِ، فأَرادوا أَن يَفْرُقوا بَيْنَ تَصْغِيرِ العَشِيَّة وَبَيْنَ تَصغير العَشْوَة؛ وأَمَّا مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنَ قَوْلِهِ:

هَيْفاءُ عَجْزاءُ خَرِيدٌ بالعَشِي،

تَضْحَكُ عَنْ ذِي أُشُرٍ عَذْبٍ نَقِي

فَإِنَّهُ أَراد باللَّيل، فإمَّا أَن يَكُونَ سَمَّى الليلَ عَشِياً لمَكانِ العِشاء الَّذِي هُوَ الظُّلْمَةُ، وإمَّا أَن يَكُونَ وَضَعَ العَشِيَّ موضِعَ اللَّيْلِ لقُرْبِه مِنْهُ مِنْ حَيْثُ كانَ العَشِيُّ آخِرَ النَّهار، وآخرُ النَّهارِ مُتَّصِلٌ بأَوَّل اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا أَرادَ الشاعرُ أَنْ يُبالغَ بتَخَرُّدِها واسْتِحيائِها لأَنَّ الليلَ قَدْ يُعْدَمُ فِيهِ الرُّقَباءُ والجُلَساءُ، وأَكثرُ مَنْ يُسْتَحْيا مِنْهُ، يَقُولُ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ هَؤُلاء فَمَا ظَنُّكَ بتَخَرُّدِها نَهاراً إِذَا حَضَرُوا؟ وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُعْنَى بِهِ اسْتِحياؤها عِنْدَ المُباعَلَة لأَنَّ المُباعَلَة أَكثرُ مَا تَكُونُ لَيْلًا. والعِشْيُ: طَعامُ العَشيّ والعِشاءِ، قُلِبَتْ فِيهِ الواوُ يَاءً لقُرْب الْكَسْرَةِ. والعَشاءُ: كالعِشْيِ، وجَمعه أَعْشِيَة. وعَشِيَ الرجلُ يَعْشَى وعَشَا وتَعَشَّى، كلُّه: أَكلَ العَشاء فَهُوَ عاشٍ. وعَشَّيْت الرجلَ إِذَا أَطْعَمته العَشَاءَ، وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُؤكَلُ بَعْدَ العِشاء. وَمِنْهُ قَوْلُ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم إِذَا حَضَر العَشَاءُ والعِشَاءُ فابْدَؤوا بالعَشَاءِ

؛ العَشَاء، بِالْفَتْحِ والمدِّ: الطعامُ الَّذِي يؤكَلُ عِنْدَ العِشَاء، وَهُوَ خِلاف الغَداءِ وأَراد بالعِشاءِ صلاةَ الْمَغْرِبِ، وَإِنَّمَا قدَّم العَشاء لئلَّا يَشْتَغِل قلْبُه بِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قِيلَ إِنَّهَا الْمَغْرِبُ لأَنها وقتُ الإِفطارِ ولِضِيقِ وقتِها. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي الْمَثَلِ سَقَطَ العَشَاءُ بِهِ عَلَى سِرْحان؛ يُضْرَبُ للرجُلِ يَطْلُب الأَمر التَّافِه

ص: 61

فيقَع فِي هَلَكةٍ، وأَصله أَنَّ دابَّة طَلبَت العَشاءَ فَهَجَمَتْ عَلَى أَسَدٍ. وَفِي حَدِيثِ الْجَمْعِ بعَرفة:

صلَّى الصَّلاتَيْن كلُّ صلاةٍ وحْدها والعَشَاءُ بَيْنَهُمَا

أَي أَنه تَعَشَّى بَيْنَ الصَّلاتَيْن. قَالَ الأَصمعي: وَمِنْ كَلَامِهِمْ لَا يَعْشَى إلا بعد ما يَعْشُو أَي لَا يَعْشَى إلا بعد ما يَتَعَشَّى. وَإِذَا قِيلَ: تَعَشَّ، قلتَ: مَا بِي مِنْ تَعَشٍّ أَي احْتِيَاجٍ إِلَى العَشاءِ، وَلَا تقُلْ مَا بِي عَشاءٌ. وعَشَوْتُ أَي تَعَشَّيْتُ. ورجلٌ عَشْيَانٌ: مُتَعَشٍّ، والأَصل عَشْوانٌ، وَهُوَ مِنْ بَابِ أَشاوَى فِي الشُّذُوذِ وطَلَب الخِفَّة. قَالَ الأَزهري: رجلٌ عَشْيَان وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الواوِ لأَنه يُقَالُ عَشَيته وعَشَوته فأَنا أَعْشُوه أَي عَشَّيْته، وَقَدْ عشِيَ يَعْشَى إِذَا تَعشَّى. وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: يُقَالُ مِنَ الغَداء والعَشاء رجلٌ غَدْيان وعَشْيان، والأَصل غَدْوان وعَشْوان لأَنَّ أَصْلَهُما الواوُ، وَلَكِنَّ الواوُ تُقْلَب إِلَى الْيَاءِ كَثِيرًا لأَن الْيَاءَ أَخفُّ مِنَ الواوِ. وعَشاه عَشْواً وعَشْياً فتَعَشَّى: أَطْعَمَهُ العَشاءَ، الأَخيرةُ نادرةٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

قَصَرْنا عَلَيْه بالمَقِيظِ لِقاحَنَا،

فَعَيَّلْنَه مِنْ بَينِ عَشْيٍ وتَقْييلِ «2»

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لقُرْط بْنِ التُّؤام الْيَشْكُرِيُّ:

كانَ ابنُ أَسْماءَ يَعْشُوه ويَصْبَحُه

مِنْ هَجْمَةٍ، كفَسِيلِ النَّخلِ دُرَّارِ

وعَشَّاهُ تَعْشِية وأَعْشاه: كَعَشاه قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

فأَعْشَيْتُه، مِنْ بَعدِ مَا راثَ عِشْيُهُ،

بسَهْمٍ كسَيْرِ التَّابِرِيَّةِ لَهْوَقِ

عدّاه بالباء فِي مَعْنَى غَذَّيْتُه. وعَشَّيْتُ الرجُل: أَطْعَمْتُهُ العَشاءَ. وَيُقَالُ: عَشِّ إِبِلَكَ وَلَا تَغْتَرَّ؛ وَقَوْلُهُ:

باتَ يُعَشِّيها بِعَضْبٍ باتِرِ،

يَقْصِدُ فِي أَسْؤُقِها، وجائِرِ

أَي أَقامَ لهَا السَّيْفَ مُقامَ العَشاءِ. الأَزهري: العِشْيُ مَا يُتَعَشَّى بِهِ، وجَمْعه أَعْشَاء؛ قَالَ الحُطَيْئة:

وقَدْ نَظَرْتُكُمُ أَعْشَاءَ صادِرَةٍ

للْخِمْسِ، طالَ بِهَا حَوْزي وتَنْساسِي

قَالَ شَمِرٌ: يقولُ انْتَظَرْتُكُمُ انْتِظارَ إبِلٍ خَوامِسَ لأَنَّها إِذَا صَدَرَتْ تَعَشَّت طَويلًا، وَفِي بُطونِها ماءٌ كثيرٌ، فَهِيَ تَحْتاجُ إِلَى بَقْلٍ كَثِيرٍ، وواحدُ الأَعْشَاء عِشْيٌ. وعِشْيُ الإِبلِ: مَا تَتَعشَّاه، وأَصلُه الْوَاوُ. والعَوَاشِي: الإِبل والغَنم الَّتِي تَرْعَى بالليلِ، صِفَةٌ غالبَةٌ والفِعْلُ كالفِعْل؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:

يَعْشَى، إِذَا أَظْلَم، عَنْ عَشائِه،

ثُمَّ غَدَا يَجْمَع مِنْ غَدائِهِ

يَقُولُ: يَتَعَشَّى فِي وَقْتِ الظُّلْمة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ عَشِيَ بِمَعْنَى تَعَشَّى. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ: مَا مِنْ عاشِيَةٍ أَشَدَّ أَنَقاً وَلَا أَطْولَ شِبَعاً مِنْ عالِمٍ مِن عِلْمٍ

؛ الْعَاشِيَةُ: الَّتِي تَرْعَى بالعَشِيِّ مِنَ المَواشِي وغيرِها. يُقَالُ: عَشِيَت الإِبلُ وتَعَشَّتْ؛ الْمَعْنَى: أَنَّ طالِبَ العِلْمِ لَا يكادُ يَشْبَعُ مِنْهُ، كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ:

مَنْهُومانِ لَا يَشْبَعانِ: طالِبُ عِلْمٍ وطالِبُ دُنْيا.

وَفِي كِتَابِ

أَبي مُوسَى: مَا مِنْ عاشِيَة أَدوَمُ أَنقاً وَلَا أَبْعَدُ مَلالًا مِنْ عَاشِيَةِ عِلْمٍ.

وَفَسَّرَهُ فَقَالَ: العَشْوُ إتْيانُكَ نَارًا تَرْجُو عندَها خَيْرًا. يُقَالُ: عَشَوْتُه أَعْشُوه، فأَنا عاشٍ

(2). قوله [فعيلنه إلخ] هكذا في الأصول.

ص: 62

مِنْ قَوْمٍ عاشِيَة، وَأَرَادَ بالعَاشِيَة هَاهُنا طَالِبِي العِلْمِ الرَّاجينَ خيرَه ونَفْعَه. وَفِي الْمَثَلِ: العَاشِيَةُ تَهِيجُ الآبِيَةَ أَي إِذَا رَأتِ الَّتِي تأبَى الرَّعْيَ الَّتِي تَتَعَشَّى هاجَتْها للرَّعْي فرَعَتْ مَعَهَا؛ وَأَنْشَدَ:

تَرَى المِصَكَّ يَطْرُدُ العَواشِيَا:

جِلَّتَها والأُخرَ الحَواشِيَا

وبَعِيرٌ عَشِيٌّ: يُطِيلُ العَشاءَ؛ قَالَ أَعْرابيٌّ وَوَصَفَ بَعيرَه:

عريضٌ عَروُضٌ عَشِيٌّ عَطُوّ

وعَشَا الإِبلَ وعَشَّاها: أَرْعاها لَيْلًا. وعَشَّيْتُ الإِبلَ إِذَا رَعَيْتَها بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وعَشِيَت الإِبلُ تَعْشَى عَشًى إِذَا تَعشَّت، فَهِيَ عَاشِيَة. وجَمَلٌ عَشٍ وَنَاقَةٌ عَشِيَة: يَزيدان عَلَى الإِبلِ فِي العَشاء، كلاهُما عَلَى النَّسَب دُونَ الْفِعْلِ؛ وَقَوْلُ كُثَيِّر يَصِفُ سَحَابًا:

خَفِيٌّ تَعَشَّى فِي الْبِحَارِ ودُونَه،

مِنَ اللُّجِّ، خُضْرٌ مُظْلِماتٌ وسُدَّفُ

إِنَّمَا أَراد أَنَّ السحابَ تَعَشَّى مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ، جَعَلَه كالعَشاءِ لَهُ؛ وَقَوْلُ أُحَيْحَةَ بنِ الجُلاح:

تَعَشَّى أَسافِلُها بالجَبُوب،

وتأْتي حَلُوبَتُها مِنْ عَل

يَعْنِي بِهَا النَّخْلَ، يَعْنِي أَنها تَتَعَشَّى مِنْ أَسفل أَي تَشْرَبُ الماءَ ويأْتي حَمْلُها مِنْ فَوْقُ، وعَنى بِحَلُوبَتِها حَمْلَها كأَنه وَضَعَ الحَلُوبة موضعَ المَحْلُوب. وعَشِيَ عَلَيْهِ عَشًى: ظَلَمه. وعَشَّى عَنِ الشَّيْءِ: رَفَقَ بِهِ كَضَحَّى عَنْهُ. والعُشْوان: ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ أَو النَّخْلِ. والعَشْواءُ، مَمْدودٌ: ضربٌ مِنْ متأخِّر النخلِ حَمْلًا.

عصا: العَصا: العُودُ، أُنْثَى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها

. وفلانٌ صُلْبُ العَصَا وصليبُ العَصَا إِذَا كَانَ يَعْنُفُ بالإِبل فيَضْرِبُها بالعَصا؛ وَقَوْلُهُ:

فأَشْهَدُ لَا آتِيكِ، مَا دامَ تَنْضُبٌ

بأَرْضِكِ، أَو صُلْبُ الْعَصَا مِنْ رجالِكِ

أَي صَلِيبُ العَصا. قَالَ الأَزهري: وَيُقَالُ لِلرَّاعِي إِذَا كَانَ قَويّاً عَلَى إبِلِه ضَابِطًا لَهَا إِنَّهُ لصُلْبُ العَصا وشديدُ العَصَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بنِ لَجَإٍ:

صُلْبُ العَصا جافٍ عَنِ التَّغَزُّلِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ إِنَّهُ لصُلْبُ العَصا أَيْ صُلْبٌ فِي نَفْسِهِ وَلَيْسَ ثَمَّ عَصاً، وأَنشد بَيْتَ عُمَرَ بْنِ لجإٍ وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِي النَّجْم. وَيُقَالُ: عَصاً وعَصَوانِ، وَالْجَمْعُ أَعْصٍ وأَعْصاءٌ وعُصِيٌّ وعِصِيٌّ، وَهُوَ فُعول، وَإِنَّمَا كُسِرت العَيْنُ لِمَا بَعْدَها مِنَ الْكَسْرَةِ، وأَنكر سِيبَوَيْهِ أَعصاءً، قَالَ: جَعَلُوا أَعْصِياً بَدَلًا مِنْهُ. ورجلٌ لَيِّنُ الْعَصَا: رفيقٌ حَسَنُ السِّيَاسَةِ لِمَا يَلي، يكْنونُ بِذَلِكَ عَنْ قِلة الضَّرْب بالعَصا. وضعيفُ العَصا أَي قليلُ الضَّرْب للإِبلِ بالعَصا، وَذَلِكَ مِمَّا يُحْمَدُ بِهِ؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ وأَنشد الأَزهري لمَعْنِ بنِ أَوْسٍ المُزَني:

عَلَيْهِ شَرِيبٌ وادِعٌ لَيِّنُ العَصا،

يُساجِلُها جُمَّاتِهِ وتُساجِلُهْ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: موضعُ الجُمَّاتِ نَصْبٌ، وجَعَل شُرْبَها لِلْمَاءِ مُساجَلة؛ وأَنشد غيرهُ قَوْلَ الرَّاعِي يَصِفُ رَاعِيًا:

ضَعيفُ العَصا بَادِي العُروقِ، تَرَى لَهُ

عَلَيْهَا، إِذَا مَا أَجْدَبَ الناسُ، إصبَعَا

وَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُ لَضَعِيفُ العَصَا أَي تِرْعِيَة. قَالَ ابْنُ

ص: 63

الأَعرابي: والعربُ تَعيبُ الرِّعاءَ بضَرْبِ الإِبلِ لأَن ذَلِكَ عُنْفٌ بِهَا وقلَّةُ رِفْقٍ؛ وأَنشد:

لَا تَضْرِباها واشْهَرا لَهَا العصِي،

فرُبّ بَكْرٍ ذِي هِبابٍ عَجْرَفي

فِيهَا، وصَهْباءَ نَسوُلٍ بالعَشِي

يَقُولُ: أَخيفاها بشهْرِكُما العِصِيَّ لَهَا وَلَا تَضْرِباها؛ وأَنشد:

دَعْها مِن الضَّرْبِ وبَشِّرْها بِرِيْ،

ذاكَ الذِّيادُ لَا ذِيادٌ بالعِصِيْ

وعَصاه بالعَصا فَهُوَ يَعْصُوه عَصْواً إِذَا ضَرَبَه بِالْعَصَا. وعَصى بِهَا: أَخذها. وعَصِيَ بسَيْفه وعَصا بِهِ يَعْصُو عَصاً: أَخذَه أَخْذَ العَصا أَو ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَه بِهَا؛ قَالَ جَرِيرٌ:

تَصِفُ السُّيُوفَ وغيرُكُمْ يَعْصَى بِهَا،

يَا ابنَ القُيونِ، وذاكَ فِعْلُ الصَّيْقَلِ

والعَصا، مقصورٌ: مصدرُ قَولِك عَصِيَ بِالسَّيْفِ يَعْصَى إِذَا ضَرَبَ بِهِ، وأَنشد بَيْتَ جَرِيرٍ أَيضاً. وَقَالُوا: عَصَوتُه بالعَصا وعَصَيْتُه وعَصِيتُه بِالسَّيْفِ والعَصا وعَصَيْتُ وعَصِيتُ بِهِمَا عَلَيْهِ عَصاً؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ عَصَوْتُه بالعَصا، قَالَ: وكَرِهَها بعضُهم، وَقَالَ: عَصِيت بالعَصا ثُمَّ ضَرَبْتُه بِهَا فأَنا أَعْصَى، حَتَّى قَالُوهَا فِي السَّيْفِ تَشْبِيهًا بِالْعَصَا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِمَعْبَدِ بْنِ علقمة:

ولكنَّنا نأْتي الظَّلامَ، ونَعْتَصِي

بكُلِّ رَقِيقِ الشَّفْرَتَينَ مُصَمِّمِ

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: عَصِيَ الرجلُ فِي الْقَوْمِ بِسَيْفِهِ وعَصاه فَهُوَ يَعْصَى فِيهِمْ إِذَا عاثَ فِيهِمْ عَيْثاً، والاسمُ العَصَا. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ عَصَاهُ يَعْصُوه إِذَا ضرَبَه بِالْعَصَا. وعَصِيَ يَعْصَى إِذَا لَعِبَ بالعَصا كَلِعبه بالسيفِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُعْتَلِّ بِالْيَاءِ: عَصَيْته بِالْعَصَا وعَصِيته ضربْتُه، كِلَاهُمَا لُغةٌ فِي عَصَوْتُه، وَإِنَّمَا حَكَمْنا عَلَى أَلف العَصا فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهَا ياءٌ لقَولهم عَصَيْته، بِالْفَتْحِ فأَمّا عَصِيته فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لأَنه قَدْ يَكُونُ مِنْ بابِ شَقِيتُ وغَبِيت، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فلامُه واوٌ، وَالْمَعْرُوفُ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَصَوْته. واعْتَصى الشجرةَ: قَطَع مِنْهَا عَصاً؛ قَالَ جَرِيرٌ:

وَلَا نَعْتصِي الأَرْطَى، وَلَكِنْ سَيُوفُنا

حِدادُ النَّوَاحِي، لَا يُبِلُّ سَلِيمُها

وَهُوَ يَعْتَصِي عَلَى عَصاً جَيِّدة أَي يَتوَكَّأُ. واعْتَصَى فلانٌ بالعَصا إِذَا تَوكَّأَ عَلَيْهَا فَهُوَ مُعْتصٍ بِهَا. وَفِي التَّنْزِيلِ: هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها

. وَفُلَانٌ يَعْتَصِي بالسيفِ أَي يجعلهُ عَصاً. قَالَ الأَزهري: وَيُقَالُ لِلْعَصَا عَصاةٌ، بِالْهَاءِ، يُقَالُ أَخذْتُ عَصاتَه، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَن كرِهَ هَذِهِ اللُّغَةَ، رَوَى الأَصمعي عَنْ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ قَالَ: سُمِّيت العَصا عَصاً لأَن اليَدَ والأَصابعَ تَجْتَمعُ عَلَيْهَا، مأْخوذٌ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ عَصَوْتُ القومَ

أَعْصُوهم إِذَا جَمَعْتهم عَلَى خَيْرٍ أَو شرٍّ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ مَدُّ العَصا وَلَا إِدْخَالُ التَّاءِ مَعَهَا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَوَّلُ لَحْنٍ سُمِعَ بالعِراق هَذِهِ عَصاتي، بِالتَّاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه حَرَّمَ شَجَرَ الْمَدِينَةِ إلَّا عَصَا حَديدةٍ

أَي عَصَا تَصْلُحُ أَن تَكُونَ نِصاباً لِآلَةٍ مِنَ الْحَدِيدِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَلا إنَّ قَتِيل الخَطَإ قَتيلُ السَّوْطِ والعَصَا، لأَنَّهما لَيْسَا مِنْ آلَاتِ الْقَتْلِ، فَإِذَا ضُرِبَ بِهِمَا أَحدٌ فماتَ كَانَ قَتْلُه خَطَأً.

وعَاصَانِي فعَصَوْتُه أَعْصُوه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وأُراه أَرادَ خاشَنني بِهَا أَو عارَضَني بِهَا فغَلَبْتُه، وَهَذَا قَلِيلٌ فِي الْجَوَاهِرِ، إِنَّمَا بَابُهُ الأَعْراضُ

ص: 64

ككَرَمْتُه وفَخَرْتُه مِنَ الكَرَم والفَخْر. وعَصَّاه العَصَا: أَعطاه إِيَّاهَا؛ قَالَ طُرَيح:

حَلَّاك خاتَمَها ومِنْبَرَ مُلْكِها،

وعَصا الرسولِ كَرَامَةً عَصَّاكَها

وأَلْقى المسافِرُ عَصاهُ إِذَا بَلَغ موضِعَه وأَقام، لأَنه إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ أَلْقى عَصاه فخيَّم أَو أَقام وتركَ السَّفَرَ؛ قَالَ مُعَقِّرُ بنُ حِمارٍ البارقيُّ يَصِفُ امرأَةً كَانَتْ لَا تَسْتَقِرُ عَلَى زَوْج، كُلَّمَا تَزَوَّجت رَجُلًا فارَقتْه واسْتَبْدلتْ آخرَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كُلَّمَا تزوَّجَها رجُلٌ لَمْ تواتِه وَلَمْ تَكْشِفْ عَنْ رأْسِها وَلَمْ تُلْقِ خِمارها، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَةَ إبائِها وأَنها لَا تُريدُ الزَّوْج، ثُمَّ تَزَوَّجها رجُلٌ فرَضِيتْ بِهِ وأَلْقَتْ خِمارها وكَشفتْ قِناعَها:

فأَلْقتْ عَصاها واسْتَقرَّ بِهَا النَّوَى،

كَمَا قَرَّ عَيْناً بالإِيابِ المُسافِرُ

وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا البَيتُ لعبدِ رَبِّه السُّلَمِيِّ، وَيُقَالُ لسُلَيْم بْنِ ثُمامَة الحَنَفي، وَكَانَ هَذَا الشَّاعِرُ سَيَّر امرأَتَه مِنَ الْيَمَامَةِ إِلى الْكُوفَةِ؛ وأَول الشَّعْرِ:

تَذَكَّرْتُ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرث بَعْدَ ما

مَضَتْ حِجَجٌ عَشْرٌ، وَذُو الشَّوق ذاكِرُ

قَالَ: وَذَكَرَ الآمِدي أَنَّ الْبَيْتَ لمُعَقِّر بْنِ حمارٍ الْبَارِقِيِّ؛ وَقَبْلَهُ:

وحَدَّثَها الرُّوّادُ أَنْ لَيْسَ بينَها،

وَبَيْنَ قُرى نَجْرانَ والشامِ، كافِرُ

كَافِرٌ أَي مَطَر؛ وَقَوْلُهُ:

فأَلْقَتْ عَصاها واسْتَقرَّ بِهَا النَّوى

يُضْرب هَذَا مَثَلًا لكلِّ منْ وافَقَه شيءٌ فأَقام عَلَيْهِ؛ وَقَالَ آخَرُ:

فأَلْقَتْ عَصَا التَّسْيارِ عَنْهَا، وخَيَّمَتْ

بأَرْجاءِ عَذْبِ الماءِ بِيضٍ مَحافِرُه

وَقِيلَ: أَلْقى عَصاه أَثْبَتَ أَوتادَه فِي الأَرض ثُمَّ خَيَّمَ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

وضَعْنَ عِصِيَّ الحاضِرِ المُتَخَيِّمِ

وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

أَظُنُّك لمَّا حَضْحَضَتْ بَطْنَكَ العَصا،

ذَكَرْتَ مِنَ الأَرْحام مَا لَسْتَ ناسِيا «1»

قَالَ: العَصا عَصا الْبَيْنِ هَاهُنا. الأَصمعي فِي بَابُ تَشبيه الرجُل بأَبيه: العَصَا مِنَ العُصَيّة؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هَكَذَا قَالَ «2» وأَنا أَحسَبُه العُصَيَّةُ مِنَ العَصَا، إِلَّا أَن يُرادَ بِهِ أَن الشَّيْءَ الجلِيل إِنَّمَا يَكُونُ فِي بَدْئه صَغِيراً، كَمَا قَالُوا إِنَّ القَرْمَ مِنَ الأَفِيلِ، فَيَجُوزُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُقَالَ العَصا مِنَ العُصَيَّة؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَي بَعْضُ الأَمر مِنْ بَعضٍ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ: ويَكْفِيكَ أَنْ لَا يَرْحلَ الضَّيْفُ مُغْضَباً عَصَا العَبْدِ، والبِئْرُ الَّتِي لَا تُمِيهُها يَعْنِي بعَصَا العَبْدِ العُودَ الَّذِي تحرَّكُ بِهِ المَلَّة وَبِالْبِئْرِ الَّتِي لَا تُمِيهُها حُفْرَةَ المَلَّة، وأَرادَ أَنْ يرحَلَ الضيفُ مغْضَباً فَزَادَ لَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ؛ أَي أَنْ تَسْجُدَ. وأَعْصَى الكَرْمُ: خَرَجَت عِيدانُه أَو عِصِيُّه وَلَمْ يُثْمِرْ. قَالَ الأَزهري: وَيُقَالُ للقوْم إِذا اسْتُذِلُّوا مَا هُمْ إِلَّا عبيدُ العَصَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُمْ عبيدُ العَصا أَي يُضْرَبُون بِهَا؛ قَالَ:

قُولَا لِدُودانَ عَبِيدِ العَصَا:

مَا غَرَّكمْ بالأَسَد الباسِلِ؟

(1). قوله [حضحضت إلخ] هو هكذا بالحاء المهملة في الأصل.

(2)

. قوله [قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هَكَذَا قال إلخ] في التكملة: والعُصَيَّة أم العَصَا التي هي لجذيمة وفيها المثل العَصَا من العُصَيَّة.

ص: 65

وقَرَعْته بالعَصا: ضَرَبْته؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ مُفَرِّغ:

العَبْدُ يُضْرَبُ بالعَصا،

والحُرُّ تَكْفِيهِ المَلامَة

قَالَ الأَزهري: وَمِنْ أَمْثالِهم إِن العَصا قُرِعَتْ لِذِي الحِلْم؛ وَذَلِكَ أَن بَعْضَ حُكَّامِ العَرب أَسَنَّ وضعُف عَنِ الحُكْم، فَكَانَ إِذا احْتَكَم إِليه خَصْمانِ وزَلَّ فِي الحُكْم قَرَع لَهُ بعضُ ولدِه العَصا يُفَطِّنُه بقَرْعِها للصَّواب فيَفْطُنُ لَهُ. وأَما مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ

أَبي جَهْمٍ: فَإِنَّهُ لَا يَضَعُ عَصاهُ عَنْ عاتِقِه

، فَقِيلَ: أَراد أَنه يُؤَدِّبُ أَهْلَه بالضَّرْبِ، وَقِيلَ: أَراد بِهِ كَثْرةَ الأَسْفار. يُقَالُ: رَفَع عَصَاهُ إِذا سَارَ، وأَلْقى عَصَاهُ إِذا نزَل وأَقام. وَفِي الْحَدِيثِ

عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ لرجُلٍ: لَا تَرْفَعْ عَصَاكَ عَنْ أَهْلِكَ

أَي لَا تَدَعْ تَأْديبَهُم وجَمْعَهُم عَلَى طاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ رُوِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ وَغَيْرِهِ أَنه لَمْ يُرِد العَصا الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا وَلَا أَمَر أَحَداً قطُّ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُرِدِ الضَّرْبَ بالعَصا، وَلَكِنَّهُ أَراد الأَدَبَ وجَعَلَه مَثَلًا يَعْنِي لَا تَغْفُلْ عَنْ أَدَبهم ومَنْعِهم مِنَ الفَساد. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَصْلُ العَصا الاجْتِماعُ والائْتِلافُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

إِن الخَوارجَ قَدْ شَقُّوا عَصَا المُسْلِمين وفَرَّقوا جَماعَتهم

أَي شَقُّوا اجْتماعَهُم وأْتِلافَهُم؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

صِلَة: إِيَّاك وقَتِيلَ العَصا

؛ مَعْنَاهُ إِيَّاك أَن تكونَ قاتِلًا أَو مَقْتُولًا فِي شَقِّ عَصا المُسْلِمِين. وانْشَقَّت العَصا أَي وقَع الخِلافُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذا كانتِ الهَيْجاءُ وانْشَقَّت العَصَا،

فحَسْبُك والضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ

أَي يَكْفِيكَ وَيَكْفِي الضَّحَّاكَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَالضِّحَاكِ بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى الْمَفْعُولِ، كَمَا تَقُولُ بِعْتُ الشاءَ شَاةً ودِرْهَماً، لأَن الْمَعْنَى أَن الضَّحَّاكَ نَفْسَه هُوَ السَّيْفُ المُهَنَّدُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى يَكْفِيكَ ويَكْفِي الضَّحَّاك سَيْفٌ مُهَنَّدٌ كَمَا ذَكَرَ. وَيُقَالُ للرجُلِ إِذا أَقام بالمَكان واطْمَأَنَّ واجْتَمع إِليه أَمْرُه: قَدْ أَلْقى عَصَاه وأَلْقى بَوانِيَهُ. أَبو الْهَيْثَمِ: العَصَا تُضْرَب مَثَلًا لِلِاجْتِمَاعِ، ويُضْرب انْشِقاقُها مَثَلًا للافْتِراقِ الَّذِي لَا يكونُ بَعْدَهُ اجتماعٌ، وَذَلِكَ لأَنها لَا تُدْعى عَصاً إِذا انْشَقَّت؛ وأَنشد:

فَلِلَّهِ شَعْبَا طِيَّةٍ صَدَعا العَصَا،

هِيَ اليَوْمَ شَتَّى، وَهْيَ أَمْسِ جَميع

قَوْلُهُ: فَلِلَّه لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحدهما أَنها لامُ تَعجُّب، تَعجَّبَ مِمَّا كَانَا فِيهِ مِنَ الأُنس واجتماعِ الشَّمْل، وَالثَّانِي أَن ذَلِكَ مُصِيبَةٌ موجِعة فقال: لله ذَلِكَ يَفْعَلُ مَا يشاءُ وَلَا حِيلة فِيهِ للْعِباد إِلا التَّسْلِيم كالاسْتِرْجاع. والعِصِيُّ: العظامُ الَّتِي فِي الجَناح؛ وَقَالَ:

وَفِي حُقّها الأَدْنى عِصِيُّ القَوادم

وعَصَا السَّاق: عَظْمها، عَلَى التَّشْبِيهِ بالعَصا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

ورِجْلٍ كظِلِّ الذِّئْبِ أَلْحَقَ سَدْوَها

وظِيفٌ، أَمَرَّتْهُ عَصَا السَّاقِ، أَرْوَحُ

وَيُقَالُ: قَرَع فلانٌ فُلَانًا بعَصَا المَلامَةِ إِذا بالغَ فِي عَذْلِهِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ للتَّوْبِيخ تَقْريعٌ. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: يُقَالُ فلانٌ يُصَلِّي عَصَا فلانٍ أَي يُدَبِّرُ أَمْره ويَلِيه؛ وأَنشد:

وَمَا صَلَّى عَصَاكَ كَمُسْتَدِيمِ

قَالَ الأَزهري: والأَصل فِي تَصْلِيَة العَصا أَنها إِذا

ص: 66

اعْوَجَّتْ أَلْزَمَها مُقَوِّمُها حَرَّ النَّارِ حَتَّى تَلِين وتُجِيب التَّثْقِيفَ. يُقَالُ: صَلَّيْتُ العَصَا النارَ إِذا أَلْزَمْتَها حَرَّها حَتَّى تَلِينَ لِغامِزها. وتفاريقُ العَصا عِنْدَ الْعَرَبِ: أَن العَصا إِذا انْكَسَرَت جُعِلَت أَشِظَّةً، ثُمَّ تُجْعَلُ الأَشِظَّةُ أَوْتاداً، ثُمَّ تُجْعَلُ الأَوْتادُ تَوادِيَ للصِّرار، يُقَالُ: هُوَ خَيْرٌ مِنْ تَفاريق العَصا. وَيُقَالُ: فلانٌ يَعْصِي الريحَ إِذا اسْتَقْبل مَهَبَّها وَلَمْ يَتَعرَّضْ لَهَا. وَيُقَالُ: عَصا إِذا صَلُبَ؛ قَالَ الأَزهري: كأَنه أرادَ عَسَا، بِالسِّينِ، فقَلَبها صَادًا. وعَصَوْتُ الجُرْحَ: شَدَدْتُه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: العُنْصُوَة الخُصْلة مِنَ الشَّعَر. قال: وعَصَوَا البئر عَرْقُوتاهُ؛ وأَنشد لِذِي الرُّمَّةِ:

فجاءَتْ بنَسْجِ العَنْكبُوتِ كأَنَّه،

عَلَى عَصَوَيْها، سابِرِيٌّ مُشَبْرَقُ

وَالَّذِي وَرَدَ فِي الْحَدِيثُ:

أَنَّ رَجُلًا قَالَ مَنْ يُطِعِ اللهَ ورسُوله فقَدْ رَشَدَ ومنْ يَعْصِهِما فَقَدْ غَوى، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم: بِئْسَ الخَطِيبُ أَنتَ قُلْ: ومَنْ يَعْصِ اللهَ ورسُوله فَقَدْ غَوى

؛ إِنما ذمَّه لأَنه جمَع فِي الضَّمِير بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ورسُوله فِي قَوْلِهِ ومَنْ يَعْصِهِما، فأَمَرَهُ أَن يَأْتي بالمُظْهَرِ ليَتَرَتَّب اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الذِّكْر قَبْلَ اسْم الرَّسُول، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَن الْوَاوَ تُفِيد التَّرْتِيب. والعِصيانُ: خِلافُ الطَّاعَة. عَصى العبدُ رَبَّهُ إِذا خالَف أَمْرَه، وَعَصَى فُلَانٌ أَميرَه يَعْصِيه عَصْياً وعِصْياناً ومَعْصِيَةً إِذا لَمْ يُطِعْهُ، فَهُوَ عاصٍ وعَصِيٌّ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يجيءُ هَذَا الضَّرْبُ عَلَى مَفْعِلٍ إِلَّا وَفِيهِ الْهَاءُ لأَنه إِنْ جاءَ عَلَى مَفْعِلٍ، بِغَيْرِ هاءٍ، اعْتلَّ فعدَلوا إِلى الأَخَفِّ. وعاصَاهُ أَيضاً: مثلُ عَصَاه. وَيُقَالُ للجَماعةِ إِذا خَرَجَتْ عَنْ طاعةِ السلْطان: قَدِ اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَوْلَا أَنْ نَعْصِيَ اللهَ مَا عَصانا

أَي لَمْ يَمْتَنعْ عَنْ إِجابَتِنا إِذا دَعَوْناه، فجعَل الجوابَ بمنْزِلة الخِطاب فسمَّاهُ عِصْياناً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه غيَّرَ اسْم العاصِي

؛ إِنَّمَا غَيَّره لأَنَّ شعارَ المُؤْمِن الطَّاعة، والعِصْيانُ ضِدُّها. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَمْ يَكُنْ أَسْلَم مِنْ عُصاة قُريش غَيْرُ مُطِيع بْنِ الأَسْوَدِ

؛ يُرِيدُ مَنْ كانَ اسْمُه العاصِي. واسْتَعْصى عَلَيْهِ الشيءُ: اشْتَدَّ كأَنه مِنِ العِصْيانِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

عَلِقَ الفُؤادُ برَيِّقِ الجَهْلِ

فأَبَرَّ واسْتَعْصَى عَلَى الأَهْلِ

والعَاصِي: الفَصِيلُ إِذا لَمْ يَتْبَع أُمَّه لأَنه كأَنه يَعْصِيها وَقَدْ عَصى أُمَّه. وَالْعَاصِي: العِرْقُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ. وعِرْقٌ عاصٍ: لَا يَنْقَطعُ دَمُه، كَمَا قَالُوا عانِدٌ ونَعَّارٌ، كأَنه يَعصي فِي الانْقِطاع الَّذِي يُبْغى مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرمَّة:

وهُنَّ مِنْ واطئٍ تُثْنى حَوِيَّتُه

وناشِجٍ، وعَواصِي الجَوْفِ تَنْشَخِبُ

يَعْنِي عُروقاً تَقَطَّعَتْ فِي الجَوف فَلَمْ يَرْقَأْ دَمُها؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ:

صَرَتْ نَظْرةً، لوْ صادَفَتْ جَوْزَ دارِعٍ

غَدا، والعَواصِي مِنْ دَمِ الجَوْف تَنْعَرُ

وعَصى الطائِرُ يَعْصِي: طَارَ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

تُعِيرُ الرِّيحَ مَنْكِبَها، وتَعْصِي

بأَحْوذَ غَيْرِ مُخْتَلِف النَّباتِ

وابنُ أَبي عاصِيَة: مِنْ شُعرائهم؛ ذَكَرَهُ ثَعْلَبٌ، وأَنشد لَهُ شِعْراً فِي مَعْن بْنِ زَائِدَةَ وَغَيْرِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا حَمَلْناه عَلَى الْيَاءِ لأَنهم قَدْ سمّوْا بضِدِّه، وَهُوَ قولُهُم فِي الرَّجُلِ مُطِيع، وَهُوَ مُطِيع بْنُ إِيَاسٍ

ص: 67

قَالَ: وَلَا عَليْك مِنِ اخْتِلافِهما بالذَّكَريَّة والإِناثيَّة، لأَن العَلَم فِي المذكَّر وَالْمُؤَنَّثِ سواءٌ فِي كَوْنِهِ عَلَماً. واعْتَصَت النَّواةُ أَي اشْتَدَّتْ. والعَصا: اسمُ فَرس عَوْفِ بْنِ الأَحْوصِ، وَقِيلَ: فَرس قَصِير بْنِ سعدٍ اللخْمِي؛ وَمِنْ كَلَامِ قَصِير: يَا ضُلَّ مَا تَجْري بِهِ العَصَا. وَفِي الْمَثَلِ: رَكب العَصَا قصِير؛ قَالَ الأَزهري: كَانَتِ العَصا لجَذيمة الأَبْرش، وَهُوَ فَرسٌ كَانَتْ مِنْ سَوابق خيْل الْعَرَبِ. وعُصَيَّةُ: قبيلةٌ من سُلَيم.

عضا: العُضْوُ والعِضْوُ: الواحدُ مِنْ أَعضَاءِ الشاةِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ: هُوَ كلُّ عَظْمٍ وافِرٍ بلَحْمه، وجمْعُهما أَعضاءٌ. وعَضَّى الذَّبيحة: قطَّعها أَعْضاءً. وعَضَّيْتُ الشاةَ والجَزُور تَعْضِيةً إِذا جعَلْتها أَعضاءً وقَسَمْتَها. وَفِي حَدِيثِ

جَابِرٍ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ: مَا لوْ أَنَّ رجُلًا نَحَرَ جَزُوراً وعَضَّاها قَبْلَ غُروبِ الشمسِ

أَي قَطَّعَها وفَصَّلَ أَعضاءَها. وعَضَّى الشيءَ: وزَّعَه وَفَرَّقَهُ؛ قَالَ:

وَلَيْسَ دينُ اللهِ بالمُعَضَّى

ابْنُ الأَعرابي: وعَضا مَالًا يَعْضُوه إِذا فرَّقَه وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا تَعْضِيةَ فِي مِيراثٍ إِلَّا فِيمَا حَمَلَ القَسْمَ

؛ مَعْنَاهُ أَنْ يموتَ المَيِّت ويَدَعَ شَيْئًا إِن قُسِمَ بينَ ورَثَته كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى بَعْضِهِمْ أَو عَلَى جَميعِهم، يَقُولُ فَلَا يُقْسَم. وعَضَّيت الشيءَ تَعْضِية إِذا فَرَّقْته. والتَّعْضِية: التَّفْرِيقُ، وَهُوَ مأْخُوذٌ مِنَ الأَعْضاءِ. قَالَ: والشيءُ اليَسِير الَّذِي لَا يَحْتَمِل القَسْمَ مثلُ الحَبَّة مِنَ الجَوهر، لأَنها إِن فُرِّقَتْ لَمْ يُنْتَفع بِهَا، وَكَذَلِكَ الطَّيْلَسان مِنَ الثِّيَابِ والحَمَّام وَمَا أَشْبهَه، وإِذا أَراد بعضُ الوَرَثَة القَسْمَ لَمْ يُجَبْ إِليه وَلَكِنْ يُباعُ ثُمَّ يُقسم ثمنُه بينَهم. والعِضَة: القِطْعَة والفِرْقة. وَفِي التَّنْزِيلِ: جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ

؛ واحدَتها عَضَةٌ وَنُقْصَانُهَا الْوَاوُ أَو الْهَاءُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْهَاءِ. والعِضَةُ: مِنَ الأَسماء الناقِصة، وأَصلُها عِضْوَة، فنُقِصَت الواوُ، كَمَا قَالُوا عِزَة وأَصْلُها عِزْوَةُ، وثُبَة وأَصلُها ثُبْوَة مِنْ ثَبَّيت الشَّيْءَ إِذا جمَعْته؛ وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ

: أَي جَزَّؤُوه أَجْزاءً

، وَقَالَ اللَّيْثُ: أَي جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضَةً عِضَةً فتفَرَّقوا فِيهِ أَي آمَنوا ببَعْضِه وكفَروا ببَعضه، وكلُّ قِطعة عِضَةٌ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ

فرَّقوا فِيهِ القَوْل فَقَالُوا شِعْر وسِحْر وكَهانة، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: أَساطِيرُ الأَوَّلِين، وَقَالُوا سِحْرٌ، وَقَالُوا شِعْرٌ، وَقَالُوا كَهانة فقسّمُوه هَذِهِ الأَقْسام وعَضَّوْه أَعْضاءً، وَقِيلَ: إِنَّ أَهلَ الكِتابِ آمَنُوا ببعضٍ وكفَرُوا ببعضٍ كَمَا فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ أَي فرَّقوه كَمَا تُعَضَّى الشاةُ؛ قَالَ الأَزهري: مَنْ جَعَل تَفْسِيرَ عِضِين السِّحْرَ جَعَلَ وَاحِدَتَهَا عِضَةً، قَالَ: وَهِيَ فِي الأَصل عِضَهَة، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ؛ المُقْتسمون اليَهودُ والنصارَى، والعِضَةُ الكَذِبُ مِنْهُ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. وَرَجُلٌ عَاضٍ بيِّن العُضُوِّ: طَعِمٌ كاسٍ مَكْفِيٌّ. قَالَ الأَصمعي: فِي الدَّارِ فِرَقٌ مِنَ النَّاسِ وعِزُون وعِضُونَ وأَصْناف بِمَعْنًى واحدٍ.

عَطَا: العَطْوُ: التَّناوُلُ، يُقَالُ مِنْهُ: عَطَوْت أَعْطُو. وَفِي حَدِيثِ

أَبي هُرَيْرَةَ: أَرْبَى الرِّبا عَطْوُ الرجُلِ عِرْضَ أَخِيه بغَير حَقٍ

أَي تَناوُلُه بالذَّمِّ وَنَحْوِهِ. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها: لَا تَعْطُوهُ الأَيْدِي

أَي لَا تَبْلُغُه فتَتناوَلَه. وعَطا الشيءَ وعَطا إِليه عَطْواً: تَناوَله؛ قَالَ الشَّاعِرُ

ص: 68

يَصِفُ ظَبْيَةً:

وتَعْطُو البَرِيرَ، إِذا فاتَها،

بِجِيدٍ تَرَى الخَدَّ مِنْهُ أَسِيلَا

وظَبيٌ عَطُوٌّ: يَتطاوَلُ إِلى الشَّجَر ليَتناولَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الجَدْي، وَرَوَاهُ كُراع ظَبْيٌ عَطْوٌ وجَدْي عَطْوٌ، كأَنه وصفَهُما بالصدر. وعَطا بيدِه إِلى الإِناء: تَناوَله وَهُوَ محمولٌ قَبل أَن يُوضَع عَلَى الأَرض؛ وَقَوْلُ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:

أَو الأُدْم المُوَشَّحةَ العَوَاطِي

بأَيْدِيهِنَّ مِنْ سَلَمِ النِّعافِ

يَعْنِي الظِّباء وَهِيَ تَتطاوَلُ إِذا رَفَعت أَيْدِيها لتَتَناوَل الشَّجَر، والإِعْطاءُ مأْخوذٌ مِنْ هَذَا. قَالَ الأَزهري: وسَمِعتُ غَيْرِ واحدٍ مِنَ العَرَب يَقُولُ لراحِلَته إِذا انْفَسَحَ خَطْمُه عَنْ مِخْطَمِه أَعْطِ فيَعُوجُ رأْسه إِلى رَاكِبِهِ فيُعِيدُ الخَطْمَ عَلَى مَخْطِمِه. وَيُقَالُ: أَعْطَى البعِيرُ إِذا انْقادَ وَلِمَ يَسْتَصْعِبْ. والعَطاء: نَوْلٌ للرجُلِ السَّمْحِ. والعَطاءُ والعَطِيَّة: اسمٌ لِمَا يُعْطَى، وَالْجَمْعُ عَطايا وأَعْطِيَة، وأَعْطِيَاتٌ جمعُ الجَمع؛ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يُكَسَّر عَلَى فُعُل كَرَاهِيَةَ الإِعْلالِ، وَمَنْ قَالَ أُزْرٌ لَمْ يَقُلْ عُطْيٌ لأَن الأَصل عندَهم الْحَرَكَةُ. وَيُقَالُ: إِنَّه لَجَزيلُ العَطاء، وَهُوَ اسمٌ جامِعٌ، فَإِذَا أُفرِد قيلَ العَطِيَّة، وجمعُها العَطَايا، وأَمَّا الأَعْطِيَة فَهُوَ جَمْع العَطاء. يُقَالُ: ثلاثةُ أَعْطِيَةٍ، ثُمَّ أَعْطِياتٌ جمعُ الجمعِ. وأَعطاه مَالًا، والاسمُ العَطاء، وأَصله عَطاوٌ، بِالْوَاوِ، لأَنه مِنَ عَطَوْت، إِلا أَنَّ الْعَرَبَ تَهْمِزُ الواوَ وَالْيَاءَ إِذا جَاءَتَا بَعْدَ الأَلف لأَنَّ الْهَمْزَةَ أَحْمَل لِلْحَرَكَةِ مِنْهُمَا، ولأَنهم يَسْتَثْقِلُونَ الْوَقْفَ عَلَى الْوَاوِ، وَكَذَلِكَ الياءُ مِثْلُ الرداءِ وأَصله رِدايٌ، فإِذا أَلْحقوا فِيهَا الْهَاءَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَهْمِزُهَا بِنَاءً عَلَى الْوَاحِدِ فَيَقُولُ عَطاءَةٌ ورِداءَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرُدُّها إِلى الأَصل فَيَقُولُ عَطَاوَة وَرِدَايَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي التَّثْنِيَةِ عطاءَان وَعَطَاوَانِ ورداءَان وَرِدَايَانِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ: إِلا أَن الْعَرَبَ تَهْمِزُ الواوَ وَالْيَاءَ إِذَا جاءَتا بَعْدَ الأَلف لأَنّ الْهَمْزَةَ أَحْمل لِلْحَرَكَةِ مِنْهُمَا، قَالَ: هَذَا لَيْسَ سبَب قَلْبِها، وإِنما ذَلِكَ لكَوْنها متَطَرِّفة بَعْدَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ فِي تَثْنِيَةِ رِدَاءٍ رِدَايَانِ، قَالَ: هَذَا وهَمٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ رِداوانِ بِالْوَاوِ، فَلَيْسَتِ الهمزةُ تُرَدُّ إِلى أصْلِها كَمَا ذَكَر، وإِنما تُبْدل مِنْهَا واوٌ فِي التَّثْنِيَةِ والنسَب والجمعِ بالأَلف والتاءِ. ورجلٌ مِعْطاءٌ: كثيرُ العَطاءِ، والجمعُ مَعاطٍ، وأَصلُه معاطِييُ، اسْتَثْقلُوا الياءَيْن وإِن لَمْ يَكُونَا بَعْدَ أَلِفٍ يَلِيانِها، وَلَا يمتَنع مَعاطِيّ كأَثافيّ؛ هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. وقومٌ مَعاطِيُّ ومَعاطٍ؛ قَالَ الأَخفش: هَذَا مثلُ قولِهِم مَفاتِيح ومَفاتِح وأَمانيّ وأَمانٍ. وَقَوْلُهُمْ: مَا أَعْطاهُ لِلْمَالِ كَمَا قَالُوا مَا أَولاه للمَعْروف وَمَا أَكْرَمَه لِي وَهَذَا شَاذٌّ لَا يَطرّد لأَن التَّعَجُّبَ لَا يَدْخُلُ عَلَى أَفْعَلَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ مَا سُمِع مِنَ الْعَرَبِ وَلَا يقاسُ عَلَيْهِ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ورجلٌ مِعْطَاءٌ كَثِيرُ العَطاء، وَامْرَأَةٌ مِعْطاءٌ كَذَلِكَ، ومِفْعالٌ يَسْتَوِي فِيهِ المذكَّر والمؤنَّث. والإِعْطاء والمُعاطاةُ جَمِيعًا: المُناوَلة، وَقَدْ أَعْطاهُ الشيءَ. وعَطَوْتُ الشيءَ: تَناوَلْته باليَدِ. والمُعَاطاة: المُناوَلة. وَفِي المَثل: عاطٍ بغَيرِ أَنْواط أَي يَتَناوَلُ مَا لَا مَطْمَع فِيهِ وَلَا مُتَناوَل، وَقِيلَ: يُضْرَب مَثَلًا لِمَنْ يَنْتَحِلُ عِلْماً لَا يقومُ بِهِ؛ وَقَوْلُ القُطامي:

أَكُفْراً بعدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي،

وبعدَ عَطائِكَ المِائَةَ الرِّتاعَا؟

ص: 69

لَيْسَ عَلَى حَذْفِ الزِّيَادَةِ، أَلا تَرَى أَنَّ فِي عَطاءٍ أَلِفَ فَعالٍ الزائِدَةَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى حَذْفِ الزِّيَادَةِ لقالَ وبَعْدَ عَطْوِكَ ليَكون كوحْده؟ وعَاطَاهُ إِياهُ مُعَاطَاةً وعِطَاءً، قَالَ:

مِثْلَ المَنادِيلِ تُعاطَى الأَشْرُبا

أَراد تُعاطاها الأَشْرُبُ فَقَلَبَ. وتَعَاطَى الشيءَ: تَنَاوَله. وتَعاطَوُا الشَّيْءَ: تَناوَله بعضُهم مِنْ بعضٍ وتنازَعُوه، وَلَا يُقَالُ أَعْطَى بِهِ، فأَمَّا قولُ جَرِيرٍ:

أَلا رُبَّما لمْ نُعْطِ زِيقاً بِحكْمِه،

وأَدَّى إِلينا الحَقَّ، والغُلُّ لازِبُ

فإِنما أَراد لَمْ نُعطِه حُكْمَه، فَزَادَ الباءَ. وَفُلَانٌ يَتَعَاطَى كَذَا أَي يَخُوضُ فِيهِ. وتَعَاطينا فَعَطَوْتُه أَي غَلَبْتُه. الأَزهري: الإِعْطَاءُ المُناوَلَةُ. والمُعَاطاةُ: أَن يَسْتَقْبِلَ رَجُلٌ رجُلًا ومَعَه سَيْف فيقولَ أَرِني سَيْفَكَ، فيُعْطِيَه فيَهُزُّه هَذَا ساعَةً وَهَذَا ساعَةً وَهُمَا فِي سُوقٍ أَو مَسْجِدٍ، وَقَدْ نُهيَ عَنْهُ. واسْتَعْطَى وتَعَطَّى: سأَل العَطاءَ. واسْتَعْطَى الناسَ بكَفِّه وَفِي كَفِّه اسْتِعْطَاءً: طَلَبَ إِليهم وسأَلَهم. وإِذا أَردْتَ مِنْ زَيدٍ أَن يُعْطِيَكَ شَيْئًا تقولُ: هَلْ أَنتَ مُعْطِيَّه؟ بياءٍ مَفْتُوحَةٍ مشدَّدة، وَكَذَلِكَ تَقُولُ لِلْجَمَاعَةِ: هَلْ أَنْتُمْ مُعْطِيَّهُ؟ لأَن النُّونَ سَقَطَتْ للإِضافة، وَقَلَبْتَ الْوَاوَ يَاءً وأَدْغَمْتَ وفتَحْتَ ياءَك لأَنَّ قبلَها سَاكِنًا، وَلِلِاثْنَيْنِ هَلْ أَنتما مُعْطِيايَهُ، بِفَتْحِ الْيَاءِ، فقِس عَلَى ذَلِكَ. وإِذا صَغَّرْت عَطاءً حذفْت اللامَ فقلْتَ عُطَيٌّ، وَكَذَلِكَ كُلُّ اسْمٍ اجْتَمَعَتْ فِيهِ ثَلَاثُ ياءَاتٍ، مِثْلُ عُلَيّ وعُدَيّ، حُذِفَت مِنْهُ اللَّامُ إِذا لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا عَلَى فِعْل، فإِن كَانَ مَبْنيّاً عَلَى فِعْلٍ ثبتَت نَحْوَ مُحَيّي مِنْ حيَّا يُحَيِّي تَحِيَّة، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِن المُحَيِّيَ فِي آخرِه ثَلَاثُ ياءَات وَلَمْ تُحْذَفْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا حَمْلًا عَلَى فِعْلِهِ يُحَيِّي، إِلا أَنك إِذا نكَّرتها حذفْتها لِلتَّنْوِينِ كَمَا تحذفُها مِنْ قاضٍ. والتَّعاطِي: تَناوُل مَا لَا يَحِقُّ وَلَا يجوزُ تَناوُلُه، يُقَالُ: تَعَاطَى فلانٌ ظُلْمَك. وتَعاطَى أَمراً قَبِيحًا وتَعَطَّاه، كلاهُما: رَكِبَه. قَالَ أَبو زَيْدٍ: فُلَانٌ يَتَعاطَى مَعاليَ الأُمُورِ ورَفِيعَها. قَالَ سِيبَوَيْهِ: تَعَاطَيْنا وتَعَطَّيْنا فتَعاطَيْنا، مِنِ اثْنَين وتَعَطّينا بِمَنْزِلَةِ غَلَّقَت الأَبوابَ، وفَرَقَ بعضُهم بينَهُما فَقَالَ: هُوَ يَتَعاطَى الرِّفْعة ويَتَعَطَّى القَبيح، وَقِيلَ: هُمَا لُغتان فِيهِمَا جَمِيعًا. وَفِي التَّنْزِيلِ: فَتَعاطى فَعَقَرَ

، أَي فتَعاطَى الشَّقِيُّ عَقْرَ الناقةِ فبلَغ مَا أَراد، وَقِيلَ: بَلْ تَعاطِيه جُرْأَتُه، وَقِيلَ: قامَ عَلَى أَطراف أَصابِعِ رِجْلَيْه ثُمَّ رَفَع يَدَيْه فضَربها. وَفِي

صِفَتِهِ، صلى الله عليه وسلم: فإِذا تُعُوطِيَ الحَقُّ لَمْ يَعْرِفْه أَحَدٌ

أَي أَنه كَانَ مِنْ أَحسن النَّاسِ خُلُقاً مَعَ أَصْحابه، مَا لَمْ يَرَ حَقّاً يُتَعَرَّض لَهُ بإِهْمالٍ أَو إِبْطالٍ أَو إِفسادٍ، فإِذا رأَى ذَلِكَ شمَّر وتَغيَّر حَتَّى أَنكَره مَنْ عَرَفه، كُلُّ ذَلِكَ لنُصْرة الْحَقِّ. والتَّعَاطِي: التناوُل والجَراءَة عَلَى الشَّيْءِ، مِنْ عَطَا الشيءَ يَعْطُوه إِذا أَخَذَه وتَناوَله. وعَاطَى الصبيُّ أَهلَه: عَمِلَ لَهُمْ وناوَلهم مَا أَرادوا. وَهُوَ يُعَاطِينِي ويُعَطِّيني، بِالتَّشْدِيدِ، أَي يَنْصُفُني ويَخْدُمُني. وَيُقَالُ: عَطَّيْته وعاطَيته أَي خَدَمْته وقُمْت بأَمره كَقَوْلِكَ نَعَّمْته وناعَمْته، تَقُولُ: مَنْ يُعَطِّيك أَي مَن يَتَوَلَّى خِدمَتك؟ وَيُقَالُ للمرأَة: هِيَ تُعَاطِي خِلْمَها أَي تُناوِلُه قُبَلَها ورِيقَها، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

ص: 70

تُعاطِيه أَحياناً، إِذا جِيدَ جَوْدةً،

رُضاباً كطَعْمِ الزَّنْجَبيل المُعَسَّلِ

وفلانٌ يَعْطُو فِي الحَمْضِ: يَضْرِبُ يَدَه فِيمَا لَيْسَ لَهُ. وقَوسٌ مُعْطِية: لَيّنة لَيْسَتْ بكَزَّةٍ وَلَا مُمْتَنِعَة عَلَى مَنْ يَمُدُّ وتَرَها، قَالَ أَبو النَّجْمِ:

وهَتَفَى مُعْطِيَةً طَرُوحَا

أَرادَ بالهَتَفَى قوْساً لِوَترِها رَنِينٌ. وقَوْسٌ عَطْوَى، عَلَى فَعْلَى: مواتيةٌ سَهْلةٌ بِمَعْنَى المُعطِية، وَيُقَالُ: هِيَ الَّتِي عُطِفَت فَلَمْ تَنْكَسِرْ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ صَائِدًا:

لَهُ نَبْعَةٌ عَطْوَى، كأَنَّ رَنِينَها

بأَلْوَى تَعاطَتْها الأَكُفُّ المَواسِحُ

أَراد بالأَلوى الوَتَر. وَقَدْ سَمَّوا عَطَاءً وعَطِيَّة، وَقَوْلُ الْبَعِيثِ يَهْجُو جَرِيرًا:

أَبوكَ عَطاءٌ أَلأَمُ الناسِ كُلِّهِم!

فقُبّح مِنْ فَحْلٍ، وقُبِّحْتَ مِنْ نَجْلِ!

إِنما عَنى عَطِيَّة أَباهُ، وَاحْتَاجَ فوَضَع عَطاءً موضعَ عَطِيَّة، وَالنِّسْبَةُ إِلى عَطِيَّة عَطَوِيٌّ، وإِلى عَطاءٍ عَطائيٌّ.

عظي: قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: العَظاية عَلَى خِلْقة سامِّ أَبْرص أُعَيْظِمُ مِنْهَا شَيْئًا، والعَظاءَة لُغَةٌ فِيهَا كَمَا يُقَالُ امرأَةٌ سَقَّاية وسقَّاءَة، وَالْجَمْعُ عَظايا وعَظاءٌ. وَفِي حَدِيثِ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: كَفِعْلِ الهِرِّ يَفْتَرِسُ العَظايا

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ جَمْعُ عَظاية دُوَيْبَّة مَعْرُوفَةٌ. قَالَ: وَقِيلَ أَراد بِهَا سامَّ أَبْرَصَ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنما هُمِزَت عَظاءَة وإِن لَمْ يَكُنْ حرفُ العِلة فِيهَا طَرَفاً لأَنهم جاؤوا بِالْوَاحِدِ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْجَمْعِ عِظاء. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وأَما قَوْلُهُمْ عَظاءَة وعَباءَةٌ وصَلاءَةٌ فَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي، لمَّا لَحِقَت الهاءُ آخِرًا وجَرى الإِعرابُ عَلَيْهَا وقَويت الياءُ ببعدِها عَنِ الطرَف، أَن لَا تُهْمَز، وأَن لَا يُقَالَ إِلا عَظايةٌ وعَباية وصَلاية فيُقْتَصَر عَلَى التَّصْحِيحِ دُونَ الإِعلال، وأَن لَا يَجُوزَ فِيهِ الأَمران، كَمَا اقتُصر فِي نِهَايَةٍ وغَباوةٍ وَشَقَاوَةٍ وسِعاية وَرِمَايَةٍ عَلَى التَّصْحِيحِ دُونَ الإِعلالِ، إِلا أَنَّ الْخَلِيلَ، رحمه الله، قَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنهم إِنما بَنَوُا الواحدَ عَلَى الْجَمْعِ، فَلَمَّا كَانُوا يَقُولُونَ عَظاءٌ وعَباءٌ وصَلاءٌ، فيلزَمُهم إِعلالُ الياءِ لوقوعِها طرَفاً، أَدخلوا الْهَاءَ وَقَدِ انقَلَبت اللامُ همزَةً فبَقيت اللامُ معتلَّة بَعْدَ الْهَاءِ كَمَا كَانَتْ معتَلَّة قبلَها، قَالَ: فإِن قِيلَ أَوَلست تَعْلَم أَن الْوَاحِدَ أَقدَم فِي الرُّتْبة مِنَ الْجَمْعِ، وأَن الجمعَ فَرعٌ عَلَى الْوَاحِدِ، فَكَيْفَ جَازَ للأَصل، وَهُوَ عَظاءَةٌ، أَن يُبْنَى عَلَى الْفَرْعِ، وَهُوَ عَظاء؛ وَهَلْ هَذَا إِلا كَمَا عَابَهُ أَصحابُك عَلَى الْفَرَّاءِ فِي قَوْلِهِ: إِن الفعلَ الْمَاضِيَ إِنما بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ لأَنه حُمِل عَلَى التَّثْنِيَةِ فَقِيلَ ضرَب لِقَوْلِهِمْ ضَرَبا، فَمِنْ أَين جازَ لِلْخَلِيلِ أَن يَحْمِل الواحدَ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَمْ يجُزْ لِلْفَرَّاءِ أَن يحمِل الواحِدَ عَلَى التَّثْنِيَةِ؟ فَالْجَوَابُ أَن الِانْفِصَالَ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَنَّ بَيْنَ الواحدِ والجمعِ مِنَ الْمُضَارَعَةِ مَا لَيْسَ بَيْنَ الواحِدِ وَالتَّثْنِيَةِ، أَلا تَراك تَقُولُ قَصْرٌ وقُصُور وقَصْراً وقُصُوراً وقَصْرٍ وقُصُورٍ، فتُعرب الْجَمْعَ إِعْرَابَ الْوَاحِدِ وَتَجِدُ حرفَ إِعراب الْجَمْعِ حَرْفَ إِعراب الْوَاحِدِ، ولستَ تَجِدُ فِي التَّثْنِيَةِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، إِنما هُوَ قَصْران أَو قَصْرَيْن، فَهَذَا مَذْهَبٌ غَيْرُ مَذْهَبِ قَصْرٍ وقُصُورٍ، أَوَلا تَرَى إِلى الْوَاحِدِ تَخْتَلِفُ مَعَانِيهِ كَاخْتِلَافِ مَعَانِي الْجَمْعِ، لأَنه قَدْ يكونُ جمعٌ أَكثرَ مِنْ جَمْعٍ، كَمَا يَكُونُ الواحدُ مُخَالِفًا لِلْوَاحِدِ فِي أَشياءَ كَثِيرَةٍ، وأَنت لَا تجدُ هَذَا إِذا

ص: 71

ثَنَّيْت إِنما تَنْتَظِم التَّثْنِيَةُ مَا فِي الْوَاحِدِ أَلْبَتَّةَ، وَهِيَ لِضَرْبٍ مِنَ الْعَدَدِ أَلْبَتَّةَ لَا يكونُ اثْنَانِ أَكثرَ مِنِ اثْنَيْنِ كَمَا تَكُونُ جَمَاعَةٌ أَكثرَ مِنْ جَمَاعَةٍ، هَذَا هُوَ الأَمر الْغَالِبُ، وإِن كَانَتِ التَّثْنِيَةُ قَدْ يُرَادُ بِهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَكثر مِنِ الِاثْنَيْنِ فإِن ذَلِكَ قَلِيلٌ لَا يَبْلُغُ اخْتِلَافَ أَحوال الْجَمْعِ فِي الْكَثْرَةِ والقلَّة، فَلَمَّا كَانَتْ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ هَذِهِ النِّسْبَةُ وَهَذِهِ الْمُقَارَبَةُ جَازَ لِلْخَلِيلِ أَن يَحْمِلَ الواحدَ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَمَّا بَعُدَ الْوَاحِدُ مِنَ التَّثْنِيَةِ فِي مَعَانِيهِ ومواقِعِه لَمْ يجُزْ لِلْفَرَّاءِ أَن يحمِل الواحدَ عَلَى التَّثْنِيَةِ كَمَا حَمَلَ الْخَلِيلُ الواحدَ عَلَى الْجَمَاعَةِ. وَقَالَتْ أَعرابيَّة لِمَوْلَاهَا، وَقَدْ ضَرَبَها: رَماكَ اللهُ بداءٍ لَيْسَ لَهُ دَواءٌ إِلا أَبْوالُ العَظاءِ وَذَلِكَ مَا لَا يُوجَدُ. وعظو

عَظاه عظو

يَعْظُوه عظو

عَظْواً: اغْتاله فسَقاه مَا يَقْتُله، وَكَذَلِكَ إِذا تَناوَله بلسانِه. وفَعَل بِهِ مَا عَظَاه أَي مَا ساءَه. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: العَظا أَن تأْكلَ الإِبلُ العُنْظُوانَ، وَهُوَ شجرٌ، فَلَا تستطيعَ أَن تَجْتَرَّه وَلَا تَبْعَرَه فتَحْبَطَ بطونُها فَيُقَالُ عَظِيَ الجَمَلُ يَعْظَى عَظاً شَدِيدًا، فَهُوَ عَظٍ وعَظْيانُ إِذا أَكثر مِنْ أَكل العُنْظُوانِ فتوَلّد وجَعٌ فِي بطْنه. وعَظاهُ الشيءُ يَعْظِيه عَظْياً: ساءَه. وَمِنْ أَمثالهم: طَلبتُ مَا يُلْهيني فلَقِيتُ مَا يَعْظِيني أَي مَا يَسُوءُني؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

ثُمَّ تُغاديك بِمَا يَعْظِيك

الأَزهري: فِي الْمَثَلِ أَردتَ مَا يُلْهيني فقُلْتَ مَا يَعْظِيني؛ قَالَ: يُقَالُ هَذَا لِلرَّجُلِ يريدُ أَن يَنْصَح صاحبَه فيُخْطِىءُ ويقولُ مَا يسوءُه، قَالَ:، وَمِثْلُهُ أَراد مَا يُحْظِيها فَقَالَ مَا يَعْظِيها. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: مَا تَصْنع بِي؟ قَالَ: مَا عَظَاكَ وشَرَاك وأَوْرَمَك؛ يَعْنِي مَا ساءَك. يُقَالُ: قُلْتُ مَا أَوْرَمَه وعَظَاه أَي قُلْتُ مَا أَسْخَطهُ. وعَظَى فلانٌ فُلَانًا إِذا ساءَه بأَمرٍ يأْتِيه إِليه يَعْظِيه عَظْياً. ابْنُ الأَعرابي: عظو

عَظا فلاناً عظو

يَعْظُوه عظو

عَظْواً إِذا قَطَّعَه بالغِيبَة. وعَظِي: هَلَكَ. والعَظاءَةُ: بئرٌ بَعِيدة القَعْرِ عَذبة بالمَضْجَع بَيْنَ رَمْل السُّرَّة «3» وبِيشَة؛ عَنِ الهَجَري. وَلَقِيَ فلانٌ مَا عَجاهُ وَمَا عَظَاهُ أَي لَقيَ شِدَّة. ولَقّاه اللهُ مَا عَظَاه أَي مَا سَاءَهُ.

عفا: فِي أَسماءِ اللَّهِ تَعَالَى: العَفُوُّ، وَهُوَ فَعُولٌ مِنَ العَفْوِ، وَهُوَ التَّجاوُزُ عَنِ الذَّنْبِ وتَرْكُ العِقابِ عَلَيْهِ، وأَصلُه المَحْوُ والطَّمْس، وَهُوَ مِنْ أَبْنِية المُبالَغةِ. يُقَالُ: عَفَا يَعْفُو عَفْواً، فَهُوَ عافٍ وعَفُوٌّ، قَالَ اللَّيْثُ: العَفْوُ عَفْوُ اللهِ، عز وجل، عَنِ خَلْقِه، وَاللَّهُ تَعَالَى العَفُوُّ الغَفُور. وكلُّ مَنِ اسْتحقَّ عُقُوبةً فَتَرَكْتَها فَقَدْ عَفَوْتَ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ

؛ مَحا اللهُ عنكَ، مأْخوذ مِنْ قَوْلِهِمْ عفَت الرياحُ الآثارَ إِذا دَرَسَتْها ومَحَتْها، وَقَدْ عَفَت الآثارُ تَعْفُو عُفُوّاً، لفظُ اللَّازِمِ والمُتَعدِّي سواءٌ. قَالَ الأَزهري: قرأْت بخَطّ شَمِرٍ لأَبي زَيْدٍ عَفا اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْعَبْدِ عَفْواً، وعَفَتِ الريحُ الأَثر عَفَاءً فعَفَا الأَثَرُ عُفُوّاً. وَفِي حَدِيثِ

أَبي بَكْرٍ، رضي الله عنه: سَلُوا اللهَ العَفْو وَالْعَافِيَةَ والمُعافاة

، فأَما العَفْوُ فَهُوَ مَا وصفْناه مِنْ مَحْو اللَّهِ تَعَالَى ذُنوبَ عَبْدِهِ عَنْهُ، وأَما الْعَافِيَةُ فَهُوَ أَن يُعافيَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سُقْمٍ أَو بَلِيَّةٍ وَهِيَ الصِّحَّةُ ضدُّ المَرَض. يُقَالُ: عافاهُ اللَّهُ وأَعْفَاه أَي وهَب لَهُ الْعَافِيَةَ مِنَ العِلَل والبَلايا. وأَما المُعافاةُ فأَنْ يُعافِيَكَ اللهُ مِنَ النَّاسِ ويُعافِيَهم منكَ أَي يُغْنيك عَنْهُمْ وَيُغْنِيَهِمْ عنك ويصرف أَذاهم

(3). قوله [رمل السرة إلخ] هكذا في الأصل المعتمد والمحكم.

ص: 72

عَنْكَ وأَذاك عَنْهُمْ، وَقِيلَ: هِيَ مُفاعَلَة مِنَ العفوِ، وَهُوَ أَن يَعْفُوَ عَنِ النَّاسِ ويَعْفُوا هُمْ عَنْهُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الْعَافِيَةُ دِفاعُ الله تعالى عن العبد. يُقَالُ: عَافَاهُ اللهُ عَافِيَةً، وَهُوَ اسْمٌ يُوضَعُ موضِع الْمَصْدَرِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ المُعافاةُ، وَقَدْ جاءَت مصادرُ كثيرةٌ عَلَى فَاعِلَةٍ، تَقُولُ سَمعْت راغِيَة الإِبل وثاغِيَة الشاءِ أَي سمعتُ رُغاءَها وثُغاءَها. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَعْفاهُ اللَّهُ وعافَاهُ مُعَافاةً وعافِيَةً مصدرٌ، كالعاقِبة والخاتِمة، أَصَحَّه وأَبْرأَه. وعَفا عَنْ ذَنْبِه عَفْواً: صَفَح، وعَفا اللَّهُ عَنْهُ وأَعْفَاه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ

؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذِهِ آيَةٌ مُشِكْلَةٌ، وَقَدْ فسَّرها ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ مَنْ بعدَه تَفْسِيرًا قَرَّبوه عَلَى قَدْر أَفْهام أَهل عَصْرِهِمْ، فرأَيتُ أَن أَذكُر قولَ ابْنِ عَبَّاسٍ وأُؤَيِّدَه بِمَا يَزيدهُ بَيَانًا ووُضوحاً، رَوَى مُجَاهِدٌ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عباسٍ يَقُولُ كَانَ القصاصُ فِي بَنِي إِسرائيلَ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَة، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل لِهَذِهِ الأُمَّة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ

؛ فالعَفْوُ: أَن تُقْبَلَ الديَةُ فِي العَمْدِ، ذَلِكَ تخفيفٌ مِنْ ربِّكم مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكم، يطلُب هَذَا بإِحسانٍ ويُؤَدِّي هَذَا بإحسانٍ. قَالَ الأَزهري: فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ العَفْوُ أَن تُقْبَل الديَة فِي العَمْد، الأَصلُ فِيهِ أَنَّ العَفْو فِي مَوْضُوعِ اللُّغَةِ الفضلُ، يُقَالُ: عَفا فُلَانٌ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ إِذا أَفضَلَ لَهُ، وعَفَا لَهُ عَمَّا لَهُ عَلَيْهِ إِذا تَرَكه، وَلَيْسَ العَفْو فِي قَوْلِهِ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ

عَفْواً مِنْ وليِّ الدَّمِ، وَلَكِنَّهُ عفوٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل، وَذَلِكَ أَنَّ سائرَ الأُمَم قبلَ هَذِهِ الأُمَّة لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَخذُ الدِّية إِذا قُتِلَ قَتِيلٌ، فجعَله اللَّهُ لِهَذِهِ الأُمة عَفْواً مِنْهُ وفَضْلًا مَعَ اخْتِيَارِ وَليِّ الدمِ ذَلِكَ فِي العمْد، وَهُوَ قَوْلِهِ عز وجل: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ

؛ أَي مَن عَفا اللهُ جَلَّ اسمُه بِالدِّيَةِ حِينَ أَباحَ لَهُ أَخْذَها، بعد ما كَانَتْ مَحْظُورةً عَلَى سَائِرِ الأُمم مَعَ اخْتِيَارِهِ إِيَّاها عَلَى الدَّمِ، فَعَلَيْهِ اتِّباع بِالْمَعْرُوفِ أَي مطالبَة للدِّية بمعرُوف، وَعَلَى الْقَاتِلِ أَداءُ الديَةِ إِليه بإحْسانٍ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَقَالَ: ذَلِكَ تخفيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ لَكُمْ يَا أُمَّة محمدٍ، وفَضْل جَعَلَهُ اللَّهُ لأَوْلِياءِ الدَّمِ مِنْكُمْ، ورحمةٌ خصَّكم بِهَا، فَمَنِ اعْتَدَى أَي فَمَنْ سَفَك دَمَ قَاتِلِ وليِّه بعدَ قبولِه الدِّيَة فَلَهُ عَذَابٌ أَليم، وَالْمَعْنَى الْوَاضِحُ فِي قَوْلِهِ عز وجل: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ

؛ أَيْ مَنْ أُحِلَّ لَه أَخذُ الدِّية بدلَ أَخيه المَقتول عفْواً مِنَ اللَّهِ وفَضْلًا مَعَ اخْتِيَارِهِ، فلْيطالِبْ بالمَعْروف، ومِن فِي قَوْلِهِ مِنْ أَخِيهِ مَعْنَاهَا الْبَدَلُ، والعَرَبُ تقولُ عرَضْتُ لَهُ مِنْ حَقِّه ثَوْباً أَي أَعْطَيْته بدَل حَقِّهِ ثَوْبًا؛ وَمِنْهُ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ؛ يَقُولُ: لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا بَدَلَكُمْ مَلَائِكَةً فِي الأَرض، وَاللَّهُ أَعلم. قَالَ الأَزهري: وَمَا عَلِمْتُ أَحداً أَوضَح مِنْ مَعْنى هَذِهِ الْآيَةِ مَا أَوْضَحْتُه. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَانَ الناسُ مِنْ سائِر الأُمَمِ يَقْتُلون الواحدَ بالواحدِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَنَا نحنُ العَفْوَ عَمَّن قَتَلَ إِن شِئْناه، فعُفِيَ عَلَى هَذَا مُتَعَدٍّ، أَلا تَرَاهُ مُتَعَدِّياً هُنَا إِلى شَيْءٍ؟ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ

؛ مَعْنَاهُ إِلا أَن يَعْفُوَ النِّسَاءُ أَو يعفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَة النِّكَاحِ، وَهُوَ الزَّوْجُ أَو الوَليُّ إِذا كَانَ أَباً، وَمَعْنَى عَفْوِ المَرْأَة أَن تَعْفُوَ عَنِ النِّصْفِ الواجبِ لَهَا فتَتْرُكَه لِلزَّوْجِ، أَو يَعْفُوَ الزَّوْجُ بالنّصفِ فيُعْطِيَها الكُلَّ؛ قَالَ الأَزهري:

ص: 73

وأَما قولُ اللَّهِ عز وجل فِي آيَةِ مَا يجبُ للمرأَة مِنْ نِصْفِ الصَّداق إِذا طُلِّقَت قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَقَالَ: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ

، فَإِنَّ العَفْوَ هَاهُنَا معناهُ الإِفْضالُ بإعْطاء مَا لَا يَجبُ عَلَيْهِ، أَو تركُ المرأَة مَا يَجبُ لَهَا؛ يُقَالُ: عَفَوْتُ لِفلان بِمَالِي إِذا أَفْضَلْت لَهُ فأَعْطَيْته، وعَفَوْت لَهُ عمَّا لِي عَلَيْهِ إِذا تركْتَه لَهُ؛ وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ

فِعْلٌ لجَماعَةِ النِّساءِ يطلِّقُهُنَّ أَزْواجُهُنَّ قَبْلَ أَن يَمَسُّوهُنَّ مَعَ تَسْمِيَةِ الأَزْواجِ لهنَّ مُهورَهُنَّ، فيَعْفُون لأَزْواجِهِنَّ بِمَا وَجَب لَهُنَّ مِنْ نِصفِ المهْرِ ويَتْرُكْنَه لَهُم، أَو يَعْفُوَ الَّذِي بيدِه عُقْدةُ النكاحِ، وَهُوَ الزَّوْجُ، بأَن يُتَمِّمَ لَهَا المَهْر كُلَّهُ، وإِنما وَجَبَ لَهَا نصْفُه، وكلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجين عافٍ أَي مُفْضِلٌ، أَما إِفْضالُ المرأَةِ فأَن تتركَ لِلزَّوْجِ المُطَلِّق مَا وجَبَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ نِصف المَهْر، وأَما إِفْضاله فأَنْ يُتِمَّ لها المَهْرَ كَمَلًا، لأَنَّ الواجِبَ عَلَيْهِ نصْفُه فيُفْضِلُ مُتَبَرِّعاً بالكلِّ، والنونُ مِنْ قَوْلِهِ يَعْفُونَ

نونُ فِعلِ جماعةِ النساءِ فِي يَفْعُلْنَ، وَلَوْ كَانَ لِلرِّجَالِ لوجَبَ أَن يُقَالَ إِلَّا أَن يعفُوا، لأَنَّ أَن تَنْصِبُ المستقبلَ وَتَحْذِفَ النونَ، وإِذا لَمْ يَكُنْ مَعَ فعلِ الرِّجَالِ مَا ينْصِب أَو يجزِم قِيلَ هُم يَعْفُونَ، وَكَانَ فِي الأَصل يَعْفُوُون، فحُذِفت إِحْدى الواوينِ اسْتِثْقَالًا لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَقِيلَ يَعْفُونَ، وأَما فِعلُ النِّسَاءِ فقِيلَ لهُنَّ يَعْفُونَ لأَنه عَلَى تَقْدِيرِ يَفْعُلْنَ. وَرَجُلٌ عَفُوٌّ عَنِ الذَّنْبِ: عافٍ. وأَعْفاهُ مِنَ الأَمرِ: بَرَّأَه. واسْتَعْفَاه: طَلَب ذَلِكَ مِنْهُ. والاسْتِعْفَاءُ: أَن تَطْلُب إِلى مَنْ يُكَلِّفُكَ أَمراً أَن يُعْفِيَكَ مِنْه. يُقَالُ: أَعْفِنِي منَ الخرُوجِ مَعَك أَي دَعْني مِنْهُ. واسْتَعْفَاهُ مِنَ الخُروجِ مَعَه أَي سأَله الإِعفاءَ مِنْهُ. وعَفَت الإِبلُ المَرعى: تَناولَتْه قَريباً. وعَفَاه يَعْفُوه: أَتاه، وَقِيلَ: أَتاه يَطْلُب مَعْرُوفَهُ، والعَفْوُ المَعْروف، والعَفْوُ الفضلُ. وعَفَوْتُ الرجلَ إِذَا طَلَبْتَ فضلَه. وَالْعَافِيَةُ والعُفَاةُ والعُفَّى: الأَضْيافُ وطُلَّاب المَعْرُوف، وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ يَعْفُونك أَيْ يأْتونك يَطْلبُون مَا عِنْدَكَ. وعافِيَةُ الْمَاءِ: وارِدَتُه، وَاحِدُهُمْ عافٍ. وَفُلَانٌ تَعْفُوه الأَضْيافُ وتَعْتَفِيه الأَضْيافُ وَهُوَ كَثِيرُ العُفَاةِ وكثيرُ العَافِيَة وكثيرُ العُفَّى. والعَافِي: الرائدُ والوارِدُ لأَن ذَلِكَ كلَّه طلبٌ؛ قَالَ الجُذامي يَصِفُ مَاءً:

ذَا عَرْمَضٍ تَخْضَرُّ كَفُّ عَافِيَهْ

أَي وارِدِه أَو مُسْتَقِيه. والعَافِيَةُ: طُلَّابُ الرزقِ مِنَ الإِنسِ والدوابِّ والطَّيْر؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

لَعَزَّ عَلَيْنا، ونِعْمَ الفَتى

مَصِيرُك يَا عَمْرُو، والعَافِيَهْ

يَعْنِي أَنْ قُتِلْتَ فصِرْتَ أُكْلةً للطَّيْر والضِّباعِ وَهَذَا كلُّه طَلَب. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن أَحْيا أَرضاً مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ، وَمَا أَكَلَتِ العَافِيَةُ مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدقةٌ

، وَفِي رِوَايَةٍ:

العَوَافِي.

وَفِي الْحَدِيثِ فِي ذكرِ الْمَدِينَةِ:

يتْرُكُها أَهلُها عَلَى أَحسنِ مَا كَانَتْ مُذَلَّلة للعَوافِي

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الواحدُ مِنَ العَافِيَة عافٍ، وَهُوَ كلُّ مَنْ جاءَك يطلُب فَضْلًا أَو رِزْقًا فَهُوَ عافٍ ومُعْتَفٍ، وَقَدْ عَفَاك يَعْفُوكَ، وَجَمْعُهُ عُفَاةٌ؛ وأَنشد قَوْلَ الأَعشى:

تطوفُ العُفَاةُ بأَبوابِه،

كطَوْفِ النَّصَارَى ببَيْتِ الوَثنْ

قَالَ: وَقَدْ تكونُ العَافِيَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الناسِ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ: وبيانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ

أُمّ مُبَشِّرٍ الأَنصارية قَالَتْ: دَخَلَ عَليَّ رسُول اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ

ص: 74

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَنا فِي نَخْلٍ لِي فَقَالَ: مَن غَرَسَه أَمُسْلِمٌ أَم كافرٌ؟ قُلْتُ: لَا بَلْ مُسْلِمٌ، فَقَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِس غَرْساً أَو يزرَع زَرْعًا فيأْكلُ مِنْهُ إِنسانٌ أَو دابةٌ أَو طائرٌ أَو سَبُعٌ إِلا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً.

وأَعطاه المالَ عَفْواً بِغَيْرِ مسألةٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

خُذِي العَفْوَ مِنِّي تَسْتَديمي مَوَدّتي،

وَلَا تَنْطِقِي فِي سَوْرَتي حِينَ أَغضَبُ

وأَنشدَ ابْنَ بَرِّيٌّ:

فتَمْلأُ الهَجْمَ عَفْواً، وهْي وادِعَة،

حَتَّى تكادَ شِفاهُ الهَجْمِ تَنْثَلِمُ

وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

خُذْ مَا أَتى منهمُ عَفْواً، فَإِنْ مَنَعُوا،

فَلَا يَكُنْ هَمَّكَ الشيءُ الَّذِي مَنَعُوا

قَالَ الأَزهري: والمُعْفِي الَّذِي يَصْحَبُكَ وَلَا يَتَعَرَّضُ لمَعْروفِك، تقولُ: اصْطَحَبْنَا وكلُّنا مُعْفٍ؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

فإنَّكَ لَا تَبْلُو امْرَأً دونَ صُحْبةٍ، وَحَتَّى تَعيشا مُعْفِيَيْنِ وتَجْهَدا

وعَفْوُ المالِ: مَا يُفْضُلُ عَنِ النَّفَقة. وقوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ

؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: العَفْوُ الْكَثْرَةُ والفَضْلُ، فأُمِرُوا أَن يُنُفِقوا الفَضْل إِلَى أَن فُرِضَت الزكاةُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ

؛ قِيلَ: العَفْو الفَضْلُ الَّذِي يجيءُ بغيرِ كُلْفَةٍ، وَالْمَعْنَى اقْبَلِ المَيْسُورَ مِنْ أَخْلاقِ الناسِ وَلَا تَسْتَقْصِ عَلَيْهِمْ فيَسْتَقْصِيَ اللهُ عَلَيْكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ العَداوة والبَغْضاءِ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَمَرَ اللهُ نَبيَّه أَن يأَخُذ العَفْوَ مِنْ أَخْلاقِ الناسِ

؛ قَالَ: هُوَ السَّهْل المُيَسَّر، أَي أَمرَه أَن يَحْتَمِل أَخْلاقَهُم ويَقْبَلَ مِنْهَا مَا سَهُل وتَيَسَّر وَلَا يستَقْصِيَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ

؛ قَالَ: وَجْهُ الْكَلَامِ فِيهِ النصبُ، يريدُ قُلْ يُنْفِقُون العَفْوَ، وَهُوَ فضلُ الْمَالِ؛ وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: مَنْ رَفَع أَراد الَّذِي يُنْفِقون العَفْوُ، قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْفَرَّاءُ النصبَ لأَن مَاذَا عِنْدَنَا حَرْفٌ وَاحِدٌ أَكثرُ فِي الْكَلَامِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا يُنْفِقُون، فَلِذَلِكَ اخْتِيرَ النَّصبُ، قَالَ: ومَنْ جَعلَ ذَا بمَعْنى الَّذِي رَفَعَ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يكونَ مَاذَا حَرْفًا، ويُرْفَع بِالِائْتِنَافِ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: نَزَلَت هَذِهِ الْآيَةُ قبلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ فأُمروا أَن يُنْفِقوا الفَضْلَ إِلَى أَن فُرضَت الزكاةُ، فَكَانَ أَهلُ المَكاسِب يأْخذُ الرجلُ مَا يُحْسِبه فِي كُلِّ يَوْمٍ أَي مَا يَكْفِيه ويَتَصَدَّقُ بباقيهِ، ويأخذُ أَهلُ الذَّهَب والفِضَّة مَا يَكْفِيهم فِي عامِهِمْ وينفِقُون باقيَهُ، هَذَا قَدْ رُوِيَ فِي التَّفْسِيرِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الإِجماع أَنَّ الزَّكاةَ فِي سائرِ الأَشياء قَدْ بُيِّنَ مَا يَجِبُ فِيهَا، وَقِيلَ: العَفْوُ مَا أَتَى بغَيرِ مسألةٍ. والعَافِي: مَا أَتى عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مسأَلةٍ أَيضاً؛ قَالَ:

يُغْنِيكَ عَافِيَه وعِيدَ النَّحْزِ

النَّحْزُ: الكَدُّ والنَّخْس، يَقُولُ: مَا جاءَكَ مِنْهُ عَفْواً أَغْناكَ عَنْ غَيْرِهِ. وأَدْرَكَ الأَمْرَ عَفْواً صَفْواً أَي فِي سُهُولة وسَراحٍ. وَيُقَالُ: خُذْ مِنْ مالِه مَا عَفَا وصَفا أَي مَا فَضَل ولم يَشُقَّ عليه. وابن الأَعرابي: عَفَا يَعْفُو إِذَا أَعطى، وعَفَا يَعْفُو إِذَا تَرَكَ حَقّاً، وأَعْفَى إِذَا أَنْفَقَ العَفْوَ مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ الفاضِلُ عَنْ نَفَقَتِه. وعَفا القومُ: كَثُرُوا. وَفِي التَّنْزِيلِ: حَتَّى عَفَوْا

؛ أَي كَثُرُوا. وعَفا النَّبتُ والشَّعَرُ وغيرُه يَعْفُو فَهُوَ عافٍ: كثُرَ وطالَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه صلى الله عليه وسلم، أَمَرَ بإعْفَاء اللِّحَى

؛ هُوَ أَن يُوفَّر شَعَرُها ويُكَثَّر وَلَا يُقَصَ

ص: 75

كالشَّوارِبِ، مِنْ عَفا الشيءُ إِذَا كَثُرَ وَزَادَ. يُقَالُ: أَعْفَيْتُه وعَفَّيْتُه لُغتان إِذَا فعَلتَ بِهِ كَذَلِكَ. وَفِي الصِّحَاحِ: وعَفَّيْتُه أَنا وأَعْفَيْتُه لُغَتَانِ إِذَا فعَلْتَ بِهِ ذَلِكَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْقِصَاصِ:

لَا أَعْفَى مَنْ قَتَل بعدَ أَخْذِ الدِّيَةِ

؛ هَذَا دُعاء عَلَيْهِ أَي لَا كَثُر مالُه وَلَا اسْتَغنى؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

إِذَا دخَل صَفَرُ وعَفا الوَبَرُ وبَرِئَ الدَّبَر حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ

، أَي كَثُرَ وبرُ الإِبلِ، وَفِي رِوَايَةٍ:

وعَفا الأَثَرُ

، بِمَعْنَى دَرَس وامَّحَى. وَفِي حَدِيثِ

مُصْعَبِ بْنِ عُمَير: إِنَّهُ غلامٌ عَافٍ

أَي وَافِي اللَّحم كثيرُه. والعَافِي: الطويلُ الشَّعَر. وَحَدِيثُ

عُمَرَ، رضي الله عنه: إنَّ عامِلَنا ليسَ بالشَّعِثِ وَلَا العَافِي

، وَيُقَالُ للشَّعَرِ إِذَا طَالَ ووَفى عِفَاءٌ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

أَذلِكَ أَمْ أَجَبُّ البَطْنِ جَأْبٌ،

عَلَيْهِ، مِنْ عَقِيقَتِهِ، عِفاءُ؟

وناقةٌ ذاتُ عِفَاءٍ: كثيرةُ الوَبَر. وعَفا شَعْرُ ظَهْرِ البعيرِ: كَثُرَ وطالَ فغَطَّى دَبَرَه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

هَلَّا سَأَلْت إِذَا الكَوَاكِبُ أَخْلَفَت،

وعَفَتْ مَطِيَّة طالِبِ الأَنْسابِ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: عَفَت أَي لَمْ يَجِد أَحدٌ كَرِيمًا يرحلُ إِلَيْهِ فعَطَّل مَطِيَّته فسَمِنت وكَثُر وَبَرُها. وأَرضٌ عَافِيَةٌ: لَمْ يُرْعَ نَبْتُها فوَفَرَ وَكَثُرَ. وعَفْوَةُ المَرْعَى: مَا لَمْ يُرْعَ فَكَانَ كَثِيرًا. وعَفَتِ الأَرضُ إِذَا غَطَّاها النَّبَاتُ؛ قَالَ حُمَيْد يَصِفُ دَارًا:

عَفَتْ مثلَ مَا يَعْفُو الطَّلِيحُ فأَصْبَحَتْ

بِهَا كِبرياءُ الصَّعْبِ، وهيَ رَكُوبُ

يَقُولُ: غَطاها العشْبُ كَمَا طَرَّ وَبَرُ البعيرِ وبَرَأَ دَبَرُه. وعَفْوَةُ الماءِ: جُمَّتُه قَبْلَ أَن يُسْتَقَى مِنْهُ، وَهُوَ مِنَ الْكَثْرَةِ. قَالَ اللَّيْثُ: ناقةٌ عَافِيَةُ اللَّحْمِ كثيرةُ اللَّحْمِ، ونوقٌ عَافِيَاتٌ؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:

بأَسْوُقِ عَافِيَاتِ اللحمِ كُوم

ويقالُ: عَفُّوا ظَهْرَ هَذَا البعيرِ أَي دَعُوه حَتَّى يَسْمَن. وَيُقَالُ: عَفَا فلانٌ عَلَى فُلَانٌ فِي العلمِ إِذَا زَادَ عَلَيْهِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

إِذَا كَانَ الجِراءُ عَفَتْ عَلَيْهِ

أَي زَادَتْ عَلَيْهِ فِي الجَرْيِ؛ وَرَوَى ابْنُ الأَعرابي بَيْتَ البَعيث:

بَعِيد النَّوَى جالَتْ بإنسانِ عَيْنه

عِفاءَةُ دَمْعٍ جالَ حَتَّى تَحَدَّرا

يَعْنِي دَمْعاً كَثُرَ وعَفَا فسالَ. وَيُقَالُ: فلانٌ يعفُو عَلَى مُنْيةِ المتَمَنِّي وسؤالِ السائلِ أَي يَزِيدُ عطاؤُه عَلَيْهِمَا؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:

يَعْفُو عَلَى الجهْدِ والسؤالِ، كَمَا

يَعْفُو عِهادُ الأَمْطارِ والرَّصَد

أَي يزيدُ ويَفْضُلُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: العَفْوُ أَحلُّ المالِ وأَطْيَبُه. وعَفْوُ كلِّ شيءٍ: خِيارُه وأَجْوَدُه وَمَا لَا تَعَب فِيهِ، وَكَذَلِكَ عُفاوَتُه وعِفاوتُه. وعَفا الماءُ إِذَا لَمْ يَطأْهُ شيءٌ يُكَدِّرُه. وعَفْوةُ المالِ والطعامِ والشَّرابِ وعِفْوَتُه؛ بالكسر عَنْ كراعٍ: خِيَارُهُ وَمَا صَفَا مِنْهُ وكَثُرَ، وَقَدْ عَفَا عَفْواً وعُفُوّاً. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنه قَالَ لِلنَّابِغَةِ: أَمَّا صَفْوُ أَموالِنا فلآلِ الزُّبَيْرِ، وَأَمَّا عَفْوُه فَإِنَّ تَيْماً وأَسَداً تَشْغَلُه عنكَ.

قَالَ الحَرْبي: العَفْوُ أَحَلُّ المالِ وأَطيَبُه، وَقِيلَ: عَفْوُ المالِ مَا يَفْضُلُ عَنِ النَّفَقة؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وكِلاهما جائزٌ فِي اللُّغَةِ،

ص: 76

قَالَ: وَالثَّانِي أشبَه بِهَذَا الْحَدِيثِ. وعَفْوُ الماءِ: مَا فَضَل عَنِ الشَّارِبَةِ وأُخذَ بغيرِ كُلْفةٍ وَلَا مُزَاحَمَةٍ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: عفَّى عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ إِذَا أَصلَح بَعْدَ الْفَسَادِ. أَبُو حَنِيفَةَ: العُفْوَة، بِضَمِّ الْعَيْنِ، مِنْ كُلِّ النَّبَاتِ لَيِّنُه وَمَا لَا مَؤُونة عَلَى الرَّاعِيَةِ فِيهِ. وعَفْوة كُلِّ شيء وعِفَاوتُه؛ عُفَاوتُه الضَّمُّ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: صَفْوُه وكثرَتُه، يُقَالُ: ذَهَبَتْ عِفْوَة هَذَا النَّبْت أَي لِينُه وخَيرُه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الأَخطل:

المانعينَ الماءَ حَتَّى يَشْرَبوا

عِفْواتِه، ويُقَسِّمُوه سِجالا

والعِفَاوَةُ: مَا يُرْفَعُ للإِنسان مِنْ مَرَقٍ. والعَافِي: مَا يُرَدُّ فِي القِدْرِ مِنَ المَرَقةِ إِذَا اسْتُعِيرَتْ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وعَافِي القِدْرِ مَا يُبْقِي فِيهَا المُسْتَعِير لمُعِيرِها؛ قَالَ مُضَرِّس الأَسَدي:

فَلَا تَسْأَليني، واسأَلي مَا خَلِيقَتي،

إِذَا رَدَّ عَافِي القِدْرِ مَن يَسْتَعيرُها

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: عَافِي فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي مَوْضِعِ الرَّفْع لأَنه فَاعِلٌ، ومَن فِي مَوْضِعِ النَّصْب لأَنه مَفْعُولٌ بِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ صاحبَ القِدرِ إِذَا نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ نَصَبَ لَهُمْ قِدْراً، فَإِذَا جاءهُ مَنْ يَسْتَعِيرُ قِدْرهُ فَرَآهَا منصوبَةً لهُم رجَعَ وَلَمْ يَطْلُبْها، والعَافِي: هُوَ الضَّيْفُ، كأَنه يرُدُّ المُسْتَعِير لارْتِدادِه دونَ قضاءِ حاجَته، وَقَالَ غيرُه: عَافِي القِدْرِ بقِيَّة المَرَقة يردُّها المستَعيرُ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ، وكانَ وَجْهُ الْكَلَامِ عافِيَ الْقِدْرِ فترَك الْفَتْحُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ العَافِي والعَفْوَة والعِفَاوَة مَا يَبْقَى فِي أَسْفَلِ القِدْرِ مِنْ مَرَقٍ وَمَا اخْتَلَط بِهِ، قَالَ: وموضِعُ عافِي رَفْعٌ لأَنه هُوَ الَّذِي رَدَّ المُسْتَعِير، وَذَلِكَ لكلَب الزَّمَانِ وَكَوْنِهِ يمنَع إعارَة القِدْرِ لتِلك البَقِيَّة. والعِفَاوةُ: الشيءُ يُرْفَع مِنَ الطَّعام لِلْجَارِيَةِ تُسَمَّنُ فَتُؤثَرُ بِهِ؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:

وظَلَّ غُلامُ الحَيّ طَيّانَ ساغِباً،

وكاعِبُهُم ذاتُ العِفاوَةِ أَسْغَبُ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والعِفاوة، بِالْكَسْرِ، مَا يُرْفَعُ مِنَ المَرَقِ أَوَّلًا يُخَصُّ بِهِ مَنْ يُكْرَم، وأَنشد بَيْتَ الْكُمَيْتِ أَيضاً، تَقُولُ مِنْهُ: عَفَوْت لَهُ منَ المَرَق إِذَا غَرَفْتَ لَهُ أَوَّلًا وآثَرْتَهُ بِهِ، وَقِيلَ: العِفَاوَة، بِالْكَسْرِ، أَوّل المَرَقِ وأَجودُه، والعُفَاوَة، بِالضَّمِّ، آخِرهُ يردُّها مُسْتَعِيرُ القِدْرِ مَعَ القِدْرِ؛ يُقَالُ مِنْهُ: عَفَوْت القِدْرَ إِذَا تَرَكْتَ ذَلِكَ فِي أَسفلها. والعِفاء، بالمدِّ والكَسْر: مَا كَثُر مِنَ الوَبَر والرِّيشِ، الواحِدَةُ عِفاءَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ سَاعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّةَ يَصِفُ الضَّبُعَ:

كمَشْيِ الأَفْتَلِ السَّارِي عَلَيْهِ

عِفاءٌ، كالعَباءَةِ، عَفْشَلِيلُ

وعِفَاءُ النَّعام وَغَيْرِهِ: الريشُ الَّذِي عَلَى الزِّفِّ الصِّغار، وَكَذَلِكَ عِفاءُ الدِّيكِ وَنَحْوِهِ مِنَ الطَّيْرِ، الْوَاحِدَةُ عِفاءَةٌ، مَمْدُودَةٌ. وناقةٌ ذاتُ عِفاءٍ، وَلَيْسَتْ هَمْزَةُ العِفاءِ والعِفاءَةِ أَصْلِيَّة، إِنَّمَا هِيَ وَاوٌ قلبتْ أَلِفاً فمُدَّت مِثْلَ السَّمَاءِ، أَصلُ مَدَّتِها الْوَاوُ، وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدَةِ: سَماوَة وسَماءَة، قَالَ: وَلَا يُقَالُ للرِّيشة الْوَاحِدَةِ عِفَاءَةٌ حَتَّى تَكُونَ كَثِيرَةً كَثيفة؛ وَقَالَ بعضُهم فِي هَمْزَةِ العِفاء: إنَّها أَصلِيَّة؛ قَالَ الأَزهري: وَلَيْسَتْ هَمْزَتُهَا أَصليَّة عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ الحُذَّاقِ، وَلَكِنَّهَا همزةٌ مَمْدُودَةٌ، وَتَصْغِيرُهَا عُفَيٌّ. وعِفاءُ السَّحابِ: كالخَمْل فِي وجْهِه لَا يَكادُ يُخْلِفُ. وعِفْوَةُ الرجُل

ص: 77

وعُفْوَتُه: شَعَر رَأْسِه. وعَفا المَنزِلُ يَعْفُو وعَفَت الدارُ ونحوُها عَفاءً وعُفُوّاً وعَفَّت وتَعَفَّت تَعَفِّياً: دَرَسَت، يَتَعدَّى وَلَا يَتَعَدَّى، وعَفَتْها الرِّيحُ وعَفَّتْها، شدّد للمبالغة؛ وقال:

أَهاجَكَ رَبْعٌ دارِسُ الرَّسْمِ، باللِّوَى،

لأَسماءَ عَفَّى آيَةُ المُورُ والقَطْرُ؟

وَيُقَالُ: عَفَّى اللهُ عَلَى أَثَرِ فُلَانٍ وعَفَا اللَّهُ عَلَيْهِ وقَفَّى اللَّهُ عَلَى أَثَرِ فلانٍ وقَفا عَلَيْهِ بِمَعْنًى واحدٍ. والعُفِيُّ: جَمْعُ عافٍ وَهُوَ الدارسُ. وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ:

قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الخَيل والرَّقيقِ فأَدُّوا زَكَاةَ أَموالِكم

أَي ترَكْتُ لَكُمْ أَخْذَ زَكَاتِهَا وتجاوَزْت عَنْهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ عَفَت الريحُ الأَثَرَ إِذَا طَمَسَتْه ومَحَتْه؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

أَم سَلَمَةَ: قَالَتْ لِعُثْمَانَ، رضي الله عنهما: لَا تُعَفِّ سَبِيلًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لَحَبَها

أَي لَا تَطْمِسْها؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

تَعافَوُا الحُدُود فِيمَا بَيْنَكُمْ

؛ أَي تجاوَزُوا عَنْهَا وَلَا تَرْفَعُوها إِلَيَّ فَإِنِّي مَتَى علمْتُها أَقَمْتُها. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ: وسُئل عَمَّا فِي أَموال أَهلِ الذِّمَّةِ فَقَالَ العَفْو

أَي عُفِيَ لَهُمْ عَمَّا فِيهَا مِنَ الصَّدَقَة وَعَنِ العُشْرِ فِي غَلَّاتهم. وعَفا أَثَرهُ عَفاءً: هَلَك، عَلَى المَثَل؛ قَالَ زُهَيْرٌ يَذْكُرُ دَارًا:

تَحَمَّلَ أَهلُها مِنْهَا فبانُوا،

عَلَى آثارِ مَن ذَهَبَ العَفَاءُ

والعَفَاءُ، بِالْفَتْحِ: التُرابُ؛ رَوَى

أَبو هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، عَنِ النبيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ عِنْدَكَ قوتُ يومِكَ فعَلى الدُّنْيَا العَفَاءُ.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ وغيرُه: العَفَاءُ التُّرَابُ، وأَنشد بيتَ زُهَيْرٍ يَذْكُرُ الدارَ، وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ: عَلَيْهِ الدَّبارُ إِذَا دَعا عَلَيْهِ أَنْ يُدْبِرَ فَلَا يَرْجِع. وَفِي حديث

صفوانَ ابنِ مُحْرِزٍ: إِذَا دَخَلْتُ بَيْتي فأَكَلْتُ رَغِيفًا وشَرِبْتُ عَلَيْهِ مَاءً فعَلى الدُّنْيا العَفاءُ.

والعَفَاءُ: الدُّرُوس والهَلاكُ وَذَهَابُ الأَثَر. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ فِي السَّبِّ بِفيِهِ العَفَاءُ، وَعَلَيْهِ العَفاءُ، والذئبُ العَوّاءُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الذِّئْبَ يَعْوِي فِي إثْرِ الظاعِنِ إِذَا خَلَت الدَّارُ عَلَيْهِ، وأَما مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ:

إنَّ المُنافِقَ إِذَا مَرِضَ ثُمَّ أُعْفِيَ كَانَ كَالْبَعِيرِ عَقَلَه أَهلُه ثُمَّ أَرْسَلوه فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوه وَلَا لِمَ أَرسَلوه

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أُعْفِيَ الْمَرِيضُ بِمَعْنَى عُوفِيَ. والعَفْوُ: الأَرضُ الغُفْل لَمْ تُوطَأْ وَلَيْسَتْ بِهَا آثارٌ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: عَفْوُ الْبِلَادِ مَا لَا أَثَرَ لأَحدٍ فِيهَا بِمِلْكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْيا أَرْضاً ميتَة فَهِيَ لَهُ

: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي عَفْوِ البلادِ الَّتِي لَمْ تُمْلَكْ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

قَبيلةٌ كَشِراكِ النَّعْلِ دارِجةٌ،

إنْ يَهْبِطُوا العَفْوَ لَا يُوجَدْ لَهُمْ أَثَرُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشِّعْر للأَخطَل؛ وَقَبْلَهُ:

إنَّ اللَّهازِمَ لَا تَنْفَكُّ تابِعَةً،

هُمُ الذُّنابَى وشِرْبُ التابِع الكَدَرُ

قَالَ: وَالَّذِي فِي شِعْرِهِ:

تَنْزُو النِّعاجُ عَلَيْهَا وهْي بارِكة،

تَحْكي عَطاءَ سُويدٍ مِنْ بَنِي غُبَرا

قبيلةٌ كشِراكِ النَّعْل دارجةٌ،

إنْ يَهْبِطُوا عَفْوَ أَرضٍ لَا تَرَى أَثرَا

قَالَ الأَزهري: والعَفَا مِنَ الْبِلَادِ، مقصورٌ، مثلُ العَفْو الَّذِي لَا ملْك لأَحد فِيهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه أَقْطَعَ مِنْ أَرض الْمَدِينَةِ مَا كَانَ عَفاً

أَي مَا لَيْسَ لأَحد فِيهِ أَثَرٌ، وَهُوَ مِنْ عَفا الشيءُ إِذَا دَرَس أَوْ مَا

ص: 78

لَيْسَ لأَحد فِيهِ مِلْكٌ، مَنْ عَفَا الشيءُ يَعْفُو إِذَا صَفا وخلُص. وَفِي الْحَدِيثِ:

ويَرْعَوْن عَفَاها

أَي عَفْوَها. والعَفْوُ والعِفْو والعُفْو والعَفا والعِفا، بِقَصْرِهِمَا: الجَحشُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: وَلَد الحِمار: وأَنشد ابن السكيت والمُفَصَّل لأَبي الطَّمحان حَنْظَلة بْنِ شَرْقيِّ:

بضَرْبٍ يُزيلُ الهامَ عَنْ سَكِناتِه،

وطَعْنٍ كتَشْهاقِ العَفَا هَمَّ بالنَّهْقِ

وَالْجَمْعُ أَعْفَاءٌ وعِفاءٌ وعِفْوةٌ. والعِفَاوَة، بِكَسْرِ الْعَيْنِ: الأَتانُ بعَينِها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ عِفْوٌ وَثَلَاثَةُ عِفَوَةٍ مثلُ قِرَطَةٍ، قَالَ: وَهُوَ الجَحْشُ والمُهْرُ أَيضاً، وَكَذَلِكَ العِجَلَة والظِّئَبة جَمْعُ الظَّأْبِ، وَهُوَ السلْفُ. أَبو زَيْدٍ: العِفَوَةُ أَفْتاءُ الحُمُر، قَالَ: وَلَا أَعلم فِي جَمِيعِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَاوًا مُتَحَرِّكَةً بَعْدَ حَرْفٍ مُتَحَرِّكٍ فِي آخِرِ الْبِنَاءِ غيرَ واوِ عِفَوَةٍ، قَالَ: وَهِيَ لُغَةٌ لقَيس، كَرهُوا أَن يَقُولُوا عُفَاةٌ فِي مَوْضِعِ فِعَلة، وَهُمْ يُرِيدُونَ الْجَمَاعَةَ، فتَلْتَبس بوُحْدانِ الأَسماء، وقال: وَلَوْ تكَلَّف متكَلِّف أَن يَبنيَ مِنَ الْعَفْوِ اسْمًا مفْرداً عَلَى بِنَاءِ فِعَلة لَقَالَ عِفاة. وَفِي حَدِيثِ

أَبِي ذَرٍّ، رضي الله عنه: أَنه تَرَكَ أَتانَيْن وعِفْواً

؛ العفْو، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَالْفَتْحِ: الجَحْش، قَالَ ابْنُ الأَثير: والأُنثى عُفْوة وعِفْوَة. وَمُعَافًى: اسْمُ رَجُلٍ؛ عَنْ ثعلب.

عقا: العَقْوةُ والعَقَاةُ: السَّاحَةُ وَمَا حوْلَ الدارِ والمَحَلَّة، وجمعُهما عِقَاءٌ. وعَقْوَةُ الدَّارِ: ساحَتُها؛ يُقَالُ: نَزَل بعَقْوَته، وَيُقَالُ: مَا بِعَقْوةِ هَذِهِ الدَّار مِثْلُ فلانٍ، وَتَقُولُ: مَا يَطُورُ أَحد بعَقْوَة هَذَا الأَسدِ، ونَزَلَت الخيلُ بعَقْوَة العَدُوِّ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما: المؤمنُ الَّذِي يأْمَنُ مَن أَمْسى بعَقْوتِه

؛ عَقْوَةُ الدارِ حَوْلَها وَقَرِيبًا مِنْهَا. وعَقَا يَعْقُو واعْتَقَى: احْتَفَرَ الْبِئْرَ فأَنْبَطَ مِنْ جَانِبِهَا. والاعْتِقَاء: أَن يأْخذَ الحافِرُ فِي الْبِئْرِ يمنَةً ويَسْرَةً إِذَا لَمْ يُمكِنُه أَن يُنْبِطَ الماءَ من قَعْرِها، والرجلُ يحفرُ البئرَ فَإِذَا لَمْ يُنْبِطِ الماءَ مِنْ قَعْرها اعْتَقَى يَمْنَةً ويَسْرَةً. واعْتَقَى فِي كَلَامِهِ: استَوْفاه وَلَمْ يَقْصِدْ، وَكَذَلِكَ الأَخذ فِي شُعَبِ الكلامِ، ويَشْتَقُّ الإِنسانُ الكلامَ فيَعْتَقِي فِيهِ، والعَاقِي كَذَلِكَ، قَالَ: وقَلَّما يَقُولُونَ عَقَا يَعْقُو؛ وأَنشد لبعضهم:

ولقد دَرِبْتُ بالاعتِقَاءِ

والاعْتقامِ، فنِلْت نُجْحَا

وَقَالَ رُؤْبَةُ:

بشَيْظَمِيٍّ يفهمُ التَّفهيما،

ويَعْتَقِي بالعُقَمِ التَّعْقيما

وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى قَوْلِهِ:

ويَعْتَقِي بالعُقَمِ التَّعْقيما

مَعْنَى يعْتَقِي أَيْ يحبِسُ ويمنَع بالعُقَم التَّعْقيمَ أَي بالشرِّ الشرَّ. قَالَ الأَزهري: أَما الاعْتقام فِي الحَفْر فَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ عَقَم، وأَما الاعْتِقَاء فِي الْحَفْرِ بِمَعْنَى الاعتقامِ فَمَا سمعتُه لِغَيْرِ اللَّيْثِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ الْبَيْتُ:

بشُطَسِيٍّ يَفْهَمُ التَّفْهيما

قَالَ: ويَعْتَقِي يَرُدُّ أَي يردُّ أَمر مَنْ عَلا عَلَيْهِ، قَالَ: وَقِيلَ التعقيمُ هُنَا القَهْرُ. وَيُقَالُ: عَقَّ الرجلُ بسَهْمِه إِذَا رَمى بِهِ فِي السَّمَاءِ فارتَفع، ويُسَمَّى ذَلِكَ السهمُ العَقيقة. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: عَقَّى الرَّامِي بسهمِه

فَجَعَلَهُ مِنْ عَقَّق. وعَقَّى

ص: 79

بِالسَّهْمِ: رَمى بِهِ فِي الْهَوَاءِ فَارْتَفَعَ، لُغَةٌ فِي عَقَّه؛ قَالَ المُتَنَخَّل الْهُذَلِيُّ:

عَقَّوا بسَهْمٍ فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَحدٌ،

ثُمَّ اسْتَفاؤُوا وَقَالُوا: حَبَّذا الوَضَحُ

يَقُولُ: رَمَوْا بسهمٍ نَحْوَ الهواءِ إِشْعاراً أَنهم قَدْ قَبِلوا الدِّية ورَضُوا بِهَا عِوَضاً عَنِ الدَّمِ، والوَضَحُ اللَّبَن أَي قَالُوا حَبَّذا الإِبل الَّتِي نأْخُذُها بدَلًا مِنْ دَمِ قَتِيلنا فنشرَبَ أَلْبانَها، وَقَدْ تَقَدَّم ذَلِكَ. وعَقَا العَلَمُ، وَهُوَ البَنْدُ: عَلا فِي الْهَوَاءِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

وهْوَ، إِذَا الحَرْبُ عَقَا عُقَابُهُ،

كُرْهَ اللِّقاء تَلْتَظي حِرابُهُ

ذَكَّرَ الحَرْب عَلَى مَعْنَى القِتال، وَيُرْوَى: عَفَا عُقابُه أَي كثُر. وعَقَّى الطائِرُ إِذَا ارْتَفَع فِي طَيَرانه. وعَقَّتِ العُقاب: ارْتَفَعَت، وَكَذَلِكَ النَّسْر. والمُعَقِّي: الحائِمُ عَلَى الشَّيْءِ المُرْتَفِعُ كَمَا تَرْتَفِعُ العُقابُ، وَقِيلَ: المُعَقِّي الحائِمُ المُسْتَدِيرُ مِنَ العِقْبَان بِالشَّيْءِ. وعَقَّتِ الدَّلْوُ إِذَا ارْتَفَعت فِي البِئْر وَهِيَ تَسْتَديرُ؛ وأَنشد فِي صِفَةِ دَلْوٍ:

لَا دَلْوَ إلَّا مِثْلُ دَلْوِ أُهْبانْ،

واسِعَة الفَرْغ أَدِيمانِ اثْنانْ

مما تَبَقَّى مِنْ عُكاظِ الرُّكْبانْ،

إِذَا الكُفاةُ اضطَجَعُوا للأَذْقانْ

«4» عَقَّت كَمَا عَقَّتْ دَلُوفُ العِقْبانْ،

بِهَا فَنَاهِبْ كلَّ ساقٍ عَجْلانْ

عقَّتْ أَي حامَتْ، وَقِيلَ: ارْتَفَعتْ، يَعْنِي الدَّلْوَ، كَمَا تَرْتَفِعُ العُقابُ فِي السَّمَاءِ، قَالَ: وأَصله عَقَّقَتْ، فلمَّا توالَتْ ثلاثُ قافَاتٍ قُلِبت إحداهنَّ يَاءً؛ كَمَا قَالَ الْعَجَّاجِ:

تَقَضِّيَ الْبَازِي إِذَا الْبَازِي كَسَرْ

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمُ: التظَنِّي مِنَ الظَّنّ والتَّلَعِّي مِنَ اللُّعاعَةِ، قَالَ: وأَصل تَعْقِيَةِ الدَّلْوِ مِنَ العَقِّ وَهُوَ الشَّقُّ؛ أَنشد أَبو عَمْرٍو لعَطاءٍ الأَسَدي:

وعَقَّتْ دَلْوُهُ حينَ اسْتَقَلَّت

بِمَا فِيهَا، كَتَعْقِيَةِ العُقابِ

واعْتَقَى الشيءَ وعَقَاه: احْتَبَسَه، مَقْلُوبٌ عَنِ اعْتاقَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاعِي:

صَباً تَعْتَقِيها تارَةً وتُقِيمُها

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى تَعْتَقيها تُمْضِيها، وَقَالَ الأَصمعي: تَحْتَبِسُها. والاعْتِقاءُ: الاحْتِباسُ، وَهُوَ قَلْبُ الاعْتِيَاق؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ مُزَاحِمٍ:

صَباً وشَمالًا نَيْرَجاً يَعْتَقِيهما

أَحايين نَوْبات الجَنُوبِ الزَّفازِف

وَقَالَ ابْنُ الرِّقَاعِ:

ودُونَ ذلِكَ غُولٌ يَعْتَقِي الأَجَلا

وَقَالُوا: عَاقٍ عَلَى تَوَهُّمِ عَقَوْتُه. الْجَوْهَرِيُّ: عَقَاه يَعْقُوه إِذَا عاقَه، عَلَى القَلْب، وعاقَني وَعَاقَانِي وعَقَاني بِمَعْنًى واحدٍ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ لِذِي الخِرَقِ الطُّهَوي:

أَلَمْ تَعْجَبْ لذِئْبٍ باتَ يَسْري

ليُؤْذِنَ صاحِبًا لهُ باللَّحاقِ

حَسِبْتَ بُغامَ راحِلتي عَناقًا،

وَمَا هِيَ، ويْبَ غَيْرِكَ بالعَناقِ

(4). قوله [الكفاة] هكذا في الأصل، وفي كثير من المواد: السقاة.

ص: 80

ولَوْ أَني رَمَيْتُكَ مِنْ قَريبٍ،

لعَاقَك عَنْ دُعاءِ الذِّئْبِ عاقِ

ولكنِّي رَمَيتُك مِنْ بَعِيدٍ،

فلَمْ أَفْعَلْ وقدْ أَوهَتْ بِسَاقِي

عليكَ الشاءَ شاءَ بَنِي تَمِيمٍ،

فعَافِقْهُ فإنَّكَ ذُو عِفاقِ

أَرَادَ بِقَوْلِهِ عاقِ عائِقٌ فقَلَبه، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى تَوَهُّمِ عَقَوْتُه. قَالَ الأَزهري: يَجُوزُ عاقَني عنْك عائِقٌ وعَقاني عنكَ عاقٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ عَلَى القَلْب؛ وَهَذَا الشِّعْرُ اسْتَشْهد الْجَوْهَرِيُّ بِقَوْلِهِ:

وَلَوْ أَني رَمَيْتُكَ مِنْ قريبٍ

وَقَالَ فِي إِيرَادِهِ: وَلَوْ أَني رَمَيْتُكَ مِنْ بَعيدٍ، لعاقَك. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَصَوَابُ إِنْشَادِهِ:

وَلَوْ أَنيَ رَمَيْتُك مِنْ قَريبٍ،

لعَاقَك عَنْ دُعاءِ الذِّئْبِ عاقِ

كَمَا أَوردناه. وعَقَا يَعْقُو ويَعْقِي إِذَا كَرِه شَيْئًا. والعَاقِي: الكارِهُ لِلشَّيْءِ. والعِقْيُ، بِالْكَسْرِ: أولُ مَا يَخْرُجُ مِنَ بَطْن الصَّبي يَخْرَؤُه حِينَ يُولَدُ إِذَا أَحْدَثَ أَولَ مَا يُحْدِثُ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَبَعْدَ ذَلِكَ مَا دَامَ صَغِيرًا. يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: أَحْرَصُ مِنْ كَلْبٍ عَلَى عِقْيِ صَبيٍّ؛ وَهُوَ الرَّدَجُ مِنَ السَّخْلة والمُهْر. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الحُوَلاءُ مضمَنة لِمَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْف الوَلد وَهُوَ فِيهَا، وَهُوَ أَعْقَاؤه، وَالْوَاحِدُ عِقْيٌ، وَهُوَ شَيْءٌ يخرُج مِنْ دُبُره وَهُوَ فِي بطنِ أُمّه أَسْودُ بَعْضِه وأَصْفَرُ بَعْضٍ، وَقَدْ عَقى يَعْقِي يَعني الحُوارَ إِذَا نُتِجَتْ أُمُّه، فَمَا خَرَجَ مِنْ دُبُره عِقْيٌ حَتَّى يأْكل الشَّجَر. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ وسُئل عَنِ امْرَأَةٍ أَرضعَت صَبياً رَضْعةً فَقَالَ: إِذَا عَقَى حَرُمَت عَلَيْهِ المرأَةُ وَمَا ولَدَتْ

، العِقْيُ: مَا يَخْرُج مِنْ بَطْنِ الصَّبيِّ حِينَ يُولَدُ أَسودُ لزجٌ كالغِراءِ قبلَ أَن يَطْعَم، وَإِنَّمَا شرطَ العَقْيَ ليُعْلم أَن اللبَن قَدْ صارَ فِي جَوفه ولأَنْه لَا يَعْقي مِنْ ذَلِكَ اللَّبنِ حَتَّى يَصِيرَ فِي جَوْفِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ كَذَلِكَ مِنَ المُهْر والجَحْشِ والفَصيل والجَدْي، وَالْجَمْعُ أَعْقَاءٌ، وَقَدْ عَقَى المَوْلُودُ يَعْقِي مِنَ الإِنْس والدوابِّ عَقْياً، فَإِذَا رَضَع فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ الطَّوْفُ. وعَقَّاه: سَقاه دَوَاءً يُسْقِط عِقْيَه. يُقَالُ: هَلْ عَقَّيْتُم صبيَّكُم أَي سقَيتُموه عَسَلًا ليَسْقُط عِقْيُه. والعِقْيانُ: ذهبٌ ينبتُ نَباتاً وَلَيْسَ مِمَّا يُستَذابُ ويُحصَّلُ مِنِ الْحِجَارَةِ، وَقِيلَ: هُوَ الذَّهبُ الخالصُ. وَفِي حَدِيثِ

عليٍّ: لَوْ أَراد اللَّهُ أَن يَفْتَحَ عَلَيْهِمْ مَعادن العِقْيَان

؛ قِيلَ: هُوَ الذَّهَب الخالصُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا ينبُتُ مِنْهُ نَباتاً، والأَلف وَالنُّونُ زَائِدَتَانِ. وأَعْقَى الشيءُ يُعْقِي إِعْقَاء: صَارَ مُرّاً، وَقِيلَ: اشْتَدَّتْ مَرارَتُه. وَيُقَالُ فِي مَثلٍ: لَا تكُنْ مُرًّا فتُعْقِيَ وَلَا حُلْواً فتُزْدَرَدَ، وَيُقَالُ: فتُعْقَى، فَمَنْ رَوَاهُ فتُعْقِيَ عَلَى تُفْعِل فَمَعْنَاهُ فتَشْتَدَّ مرارَتُك، وَمَنْ رَوَاهُ فتُعْقَى فَمَعْنَاهُ فتُلْفَظَ لمرارَتِكَ. وأَعْقَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَزَلْته مِنْ فِيكَ لِمَرارَتِه، كَمَا تقولُ: أَشْكَيْتُ الرجلَ إِذَا أَزَلْتَه عَمَّا يَشْكُو. وَفِي النَّوَادِرِ: يُقَالُ مَا أَدْري مِنْ أَيْنَ عُقِيَت وَلَا مِنْ أَيْنَ طُبِيت، واعْتُقِيَت واطُّبِيت، وَلَا مِنْ أَيْنَ أُتِيت وَلَا مِنْ أَيْنَ اغْتُيِلْت بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ الأَزهري: وَجْهُ الْكَلَامِ اغْتِلْت. وبَنُو العِقْيِ: قبيلةٌ وهُم العُقَاةُ.

ص: 81

عكا: العُكْوَة: أَصلُ اللِّسانِ، والأَكثر العَكَدَة. والعَكْوَة: أَصلُ الذَّنَب، بِفَتْحِ الْعَيْنِ، حيثُ عَرِيَ مِنَ الشَّعَر مِنْ مَغْرِز الذَّنَب، وَقِيلَ فِيهِ لغتان: عَكْوَة [عُكْوَة]، وَجَمْعُهَا عُكىً وعِكَاءٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

هَلَكْتَ، إِنْ شَرِبْتَ فِي إكْبابها،

حتَّى تُوَلِّيك عُكَى أَذْنابِها

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَإِذَا تَعَطَّف ذَنَبُه عِنْدَ العَكْوَة وتعَقَّد قيلَ بَعِيرٌ أَعْكَى. وَيُقَالُ: بِرْذَوْنٌ مَعْكُوٌّ؛ قَالَ الأَزهري: وَلَوِ استعْمِل الفعلُ فِي هَذَا لقِيل عَكِيَ يَعْكَى فَهُوَ أَعْكَى، قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ. وعَكَا الذَّنَبَ عَكْواً: عَطَفَه إِلَى العُكْوة وعَقَده. وعَكَوْتُ ذَنَبَ الدابةِ، وعَكَى الضَّبُّ بذَنَبِه: لَوَاهُ، والضَّبُّ يَعْكُو بذَنَبِه يَلْويه ويَعْقِدُه هُنَالِكَ. والأَعْكَى: الشَّدِيدُ العُكْوة. وشاةٌ عَكْواءُ: بيضاءُ الذَّنَبِ وسائِرُها أَسْودُ وَلَا فِعْلَ لَهُ وَلَا يَكُونُ صِفَةً للمذكَّر، وَقِيلَ: الشاةُ الَّتِي ابْيَضَّ مؤَخَّرُها واسْودَّ سائرُها. وعُكْوَةُ كلِّ شيءٍ: غِلَظُه ومُعْظَمُه. والعُكْوَة: الحُجْزة الغَلِيظة. وعَكا بِإِزَارِهِ عَكْواً: أَعْظَم حُجْزَتَه وغَلَّظها. وعَكَت الناقةُ والإِبل تَعْكُو عَكْواً: غَلُظَت وسَمِنَتْ مِنَ الرَّبِيعِ واشتَدَّتْ مِنَ السِّمَنِ. وإبلٌ مِعْكَاءٌ: غَلِيظة سَمينة مُمْتَلِئَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَكْثُر فيكونُ رأْس ذَا عِنْدَ عُكْوَة ذَا؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

الواهِب المائَةَ المِعْكاءَ زَيَّنَها السَّعدانُ

يُوضح فِي أَوْبارِها اللِّبَدِ «5»

ابْنُ السِّكِّيتِ: المِعْكَاءُ، عَلَى مِفْعالٍ، الإِبلُ الْمُجْتَمِعَةُ، يُقَالُ: مِائَةٌ مِعْكَاءٌ، ويُوضِحُ: يُبَيِّنُ فِي أَوْبارِها إِذَا رُعِيَ فَقَالَ المائةَ المِعْكَاءَ أَي هِي الغِلاظُ الشِّداد، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ؛ قَالَ أَوس:

الواهِب المائةَ المِعْكَاءَ يَشْفَعُها،

يَومَ الفِضالِ، بأُخْرَى، غَيْرِ مجْهُود

والعَاكِي: الشادُّ، وَقَدْ عَكا إِذَا شَدَّ، وَمِنْهُ عَكْوُ الذَّنَبِ وَهُوَ شَدُّه. والعُكْوَةُ: الوَسَط لغِلَظِه. وَالْعَاكِي: الغَزَّالُ الَّذِي يبِيع العُكَى، جَمْعُ عُكْوَة، وَهِيَ الغَزْلُ الَّذِي يَخْرُج مِنَ المِغْزَلِ قبلَ أَن يُكَبَّبَ عَلَى الدُّجاجة، وَهِيَ الكُبَّة. وَيُقَالُ: عَكَا بإزارِه يَعْكُو عُكِيّاً أَغْلَظَ مَعْقِدَه، وَقِيلَ: إِذَا شَّده قالِصاً عَنْ بَطْنِه لئَلَّا يَسْتَرْخِيَ لِضِخَمِ بَطْنِهِ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

شُمٌّ مَخامِيضُ لَا يَعْكون بالأُزُرِ

يَقُولُ: لَيْسُوا بِعظام الْبُطُونِ فَيَرْفَعُوا مآزِرَهُم عَنِ البطونِ وَلَكِنَّهُمْ لِطافُ الْبُطُونِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ عَكْوانُ مِنَ الشَّحْمِ، وامرأَة مُعَكِّيةٌ. وَيُقَالُ: عَكَوْتُه فِي الْحَدِيدِ والوَثاقِ عَكْواً إِذَا شَدَدْتَه؛ قَالَ أُمَيَّة يَذْكُرُ مُلْك سُلَيْمَانَ:

أَيُّما شاطِنٍ عَصاهُ عَكَاهُ،

ثُمَّ يُلْقى فِي السِّجنِ والأَغْلالِ

والأَعْكَى: الغلِيظُ الجَنْبَين؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، فأَمَّا قَوْلُ ابنةِ الخُسِّ حِينَ شاوَرَ أَبوها أَصحابه فِي شِراءِ فَحْلٍ: اشْتَرِهِ سَلْجَمَ اللَّحْييَنِ أَسْحَجَ الخَدَّيْن غائرَ العَيْنَين أَرْقَبَ أَحْزَمَ أَعْكَى أَكْوَمَ، إنْ عُصِيَ غَشَمَ وَإِنْ أُطِيعَ اجْرَنْثَمَ؛ فَقَدْ يكونُ الغَلِيظَ العُكْوةِ الَّتِي هِيَ أَصلُ الذَّنَبِ، ويكونُ الغَلِيظَ الجَنْبَين والعَظيمَ الوَسَط، والأَحْزَمُ والأَرْقَبُ والأَكْوَمُ كلٌّ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والعَكْوَةُ والعُكْوَةُ جَمِيعًا: عَقَبٌ يُشَقُّ ثُمَّ يُفتَل فَتْلَين

(5). في رواية ديوان النابغة: تُوضِحُ بدل يُوضِح، وهو اسم موضع.

ص: 82

كَمَا يُفْتَلُ المِخراقُ. وعَكَاهُ عَكْواً: شدَّه. وعَكَّى عَلَى سَيْفِهِ ورُمحِه: شدَّ عَلَيْهِمَا عِلْباءً رَطْباً. وعَكا بخُرْئِه إِذَا خرَج بعضُه وبَقِي بَعضٌ. وعَكَّى: مَاتَ. قَالَ الأَزهري: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا ماتَ عَكَّى وقَرضَ الرِّباطَ. والعَاكِي: المَيّت. وعَكَّى الدخانُ: تَصَعَّد فِي السماءِ؛ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ فِي تَرْجَمَةِ كَعَيَ: الأَعْكَاءُ العُقَد. وعَكَا بِالْمَكَانِ: أَقَامَ. وعَكَتِ المرأَة شَعَرَها إِذَا لَمْ تُرْسِلْه، وَرُبَّمَا قَالُوا: عَكَا فُلَانٌ عَلَى قَوْمِهِ أَي عَطَف، مثلُ قولِهِم عَكَّ عَلَى قَوْمِه. الْفَرَّاءُ: العَكِيُّ مِنَ اللَّبن المَحْضُ. والعَكِيُّ مِنْ أَلْبَانِ الضَّأْنِ: مَا حُلِبَ بعضُه عَلَى بعضٍ، وَقَالَ شَمِرٌ: العَكِيُّ الخاثِر؛ وأَنشد لِلرَّاجِزِ:

تَعَلَّمَنْ، يَا زيدُ يَا ابنَ زَيْنِ،

لَأُكْلَةٌ مِنْ أَقِطٍ وسَمْنِ،

وشَرْبَتانِ مِنْ عَكِيِّ الضأْنِ،

أَحْسَنُ مَسّاً فِي حَوايا البَطْنِ

مِنْ يَثْرَبِيَّاتٍ قِذاذٍ خُشْنِ،

يَرْمي بِهَا أَرْمى مِنِ ابنِ تِقْنِ

قَالَ شَمِرٌ: النِّيُّ مِنَ اللَّبَنِ ساعَة يُحْلَب، والعَكِيُّ بعد ما يَخْثُر، والعَكِيُّ وَطْبُ اللَّبن.

علا: عُلْو كُلِّ شَيْءٍ وعِلْوه وعَلْوُه وعُلاوَتُه وعَالِيه وعالِيَتُه: أَرْفَعُه، يَتَعَدَّى إِلَيْهِ الفعلُ بحَرْف وَبِغَيْرِ حَرْف كَقَوْلِكَ قَعَدْتُ عُلْوه وَفِي عُلْوِه. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: سِفْلُ الدَّارِ وعِلْوُها وسُفْلُها وعُلْوُها، وَعَلَا الشيءُ عُلُوًّا فَهُوَ عَلِيٌّ، وعَلِيَ وتَعَلَّى؛ وَقَالَ بَعْضُ الرُّجَّاز:

وإنْ تَقُلْ: يَا لَيْتَه اسْتَبلَّا

مِن مَرَضٍ أَحْرَضَه وبَلَّا،

تَقُلْ لأَنْفَيْهِ وَلَا تَعَلَّى

وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِذَا هُوَ يَتَعَلَّى عنِّي

أَي يَتَرَفَّع عليَّ. وعَلاه عُلُوّاً واسْتَعْلاه واعْلَوْلاه، وعَلا بِهِ وأَعْلاهُ وعَلَّاهُ وعَالاه وعَالَى بِهِ؛ قَالَ:

كالثِّقْلِ إِذْ عَالَى بِهِ المُعَلِّي

وَيُقَالُ: عَلا فلانٌ الجَبَلَ إِذَا رَقِيَه يَعْلُوه عُلُوّاً، وعَلا فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا قَهَرَه. والعَلِيُّ: الرَّفيعُ. وتَعَالَى: تَرَفَّع؛ وَقَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:

عَلَوْناهُمُ بالمَشْرَفيِّ، وعُرِّيَتْ

نِصالُ السُّيوفِ تَعْتَلِي بالأَماثِلِ

تَعْتَلي: تَعْتَمِد، وَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ لأَنه فِي مَعْنَى تَذهَب بِهِمْ. وأَخذَه مِنْ عَلِ وَمِنْ عَلُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: حَرَّكوه كَمَا حَرَّكوا أَوَّلُ حِينَ قَالُوا ابْدَأْ بِهَذَا أَوَّلُ، وَقَالُوا: مِنْ عَلا وعَلْوُ، وَمِنْ عالٍ ومُعالٍ؛ قَالَ أَعْشى باهِلَة:

إنِّي أَتَتْني لِسانٌ لَا أُسَرُّ بِهَا،

مِنْ عَلْوُ لَا عَجَبٌ مِنْهَا، وَلَا سَخَرُ

ويُرْوَى: مِنْ عَلْوِ وعَلْوَ أَي أَتاني خَبرٌ مِنْ أَعْلى؛ وأَنشد يَعْقُوبُ لدُكَيْن بنِ رجاءٍ فِي أَتيتُه مِنْ عالٍ:

يُنْجِيِه، مِنْ مثلِ حَمامِ الأَغْلالْ،

وَقْعُ يَدٍ عَجْلى ورِجْلٍ شِمْلالْ،

ظَمأَى النَّسَا مِنْ تَحْتُ رَيَّا منْ عالْ

يَعْنِي فَرَسًا؛ وَقَالَ ذُو الرمَّة فِي مِن مُعال:

فَرَّجَ عَنْهُ حَلَقَ الأَغلالِ

جَذْبُ العُرىَ وجِرْيةُ الجِبالِ،

ونَغَضانُ الرَّحْلِ مِنْ مُعالِ

ص: 83

أَراد فَرَّج عَنْ جَنِين النَّاقَةِ حَلَقَ الأَغْلالِ، يَعْنِي حَلَق الرحِمِ، سَيرُنا، وَقِيلَ: رَمَى بِهِ مِنْ عَلِ الجبَل أَي مِنْ فَوْقِه؛ وَقَوْلُ الْعِجْلِيِّ:

أَقَبُّ مِنْ تَحْتُ عَرِيضٌ مِن عَلِي

إِنَّمَا هُوَ مَحْذُوفُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ لأَنه مَعْرِفَةٌ وَفِي موضِع المبنِيِّ عَلَى الضَّمِّ، أَلا تَرَاهُ قابَل بِهِ مَا هَذِهِ حالُه وَهُوَ قَوْلُهُ: مِنْ تَحْتُ، وَيَنْبَغِي أَن تُكْتَب عَلي فِي هَذَا الموضِع بِالْيَاءِ، وَهُوَ فَعِلٌ فِي مَعْنَى فاعِلٍ، أَي أَقَبُّ مِنْ تحتِه، عريضٌ مِنْ عالِيه: بِمَعْنَى أَعْلاه. والعَالِي والسافلُ: بِمَنْزِلَةِ الأَعْلى والأَسْفل؛ قَالَ:

مَا هُوَ إِلَّا المَوتُ يَغْلي غالِيهْ

مُخْتَلِطاً سافِلُه بعَالِيَهْ،

لا بُدَّ يَوْمًا أَنَّني مُلاقِيه

وَقَوْلُهُمْ: جئتُ مِنْ عَلُ أَي مِنْ أَعْلى كَذَا. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ أَتَيْته مِنْ عَلُ، بِضَمِّ اللَّامِ، وأَتَيته مِنْ عَلُو، بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ الْوَاوِ، وأَتيته مِن عَلِي بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ، وأَتيته مِنْ عَلْوُ، بِسُكُونِ اللَّامِ وَضَمِّ الْوَاوِ، وَمِنْ عَلْوَ وَمِنْ عَلْوِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ أَتيتُه مِنْ عَلِ الدارِ، بِكَسْرِ اللَّامِ، أَي مِنْ عالٍ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا،

كجلمودِ صَخْرٍ حَطَّه السَّيلُ مِنْ عَلِ

وأَتيتُه مِنْ عَلا؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:

باتَتْ تَنُوشُ الحَوْضَ نَوْشاً مِن عَلا،

نَوْشاً بِهِ تَقْطَعُ أَجْوازَ الفَلا

وأَتَيْتُه مِنْ عَلُ، بِضَمِّ اللامِ؛ أَنشد يَعْقُوبُ لعَدِيّ بْنِ زَيْدٍ:

فِي كِناسٍ ظاهِرٍ يَسْتُرُه،

مِنْ عَلُ الشَّفَّان، هُدَّابُ الفَنَنْ

وأَما قَوْلُ أَوس:

فَمَلَّكَ باللِّيطِ الَّذِي تحتَ قِشْرِها،

كغِرْقئِ بَيْضٍ كَنَّه القَيْضُ مِنْ عَلُو

فَإِنَّ الْوَاوَ زَائِدَةٌ، وَهِيَ لإِطلاقِ الْقَافِيَةِ وَلَا يجوزُ مثلُه فِي الْكَلَامِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ

؛ قُرِئَ عالِيَهُمْ

بِفَتْحِ الْيَاءِ،

وعَالِيهِم

بِسُكُونِهَا، قَالَ: فمَن فتَحها جَعَلها كَالصِّفَةِ فوقَهم، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ قَوْمُك داخِلَ الدارِ، فيَنْصِبون داخلَ لأَنه محَلٌ، فعالِيَهُم مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَا نَعْرِفُ عالِيَ فِي الظُّرُوفِ، قَالَ: ولعلَّ الفراء سمع بِعالي فِي الظُّرُوفِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ ظَرْفًا لَمْ يَجُزْ إِسْكَانُ الْيَاءِ، وَلَكِنَّهُ نَصَبه عَلَى الْحَالِ مِنْ شَيْئَيْنِ: أَحدُهما مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ

؛ أَيْ فِي حالِ عُلُوِّ الثِّيَابِ إِيَّاهُمْ، قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الوِلْدان، قَالَ: وَالنَّصْبُ فِي هَذَا بَيِّنٌ، قَالَ: وَمَنْ قرأَ

عالِيهِم

فرفْعُه بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ ثِيابُ سُندُسٍ، قَالَ: وَقَدْ قُرِئَ

عالِيَتَهُمْ

، بِالنَّصْبِ،

وعالِيَتُهم

، بِالرَّفْعِ وَالْقِرَاءَةُ بِهِمَا لَا تَجُوزُ لِخِلَافِهِمَا الْمُصْحَفَ، وَقُرِئَ:

عَلَيْهم ثيابُ سُنْدُسٍ

، وَتَفْسِيرُ نَصْبِ

عالِيَتَهُم

وَرَفْعِهَا كَتَفْسِيرِ عالِيَهُمْ

وعالِيهم.

والمُسْتَعْلِي مِنَ الْحُرُوفِ سَبْعَةٌ وَهِيَ: الخاءُ وَالْغَيْنُ وَالْقَافُ وَالضَّادُ وَالصَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الحروفَ فمنخفِض، وَمَعْنَى الاسْتِعْلاء أَن تَتَصَعَّد فِي الحَنَك الأَعلى، فأَربعةٌ مِنْهَا مَعَ اسْتِعْلَائِهَا إطْباقٌ، وأَما الْخَاءُ والغينُ وَالْقَافُ فَلَا إِطْبَاقَ مَعَ اسْتِعْلَائِهَا. والعَلاءُ: الرِّفْعَة. والعلاءُ: اسْمٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ بِالْوَضْعِ دُونَ اللَّامِ، وَإِنَّمَا أُقِرَّت اللامُ بَعْدَ النَّقل وَكَوْنُهُ علَماً مُرَاعَاةً لِمَذْهَبِ الْوَصْفِ فِيهَا قبلَ النَّقْلِ، ويدلُّ عَلَى تَعَرُّفِه بِالْوَضْعِ قولُهُم أَبو

ص: 84

عَمْرِو بنُ العَلاء، فطَرْحُهم التنوينَ مِنْ عَمْرو إِنَّمَا هُوَ لأَنَّ ابْنًا مضافٌ إِلَى العَلَم، فجرَى مَجْرَى قولِك أَبو عمرِو بنُ بَكْرٍ، وَلَوْ كَانَ العَلاء مُعَرَّفاً باللامِ لَوَجَبَ ثُبُوتُ التَّنْوِينِ كَمَا تُثْبته مَعَ مَا تعرَّف بِاللَّامِ، نَحْوِ جاءَني أَبو عمرٍ وابن الغُلامِ وأَبو زيدٍ ابنُ الرجلِ، وَقَدْ ذهَب عَلاءً وعَلْواً. وعَلا النهارُ واعْتَلَى واسْتَعْلَى: ارْتَفَعَ. والعُلُوُّ: العَظَمة والتَّجَبُّر. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُسْلِمٌ البَطِين فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً

؛ قَالَ: العُلُو التكبُّر فِي الأَرض، وَقَالَ الْحَسَنُ: الفَسادُ المَعاصي، وَقَالَ مُسْلِمٌ: الفَسادُ أَخذ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ

؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَن مَعْنَاهُ طَغَى فِي الأَرض. يُقَالُ: عَلا فلانٌ فِي الأَرض إِذَا اسْتَكْبَرَ وطَغَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً

؛ مَعْنَاهُ لَتَبْغُنّ ولَتَتَعَظَّمُنّ. وَيُقَالُ لِكُلِّ مُتَجَبِّر: قَدْ عَلا وتَعَظَّمَ. واللهُ عز وجل هُوَ العَلِيّ المُتَعَالِي العَالِي الأَعْلَى ذُو العُلا والعَلاء والمَعَالِي، تَعالى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيرًا، وَهُوَ الأَعْلى سُبْحَانَهُ بِمَعْنَى الْعَالِي، وَتَفْسِيرُ تَعالَى جلَّ ونَبَا عَنْ كلِّ ثناءٍ فَهُوَ أَعظم وأَجلُّ وأَعْلى مِمَّا يُثنى عَلَيْهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ قَالَ الأَزهري: وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ يَقْرُب بعضُها مِنْ بَعْضٍ، فالعَلِيُّ الشَّرِيفُ فَعِيل مِنْ عَلا يَعْلُو، وَهُوَ بِمَعْنَى العالِي، وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ. وَيُقَالُ: هُوَ الَّذِي عَلا الخلقَ فَقَهَرهم بِقُدْرَتِهِ. وأَما المُتَعَالي: فَهُوَ الَّذِي جَلَّ عَنْ إفْكِ المُفْتَرِين وتَنَزَّه عَنْ وَساوس المتحيِّرين، وَقَدْ يَكُونُ المُتَعَالِي بِمَعْنَى الْعَالِي. والأَعْلَى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي هُوَ أَعْلى مِنْ كُلِّ عالٍ وَاسْمُهُ الأَعْلى أَي صَفَتُهُ أَعْلى الصِّفَاتِ، والعَلاءُ: الشرفُ، وَذُو العُلا: صَاحِبُ الصِّفَاتِ العُلا، والعُلا: جَمْعُ العُلْيا أَي جَمْعُ الصِّفَةِ العُليا وَالْكَلِمَةِ العلْيا، وَيَكُونُ العُلى جَمْعُ الِاسْمِ الأَعْلى، وصفةُ اللَّهِ العُلْيا شهادةُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ، فَهَذِهِ أَعلى الصِّفَاتِ، وَلَا يُوصَفُ بِهَا غَيْرُ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَلِيّاً عَالِيًا مُتَعَالِيًا، تَعَالَى اللهُ عَنْ إِلحاد المُلْحدِين، وَهُوَ العَليُّ الْعَظِيمُ. وعَلا فِي الجبَل والمَكان وَعَلَى الدابَّةِ وكلِّ شَيْءٍ وعَلاهُ عُلُوّاً واسْتَعْلاه واعْتَلاه مثلُه، وتَعَلَّى أَي عَلا فِي مُهْلة. وعَلِيَ، بِالْكَسْرِ، فِي المَكارِم والرِّفْعة والشَّرَف يَعْلَى عَلاءً، وَيُقَالُ أَيضاً: عَلا، بِالْفَتْحِ، يَعْلى؛ قَالَ رُؤْبَةُ فَجَمَع بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ:

لَمَّا عَلا كَعْبُك لِي عَلِيتُ،

دَفْعك دَأْداني وَقَدْ جَوِيتُ «1»

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَا أَنشده يَعْقُوبُ وأَبو عُبَيْدٍ: عَلا كَعْبُك لِي؛ وَوَجْهُهُ عِنْدِي عَلا كَعْبُكَ بِي أَي أَعْلاني، لِأَنَّ الْهَمْزَةَ وَالْبَاءَ يَتَعاقبان، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَلا فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَيُقَالُ: فُلَانٌ تَعْلو عَنْهُ العَينُ بِمَعْنَى تَنْبو عَنْهُ العَين، وَإِذَا نَبا الشيءُ عَنِ الشَّيْءِ وَلَمْ يَلْصَقْ بِهِ فَقَدْ عَلا عَنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

تَعْلُو عنهُ الْعَيْنُ

أَي تَنْبو عَنْهُ وَلَا تَلْصَق بِهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ النَّجَاشِيِّ: وَكَانُوا بِهِمْ أَعْلَى عَيْناً أَي أَبصَرَ بِهِمْ وأَعْلَم بحالِهِم. وَفِي حَدِيثِ

قَيْلَةَ: لَا يزالُ كعْبُكِ؛ عالِياً أَي لَا تزالِين شَرِيفَةً مرتَفِعة عَلَى مَنْ يعادِيكِ.

وَفِي حَدِيثِ

حمنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ: كَانَتْ تَجْلِسُ فِي المِرْكَنِ ثُمَّ تَخْرُج وَهِيَ عَالِيَة الدَّمِ

أَي يَعْلُو دَمُها الماءَ. واعْلُ عَلَى الوِسادة أَي اقْعُد عَلَيْهَا، وأَعْلِ عَنْهَا أَي انْزِلْ عَنْهَا؛ أَنشد أَبو بَكْرٍ الإِياديّ لامرَأة مِنَ الْعَرَبِ عُنِّنَ عَنْها زوجُها:

(1). قوله [دأداني وقد جويت] هكذا في الأَصل.

ص: 85

فَقَدْتُك مِنْ بَعْلٍ، عَلامَ تَدُكُّني

بصَدْرِكَ؟ لَا تُغْني فَتِيلًا وَلَا تُعْلي

أَي لَا تَنْزِل وأَنت عاجزٌ عَنِ الإِيلاجِ. وعالِ عنِّي وأَعْلِ عَنِّي: تَنَحَّ. وعالِ عَنَّا أَي اطْلُبْ حاجَتك عندَ غَيْرِنَا فإِنَّا نَحْن لَا نَقْدِرُ لَكَ عَلَيْهَا، كأَنك تَقُولُ تَنَحَّ عنَّا إِلى مَن سِوانا. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ مَسْعُودٍ: فَلَمَّا وضَعْتُ رِجْلي عَلَى مُذَمَّر أَبي جَهْل قال أَعْلِ عَنِّجْ

أَي تَنَحَّ عَنِّي، وأَراد بِعَنِّجْ عَنِّي، وَهِيَ لُغَةُ قَوْمٍ يَقْلِبُونَ الْيَاءَ فِي الوَقْف جِيمًا. وعالِ عليَّ أَي احْمِلْ؛ وَقَوْلُ أُميَّة بْنِ أَبي الصَّلْت:

سَلَعٌ مَّا، ومِثْلُه عُشَرٌ مَّا

عائِلٌ مَّا، وعالَتِ البَيْقُورا

أَي أَنَّ السَّنَة الجَدْبة أَثْقَلَت البَقَر بِمَا حُمِّلَتْ مِنَ السَّلَع والعُشَر. وَرَجُلٌ عَالِي الكَعْبِ: شريفٌ ثابتُ الشَرف عَالِي الذِّكْر. وَفِي حَدِيثِ أُحدٍ: قَالَ

أَبو سُفْيَانَ لمَّا انْهزَم الْمُسْلِمُونَ وظَهروا عَلَيْهِمُ: اعْلُ هُبَلُ، فَقَالَ عُمَر، رضي الله عنه: اللهُ أَعْلى وأَجَلّ، فَقَالَ لعُمَر: أَنْعَمَتْ، فَعالِ عَنْهَا

؛ كَانَ الرجلُ مِنْ قريشٍ إِذا أَراد ابْتِداءَ أَمْرٍ عمَد إِلى سَهْمَيْن فكَتَب عَلَى أَحدِهما نَعَمْ، وَعَلَى الْآخَرِ لَا، ثُمَّ يتَقَدَّم إِلى الصَّنَم ويُجِيلُ سِهامَه، فإِن خَرج سَهْمُ نَعَمْ أَقْدَم، وإِن خَرَج سَهْم لَا امْتَنَع، وَكَانَ أَبو سُفْيَانَ لَمَّا أَراد الخُروجَ إِلى أُحدٍ اسْتَفْتى هُبَلَ فخَرَج لَهُ سَهْمُ الإِنْعامِ، فَذَلِكَ

قَوْلُهُ لعُمَر، رضي الله عنه: أَنْعَمَتْ فَعالِ

أَي تَجافَ عَنْها وَلَا تَذْكُرْها بسُوءٍ، يَعْنِي آلهَتَهم. وَفِي حديثٍ:

اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى

، العُلْيا المَتَعَفِّفة والسُّفْلى السَّائِلَةُ؛ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، ورُوِيَ عَنْهُ

أَنها المُنْفِقة

، وَقِيلَ: العُلْيا المُعْطِيَة والسُّفْلى الآخِذة، وَقِيلَ: السُّفْلى المانِعة. والمَعْلاة: كَسْبُ الشَّرَف؛ قَالَ الأَزهري: المَعْلاة مَكْسَبُ الشَّرَف، وَجَمْعُهَا المَعالي. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ فِي وَاحِدَةِ المَعالي مَعْلُوَة. ورَجُلٌ عَلِيٌّ أَي شَرِيفٌ، وَجَمْعُهُ عِلْيةٌ. يُقَالُ: فُلَانٌ مِنْ عِلْيَة النَّاسِ أَي مِنْ أَشرافهم وجِلَّتِهم لَا مِنْ سِفْلَتهم، أَبدلوا مِنَ الْوَاوِ يَاءً لِضِعْفِ حَجْز اللَّامِ السَّاكِنَةِ، وَمِثْلُهُ صبيٌّ وصبِيْة، وَهُوَ جَمْعُ رجُل عَليٍّ أَي شَريف رَفيعٍ. وفلانٌ مِنْ عِلِّيَّةِ قَوْمِه «2» وعِلِيِّهم وعُلِيِّهِم أَي فِي الشَّرَفِ والكَثْرة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ رَجلٌ عَليٌّ أَي صُلْبٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَكُلِّ عَليٍّ قُصَّ أَسْفَل ذَيْلِه،

فشَمَّرَ عَنْ ساقٍ وأَوْظِفَةٍ عُجْرِ

وَيُقَالُ: فَرَسٌ عَلِيٌّ. والعِلِّيَّة والعُلِّيَّة جَمِيعًا: الغُرفة عَلَى بِنَاءِ حُرِّية، قَالَ: وَهِيَ فِي التَّصْرِيفِ فُعُّولةٌ، وَالْجَمْعُ العَلاليُّ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ فُعِّيلة مثلُ مُرِّيقةٍ، وأَصلُه عُلِّيْوَة، فأُبْدِلَت الواوُ يَاءً وأُدغمت لأَنَّ هَذِهِ الْوَاوَ إِذا سَكَن مَا قَبْلَهَا صَحَّت، كَمَا يُنْسب إِلى الدَّلْوِ دَلْوِيٌّ، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ هِيَ العِلِّيَّة، بِالْكَسْرِ، عَلَى فِعِّيلة، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُها مِنَ المُضاعف، قَالَ: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ فُعِّيلة. وَقَالَ الأَصمعي: العِلِّيُّ جَمْعُ الغُرَفِ، وَاحِدَتُهَا عِلِّيَّة؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

وبِيعَة لِسُورها عِلِيُ

وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: العَلاليُّ مِنَ الْبُيُوتِ وَاحِدَتُهَا عِلِّيَّة، قَالَ: وَوَزَنَ عِلِّيَّة فِعِّيلة، الْعَيْنُ شَدِيدَةٌ. قَالَ الأَزهري: وعِلِّيَّة أَكثر مِنْ عُلِّيَّة. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ رضي الله عنه: فارْتَقَى عُلِّيَّة

، هُوَ مِنْ ذَلِكَ،

(2). قوله [من عِلِّيَّةِ قومه إلخ] هو بتشديد اللام والياء في الأصل.

ص: 86

بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا. وعَلا بِهِ وأَعْلاهُ وعَلَّاه: جَعَلَه عَالِيًا. والعَالِيَة: أَعْلى القَناةِ، وأَسْفَلُها السافِلةُ، وَجَمْعُهَا العَوَالِي، وَقِيلَ: العَالِيَة القَناة الْمُسْتَقِيمَةُ، وَقِيلَ: هُوَ النصفُ الَّذِي يَلي السِّنانَ، وَقِيلَ: عالِيَة الرُّمْح رأْسُه؛ وَبِهِ فَسَّرَ السُّكَّري قَوْلَ أَبي ذُؤيْب:

أَقَبَّا الكُشُوحِ أَبْيَضانِ كِلاهما،

كعَالِيَة الخَطِّيِّ وَارِي الأَزانِدِ

أَي كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا كرأْسِ الرُّمْح فِي مُضِيِّه. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ: أَخذت بعَالِيَةِ رُمْحٍ

، قَالَ: وَهِيَ مَا يَلي السِّنانَ مِنَ القَناةِ. وعَوَالِي الرِّمَاحِ: أَسِنَّتُها، واحدتُها عاليةٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الخَنْساءِ حِينَ خَطَبَهَا دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّة: أَتَرَوْنَني تارِكةً بَني عَمِّي كأَنهم عَوَالِي الرِّماح ومُرْتَثَّةً شَيْخَ بَنِي جُشَم؛ شَبَّهَتْهم بعَوَالِي الرِّماح لطَراءة شَبابهم وَبَرِيقِ سَحْنائهم وحُسْن وُجُوهِهِمْ، وَقِيلَ: عَالِيَة الرُّمْحِ مَا دَخَل فِي السِّنانِ إِلى ثُلُثِه، والعَالِيَةُ: مَا فَوْقَ أَرض نَجْدٍ إِلى أَرض تِهامَةَ وإِلى مَا وَرَاءَ مَكَّةَ، وَهِيَ الْحِجَازُ وَمَا وَالاها، وَفِي الْحَدِيثِ ذَكَرَ العَالِيَة والعَوَالِي فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ، وَهِيَ أَماكِنُ بأَعْلى أَراضي الْمَدِينَةِ وأَدْناها مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَربعةِ أَمْيالٍ، وأَبعَدُها مِنْ جِهَةِ نَجْدٍ ثَمَانِيَةٌ، وَالنَّسَبُ إِليها عَالِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ، وعُلْوِيٌّ نَادِرٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:

أَأَنْ هَبَّ عُلْوِيٌّ يُعَلِّل فِتْيَةً،

بِنَخْلَةٍ وَهْناً، فَاضَ مِنْكَ المَدامعُ

وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما: وَجَاءَ أَعرابيٌّ عُلْويٌّ جافٍ.

وَعَالُوا: أَتَوُا العَالِيَة. قَالَ الأَزهري: عَالِيَة الْحِجَازِ أَعلاها بَلَدًا وأَشرفُها مَوْضِعًا، وَهِيَ بِلَادٌ وَاسِعَةٌ، وإِذا نَسَبُوا إِليها قِيلَ عُلْوِيٌّ، والأُنثى عُلْوِيَّة. وَيُقَالُ: عَالَى الرجلُ وأَعْلَى إِذا أَتى عالِية الْحِجَازِ ونَجْدٍ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:

مُعالِيَة لَا هَمَّ إِلَّا مُحَجَّرٌ،

وحَرَّة لَيلى السَّهْلُ مِنْهَا فَلُوبُها

وحَرَّة لَيْلى وحَرَّة شَوْران وحَرَّة بَنِي سُلَيم فِي عالِية الْحِجَازِ، وَعَلَى السطحَ عَلْياً وعِلْياً، «1» . وَفِي حَرْفِ

ابْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه: ظُلْماً وعِلْياً

؛ كُلُّ هَذَا عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَعَلَى: حَرْفُ جَرٍّ، وَمَعْنَاهُ اسْتِعْلاء الشيءِ، تَقُولُ: هَذَا عَلَى ظَهْرِ الْجَبَلِ وعَلَى رأْسه، وَيَكُونُ أَيضاً أَن يَطْوي مُسْتَعْلِياً كَقَوْلِكَ: مَرَّ الماءُ عَلَيْهِ وأَمْررْت يَدِي عَلَيْهِ، وأَما مَرَرْت عَلَى فُلَانٍ فَجَرى هَذَا كَالْمَثَلِ. وَعَلَيْنَا أَميرٌ: كَقَوْلِكَ عَلَيْهِ مالٌ لأَنه شَيْءٌ اعْتَلاهُ، وَهَذَا كالمثَل كَمَا يَثْبُت الشيءُ عَلَى الْمَكَانِ كَذَلِكَ يَثْبُت هَذَا عَلَيْهِ، فَقَدْ يَتَّسِع هَذَا فِي الْكَلَامِ، وَلَا يُرِيدُ سِيبَوَيْهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ مَالٌ لأَنه شَيْءٌ اعْتَلاه أَنَّ اعْتَلاه مِنْ لَفْظِ عَلَى، إِنما أَراد أَنها فِي مَعْنَاهَا وَلَيْسَتْ مِنْ لفظها، وكيف يظن بسيبويه ذَلِكَ وعَلى مِنْ ع ل ي واعْتَلاه مِنْ ع ل و؟ وَقَدْ تأْتي عَلَى بِمَعْنَى فِي؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ الهُذَلي:

ولَقَدْ سَرَيْتُ عَلَى الظَّلامِ بِمِغْشَمٍ

جَلْدٍ مِنَ الفِتْيانِ، غَيْرِ مُهَبَّل

أَي فِي الظَّلَامِ. وَيَجِيءُ عَلَى فِي الْكَلَامِ وَهُوَ اسْمٌ، وَلَا يَكُونُ إِلا ظَرْفًا، ويَدُلُّك عَلَى أَنه اسْمٌ قَوْلُ بَعْضِ الْعَرَبِ نَهَضَ مِنْ عَلَيْه؛ قَالَ مُزَاحِمٌ العُقَيْلي:

(1). قوله [وعلياً] هكذا في الأصل والمحكم بكسر العين وسكون اللام، وكذلك فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وفي القاموس وشرحه: والعِلِيّ بكسرتين وشد الياء العلو ومنه

قراءة ابن مسعود ظلماً وعِلِيّاً

انتهى. يعني بكسر العين واللام وتشديد الياء

ص: 87

غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَ ما تَمَّ ظِمْؤُها،

تَصِلُّ وعَنْ قَيْضٍ بزِيزاء مَجْهَل

وَهُوَ بِمَعْنَى عِنْد؛ وَهَذَا الْبَيْتُ مَعْنَاهُ غَدَتْ مِنْ عِنْدِهِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:

فإِذا انْقَطَعَ مِنْ عَلَيها رَجع إِليه الإِيمانُ

أَي منْ فَوْقها، وَقِيلَ منْ عِنْدَهَا. وَقَالُوا: رَمَيْتُ عَلَى الْقَوْسِ ورَمَيْت عَنْهَا، وَلَا يُقَالُ رَمَيْتُ بِهَا؛ قَالَ:

أَرْمِي عَلَيْها وَهْيَ فَرْعٌ أَجْمَع

وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ صامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْه جَهَنَّم

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: حَمَل بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ظاهِره وَجَعَلَهُ عُقوبةً لِصَائِمِ الدَّهْرِ، كأَنه كَرِه صومَ الدَّهْرِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ منعُه عبدَ اللَّهِ بنَ عَمْرو عَنْ صومِ الدهرِ وكَراهيتُه لَهُ، وَفِيهِ بُعدٌ لأَنَّ صومَ الدَّهر بالجُمْلة قُرْبة، وَقَدْ صَامَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، والتابِعين، رحمهم الله، فَمَا يَسْتَحِقُّ فاعلُه تضييقَ جهَنَّم عَلَيْهِ؛ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلى أَن عَلَى هُنَا بِمَعْنَى عَنْ أَي ضُيِّقت عَنْه فَلَا يدخُلُها، وَعَنْ وعَلَى يَتداخلان؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

أَبي سُفْيَانَ: لَوْلَا أَن يأْثُروا عَلَيَّ الكَذِبَ لكَذَبْتُ

أَي يَروُوا عنِّي. وَقَالُوا: ثَبَتَ عَلَيْه مالٌ أَي كَثُرَ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: عَلَيْه مالٌ، يُرِيدُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَا يُقَالُ لَهُ مالٌ إِلا مِنَ الْعَيْنِ كَمَا لَا يُقَالُ عَلَيْه مالٌ إِلَّا مِنْ غَيْرِ العَين؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ عَلَى فِي الأَفعال الشَّاقَّةِ الْمُسْتَثْقَلَةِ، تَقُولُ: قَدْ سِرْنا عَشْراً وبَقِيَتْ عَلَيْنا لَيْلَتَانِ، وَقَدْ حَفِظْتُ الْقُرْآنَ وبَقِيَت عَلَيَّ مِنْهُ سُورَتَانِ، وَقَدْ صُمْنا عِشْرين مِنَ الشَّهْرِ وبَقِيَتْ عَلَيْنَا عَشْرٌ، كَذَلِكَ يُقَالُ فِي الِاعْتِدَادِ عَلَى الإِنسان بِذُنُوبِهِ وقُبح أَفعاله، وَإِنَّمَا اطَّرَدَتْ عَلَى فِي هَذِهِ الأَفعال مِنْ حَيْثُ كَانَتْ عَلَى فِي الأَصل للاسْتِعْلاءِ والتَّفَرُّع، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الأَحوال كُلَفاً، ومَشاقَّ تَخْفِضُ الإِنسانَ وتَضَعُه وتَعْلُوه وتَتَفَرَّعُه حَتَّى يَخْنَع لَهَا ويَخْضع لِمَا يَتَسَدَّاه مِنْهَا، كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعِ عَلَى، أَلا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ هَذَا لَكَ وَهَذَا عَلَيْك، فَتُسْتَعْمَلُ اللامَ فِيمَا تُؤْثِره وعَلَى فِيمَا تَكْرَهُهُ؟ وَقَالَتِ الْخَنْسَاءُ:

سأَحْمِلُ نَفْسي عَلى آلةٍ،

فإِمّا عَلَيْها وإِمَّا لَها

وعَلَيْكَ: مِنْ أَسماء الْفِعْلِ المُغْرى بِهِ، تَقُولُ عَلَيْك زَيْدًا أَي خُذْه، وعَلَيكَ بِزَيْدٍ كَذَلِكَ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ هَلُمَّ، وإِن كَانَ أَصله الِارْتِفَاعَ، وَفَسَّرَ ثَعْلَبٌ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْكَ بزيد فقال: لم يجيء بِالْفِعْلِ وَجَاءَ بِالصِّفَةِ فَصَارَتْ كَالْكِنَايَةِ عَنِ الْفِعْلِ، فكأَنك إِذا قُلْتَ عَلَيْك بِزَيْدٍ قُلْتَ افْعَلْ بِزَيْدٍ مِثْلَ مَا تُكَنِّي عَنْ ضَرَبْتُ فَتَقُولُ فعلتُ بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

عَلَيْكُمْ بِكَذَا

أَي افْعَلُوه، وَهُوَ اسمٌ لِلْفِعْلِ بِمَعْنَى خُذْ، يُقَالُ: عَلَيْك زَيْدًا وعَلَيْك بزيدٍ أَي خُذْهُ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: لَيْسَ زَيْدًا مِنْ قَوْلِكَ عَلَيْكَ زَيْدًا مَنْصُوبًا بخُذ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ عَليْك، إِنما هُوَ منصوبٌ بنفسِ عَليْك مِنْ حَيْثُ كَانَ اسْمًا لفعلٍ متعدٍّ. قَالَ الأَزهري: عَلى لَهَا معانٍ والقُرَّاء كُلُّهُمْ يُفَخِّمونها لأَنها حَرْفُ أَداة. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ*

؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: مَعَ رَجُلٍ مِنْكُمْ، كَمَا تَقُولُ جَاءَنِي الخَيْرُ عَلَى وَجْهِكَ وَمَعَ وَجْهِكَ. وَفِي حَدِيثِ زَكَاةِ الفِطْر:

عَلَى كلِّ حُرٍّ وعبدٍ صاعٌ

، قَالَ: عَلَى بِمَعْنَى مَعَ لأَن الْعَبْدَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ وإِنما تَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: عَلَيك ودونكَ وَعِنْدَكَ إِذا جُعِلْنَ أَخباراً فَعَنِ الأَسماء، كَقَوْلِكَ: عَلَيْكَ ثوبٌ وعندَك مالٌ وَدُونَكَ مالٌ، ويُجْعَلْنَ إِغْراءً فتُجْرى مُجْرى الْفِعْلِ

ص: 88

فيَنْصِبْنَ الأَسماء، كَقَوْلِكَ: عَلَيْكَ زَيْدًا ودونَك وَعِنْدَكَ خَالِدًا أَي الزَمْه وخُذْه، وأَما الصفاتُ سواهُنَّ فَيَرْفَعْنَ إِذا جُعِلَت أَخباراً وَلَا يغْري بِهَا. وَيَقُولُونَ: عَلَيْه دَيْن، ورأَيته عَلَى أَوْفازٍ كأَنه يُرِيدُ النُّهُوض. وتَجِيء عَلَى بِمَعْنَى عَنْ؛ قَالَ اللَّهُ عز وجل: إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ

؛ مَعْنَاهُ إِذا اكْتَالُوا عَنْهُم. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَلى لَهَا ثلاثةُ مواضعَ؛ قَالَ الْمُبَرِّدُ: هِيَ لَفْظَةٌ مشتَرَكة لِلِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ لَا أَن الِاسْمَ هُوَ الْحَرْفُ أَو الْفِعْلُ، وَلَكِنْ يَتَّفِق الاسمُ وَالْحَرْفُ فِي اللَّفْظِ، أَلا تَرى أَنك تَقُولُ عَلَى زيدٍ ثوبٌ، فَعَلَى هَذِهِ حرفٌ، وَتَقُولُ عَلا زَيْدًا ثوبٌ، فَعَلَا هَذِهِ فعلٌ مِنْ عَلا يَعْلُو؛ قَالَ طرَفة:

وتَساقى القَوْمُ كأْساً مُرَّةً،

وعَلا الخَيْلَ دِماءٌ كالشَّقِرْ

وَيُرْوَى: عَلَى الْخَيْلِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَلف عَلا زَيْدًا ثوبٌ منقلبةٌ مِنْ وَاوٍ، إِلا أَنها تُقْلَبُ مَعَ الْمُضْمَرِ يَاءً، تَقُولُ عليكَ، وبعضُ الْعَرَبِ يَتْرُكُهَا عَلَى حَالِهَا؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

أَيّ قَلُوصِ راكبٍ تَراها،

فاشْدُدْ بمَثْنَيْ حَقَبٍ حَقْواها

نادِيَةً ونادِياً أَباها،

طارُوا عَلاهُنَّ فَطِرْ عَلاها

وَيُقَالُ: هِيَ بلغة بَلْحَرِثِ بْنِ كَعْبٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَنشده أَبو زَيْدٍ:

ناجِيةً وناجِياً أَباها

قَالَ: وَكَذَلِكَ أَنشده الْجَوْهَرِيُّ فِي تَرْجَمَةِ نَجَا. وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: سأَلت أَبا عُبَيْدَةَ عَنِ هَذَا الشِّعْرِ فَقَالَ لِي: انْقُطْ عَلَيْهِ، هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُفَضَّلِ. وعَلَى: حَرْفٌ خَافِضٌ، وَقَدْ تَكُونُ اسْمًا يَدْخُلُ عَلَيْهِ حَرْفٌ؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ الطَّثَرِيَّة:

غَدَتْ مِنْ عَلَيْه تَنْقُضُ الطَّلَّ، بعدَ ما

رأَتْ حاجِبَ الشمسِ اسْتَوَى فَتَرَفَّعَا

أَي غَدَتْ مِنْ فَوْقِهِ لأَن حَرْفَ الْجَرِّ لَا يَدْخُلَ عَلَى حَرْفِ الْجَرِّ، وَقَوْلُهُمْ: كانَ كَذَا عَلَى عَهْدِ فُلَانٍ أَي فِي عَهْدِهِ، وَقَدْ يُوضَعُ مَوْضِعَ مِنْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ

؛ أَي مِنَ النَّاسِ. وَتَقُولُ: عَلَيَّ زَيْدًا وعَلَيَّ بِزَيْدٍ؛ مَعْنَاهُ أَعْطِني زَيْدًا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَتَكُونُ عَلَى بِمَعْنَى الْبَاءِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

وكأَنَّهنّ ربَابةٌ، وكأَنه

يَسَرٌ يَفِيضُ علَى القِداحِ ويَصْدَعُ

أَي بالقِداحِ. وعَلَى: صفةٌ مِنَ الصِّفاتِ، وللعَرَب فِيهَا لغتانِ: كُنْت عَلَى السَّطْح وَكُنْتُ أَعْلَى السَّطْح؛ قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهم وإِليهم: الأَصل عَلاهُم وإِلاهُم كَمَا تَقُولُ إِلى زَيْد وعَلَى زَيدٍ، إِلا أَنَّ الأَلف غُيِّرَت مَعَ الْمُضْمَرِ فأُبْدلت يَاءً لتَفْصِل بينَ الأَلف الَّتِي فِي آخِرِ المُتَمَكِّنة وبَيْنَ الأَلف فِي آخِرِ غَيْرِ الْمُتَمَكِّنَةِ الَّتِي الإِضافة لَازِمَةٌ لَهَا، أَلا تَرَى أَنّ عَلَى وَلَدي وإِلى لَا تَنْفَرِدُ مِنَ الإِضافة؟ وَلِذَلِكَ قَالَتِ الْعَرَبُ فِي كِلا فِي حَالِ النَّصْبِ وَالْجَرِّ: رأَيْتُ كِلَيْهما وكِلَيْكُما وَمَرَرْتُ بكِلَيْهما، ففَصَلت بَيْنَ الإِضافة إِلى المُظْهرِ والمُضْمر لَمَّا كَانَتْ كِلا لَا تَنْفَرِد وَلَا تَكُونُ كَلَامًا إِلا بالإِضافة. والعِلاوَة: أَعْلَى الرَّأْسِ، وَقِيلَ: أَعْلَى العُنُق. يُقَالُ: ضَرَبْتُ عِلاوَتَه أَي رأْسه وعُنُقه. والعِلاوَة أَيضاً: رأْسُ الإِنسانِ مَا دامَ فِي عُنُقهِ. والعِلاوَة: مَا يُحْمَل عَلَى الْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَا وُضِع بَيْنَ العِدْلَيْنِ، وَقِيلَ: عِلاوَة كلِّ شيءٍ مَا زَادَ عَلَيْهِ.

ص: 89

يُقَالُ: أَعطاه أَلفاً وَدِينَارًا عِلاوةً، وأَعطاه أَلفين وخمسمائةٍ عِلاوةً، وَجَمْعُ العِلاوَة عَلاوَى مِثْلُ هِراوَة وهَرَاوَى. وَفِي حَدِيثِ

مُعَاوِيَةَ: قَالَ لِلَبِيدٍ الشاعِر كَمْ عَطاؤك؟ فَقَالَ: أَلفان وَخَمْسُمِائَةٍ، فَقَالَ: مَا بالُ العِلاوَةِ بينَ الفَوْدَيْنِ

؟ العِلاوَة: مَا عُوليَ فوقَ الحِمْلِ وزِيدَ عَلَيْهِ، والفَودانِ: العِدْلانِ. وَيُقَالُ: عَلِّ عَلاوَاكَ عَلَى الأَحْمال وعَالِها. والعِلاوَةُ: كلُّ مَا عَلَّيْتَ بِهِ عَلَى الْبَعِيرِ بَعْدَ تمامِ الوِقْرِ أَو عَلَّقْته عَلَيْهِ نَحْوُ السِّقاءِ والسَّفُّودِ، وَالْجَمْعُ العَلاوَى مثلُ إِداوَة وأَداوَى. والعَلْيَاءُ: رأْسُ الجَبَل، وَفِي التَّهْذِيبِ: رأْسُ كُلِّ جَبَلٍ مشرفٍ، وَقِيلَ: كلُّ مَا عَلا مِنَ الشيءِ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

تَبَصَّرْ خَلِيلي، هَلْ تَرَى مِنْ ظَعائِنٍ

تَحَمَّلْنَ بالعَلْياءِ، مِنْ فوقِ جُرْثُم؟

والعَلْيَاءُ: السماءُ اسمٌ لَهَا، وَلَيْسَ بصفةٍ، وأَصله الْوَاوُ إِلا أَنه شَذَّ. والسَّماوات العُلَى: جَمْعُ السَّمَاءِ العُلْيَا، والثَّنايا العُلْيَا والثَّنايا السُّفْلى. يُقَالُ لِلْجَمَاعَةِ: عُلْيَا وسُفْلَى، لتأْنيث الْجَمَاعَةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى، وَلَمْ يَقُلِ الكُبَر، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الأَسماء الحُسْنَى، وَبِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى. والعَلْياءُ: كُلُّ مكانٍ مُشْرِفٍ؛ وَفِي شِعْرُ الْعَبَّاسِ يمدَح النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم:

حَتَّى احْتَوَى بيتُك المُهَيْمِنُ مِنْ

خِنْدِفَ عَلْيَاءَ، تَحتَها النُّطُقُ

قَالَ: عَلياء اسمُ الْمَكَانِ المرتَفعِ كاليفاعِ، وَلَيْسَتْ بتأْنيثِ الأَعْلَى لأَنها جَاءَتْ منكَّرة، وفَعْلاءُ أَفْعَل يلزَمها التَّعْرِيفُ. والعَلْيا: اسمٌ لِلْمَكَانِ الْعَالِي، وللفَعْلة الْعَالِيَةِ عَلَى المَثَل، صَارَتِ الْوَاوُ فِيهَا يَاءً لأَن فَعلَى إِذا كَانَتِ اسْمًا مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ أُبْدِلَت واوُه يَاءً، كَمَا أَبدلوا الواوَ مَكَانَ الْيَاءِ فِي فُعْلى إِذا كَانَتِ اسْمًا فأَدْخَلوها عَلَيْهَا فِي فعْلَى لِتَتَكَافَآ فِي التَّغَيُّرِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. وَيُقَالُ: نَزَلَ فُلَانٌ بعالِيَة الوادِي وسافِلَته، فعالِيَتُه حَيْثُ يَنْحَدِرُ الماءُ مِنْهُ، وسافِلتُه حَيْثُ يَنْصَبُّ إِليه. وعَلا حاجتَه واسْتَعْلاها: ظَهَر عَلَيْهَا، وعَلا قِرْنَه واسْتَعْلاهُ كَذَلِكَ. وَرَجُلٌ عَلُوٌّ لِلرِّجَالِ عَلَى مِثَالِ عَدُوّ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا يَعْقُوبُ فِي الأَشياء الَّتِي حَصَرَهَا كَحَسُوّ وفَسُوّ، وَكُلُّ مَنْ قَهَر رَجُلًا أَو عَدُوّاً فإِنه يُقَالُ عَلاه واعْتَلاه واسْتَعْلاه، واسْتَعْلَى عَلَيْهِ، واسْتَعْلَى عَلَى النَّاسِ: غَلَبَهم وقَهَرَهُم وعَلاهُم. قَالَ اللَّهُ عز وجل: وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى

؛ قَالَ اللَّيْثُ: الفرسُ إِذا بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الرِّهانِ يُقَالُ قَدِ اسْتَعْلَى عَلَى الْغَايَةِ. وعَلَوْت الرَّجُلَ: غَلَبْته، وعَلَوته بِالسَّيْفِ: ضَرَبْته. والعُلْو: ارْتِفاعُ أَصل البناءِ. وَقَالُوا فِي النداءِ: تَعَالَ أَي اعْلُ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الأَمر. والتَّعالِي: الارْتِفاعُ. قَالَ الأَزهري: تَقُولُ الْعَرَبُ فِي النِّدَاءِ لِلرَّجُلِ تَعالَ، بِفَتْحِ اللَّامِ، وَلِلِاثْنَيْنِ تَعالَيا، وَلِلرِّجَالِ تَعالَوْا، وللمرأَة تَعالَي، وَلِلنِّسَاءِ تَعالَيْنَ، وَلَا يُبالُون أَين يَكُونُ الْمَدْعُوُّ فِي مَكَانٍ أَعْلى مِنْ مَكَانِ الدَّاعِي أَو مَكَانٍ دُونَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَن يُقَالَ مِنْهُ تعالَيْت وَلَا يُنْهى عَنْهُ. وَتَقُولُ: تَعالَيْت وإِلى أَي شَيْءٍ أَتَعَالَى. وعَلا بالأَمْرِ: اضْطَلَع بِهِ واسْتَقَلَّ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ سَعْدٍ الغَنَوي يُخاطِبُ ابنَه عَلِيَّ بْنَ كَعْبٍ، وَقِيلَ هُوَ لِعَلِيِّ بْنِ عديٍّ الغَنَوي المعروف بابن العرير:«2»

(2). قوله [العرير] هو هكذا في الأصل.

ص: 90

اعْمِدْ لِما تَعْلُو فَمَا لكَ، بالذِي

لَا تَسْتَطِيع مِنَ الأُمورِ، يَدانِ

هَكَذَا أَورده الْجَوْهَرِيُّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ فاعْمِد بالفاءِ لأَنّ قَبْلَهُ:

وَإِذَا رأيتَ المرْءَ يَشْعَبُ أَمْرَه

شَعْبَ العَصا، ويَلِجُّ فِي العِصيان

يَقُولُ: إِذا رَأَيْتَ المَرْءَ يَسعَى فِي فَسادِ حَالِهِ ويَلِجُّ فِي عِصْيانِك، ومُخالَفَة أَمْرِك فِيمَا يُفْسدُ حَالَهُ فدَعْه واعْمِدْ لِما تَسْتَقِلُّ بِهِ مِنَ الأَمْر وتَضْطَلِعُ بِهِ، إِذ لَا قُوَّة لَكَ عَلَى مَنْ لَا يُوافِقُك. وعَلا الفَرَسَ: رَكِبَه. وأَعْلَى عَنْهُ: نَزَلَ. وعَلَّى المَتاعَ عَنِ الدابَّة: أَنْزَله، وَلَا يُقَالُ أَعْلاهُ فِي هَذَا المَعْنى إِلَّا مُسْتَكْرَهاً. وعَالَوْا نَعِيَّهُ: أَظْهَروهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَلَا يُقَالُ أَعْلَوْه وَلَا عَلَّوه. ابْنُ الأَعرابي: تَعَلَّى فلانٌ إِذا هَجَمَ عَلَى قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذن، وَكَذَلِكَ دَمَقَ ودَمَرَ. وَيُقَالُ: عَالَيْتُه عَلَى الْحِمَارِ وعَلَّيْتُه عَلَيْهِ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

عَالَيْتُ أَنْساعي وجِلبَ الكُورِ

عَلَى سَراةِ رائحٍ مَمْطُورِ

وَقَالَ:

فَإِلَّا تَجلَّلْها يُعالُوك فَوْقَها،

وكَيْفَ تُوَقَّى ظَهْرَ مَا أَنتَ راكِبُه؟

أَي يُعْلُوك فَوْقَهَا؛ وَقَالَ رُؤْبَةَ:

وإِنْ هَوَى العاثِرُ قُلْنا: دَعْدَعا

لَهُ، وعَالَيْنا بتَنْعِيشٍ لَعا

أَبو سَعِيدٍ: عَلَوْتُ عَلَى فُلَانٍ الرِّيحَ أَي كُنْتُ فِي عُلاوَتِها. وَيُقَالُ: لَا تَعْلُ الريحَ عَلَى الصَّيْدِ فَيراحَ رِيحَكَ ويَنْفِرَ. وَيُقَالُ: كُنْ فِي عُلاوَةِ الرِّيحِ وسُفالَتِها، فعُلاوَتُها أَن تَكُونَ فَوْقَ الصيدِ، وسُفالَتُها أَن تَكُونَ تحتَ الصيدِ لئَلَّا يَجِدَ الوَحْش رائِحَتَك. وَيُقَالُ: أَتَيْتُ الناقةَ مِنْ قِبَل مُسْتَعْلاها أَي مِنْ قِبَل إِنْسِيِّها. والمُعَلَّى، بِفَتْحِ اللَّامِ: القِدْحُ السابِعُ فِي المَيْسِر، وَهُوَ أَفْضَلُها، إِذا فازَ حازَ سبعةَ أَنْصباء مِنَ الجَزُور؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَلَهُ سَبْعَةُ فُروض وَلَهُ غُنْمُ سَبْعَةِ أَنْصِبَاءَ إِن فَازَ، وَعَلَيْهِ غُرْمُ سَبْعَةِ أَنصباء إِن لَمْ يَفُزْ. والعَلاةُ: الصَّخْرة، وَقِيلَ: صَخْرة يُجْعَلُ لَهَا إِطار مِنَ الأَخْثاء وَمِنَ اللَّبِنِ وَالرَّمَادِ ثُمَّ يُطْبَخُ فِيهَا الأَقِطُ، وَتُجْمَعُ عَلًا؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

وقالُوا: عَلَيْكُمْ عاصِماً نَسْتَغِثْ بِهِ،

رُوَيْدَكَ حَتَّى يَصْفِقَ البَهْمَ عاصمُ

وحَتَّى تَرَى أَن العَلاةَ تَمُدُّها

جُخادِيَّةٌ، والرائحاتُ الرَّوائِمُ

يُرِيدُ: أَن تِلْكَ العَلاة يَزيدُ فِيهَا جُخادِيَّة، وَهِيَ قِرْبةٌ مَلأَى لَبَناً أَو غِرارةٌ مَلأَى تَمْراً أَو حِنْطَةً، يُصَبُّ مِنْهَا فِي العَلاة للتأْقيط، فذلكَ مَدُّها فِيهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والعَلاةُ حَجَرٌ يُجْعَل عَلَيْهِ الأَقِطُ؛ قَالَ مبَشِّر بْنُ هُذَيل الشَّمَجِيُّ:

لَا يَنْفَعُ الشاوِيَّ فِيهَا شاتُه،

وَلا حِمارَاه وَلَا عَلاتُه

والعَلاة: الزُّبْرة الَّتِي يَضْرِب عَلَيْهَا الحدَّاد الحديدَ. وَالْعَلَاةُ: السَّنْدان. وَفِي حَدِيثِ

عَطاءٍ فِي مَهْبَطِ آدَمَ: هَبَطَ بالعَلاةِ

، وَهِيَ السَّنْدانُ، وَالْجَمْعُ العَلا. وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ: عَلاةٌ، تُشَبَّه بِهَا فِي صَلابَتِها، يُقَالُ: ناقَةٌ عَلاةُ الخَلْقِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

ص: 91

ومَتْلَفٍ، بينَ مَوْماةٍ، بمَهْلَكَةٍ

جاوَزْتُها بعَلاةِ الخَلْقِ علْيان

أَي طَوِيلَة جَسِيمة. وَذَكَرَ ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه قَالَ: نَاقَةٌ عِلْيان، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَذَكَرَ أَبو عَلِيٍّ أَنه يُقَالُ: رَجُلٌ عِلْيان وعِلِّيان، وأَصلُ الياءِ واوٌ انْقَلَبَتْ يَاءً كَمَا قَالُوا صِبْيَةٌ وصِبْيان؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الأَجلح:

تَقْدُمُها كلُّ عَلاةٍ عِلْيان

وَيُقَالُ: رجلٌ عَلْيانُ مثلُ عَطْشانَ، وَكَذَلِكَ المرأَة، يستَوي فِيهِ المذكَّر وَالْمُؤَنَّثُ. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: أَنْزَل العَلاةَ والمَرّ. وعَلَّى الحَبْلَ: أَعادَه إِلى مَوْضِعِه مِنَ البَكَرة يُعَلِّيه، ويقالُ للرجُل الَّذِي يَرُدُّ حَبْلَ المُسْتَقي بالبَكَرة إِلى مَوْضِعِهِ مِنْهَا إِذا مَرِسَ المُعَلِّي والرِّشاء المُعَلَّى. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: التَّعْلِية أَن يَنْتَأَ بعضُ الطَّيِّ أَسفَل الْبِئْرِ فَيَنْزِلُ رَجُلٌ فِي الْبِئْرِ يُعلِّي الدَّلوَ عَنِ الْحَجَرِ الناتِئ؛ وأَنشد لِعَدِيٍّ:

كَهُوِيِّ الدَّلْوِ نَزَّاها المُعَلْ

أَراد المُعَلِّي وَقَالَ:

لَوْ أَنَّ سَلْمى أَبْصَرَتْ مَطَلِّي

تَمْتَحُ، أَو تَدْلِجُ، أَو تُعَلِّي

وَقِيلَ: المُعَلِّي الَّذِي يرفَعُ الدَّلْوَ مَمْلُوءَةً إِلى فَوْقُ يُعين المُسْتَقيَ بِذَلِكَ. وعُلْوان الْكِتَابِ: سِمَتُه كعُنْوانِه، وَقَدْ عَلَّيْتُه، هَذَا أَقيس. وَيُقَالُ: عَلْوَنْته عَلْوَنةً وعُلْواناً وعَنْوَنْتُه عَنْوَنَةً وعُنْواناً. قَالَ أَبو زَيْدٍ: عُلْوانُ كُلِّ شَيْءٍ مَا عَلا مِنْهُ، وَهُوَ العُنْوانُ؛ وأَنشد:

وحاجةٍ دُونَ أُخرى قَدْ سَمَحْتُ بِهَا،

جَعَلْتُها للَّذي أَخْفَيْتُ عُنْوانا

أَي أَظْهَرْتُ حَاجَةً وَكَتَمْتُ أُخرى وَهِيَ الَّتِي أُريغُ فَصَارَتْ هَذِهِ عُنْواناً لِمَا أَرَدْتُ. قَالَ الأَزهري: الْعَرَبُ تُبَدِّلُ اللَّامَ مِنَ النُّونِ فِي حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ مِثْلِ لعَلَّك ولَعَنَّك، وعَتَلَه إِلى السِّجن وعَتَنَه، وكأَنَّ عُلْوان الْكِتَابِ اللَّامُ فِيهِ مبدَلة مِنَ النُّونِ، وَقَدْ مَضى تَفْسِيرُهُ. وَرَجُلٌ عِلْيانٌ وعِلِّيانٌ: ضَخْم طَوِيلٌ، والأُنثى بِالْهَاءِ. وَنَاقَةٌ عِلْيان: طويلَة جسِيمة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

أَنشد مِنْ خَوَّارةٍ عِلْيان،

مَضْبُورة الكاهِلِ كالبُنْيان

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: نَاقَةٌ عَلاةٌ وعَلِيَّة وعِلِّيان مُرْتَفِعة السَّيْرِ لَا تُرى أَبداً إِلَّا أَمام الرِّكاب. والعِلْيَان: الطَّوِيلُ مِنَ الضِّباع، وَقِيلَ: الذَّكَر مِنَ الضِّباعِ، قَالَ الأَزهري: هَذَا تَصْحِيفٌ وإِنما يُقَالُ لِذِكْرِ الضِّبَاعِ عِثْيَان، بِالثَّاءِ، فصحَّفه اللَّيْثُ وَجَعَلَ بَدَلَ الثَّاءِ لَامًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وبَعِيرٌ عِلْيَانٌ: ضَخْمٌ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ الْقَدِيمُ الضَّخْمُ. وَصَوْتٌ عِلْيَانٌ: جَهِيرٌ؛ عَنْهُ أَيضاً، وَالْيَاءُ فِي كلِّ ذَلِكَ منقلِبة عَنْ وَاوٍ لِقُرْبِ الكسْرة وَخَفَاءِ اللامِ بمشابَهَتِها النُّونَ مَعَ السُّكُونِ. والعَلايَة: موضِعٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

فَما أُمُّ خِشْفٍ، بالعَلايةِ، فاردٌ

تَنُوشُ البَرير، حَيْثُ نَالَ اهْتِصارها

قَالَ ابْنُ جِنِّي: الْيَاءَ فِي العَلاية بَدَلٌ عَنْ وَاوٍ، وَذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْرِفُ فِي الْكَلَامِ تَصْرِيفَ ع ل ي، إِنَّمَا هُوَ ع ل و، فكأَنه فِي الأَصل عِلَاوَةٌ، إِلَّا أَنه غُيِّر إِلى الْيَاءِ مِنْ حَيْثُ كَانَ عَلَماً، والأَعلام مِمَّا يكثرُ فِيهَا التَّغْيِيرُ وَالْخِلَافُ كمَوْهَب وحَيْوَة ومَحْبَب، وَقَدْ

ص: 92

قَالُوا الشِّكاية، فَهَذِهِ نَظِيرُ العَلاية، إِلَّا أَن هَذَا لَيْسَ بعَلَمٍ. وَفِي الْحَدِيثِ ذكْر العُلا، بالضَّمِّ والقَصْر: هُوَ مَوْضِعٌ مِنْ ناحِيةِ وَادِي القُرى نزلَه سيِّدُنا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي طَرِيقِه إِلى تَبُوكَ وَبِهِ مَسْجِد. واعْتَلَى الشَّيْءَ: قَوِيَ عَلَيْهِ وعَلاه؛ قَالَ:

إِني، إِذا مَا لَمْ تَصِلْني خلَّتي

وتَباعَدَتْ مِني، اعْتَلَيْتُ بِعَادَها

أَي عَلَوْتُ بِعَادَها ببِعَادٍ أَشدَّ مِنْهُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي لِبَعْضِ وَلَدِ بِلَالِ بْنِ جَرِيرٍ:

لَعَمْرُكَ إِني يَوْمَ فَيْدَ لمُعْتَلٍ

بِمَا سَاءَ أَعْدائي، عَلَى كَثْرَة الزَّجْر

فَسَّرَهُ فَقَالَ: مُعْتَلٍ عالٍ قادرٌ قاهرٌ. والعَلِيُّ: الصُّلْب الشديدُ القَويُّ. وعَالِيَةُ تميمٍ: هُمْ بَنُو عَمْرو بْنِ تَمِيمٍ، وَهُمْ بَنُو الهُجَيم والعَنْبَر ومازنٍ. وعُلْيا مُضَر: أَعْلاها، وَهُمْ قُرَيْش وقَيْس. والعَلِيَّة مِنَ الإِبل والمُعْتَلِيَةُ والمُسْتَعْلِيَة: القويَّة عَلَى حِمْلِها. وَلِلنَّاقَةِ حالِبانِ: أَحدُهما يُمْسِك العُلْبَة مِنَ الْجَانِبِ الأَيمن، وَالْآخَرُ يَحْلُب مِنَ الْجَانِبِ الأَيسر، فَالَّذِي يَحْلُبُ يُسمَّى المُعَلِّيَ والمُسْتَعْلِيَ، وَالَّذِي يُمْسِك يُسَمَّى البائِنَ؛ قَالَ الأَزهري: المُسْتَعْلِي هُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَى يَسار الحَلُوبة، وَالْبَائِنُ الَّذِي يَقُومُ عَلَى يَمِينِهَا، والمُسْتَعْلِي يأْخذ العُلْبة بيَده اليُسْرى ويَحْلُب بِالْيُمْنَى؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ فِي المُسْتَعْلِي وَالْبَائِنِ:

يُبَشِّرُ مُسْتَعْلِياً بائِنٌ،

مِنَ الحالِبَيْنِ، بأَنْ لَا غِرارا

والمُسْتَعْلِي: الَّذِي يَحْلُبها مِنْ شِقِّها الأَيْسر، وَالْبَائِنُ مِنَ الأَيمن. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: المُعَلِّي، بِكَسْرِ اللَّامِ، الَّذِي يأْتي الحَلُوبة مِنْ قِبَل يَمِينها. والعَلاة أَيضاً: شَبِيهٌ بالعُلْبة يُجْعَل حَوالَيْها الخِثْي، يُحْلَب بِهَا. وَنَاقَةٌ عَلاةٌ: عالِيةٌ مُشْرِفة؛ قَالَ:

حَرْف عَلَنْداة عَلاة ضَمْعَج

وَيُقَالُ: عَلِيَّة حَلِيَّة أَي حُلْوة المَنْظَر وَالسَّيْرِ عَلِيَّة فَائِقَةٌ. والعَلاةُ: فرسُ عَمْرِو بْنِ جَبَلة، صِفَةٌ غالِبة. وعُولِيَ السِّمَنُ والشَّحْم فِي كُلِّ ذِي سِمَنٍ: صُنِعَ حَتَّى ارْتَفَعَ فِي الصَّنْعة؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ وأَنشد غَيْرُهُ قَوْلَ طَرَفة:

لَهَا عَضُدانِ عُوليَ النَّحْضُ فِيهِمَا،

كأَنهما بَابَا مُنِيفٍ مُمرَّدِ

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ العامِريَّة: كَانَ لِي أَخٌ هَنِيُّ «1» عَلِيّ أَي يَتَأَنَّثُ لِلنِّسَاءِ. وعلِيٌّ: اسْمٌ، فإِمَّا أَن يَكُونَ مِنَ القُوَّة، وإِما أَن يَكُونَ مِنْ عَلا يَعْلُو. وعِلِّيُّون: جَمَاعَةُ عِلِّيٍّ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَيْهِ يُصْعَدُ بأَرواح الْمُؤْمِنِينَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ

أَي فِي أَعلى الأَمكنة. يَقُولُ الْقَائِلُ: كَيْفَ جُمِعَتْ عِلِّيُّون بِالنُّونِ وَهَذَا مِنْ جَمْعِ الرِّجَالِ؟ قَالَ: وَالْعَرَبُ إِذا جَمَعَتْ جَمْعاً لَا يَذْهَبُونَ فِيهِ إِلى أَن لَهُ بِنَاءً مِنْ واحدٍ وَاثْنَيْنِ، وَقَالُوا فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ بِالنُّونِ: مِنْ ذَلِكَ عِلِّيُّون، وَهُوَ شيءٌ فَوْقَ شيءٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ وَاحِدُهُ وَلَا اثْنَاهُ. قَالَ: وسمِعْتُ العربَ تَقُولُ أَطْعمنا مَرَقةَ مَرَقِينَ؛ تُرِيدُ اللُّحْمان إِذا طُبِخَتْ بماءٍ واحدٍ؛ وأَنشد:

(1). قوله [هني إلخ] هكذا في الأصل المعتمد، وفي بعض الاصول: هييّ.

ص: 93

قَدْ رَوِيَتْ إِلَّا دُهَيْدِهِينا

قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرِينا

فَجُمِعَ بِالنُّونِ لأَنه أَراد العَدَد الَّذِي لَا يُحَدُّ آخِرُهُ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فأَصْبَحَتِ المَذاهِبُ قَدْ أَذاعَتْ

بِهَا الإِعْصارُ، بَعْدَ الْوابِلِينا

أَراد المَطَر بَعْدَ المَطَر غَيْرَ مَحْدُودٍ، وَكَذَلِكَ عِلِّيُّون ارتفاعٌ بَعْدَ ارتفاعٍ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: لَفِي عِلِّيِّينَ

؛ أَي فِي أَعلى الأَمكنة، وَما أَدْراكَ مَا عِلِّيُّونَ

، قَالَ: وَإِعْرَابُ هَذَا الِاسْمِ كإعرابِ الجَمْع لأَنه عَلَى لفظِ الجَمْعِ كَمَا تَقُول هَذِهِ قِنِّسْرُون ورأَيت قِنِّسْرينَ، وعِلِّيُّون السماءُ السَّابِعَةُ؛ قَالَ الأَزهري: وَمِنْهُ قولُ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَهل الْجَنَّةِ ليَتَراءَوْن أَهلَ عِلِّيِّين كَمَا تَراءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُق السَّمَاءِ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: عِلِّيُّون اسْمٌ لِلسَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لدِيوانِ الْمَلَائِكَةِ الحَفَظَة يُرفع إِلَيْهِ أَعمال الصَّالِحِينَ مِنَ العِبادِ، وَقِيلَ: أَرادَ أَعْلى الأَمكنة وأَشرف الْمَرَاتِبِ وأَقربها مِنَ اللَّهِ فِي الدارِ الْآخِرَةِ، ويُعْرَب بالحروفِ وَالْحَرَكَاتِ كقِنِّسْرين وأَشباهِها، عَلَى أَنه جمعٌ أَو وَاحِدٌ؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ: هَذِهِ كَلِمَةٌ معروفةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ أَن يَقُولُوا لأَهل الشَّرَف فِي الدُّنْيَا والثَّرْوَة والغِنى أَهل عِلِّيِّين، فَإِذَا كَانُوا مَتَّضِعين قَالُوا سِفْلِيُّون. والعِلِّيُّون فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الَّذِينَ يَنزلون أَعاليَ الْبِلَادِ، فَإِذَا كَانُوا يَنْزِلُونَ أَسافِلهَا فَهُمْ سِفْلِيُّون. وَيُقَالُ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ تَسْتَعْلِي لِسَانِي إِذَا كَانَتْ تَعْتَرُّه وتَجْري عَلَيْهِ كَثِيرًا. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: ذَهَبَ الرَّجُلُ عَلاءً وعُلْواً وَلَمْ يَذْهَبْ سُفْلًا إِذَا ارْتَفع. وتَعَلَّتِ المرأَةُ: طَهُرَتْ مِنْ نِفاسِها. وَفِي حَدِيثِ

سُبَيْعة: أَنها لَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفاسها

أَي سَلِمَت، وَقِيلَ: تَشَوَّفَتْ لخُطَّابها، وَيُرْوَى: تَعَالَت أَي ارْتَفَعَت وَظَهَرَتْ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ تَعَلَّى الرجلُ مِنْ عِلَّتِه إِذَا برأَ؛ أَيْ خَرَجت مِنْ نِفَاسِهَا وسلمت وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ مِنْ نِفَاسٍ تَعَلَّتِ

وتَعَلَّى المريضُ مِنْ عِلَّتِه: أَفاق مِنْهَا. ويَعْلى: اسمٌ؛ فأَما قَوْلُهُ:

قدْ عَجِبَتْ مِني وَمِنْ يُعَيْلِيا،

لَمّا رأَتْني خَلَقاً مُقْلَوْلِيا

فَإِنَّهُ أَراد مِنْ يُعَيْلِي فَرَدَّهُ إِلَى أَصله بأَن حَرَّك الياءَ ضَرُورَةً، وأَصل الياءَات الْحَرَكَةُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنَوَّن لأَنه لا ينصرف. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ويُعَيْلِي مُصَغَّر اسْمَ رَجُلٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ يُعَيْلٍ، وَإِذَا نُسِبَ الرجلُ إِلَى عليِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، رضي الله عنه، قَالُوا عَلَوِيٌّ، وَإِذَا نَسَبُوا إِلَى بَنِي عَلِيٍّ وَهُمْ قَبِيلَةٌ مِنْ كِنَانَةَ قَالُوا هؤُلاء العَلِيُّون؛ وَرَوِيَ عَنِ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ:

بَنُو عَلِيٍّ كلُّهم سَوَاءُ

قَالَ: بَنُو عَلِيٍّ مِنْ بَنِي العَبَلات مِنْ بَنِي أُمَيَّة الأَصغر، كَانَ وَلِيَ مِنْ بَعْدِ طَلْحة الطَّلَحات لأَن أُمّهم عَبْلة بِنْتُ حَادِلٍ «1» مِنَ الْبَرَاجِمِ، وَهِيَ أُمّ وَلَدِ ابْنِ أُمية الأَصْغر. وعَلْوَان ومُعَلًّى: اسْمَانِ، وَالنِّسَبُ إِلَى مُعَلًّى مُعَلّوِيٌّ. وتِعْلَى: اسْمُ امْرَأَة «2» . وأَخَذَ مَالِي عَلْوَةً أَي عَنْوَة؛ حَكَاهَا اللِّحْيَانِيُّ عن الرُّؤاسي.

(1). قوله [حادل] هكذا في الأَصل.

(2)

. قوله [وتِعْلَى اسم امرأة] هكذا في الأَصل والتكملة، وفي القاموس: يِعْلَى، بكسر الياء.

ص: 94

وَحَكَى أَيضاً أَنه يُقَالُ لِلْكَثِيرِ الْمَالِ: اعْل بِهِ أَي ابْقَ بَعْدَهُ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنَّهُ دُعَاءٌ لَهُ بالبَقاء؛ وَقَوْلُ طُفَيل الغَنَوي:

ونَحْنُ مَنَعْنا، يَوْمَ حَرْسٍ، نِساءَكُمْ

غَداةَ دَعانا عامِرٌ غَيْرَ مُعْتَلِ

إِنَّمَا أَراد مُؤْتَلي فَحَوَّلَ الْهَمْزَةَ عيْناً. يُقَالُ: فلانٌ غَيْرُ مُؤْتَلٍ فِي الأَمْر وَغَيْرُ مُعْتَلٍ أَي غَيْرُ مُقَصِّر. والمُعْتَلِي: فَرَسُ عُقْبَةَ بْنِ مُدْلجٍ. والمُعَلِّي أَيضاً: «3» اسْمُ فَرَسِ الأَشْعرِ الشَّاعِرِ. وعَلْوَى: اسْمُ فَرَس سُلَيكٍ. وعَلْوَى: اسْمُ فَرَسُ خُفَاف بْنِ نُدْبة، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:

وَقَفْتُ لَهُ عَلْوَى، وَقَدْ خامَ صُحْبَتِي،

لأَبْنيَ مَجْداً، أَو لأَثْأَرَ هالِكا

وَقِيلَ: عَلْوَى فَرَس خُفافِ بْنِ عُمَيْر. قَالَ الأَزهري: وعَلْوَى اسْمُ فَرَسٍ كَانَتْ مِنْ سَوابق خَيْل العَرَب.

عمي: العَمَى: ذهابُ البَصَر كُلِّه، وَفِي الأَزهري: مِنَ العَيْنَيْن كِلْتَيْهِما، عَمِيَ يَعْمَى عَمًى فَهُوَ أَعْمَى، واعمايَ يَعْمايُ «4» اعْمِياءً، وأَرادوا حَذْوَ ادْهامَّ يَدْهامُّ ادْهِيماماً فأَخْرَجُوه عَلَى لفْظٍ صَحِيحٍ وَكَانَ فِي الأَصل ادْهامَمَ فأَدْغَمُوا لاجْتماع المِيمَين، فَلما بَنَوا اعْمايَا عَلَى أَصل ادهامَمَ اعْتَمَدَتِ الياءُ الأَخيرة عَلَى فَتْحَةِ الْيَاءِ الأُولى فَصَارَتْ أَلِفاً، فَلَمَّا اخْتَلَفَا لَمْ يَكُنْ للإِدْغامِ فِيهَا مَساغٌ كمساغِه فِي المِيمين، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقولوا: اعمايَّ فُلَانٌ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ. وتَعَمَّى: فِي مَعْنى عَمِيَ؛ وأَنشد الأَخْفَش:

صَرَفْتَ، وَلَمْ نَصْرِف أَواناً، وبادَرَتْ

نُهاكَ دُموعُ العَيْنِ حَتَّى تَعَمَّت

وَهُوَ أَعْمَى وعَمٍ، والأُنثى عَمْياء وعَمِية، وأَما عَمْية فَعَلى حدِّ فَخْذٍ فِي فَخِذٍ، خَفَّفُوا مِيم عَمِيَة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ. قَالَ اللَّيْثُ: رجلٌ أَعْمَى وامْرَأَةٌ عَمْياء، وَلَا يَقَعُ هَذَا النَّعْتُ عَلَى العينِ الواحِدَة لأَن الْمَعْنَى يَقَعُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، يُقَالُ: عَمِيتْ عَيْناهُ، وامرأتانِ عَمْيَاوَانِ، ونساءٌ عَمْيَاوَاتٌ، وقومٌ عُمْيٌ. وتَعَامَى الرجلُ أَي أَرَى مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ. وامْرَأَةٌ عَمِيَةٌ عَنِ الصَّوَابِ، وعَمِيَةُ القَلْبِ، عَلَى فَعِلة، وقومٌ عَمُون. وَفِيهِمْ عَمِيَّتُهم أَي جَهْلُهُم، والنِّسْبَة إِلَى أَعْمَى أَعْمَوِيٌّ وَإِلَى عَمٍ عَمَوِيٌّ. وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: عَدَّدَ اللَّهُ نِعَم الدُّنْيا عَلَى المُخاطَبين ثُمَّ قَالَ من كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى، يَعْني فِي نِعَم الدُّنْيا الَّتِي اقْتَصَصْناها علَيكم فَهُوَ فِي نِعَمِ الْآخِرَةِ أَعْمَى وأَضَلُّ سَبِيلًا، قَالَ: وَالْعَرَبُ إِذَا قَالُوا هُوَ أَفْعَلُ مِنْك قَالُوهُ فِي كلِّ فَاعِلٍ وفعِيلٍ، وَمَا لَا يُزادُ فِي فِعْلِه شيءٌ عَلَى ثَلاثة أَحْرُفٍ، فَإِذَا كَانَ عَلَى فَعْلَلْت مِثْلَ زَخْرَفْت أَو عَلَى افْعَلَلت مِثْلَ احْمَرَرْت، لَمْ يَقُولُوا هُوَ أَفْعَلُ منكَ حَتَّى يَقُولُوا هُوَ أَشدُّ حُمْرَةً مِنْكَ وأَحسن زَخْرفةً مِنْكَ، قَالَ: وَإِنَّمَا جازَ فِي العَمَى لأَنه لَمْ يُرَدْ بِهِ عَمَى العَيْنَينِ إِنَّمَا أُرِيد، وَاللَّهُ أَعلم، عَمَى القَلْب، فَيُقَالُ فلانٌ أَعْمَى مِنْ فُلَانٍ فِي القَلْبِ، وَلَا يُقَالُ هُوَ أَعْمَى مِنْهُ فِي العَيْن، وَذَلِكَ أَنه لمَّا جَاءَ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَر وحَمْراءَ تُرِك فِيهِ أَفْعَلُ مِنْهُ كَمَا تُرِكَ فِي كَثيرٍ، قَالَ: وَقَدْ تَلْقى بَعْضَ النَّحْوِيِّينَ يقولُ أُجِيزُه فِي الأَعْمَى والأَعْشَى والأَعْرَج والأَزْرَق، لأَنَّا قَدْ نَقُول عَمِيَ وزَرِقَ

(3). قوله [والمُعَلِّي أيضاً إلخ] هكذا في الأصل والصحاح، وكتب عليه في التكملة فقال: وقال الجوهري والمُعَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ الَّذِي يَأْتِي الْحَلُوبَةَ مِنْ قِبَلِ يَمِينِهَا، والمُعَلِّي أيضاً فرس الأشعر الشاعر، وفرس الأَشعر المُعَلَّى بفتح اللام.

(4)

. وقد تشدد الياء كما في القاموس.

ص: 95

وعَشِيَ وعَرِجَ وَلَا نَقُولُ حَمِرَ وَلَا بَيضَ وَلَا صَفِرَ، قال الفراء: ليس بِشَيْءٍ، إِنَّمَا يُنْظر فِي هَذَا إِلَى مَا كَانَ لصاحبِهِ فِعْلٌ يقلُّ أَو يكثُر، فَيَكُونُ أَفْعَلُ دَلِيلًا عَلَى قِلَّةِ الشَّيْءِ وكَثْرَتِه، أَلا تَرَى أَنك تقولُ فُلَانٌ أَقْوَمُ مِنْ فلانٍ وأَجْمَل، لأَنَّ قِيَامَ ذَا يزيدُ عَلَى قِيَامِ ذَا، وجَمالَهُ يزيدُ عَلَى جَمالِه، وَلَا تَقُولُ للأَعْمَيَيْن هَذَا أَعْمَى مِنْ ذَا، وَلَا لِمَيِّتَيْن هَذَا أَمْوتُ مِنْ ذَا، فَإِنْ جَاءَ شيءٌ مِنْهُ فِي شِعْرٍ فَهُوَ شاذٌّ كَقَوْلِهِ:

أَمَّا المُلوك، فأَنت اليومَ أَلأَمُهُمْ

لُؤْماً، وأَبْيَضُهم سِرْبالَ طَبَّاخِ

وَقَوْلُهُمْ: مَا أَعْماهُ إِنَّمَا يُراد بِهِ مَا أَعْمَى قَلْبَه لأَنَّ ذَلِكَ ينسبُ إِلَيْهِ الكثيرُ الضلالِ، وَلَا يُقَالُ فِي عَمَى العيونِ مَا أَعْماه لأَنَّ مَا لَا يَتزَيَّد لَا يُتَعَجَّب مِنْهُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ

؛ قرأَها

ابنُ عَبَّاسٍ، رضي الله عنه: عَمٍ.

وَقَالَ أَبو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ: مَنْ قرأَ وهُو علَيهم عَمًى فَهُوَ مصدرٌ. يُقَالُ: هَذَا الأَمرُ عَمًى، وَهَذِهِ الأُمورُ عَمًى لأَنه مَصْدَرٌ، كَقَوْلِكَ: هَذِهِ الأُمور شُبْهَةٌ ورِيبةٌ، قَالَ: وَمَنْ قرأَ عَمٍ فَهُوَ نَعْتٌ، تَقُولُ أَمرٌ عَمٍ وأُمورٌ عَمِيَةٌ. وَرَجُلٌ عَمٍ فِي أَمرِه: لَا يُبْصِره، وَرَجُلٌ أَعْمَى فِي الْبَصَرِ؛ وَقَالَ الكُمَيت:

أَلا هَلْ عَمٍ فِي رَأْيِه مُتَأَمِّلُ

وَمِثْلُهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:

ولكِنَّني عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ

والعامِي: الَّذِي لَا يُبْصرُ طَريقَه؛ وأَنشد:

لَا تَأْتِيَنِّي تَبْتَغِي لِينَ جانِبي

بِرَأْسِك نَحْوي عامِيًا مُتَعاشِيَا

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَعْمَاه وعَمَّاهُ صَيَّره أَعْمَى؛ قَالَ سَاعِدَةُ بنُ جُؤيَّة:

وعَمَّى علَيهِ المَوْتُ يأْتي طَريقَهُ

سِنانٌ، كعَسْراء العُقابِ ومِنْهَب «1»

يَعْنِي بِالْمَوْتِ السنانَ فَهُوَ إِذًا بدلٌ مِنَ الْمَوْتِ، وَيُرْوَى،

وعَمَّى عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَابَيْ طَريقه

يَعْنِي عَيْنَيْه. وَرَجُلٌ عَمٍ إِذَا كَانَ أَعْمَى القَلْبِ. وَرَجُلٌ عَمِي القَلْب أَي جاهلٌ. والعَمَى: ذهابُ نَظَرِ القَلْبِ، والفِعْلُ كالفِعْلِ، والصِّفةُ كالصّفةِ، إلَّا أَنه لَا يُبْنَى فِعْلُه عَلَى افْعالَّ لأَنه لَيْسَ بمَحسوسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى المَثَل، وافْعالَّ إِنَّمَا هُوَ للمَحْسوس فِي اللَّوْنِ والعاهَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا مَثَل ضَرَبه اللهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَالْمَعْنَى وَمَا يَسْتَوي الأَعْمَى عَنِ الحَق، وَهُوَ الكافِر، والبَصِير، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُبْصِر رُشْدَهُ، وَلَا الظُّلماتُ وَلَا النورُ، الظُّلماتُ الضَّلَالَاتُ، والنورُ الهُدَى، وَلَا الظلُّ وَلَا الحَرورُ أَي لَا يَسْتَوي أَصحابُ الحَقِّ الذينَ هُمْ فِي ظلٍّ مِنَ الحَقّ وَلَا أَصحابُ الباطِلِ الَّذِينَ هُمْ فِي حَرٍّ دائمٍ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

وثلاثٍ بينَ اثْنَتَينِ بها يُرْسلُ

أَعْمَى بِمَا يَكيِدُ بَصيرَا

يعني القِدْحَ، وجَعَله أَعْمى لأَنه لَا بَصَرَ لَهُ، وَجَعَلَهُ بَصِيرًا لأَنه يُصَوِّب إِلَى حيثُ يَقْصد به الرَّامِي.

(1). قوله [وعَمَّى الموت إلخ] برفع الموت فاعلًا كما في الأصول هنا، وتقدم لنا ضبطه في مادة عسر بالنصب والصواب ما هنا، وقوله وَيُرْوَى:

وعَمَّى عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَابَيْ طَرِيقِهِ

يَعْنِي عَيْنَيْهِ إلخ هكذا في الأصل والمحكم هنا، وتقدم لنا في مادة عسر أيضاً: ويروى يأبى طريقه يعني عيينة، والصواب ما هنا.

ص: 96

وتَعَامَى: أَظْهَر العَمَى، يَكُونُ فِي العَين والقَلب. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى

؛ قِيلَ: هُوَ مثْلُ قَوْلِهِ: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً؛ وَقِيلَ: أَعْمَى عَنْ حُجَّته، وتأْويلُه أَنَّه لَا حُجَّة لَهُ يَهْتَدي إلَيْها لأَنه لَيْسَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حجةٌ بَعْدَ الرسُل، وَقَدْ بَشَّر وأَنْذَر ووَعَد وأَوْعَد. وَرُوِيَ عَنْ

مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً

، قَالَ: أَعْمَى عَنِ الحُجَّة وَقَدْ كنتُ بَصِيرًا بِهَا.

وَقَالَ نَفْطَوَيْه: يُقَالُ عَمِيَ فلانٌ عَنْ رُشْدِه وعَمِيَ عَلَيْهِ طَريقُه إِذَا لَمْ يَهْتَدِ لِطَرِيقه. ورجلٌ عمٍ وقومٌ عَمُونَ، قَالَ: وكُلَّما ذكرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ العَمَى فِي كِتَابِهِ فَذَمَّه يريدُ عَمَى القَلْبِ. قَالَ تَعَالَى: فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ

. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ*

، هُوَ عَلَى المَثَل، جَعَلهم فِي تَرْكِ العَمَل بِمَا يُبْصِرُون ووَعْي مَا يَسْمعُون بِمَنْزِلَةِ المَوْتى، لأَن مَا بَيّن مِنْ قدرتِه وصَنعته الَّتِي يَعْجز عَنْهَا الْمَخْلُوقُونَ دليلٌ عَلَى وحدانِيَّته. والأَعْمِيانِ: السَّيْلُ والجَمَل الهائِجُ، وَقِيلَ: السَّيْلُ والحَرِيقُ؛ كِلاهُما عَنْ يَعقوب. قَالَ الأَزهري: والأَعْمَى الليلُ، والأَعْمَى السَّيْلُ، وَهُمَا الأَبهمانِ أَيضاً بِالْبَاءِ للسَّيْلِ والليلِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الأَعْمَيَيْن

؛ هُمَا السَّيْلُ والحَريق لِمَا يُصيبُ مَنْ يُصيبانِهِ مِنَ الحَيْرَة فِي أَمرِه، أَو لأَنهما إِذَا حَدَثا ووَقَعا لَا يُبْقِيان موضِعاً وَلَا يَتَجَنَّبانِ شَيْئًا كالأَعْمَى الَّذِي لَا يَدْرِي أَينَ يَسْلك، فَهُوَ يَمشِي حَيْثُ أَدَّته رجْلُه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

وَلَمَّا رَأَيْتُك تَنْسَى الذِّمامَ،

وَلَا قَدْرَ عِنْدَكَ للمُعْدِمِ

وتَجْفُو الشَّرِيفَ إِذَا مَا أُخِلَّ،

وتُدْنِي الدَّنيَّ عَلَى الدِّرْهَمِ

وَهَبْتُ إخاءَكَ للأَعْمَيَيْن،

وللأَثْرَمَيْنِ ولَمْ أَظْلِمِ

أُخِلَّ: مِنَ الخَلَّة، وَهِيَ الْحَاجَةُ. والأَعْمَيانِ: السَّيْل والنارُ. والأَثْرَمان: الدهْرُ والموتُ. والعَمْيَاءُ والعَمَايَة والعُمِيَّة والعَمِيَّة، كلُّه: الغَوايةُ واللَّجاجة فِي الْبَاطِلِ. والعُمِّيَّةُ والعِمِّيَّةُ: الكِبرُ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ

أُم مَعْبَدٍ: تَسَفَّهُوا عَمايَتَهُمْ

؛ العَمايةُ: الضَّلالُ، وَهِيَ فَعالَة مِنَ العَمَى. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: تَرَكْتُهم فِي عُمِّيَّة وعِمِّيَّة، وَهُوَ مِنَ العَمَى. وقَتيلُ عِمِّيَّا أَي لَمْ يُدْرَ مَنْ قَتَلَه. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ قاتَلَ تحتَ رَايَةٍ عِمِّيَّة يَغْضَبُ لعَصَبَةٍ أَو يَنْصُرُ عَصَبَةً أَو يَدْعو إِلَى عَصَبَة فقُتِلَ، قُتِلَ قِتْلَةً جاهلِيَّةً

؛ هُوَ فِعِّيلَةٌ مِنَ العَماء الضَّلالِة كالقتالِ فِي العَصَبِيّةِ والأَهْواءِ، وَحَكَى بعضُهم فِيهَا ضَمَّ العَيْن. وسُئل أَحْمدُ بْنُ حَنْبَل عَمَّنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّةٍ قَالَ: الأَمرُ الأَعْمَى للعَصَبِيَّة لَا تَسْتَبِينُ مَا وجْهُه. قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: إِنَّمَا مَعنى هَذَا فِي تَحارُبِ القَوْمِ وَقَتْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، يَقُولُ: مَنْ قُتِلَ فِيهَا كَانَ هَالِكًا. قَالَ أَبو زَيْدٍ: العِمِّيَّة الدَّعْوة العَمْياءُ فَقَتِيلُها فِي النَّارِ. وَقَالَ أَبو الْعَلَاءِ: العَصَبة بنُو العَمِّ، والعَصَبيَّة أُخِذَتْ مِنَ العَصَبة، وَقِيلَ: العِمِّيَّة الفِتْنة، وَقِيلَ: الضَّلالة؛ وَقَالَ الرَّاعِي:

كَمَا يَذُودُ أَخُو العِمِّيَّة النَّجدُ

يَعْنِي صاحبَ فِتْنَةٍ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

الزُّبَير: لِئَلَّا يموتَ مِيتَةَ عِمِّيَّةٍ

أَي مِيتَةَ فِتْنَةٍ وجَهالَةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيّاً فِي رَمْيٍ يَكُونُ بَيْنَهُمْ فَهُوَ

ص: 97

خطأٌ

، وَفِي رِوَايَةٍ:

فِي عِمِّيَّةٍ فِي رِمِّيًّا تَكُونُ بينهم بالحجارة فهو خَطَأٌ

؛ العِمِّيَّا، بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْقَصْرِ، فِعِّيلى مِنَ العَمَى كالرِّمِّيَّا مِنَ الرَّمْي والخِصِّيصَى مِنَ التَّخَصُّصِ، وَهِيَ مَصَادِرُ، وَالْمَعْنَى أَن يوجَدَ بَيْنَهُمْ قَتِيلٌ يَعْمَى أَمرُه وَلَا يَبِينُ قاتِلُه، فحكمُه حكْمُ قتيلِ الخَطَإ تَجِبُ فِيهِ الدِّية. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:

يَنزُو الشيطانُ بينَ النَّاسِ فَيَكُونُ دَماً فِي عَمياء فِي غَير ضَغِينَة

أَي فِي جَهالَةٍ مِنْ غَيْرِ حِقْدٍ وعَداوة، والعَمْيَاءُ تأْنيثُ الأَعْمَى، يُريدُ بِهَا الضَّلَالَةَ والجَهالة. وَالْعِمَايَةُ: الْجَهَالَةُ بِالشَّيْءِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

تَجَلَّتْ عماياتُ الرِّجالِ عَنِ الصِّبَا

وعَمَايَة الجاهِلَّيةِ: جَهالَتها. والأَعمَاءُ: المَجاهِلُ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ واحدُها عَمىٌ. وأَعْماءٌ عامِيَةٌ عَلَى المُبالَغة؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

وبَلَدٍ عَامِيةٍ أَعْمَاؤهُ،

كأَنَّ لَوْنَ أَرْضِه سَماؤُهُ

يُرِيدُ: ورُبَّ بَلَد. وَقَوْلُهُ: عَامِيَة أَعْمَاؤُه، أَراد مُتَناهِية فِي العَمَى عَلَى حدِّ قولِهم ليلٌ لائلٌ، فكأَنه قَالَ أَعْمَاؤُه عامِيَةٌ، فقدَّم وأَخَّر، وقلَّما يأْتون بِهَذَا الضَّرْبِ مِنَ المُبالَغ بِهِ إِلَّا تَابِعًا لِما قَبْلَه كَقَوْلِهِمْ شغْلٌ شاغلٌ وليلٌ لائلٌ، لَكِنَّهُ اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ فقدَّم وأَخَّر. قَالَ الأَزهري: عَامِيَة دارِسة، وأَعْمَاؤُه مَجاهِلُه. بَلَدٌ مَجْهَلٌ وعَمًى: لَا يُهْتدى فِيهِ. والمَعَامِي: الأَرَضُون الْمَجْهُولَةُ، وَالْوَاحِدَةُ مَعْمِيَةٌ، قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ لَهَا بواحدةٍ. والمَعَامِي مِنَ الأَرَضين: الأَغْفالُ الَّتِي لَيْسَ بِهَا أَثَرُ عِمارَةٍ، وَهِيَ الأَعْمَاءُ أَيضاً. وَفِي الْحَدِيثِ:

إنَّ لَنَا المَعَامِيَ

؛ يُريدُ الأَراضِيَ الْمَجْهُولَةَ الأَغْفالَ الَّتِي لَيْسَ بِهَا أَثَرُ عِمارةٍ، واحدُها مَعْمًى، وَهُوَ موضِع العَمَى كالمَجْهَلِ. وأَرْضٌ عَمْيَاءُ وعامِيَةٌ ومكانٌ أَعْمَى: لَا يُهْتَدَى فِيهِ؛ قَالَ: وأَقْرَأَني ابنُ الأَعرابي:

وماءٍ صَرًى عافِي الثَّنايا كأَنَّه،

مِنَ الأَجْنِ، أَبْوالُ المَخاضِ الضوارِبِ

عَمٍ شَرَكَ الأَقْطارِ بَيْني وبَيْنَه،

مَرَارِيُّ مَخْشِيّ بِهِ المَوتُ ناضِب

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: عَمٍ شَرَك كَمَا يُقَالُ عَمٍ طَريقاً وعَمٍ مَسْلَكاً، يُريدُ الطريقَ لَيْسَ بَيِّنَ الأَثَر، وأَما الَّذِي فِي حَدِيثِ

سَلْمَانَ: سُئِلَ ما يَجِلُّ لَنَا مِنْ ذمّتِنا؟ فَقَالَ: مِنْ عَمَاك إِلَى هُداكَ

أَي إِذَا ضَلَلْتَ طَرِيقًا أَخَذْتَ مِنْهُمْ رجُلًا حَتَّى يَقِفَكَ عَلَى الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا رَخّص سَلْمانُ فِي ذَلِكَ لأَنَّ أَهلَ الذمَّة كَانُوا صُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ وشُرِطَ عَلَيْهِمْ، فأَما إِذَا لَمْ يُشْرَط فَلَا يجوزُ إلَّا بالأُجْرَة، وَقَوْلُهُ: مِنْ ذِمَّتِنا أَي مِنْ أَهلِ ذِمَّتِنا. وَيُقَالُ: لَقِيتُهُ فِي عَمَايَةِ الصُّبحِ أَي فِي ظُلْمَتِهِ قَبْلَ أَنْ أَتَبَيَّنَه. وَفِي حَدِيثِ

أَبي ذَرٍّ: أَنه كَانَ يُغِيرُ عَلَى الصِّرْمِ فِي عَمَايةِ الصُّبْحِ

أَي فِي بقيَّة ظُلمة الليلِ. ولقِيتُه صَكَّةَ عُمَيٍّ وصَكَّةَ أَعْمَى أَي فِي أَشدَّ الهاجِرَةِ حَرّاً، وَذَلِكَ أَن الظَّبْيَ إِذَا اشتَدَّ عَلَيْهِ الحرُّ طَلَبَ الكِناسَ وَقَدْ بَرَقَتْ عينُه مِنْ بياضِ الشمسِ ولَمعانِها، فيَسْدَرُ بصرُه حَتَّى يَصُكَّ بنفسِه الكِناسَ لَا يُبْصِرُه، وَقِيلَ: هُوَ أَشدُّ الْهَاجِرَةِ حَرًّا، وَقِيلَ: حِينَ كادَ الحَرُّ يُعْمِي مِن شدَّتِه، وَلَا يُقَالُ فِي البرْد، وَقِيلَ: حِينَ يقومُ قائِمُ الظَّهِيرة، وَقِيلَ: نِصْفُ النَّهَارِ فِي شدَّة الْحَرِّ، وَقِيلَ: عُمَيٌّ الحَرُّ بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ: عُمَيٌّ رجلٌ مِنْ عَدْوانَ كَانَ

ص: 98

يُفتي فِي الحجِّ، فأَقبل مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ ركبٌ حَتَّى نَزَلُوا بعضَ الْمَنَازِلِ فِي يومٍ شديدِ الحَرِّ فَقَالَ عُمَيٌّ: مَنْ جاءتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الساعةُ مِنْ غَدٍ وَهُوَ حرامٌ لَمْ يَقْضِ عُمْرَتَه، فَهُوَ حرامٌ إِلَى قابِلٍ، فوثَبَ الناسُ يَضْرِبون حَتَّى وافَوُا البيتَ، وبَينهم وبَينَه مِنْ ذَلِكَ الموضِع ليلتانِ جَوَادَانِ، فضُرِبَ مَثلًا. وَقَالَ الأَزهري: هُوَ عُمَيٌّ كأَنه تصغيرُ أَعْمى؛ قَالَ: وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

صَكَّ بِهَا عَيْنَ الظَّهِيرة غائِراً

عُمَيٌّ، وَلَمْ يُنْعَلْنَ إِلَّا ظِلالَها

وَفِي الْحَدِيثِ:

نَهى رسولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، عَنِ الصَّلَاةِ نصفَ النَّهَارِ إِذَا قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ صَكَّةَ عُمَيٍ

؛ قَالَ: وعُمَيٌّ تَصْغِيرُ أَعْمَى عَلَى التَّرْخيم، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا فِي حَمارَّة القَيْظِ، والإِنسان إِذَا خَرَج نصفَ النهارِ فِي أَشدّ الحرِّ لَمْ يَتَهَيّأْ لَهُ أَن يَمْلأَ عَيْنَيْهِ مِنْ عَين الشَّمْسِ، فأَرادُوا أَنه يصيرُ كالأَعْمَى، وَيُقَالُ: هُوَ اسْمُ رجلٍ مِنْ العَمالِقةِ أَغارَ عَلَى قومٍ ظُهْراً فاسْتَأْصَلَهم فنُسِبَ الوقتُ إِليه؛ وقولُ الشَّاعِرِ:

يَحْسَبُه الجاهِلُ، مَا كَانَ عَمَى،

شَيْخاً، عَلَى كُرْسِيِّهِ، مُعَمَّمَا

أَي إِذا نظَرَ إِليه مِنْ بَعِيدٍ، فكأَنَّ العَمَى هُنَا البُعْد، يَصِفُ وَطْبَ اللَّبن، يَقُولُ إِذا رَآهُ الجاهلُ مِنْ بُعْدٍ ظَنَّه شَيْخًا معَمَّماً لِبَيَاضِهِ. والعَمَاءُ، ممدودٌ: السحابُ المُرْتَفِعُ، وَقِيلَ: الكثِيفُ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: هُوَ شِبهُ الدُّخانِ يركب رُؤوس الْجِبَالِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شاهِدُه قولُ حميدِ بْنِ ثورٍ:

فإِذا احْزَأَلَّا فِي المُناخِ، رأَيتَه

كالطَّوْدِ أَفْرَدَه العَماءُ المُمْطِرُ

وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

ووَفْراء لَمْ تُخْرَزْ بسَيرٍ، وكِيعَة،

غَدَوْتُ بِهَا طَبًّا يَدِي بِرِشائِها

ذَعَرْتُ بِهَا سِرْباً نَقِيّاً جُلودُه،

كنَجْمِ الثُّرَيَّا أَسْفَرَتْ مِنْ عَمائِها

وَيُرْوَى:

إِذْ بَدَتْ مِنْ عَمَائِها

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: العَمَاء الغَيْمُ الكثِيفُ المُمْطِرُ، وَقِيلَ: هُوَ الرقِيقُ، وَقِيلَ: هُوَ الأَسودُ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ الأَبيض، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي هَراقَ ماءَه وَلَمْ يَتَقَطَّع تَقَطُّعَ الجِفَالِ، واحدتُه عَمَاءَةٌ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي رَزين العُقَيْلي أَنه قَالَ لِلنَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: أَين كَانَ ربُّنا قبلَ أَن يَخْلُقَ السماواتِ والأَرضَ؟ قَالَ: فِي عَماءٍ تَحْتَه هَواءٌ وفَوْقَه هَواءٌ

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: العَمَاء فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السَّحَابُ؛ قَالَهُ الأَصمعي وغيرُه، وهو ممدودٌ؛ وَقَالَ الْحَرْثُ بْنُ حِلِّزَة:

وكأَنَّ الْمَنُونَ تَرْدِي بنا أَعْصم

صمٍّ، يَنْجابُ عَنْهُ العَمَاءُ

يَقُولُ: هُوَ فِي ارْتِفَاعِهِ قَدْ بلَغ السحابَ فالسحابُ يَنْجابُ عَنْهُ أَي يَنْكَشِفُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وإِنما تأَوَّلْنا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ المَعْقُول عَنْهُمْ وَلَا نَدْري كَيْفَ كَانَ ذَلِكَ العَماءُ، قَالَ: وأَما العَمَى فِي البَصَر فَمَقْصُورٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي شَيْءٍ. قَالَ الأَزهري: وَقَدْ بلَغَني عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ، وَلَمْ يعْزُه إِليه ثقةٌ، أَنه قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ ولفظِه إِنه كَانَ فِي عَمًى، مقصورٌ، قَالَ: وكلُّ أَمرٍ لَا تدرِكه القلوبُ بالعُقولِ فَهُوَ عَمًى، قَالَ: وَالْمَعْنَى أَنه كَانَ حَيْثُ لَا تدْرِكه عقولُ بَنِي آدمَ وَلَا

ص: 99

يَبْلُغُ كنهَه وصْفٌ؛ قَالَ الأَزهري: والقولُ عِنْدِي مَا قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ أَنه العَمَاءُ، ممدودٌ، وَهُوَ السحابُ، وَلَا يُدْرى كَيْفَ ذَلِكَ العَماء بصفةٍ تَحْصُرُه وَلَا نَعْتٍ يحدُّه، ويُقَوِّي هَذَا القولَ قولُه تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ، والغَمام: معروفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلا أَنَّا لَا ندْري كَيْفَ الغَمامُ الَّذِي يأْتي اللَّهُ عز وجل يومَ الْقِيَامَةِ فِي ظُلَلٍ مِنْهُ، فَنَحْنُ نُؤْمن بِهِ وَلَا نُكَيِّفُ صِفَتَه، وَكَذَلِكَ سائرُ صِفاتِ اللَّهِ عز وجل؛ وَقَالَ ابْنُ الأَثير: مَعْنَى قَوْلِهِ فِي عَمًى مقصورٌ ليسَ مَعَه شيءٌ، قَالَ: وَلَا بُدَّ فِي قَوْلِهِ أَين كَانَ رَبُّنَا مِنْ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ، وَنَحْوِهِ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ أَين كَانَ عَرْشُ رَبِّنَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ. والعَمَايَةُ والعَمَاءَة: السحابَةُ الكثِيفة المُطْبِقَةُ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الَّذِي هَراقَ ماءَه وَلَمْ يَتَقَطَّع تَقَطُّع الجَفْل «2» والعربُ تقولُ: أَشدُّ بردِ الشِّتاء شَمالٌ جِرْبِياء فِي غبِّ سَماء تحتَ ظِلِّ عَمَاء. قَالَ: وَيَقُولُونَ للقِطْعة الكَثِيفة عَماءةٌ، قَالَ: وبعضٌ ينكرُ ذَلِكَ ويجعلُ العَمَاءَ اسْماً جَامِعًا. وَفِي حَدِيثِ الصَّوْم:

فإِنْ عُمِّيَ عَلَيكُمْ

؛ هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، قِيلَ: هُوَ مِنَ العَمَاء السَّحابِ الرقِيقِ أَي حالَ دونَه مَا أَعْمى الأَبْصارَ عَنْ رُؤيَتِه. وعَمَى الشيءُ عَمْياً: سالَ. وعَمَى الماءُ يَعْمِي إِذا سالَ، وهَمى يَهْمِي مِثْلُهُ؛ قَالَ الأَزهري: وأَنشد الْمُنْذِرِيُّ فِيمَا أَقرأَني لأَبي الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي:

وغَبْراءَ مَعْمِيٍّ بِهَا الآلُ لَمْ يَبِنْ،

بِهَا مِنْ ثَنَايا المَنْهَلَيْنِ، طَريقُ

قَالَ: عَمَى يَعْمِي إِذا سالَ، يَقُولُ: سالَ عَلَيْهَا الآلُ. وَيُقَالُ: عَمَيْتُ إِلى كَذَا وَكَذَا أَعْمِي عَمَيَاناً وعطِشْت عَطَشاناً إِذا ذَهَبْتَ إِليه لَا تُريدُ غَيْرَهُ، غيرَ أَنَّك تَؤُمُّه عَلَى الإِبْصار والظلْمة، عَمَى يَعْمِي. وعَمَى الموجُ، بِالْفَتْحِ، يَعْمِي عَمْياً إِذا رَمى بالقَذى والزَّبَدِ ودَفَعَه. وَقَالَ اللَّيْثُ: العَمْيُ عَلَى مِثالِ الرَّمْي رفعُ الأَمْواج القَذَى والزَّبَد فِي أَعالِيها؛ وأَنشد:

رَها زَبَداً يَعْمِي بِهِ المَوْجُ طامِيا

وعَمَى البَعِيرُ بلُغامه عَمْياً: هَدَرَ فرمَى بِهِ أَيّاً كَانَ، وَقِيلَ: رَمى بِهِ عَلَى هامَته. وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: رجلٌ عامٍ رامٍ. وعَمَانِي بِكَذَا وَكَذَا: رَمَانِي مِنَ التُّهَمَة، قَالَ: وعَمَى النَّبْتُ يَعْمِي واعْتَمَّ واعْتَمى، ثلاثُ لغاتٍ، واعْتَمَى الشيءَ: اخْتاره، وَالِاسْمُ العِمْيَة. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: اعْتَمَيْتُه اعْتِمَاءً أَي قَصَدته، وَقَالَ غَيْرُهُ: اعْتَمَيْتُه اختَرْته، وَهُوَ قَلب الاعْتِيامِ، وَكَذَلِكَ اعتَمْته، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عَمَا واللهِ، وأَمَا واللهِ، وهَمَا وَاللَّهِ، يُبْدِلون مِنَ الْهَمْزَةِ العينَ مرَّة والهاءَ أُخْرى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: غَمَا وَاللَّهِ، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. والعَمْو: الضلالُ، وَالْجَمْعُ أَعْمَاءٌ. وعَمِيَ عَلَيْهِ الأَمْرُ: الْتَبَس؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ

. والتَّعْمِيَةُ: أَنْ تُعَمِّيَ عَلَى الإِنْسانِ شَيْئًا فتُلَبِّسَه عَلَيْهِ تَلْبِيساً. وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ:

لأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرائي

، مِنَ التَّعْمِيَة والإِخْفاء والتَّلْبِيسِ، حَتَّى لَا يَتبعَكُما أَحدٌ. وعَمَّيتُ مَعْنَى الْبَيْتِ تَعْمِية، وَمِنْهُ المُعَمَّى مِنَ الشِّعْر، وقُرئَ: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ

، بِالتَّشْدِيدِ. أَبو زَيْدٍ: تَرَكْناهُم عُمَّى إِذا أَشْرَفُوا عَلَى الْمَوْتِ. قَالَ الأَزهري: وقرأْت بِخَطِّ أَبي الْهَيْثَمِ فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ

(2). قوله: [هو الذي

إلخ.] أعاد الضمير إلى السحاب المنويّ لا إلى السحابة.

ص: 100

:

غَلَبْتُك بالمُفَقِّئ والمُعَمَّى،

وبَيْتِ المُحْتَبي والخافِقاتِ

قَالَ: فَخَر الْفَرَزْدَقُ فِي هَذَا الْبَيْتِ عَلَى جَرِيرٍ، لأَن الْعَرَبَ كَانَتْ إِذا كَانَ لأَحَدهم أَلفُ بَعِيرٍ فقأَ عينَ بعيرٍ مِنْهَا، فإِذا تَمَّتْ أَلفان عَمَّاه وأَعْمَاه، فَافْتَخَرَ عَلَيْهِ بِكَثْرَةِ مَالِهِ، قَالَ: وَالْخَافِقَاتُ الرَّايَاتُ. ابْنُ الأَعرابي: عَمَا يَعْمو إِذا خَضَع وذَلَّ. وَمِنْهُ حَدِيثُ

ابنِ عُمر: مَثَلُ المُنافق مَثَلُ الشاةِ بينَ الرَّبيضَيْنِ، تَعْمُو مَرَّةً إِلى هَذِهِ ومَرَّةً إِلى هَذِهِ

؛ يُرِيدُ أَنها كَانَتْ تَمِيلُ إِلى هَذِهِ وإِلى هَذِهِ، قَالَ: والأَعرف تَعْنُو، التَّفْسِيرُ للهَرَويِّ فِي الغريبَين؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ. والعَمَا: الطُّولُ. يُقَالُ: مَا أَحْسَنَ عَما هَذَا الرجُلِ أَي طُولَه. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: سأَلتُ ابنَ الأَعرابي عَنْهُ فعَرَفه، وَقَالَ: الأَعْمَاءُ الطِّوال منَ الناسِ. وعَمَايَةُ: جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ هُذَيْلٍ. وعَمَايَتَانِ: جَبَلان معروفان.

عنا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ

. قَالَ الْفَرَّاءُ: عَنَتِ الْوُجُوهُ

نَصِبَتْ لَهُ وعَمِلتْ لَهُ، وَذُكِرَ أَيضاً أَنه وضْعُ المُسْلِمِ يَدَيْه وجَبْهَته وركْبَتَيْه إِذا سَجَد ورَكَع، وَهُوَ فِي مَعْنَى العَرَبيَّة أَن تَقُولَ لِلرَّجُلِ: عَنَوْتُ لَكَ خَضَعْت لَكَ وأَطَعْتُك، وعَنَوْتُ للْحَقِّ عُنُوّاً خَضَعْت. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقِيلَ: كلُّ خاضِعٍ لِحَقٍّ أَو غيرِه عانٍ، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ العَنْوَة. والعَنْوَة: القَهْرُ. وأَخَذْتُه عَنْوَةً أَي قَسْراً وقَهْراً، مِنْ بَابِ أَتَيْته عَدْواً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يَطَّرِدُ عندَ سِيبَوَيْهِ، وَقِيلَ: أَخَذَه عَنْوَة أَي عَنْ طَاعَة وَعَنْ غيرِ طاعَةٍ. وفُتِحَتْ هَذِهِ البلدةُ عَنْوَةً أَي فُتِحَت بِالْقِتَالِ، قُوتِل أَهلُها حَتَّى غُلِبوا عَلَيْهَا، وفُتِحَت البلدةُ الأُخرى صُلْحاً أَي لَمْ يُغْلبوا، وَلَكِنْ صُولِحُوا عَلَى خَرْج يؤدُّونه. وَفِي حَدِيثِ الْفَتْحِ:

أَنه دَخَل مَكَّة عَنْوَةً

أَي قَهْراً وغَلَبةً. قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مِنْ عَنا يَعْنُو إِذا ذلَّ وخَضَع، والعَنْوَة المَرَّة مِنْهُ، كأَنَّ المأْخُوذَ بِهَا يَخْضَع ويَذلُّ. وأُخِذَتِ البلادُ عَنْوَةً بالقَهْرِ والإِذْلالِ. ابْنُ الأَعرابي: عَنَا يَعْنُو إِذا أَخَذَ الشيءَ قَهْراً. وعَنَا يَعْنُو عَنْوَةً فِيهِمَا إِذا أَخَذَ الشيءَ صُلْحاً بإكْرام ورِفْقٍ. والعَنْوَة أَيضاً: الموَدَّة. قَالَ الأَزهري: قَوْلُهُمْ أَخَذْتُ الشيءَ عَنْوَةً يَكُونُ غَلَبَةً، وَيَكُونُ عَنْ تَسْلِيمٍ وَطَاعَةٍ مِمَّنْ يؤْخَذُ مِنْهُ الشَّيْءُ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ لكُثَيِّر:

فَمَا أَخَذُوها عَنْوَةً عَنْ مَوَدَّة،

ولكِنَّ ضَرْبَ المَشْرَفيِّ اسْتَقالهَا

فَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّسْلِيم والطَّاعَة بِلَا قِتالٍ. وَقَالَ الأَخْفش فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ

؛ اسْتَأْسَرَتْ. قَالَ: والعَانِي الأَسِيرُ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: العَانِي الخاضِعُ، والعَانِي العَبْدُ، والعَانِي السائِلُ مِنْ ماءٍ أَوْ دَمٍ. يُقَالُ: عَنَت القِرْبة تَعْنُو إِذا سالَ ماؤُها، وَفِي الْمُحْكَمِ: عَنَتِ القِرْبَةُ بماءٍ كَثِيرٍ تَعْنُو، لَمْ تَحْفَظْه فَظَهَرَ؛ قَالَ المُتَنَخِّل الهُذَلي:

تَعْنُو بمَخْرُوتٍ لَهُ ناضحٌ،

ذُو رَيِّقٍ يَغْذُو، وذُو شَلْشَل

وَيُرْوَى: قاطِر بدَلَ ناضِحٍ. قَالَ شَمِرٌ: تعْنُو تَسِيلُ بمَخْرُوتٍ أَي مِنْ شَقّ مَخْرُوتٍ، والخَرْتُ: الشَّقُّ فِي الشَّنَّة، والمَخْرُوتُ: المَشْقُوقُ، رَوَّاه ذُو شَلْشَلٍ. قَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ ذُو قَطَرانٍ مِنَ

ص: 101

الْوَاشِنِ، وَهُوَ القاطِرُ، وَيُرْوَى: ذُو رَوْنَقٍ. ودَمٌ عانٍ: سائِلٌ؛ قَالَ:

لمَّا رأَتْ أُمُّه بالبابِ مُهْرَتَه،

عَلَى يَدَيْها دَمٌ مِنْ رَأْسِه عانِ

وعَنَوْت فِيهِمْ وعَنَيْت عُنُوّاً وعَناءً: صرتُ أَسيراً. وأَعْنَيْته: أَسَرْته. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: العَنَاء الحَبْس فِي شِدَّةٍ وذُلٍّ. يُقَالُ: عَنَا الرجُلُ يَعْنُو عُنُوّاً وعَناءً إِذا ذلَّ لَكَ واسْتَأْسَرَ. قَالَ: وعَنَّيْتُه أُعَنّيه تَعْنِيَةً إِذا أَسَرْتَه وحَبَسْته مُضَيِّقاً عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

اتَّقُوا اللهَ فِي النِّساء فإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوانٍ

أَي أَسْرى أَو كالأَسْرَى، وَاحِدَةُ العَوَانِي عانِيَةٌ، وَهِيَ الأَسيرة؛ يَقُولُ: إِنَّمَا هُنَّ عِنْدَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الأَسْرى. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعَوَانِي النساءُ لأَنَّهُنَّ يُظْلَمْنَ فَلَا يَنْتَصِرْنَ. وَفِي حَدِيثِ

المِقْدامِ: الخالُ وارِثُ منْ لَا وارِثَ لَهُ يَفُكُّ عانَه

أَي عانِيَه، فحذَف الْيَاءَ، وَفِي رِوَايَةٍ:

يَفُكُّ عُنِيَّه

، بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ. يُقَالُ: عَنَا يَعْنُو عُنُوّاً وعُنِيّاً، وَمَعْنَى الأَسر فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَلْزَمهُ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ بِسَبَبِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي سَبيلُها أَن يَتَحَمَّلَها العاقلَة، هَذَا عِنْدَ مَنْ يُوَرِّث الخالَ، وَمَنْ لَا يُوَرِّثه يكونُ مَعْنَاهُ أَنها طُعْمَة يُطْعَمُها الخالُ لَا أَن يَكُونَ وَارِثًا، ورجلٌ عانٍ وَقَوْمٌ عُنَاة ونِسْوَةٌ عَوَانٍ؛ وَمِنْهُ

قَوْلُ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: عُودُوا المَرْضى وفُكُّوا العَانِيَ

، يَعْنِي الأَسيرَ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:

أَطْعِموا الجائِعَ وفُكُّوا العَانِيَ

، قَالَ: وَلَا أُراه مأْخُوذاً إِلا مِنَ الذُّلِّ والخُضُوع. وكلُّ مَن ذَلَّ واسْتَكان وخَضَع فَقَدْ عَنَا، وَالِاسْمُ مِنْهُ العَنْوَة؛ قَالَ القُطاميّ:

ونَأَتْ بحاجَتِنا، ورُبَّتَ عَنْوَةٍ

لكَ مِنْ مَواعِدِها الَّتِي لَمْ تَصْدُقِ

اللَّيْثُ: يُقَالُ للأَسِير عَنَا يَعْنُو وعَنِيَ يَعْنى، قَالَ: وإِذا قُلْتَ أَعْنُوه فَمَعْنَاهُ أَبْقُوه فِي الإِسار. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ عَنَى فِيهِمْ فلانٌ أَسيراً أَي أَقامَ فِيهِمْ عَلَى إِسارِه واحْتَبسَ. وعَنَّاه غيرُه تَعْنِيةً: حَبَسه. والتَّعْنِيَة: الحَبس؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

مُشَعْشَعة مِنْ أَذْرِعاتٍ هَوَتْ بِهَا

رِكابٌ، وعَنَّتْها الزِّقاقُ وَقارُها

وَقَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤيَّة:

فَإِنْ يَكُ عَتَّابٌ أَصابَ بِسَهْمِه

حَشاه، فعَنَّاه الجَوَى والمَحارِفُ

دَعا عَلَيْهِ بالحَبْسِ والثِّقَلِ مِنَ الجِراحِ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنه كَانَ يُحَرِّضُ أَصحابَه يومَ صِفِّينَ ويقولُ: اسْتَشْعِرُوا الخَشْيَةَ وعَنُّوا بالأَصْواتِ

أَي احْبِسُوها وأَخْفُوها. مِنَ التَّعْنِيَة الحَبْسِ والأَسْرِ، كأَنه نَهاهُمْ عَنِ اللَّغَط ورفْعِ الأَصواتِ. والأَعْنَاء: الأَخْلاطُ مِنَ النَّاسِ خاصَّة، وَقِيلَ: مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ، واحدُها عِنْوٌ. وعَنَى فِيهِ الأَكْلُ يَعْنَى، شاذَّةٌ: نَجَعَ؛ لَمْ يَحكِها غيرُ أَبي عُبَيْدٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَكَمْنَا علَيها أَنَّها يائيَّة لأَنَّ انْقِلاب الأَلف لَامًا عَنِ الْيَاءِ أَكثرُ مِنِ انْقِلَابِهَا عَنِ الْوَاوِ. الْفَرَّاءُ: مَا يَعْنَى فِيهِ الأَكْلُ أَي مَا يَنْجَعُ، عَنَى يَعْنَى. الْفَرَّاءُ: شَرِبَ اللبنَ شَهْرًا فَلَمْ يَعْنَ فِيهِ، كَقَوْلِكَ لَمْ يُغْنِ عَنْهُ شَيْئًا، وَقَدْ عَنِيَ يَعْنَى عُنِيّاً، بِكَسْرِ النُّونِ مِنْ عَنِيَ. وَمِنْ أَمثالهم: عَنِيَّتُه تَشْفِي الجَرب؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ جَيِّد الرأْي، وأَصل العَنِيَّة، فِيمَا رَوَى أَبو عُبَيْدٍ، أَبوالُ الإِبل يُؤْخَذُ مَعَهَا أَخلاط فَتُخْلَطُ ثُمَّ تُحْبس زَمَانًا فِي الشَّمْسِ ثُمَّ تَعَالَجُ بِهَا الإِبل

ص: 102

الجَرْبَى، سُمِّيت عَنِيَّةً مِنَ التَّعْنِيَة وَهُوَ الْحَبْسُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعَنِيَّة عَلَى فَعيلَةٍ. والتَّعْنِيَة: أَخلاطٌ مِنْ بَعَرٍ وبَوْلٍ يُحْبَس مُدَّة ثُمَّ يُطْلى بِهِ الْبَعِيرُ الجَرِبُ؛ قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ:

كأَنَّ كُحَيلًا مُعْقَداً أَو عَنِيَّةً،

عَلَى رَجْعِ ذِفْراها، مِنَ اللِّيتِ، واكِفُ

وَقِيلَ: العَنِيَّة أَبوالُ الإِبلِ تُسْتَبالُ فِي الرَّبِيعِ حِينَ تَجْزَأُ عَنِ الماءِ، ثُمَّ تُطْبَخ حَتَّى تَخْثُر، ثُمَّ يُلْقَى عَلَيْهَا مِنْ زَهْرِ ضُروبِ العُشْبِ وحبِّ المَحْلَبِ فتُعْقدُ بِذَلِكَ ثُمَّ تُجْعلُ فِي بساتِيقَ صغارٍ، وَقِيلَ: هُوَ الْبَوْلُ يُؤخذُ وأَشْياءَ مَعَهُ فيُخْلَط ويُحْبَس زَمَنًا، وَقِيلَ: هُوَ البَوْلُ يوضَعُ فِي الشَّمْسِ حَتَّى يَخْثُر، وَقِيلَ: العَنِيَّة الهِناءُ مَا كَانَ، وَكُلُّهُ مِنَ الخَلْط والحَبْسِ. وعَنَّيت الْبَعِيرَ تَعْنِيَة: طَلَيْته بالعَنِيَّة؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ أَيضاً. والعَنِيَّة: أَبوالٌ يُطْبَخ مَعَهَا شيءٌ مِنَ الشجرِ ثُمَّ يُهْنَأُ بِهِ البعيرُ، واحِدُها عِنْو. وَفِي حَدِيثِ

الشَّعبي: لأَنْ أَتَعَنَّى بعَنِيَّةٍ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَن أَقولَ فِي مسأَلة بِرَأْيي

؛ العَنِيَّة: بولٌ فِيهِ أَخلاطٌ تُطْلَى بِهِ الإِبل الجَرْبَى، والتَّعَنِّي التَّطَلِّي بِهَا، سُمِّيَتْ عَنِيَّة لِطُولِ الحَبسِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

عِنْدِي دَواءُ الأَجْرَبِ المُعَبَّدِ،

عَنِيَّةٌ مِنْ قَطِرانٍ مُعْقَدِ

وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

كأَنَّ بذِفْراها عَنِيَّةَ مُجْربٍ،

لَهَا وَشَلٌ فِي قُنْفُذِ اللِّيت يَنْتَح

والقُنْفُذُ: مَا يَعْرَقُ خَلْف أُذُن البعيرِ. وأَعْنَاءُ السماءِ: نَوَاحِيهَا، الواحدُ عِنْوٌ. وأَعْنَاءُ الْوَجْهِ: جوانِبُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

فَمَا بَرِحتْ تَقْرِيه أَعَنَاءَ وَجْهِها

وجَبْهَتها، حَتَّى ثَنَته قُرونُها

ابْنُ الأَعرابي: الأَعْنَاء النَّواحي، واحدُها عَناً، وَهِيَ الأَعْنان أَيضاً؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

لَا تُحْرِز المَرْء أَعْنَاءُ البلادِ وَلَا

تُبْنَى لَهُ، فِي السماواتِ، السَّلالِيمُ

وَيُرْوَى: أَحجاء. وأَورد الأَزهري هُنَا حَدِيثِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: أَنه سُئِلَ عَنِ الإِبل فَقَالَ أعْنانُ الشياطِين

؛ أَراد أَنها مثلُها، كأَنه أَراد أَنها مِنْ نَواحِي الشَّيَاطِينِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ فِيهَا أَعْنَاءٌ مِنَ النَّاسِ وأَعْراءٌ مِنَ النَّاسِ، وَاحِدُهُمَا عِنْوٌ وعِرْوٌ أَي جَمَاعَاتٌ. وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى: بِهَا أَعْنَاءٌ مِنَ النَّاسِ وأَفْناءٌ أَي أَخلاط، الْوَاحِدُ عِنْوٌ وفِنْوٌ، وَهُمْ قومٌ مِنْ قبَائِلَ شَتَّى. وَقَالَ الأَصمعي: أَعْنَاءُ الشَّيْءِ جَوانِبُه، وَاحِدُهَا عِنْوٌ، بِالْكَسْرِ. وعَنَوْت الشيءَ: أَبْدَيْته. وعَنَوْت بِهِ وعَنَوْته: أَخْرَجْته وأَظْهَرْته، وأَعْنَى الغَيْثُ النَّباتَ كَذَلِكَ؛ قَالَ عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ:

ويَأْكُلْنَ مَا أَعْنَى الوَلِيُّ فَلَمْ يَلِتْ،

كأَنَّ بِحافاتِ النِّهاءِ المَزارِعَا

فَلم يَلِتْ أَي فَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْئًا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ واوِيَّة ويائِيَّة. وأَعْنَاه المَطَرُ: أَنبَته. ولَمْ تَعْنِ بلادُنا العامَ بِشَيْءٍ أَي لَمْ تُنْبِتْ شَيْئًا، وَالْوَاوُ لُغَةٌ. الأَزهري: يُقَالُ للأَرض لَمْ تَعْنُ بِشَيْءٍ أَي لَمْ تُنْبِت شَيْئًا، وَلَمْ تَعْنِ بِشَيْءٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ كَمَا يُقَالُ حَثَوْت عَلَيْهِ التُّرَابَ وحَثَيْت. وَقَالَ الأَصمعي: سأَلته فَلَمْ يَعْنُ لِي بِشَيْءٍ، كَقَوْلِكَ: لَمْ

ص: 103

يَنْدَ لِي بِشَيْءٍ وَلَمْ يَبِضَّ لِي بِشَيْءٍ. وَمَا أَعْنَتِ الأَرضُ شَيْئًا أَي مَا أَنْبَتَت؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي قَوْلِ عَدِيٍّ:

ويَأْكُلْنَ مَا أَعْنَى الوَلِيُ

قَالَ: حَذَفَ الضَّمِيرَ الْعَائِدَ عَلَى مَا أَي مَا أَعْناهُ الوَلِيُّ، وَهُوَ فِعْلٌ مَنْقُولٌ بِالْهَمْزِ، وَقَدْ يَتَعدَّى بِالْبَاءِ فَيُقَالُ: عَنَتْ بِهِ فِي مَعْنَى أَعْنَتْهُ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

مِمَّا عَنَتْ بِهِ

وَسَنَذْكُرُهُ عَقِبَهَا. وعَنَت الأَرضُ بالنباتِ تَعْنُو عُنُوّاً وتَعْني أَيضاً وأَعْنَتْهُ: أَظْهَرَتْه. وعَنَوْت الشيءَ: أَخرجته؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وَلَمْ يَبْقَ بالخَلْصاءِ، مِمَّا عَنَتْ بِهِ

مِن الرُّطْبِ، إِلَّا يُبْسُها وهَجِيرُها

وأَنشد بَيْتَ المُتَنَخِّل الهُذَلي:

تَعْنُو بمَخْرُوتٍ لَهُ ناضِحٌ

وعَنَا النَّبْتُ يَعْنُو إِذا ظَهَرَ، وأَعْنَاهُ المَطَرُ إِعْنَاءً. وعَنا الماءُ إِذا سالَ، وأَعْنَى الرجلُ إِذا صادَف أَرضاً قَدْ أَمْشَرَتْ وكَثُرَ كَلَؤُها. وَيُقَالُ: خُذْ هَذَا وَمَا عَانَاه أَي مَا شاكَلَه. وعَنَا الكلبُ لِلشَّيْءِ يَعْنُو: أَتاهُ فشَمَّه. ابْنُ الأَعرابي: هَذَا يَعْنُو هَذَا أَي يأْتيه فيَشَمُّه. والهُمُومُ تُعَانِي فُلَانًا أَي تأْتيه؛ وأَنشد:

وإِذا تُعانِيني الهُمُومُ قَرَيْتُها

سُرُحَ اليَدَيْنِ، تُخالِس الخَطَرانا

ابْنُ الأَعرابي: عَنَيْت بأَمره عِناية وعُنِيّاً وعَناني أَمره سواءٌ فِي الْمَعْنَى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ:

إِيَّاكِ أَعْنِي؛ واسْمَعي يَا جارَهْ

وَيُقَالُ: عَنِيتُ وتعَنَّيْت، كلٌّ يُقَالُ. ابْنُ الأَعرابي: عَنَا عَلَيْهِ الأَمرُ أَي شَقَّ عَلَيْهِ؛ وأَنشد قَوْلَ مُزَرِّد:

وشَقَّ عَلَى امْرِئٍ، وعَنَا عَلَيْهِ

تَكاليفُ الَّذِي لَنْ يَسْتَطِيعا

وَيُقَالُ: عُنِيَ بِالشَّيْءِ، فَهُوَ مَعْنِيٌّ بِهِ، وأَعْنَيْته وعَنَّيْتُه بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وأَنشد:

وَلَمْ أَخْلُ فِي قَفْرٍ وَلَمْ أُوفِ مَرْبَأً

يَفاعاً، وَلَمْ أُعنِ المَطِيَّ النَّواجِيا

وعَنَّيْتُه: حَبَسْتُه حَبْساً طَوِيلًا، وَكُلُّ حَبْسٍ طَوِيلٍ تَعْنِيَةٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ:

قَطَعْتَ الدَّهْرَ، كالسَّدِمِ المُعَنَّى،

تُهَدِّرُ فِي دِمَشْقَ، وَمَا تَريمُ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقِيلَ إِنَّ المُعَنَّى فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحْلٌ لَئيمٌ إِذا هَاجَ حُبِسَ فِي العُنَّة، لأَنه يُرغبُ عَنْ فِحْلتِه، وَيُقَالُ: أَصلُه معَنَّن فأُبدِلت مِنْ إِحدى النُّونَاتِ ياءٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والمُعَنَّى فَحْلٌ مُقْرِفٌ يُقَمَّط إِذا هَاجَ لأَنه يُرغب عَنْ فِحْلتِه. وَيُقَالُ: لَقِيتُ مِنْ فُلَانٍ عَنْيةً وعَنَاءً أَي تَعَباً. وعَناهُ الأَمرُ يَعْنِيه عِنَايةً وعُنِيّاً: أَهَمَّه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ، وَقُرِئَ

يعْنيه

، فَمَنْ قرأَ

يعْنيه

، بِالْعَيْنِ الْمُهْمِلَةِ، فَمَعْنَاهُ لَهُ شأْن لَا يُهِمُّه مَعَهُ غيرهُ، وَكَذَلِكَ شَأْنٌ يُغْنِيهِ أَي لَا يَقْدِرُ مَعَ الِاهْتِمَامِ بِهِ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبو تُرَابٍ: يُقَالُ مَا أَعْنَى شَيْئًا وَمَا أَغنى شَيْئًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. واعْتَنَى هُوَ بأَمره: اهْتَمَّ. وعُنِيَ بالأَمر عِنَايَةً، وَلَا يُقَالُ مَا أَعْنَانِي بالأَمر، لأَن الصِّيغَةَ مَوْضُوعَةٌ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَصِيغَةُ التَّعَجُّبِ إِنَّمَا هِيَ لَمَّا سُمِّي فَاعِلُهُ.

ص: 104

وَجَلَسَ أَبو عُثْمَانَ إِلى أَبي عُبَيْدَةَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فسأَله فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تأْمر مِنْ قَوْلِنَا عُنِيتُ بِحَاجَتِكَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبو عُبَيْدَةَ: أُعْنَ بِحَاجَتِي، فأَوْمأْتُ إِلى الرَّجُلِ أَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا خَلَوْنا قُلْتُ لَهُ: إِنما يُقَالُ لِتُعْنَ بِحَاجَتِي، قَالَ: فَقَالَ لِي أَبو عُبَيْدَةَ لَا تدخُلْ إِليّ، قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنك كُنْتَ مَعَ رَجُلٍ دُورِيٍّ سَرَقَ مِنِّي عامَ أَولَ قطِيفةً لِي، فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ مَا الأَمر كَذَلِكَ، ولكنَّك سَمِعْتَنِي أَقول مَا سَمِعْتَ، أَو كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي وَحْدَهُ: عَنِيتُ بأَمره، بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ، عِنَايةً وعُنِيّاً فأَنا بِهِ عَنٍ، وعُنِيتُ بأَمرك فأَنا مَعْنِيٌّ، وعَنِيتُ بأَمرك فأَنا عانٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ هُوَ مَعْنِيٌّ بأَمره وعانٍ بأَمره وعَنٍ بأَمره بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِذا قُلْتَ عُنِيتُ بِحَاجَتِكَ، فعدَّيتَه بِالْبَاءِ، كَانَ الفعلُ مضمومَ الأَولِ، فإِذا عَدَّيتَه بِفِي فَالْوَجْهُ فتحُ الْعَيْنِ فَتَقُولُ عَنِيت؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذا لمْ تَكُنْ فِي حاجةِ المَرءِ عانِياً

نَسِيتَ، ولمْ يَنْفَعْكَ عَقدُ الرَّتائمِ

وَقَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ: لَا يُقَالُ عُنِيتُ بِحَاجَتِكَ إِلا عَلَى مَعْنى قصَدْتُها، مِنْ قَوْلِكَ عَنَيْتُ الشَّيْءَ أَعْنِيه إِذا كُنْتَ قاصِداً لَهُ، فأَمَّا مِنَ العَنَاء، وَهُوَ العِنَايَةُ، فَبِالْفَتْحِ نحوُ عَنَيتُ بِكَذَا وعَنَيت فِي كَذَا. وَقَالَ الْبَطَلْيَوْسِيُّ: أَجاز ابْنُ الأَعرابي عَنِيتُ بِالشَّيْءِ أَعْنَى بِهِ، فأَنا عانٍ؛ وأَنشد:

عانٍ بأُخراها طَويلُ الشُّغْلِ،

لَهُ جَفِيرانِ وأَيُّ نَبْلِ

وعُنِيتُ بِحَاجَتِكَ أُعْنَى بِهَا وأَنا بِهَا مَعْنِيٌّ، عَلَى مَفْعُولٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مِنْ حُسنِ إِسلامِ المَرْءِ تَرْكُه مَا لَا يَعْنِيه

أَي لَا يُهِمُّه. وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها: كَانَ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، إِذا اشْتَكى أَتَاهُ جبريلُ فَقَالَ بسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كلِّ داءٍ يَعْنيك، مِنْ شرِّ كلِّ حاسدٍ وَمِنْ شرِّ كلِّ عَين

؛ قَوْلُهُ يَعْنِيك أَي يشغَلُك. وَيُقَالُ: هَذَا الأَمر لَا يَعْنِيني أَي لَا يَشْغَلُني وَلَا يُهِمُّني؛ وأَنشد:

عَناني عنكَ، والأَنْصاب حَرْبٌ،

كأَنَّ صِلابَها الأَبْطالَ هِيمُ

أَراد: شَغَلَني؛ وَقَالَ آخَرُ:

لَا تَلُمْني عَلَى البُكاء خَلِيلي،

إِنه مَا عَناكَ قِدْماً عَنَانِي

وَقَالَ آخَرُ:

إِنَّ الفَتى لَيْسَ يَعْنِيهِ ويَقمَعُه

إِلَّا تَكَلُّفُهُ مَا لَيْسَ يَعْنِيهِ

أَي لَا يَشْغَله، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلُ جِبْرِيلَ، عليه السلام، يَعْنِيكَ أَي يَقْصِدُك. يُقَالُ: عَنَيْتُ فُلَانًا عَنْياً أَي قَصَدْتُه. ومَنْ تَعْنِي بِقَوْلِكَ أَي مَنْ تَقْصِد. وعَنَانِي أَمرُك أَي قَصَدني؛ وَقَالَ أَبو عَمْرٍو فِي قَوْلِهِ الْجَعْدِيِّ:

وأَعْضادُ المَطِيّ عَوَاني

أَي عَوامِلُ. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ عَوَانِي أَي قَواصِدُ فِي السَّيْرِ. وفُلانٌ تَتَعَنَّاه الحُمَّى أَي تَتَعَهَّده، وَلَا تُقَالُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي غَيْرِ الحُمَّى. وَيُقَالُ: عَنِيتُ فِي الأَمر أَي تَعَنَّيْتُ فِيهِ، فأَنا أَعْنَى وأَنا عَنٍ، فإِذا سَأَلْتَ قُلْتَ: كَيْفَ مَن تُعْنى بأَمره؟ مَضْمُومٌ لأَن الأَمْرَ عَنَاهُ، وَلَا يُقَالُ كيف مَنْ تَعْنَى بأَمره. وعَانَى الشيءَ: قَاسَاهُ. والمُعَانَاةُ: المُقاساة. يُقَالُ:

ص: 105

عَانَاه وتَعَنَّاه وتَعَنَّى هُوَ؛ وَقَالَ:

فَقُلْتُ لَهَا: الحاجاتُ يَطْرَحْنَ بالفَتَى،

وهَمّ تَعَنَّاه مُعَنّىً رَكائبُهْ

وَرَوَى أَبو سَعِيدٍ: المُعَانَاة المُداراة؛ قَالَ الأَخطل:

فإِن أَكُ قَدْ عَانَيْتُ قَوْمي وهِبْتُهُمْ،

فَهَلْهِلْ وأَوِّلْ عَنْ نُعَيْم بنِ أَخْثَما

هَلْهِلْ: تَأَنَّ وانْتَظِرْ. وَقَالَ الأَصمعي: المُعَانَاة والمُقَاناةُ حُسْنُ السِّياسة. وَيُقَالُ: مَا يُعَانُونَ مالَهُم وَلَا يُقانُونه أَي مَا يَقُومُونَ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ

عُقْبَة بْنِ عامِرٍ فِي الرَّمْيِ بِالسِّهَامِ: لَوْلا كلامٌ سَمِعْتُه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لمْ أُعَانِهِ

؛ مُعَانَاةُ الشيءِ: مُلابَسَته ومُباشَرَته. والقَوْمُ يُعَانُون مالَهُم أَي يَقُومُونَ عَلَيْهِ. وعَنَى الأَمْرُ يَعْنِي واعْتَنَى: نَزَلَ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

إِني وَقَدْ تَعْنِي أُمورٌ تَعْتَنِي

عَلَى طريقِ العُذْر، إِنْ عَذَرْتَني

وعَنَتْ بِهِ أُمورٌ: نَزَلَتْ. وعَنَى عَنَاءً وتَعَنَّى: نَصِبَ. وعَنَّيْتُه أَنا تَعْنِيَةً وتَعَنَّيْتُه أَيضاً فَتَعَنَّى، وتَعَنَّى العَناء: تَجَشَّمَه، وعَنَّاه هُوَ وأَعْنَاه؛ قَالَ أُمَيَّة:

وإِني بِلَيْلَى، والدِّيارِ الَّتِي أَرَى،

لَكالْمُبْتَلَى المُعْنَى بِشَوْقٍ مُوَكَّلِ

وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

عَنْساً تُعَنِّيها وعَنْساً تَرْحَلُ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: تُعَنِّيها تَحْرُثُها وتُسْقِطُها. والعَنْيَةُ: العَناء. وعَنَاءٌ عَانٍ ومُعَنٍّ: كَمَا يُقَالُ شِعْرٌ شاعِرٌ ومَوْتٌ مائتٌ؛ قَالَ تَميم بْنُ مُقْبِل:

تَحَمَّلْنَ مِنْ جَبَّانَ بَعْدَ إِقامَةٍ،

وبَعْدَ عَنَاءٍ مِنْ فُؤادِك عانِ «3»

وَقَالَ الأَعشى:

لَعَمْرُكَ مَا طُولُ هَذَا الزَّمَنْ،

عَلَى المَرْءِ، إِلَّا عَنَاءٌ مُعَنُ

ومَعْنى كلِّ شَيْءٍ: مِحْنَتُه وحالُه الَّتِي يَصِيرُ إِلَيْهَا أَمْرُه. وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى قَالَ: المَعْنَى والتفسيرُ والتَّأْوِيل واحدٌ. وعَنَيْتُ بِالْقَوْلِ كَذَا: أَردت. ومَعْنَى كُلِّ كلامٍ ومَعْنَاتُه ومَعْنِيَّتُه: مَقْصِدُه، وَالِاسْمُ العَنَاء. يُقَالُ: عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي مَعْنَى كلامِه ومَعْنَاةِ كَلَامِهِ وَفِي مَعْنِيِّ كلامِه. وَلَا تُعَانِ أَصحابَك أَي لَا تُشاجِرْهُم؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. والعَنَاء: الضُّرُّ. وعُنْوَانُ الْكِتَابِ: مُشْتَقّ فِيمَا ذَكَرُوا مِنَ المَعْنَى، وَفِيهِ لُغَاتٌ: عَنْوَنْتُ وعَنَّيْتُ وعَنَّنْتُ. وَقَالَ الأَخْفش: عَنَوْتُ الْكِتَابَ واعْنُه؛ وأَنشد يُونُسُ:

فَطِنِ الكِتابَ إِذا أَرَدْتَ جوابَه،

واعْنُ الكتابَ لِكَيْ يُسَرَّ ويُكْتما

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: العُنْوَانُ والعِنْوَانُ سِمَةُ الكِتابِ. وعَنْوَنَه عَنْوَنَةً وعِنْوَاناً وعَنَّاهُ، كِلاهُما: وَسَمَه بالعُنوان. وَقَالَ أَيضاً: والعُنْيَانُ سِمَةُ الْكِتَابِ، وَقَدْ عَنَّاه وأَعْنَاه، وعَنْوَنْتُ الْكِتَابَ وعَلْوَنْته. قَالَ يَعْقُوبُ: وسَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ أَطِنْ وأَعِنْ أَي عَنْوِنْه واخْتِمْه. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَفِي جَبْهَتِه عُنْوانٌ مِنْ كَثْرَةِ السُّجودِ أَي أَثَر؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ؛ وأَنشد:

وأَشْمَطَ عُنْوانٌ بِهِ مِنْ سُجودِه،

كَرُكْبَةِ عَنزٍ مِنْ عُنوزِ بَني نَصْرِ

(3). قوله [من جبان] هو هكذا في الأصل بالباء الموحدة والجيم.

ص: 106

والمُعَنَّى: جَمَلٌ كَانَ أَهلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَنزِعُونَ سناسِنَ فِقْرَتِهِ ويَعْقِرُون سَنامَه لئلَّا يُرْكَب وَلَا يُنْتَفَع بظَهْرِه. قَالَ اللَّيْثُ: كَانَ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ إِذا بَلَغَتْ إِبلُ الرَّجُلِ مِائَةً عَمَدُوا إِلى الْبَعِيرِ الَّذِي أَمْأَتْ بِهِ إِبلُه فأَغْلقوا ظَهْرَه لِئَلَّا يُرْكَب وَلَا يُنْتَفَع بظَهْره، لِيُعْرَفَ أَن صاحِبَها مُمْئٍ، وإِغْلاق ظَهْرِه أَن يُنْزَع مِنْهُ سناسِنُ مِنْ فَقْرته ويُعْقر سَنامَه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا يَجُوزُ أَن يكونَ مِنْ العَنَاءِ الَّذِي هُوَ التَّعَب، فَهُوَ بِذَلِكَ مِنَ المُعْتلّ بِالْيَاءِ، وَيَجُوزُ أَن يكونَ مِنَ الحَبْسِ عَنِ التَّصَرُّفِ فَهُوَ عَلَى هَذَا مِنَ المعتَلِّ بِالْوَاوِ؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:

غَلَبْتُكَ بالمُفَقَّئِ والمُعَنِّي،

وبَيْتِ المُحْتَبي والخافقاتِ

يَقُولُ: غَلَبْتُك بأَربع قَصَائِدَ مِنْهَا المُفَقِّئُ، وَهُوَ بَيْتُهُ:

فلَسْتَ، وَلَوْ فَقَّأْتَ عَينَك، وَاجِدًا

أَباً لكَ، إِن عُدَّ المَساعِي، كَدارِم

قَالَ: وأَراد بالمُعَنِّي قَوْلَهُ تَعَنَّى فِي بَيْتِهِ:

تَعَنَّى يَا جَرِيرُ، لِغَيرِ شيءٍ،

وَقَدْ ذهَبَ القَصائدُ للرُّواةِ

فَكَيْفَ تَرُدُّ مَا بعُمانَ مِنْهَا،

وَمَا بِجِبالِ مِصْرَ مُشَهَّراتِ؟

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمِنْهَا قَوْلُهُ:

فإِنّكَ، إِذ تَسْعَى لتُدْرِكَ دارِماً،

لأَنْتَ المُعَنَّى يَا جَرِيرُ، المُكَلَّف

وأَراد بالمُحْتَبي قَوْلَهُ:

بَيْتاً زُرارَةُ مُحْتَبٍ بِفنائه،

ومُجاشِعٌ وأَبو الفَوارسِ نَهْشَلُ

لَا يَحْتَبي بفِناءِ بَيْتِك مِثْلُهُم

أَبداً، إِذا عُدَّ الفعالُ الأَفْضَلُ

وأَراد بِالْخَافِقَاتِ قَوْلُهُ:

وأَيْنَ يُقَضِّي المالِكانِ أُمُورَها

بِحَقٍّ، وأَينَ الخافِقاتُ اللَّوامِعُ؟

أَخَذْنا بآفاقِ السَّماءِ عَلَيْكُمُ،

لَنَا قَمَرَاها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ

عها: حَكى أَبو مَنْصُورٍ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ عوه عَنْ أَبي عَدْنَانَ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: العِفْوُ والعِهْوُ جَمِيعًا الجَحْش، قَالَ: ووَجَدْتُ لأَبي وجْزَة السَّعْدِيّ بَيْتًا فِي العِهْوِ:

قَرَّبْنَ كلَّ صَلَخْدىً مُحْنِقٍ قَطِمٍ

عِهْوٍ، لَهُ ثَبَجٌ، بالنِّيِّ، مَضْبُورُ

وَقِيلَ: هُوَ جَمَلٌ عِهْوٌ نَبيلُ الثَّبَجِ لَطِيفُه، وَهُوَ شديدٌ مَعَ ذَلِكَ؛ قَالَ الأَزهري: كأَنه شبَّه الجَمَل به لخِفَّتِه.

عوي: العَوِيُّ: الذِّئْبُ. عَوَى الكَلْبُ والذئبُ يَعْوِي عَيّاً وعُواءً وعَوَّةً وعَوْيَةً، كِلَاهُمَا نادرٌ: لَوَى خَطْمَه ثُمَّ صوَّت، وَقِيلَ: مَدَّ صَوْته وَلَمْ يُفْصِحْ. واعْتَوَى: كَعَوى؛ قَالَ جَرِيرٌ:

أَلا إِنما العُكْلِيُّ كلْبٌ، فقُل لهُ،

إِذا مَا اعْتَوَى: إِخْسَأْ وأَلْقِ لَهُ عَرْقَا

وَكَذَلِكَ الأَسَد. الأَزهري: عَوَت الكِلابُ والسِّباعُ تَعْوِي عُواءً، وَهُوَ صَوْتٌ تَمُدُّه وَلَيْسَ بِنَبْحٍ، وَقَالَ أَبو الجَرَّاح: الذِّئْبُ يَعْوِي؛

ص: 107

وأَنشدني أَعرابي:

هَذا أَحَقُّ مَنْزِلٍ بالتَّرْكِ،

الذِّئبُ يَعْوِي والغُرابُ يَبْكي

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَوَى الكلْبُ والذِّئبُ وابنُ آوَى يَعْوِي عُواءً صاحَ. وَهُوَ يُعَاوِي الكلابَ أَي يُصايِحُها. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَعلم العِواء فِي الْكِلَابِ لَا يَكُونُ إِلَّا عِندَ السِّفادِ. يُقَالُ: عاوَتِ الكِلاب إِذا اسْتَحْرَمَتْ، فإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسِّفَادِ فَهُوَ النُّباحُ لَا غَيْر؛ قَالَ وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ:

جَزَى رَبُّه عَنِّي عَدِيَّ بْنَ حاتِمٍ

جَزاءَ الكِلابِ العَاوِيَاتِ، وقَدْ فَعَلْ

وَفِي حَدِيثِ

حَارِثَةَ: كأَني أَسْمَعُ عُوَاءَ أَهل النَّارِ

أَي صِياحَهُمْ. قَالَ ابْنُ الأَثير: العُوَاءُ صَوْتُ السِّباع، وكأَنَّه بالذئْبِ والكَلْبِ أَخَصُّ. والعَوَّةُ: الصَّوْتُ، نادِر. والعَوَّاءُ، ممدُود: الكَلْب يَعْوِي كَثيراً. وكَلْبٌ عَوّاءٌ: كَثِيرُ العُواء. وَفِي الدُّعاء عَلَيْهِ: عَلَيْهِ العَفاءُ والكَلْبُ العَوَّاءُ. والمُعَاوِيَة: الكَلْبَة المُسْتَحْرِمَةُ تَعْوي إِلى الْكِلَابِ إِذا صَرَفَتْ ويَعْوينَ، وَقَدْ تَعاوَتِ الكِلابُ. وعاوَت الكِلابُ الكَلْبَة: نابَحَتْها. ومُعاوِيَةُ: اسْمٌ، وَهُوَ مِنْهُ، وَتَصْغِيرُ مُعَاوِيَة مُعَيَّة؛ هَذَا قَوْلُ أَهل الْبَصْرَةِ، لأَن كلَّ اسْمٍ اجْتمَع فِيهِ ثَلَاثُ ياءاتٍ أُولاهُنَّ ياءُ التصغير خُذِفَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، فإِن لَمْ تَكُنْ أُولاهن يَاءُ التَّصْغِير لَمْ يُحْذَف مِنْهُ شيءٌ، تَقُولُ فِي تَصْغِيرِ مَيَّة مُيَيَّة، وأَما أَهلُ الْكُوفَةِ فَلَا يَحْذِفُونَ مِنْهُ شَيْئًا يَقُولُونَ فِي تَصْغِيرِ مُعَاوِيَة مُعَيِّيَة، عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ أُسَيِّد، ومُعَيْوَة، عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أُسَيْوِد؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: تَصْغِيرُ مُعَاوِيَة، عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، مُعَيْوِيَة عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ فِي أَسْودَ أُسَيْوِد، ومُعَيَّة عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أُسَيِّدٌ، ومُعَيِّيَة عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ فِي أَحْوَى أُحَيِّيٌ، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبي عَمْرِو بْنِ العَلاء، قَالَ: وقولُ الجَوْهري ومُعَيْوة عَلَى قَوْلِ مَنْ يقولُ أُسَيْوِد غَلَطٌ، وَصَوَابُهُ كَمَا قُلنا، وَلَا يَجُوزُ مُعَيْوة كَمَا لَا يَجُوزُ جُرَيْوة فِي تَصْغِيرِ جِرْوة، وإِنما يَجُوزُ جُرَيَّة. وَفِي المَثَل: لَوْ لَك أَعْوِي مَا عَوَيْتُ؛ وأَصله أَنَّ الرجلَ كَانَ إِذا أَمْسى بالقَفْرِ عَوَى ليُسمِعَ الكِلابَ، فَإِنْ كَانَ قُرْبَه أَنِيسٌ أَجابَتْه الكلابُ فاستَدَلَّ بعُوائها، فعَوَى هَذَا الرجلُ فجاءَهُ الذِّئْب فَقَالَ: لَو لَك أَعْوِي مَا عَوَيْتُ، وَحَكَاهُ الأَزهري. وَمِنْ أَمثالهم فِي المُستَغِيث بمَنْ لَا يُغِيثُه قولُهم: لَوْ لَكَ عَوَيْتُ لَمْ أَعْوِهْ؛ قَالَ: وأَصله الرجلُ يَبِيتُ بالبَلَدِ القَفْرِ فيَستَنْبِحُ الكِلابَ بعُوائِه ليَسْتَدِلَّ بنُباحِها عَلَى الحَيِّ، وَذَلِكَ أَنّ رَجُلًا باتَ بالقَفْرِ فاستَنْبَح فأَتاه ذِئْبٌ فَقَالَ: لَوْ لَكَ عَوَيْتُ لَمْ أَعْوِهْ، قَالَ: وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا دَعا قَوْمًا إِلى الفِتنة، عَوَى قَوْمًا فاستُعْوُوا، وَرَوَى الأَزهري عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه قَالَ: هُوَ يَستَعْوي القَوْمَ ويَسْتَغْويهم أَي يَستَغِيثُ بهمْ. وَيُقَالُ: تَعَاوَى بنُو فلانٍ عَلَى فلانٍ وتَغاوَوْا عَلَيْهِ إِذا تَجَمَّعُوا عَلَيْهِ، بِالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ. وَيُقَالُ: استَعْوَى فُلَانٌ جَماعَةً إِذا نَعَقَ بِهِمْ إِلى الفِتنَة. وَيُقَالُ للرجُل الحازمِ الجَلْدِ: مَا يُنْهى وَلَا يُعْوَى. وَمَا لَهُ عاوٍ وَلَا نابحٌ أَي مَا لَهُ غَنَم يَعْوي فِيهَا الذئبُ ويَنْبَح دُونَهَا الكَلب، ورُبَّما سُمِّي رُغاءُ الفصِيلِ عُواءً إِذا ضَعُف؛ قَالَ:

بِهَا الذِّئْبُ مَحزُوناً كأَنَّ عُواءَهُ

عُواءُ فَصِيلٍ، آخِرَ الليْلِ، مُحْثَلِ

ص: 108

وعَوَى الشيءَ عَيّاً واعْتَواهُ: عَطَفَه؛ قَالَ:

فلَمَّا جَرَى أَدْرَكنَه فاعْتَوَيْنَه

عَنِ الغايَة الكُرْمى، وهُنَّ قُعودُ

وعَوَى القَوْسَ: عَطَفَها. وعَوَى رأْسَ النَّاقَةِ فانْعَوَى: عاجَه. وعَوَتِ الناقَةُ البُرَةَ عَيّاً إِذا لَوَتْها بخَطْمِها؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

إِذا مَطَوْنا نِقْضَةً أَو نِقضا،

تَعْوِي البُرَى مُسْتَوْفِضاتٍ وَفْضا

وعَوى القَومُ صُدُورَ رِكابهمْ وعَوَّوْها إِذا عَطَفُوها. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنَّ أُنَيْفاً سأَله عَنْ نَحرِ الإِبلِ فأَمَرَه أَن يَعْوِيَ رُؤوسَها

أَي يَعْطِفَها إِلى أَحَد شِقَّيها لتَبرُز اللَّبةُ، وَهِيَ المَنحَرُ. والعَيُّ: اللَّيُّ والعَطْفُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وعَوَيْتُ الشَّعْر والحَبل عَيّاً وعَوَّيْته تَعْوِيَةً لَوَيته؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وكأَنَّها، لَمَّا عَوَيْت قُرُونَها،

أَدْماءُ ساوَقَها أَغَرُّ نَجِيبُ

واستَعْوَيته أَنا إِذا طَلَبتَ مِنْهُ ذَلِكَ. وكلُّ مَا عَطَفَ مِنْ حَبْلٍ وَنَحْوِهِ فَقَدْ عَواهُ عَيّاً، وَقِيلَ: العَيُّ أَشَدُّ مِنَ اللَّيِّ. الأَزهري: عَوَيْتُ الحبلَ إِذا لَوَيتَه، والمصدَر العَيُّ. والعَيُّ فِي كلِّ شيءٍ: اللَّيُّ. وعَفَتَ يَدَهُ وعَواها إِذا لَواها. وَقَالَ أَبو العَمَيثَلِ: عَوَيْت الشيءَ عَيّاً إِذا أَمَلْته. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: عَوَيْت العِمامَة عَيَّةً ولَوَيتُها لَيَّةً. وعَوَى الرجلُ: بَلَغَ الثَّلَاثِينَ فقَويَتْ يَدهُ فعَوَى يَدَ غَيْرِهِ أَي لَواها لَيّاً شَدِيدًا. وَفِي حَدِيثِ الْمُسْلِمِ قاتِلِ المشرِكِ الَّذِي سَبَّ النبيَّ، صلى الله عليه وسلم:

فتَعَاوَى الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ

أَي تعاوَنوا وتَساعَدوا، وَيُرْوَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. الأَزهري: العَوّا اسمُ نَجمٍ، مقصورٌ، يكتَب بالأَلف، قَالَ: وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ مِنْ أَنْواءِ البَرْدِ؛ قَالَ سَاجِعُ الْعَرَبِ: إِذا طَلَعَتِ العَوَّاءُ وجَثَم الشِّتاءُ طَابَ الصِّلاءُ؛ وَقَالَ ابْنُ كُناسة: هِيَ أَربعة كواكبَ ثلاثةٌ مُثَفَّاةٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَالرَّابِعُ قريبٌ مِنْهَا كأَنه مِنَ النَّاحِيَةِ الشاميَّة، وَبِهِ سُمِّيَتِ العَوَّاءُ كأَنه يَعْوِي إِليها مِنْ عُواءِ الذئْب، قَالَ: وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ عَوَيْتُ الثوبَ إِذا لَوَيتَه كأَنه يعْوي لَمَّا انْفَرَدَ. قَالَ: والعَوَّاءُ فِي الْحِسَابِ يَمانيَةٌ، وَجَاءَتْ مُؤَنَّثَة عَنِ الْعَرَبِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَوَّل اليَمانية السِّماكُ الرامِحُ، وَلَا يُجْعَلُ العَوَّاء يَمَانِيَةً لِلْكَوْكَبِ الفَردِ الَّذِي فِي النَّاحِيَةِ الشاميَّة. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: العَوَّاءُ ممدودةٌ، وَالْجَوْزَاءُ مَمْدُودَةٌ، والشِّعْرى مَقْصُورٌ. وَقَالَ شِمْرٌ: العَوَّاءُ خَمْسَةُ كواكِبَ كأَنها كِتابة أَلِفٍ أَعْلاها أَخفاها، وَيُقَالُ: كأَنها نُونٌ، وتُدْعى ورِكي الأَسَد وعُرْقوبَ الأَسَد، وَالْعَرَبُ لَا تُكْثِرُ ذِكْرَ نَوْئِها لأَن السِّماكَ قَدِ استَغْرَقَها، وَهُوَ أَشهر مِنْهَا، وطُلوعها لاثنَتين وَعِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ أَيلولٍ، وسقُوطُها لِاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً تَخْلُو مِنْ أَذار؛ وَقَالَ الحُصَيْني فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا الْمَنَازِلَ:

وانْتَثَرَت عَوَّاؤه

تَناثُرَ العِقْد انْقَطعْ

وَمِنْ سَجْعِهِمْ فِيهَا: إِذا طَلَعت العَوَّاءُ ضُرِبَ الخِباءُ وطابَ الهواءُ وكُرِه العَراءُ وشَثُنَ السِّقاءُ. قَالَ الأَزهري: مَن قَصَرَ العَوَّا شَبَّهَها باسْتِ الكلبِ، ومَن مَدَّها جَعَلها تَعْوِي كَمَا يَعْوِي الكلبُ،

ص: 109

والقَصْرُ فِيهَا أَكثرُ «4» قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: العَوَّاءُ مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ يُمَدُّ ويُقصَر، والأَلف فِي آخِرِهِ للتأْنيث بِمَنْزِلَةِ أَلِفِ بُشْرَى وحُبْلى، وعينُها ولامُها وَاوَانِ فِي اللَّفْظِ كَمَا تَرَى، أَلَا تَرَى أَن الواوَ الْآخِرَةَ الَّتِي هِيَ لامٌ بَدَلٌ مِنْ ياءٍ، وأَصلها عَوْيَا وَهِيَ فَعْلَى مِنْ عَوَيْت؟ قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَالَ لِي أَبو عَلِيٍّ إِنَّمَا قيلَ العَوَّا لأَنها كواكبُ مُلْتَويةٌ، قَالَ: وَهِيَ مِنْ عَوَيْتُ يدَه أَي لَوَيتها، فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ أَصلها عَوْيا وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسَبَقَتِ الأُولى بِالسُّكُونِ، وَهَذِهِ حالٌ تُوجِبُ قَلْب الْوَاوِ يَاءً وليستْ تَقْتَضِي قلبَ الْيَاءِ وَاوًا، أَلا تَرَاهُمْ قَالُوا طَوَيْت طَيّاً وشوَيْت شَيّاً، وأَصلُهما طَوْياً وشَوْياً، فقلت الواوَ يَاءً، فهلَّا إِذْ كَانَ أَصل العَوَّا عَوْيَا قَالُوا عَيّاً فقلَبوا الْوَاوَ يَاءً كَمَا قَلَبُوهَا فِي طَوَيت طَيّاً وشَوَيت شَيّاً؟ فَالْجَوَابُ أَن فَعْلَى إِذَا كَانَتِ اسْمًا لَا وَصْفًا، وَكَانَتْ لامُها يَاءً، قُلِبَتْ يَاؤُهَا وَاوًا، وَذَلِكَ نَحْوَ التَّقْوَى أَصلُها وَقْيَا، لأَنها فَعْلَى مِنْ وَقَيْت، والثَّنْوَى وَهِيَ فَعْلَى مِنْ ثَنَيْتُ، والبَقْوَى وَهِيَ فَعْلى مِنْ بَقِيت، والرَّعْوَى وَهِيَ فَعْلَى من رَعَيْت، فَكَذَلِكَ العَوَّى فَعْلى مِنْ عَوَيْت، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ اسمٌ لَا صِفَةٌ بِمَنْزِلَةِ البَقْوَى والتَّقْوَى والفَتْوَى، فَقُلِبَتِ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لامٌ وَاوًا، وَقَبْلَهَا الْعَيْنُ الَّتِي هِيَ وَاوٌ، فَالْتَقَتْ وَاوَانِ الأُولى سَاكِنَةٌ فأُدغمت فِي الآخِرة فَصَارَتْ عَوًّا كَمَا تَرَى، وَلَوْ كَانَتْ فَعْلَى صِفَةً لَمَا قُلِبَت يَاؤُهَا وَاوًا، ولَبَقِيَت بِحَالِهَا نَحْوَ الخَزْيَا والصَّدْيا، وَلَوْ كَانَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْيَاءِ واوٌ لَقُلِبَت الواوُ يَاءً كَمَا يَجِبُ فِي الواوِ وَالْيَاءِ إِذَا التَقَتا وسَكَن الأَوَّل مِنْهُمَا، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِمُ امرأَة طَيَّا ورَيَّا، وأَصلُهما طوْيَا ورَوْيَا، لأَنهما مِنْ طَوَيْت ورَوِيت، فَقُلِبَتِ الواوُ مِنْهُمَا يَاءً وأُدغِمَت فِي الْيَاءِ بَعْدَها فَصَارَتْ طَيَّا وريَّا، وَلَوْ كَانَتْ رَيَّا اسْمًا لوَجَب أَن يُقال رَوَّى وحالُها كحالِ العَوَّا، قَالَ: وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُمُ العَوَّاءُ، بالمدِّ، فِي هَذَا المنزِلِ مِنْ منازِل القَمر؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والقولُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنه زَادَ لِلْمَدِّ الْفَاصِلِ أَلفَ التأْنيثِ الَّتِي فِي العَوَّاء، فَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ مثالُ العَوَّا أَلفين، كَمَا تَرَى، سَاكِنَيْنِ، فَقُلِبَتِ الْآخِرَةُ الَّتِي هِيَ عَلَمُ التأْنيث هَمْزَةً لمَّا تَحَرَّكَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، والقولُ فِيهَا القولُ فِي حَمْرَاءَ وصَحْراءَ وصَلْفاءَ وخَبْراءَ، فَإِنْ قِيلَ: فلَمَّا نُقِلَت مِنْ فَعْلى إِلَى فَعْلاء فَزَالَ القَصْرُ عَنْهَا هَلَّا رُدَّت إِلَى الْقِيَاسِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِزَوَالِ وَزْنِ فَعْلى الْمَقْصُورَةِ، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ أَلْوى وامرأَة لَيَّاءُ، فهلَّا قَالُوا عَلَى هَذَا العَيَّاء؟ فَالْجَوَابُ أَنهم لَمْ يَبْنوا الكَلِمةِ عَلَى أَنها مَمْدُودَةٌ البَتَّة، وَلَوْ أَرادوا ذَلِكَ لَقَالُوا العَيَّاء فَمَدُّوا، وأَصله العَوْياء، كَمَا قَالُوا امرأَة لَيَّاء وأَصلها لَوْياء، وَلَكِنَّهُمْ إِنَّمَا أَرادوا القَصْر الَّذِي فِي العَوّا، ثُمَّ إِنَّهُمُ اضْطُرُّوا إِلَى الْمَدِّ فِي بَعْضِ المواضِع ضَرُورَةً، فبَقّوا الْكَلِمَةَ بحالِها الأُولى مِنْ قَلْبِ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لامٌ وَاوًا، وَكَانَ تَرْكُهُم القلبَ بحالِه أَدلَّ شيءٍ عَلَى أَنهم لَمْ يَعتَزِموا الْمَدَّ البتَّة، وأَنهم إِنَّمَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ فَرَكبوه، وَهُمْ حِينَئِذٍ لِلْقَصْرِ ناوُون وَبِهِ مَعْنيُّون؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

فلَو بَلَغَتْ عَوّا السِّماكِ قَبيلةٌ،

لزادَت علَيها نَهْشَلٌ وتَعَلَّت

وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ إِلَى الْحُطَيْئَةِ. الأَزهري: والعَوَّاء النابُ مِنَ الإِبلِ، ممدودةٌ، وَقِيلَ: هِيَ فِي لُغة هُذيل النابُ الكَبيرة الَّتِي لَا سَنامَ لَهَا؛ وَأَنْشَدَ:

(4). قوله [والقصر فيها أكثر] هكذا في الأَصل والمحكم، والذي في التهذيب: والمدّ فيها أكثر.

ص: 110

وَكَانُوا السَّنامَ اجْتُثَّ أَمْسِ، فقَوْمُهُم

كَعَوَّاءَ بَعْدَ النِّيِّ غابَ رَبِيعُها

وعَوَاهُ عَنِ الشَّيْءِ عَيّاً: صَرفه. وعَوَّى عَنِ الرجُل: كَذَّب عَنْهُ وردَّ عَلَى مُغْتابه. وأَعْوَاءٌ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ عبدُ منافِ بنُ رِبْع الهُذلي:

أَلا رُبَّ داعٍ لَا يُجابُ، ومُدَّعٍ

بساحةِ أَعْوَاءٍ وناجٍ مُوائِلِ

الْجَوْهَرِيُّ: العَوَّاءُ سافِلَة الإِنسانِ، وَقَدْ تُقْصر. ابْنُ سِيدَهْ: العَوَّا والعُوَّى والعَوَّاء والعُوَّة كلُّه الدُّبُر. والعَوَّةُ: عَلَم مِنْ حِجارة يُنْصَب عَلَى غَلْظِ الأَرض. والعَوَّةُ. الضَّوَّة وعَوْعَى عَوْعاةً: زجَرَ الضأْنَ. اللَّيْثُ: العَوَّا والعَوّة لُغَتَانِ وَهِيَ الدُّبُر؛ وأَنشد:

قِياماً يُوارُون عَوَّاتِهمْ

بِشَتْمِي، وعَوَّاتُهُم أَظْهَر

وَقَالَ الْآخَرُ فِي العَوَّا بِمَعْنَى العَوَّة:

فَهَلَّا شَدَدْتَ العَقْدَ أَو بِتَّ طاوِياً،

ولم يفرح العَوَّا كما يفرح القتْبُ «1»

والعَوّةُ والضَّوَّةُ: الصَّوْتُ والجلَبَة. يُقَالُ: سمِعت عَوَّةَ القومِ وضَوَّتَهُم أَي أَصْواتَهُم وجَلَبَتَهُم، والعَوُّ جَمْعُ عَوَّةٍ، وَهِيَ أُمُّ سُوَيْد. وَقَالَ اللَّيْثُ: عَا، مَقْصورٌ، زجْرٌ للضِّئِينَ، ورُبَّما قَالُوا عَوْ وَعَاءٍ وعايْ، كُلُّ ذَلِكَ يُقال، وَالْفِعْلُ مِنْهُ عاعَى يُعاعِي مُعَاعَاةً وَعَاعَاةً. وَيُقَالُ أَيضاً: عَوْعَى يُعَوْعِي عَوْعاةً وعَيْعَى يُعَيْعِي عَيْعَاة وعِيعَاءً؛ وأَنشد:

وَإِنَّ ثِيابي مِنْ ثِيابِ مُحَرِّقٍ،

ولمْ أَسْتَعِرْها مِنْ مُعَاعٍ وناعِقِ

عيا: عَيَّ بالأَمرِ عِيّاً وعَيِيَ وتَعايا واسْتَعْيا؛ هَذِهِ عَنِ الزجَّاجي، وَهُوَ عَيٌّ وعَيِيٌّ وعَيَّانُ: عَجَزَ عَنْهُ وَلَمْ يُطِقْ إحْكامه. قَالَ سِيبَوَيْهِ: جَمْعُ العَيِيِّ أَعْيِياءُ وأَعِيَّاءُ، وَالتَّصْحِيحُ مِنْ جِهَةِ أَنه لَيْسَ عَلَى وَزْنِ الفِعْلِ، والإِعْلال لاسْتِثقالِ اجْتِمَاعِ الياءَينِ، وَقَدْ أَعْيَاه الأَمرُ؛ فأَمَّا قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:

وَمَا ضَرَبٌ بَيْضاءُ، يأْوِي مَلِيكُها

إِلَى طُنُفٍ أَعْيَا بِراقٍ ونازِلِ

فَإِنَّمَا عَدّى أَعْيَا بِالْبَاءِ لأَنه فِي مَعْنَى برَّح، فكأَنه قَالَ برَّح بِراقٍ ونازِلٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا عَدَّاه بِالْبَاءِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَوْمٌ أَعْيَاء وأَعْيِيَاء، قَالَ: وَقَالَ سِيبَوَيْهِ أَخبرنا بِهَذِهِ اللُّغَةِ يُونُسُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وَقَوْمٌ أَعِيّاء وأَعْيِيَاء كَمَا ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ، يَعْنِي الْجَوْهَرِيَّ، وسَمِعْنا مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَعْيِيَاء وأَحْيِيَةٌ فيُبَيِّن؛ قَالَ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ: أَحْيِيَةٌ جَمْعُ حَياء لفَرْج النَّاقَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُدْغِمُه فَيَقُولُ أَحِيَّة. الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ العِيُّ تأْسِيسٌ أَصله مِنْ عَين وياءَيْن وَهُوَ مَصْدَرُ العَيِيِّ، قَالَ: وَفِيهِ لُغَتَانِ رَجُلٌ عَيِيٌّ، بِوَزْنِ فَعِيلٍ؛ وَقَالَ الْعَجَّاجُ:

لَا طائِشٌ قاقٌ وَلَا عَيِيُ

وَرَجُلٌ عَيٌّ: بوَزْنِ فَعْلٍ، وَهُوَ أَكثر مِنْ عَييٍّ، قَالَ: وَيُقَالُ عَيِيَ يَعْيا عَنْ حُجَّته عَيّاً، وعَيَّ يَعْيَا، وكلُّ ذَلِكَ يُقَالُ مِثْلُ حَيِيَ يَحْيَا وحَيَّ؛ قَالَ اللَّهُ عز وجل: وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، قَالَ: والرَّجلُ يَتَكَلَّف عَمَلًا فيَعْيَا بِهِ وعَنه إِذَا لم يَهْتَدِ

(1). قوله [ولم يفرح إلخ] هكذا في الأصل.

ص: 111

لوجِه عَمَله. وَحُكِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: يُقَالُ فِي فِعْلِ الْجَمِيعِ مِنْ عَيَّ عَيُّوا؛ وأَنشد لِبَعْضِهِمْ:

يَحِدْنَ بِنَا عَنْ كلِّ حَيٍّ، كأَنَّنا

أَخاريسُ عَيُّوا بالسَّلامِ وبالنَّسَبْ

وَقَالَ آخَرُ:

مِنَ الَّذِينَ إِذَا قُلْنا حديثَكُمُ

عَيُّوا، وإنْ نَحْن حَدَّثْناهُمُ شَغِبُوا

قَالَ: وَإِذَا سُكِّن مَا قَبْلَ الْيَاءِ الأُولى لَمْ تُدْغَمْ كَقَوْلِكَ هُوَ يُعْيي ويُحْيي. قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ أَدغَمَ فِي مثلِ هَذَا؛ وأَنشد لِبَعْضِهِمْ:

فكَأَنَّها بينَ النِّسَاءِ سَبيكةٌ

تَمْشي بسُدَّة بَيتها، فتُعِيُ

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ النَّحْوِيُّ: هَذَا غيرُ جائزٍ عِنْدَ حُذَّاق النَّحْوِيِّينَ. وَذَكَرَ أَنَّ البيتَ الَّذِي اسْتَشْهد بِهِ الْفَرَّاءُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ؛ قَالَ الأَزهري: وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبو إِسْحَاقَ وكلامُ الْعَرَبِ عَلَيْهِ وأَجمع القُرّاء عَلَى الإِظْهار فِي قَوْلِهِ يُحْيِي وَيُمِيتُ*. وَحُكِيَ عَنْ شِمْرٍ: عَيِيتُ بالأَمر وعَيَيْتُه وأَعْيَا عليَّ ذَلِكَ وأَعْيَانِي. وَقَالَ اللَّيْثُ: أَعْيَانِي هَذَا الأَمرُ أَن أَضْبِطَه وعَيِيت عَنْهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَيِيتُ فُلَانًا أَعْيَاهُ أَي جَهِلْته. وَفُلَانٌ لَا يَعْيَاه أَحدٌ أَيْ لَا يَجْهَله أحدٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنْ لا تَعْيا عَنِ الإِخبارِ عَنْهُ إِذَا سُئِلْتَ جَهْلًا بِهِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

يسأَلْنَ عَنْكَ ولا يَعْياك مسؤولُ

أَي لَا يَجْهَلُك. وعَيِيَ فِي المَنْطِق عِيّاً: حَصِرَ. وأَعْيَا الْمَاشِي: كلَّ. وأَعْيَا السيرُ البَعيرَ ونحوَه: أَكَلَّه وطَلَّحه. وإبلٌ مَعَايَا: مُعْيِيَة. قَالَ سِيبَوَيْهِ: سَأَلْتُ الخليلَ عَنْ مَعايا فَقَالَ: الوَجْه مَعَايٍ، وَهُوَ المُطَّرد، وَكَذَلِكَ قَالَ يُونُسُ، وَإِنَّمَا قَالُوا مَعايا كَمَا قَالُوا مَدارى وصَحارى وَكَانَتْ مَعَ الْيَاءِ أَثقلَ إِذَا كَانَتْ تُستَثقَل وحدَها. ورجلٌ عَياياءُ: عَيِيٌّ بالأُمور. وَفِي الدُّعَاءِ:

عَيٌّ لَهُ وشَيٌ

، والنَّصْبُ جائِزٌ. والمُعَايَاةُ: أَن تأْتيَ بكلامٍ لَا يٌهتَدى لَهُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَن تأْتي بشيءٍ لَا يُهْتَدَى لَهُ، وَقَدْ عَايَاهُ وعَيَّاه تَعْيِيَةً. والأُعْيِيَّةُ: مَا عايَيْتَ بِهِ. وفَحْلٌ عَيَاءٌ: لَا يَهْتَدي لِلضِّرَابِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَمْ يَضْرِبْ نَاقَةً قطُّ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي لَا يَضْرِبُ، وَالْجَمْعُ أَعْياءٌ، جمَعُوه عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ حَتَّى كأَنهم كسَّروا فَعَلًا كَمَا قَالُوا حياءُ الناقةِ، وَالْجَمْعُ أَحْياءٌ. وفَحْلٌ عَيَايَاءُ: كعَياءٍ، وَكَذَلِكَ الرجُلُ. وَفِي حَدِيثِ

أُمّ زَرْعٍ: أَنَّ المرأَة السَّادِسَةَ قَالَتْ زَوْجِي عَيَايَاءُ طَبافاءُ كلُّ داءٍ لَهُ داءٌ

؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: العَيَايَاءُ مِنَ الإِبلِ الَّذِي لَا يَضْرِبُ وَلَا يُلْقِحُ، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الرِّجَالِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير فِي تَفْسِيرِهِ: العَيَايَاءُ العِنِّينُ الَّذِي تُعْييهِ مُباضَعَة النِّسَاءِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ورَجلٌ عَيَايَاءُ إِذَا عَيَّ بالأَمْر والمَنْطِقِ؛ وَذَكَرَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ عَبَا:

كَجَبْهَةِ الشَّيخِ العَباء الثَّطِّ

وَفَسَّرَهُ بالعَبام، وَهُوَ الْجَافِي العَيِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَسْمَع العَباءَ بِمَعْنَى العَبام لِغَيْرِ الليث، قال: وأَما الرَّجَز فَالرِّوَايَةُ عَنْهُ:

كَجَبْهَة الشَّيْخِ العَيَاء

بِالْيَاءِ. يُقَالُ: شَيْخٌ عَيَاءٌ وعَيَايَاءُ، وَهُوَ العَبامُ الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى النِّسَاءِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَهُ بِالْبَاءِ فَقَدْ صَحَّف. وداءٌ عَيَاءٌ: لَا يُبْرَأُ مِنْهُ، وَقَدْ أَعْيَاه

ص: 112

الداءُ؛ وَقَوْلُهُ:

وداءٌ قَدْ اعْيَا بالأَطبَّاء ناجِسُ

أَرَادَ أَعْيا الأَطِبَّاءَ فعَدَّاه بالحَرْفِ، إِذْ كَانَتْ أَعْيا فِي مَعْنَى بَرَّحَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الأَزهري: وداءٌ عَيٌّ مثلُ عَياءٍ، وعَيِيٌّ أَجود؛ قال الحرث بْنُ طُفَيل:

وتَنْطِقُ مَنْطِقاً حُلْواً لَذِيذًا،

شِفاءَ البَثِّ والسُّقْمِ العَيِيِ

كأَن فَضِيضَ شارِبه بكأْس

شَمُول، لَوْنُها كالرَّازِقِيِ

جَمِيعاً يُقْطَبانِ بِزَنْجَبيلٍ

عَلَى فَمِها، مَعَ المِسْكِ الذَّكِيِ

وَحُكِيَ عَنِ اللَّيْثِ: الداءُ العَيَاءُ الَّذِي لَا دَواءَ لَهُ، قَالَ: وَيُقَالُ الداءُ العَيَاءُ الحُمْقُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: داءٌ عَيَاءٌ أَي صعبٌ لَا دواءَ لَهُ كأَنه أَعْيا عَلَى الأَطِباء. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: فِعْلُهم الداءُ العَيَاءُ

؛ هُوَ الَّذِي أَعْيا الأَطِباء وَلَمْ يَنْجَعْ فِيهِ الدواءُ. وَحَدِيثُ

الزُّهْري: أَنَّ بَرِيداً مِنْ بَعْضِ المُلوك جاءَه يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ مَعَهُ مَا مَعَ الْمَرْأَةِ كَيْفَ يُوَرَّث؟ قَالَ: مِنْ حيثُ يخرجُ الماءُ الدافِقُ

؛ فَقَالَ فِي ذَلِكَ قَائِلُهُمْ:

ومُهِمَّةٍ أَعْيا القُضاةَ عَياؤُها

تَذَرُ الفقيهَ يَشُكُّ شَكَّ الجاهِلِ

عَجَّلْتَ قبلَ حَنِيذها بِشِوَائِها،

وقَطَعْتَ مَحْرِدَها بحُكْمٍ فاصِلِ

قَالَ ابْنُ الأَثير: أَرادَ أَنك عجلتَ الفَتْوى فِيهَا وَلَمْ تَسْتَأْنِ فِي الْجَوَابِ، فشَبَّهه برجُلٍ نَزلَ بِهِ ضيفٌ فعَجَّل قِراهُ بِمَا قَطعَ لَهُ مِنْ كَبِدِ الذَّبيحة ولَحْمِها وَلَمْ يَحْبِسُه عَلَى الحَنيذِ وَالشِّوَاءِ، وتَعْجيلُ القِرى عِنْدَهُمْ محمودٌ وصاحبُه مَمْدُوحٌ. وتَعَيَّا بالأَمر: كَتَعَنَّى؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

حَتَّى أَزُورَكُم وأَعْلَمَ عِلْمَكُمْ،

إنَّ التَّعَيِّيَ لِي بأَمرِك مُمْرِضُ

وَبَنُو عَيَاءٍ: حَيٌّ مِنْ جَرْمٍ. وعَيْعَايَةُ: حَيٌّ مِنْ عَدْوان فِيهِمْ خَساسة. الأَزهري: بَنُو أَعْيَا يُنْسَبُ إِلَيْهِمْ أَعْيَوِيٌّ، قَالَ: وَهُمْ حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ. وعَاعَى بالضأْنِ عَاعَاةً وعِيعَاءً: قَالَ لَهَا عَا، وَرُبَّمَا قَالُوا عَوْ وعَايْ وعاءِ، وعَيْعَى عَيْعَاةً وعِيعَاءً كَذَلِكَ؛ قَالَ الأَزهري: وَهُوَ مِثَالُ حاحَى بالغَنَم حِيحاءً، وَهُوَ زَجْرُها. وَفِي الْحَدِيثِ

شِفاءُ العِيِّ السؤالُ

؛ العِيُّ: الجهلُ، عَيِيَ بِهِ يَعْيا عِيّاً وعَيَّ، بالإِدغام وَالتَّشْدِيدِ، مثلُ عَييَ. وَمِنْهُ حَدِيثِ الهَدْي:

فأَزْحَفَتْ عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ فعَيَّ بشأْنِها

أَي عَجَزَ عَنْهَا وأَشكل عَلَيْهِ أَمرُها. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العِيُّ خلافُ البيانِ، وَقَدْ عَيَّ فِي مَنْطِقِه. وَفِي الْمَثَلِ: أَعْيَا مِنْ باقِلٍ. وَيُقَالُ أَيضاً: عَيَّ بِأَمرِه وعَيِيَ إِذَا لَمْ يَهْتَدِ لوجهِه، والإِدْغامُ أَكثر، وَتَقُولُ فِي الْجَمْعِ: عَيُوا، مخَفَّفاً، كَمَا قُلْنَاهُ فِي حَيُوا، وَيُقَالُ أَيضاً: عَيُّوا، بِالتَّشْدِيدِ، وَقَالَ عَبِيدُ بْنُ الأَبرص:

عَيُّوا بأَمرِهِمُ، كَمَا

عَيَّتْ ببَيْضتِها الحَمامَهْ

وأَعْيَانِي هُوَ؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ حَسَّانٍ مِنْ بَنِي الحَرِث بنِ همَّام:

فإنَّ الكُثْرَ أَعْيَانِي قَديماً،

وَلَمْ أُقْتِرْ لَدُنْ أَنّي غُلامُ

يَقُولُ: كُنْتُ مُتَوَسِّطًا لَمْ أَفْتَقر فَقْرًا شَدِيدًا وَلَا

ص: 113

أَمكَنني جمعُ الْمَالِ الْكَثِيرِ، ويُرْوى: أَعْنَانِي أَي أَذَلَّني وأَخْضَعني. وَحَكَى الأَزهري عَنِ الأَصمعي: عَيِيَ فُلَانٌ، بياءَين، بالأَمر إِذَا عَجَز عَنْهُ، وَلَا يُقَالُ أَعْيا بِهِ. قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ عَيَّ بِهِ، فيُدْغِمُ. وَيُقَالُ فِي المَشْي: أَعْيَيْت وأَنا عَيِيّ؛ «2» قَالَ النَّابِغَةِ:

عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بالرَّبْعِ مِنْ أَحد

قَالَ: وَلَا يُنْشَدُ أَعْيَتْ جَوَابًا؛ وأَنشد لِشَاعِرٍ آخَرَ فِي لُغَةِ مَنْ يَقُولُ عَيِيَ:

وَحَتَّى حسِبْناهمْ فوارِسَ كَهْمَسٍ،

حَيُوا بعد ما ماتُوا مِنَ الدَّهْرِ أَعْصُرَا

وَيُقَالُ: أَعْيَا عليَّ هَذَا الأَمرُ وأَعْياني، وَيُقَالُ: أَعْيَانِي عَيَاؤه؛ قَالَ المرَّارُ:

وأَعْيَتْ أَن تُجِيبَ رُقىً لِرَاقِ

قَالَ: وَيُقَالُ أَعْيَا بِهِ بَعِيرُهُ وأَذَمَّ سواءٌ. والإِعْيَاءُ: الكَلال؛ يُقَالُ: مَشَيْت فأَعْيَيْت، وأَعْيَا الرجلُ فِي المَشْيِ، فَهُوَ مُعْيٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

إِنَّ البَراذِينَ إِذَا جَرَيْنَهْ،

مَعَ العِتاقِ ساعَةً، أَعْيَينَهْ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا يُقَالُ عَيَّانٌ. وأَعْيَا الرجلُ وأَعْيَاهُ اللَّهُ، كِلَاهُمَا بالأَلف. وأَعْيَا عَلَيْهِ الأَمْرُ وتَعَيَّا وتَعايا بِمَعْنًى. وأَعْيَا: أَبو بَطْنٍ مِنْ أَسَدٍ، وَهُوَ أَعْيَا أَخو فَقْعسٍ ابْنَا طَريفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الحَرِثِ بْنِ ثَعْلبة بْنِ دُوادانَ بْنِ أَسدٍ؛ قَالَ حُرَيث بنُ عتَّابٍ النَّبْهاني:

تَعالَوْا أُفاخِرْكُمْ أَأَعْيَا، وفَقْعَسٌ

إِلَى المَجْدِ أَدْنَى أَمْ عَشِيرَةُ حاتِمِ

والنسبَة إِلَيْهِمْ أَعْيَوِيّ.

‌فصل الغين المعجمة

غَبَا: غَبِيَ الشيءَ وغَبِيَ عَنْهُ غَباً وغباوَةً: لَمْ يَفْطُنْ لَهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فِي بَلْدَة يَغبَى بِهَا الخِرِّيتُ

أَي يَخْفَى؛ وَقَالَ ابْنُ الرِّقَاعِ:

أَلا رُبَّ لَهْوٍ آنِسٍ ولَذاذَةٍ،

مِنَ العَيْشِ، يُغبِيِه الخِباءُ المُسَتَّرُ

وغَبِيَ الأَمرُ عَنِّي: خَفِيَ فلمْ أَعرفه. وَفِي حَدِيثِ الصَّوْمِ:

فَإِنْ غَبِيَ عَلَيْكُمْ

أَي خَفِيَ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ

غُبِّيَ

، بِضَمِّ الْغَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمَكْسُورَةِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَهُمَا مِنَ الغَباء شِبه الغَبَرة فِي السَّمَاءِ. التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَنباري الغَبَا يُكْتَبُ بالأَلف لأَنه مِنْ الْوَاوِ. يُقَالُ: غَبِيت عَنِ الأَمْر غَبَاوة. اللَّيْثُ: يُقَالُ غَبِيَ عَنِ الأَمرِ غَبَاوَةً، فَهُوَ غَبِيٌّ إِذَا لَمْ يَفْطُنْ للخِبِّ وَنَحْوِهِ. يُقَالُ: غَبِيَ عليَّ ذَلِكَ الأَمرُ إذا كان لا يَفطُن لَهُ وَلَا يعرفُه، والغَبَاوَة الْمَصْدَرُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ ذُو غَبَاوَةٍ أَيْ تَخْفى عَلَيْهِ الأُمور. وَيُقَالُ: غَبِيتُ عَنْ ذَلِكَ الأَمرِ إِذَا كَانَ لَا يَفْطُن لَهُ. وَيُقَالُ: ادْخُلْ فِي النَّاسِ فَهُوَ أَغْبَى لَكَ أَي أَخفى لَكَ. وَيُقَالُ: دَفَن فُلَانٌ لِي مُغَبَّاةً ثُمَّ حَمَلني عَلَيْهَا، وَذَلِكَ إِذَا أَلْقاك فِي مَكْرٍ أَخْفاه. وَيُقَالُ: غَبِّ شَعْرَك أَي استَأْصِلْهُ، وَقَدْ غَبَّى شَعَرَه تَغْبِيَةً، وغَبَيْتُ الشيءَ أَغْبَاهُ، وقد غَبِيَ

(2). قوله [أَعْيَيْت وأنا عَيِيّ] هكذا في الأَصل، وعبارة التهذيب: أَعْيَيْت إِعْيَاء، قال: وتكلمت حتى عييت عياً، قال: وإذا طلب علاج شيء فعجز يقال: عييت وأنا عَيِيٌّ.

ص: 114

عليَّ مثلُه إِذَا لَمْ تَعْرفه؛ وقولُ قيسِ بْنِ ذَريح:

وكَيفَ يُصَلِّي مَنْ إِذَا غَبِيَتْ لهُ

دِماءُ ذَوِي الذمَّاتِ والعَهْدِ طُلَّتْ

لَمْ يُفَسِّرْ ثَعْلَبٌ غبيَتْ لَهُ. وتَغَابَى عَنْهُ: تَغَافَلَ. وَفِيهِ غَبْوَة وغَباوَةَ أَي غَفْلَةٌ. والغَبِيُّ، عَلَى فَعيل: الغافِلُ القليلُ الفِطْنة، وَهُوَ من الواو، وأَما أَبو علي فاشْتَقَّ الغَبِيَّ مِنْ قَوْلِهِمْ شَجَرَة غَبْيَاءُ كأَنَّ جهْلَه غَطَّى عَنْهُ مَا وَضَح لِغَيْرِهِ. وغَبِيَ الرجُلُ غَبَاوةً وغَباً، وَحَكَى غَيْرُهُ غَباءً، بِالْمَدِّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِلَّا الشَّياطِينَ وأَغْبِيَاءَ بَنِي آدَمَ

؛ الأَغبِيَاء: جَمْعُ غَبِيٍّ كَغَنِيٍّ وأَغْنِياء، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَغْباءً كأَيْتامٍ، ومثلُه كمِيٌّ وأَكْماءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ

قَلِيلُ الفِقْهِ خيرٌ مِنْ كثيرِ الغباوةِ.

وَفِي حَدِيثِ

عَليٍّ: تغابَ عَنْ كلِّ مَا لَا يَصِحُّ لَكَ

أَي تغافَلْ وتَبالَهْ. وَحَكَى ابْنُ خَالَوَيْهِ: أَنَّ الغَبَاء الغُبارُ، وَقَدْ يُضَمُّ وَيُقْصَرُ فَيُقَالُ الغُبَى. والغُباءُ: شبيهٌ بالغَبَرَة تكونُ فِي السَّمَاءِ. والغَبْيَة: الدفْعَة مِنَ الْمَطَرِ؛ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وغَبْيَة شُؤْبُوبٍ مِنَ الشَّدِّ مُلْهِب

وَهِيَ الدفْعَة من الخُضْر شَبَّهها بدفْعَة الْمَطَرِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الغَبْية الدفْعة الشديدةُ مِنَ الْمَطَرِ، وَقِيلَ: هِيَ المَطْرَة لَيْسَتْ بِالْكَثِيرَةِ، وَهِيَ فوقَ البَغْشَةِ؛ قَالَ:

فصَوَّبْتُه، كأَنَّه صَوْبُ غَبْيةٍ

عَلَى الأَمْعَزِ الضَّاحي، إِذَا سِيطَ أَحْضَرا

وَيُقَالُ: أَغْبَتِ السماءُ إغْباءً، فَهِيَ مُغْبِيَة؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

وغَبَياتٌ بينَهُنَّ وَبْلُ

قَالَ: وَرُبَّمَا شُبِّه بِهَا الجَرْيُ الَّذِي يَجِيءُ بعدَ الجَرْي الأَوَّل. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الغَبْيَة كالوَثْبَة فِي السَّيْر، والغَبْيَة صَبٌ كثيرٌ مِنْ ماءٍ وَمِنْ سياطٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ أنشد:

إنَّ دَواءَ الطامِحاتِ السَّجْلُ

السَّوْطُ والرِّشاءُ ثُمَّ الحَبْلُ،

وغَبَيَاتٌ بَيْنَهُنَّ هَطْلُ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَنا أُرى عَلَى التَّشْبِيهِ بغَبَيات المَطر. وَجَاءَ عَلَى غَبْيةِ الشمسِ أَيْ غَيْبتها؛ قَالَ: أُراه عَلَى القلبِ. وشجرةٌ غَبْياءُ: مُلْتَفَّة، وغُصن أَغْبَى كَذَلِكَ. وغَبْيَة التُّرابِ: مَا سَطَعَ مِنْهُ؛ قَالَ الأَعشى:

إِذَا حالَ مِنْ دُونها غَبْيةٌ

مِنَ التُّرْبِ، فانْجال سِربالُها

وَحَكَى الأَصمعي عَنْ بَعْضِ الأَعراب أَنه قَالَ: الحُمَّى فِي أُصول النَّخْل، وشَرُّ الغَبَياتِ غَبْية التَّبْل، وشرُّ النِّسَاءِ السُّوَيْداء المِمْراضُ، وشَرٌّ مِنْهَا الحُمَيْراءُ المِحْياضُ. وغَبَّى شَعْره: قَصَّر مِنْهُ، لُغَةٌ لِعَبْدِ الْقَيْسِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهَا غَيْرُهُمْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا قَضَيْنَا بأَنَّ أَلِفَها ياءٌ لأَنها ياءٌ واللامُ يَاءٌ أَكثرُ مِنْهَا وَاوًا. وغَبَّى الشيءَ: سَتَره؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:

فَمَا كَلَّفْتُكِ القَدَرَ المُغَبَّى،

وَلَا الطَيرَ الَّذِي لَا تُعبِرِينَا

الْكِسَائِيُّ: غَبَّيت البئرَ إِذَا غَطَّيت رَأْسها ثُمَّ جَعلت فوقَها تُرابًا؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَذَلِكَ التُّرابُ هُوَ الغِباءُ. والغابياءُ: بعضُ جِحَرة اليَرْبوع.

غثا: الغُثاءُ، بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ: مَا يَحملِهُ السَّيلُ مِنَ

ص: 115

القَمَشِ، وَكَذَلِكَ الغُثَّاءُ، بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ أَيضاً الزَّبَد والقَذَر، وحَدَّه الزَّجَّاجُ فَقَالَ: الغُثَاءُ الهالِكُ الْبَالِي مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ الَّذِي إِذَا خَرَجَ السيلُ رأَيته مخالِطاً زَبَدَه، وَالْجَمْعُ الأَغْثَاء. وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ:

كَمَا تَنْبتُ الحِبَّة فِي غُثاءِ السيلِ

، قَالَ: الغُثَاءُ، بِالْمَدِّ وَالضَّمِّ، مَا يجيءُ فوقَ السيلِ مِمَّا يَحْمِلُه مِنَ الزَّبَدِ والوَسَخِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. وَجَاءَ فِي مُسْلِمٍ:

كَمَا تَنْبُت الغُثَاءَةُ

؛ يُرِيدُ مَا احتمَله السيلُ مِنَ البُزورات. وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ:

هَذَا الغُثَاءُ الَّذِي كُنَّا نُحَدَّث عَنْهُ

؛ يُرِيدُ أَرْذال الناسِ وسَقَطهم. وغَثَا الوادِي يَغْثُو غَثْواً فَهُوَ غَاثٍ إِذَا كَثُرَ غُثَاؤُه، وَهُوَ مَا عَلا الماءَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ يائِيَّة وواوِيَّة. والغَثَيان: خُبْثُ النَّفْسِ. غَثَتْ نَفْسَه تَغْثِي غَثْياً وغَثَياناً وغَثِيَتْ غَثىً: جَاشَتْ وخَبُثَتْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ تحلُّب الفَمِ فربَّما كَانَ مِنْهُ القَيءُ، وَهُوَ الغَثَيان. وغَثَت السَّمَاءُ بسَحاب تَغْثِي إِذَا بَدَأَت تُغِيمُ. وغَثَا السيلُ المَرْتَعَ يَغْثوه غَثْواً إِذَا جَمَعَ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ وأَذْهَب حلاوَتَه، وأَغْثَاهُ مثلُه. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: غَثَا الماءُ يَغْثُو غَثْواً وغَثَاءً إِذَا كَثُرَ فِيهِ البَعَرُ والوَرَق والقَصب. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تعالى: الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى

، قَالَ: جَعَله غُثَاءً جَفَّفَه حَتَّى صَيَّره هَشِيماً جَافًّا كالغُثاء الَّذِي تَرَاهُ فَوْقَ السَّيل، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَخْرَج المَرْعَى أَحْوَى أَي أَخْضَر فجَعَله غُثَاءً بعدَ ذَلِكَ أَي يَابِسًا. وَحَكَى ابْنُ جِنِّي: غَثَى الوادِي يَغْثِي، فهمزةُ الغُثَاءِ عَلَى هَذَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ، وسَهّلَه ابْنُ جِنِّي بأَن جَمَع بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَثَيان المعدَة لِمَا يَعْلوها مِنَ الرُّطوبةِ وَنَحْوِهَا، فَهُوَ مُشَبّه بغُثَاء الْوَادِي، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ غَثَا الوادِي يَغْثُو غَثًا، قَالَ الأَزهري: الَّذِي رَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَبي زَيْدٍ وَغَيْرِهِ غَثَتْ نَفسُه غَثْياً، وأَما اللَّيْثُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: غَثِيَت نفسُه تَغْثَى غَثىً وغَثَيانًا. قَالَ الأَزهري: وَكَلَامُ الْعَرَبِ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ، قَالَ: وَمَا رَوَاهُ اللَّيْثُ فَهُوَ مولَّد، وَذَكَرَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي تَرْجَمَةِ عَثَا: يُقَالُ للضَّبُع عَثْوَاء لكَثْرةِ شَعَرِهَا، قَالَ: وَيُقَالُ غَثْوَاءُ، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَا تَسْتَوي ضَبُعٌ غَثْوَاءُ جَيْأَلَةٌ،

وعَلْجَمٌ مِنْ تُيوسِ الأُدْمِ قِنْعال «1»

غدا: الغُدْوَة، بِالضَّمِّ: البُكْرَة مَا بَيْنَ صَلاةِ الغَداة وطلُوعِ الشَّمْسِ. وغُدْوَةُ، مِنْ يومٍ بعينِه، غَيْرَ مُجْراة: عَلَمٌ لِلْوَقْتِ. والغَدَاة: كالغُدْوة، وَجَمْعُهَا غَدَوات. التَّهْذِيبُ: وغُدْوَة مَعْرِفَةٌ لَا تُصْرَفُ؛ قَالَ الأَزهري: هَكَذَا يقولُ، قَالَ النَّحْوِيُّونَ: إِنَّهَا لَا تُنَوَّن وَلَا يَدخل فِيهَا الأَلِف واللامُ، وَإِذَا قَالُوا الغَدَاة صَرَفوا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ*

؛ وَهِيَ قراءةُ جَمِيعِ القُرّاء إِلَّا مَا رُوي عَنْ ابْنِ عامرٍ فَإِنَّهُ قرأَ

بالغُدْوَةِ

، وَهِيَ شَاذَّةٌ. وَيُقَالُ: أَتَيْته غُدْوَةَ، غَيْرَ مصروفةٍ، لأَنها مَعْرِفَةٌ مثلُ سَحَر إِلَّا أَنها مِنَ الظروفِ المُتَمَكِّنةِ، تقولُ: سِيرَ عَلَى فَرسك غُدْوَةَ وغُدْوَةً وغُدْوَةُ وغُدْوَةٌ، فَمَا نُوِّنَ مِنْ هَذَا فَهُوَ نَكِرَة، وَمَا لَمْ يُنَوَّنْ فَهُوَ مَعْرِفَةٌ، وَالْجَمْعُ غُدىً. وَيُقَالُ: آتِيك غَداةَ غَدٍ، وَالْجَمْعُ الغَدَواتُ مِثْلَ قَطاةٍ وقَطَواتٍ. اللَّيْثُ: يُقَالُ غَدَا غَدُكَ وغَدَا غَدْوُكَ، ناقصٌ وتامٌّ؛ وأَنشد لِلَبِيدٍ:

وَمَا الناسُ إلَّا كالدِّيارِ وأَهلِها

بِهَا، يومَ حَلُّوها، وغَدْواً بَلاقِعُ

(1). قوله [قنعال] هو هكذا في الأصل المعتمد بيدنا بالعين المهملة.

ص: 116

وغَدٌ: أَصلُه غَدْوٌ، حَذَفُوا الواوَ بِلَا عوضٍ، ويدخلُ فِيهِ الأَلفُ واللامُ لِلتَّعْرِيفِ؛ قَالَ:

الْيَوْمَ عَاجِلُهُ وَيَعْذِلُ فِي الْغَدِ «1»

وَقَالَ آخَرُ: «2»

إِنْ كانَ تَفْرِيقُ الأَحِبَّةِ فِي غَدِ

وغدْوٌ: هُوَ الأَصلُ كَمَا أَتى بِهِ لَبِيد، والنِّسبةُ إِلَيْهِ غَدِيٌّ، وَإِنْ شِئْتَ غَدَوِيٌّ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلرَّاجِزِ:

لَا تَغْلُواها وادْلُواها دَلْوَا،

إنَّ مَعَ اليَوْمِ أَخاه غَدْوَا

وَفِي حَدِيثِ

عبدِ المطلبِ والفيلِ:

لَا يَغْلِبَنّ صَليبُهُم،

ومِحالُهمْ، غَدْواً، مِحالَكْ

الغَدْوُ: أَصلُ الغَدِ، وَهُوَ اليومُ الَّذِي يأْتي بعدَ يومِك، فحُذِفَت لامُه وَلَمْ يُسْتْعمَلْ تَامًّا إلَّا فِي الشِّعْرِ، وَلَمْ يُرد عبدُ المطَّلب الغَدَ بعَيْنِه، وَإِنَّمَا أَرادَ القريبَ مِنَ الزَّمَانِ. والغَدُ ثَانِي يومكَ، محذوفُ اللامِ، وَرُبَّمَا كُنِيَ بِهِ عَنِ الزَّمن الأَخِير. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ

؛ يَعْنِي يومَ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: عَنَى يومَ الْفَتْحِ. وَفِي حَدِيثِ قَضَاءِ الصلَواتِ:

فلْيُصَلِّها حِينَ يذكُرُها، وَمِنَ الغَدِ لِلْوَقْتِ

؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحداً مِنَ الفُقهاء قَالَ إنَّ قَضَاءَ الصلَواتِ يؤخَّر إِلَى وقتِ مثْلِها مِنَ الصلواتِ ويُقْضى؛ قَالَ: ويُشْبِه أَن يكونَ الأَمرُ اسْتِحْباباً ليَحُوزَ فَضِيلة الوقتِ فِي القَضاء، وَلَمْ يُرِدْ إِعَادَةَ الصَّلَاةِ المَنْسِية حَتَّى تُصَلَّى مَرَّتَين، وَإِنَّمَا أَراد أَن هَذِهِ الصَّلَاةَ وَإِنِ انْتَقل وقتُها للنِّسيْان إِلَى وقتِ الذُّكْر فَإِنَّهَا باقِيةٌ عَلَى وَقْتِهَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ الذُّكْرِ، لئلَّا يَظُنَّ ظانٌّ أَنها قَدْ سَقَطت بانِقضاءِ وَقْتِهَا أَو تَغَيّرَتْ بتَغَيُّرِه. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

، قَالَ: قَدَّمَتْ لِغَدٍ بِغَيْرِ وَاوٍ. فَإِذَا صَرَّفوها قَالُوا غَدَوْت أَغْدوُ غَدْواً وغُدُوّاً، فأَعادوا الواوَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الغُدُوُّ جَمْعٌ مثلُ الغَدَواتِ، والغُدَى جمعُ غُدْوَة؛ وأَنشد:

بالغُدى والأَصائِلِ

وَقَالُوا: إِنِّي لآتِيه بالغَدَايا والعَشايا، والغَدَاةُ لَا تُجْمع عَلَى الغَدايا، وَلَكِنَّهُمْ كسَّروه عَلَى ذَلِكَ لِيُطَابِقُوا بَيْنَ لَفظِه ولَفْظِ الْعَشَايَا، فَإِذَا أَفْردُوه لَمْ يكَسِّروه. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنِّي لآتيِه بالغَدَايا والعَشايا، قَالَ: أَرادوا جَمْعَ الغَدَاة فأَتْبَعُوها العَشايا لِلِازْدِوَاجِ، وَإِذَا أَفْرَدَ لَمْ يَجُزْ، وَلَكِنْ يُقَالُ غَداةٌ وغَدَواتٌ لَا غيرُ، كَمَا قَالُوا: هَنَأَني الطعامُ ومَرَأَني، وَإِنَّمَا قَالُوا أَمْرَأَني. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: غَدِيَّةٌ مثلُ عَشِيَّة لغةٌ فِي غَدْوةٍ كضَحيَّة لُغَةٌ فِي ضَحْوة، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فغَدِيَّة وغَدَايَا كعَشِيَّةٍ وعَشايا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعَلَى هَذَا لَا تَقُولُ إنَّهم إِنَّمَا كَسَّروا الغَدايا مِنْ قَوْلُهُمْ إِنِّي لَآتِيُهُ بالغَدَايَا والعَشايا عَلَى الإِتْباع لِلْعَشَايَا، إِنَّمَا كسَّروه عَلَى وجْهِه لأَن فَعِيلة بابُه أَن يكَسَّر عَلَى فَعائِلَ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

أَلا لَيْتَ حَظِّي مِنْ زِيارَة أُمِّيَهْ

غَدِيَّاتُ قَيْظِ، أَو عَشِيّاتُ أَشْتِيَهْ

قَالَ: إِنَّمَا أَراد غَدِيَّات قيظٍ أَو عَشِيّات أَشْتِية

(1). قوله [اليوم عاجله إلخ] هو هكذا في الأصل.

(2)

. هو النابغة وأول البيت:

لا مرحباً بغد ولا أهلًا بِه

ص: 117

لأَنَّ غَدِيَّاتِ القَيْظِ أَطول مِنْ عَشِيَّاتِه، وعَشِيَّاتُ الشتَاءِ أَطْولُ مِنْ غَدِيَّاته. والغُدُوُّ: جَمْعُ غَدَاةٍ، نادرةٌ. وأَتَيْته غُدَيَّانات، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، كعُشَيَّانات؛ حَكَاهُمَا سِيبَوَيْهِ وَقَالَ: هُمَا تصغيرٌ شَاذٌّ. وغَدَا عَلَيْهِ غَدْواً وغُدُوّاً واغْتَدَى: بكَّر. والاغْتِدَاء: الغُدُوُّ. وغَادَاه: باكَره، وغَدَا عَلَيْهِ. والغُدُوُّ: نقِيضُ الرَّواحِ، وَقَدْ غَدا يَغْدُو غُدُوّاً. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ*

؛ أَي بِالْغَدَوَاتِ فعبَّر بالفعْل عَنِ الوَقْتِ كَمَا يُقَالُ: أَتَيْتُك طلوعَ الشمسِ أَي فِي وقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَيُقَالُ: غَدا الرجلُ يَغْدُو، فَهُوَ غادٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَغَدْوَةٌ أَو رَوْحَةٌ فِي سبيلِ اللَّهِ

؛ الغَدْوَة: المَرَّة مِنَ الغُدُوِّ، وَهُوَ سَيْرُ أَولِ النهارِ نقيضُ الرَّواحِ. والغَادِيَة: السَّحابَة الَّتِي تَنْشَأُ غُدْوة، وَقِيلَ لِابْنَةِ الخُسِّ: مَا أَحْسَنُ شيءٍ؟ قَالَتْ: أَثَرُ غَادِيَة فِي إثْرِ ساريةٍ فِي مَيْثاء رابيَةٍ؛ وَقِيلَ: الغَادِيَة السَّحابة تنشأُ فتُمْطر غُدْوةً، وجمعُها غَوادٍ، وَقِيلَ: الغَادِيَةُ سحابةٌ تَنْشَأُ صَبَاحًا. والغَدَاءُ: الطَّعامُ بعَيْنِه، وَهُوَ خِلافُ العَشاء. ابْنُ سِيدَهْ: الغَدَاءُ طَعامُ الغُدْوَةِ، وَالْجَمْعُ أَغْدِيَة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. أَبو حَنِيفَةَ: الغَدَاءُ رَعْيُ الإِبلِ فِي أَولِ النهارِ، وَقَدْ تَغَدَّتْ، وتَغَدَّى الرَّجُلُ وغَدَّيْتُه. ورجلٌ غَدْيَانُ وامرأَة غَدْيا، عَلَى فَعْلى، وأَصلُها الْوَاوُ وَلَكِنَّهَا قُلِبَت اسْتِحْساناً، لَا عَنْ قُوَّةِ عِلَّةٍ، وغَدَّيْتُه فتَغَدَّى، وَإِذَا قِيلَ لَكَ: تَغَدَّ، قلتَ: مَا بِي غَدَاءٌ؛ حَكَاهُ يعقوبُ. وَتَقُولُ أَيضاً: مَا بِي مِنْ تَغَدٍّ، وَقِيلَ: لَا يُقَالُ مَا بِي غَدَاء «1» وَلَا عَشاءٌ لأَنه الطعامُ بعيْنه، وَإِذَا قِيلَ لَكَ ادْنُ فكُلْ قلتَ مَا بِي أَكْلٌ، بِالْفَتْحِ. وَفِي حَدِيثِ السُّحُورِ:

قَالَ هَلُمَّ إِلَى الغَدَاء المُباركِ

، قَالَ: الغَدَاءُ الطعامُ الَّذِي يُؤْكَل أَوّلَ النهارِ، فسُمِّي السُّحُورُ غَدَاءً لأَنه لِلصَّائِمِ بِمَنْزِلَتِهِ لِلمُفْطِر؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

ابْنِ عَبَّاسٍ: كنتُ أَتَغَدَّى عندَ عُمر بْنِ الخَطَّاب، رضي الله عنه، فِي رمضانَ

أَي أَتَسَحَّر. وَيُقَالُ: غَدِيَ الرَّجُلُ يَغْدَى، فَهُوَ غَدْيَانٌ وامرأَة غَدْيَانةٌ، وعَشِيَ الرجلُ يَعْشى فَهُوَ عَشْيانٌ وامرأَةٌ عَشْيانةٌ بِمَعْنَى تَغَدَّى وتَعَشَّى. وَمَا تَرَكَ مِنْ أَبِيهِ مَغْدًى وَلَا مَراحاً، ومَغْدَاةً وَلَا مَراحَةً أَي شَبَهاً؛ حَكَاهُمَا الْفَارِسِيُّ. والغَدَوِيُّ: كلُّ مَا فِي بُطون الحَواملِ، وقومٌ يجعَلونه فِي الشاءِ خاصَّة. والغَدَوِيُّ: أَن يُباعَ البعيرُ أَو غيرُه بِمَا يَضْرِب الفَحْلُ، وَقِيلَ: هُوَ أَن تُباعَ الشاةُ بِنتاجِ مَا نَزا بِهِ الكَبْشُ ذَلِكَ العامَ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

ومُهورُ نِسْوتِهمْ، إِذا مَا أَنْكحوا،

غَدَويُّ كلِّ هَبَنْقَعٍ تِنْبالِ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والمَحْفوظ عِنْدَ أَبي عُبَيْدٍ الغَذَوِيُّ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. وَقَالَ شَمِرٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الغَذَوي، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، فِي بَيْتِ الْفَرَزْدَقِ، ثُمَّ قَالَ: وَيُرْوَى عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ أَنه قَالَ كلُّ مَا فِي بُطون الحَواملِ غَذَويٌّ مِنَ الإِبل وَالشَّاءِ، وَفِي لُغَةِ سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مَا فِي بُطُونِ الشاءِ خَاصَّةً؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ:

أَرْجُو أَبا طَلْقٍ بحُسْنِ ظَنِّي،

كالغَدَوِيِّ يُرْتَجَى أَن يُغْني

(1). قوله [قُلْتَ مَا بِي غَدَاءٌ] حكاه يعقوب هكذا في الأَصل، وعبارة المحكم: قلت ما بي تغدّ وَلَا تَقُلْ مَا بِي غداه؛ حكاه يعقوب.

ص: 118

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ

يزيدَ بْنِ مرَّة أَنه قَالَ: نُهِي عَنِ الغَدَوِيِ

، وَهُوَ كلُّ مَا فِي بُطون الحوامِل كَانُوا يَتبايَعُونَه فِيمَا بَيْنَهُمْ فنُهوا عَنْ ذَلِكَ لأَنه غَرَرٌ؛ وأَنشد:

أَعْطَيْت كَبْشاً وارِمَ الطِّحالِ،

بالغَدَوِيَّاتِ وبالفِصالِ

وعاجِلاتِ آجِلِ السِّخَالِ،

فِي حلَقِ الأَرْحامِ ذِي الأَقْفالِ

وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. وغادِيَةُ: امْرأَةٌ مِنْ بَنِي دُبَيْرٍ، وَهِيَ غَادِيَة بنتُ قَزَعَة.

غذا: الغِذاءُ: مَا يُتَغَذّى بِهِ، وَقِيلَ: مَا يكونُ بِهِ نَماءُ الجِسْمِ وقِوامُه مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ واللَّبن، وَقِيلَ: اللَّبَنُ غِذاء الصَّغِيرِ وتُحْفَةُ الكَبيرِ، وغَذاهُ يَغْذُوهُ غِذاء. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ غَذَوْتُه غِذاءً حَسَناً، وَلَا تَقُلْ غَذَيْتُه؛ واستَعْمله أَيوبُ بنُ عَبايةَ فِي سَقْيِ النَّخل فَقَالَ:

فجاءَتْ يَداً مَعَ حُسْنِ الغِذَاءِ،

إِذْ غَرْسُ قَوْمٍ قَصِيرٌ طويلُ

غَذاهُ غَذْواً وغَذَّاه فاغْتَذى وتغَذَّى. وَيُقَالُ: غَذَوْتُ الصبيَّ باللَّبَنِ فاغْتذَى أَي رَبَّيْته بِهِ، وَلَا يُقَالُ غَذَيْته، بِالْيَاءِ. والتَّغْذِيَة أَيضاً: التَّرْبية. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: غَذَيتُ الصبِيَّ لُغَةٌ فِي غَذَوْتُه إِذا غَذَّيْتَه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا تُغَذُّوا أَولادَ الْمُشْرِكِينَ

؛ أَرادَ وَطْءَ الحَبالى مِنَ السَّبْيِ فجَعَلَ ماءَ الرَّجُلِ لِلْحَمْل كالغذَاء. والغَذِيُّ: السَّخْلَةُ؛ أَنشد أَبو عَمْرِو بنُ الْعَلَاءِ:

لَوْ أَنَّني كُنْتُ مِنْ عادٍ وَمِنْ إِرَمِ

غَذِيَّ بَهْمٍ، ولُقْماناً وَذَا جَدَنِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لأُفْنُونٍ التَّغْلِبِيُّ، وَاسْمُهُ صُرَيم بْنُ مَعْشر، قَالَ: وغَذِيُّ بَهْمٍ فِي الْبَيْتِ هُوَ أَحد أَملاكِ حِمْيَرَ، وسُمِّي بِذَلِكَ لأَنه كَانَ يُغَذَّى بلُحُوم البَهْمِ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ سَلْمَى بْنِ رَبِيعَةَ الضَّبّي:

مِنْ لَذَّة العَيْشِ، والفَتَى

لِلدَّهْرِ، والدَّهْرُ ذُو فُنُونِ

أَهْلَكْنَ طَسْماً، وبَعْدَهمْ

غَذِيَّ بَهْمٍ وَذَا جُدُونِ

قَالَ: ويَدُلُّك عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ عَطْفُه لُقْمَانًا وَذَا جَدَنٍ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ:

لَوْ أَنني كنتُ مِنْ عادٍ وَمِنْ إرَمِ

قَالَ: وَهُوَ أَيضاً خَبَرُ كُنتُ وَلَا يَصِحُّ كنتُ سِخالًا. قَالَ الأَصمعي: أَخْبرَني خَلَف الأَحْمر أَنه سمِع الْعَرَبَ تُنْشِدُ الْبَيْتَ غُذَيَّ بَهْمٍ، بِالتَّصْغِيرِ، لقبُ رجلٍ. قَالَ شَمِرٌ: وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ الغَذَوِيُّ البَهْمُ الَّذِي يُغْذَى. قَالَ: وأَخبرني أَعرابي مِنْ بَلْهُجَيم قَالَ الغَذَوِيُّ الحَمَلُ أَو الجَدْيُ لَا يُغَذَّى بلَبَنِ أُمِّه، وَلَكِنْ يُعاجَى، وَجَمْعُ غَذِيّ غِذاءٌ مثلُ فَصِيلٍ وفِصالٍ؛ وَمِنْهُ

قَوْلُ عُمَرَ، رضي الله عنه: أَمُحْتَسِبٌ عَلَيْهِمْ بالغِذاءِ

؛ هَكَذَا رَوَاهُ الْجَوْهَرِيُّ؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الصَّوَابُ فِي حَدِيثِ

عُمَرَ أَنه قَالَ احْتَسِبْ عَلَيْهِمْ بالغِذَاءِ وَلَا تَأْخُذْها مِنْهُمْ

، وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه، أَنه قَالَ لِعَامِلِ الصَّدَقات: احْتَسِبْ عَلَيْهِمْ بالغِذَاءِ وَلَا تأْخذها مِنْهُمْ.

قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: الغِذَاءُ السِّخالُ الصِّغارُ، واحِدُها غَذِيٌّ. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: شَكا إِليه أَهلُ الماشِيَة تَصْديقَ الغِذَاء وَقَالُوا إِن

ص: 119

كنتَ مُعْتَدًّا عَلَيْنَا بالغِذَاءِ فخُذْ مِنْهُ صَدَقَته، فَقَالَ: إِنا نَعْتَدُّ بالغِذَاءِ حَتَّى السَّخْلَةَ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدِه، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذاء المالِ وخِيارِه.

قَالَ ابْنُ الأَثير: وإِنما ذَكَّرَ الضميرَ رَدّاً إِلى لَفْظِ الغِذاء، فإِنه بوزْن كِساءٍ ورداءٍ، وَقَدْ جَاءَ السِّمامُ المُنْقَع، وَإِنْ كَانَ جَمْع سَمٍّ؛ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ أَنْ لَا يَأْخُذَ السَّاعِي خِيارَ المالِ وَلَا رَدِيَّه، وإِنما يَأْخُذُ الوسَط، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ وخيارِه. وغَذِيُّ الْمَالِ وغَذَوِيُّه: صِغارُه كالسِّخالِ ونحْوِها. والغَذَوِيُّ: أَن يَبِيعَ الرجُلُ الشاةَ بِنتاجِ مَا نَزَا بِهِ الكَبْشُ ذَلِكَ العامَ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

ومُهُورُ نِسْوَتِهِمْ، إِذا مَا أَنكحوا،

غَذَوِيُّ كلِّ هَبَنْقَعٍ تِنْبالِ

وَيُرْوَى غَدَوِيُّ، بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، مَنْسُوبٌ إِلى غَدٍ كأَنهم يُمَنُّونَه فَيَقُولُونَ: تَضَعُ إِبلُنا غَداً فنُعْطِيك غَداً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَرَوَى أَبو عُبَيْدٍ هَذَا الْبَيْتَ:

ومُهورُ نِسْوَتِهِم إِذا مَا أَنْكَحُوا

بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. والغَذَى، مقصورٌ: بَوْلُ الجَمَلِ. وغَذَا بِبَوْلهِ وغَذاهُ غَذْواً: قَطَعَه، وَفِي التَّهْذِيبِ: غَذَّى البعيرُ ببَوْلِه يُغَذِّي تَغْذِيَةً. وَفِي الْحَدِيثِ:

حَتَّى يَدْخُلَ الكلبُ فيُغَذِّيَ عَلَى سَواري المَسْجِدِ

أَي يبولَ عَلَى السَّوارِي لعدَم سُكَّانِه وخُلُوِّه مِنَ النَّاسِ. يُقَالُ: غَذَّى ببَوْلِه يُغَذِّي إِذا أَلقاهُ دَفْعَة دَفْعَة. غَذَا البَوْلُ نَفْسُه يَغْذُو غَذْواً وغَذَواناً: سالَ، وَكَذَلِكَ العَرَقُ والماءُ والسِّقاءُ، وَقِيلَ: كلُّ مَا سالَ فَقَدْ غَذَا. والعِرْق يَغْذُو غَذْواً أَي يسِيلُ دَماً، ويُغَذِّي تَغْذِيَةً مثلُه. وَفِي حَدِيثِ

سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ: فإِذا جُرْحُه يَغْذُو دَماً

أَي يَسِيلُ. وغَذَا الجُرْحُ يَغْذُو إِذا دَامَ سَيَلانُه. وَفِي حَدِيثِ

الْعَبَّاسِ: مَرَّت سَحابة فَنَظَرَ إِليها النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَا تُسَمُّون هَذِهِ؟ قَالُوا: السَّحابَ، قَالَ: والمُزْنَ، قَالُوا: والمُزْنَ، قَالَ: والغَيْذَى

؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كأَنَّه فَيْعَلٌ مِنْ غَذا يَغْذُو إِذا سالَ، قَالَ: وَلَمْ أَسمع بفَيْعل فِي مُعْتَلِّ اللَّامِ غَيْرَ هَذَا إِلَّا الكَيْهاةَ، وَهِيَ النَّاقَةُ الضَّخْمة؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِن كانَ مَحْفُوظًا فَلَا أُراه سُمِّي بِهِ إِلَّا لِسَيَلَانِ الْمَاءِ مِنْ غَذَا يَغْذُو. وغَذَا البَوْلُ: انْقَطَع، وغَذَا أَي أَسْرَع. والغَذَوَانُ: المُسْرِعُ الَّذِي يَغْذُو ببَوْلِه إِذا جَرَى؛ قَالَ:

وصَخْر بْنُ عَمْرِو بنِ الشريدِ كأَنَّه

أَخُو الحَربِ، فَوْقَ القارِح الغَذَوانِ

هَذِهِ رِوَايَةُ الْكُوفِيِّينَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُمُ العَدَوانِ، بِالْفَتْحِ، وَقَدْ غَذَا. والغَذَوانُ أَيضاً: المُسْرِع. وَفِي الصِّحَاحِ: والغَذَوَانُ مِنَ الخَيْل النَّشِيطُ المُسْرِعُ، وَقَدْ رَوَى بيتُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

كَتَيْسِ ظِباءِ الحُلَّب الغَذَوانِ

مَكَانَ العَدَوانِ. أَبو عُبَيْدٍ: غَذَا الماءُ يَغْذُو إِذا مرَّ مَرًّا مُسرِعاً؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:

تَعْنُو بمَخْرُوتٍ لَه ناضِحٌ،

ذُو رَيِّقٍ يَغْذُو وذُو شَلْشَلِ

وعَرَقٌ غاذٍ أَي جارٍ. والغَذَوَان: النَّشِيطُ مِنَ الْخَيْلِ. وغَذَا الفَرسُ غَذواً: مَرَّ مَرّاً سَريعاً. أَبو زَيْدٍ: الغَاذِيَة يافُوخُ الرَأْسِ مَا كانَتْ جِلْدَةً

ص: 120

رَطْبَةً، وجَمْعُها الغَوَاذِي. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والغَاذِيَةُ مِنَ الصَّبيِّ الرَّمَّاعَةُ مَا دامَتْ رَطْبَةً، فإِذا صَلُبَتْ وصارَتْ عَظماً فهي يافُوخٌ.

غرا: الغِراءُ: الَّذِي يُلْصَق بِهِ الشيءُ يكونُ مِنَ السَّمَكِ، إِذا فَتَحْتَ الغَين قَصَرتَ، وإِن كَسَرْت مَدَدْتَ، تَقُولُ مِنْهُ: غَرَوْتُ الجِلْدَ أَي أَلْصَقْتُه بالغِراءِ. وغَرَا السِّمَنُ قَلْبَهُ يَغْرُوه غَرْواً: لَصِقَ بِهِ وغَطَّاه. وَفِي حَدِيثِ

الفَرَعِ: لَا تَذْبحْها وَهِيَ صغِيرَة لَمْ يَصْلُبْ لَحْمُها فيَلْصَقَ بعضُها ببعضٍ كالغِراءِ

؛ قَالَ: الغِرَا بالمدِّ والقَصْرِ، هُوَ الَّذِي يُلْصَقُ بِهِ الأَشياء ويُتَّخذُ مِنْ أَطْرافِ الجُلود والسَّمَكِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

فَرِّعُوا إِن شِئْتُمْ وَلَكِنْ لَا تَذْبَحُوا غَرَاةً حَتَّى يَكْبَرَ

، وَهِيَ بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ، القِطْعَة مِنَ الغَرَا وَهِيَ لُغَةٌ فِي الغِراء. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَبَّدْت رَأْسِي بغِسْلٍ أَو بغِراءٍ.

وَفِي حَدِيثِ

عَمْرِو بْنِ سَلَمَة الجَرْمي: فكأَنَّما يَغْرَى فِي صَدْرِي

أَي يَلْصَقُ بِهِ. يُقَالُ: غَرِيَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي صَدْري، بِالْكَسْرِ، يَغْرَى، بِالْفَتْحِ، كأَنه أُلْصِقَ بالغِراءِ. وغَرِيَ بِالشَّيْءِ يَغْرَى غَراً وغَرَاءً: أُولِعَ بِهِ، وَكَذَلِكَ أُغْرِيَ بِهِ إِغْرَاءً وغَرَاةً وغُرِّيَ وأَغْرَاهُ بِهِ لَا غيرُ، وَالِاسْمُ الغَرْوَى، وَقِيلَ: الِاسْمُ الغَرَاءُ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ. وَحَكَى أَبو عُبَيْدٍ: غَارَيْتُ بَيْنَ الشَّيْئين غِرَاءً إِذا والَيْت؛ وَمِنْهُ قَوْلُ كُثَيِّرٌ:

إِذا قُلْتُ أَسْلُو، غارَتِ العَيْنُ بالبُكا

غِرَاءً، ومَدّتْها مَدامِعُ حُفَّلُ

قَالَ: وَهُوَ فاعلْت مِنْ قَوْلِكَ غَرِيَت بِهِ أَغْرى غَراءً. وغَرِيَ بِهِ غَراةً، فَهُوَ غَرِيٌّ: لَزِقَ بِهِ ولَزمه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَفِي حَدِيثِ

جَابِرٍ: فَلمَّا رأَوه أَغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ

أَي لَجُّوا فِي مُطالَبتي وأَلَحُّوا. وغارَيْتُه أُغَارِيه مُغَارَاةً وغِراءً إِذا لاجَجْتَه؛ وَقَالَ فِي بَيْتِ كُثَيِّرٌ:

إِذا قُلتُ أَسْلُو، غارَتِ العَيْنُ بالبُكا

غِراءً، ومَدَّتها مَدامِعُ حُفَّلُ

قَالَ: هُوَ مِنْ غارَيْت. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ كُلْثوم: غَارَيْتُ بَيْنَ اثْنَيْن وعادَيْتُ بَيْنَ اثْنَيْن أَي والَيت، وأَنشد أَيضاً بَيْتَ كُثَيِّرٍ. وَيُقَالُ: غارَت فاعَلَتْ مِنَ الوِلاءِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: هِيَ فاعَلَت مِنْ غَرِيت بِهِ أَغْرَى غَراءً. وأَغْرَى بَيْنَهُمُ العَداوة: أَلْقاها كأَنه أَلْزَقَها بهمْ، وَالِاسْمُ الغَرَاةُ. والإِغْرَاءُ: الإِيسادُ. وَقَدْ أَغْرَى الكَلْبَ بالصَّيْد وَهُوَ مِنْهُ لأَنه إِلْزاقٌ، وأَغْرَيْتُ الكَلْبَ إِذا آسَدْتَه وأَرَّشْتَه، وغَرَيْتُ بِهِ غَرَاءً أَي أُولِعْتُ وغَرَيْتُ به غَرَاةً؛ قال الحرث:

لَا تُحِلْنا عَلَى غَرَاتِكَ، إِنّا

قَبْلُ مَا قَدْ وَشى بِنَا الأَعْداءُ

أَي عَلَى إِغْرَائِكَ بِنَا إِغْرَاءً وغَراةً. وَهُوَ يُغَارِيه ويُوارِيه ويُمارِيه ويُشارُّه ويُلاحُّه؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:

وَلَا بالدِّلاءِ لَه نازِعٌ،

يُغَارِي أَخاهُ إِذا مَا نَهاهُ

وغَرَا الشيءَ غَرْواً وغَرَّاهُ: طَلاهُ. وقَوْسٌ مَغْرُوَّةٌ ومَغْرِيَّةٌ، بُنِيت الأَخيرة عَلَى غَرَيْت، وإِلا فأَصله الْوَاوُ وَكَذَلِكَ السَّهْمُ. وَيُقَالُ: غَرَوْتُ السَّهْمَ وغَرَيْته، بِالْوَاوِ وَالْيَاءِ، أَغْرُوه وأَغْرِيه. وَهُوَ سَهْمٌ مَغْرُوٌّ ومَغْرِيٌّ؛ قَالَ أَوس:

لأَسْهُمِه غارٍ وبارٍ وراصِفُ

ص: 121

وَفِي الْمَثَلِ: أَدْرِكْني وَلَوْ بأَحَدِ المَغْرُوَّيْنِ؛ قِيلَ: يَعْنِي بالمَغْرُوَّيْنِ السهمَ والرُّمْحَ؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ فِي الْبَصْرِيَّاتِ، وَقِيلَ: بأَحَد السَّهْمَيْنِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَدْرِكْني بِسَهْمٍ أَو برُمْحٍ. قَالَ الأَزهري: وَمِنْ أَمثالهم أَنْزِلْني ولَوْ بأَحَدِ المَغْرُوَّيْن؛ حَكَاهُ المُفَضَّل، أَي بأَحَد السَّهْمَيْن، قَالَ: وَذَلِكَ أَن رَجُلًا رَكِبَ بعِيراً صَعْباً فَتَقَحَّمَ بِهِ، فاسْتغاث بصاحبٍ لَهُ مَعَهُ سَهْمان فَقَالَ أَنْزِلْني وَلَوْ بأَحَدِ المَغْرُوَّيْنِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُضْرَب مَثَلًا فِي السُّرْعةِ والتعجِيلِ بالإِغاثةِ وَلَوْ بأَحَدِ السَّهْمَيْن المكسورَين، وَقِيلَ: بَلِ الَّذِي لَمْ يَجِفّ عَلَيْهِ الغِراء. والغِراءُ: مَا طُليَ بِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: غَرَى السَّرْجِ، مقصورٌ مفتوحُ الأَوّل، فإِذا كسَرْتَه مَدَدْتَه. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قومٌ يَفْتَحُونَ الغَرَا فيَقْصُرونَه وليْست بالجَيِّدة. والغَرِيُّ: صِبْغٌ أَحْمَر «2» كأَنه يُغْرَى بِهِ؛ قَالَ:

كأَنَّما جَبِينُه غَرِيُ

اللَّيْثُ: الغِرَاءُ مَا غَرَّيْتَ بِهِ شَيْئًا مَا دامَ لَوناً وَاحِدًا. وَيُقَالُ أَيضاً: أَغْرَيْتُه، وَيُقَالُ: مَطْلِيٌّ مُغَرَّى، بِالتَّشْدِيدِ. والغَرِيُّ: صَنَمٌ كانَ طُليَ بدَمٍ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

كغَرِيٍّ أَجْسَدَتْ رَأْسَه

فُرُعٌ، بينَ رِئاسٍ وَحَامِ

أَبو سَعِيدٍ: الغَرِيُّ نُصُبٌ كَانَ يُذْبَحُ عَلَيْهِ النسكُ، وأَنشد الْبَيْتَ. والغَرَى: مقصورٌ: الْحُسْنُ. والغَرِيُّ: الحَسَنُ مِنَ الرجالِ وغيرهمْ، وَفِي التَّهْذِيبِ: الحَسن الوَجْه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للأَعشى:

وتَبْسِمُ عَن مَهاً شَبِمٍ غَرِيٍّ،

إِذا تُعْطِي المُقَبِّلَ يَسْتَزيدُ

وكلُّ بناءٍ حَسَنٍ غَرِيُّ، والغَرِيَّانِ المَشْهورانِ بِالْكُوفَةِ مِنْهُ؛ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

لَوْ كَانَ شيءٌ لَهُ أَنْ لَا يَبِيدَ عَلَى

طُولِ الزَّمانِ، لَمَا بادَ الغَرِيَّانِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشد ثَعْلَبٌ:

لَوْ كَانَ شيءٌ أَبَى أَنْ لَا يَبِيدَ عَلَى

طُولِ الزَّمانِ، لَمَا بادَ الغَرِيَّانِ

قَالَ: وَهُمَا بناءَان طَوِيلَانِ، يُقَالُ هُما قَبْرُ مالكٍ وعَقِيلٍ نَديمَي جَذيمَةَ الأَبْرش، وسُمِّيا الغَرِيَّيْن لأَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ المنذرِ كَانَ يُغَرِّيهما بدَمِ مَنْ يَقْتُله فِي يَوْمِ بُؤْسِه؛ قَالَ خِطَامٌ الْمُجَاشِعِيُّ:

أَهَلْ عَرَفْتَ الدارَ بالغَرِيَّيْنْ؟

لَمْ يَبْقَ منْ آيٍ بِهَا يُحَلَّيْنْ،

غَيْرُ خِطامٍ ورَمادٍ كِنْفَيْنْ،

وصالِياتٍ كَكما يُؤَثْفَيْنْ

والغَرْوُ: موضعٌ؛ قَالَ عُرْوةُ بنُ الوَرْدِ:

وبالغَرْوِ والغَرَّاءِ مِنْهَا مَنازِلٌ،

وحَوْلَ الصَّفَا منْ أَهْلِها مُتَدَوَّرُ

والغَرِيُّ والغُرَيُّ: موضعٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

أَغَرَّكَ يَا مَوْصولُ، مِنْهَا ثُمالَةٌ

وبَقْلٌ بأَكْناف الغَرِيِّ تُؤَانُ؟

أَراد تُؤَامُ فأَبْدلَ. والغَرَا: وَلدُ الْبَقَرَةِ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: البَقَرَةِ

(2). قوله [والغَرِيّ صبغ أحمر] هو هكذا في الأصل، وكذلك ضبطه شارح القاموس كغني

ص: 122

الوَحْشِيَّة؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيُكْتَبُ بالأَلف، وتَثْنِيتُه غَرَوانِ، وَجَمْعُهُ أَغْرَاءٌ. وَيُقَالُ للحُوارِ أَوَّلَ مَا يُولدَ: غَراً أَيضاً. ابْنُ شُمَيْلٍ: الغَرَا مَنقُوصٌ، هُوَ الوَلَد الرَّطْبُ جِدّاً. وكلُّ مَوْلُودٍ غَراً حَتَّى يَشْتَدَّ لَحْمه. يُقَالُ: أَيُكَلِّمُني فلانٌ وَهُوَ غَراً وغِرْسٌ للصَّبِيِّ. والغَرْوُ: العَجَب. وَلَا غَرْوَ وَلَا غَرْوَى أَي لَا عَجَب؛ وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفة:

لا غَرْوَ إِلَّا جارَتي وسؤالَها:

أَلا هَلْ لَنا أَهْلٌ سُئِلْتُ كَذَلِكَ؟

وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا غَرْوَ إِلَّا أَكْلَةٌ بِهَمْطَةٍ

؛ الغَرْوُ: العَجَبُ. وغَرَوْت أَي عَجِبْتُ. ورَجلٌ غِرَاءٌ: لَا دابَّةَ لَهُ؛ قَالَ أَبو نُخَيْلة:

بَلْ لَفَظَتْ كلَّ غِرَاءٍ مُعْظَمِ

وغَرِيَ العِدُّ: بَرَدَ ماؤُه؛ وَرَوَى بَيْتَ عَمْرِو بْنِ كُلْثوم:

كأَنَّ مُتُونَهُنَّ مُتُونُ عِدٍّ

تُصَفِّقُه الرِّياحُ، إِذا غَرِينا

وغَرِيَ فلانٌ إِذا تمادَى فِي غَضَبه، وَهُوَ مِنَ الواو.

غزا: غَزَا الشيءَ غَزْواً: أَرادَه وطَلَبَه. وغَزَوت فُلاناً أَغْزُوه غَزْواً. والغِزْوَة: مَا غُزِي وطُلِبَ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤية:

لَقُلْتُ لدَهْرِي: إِنه هُوَ غِزْوَتي،

وإِنِّي، وإِن أَرْغَبْتَني، غيرُ فاعِلِ

ومَغْزَى الْكَلَامِ: مَقْصِدُه. وعَرفْتُ مَا يُغْزَى مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَي مَا يُرادُ. والغَزْوُ: القَصْدُ، وَكَذَلِكَ الغَوْزُ، وَقَدْ غَزاهُ وغازَهُ غَزْواً وغَوْزاً إِذا قَصَدَه. وغَزَا الأَمرَ واغْتَزَاه، كِلَاهُمَا: قَصَدَه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

قَدْ يُغْتَزَى الهِجْرانُ بالتَّجَرُّمِ

التَّجَرُّمُ هُنَا: ادِّعاءُ الجُرْم. وغَزْوِي كَذَا أَي قَصْدِي. وَيُقَالُ: مَا تَغْزو وَمَا مَغْزَاك أَي مَا مَطْلَبُك. والغَزْوُ: السيرُ إِلى قِتالِ العَدُوِّ وانْتِهابه، غَزَاهُم غَزْواً وغَزَواناً؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ، صَحَّتِ الْوَاوُ فِيهِ كراهِية الإِخلالِ، وغَزَاوةً؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:

تقولُ هُذَيْلٌ: لَا غَزَاوَة عندَه،

بَلَى غَزَوَاتٌ بَينَهُنّ تَواثُبُ

قَالَ ابْنُ جِنِّي: الغَزَاوَة كالشَّقاوة والسَّراوَةِ، وأَكثرُ مَا تأْتي الفَعالةُ مَصْدَرًا إِذا كَانَتْ لغيرِ المُتَعَدِّي، فأَما الغَزَاوَة ففِعْلُها مُتَعَدٍّ، وكأَنها إِنما جَاءَتْ عَلَى غَزُوَ الرجلُ جَادَ غَزْوُه، وقَضُوَ جادَ قضاؤُه، وَكَمَا أَن قَوْلَهم مَا أَضْرَبَ زَيْدًا كأَنه عَلَى ضَرُبَ إِذا جادَ ضَرْبُه، قَالَ: وَقَدْ رُوِينا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَحمدَ بْنِ يَحْيَى ضَرُبَتْ يَدُهُ إِذا جَادَ ضَرْبُها. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِذا قِيلَ غَزَاةٌ فَهُوَ عَمَلُ سنَةٍ، وإِذا قِيلَ غَزْوَةٌ فَهِيَ المَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الغَزْوِ، وَلَا يَطَّرِدُ هَذَا الأَصل، لَا تَقُولُ مثلَ هَذَا فِي لَقاةٍ ولَقْيَةٍ بَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَرَجُلٌ غازٍ مِنْ قَوْمٍ غُزًّى مِثْلَ سابقٍ وسُبَّقٍ وغَزِيّ عَلَى مِثَالِ فَعِيلٍ مِثْلَ حاجٍّ وحَجِيجٍ وقاطِنٍ وقَطِينٍ؛ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ وَقَالَ: قُلِبَتْ فِيهِ الْوَاوُ يَاءً لِخِفَّةِ الْيَاءِ وَثِقَلِ الْجَمْعِ، وَكُسِرَتِ الزَّايُ لِمُجَاوَرَتِهَا الْيَاءَ. قَالَ الأَزهري: يُقَالُ لِجَمْعِ الغَازِي غَزِيٌّ مِثْلَ نادٍ ونَدِيٍّ، وناجٍ ونَجِيٍّ لِلْقَوْمِ يَتَناجَوْنَ؛ قَالَ زِيَادٌ الأَعجم:

قُلْ للقَوافِلِ والغَزِيِّ، إِذا غَزَوْا،

والباكِرين وللمُجِدِّ الرائِحِ

ورأَيتُ فِي حَاشِيَةِ بَعْضِ نُسَخِ حَوَاشِي ابْنِ بَرِّيٍّ أَنَّ هَذَا

ص: 123

البيت للصِّلِّيان العَبْدِي لَا لزِياد، قَالَ: وَلَهَا خَبَرٌ رَوَاهُ زِيَادٌ عن الصِّلِّيان مَعَ الْقَصِيدَةِ، فذُكِر ذَلِكَ فِي دِيوَانِ زِيَادٍ، فتَوهَّم مَنْ رَآهَا فِيهِ أَنها لَهُ، وَلَيْسَ الأَمر كَذَلِكَ، قَالَ: وَقَدْ غَلِطَ أَيضاً فِي نِسْبَتِهَا لِزِيَادٍ أَبو الفَرَج الأَصْبهاني صَاحِبُ الأَغاني، وَتَبِعَهُ الناسُ عَلَى ذَلِكَ. ابْنُ سِيدَهْ: والغَزِيُّ اسمٌ لِلْجَمْعِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

سرَيْت بِهِمْ حَتَّى تَكِلَّ غَزِيُّهُم،

وَحَتَّى الجِيادُ مَا يُقَدْن بأَرْسانِ

وَفِي جمعِ غَازٍ أَيضاً غُزَّاءٌ، بالمدِّ، مثلُ فاسِقٍ وفُسَّاقٍ؛ قَالَ تأَبَّط شَرًّا:

فيَوْماً بغُزَّاءٍ، وَيَوْمًا بسُرْيةٍ؛

وَيَوْمًا بخَشْخاشٍ مِنَ الرَّجْلِ هَيْضَلِ

وغُزاةٌ: مثلُ قاضٍ وقُضاةٍ. قَالَ الأَزهري: والغُزَّى عَلَى بِناءِ الرُّكَّعِ والسُّجَّدِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَوْ كانُوا غُزًّى

. سِيبَوَيْهِ: رجلٌ مَغْزِيٌّ شَبَّهُوها حَيْثُ كانَ قَبْلَها حرفٌ مضمومٌ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا حرفٌ ساكنٌ بأَدْلٍ، والوجْهُ فِي هَذَا النَّحْوِ الواوُ، والأُخرى عَرَبيَّة كثيرةٌ. وأَغْزَى الرجلَ وغَزَّاه: حَمَلَه عَلَى أَن يَغْزُوَ. وأَغْزَى فُلَانٌ فُلَانًا إِذا أَعْطاه دابَّة يَغْزُو عَلَيْهَا. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وأَغْزَيْتُ الرجُل أَمْهَلْته وأَخَّرْت مَا لِيَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّين. قَالَ: وَقَالُوا غَزَاة واحدةٌ يُرِيدُونَ عَمَلَ وَجْهٍ واحدٍ، كَمَا قَالُوا حَجَّة وَاحِدَةٌ يُرِيدُونَ عَمَلَ سنَةٍ وَاحِدَةٍ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

بَعِيد الغَزاةِ، فَمَا إِنْ يَزالُ

مُضُطَمِراً طُرَّاتاهُ طَلِيحا

وَالْقِيَاسُ غَزْوَة؛ قَالَ الأَعشى:

وَلَا بُدَّ مِنْ غَزْوَةٍ، فِي الرَّبيعِ،

حَجُونٍ تُكِلُّ الوَقاحَ الشَّكُورا

والنَّسب إِلى الغَزْوِ غَزَوِيٌّ، وَهُوَ مِنْ نَادِرِ مَعْدُولِ النَّسَبِ، وإِلى غَزِيَّة غَزَوِيٌّ. والمَغَازِي: مَناقِبُ الغُزاةِ. الأَزهري: والمَغْزَى والمَغْزاةُ والمغازِي مواضِعُ الغَزْوِ، وَقَدْ تَكُونُ الغَزْوَ نَفْسه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

كَانَ إِذا اسْتَقْبَلَ مَغْزًى

، وَتَكُونُ المَغازِي مَناقِبَهُم وغَزَواتِهِم. وغَزَوْتُ العَدُوَّ غَزْواً، وَالِاسْمُ الغَزاةُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَاءَ الغَزْوَة فِي شِعْرِ الأَعشى، قَالَ:

وَفِي كلِّ عامٍ أَنت حَاسِمُ غَزْوةٍ،

تَشُدُّ لأَقْصاها عَزِيمَ عَزائكا «3»

وَقَوْلُهُ:

وَفِي كلِّ عَامٍ لَهُ غَزْوَةٌ،

تَحُثُّ الدَّوابِرَ حَثَّ السَّفَنْ

وَقَالَ جَمِيلٌ:

يقولُون جاهِدْ، يَا جميلُ، بغَزْوَةٍ،

وإِنَّ جِهاداً طَيِءٌ وقِتالُها

تَقْدِيرُهَا وإِنَّ جِهاداً جِهادُ طَيِءٍ فَحَذَفَ الْمُضَافَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لَا تُغْزَى قُرَيْشٌ بعدَها

أَي لَا تَكْفُرُ حَتَّى تُغْزَى عَلَى الكُفْرِ، وَنَظِيرُهُ:

لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبراً بَعْدَ اليومِ

أَي لَا يَرْتَدُّ فَيُقْتَلَ صَبْراً عَلَى رِدَّتِه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:

لَا تُغْزَى هَذِهِ بعدَ اليومِ إِلى يومِ الْقِيَامَةِ يَعْنِي مَكَّةَ

أَي لَا تَعودُ دارَ كُفْرٍ يُغْزَى عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَن يُراد بِهَا أَنَّ الكفَّار لَا يَغْزُونَها أَبداً فإِن الْمُسْلِمِينَ قَدْ غَزَوْها مَرَّات. وأَما قَوْلُهُ: مَا مِنْ غازِيَةٍ تُخْفِقُ وتُصابُ إِلَّا تَمَّ أَجْرُهُم؛ الغَازِيَة تأْنيثُ الغَازِي وَهِيَ هَاهُنَا صفةٌ لِجَمَاعَةٍ. وأَخْفَقَ

(3). قوله [حاسم] هو هكذا في الأصل.

ص: 124

الغازِي إِذا لَمْ يَغْنَم وَلَمْ يَظْفَرْ. وأَغْزَتِ المرأَةُ، فَهِيَ مُغْزِيَةٌ إِذا غَزَا بَعْلُها. والمُغْزِية: الَّتِي غزَا زوجُها وبَقِيتَ وحْدَها فِي الْبَيْتِ. وَحَدِيثُ

عُمَرَ، رضي الله عنه: لَا يَزَالُ أَحدُهم كاسِراً وِسادَهُ عِنْدَ مُغْزِيةٍ.

وغَزا فلانٌ بفلانٍ واغْتَزَى اغْتزاءً إِذا اخْتصَّه مِنْ بَيْنِ أَصحابه. والمُغْزِيَة مِنَ الإِبل: الَّتِي جازَتِ الحَقَّ وَلَمْ تَلِدْ، وحَقُّها الوَقْت الَّذِي ضُرِبَتْ فِيهِ. ابْنُ سِيدَهْ: والمُغْزِيَة مِنَ النُّوقِ الَّتِي زَادَتْ عَلَى السَّنَةِ شَهْراً أَو نَحْوَه وَلَمْ تَلِدْ مِثْلَ المِدْراجِ. والمُغْزي مِنَ الإِبلِ: الَّتِي عَسُر لِقاحُها، وأَغْزَتِ الناقةُ مِنْ ذَلِكَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:

والحَرْبُ عسْراءُ اللِّقاحِ مُغْزِ

أَي عَسِرَة اللِّقَاحِ؛ واستعارَه أُمَيَّة في الأُتُنِ فقال:

تُزَنُّ عَلَى مُغْزِياتِ العِقاقِ،

ويَقْرُو بِهَا قفِراتِ الصِّلال

يُرِيدُ القَفِرات الَّتِي بِهَا الصِّلَالُ، وَهِيَ أَمْطارٌ تَقَع مُتَفَرِّقَةً، وَاحِدَتُهَا صَلَّة. وأَتانٌ مُغْزِيةٌ: متأَخرة النِّتاجِ ثُمَّ تُنْتَج. والإِغْزاءُ والمُغْزى: نِتاجُ الصَّيْفِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَهُوَ مَذْموم؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وعنْدي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: النِّتاجُ الصَّيْفِيُّ هُوَ المُغْزى، والإِغْزاءُ نِتاجُ سَوْءٍ حُوارُه ضَعِيفٌ أَبداً. الأَصمعي: المُغْزِيَة مِنَ الغَنَمِ الَّتِي يَتَأَخَّرُ وِلادُها بَعْدَ الغَنَم شَهْرًا أَو شَهْرَين لأَنها حَمَلت بأَخَرَة؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ فَجَعَلَ الإِغْزَاءَ فِي الْحَمِيرِ:

رَباعٌ، أَقبُّ البَطْنِ، جأْب، مُطَرَّد،

بلَحْيَيهِ صَكُّ المُغْزِيَاتِ الرَّواكِلِ

وغَزِيَّة: قَبِيلَةٌ؛ قَالَ دُريدُ بنُ الصِّمَّة:

وهَل أَنا إِلا مِنْ غَزِيَّةَ، إِن غَوَتْ

غَوَيْتُ، وإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ

وَقَالَ:

نَزَلت فِي غَزِيَّة أَو مَرَاد

وأَبو غَزِيَّة: كُنْيَةٌ. وابنُ غَزِيَّة: مِنْ شُعَرَاءِ هُذَيْلٍ. وغَزْوَان: اسمُ رجل.

غسا: غَسا الليلُ يَغْسُو غُسُوًّا وغَسِيَ يَغْسَى؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:

كأَنّ الليلَ لَا يَغْسَى عَليه،

إِذا زَجَر السَّبَنْتاةَ الأَمُونا

وأَغْسَى يُغْسي: أَظْلَم، قَالَ ابْنُ أَحمر:

فَلَمَّا غَسَى لَيْلي وأَيْقَنْتُ أَنَّها

هِيَ الأُرَبى، جاءَت بأُمِّ حَبَوْكَرى

وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ: فِي مُعْتَلِّ الْيَاءِ أَيضاً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شاهدُ أَغْسَى قَوْلُ الْهَجِيمِيِّ:

هَجَوْا شَرَّ يَرْبوعٍ رِجَالًا وخَيْرَها

نِساءً، إِذا أَغْسى الظلامُ تُزارُ

قَالَ: وَقَالَ الْعَجَّاجُ:

وَمَرُّ أَعْوام بلَيْلٍ مُغْسِ

وَحَكَى ابنُ جنِّي: غَسَى يَغْسَى كأَبى يأْبى، قَالَ: وَذَلِكَ لأَنهم شَبَّهوا الأَلفَ فِي آخِره بِالْهَمْزَةِ فِي قَرَأَ يقْرأُ وهَدَأَ يَهْدَأُ، وَقَدْ قَالُوا غَسِيَ يَغْسَى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ غَسَى يَغْسَى مِنَ التَّرْكِيبِ، يَعْنِي أَنه إِنما قامَ يَغْسَى مِنْ غَسِيَ ويَغْسُو مِنْ غَسا وَقَدْ أَغْسَيْنا، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ وبُعَيْده. وأَغْسِ مِنَ اللَّيْل أَي لَا تَسِرْ أَوَّله حَتَّى يذهَبَ غُسُوُّه، كَمَا يُقَالُ أَفْحِمْ عَنْكَ مِنَ اللَّيْلِ أَي لَا تَسِرْ حَتَّى تَذْهب فَحْمَتُه. وشيخٌ غَاسٍ: قَدْ طالَ عُمْرُه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ أَرَها

ص: 125

بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ إِلَّا فِي كِتَابِ الْعَيْنِ؛ قَالَ الأَزهري: الصَّوَابُ شيخٌ عاسٍ، بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَمَنْ قَالَ غاسٍ فَقَدْ صحَّف. والغَسَاةُ: البَلَحة الصَّغيرةُ، وَجَمْعُهَا غَسَواتٌ وغَساً. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الغَسَا البَلَح فعَمَّ بِهِ. وَقَالَ مَرَّةً: الغَاسِي أَوَّلُ مَا يخرُجُ مِنَ التَّمْرِ فَيَكُونُ كأَبْعارِ الفِصالِ، قَالَ: وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَاوِ لمقارَبَتِهِ الغَسواتِ في المعنى.

غشا: الغِشاءُ: الغِطاءُ. غَشَّيْت الشيءَ تَغْشِيَة إِذا غَطَّيْته. وَعَلَى بَصَره وقَلْبِه غَشْوٌ وغَشْوَةٌ وغُشْوَة وغِشْوَة وغِشَاوَةٌ وغَشَاوَة وغُشاوةٌ وغاشِيةٌ وغُشْية وغُشاية وغِشايةٌ؛ هَذِهِ الثَّلَاثُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، أَي غِطاءٌ. وغاشِية القَلْب وغِشاوتُه: قَمِيصُه؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: فِي القَلْبِ غِشَاوةٌ وَهِيَ الجِلْدة المُلْبَسة، وَرُبَّمَا خَرَجَ فؤادُ الإِنسانِ والدابَّة مِنْ غِشائه، وَذَلِكَ مِنْ فَزَعٍ يَفْزَعه فيموتُ مَكَانَهُ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ: انْخَلَعَ فؤادُه، والفؤادُ فِي الجَوْفِ هُوَ القَلْبُ، وَفِيهِ سُوَيداؤه وَهِيَ عَلَقةٌ سَوْداءُ، إِذا شُقَّ القَلْبُ بَدَتْ كقِطْعة كَبِدٍ. والغِشاوةُ: مَا غَشِيَ القَلْبَ مِنَ الطَّبَع. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الغِشَاوَةُ جِلْدةٌ غُشِّيَتِ القَلْبَ فإِذا انْخَلَعَ مِنْهَا القَلْب ماتَ صاحبُه؛ وأَنشد ابنُ بَرِّيٍّ لِلْحَرِثِ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ:

صَحِبْتُكَ، إِذْ عَيْني عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ،

فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسي أَلُومُها

تَقُولُ: غَشَّيْت الشيءَ تَغْشِيَةً إِذا غَطَّيْته، وَقَدْ غَشَّى اللهُ عَلَى بَصَرِه وأَغْشَى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ

. وَقَالَ تَعَالَى: وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ

، وَقُرِئَ: غَشْوَة، كأَنه رُدَّ إِلى الأَصل لأَن الْمَصَادِرَ كُلَّهَا تُرَدُّ إِلى فَعْلة، وَالْقِرَاءَةُ الْمُخْتَارَةُ الغِشَاوة، وَكُلُّ مَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الشَّيْءِ فَهُوَ مبنيٌّ عَلَى فِعالَةٍ نَحْوَ الغِشَاوَةِ والعِمامة والعِصابة، وَكَذَلِكَ أَسماءُ الصِّناعاتِ لاشْتِمالِ الصِّناعةِ عَلَى كلِّ مَا فِيهَا نَحْوَ الخِياطة والقِصارةِ. وغَشِيَه الأَمْرُ وتَغَشَّاه وأَغْشَيْته إِيَّاه وغَشَّيْته. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ*

. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَقُرِئَ يُغَشِّي الليلَ النهارَ، قَالَ: وَقُرِئَ فِي الأَنْفال: يُغْشِيكُم النُّعاسَ، ويُغَشِّكم النعاسَ، ويَغْشَاكُم النُّعاسُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ

؛ قِيلَ: الغَاشِيَة الْقِيَامَةُ لأَنها تَغْشى الخَلْق بأَفْزاعِها، وَقِيلَ: الغَاشِيَة النارُ لأَنَّها تَغْشى وجُوه الكُفَّار. وغِشَاءُ كلِّ شيءٍ: مَا تَغَشَّاه كغِشاءِ القَلْب والسَّرْجِ والرَّحْلِ والسَّيْفِ ونحوِها. والغَشْوَاءُ مِنَ المَعَزِ: الَّتِي يَغْشى وجْهَها كلَّه بياضٌ وَهِيَ بَيِّنةُ الغَشا. والأَغْشَى مِنَ الخَيْلِ: الَّذِي غَشِيَتْ غُرَّتُه وجْهَه واتَّسَعَتْ، وَقِيلَ: الأَغْشى مِنَ الخَيْلِ وَغَيْرِهَا مَا ابْيَضَّ رأْسُه كلُّه مِنْ بَيْنِ جَسدِه مِثْلَ الأَرْخَمِ. والغَشْوَاءُ: فَرَس حَسَّانَ بنِ سَلَمة، صِفةٌ غالِبة. والغَاشِيَةُ: السُّؤَّالُ الَّذِينَ يَغْشَوْنَكَ يَرْجُون فَضْلَكَ ومَعْرُوفَكَ. وغَاشِيَة الرجُلِ: مَنْ يَنْتابُه مِنْ زُوَّارِه وأَصْدقائه. وغَاشِيَةُ الرَّحْلِ: الحَديدة الَّتِي فوقَ المؤخرَةِ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلْحَدِيدَةِ الَّتِي فَوْقَ مؤخرَةِ الرَّحْلِ الغَاشِيَة، وَهِيَ الدامِغة. وَالْغَاشِيَةُ: غَاشِيَة السَّرْج، وَهِيَ غِطاؤه. والغَاشِيَة: مَا أُلْبِسَ جَفْنُ السَّيْفِ مِنَ الجُلودِ مِنْ أَسْفلِ شاربِ السَّيفِ إِلى أَن يَبْلُغَ نَعْلَ السَّيْفِ، وَقِيلَ: هِيَ مَا يَتَغَشَّى قوائِمَ السُّيوفِ مِنَ الأَسْفانِ «1»

(1). قوله [من الأسفان] هكذا في الأصل تبعاً للمحكم، وفي القاموس: من الأسفار.

ص: 126

وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عُلْبة الْحَارِثِيُّ:

نُقاسِمُهُم أَسْيافَنا شَرَّ قِسْمَةٍ،

ففِينا غَوَاشِيها، وَفِيهِمْ صُدُورُها

والغَاشِيَة: داءٌ يأْخُذُ فِي الجَوْفِ وكلُّه مِنَ التَّغْطِية. يُقَالُ: رَمَاهُ اللَّهُ بغَاشِيَة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فِي بطنِه غَاشِيَةٌ تُتَمِّمُهْ

قَالَ: تُتَمِّمه تُهْلِكُه. قَالَ أَبو عَمْرٍو: وهُو داءٌ أَو وَرَم يكونُ فِي البطنِ يَعْنِي الغَاشِيَة. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ

؛ أَي عُقوبة مُجَلِّلة تَعُمُّهم. واسْتَغْشَى ثِيابَه وتَغَشَّى بِهَا: تَغَطَّى بِهَا كَيْ لَا يُرَى وَلَا يُسْمَع. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ

. وَقَالَ تَعَالَى: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ

«1» وَقِيلَ: إنَّ طَائِفَةً مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالُوا إِذا أَغْلَقْنا أَبوابَنا وأَرْخَيْنا سُتُورَنا واسْتَغْشَيْنا ثِيابَنا وثَنيْنا صُدُورَنا عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وسلم كَيْفَ يَعْلمُ بِنَا؟ فأَنزل اللهُ تَعَالَى: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ

؛ اسْتَغْشَى بثَوْبِه وتَغَشَّى أَي تَغَطَّى. والغَشْوَة: السِّدْرَة؛ قَالَ:

غَدَوْتُ لغَشْوَةٍ فِي رَأْسِ نِيقٍ،

ومُورَة نَعْجَةٍ ماتَتْ هُزالا

وغُشِي عَلَيْهِ غَشْيَةً وغَشْياً وغَشَيَاناً: أُغْمِيَ، فَهُوَ مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ، وَهِيَ الغَشْيَة، وَكَذَلِكَ غَشْيَةُ المَوْت. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ

، وَقَالَ تَعَالَى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ

؛ أَي إِغْمَاءٌ؛ قَالَ أَبو إِسحاق: زَعَمَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ جَمِيعًا أَن النونَ هَاهُنَا عوضٌ مِنَ الْيَاءِ، لأَنَّ غَوَاشٍ لَا يَنْصَرِفُ والأَصل فِيهَا غَوَاشِيُ، إِلَّا أَن الضَّمَةَ تحذَفُ لِثِقَلِها فِي الْيَاءِ، فإِذا ذَهَبَت الضَّمَةُ أَدخَلْتَ التنوينَ عِوَضًا مِنْهَا، قَالَ: وَكَانَ سِيبَوَيْهِ يَذْهَبُ إِلى أَنَّ التنوينَ عِوضٌ مِنْ ذهابِ حركةِ الْيَاءِ، والياءُ سَقَطت لسُكونِها وَسُكُونِ التَّنْوِينِ. وغَشِيَهُ غِشْيَاناً: أَتاه وأَغْشَاهُ إِيَّاهُ غيرُه؛ فأَما قَوْلُهُ:

أَتُوعِدُ نِضْوَ المَضْرَحِيِّ، وَقَدْ تَرَى

بعَيْنَيْك ربَّ النَّضْوِ يَغْشَى لَكُمْ فَرْدا؟

فَقَدْ يَكُونُ يَغْشَى مِنَ الأَفْعالِ المُتَعَدِّية بحَرْفٍ وغيرِ حرفٍ، وَقَدْ تكونُ اللامُ زَائِدَةً أَي يَغْشاكم كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ، أَي رَدِفَكُم. وغَشِيَ الأَمرَ غِشياناً: باشرَه. وغَشِيتُ الرجُلَ بالسَّوْط: ضَرَبْته. والغِشْيَانُ: إِتْيانُ الرجُلِ المرأَةَ، والفِعْلُ غَشِيَ يَغْشى. وغَشِيَ المرأَةَ غِشْيَاناً: جامَعَها. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا تَغَشَّاها

حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمرَّتْ بِهِ؛ كِنَايَةٌ عَنِ الجِماع. يُقَالُ: تَغَشَّى المرأَة إِذا عَلاها، وتجَلَّلها مِثْلُهُ، وَقِيلَ للقِيامةِ غَاشِيَة لأَنها تُجَلِّلُ الخَلْق فتَعُمُّهم. ابْنُ الأَثير: وَفِي حَدِيثِ المَسْعى

فإِن الناسَ غَشُوه

أَي ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ وكَثُروا. يُقَالُ: غَشِيَةُ يَغْشَاهُ غِشْياناً إِذا جاءَهُ، وغَشَّاهُ تَغْشِيةً إِذا غَطَّاه. وغَشِيَ الشَّيْءَ إِذا لابَسَه. وغَشِيَ المرأَة إِذا جامَعها. وغُشِيَ عَلَيْهِ: أُغْمِيَ عَلَيْهِ. واسْتَغْشَى بثَوْبه وتَغَشَّى إِذا تغَطّى، وَالْجَمِيعُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِلَافِ لَفْظِهِ، فَمِنْهَا قَوْلُهُ:

وَهُوَ مُتغَشٍّ بثوْبه

، وَقَوْلُهُ:

وتَغْشَّى أَنامِلَه

أَي تسْتُرها، وقولُه:

غَشِيَتْهُم الرَّحْمَة وغَشِيَها أَلْوانٌ

أَي تعْلوُها. وَقَوْلُهُ:

فَلَا يَغْشَنا فِي مَسَاجِدِنَا

، وَقَوْلُهُ:

وإِن غشِينَا مِنْ ذَلِكَ شيءٌ مِنَ القَصد إِلى الشيءِ والمُباشَرَة

، وَقَوْلُهُ:

مَا لَمْ يَغْشَ الكبَائِرَ

؛ ومنه

(1). الآية

ص: 127

حَدِيثُ

سَعْد: فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ وجدَه فِي غَاشِيَةٍ

؛ الغَاشِيةُ: الدَّاهِية مِنْ خَيْر أَو شرٍّ أَو مكْروهٍ، وَمِنْهُ قيلَ للْقِيامة الغَاشِيَةُ، وأَراد فِي غَشْيةٍ منْ غَشَياتِ المَوْتِ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ بالغاشِيَة القوْمَ الحُضُورَ عندَه الَّذِينَ يَغْشَوْنه للخِدْمَة والزيارَةِ أَي جَمَاعَةٍ غاشِيةٍ أَو مَا يَتغَشَّاه مِنْ كَرْب الوَجع الَّذِي بِهِ أَي يُغَطِّيه فظُنَّ أَنْ قَدْ مَاتَ. وغُشَيٌّ: موضعٌ.

غضا: غَضَوْت عَلَى الشيءِ وَعَلَى القَذى وأَغْضَيْت: سَكَتّ؛ وَقَوْلُ الطِّرِمَّاحِ:

غَضِيٌّ عَنِ الفحْشاء يَقْصُرُ طَرْفَه،

وإِنْ هُوَ لَاقَى غارَةً لمْ يُهَلِّلِ

يَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ غَضا، وأَن يكونَ منْ أَغْضى كَقَوْلِهِمْ عَذابٌ أَليمٌ وضرْبٌ وَجِيع، والأَوَّل أَجْوَد. والإِغْضاءُ: إِدْناءُ الجُفُونِ. وغَضَى الرجلُ وأَغْضَى: أَطْبَقَ جفْنيْهِ عَلَى حَدَقَتِه. وأَغْضَى عَيْناً عَلَى قَذىً: صَبَر عَلَى أَذىً. وأَغْضَى عَنْهُ طَرْفَه: سَدَّه أَو صَدَّهُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

دَفعْتُ إِلَيْه رِسْلَ كَوْماءَ جَلْدَةٍ،

وأَغْضَيْتُ عنْه الطَّرْفَ حتَّى تَضَلَّعا

وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

كعتِيقِ الطَّيْرِ يُغْضِي ويُجَلْ

يَعْنِي يُغْضي الجُفُون مَرَّةً ويُجَلِّي مَرَّة؛ وَقَالَ الْآخَرُ:

لَمْ يُغْضِ فِي الحَرْبِ عَلَى قَذاكا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَغْضَيْتُ يَتعدَّى وَلَا يَتعدَّى؛ فَمِثَالُهُ مُتعدِّياً قولُ الشَّاعِرِ:

فَمَا أَسْلَمَتْنا عندَ يومِ كرِيهَةٍ،

وَلَا نَحنُ أَغْضَيْنا الجُفونَ عَلَى وَتْرِ

وَمِنْهُ مَا يُحْكى

عَنْ عَليّ، رضي الله عنه: فكمْ أُغْضِي الجُفونَ عَلَى القَذَى، وأَسْحَبُ ذَيْلي عَلَى الأَذى، وأَقولُ لعَلَّ وعَسى

؛ وَمِثَالُهُ غيرَ مُتَعدٍّ قَوْلُ الْآخَرِ «1» :

يُغْضِي حَياءً ويُغْضَى مِنْ مَهابَتِه،

فَمَا يُكَلَّمُ إِلَّا حِينَ يَبْتَسِمُ

وتَغاضَيْت عَنْ فُلان إِذا تَغابَيْت عَنْهُ وتَغافَلْت. ولَيلٌ غاضٍ: غاطٍ. وَقَالَ ابْنُ بزُرْج: لَيلٌ مُغْضٍ وغَاضٍ، ومَقامٌ فاضٍ ومُفْضٍ؛ وأَنشد: عَنْكُمْ كِراماً بالمَقامِ الْفَاضِي وغَضَى الليلُ غُضُوّاً وأَغْضَى: أَلْبَسَ كلَّ شيءٍ. وأَغْضَى الليلُ: أَظْلَم. ولَيلٌ مُغْضٍ: لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وأَكثَرُ مَا يُقال لَيْلٌ غاضٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

يَخْرُجْنَ مِنْ أَجْوازِ لَيْلٍ غاضِ،

نَضْوَ قداحِ النَّابِلِ النَّواضِي،

كأَنَّما يَنْضَخْنَ بالخَضْخاضِ

الخَضْخاضُ: القَطِرانُ، يُريدُ أَنَّها عَرِقَتْ مِنْ شِدَّةِ السَّيرِ فاسْوَدَّتْ جُلُودُها. ولَيْلَةٌ غاضِيةٌ: شَدِيدَة الظُّلْمَةِ. ونارٌ غَاضِيَةٌ: عَظيمة مُضيئةٌ، وَهُوَ مِنَ الأَضْدادِ. قَالَ الأَزهري: قَوْلُهُ نَارٌ غَاضِيَة عَظِيمة أُخِذَ من نارِ الغَضَى، وَهُوَ مِنْ أَجودِ الوُقُودِ عِنْدَ الْعَرَبِ. ورَجلٌ غَاضٍ: طاعِمٌ كاسٍ مَكْفِيٌّ، وَقَدْ غَضَا يَغْضو. والغَضَى: شَجَر؛ وَمِنْهُ قولُ سُحَيْمٍ عبدِ بَنِي الحَسْحاسِ:

كأَنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقَتْ فَوْقَ نَحْرِها،

وجَمْر غَضىً هَبَّتْ لَهُ الريحُ ذاكِيَا

وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: ذِئبُ غَضًى. والغَضَى: مِنْ نَباتِ الرَّمْلِ لَهُ هَدَب كهَدَبِ الأَرْطَى؛ ابن سيدة:

(1). هو الفرزدق.

ص: 128

وَقَالَ ثَعْلَبٌ يُكْتَبُ بالأَلِفِ وَلَا أَدْرِي لمَ ذَلِكَ، واحِدتُه غَضاةٌ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَقَدْ تكونُ الغَضَاة جَمْعاً؛ وأَنشد:

لَنا الجَبَلانِ مِنْ أَزمانِ عادٍ،

ومُجْتَمَعُ الأَلاءَةِ والغَضَاةِ

وَيُقَالُ لِمَنْبِتِها: الغَضْيَا. وأَهلُ الغَضَى: أَهلُ نَجْدٍ لكَثْرَتِه هُنَالِكَ؛ قَالَتْ أُمُّ خالِدٍ الخَثْعَمِيَّة:

لَيْتَ سِماكِيّاً تَطِيرُ رَبابُه،

يُقادُ إِلى أَهلِ الغَضَى بِزِمامِ

وَفِيهَا:

رأَيتُ لَهُمْ سِيماءَ قَوْمٍ كَرِهْتُهُمْ،

وأَهْلُ الغَضَى قومٌ عليَّ كِرام

أَراد: كَرِهْتُهم لَهَا أَو بِهَا. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ للإِبلِ الكثيرةِ غَضْيَا، مقصورٌ، قَالَ: شُبِّهَتْ عِنْدِي بمنابِتِ الغَضَى. وإِبلٌ غَضَوِيَّةٌ: مَنْسُوبَةٌ إِلى الغَضَى؛ قَالَ:

كَيْفَ تَرَى وقْعَ طُلاحِيَّاتِها،

بالغَضَويَّاتِ عَلَى عِلَّاتِها؟

وإِبِلٌ غاضِيةٌ وغَواضٍ وبعيرٌ غاضٍ: يأْكل الغَضَى؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَبعير عَضٍ أَنتَ ضَخْمٌ رأْسُه،

شَثْنُ المَشافِرِ، أَمْ بعيرٌ غَاضِ؟

وبعيرٌ غَضٍ: يَشْتَكِي بَطْنَهُ مِنْ أَكل الغَضَى، وَالْجَمْعُ غَضِيَةٌ وغَضَايَا، وَقَدْ غَضِيَتْ غَضًى، وإِذا نَسَبْتَه إِلى الغَضَى قلتَ بعيرٌ غَضَوِيٌّ. والرِّمْثُ والغَضَى إِذا باحتَتْهما الإِبِلُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عُقْبة مِنْ غيرِهما يُصيبُها الداءُ فَيُقَالُ: رَمِثَتْ وغَضِيَتْ، فَهِيَ رَمِثَةٌ وغَضِيَةٌ. وأَرْض غَضْيا: كَثِيرَةُ الغَضى. والغَضْيَاءُ، ممدودٌ: منَبِتُ الغَضَى ومُجْتَمَعُه. والغَضَى: الخَمَرُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَخْبثُ الذِّئابِ ذِئبُ الغَضَى، وإِنما صَارَ كَذَا لأَنه لَا يُباشِرُ النَّاسَ إِلا إِذا أَراد أَن يُغيرَ، يَعْنُونَ بالغَضَى هُنَا الخَمَرَ، فِيمَا ذَكَرَ ثَعْلَبٌ، وَقِيلَ: الغَضَى هُنَا هَذَا الشَّجَرُ، ويزعُمون أَنه أَخبثُ الشَّجَرِ ذِئاباً. وذِئابُ الغَضَى: بنُو كعبِ بنِ مالكِ بْنِ حَنْظَلة، شُبِّهُوا بِتِلْكَ الذئابِ لخُبْثِها. وغَضْيَا، معرِفةٌ مقصورٌ: مائةٌ مِنَ الإِبلِ مثلُ هُنَيْدَةَ، لَا يَنْصَرِفان؛ قَالَ:

ومُسْتَبْدِلٍ مِنْ بَعْدِ غَضْيَا صُرَيْمَةً،

فأَحْرِ بِهِ مِنْ طُولِ فَقْرٍ وأَحْرِيَا

أَراد: وأَحْرِيَنْ، فَجَعَلَ النونَ أَلفاً سَاكِنَةً. أَبو عَمْرٍو: الغَضْيانَةُ مِنَ الإِبل الكِرامُ. وغَضْيَانُ: مَوْضِعٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

فَصَبَّحَتْ، والشمسُ لَمْ تُقَضِّبِ

عَيْناً، بغَضْيَانَ، ثَجُوجَ العُنْبُبِ

غطى: غَطَى الشَّبابُ غَطْياً وغُطِيّاً: امْتَلأَ. يُقَالُ للرجُلِ إِذا امْتَلأَ شَباباً: غَطَى يَغْطِي غَطْياً وغُطِيّاً؛ قَالَ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ:

يَحْمِلْنَ سِرْباً غَطَى فِيهِ الشَّبابُ مَعاً،

وأَخْطَأَتْه عُيونُ الجِنِّ والحَسَدُ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي الصِّحَاحِ:

وأَخْطأَتْه عيونُ الجِنِّ والحَسَدَهْ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَكَذَلِكَ أَنشده أَبو عُبَيْدٍ؛ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ الأَنباري أَكثرُ الناسِ يَرْوِي هَذَا الْبَيْتَ:

وأَخْطأَتْه عيونُ الجِنِّ والحَسَدَهْ

وإِنما هُوَ:

وأَخْطأَتْه عيونُ الجنِّ والحَسَدُ

ص: 129

وَبَعْدَهُ:

ساجِي العُيونِ غَضِيض الطَّرْفِ تَحْسِبُه

يَوْمًا، إِذا مَا مَشى، فِي لِينِه أَوَدُ

اللِّحْيَانِيُّ: غَطَاهُ الشبابُ يَغْطِيه غَطْياً وغُطِيّاً وغَطَّاه كِلَاهُمَا أَلْبَسَه، وغَطَاه الليلُ وغَطَّاه: أَلْبَسَه ظُلْمَته؛ عَنْهُ أَيضاً. وغَطَتِ الشَجرة وأَغْطَتْ: طالَتْ أَغْصَانُها وانْبَسَطَت عَلَى الأَرض فأَلْبَسَت مَا حَوْلَهَا؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ قُتَيْبَةَ:

ومِن تَعاجِيبِ خَلْقِ اللهِ غاطِيَةٌ،

يُعْصَرُ مِنْهَا مُلاحِيٌّ وغِرْبِيبُ

إِنما عَنى بِهِ الداليَةَ، وَذَلِكَ لسُمُوِّها وبُسُوقها وانتِشارِها وإِلْباسِها. الْمُفَضَّلُ: يُقَالُ للكَرْمةِ الكثيرةِ النَّوامي غَاطِيَةٌ. والنَّوامي: الأَغْصانُ، واحِدَتُها نامِيةٌ. وغَطَى الشيءَ يَغْطِيه غَطْياً وغَطَّى عَلَيْهِ وأَغْطَاه وغَطَّاه: سَتَره وعَلاه؛ قَالَ:

أَنا ابنُ كِلابٍ وابنُ أَوْسٍ، فمَنْ يَكُنْ

قِناعُه مَغْطِيّاً فإِني مُجْتَلى

وَفِي التَّهْذِيبِ: فَإِنِّي لَمُجْتَلى. وفلانٌ مَغْطِيُّ القِناعِ إِذا كَانَ خامِلَ الذِّكْرِ؛ وَقَالَ حَسَّانَ:

رُبَّ حِلْمٍ أَضاعه عَدَمُ الْمَالِ، وجَهْلٍ غَطَّى عَلَيْهِ النَّعِيمُ

قَالَ أَبو عَبْدِ اللَّهِ بنُ الأَعرابي: حُكِيَ أَنَّ حسانَ بنَ ثَابِتٍ صاحَ قبلَ النُّبوّة فَقَالَ: يَا بَني قَيْلةَ، يَا بَني قَيْلة قَالَ: فَجَاءَهُ الأَنصارُ يُهْرَعُونَ إِليه قَالُوا: مَا دَهاكَ؟ قَالَ لَهُمْ: قلتُ الساعةَ بَيْتًا خَشِيتُ أَن أَموتَ فيَدّعِيَه غَيْرِي قَالُوا: هاتِه، فأَنشَدهم هَذَا الْبَيْتَ:

رُبَّ حِلْمٍ أَضاعَه عَدَمُ المالِ

والغِطاءُ: مَا غُطِّيَ بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه نَهَى أَن يُغَطِّيَ الرجلُ فاهُ فِي الصلاةِ.

ابْنُ الأَثير: مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ التَّلَثُّم بالعَمائمِ عَلَى الأَفْواه فنُهوا عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، فإِنْ عَرَضَ لَهُ التَّثاؤب جَازَ لَهُ أَن يُغَطِّيه بثَوْبه أَو يَدِهِ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ. وَقَالُوا: اللهمَّ أَغْطِ عَلَى قَلْبه أَي غَشِّ قلْبَه. وفعَلَ بِهِ مَا غَطَاهُ أَي مَا ساءَه. وماءٌ غاطٍ: كثيرٌ، وَقَدْ غَطَى يَغْطِي؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

يَمُرُّ كمُزْبِدِ الأَعْرافِ غَاطِ

ابْنُ سِيدَهْ: وغَطَا الشيءَ غطو

غَطْواً وغَطَّاه تَغْطِيةً وأَغْطاه واراهُ وسَتَرَه. قَالَ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ واويَّة ويائيَّة، وَالْجَمْعُ الأَغْطِيَة، وَقَدْ تَغَطَّى. والغِطَاءُ: مَا تَغَطَّى بِهِ أَو غَطَّى بِهِ غيرَه. والغِطايةُ: مَا تغَطَّتْ بِهِ المرأَةُ مِنْ حشْو الثِّيَابِ تَحْتَ ثِيَابِهَا كالغِلالة وَنَحْوِهَا، قُلبَت الْوَاوُ فِيهَا يَاءً طَلَبَ الخفَّة مَعَ قربِ الْكَسْرَةِ. وغَطَا الليلُ غطو

يَغْطُو ويَغْطِي غطو

غَطْواً وغطو

غَطُوّاً إِذا غَسا وأَظْلَم، وَقِيلَ: ارْتَفَع وغَشَّى كلَّ شيءٍ وأَلبسه، وغَطا الْمَاءُ. وَكُلُّ شيءٍ ارْتَفَع وطالَ عَلَى شيءٍ فقدْ غَطا عَلَيْهِ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤيَّة:

كذَوائِب الحَفإِ الرَّطِيبِ غَطا بِهِ

عَبْلٌ، ومَدَّ بِجَانِبَيْهِ الطُّحْلُبُ

غَطا بِهِ: ارْتَفَع. وليلٌ غَاطٍ: مظْلِمٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

حَتَّى تَلا أَعْجازَ لَيْلٍ غَاطِ

وَيُقَالُ: غَطَا عَلَيْهِمُ البَلاءُ. وأَغْطَى الكَرْمُ: جَرى الماءُ فِيهِ وزادَ، وكلُّ ذَلِكَ مذكورٌ فِي الْوَاوِ وَالْيَاءِ،

غفا: الأَزهري: غَفَا الرَّجُلُ وَغَيْرُهُ غَفْوَةً إِذا نامَ نومَةً خَفيفة. وَفِي الْحَدِيثِ:

فَغَفَوْتُ غَفْوَةً

أَي نِمْتُ نَوْمةً خَفِيفَةً. قَالَ: وَكَلَامُ الْعَرَبِ أَغْفَى. وقلَّما

ص: 130

يُقَالُ غَفا. ابْنُ سِيدَهْ: غَفَى الرجلُ غَفْيَةً وأَغْفَى نَعَس. وأَغْفَيْتُ إِغْفَاءً نِمْتُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَلَا تقُلْ غَفَوْتُ. وَيُقَالُ: أَغْفَى إِغْفَاءً وإِغْفَاءَةً إِذا نامَ. أَبو عَمْرٍو: وأَغْفَى نامَ عَلَى الغَفا، وَهُوَ التِّبْنُ فِي بَيْدَرِه. والغَفْيَةُ: الحُفْرة الَّتِي يَكْمُن فِيهَا الصَّائِدُ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ الزُّبْية. والغَفَى: مَا يَنْفونَه مِنْ إِبِلهم. والغَفَى، منقوصٌ: مَا يُخْرَج مِنَ الطَّعَامِ فيُرْمى بِهِ كالزُّؤان والقَصَل، وَقِيلَ: غَفَى الحِنْطةِ عيدانُها، وَقِيلَ: الغَفَى حُطامُ البُرِّ وَمَا تَكَسَّر مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ كلُّ مَا يُخْرَجُ مِنْهُ فيُرْمى بِهِ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ فِي الطَّعامِ حَصَلَة وغَفَاءَةٌ، مَمْدُودٌ، وفَغاةٌ وحُثالَةٌ كُلُّ ذَلِكَ الرَّديءُ الَّذِي يُرْمى بِهِ. قَالَ ابْنُ

بَرِّيٍّ: والغَفَا قِشْرُ الحنْطة، وتَثْنِيَتُه غَفَوان، وَالْجَمْعُ أَغْفَاءٌ، وَهُوَ سَقَطُ الطَّعام مِنْ عِيدانِه وقصبِه؛ وَقَوْلُ أَوس:

حَسِبْتُمُ وَلَدَ البَرْشاءِ قاطِبَةً

نَقْلَ السِّمادِ وتَسْلِيكاً غَفَى الغِيَرِ «2»

يَجُوزُ أَن يُعْنى بِهِ هَذَا، وَيَجُوزُ أَن يُعنى بِهِ السَّفِلة، والواحِدة مِنْ كلِّ ذَلِكَ غَفَاةٌ. وحِنْطة غَفِيَةٌ: فِيهَا غَفًى عَلَى النَّسَب. وغَفَّى الطعامَ وأَغْفَاه: نَقَّاه مِنْ غَفَاهُ. والغَفَى: قِشْرٌ صغِيرٌ يَعْلُو البُسْر، وَقِيلَ: هُوَ التَّمْر الفاسِدُ الَّذِي يَغْلُظ ويَصِيرُ فِيهِ مثلُ أَجْنِحَة الجَرادِ، وَقِيلَ: الغَفَى آفةٌ تصيبُ النَّخْلَ، وَهُوَ شِبْهُ الغُبارِ يَقَع عَلَى البُسْر فيمْنعُه مِنَ الإِدْراك والنُّضْجِ ويَمْسَخ طَعْمَه. والغَفَى: حُسافةُ التَّمْرِ ودُقاقُ التَّمْرِ. والغَفَى: داءٌ يَقَعُ فِي التِّينِ فيُفْسِدُه؛ وَقَوْلُ الأَغلب:

قَدْ سَرَّني الشيخُ الَّذِي ساءَ الفَتى،

إِذْ لَمْ يَكُنْ مَا ضَمَّ أَمْساد الغَفَى

أَمْسادُ الغَفَى: مُشاقَه الكَتَّانِ وَمَا أَشْبَهَه. ابْنُ سِيدَهْ فِي غَفا بالأَلف: غَفا الشيءُ غَفْواً وغُفُوّاً طَفا فَوْقَ الماءِ. والغَفْوُ والغَفْوَةُ جَمِيعًا: الزُّبْيَة؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

غلا: الغَلاءُ: نَقيضُ الرُّخْصِ. غَلا السِّعْرُ وغيرُه يَغْلُو غَلاءً، مَمْدُودٌ، فَهُوَ غالٍ وغَلِيٌّ؛ الأَخيرة عَنْ كراعٍ. وأَغْلاهُ اللَّهُ: جَعَلَه غالِياً. وغَالَى بالشيءِ: اشْتَراهُ بثَمنٍ غالٍ. وغَالَى بالشيءِ وغَلَّاه: سامَ فأَبْعَطَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

نُغَالِي اللَّحمَ للأَضْيافِ نِيئاً،

ونُرْخِصُهُ إِذا نَضِجَ القَديرُ

فَحَذَفَ الْبَاءَ وَهُوَ يريدُها، كَمَا يُقَالُ لَعِبْتُ الكِعابَ ولَعِبْتُ بالكِعابِ، الْمَعْنَى نُغالي باللحمِ. وَقَالَ أَبو مَالِكٍ: نُغَالِي اللحمَ نَشتَريه غَالِيًا ثُمَّ نَبْذُلُه ونُطْعِمُه إِذا نَضِجَ فِي قُدُورِنا. وَيُقَالُ أَيضاً: أَغْلَى؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

كأَنَّها دُرَّة أَغْلَى التِّجارُ بِهَا

وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شاهدُ أَغْلَى اللحمَ قَوْلُ شَبيب بْنِ البَرْصاء:

وإِني لأُغْلِي اللحمَ نِيئاً، وإنَّني

لمُمْسٍ بهَيْنِ اللَّحْمِ، وَهُوَ نَضِيجُ

الْفَرَّاءُ: غالَيْتُ اللحمَ وغَالَيْتُ بِاللَّحْمِ جَائِزٌ. وَيُقَالُ: غَالَيْتُ صَداق المرأَة أَي أَغْلَيته؛ وَمِنْهُ

قَوْلُ عُمَرَ، رضي الله عنه: لَا تُغَالُوا صُدُقات النِّسَاءِ

، وَفِي رِوَايَةٍ:

لَا تُغَالوا صُدُقَ النِّسَاءِ

، وَفِي رِوَايَةٍ:

فِي صَدُقاتِهنَ

، أَي لَا تُبالِغُوا فِي كَثْرَةِ الصَّداقِ، وأَصلُ الغَلاء

(2). قوله [الغير] هكذا في الأصل، وفي المحكم: العبر بالعين المهملة والياء المثناة.

ص: 131

الارتفاعُ ومُجاوَزة القَدْرِ فِي كلِّ شَيْءٍ. وبِعْتُه بالغَلاءِ والغَالِي والغَلِيّ؛ كلهنَّ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

وَلَوْ أَنَّا نُباعُ كَلامَ سَلْمى،

لأَعْطَيْنا بِهِ ثَمَناً غَلِيَّا

وغَلا فِي الدِّينِ والأَمْر يَغْلُو غُلُوّاً: جاوَزَ حَدَّه. وَفِي التَّنْزِيلِ: لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ*

؛ وقال الحَرِث بْنُ خَالِدٍ:

خُمْصانة قَلِق مُوَشَّحُها،

رُؤْد الشَّبابِ غَلا بِهَا عَظْمُ

التَّهْذِيبُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ غَلَوْت فِي الأَمر غُلُوّاً وغَلانِيَةً وغَلانِياً إِذا جاوزْتَ فِيهِ الحَدّ وأفْرَطْت فِيهِ؛ قَالَ الأَعشى: أَنشده ابْنُ بَرِّيٍّ:

أَوْ زِدْ عَلَيْهِ الغَلانِيا

وَفِي التَّهْذِيبِ: زَادُوا فِيهِ النونَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وَذُو الشَّنْءِ فاشْنَأْه، وَذُو الوِدِّ فاجْزِه

عَلَى وِدِّه، وازْدَدْ عَلَيْهِ الغَلانِيا

زَادَ فِيهِ النونَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِياكم والغُلُوَّ فِي الدِّينِ

أَي التَّشَدُّدَ فِيهِ ومجاوَزة الحَدِّ، كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ:

إِنَّ هَذَا الدينَ مَتِينٌ فأَوْغِلْ فِيهِ بِرفْقٍ

، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ البحثُ عَنْ بواطنِ الأَشْياء والكَشْفُ عَنْ عِلَلِها وغَوامِضِ مُتَعَبَّداتِها؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

وحاملُ الْقُرْآنِ غيرُ الغَالِي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ،

إِنما قَالَ ذَلِكَ لأَنَّ مِنْ آدَابِهِ وأَخلاقِه الَّتِي أَمرَ بِهَا القَصْدَ فِي الأُمورِ، وخيرُ الأُمورِ أَوْساطُها. وَ:

كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمورِ ذَمِيمُ

والغُلُوُّ: الإِعْداءُ. وغَلا بالسَّهْمِ يَغْلُو غَلْواً وغُلُوًّا وغَالَى بِهِ غِلاءً: رَفَع يدَه يُرِيدُ بِهِ أَقْصَى الْغَايَةِ وَهُوَ مِنَ التجاوزِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

كالسَّهْمِ أَرْسَلَه مِنْ كَفِّه الغَالِي

وَقَالَ اللَّيْثُ: رَمَى بِهِ؛ وأَنشد لِلشَّمَّاخِ:

كَمَا سَطَع المِرِّيخُ شَمَّره الغَالِي

والمُغَالِي بالسَّهْمِ: الرافِعُ يدَه يريدُ بِهِ أَقصَى الغايةِ. ورجلٌ غَلَّاءٌ: بَعيدُ الغُلُوِّ بالسَّهْم؛ قَالَ غَيْلانُ الرَّبَعِي يَصِفُ حَلْبَة:

أَمْسَوْا فَقادُوهُنّ حولَ المِيطاءْ

بمائَتَيْن بغِلاءِ الغَلَّاءْ

وغَلا السَّهْمُ نفسُه: ارتفَع فِي ذَهابِه وجاوَزَ المَدَى، وَكَذَلِكَ الحجَر، وكلُّ مَرْماةٍ مِنْ ذَلِكَ غَلْوَةٌ؛ وأَنشد:

مِنْ مائةٍ زَلْخٍ بمرِّيخٍ غَالِ

وكلُّه مِنِ الارتفاعِ والتَّجاوزِ، والجمعُ غَلَواتٌ وغِلاءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَهْدَى لَهُ يَكْسُومُ سِلاحاً وَفِيهِ سَهْم فسَمَّاه قِتْرَ الغِلاءِ

؛ الغِلاء، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ: مِنْ غَالَيْته أُغَالِيه مُغَالاةً وغِلاءً إِذا رامَيْتَه، والقِترُ سَهْم الهَدَف، وَهِيَ أَيضاً أَمَدُ جَرْيِ الفَرَسِ وشوْطِه، والأَصلُ الأَول. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ: بَيْنه وبينَ الطَّرِيق غَلْوَةٌ

؛ الغَلْوَةُ: قدرُ رَمْيةٍ بسَهْمٍ، وَقَدْ تُسْتَعْمَل الغَلْوَة فِي سِباقِ الخَيْل، والغَلْوَةُ الْغَايَةُ مِقْدَارُ رَمْيةٍ. وَفِي الْمَثَلِ: جَرْيُ المُذْكيات غِلاءٌ. والمِغْلاةُ: سهمٌ يُتَّخَذُ لِمُغَالَاةِ الغَلْوَة، وَيُقَالُ لَهُ المِغْلَى، بِلَا هاءٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والمِغْلَى سَهْمٌ تُعْلى بِهِ أَي تُرْفَعُ بِهِ اليَدُ حَتَّى يَتَجاوزَ المِقدارَ أَو يقارِب ذَلِكَ. وسهمُ الغِلاءِ، ممدودٌ: السهمُ الَّذِي

ص: 132

يقدَّر بِهِ مَدَى الأَمْيالِ والفراسِخِ والأَرضِ الَّتِي يُسْتَبَقُ إِليها. التَّهْذِيبُ: الفَرْسَخ التامُّ خمسٌ وَعِشْرُونَ غَلْوَةً. والغُلُوُّ فِي القافِية: حَرَكَةُ الرَّوِيّ الساكِنِ بَعْدَ تمامِ الوزنِ، والغَالِي: نونٌ زَائِدَةٌ بَعْدَ تِلْكَ الْحَرَكَةِ، وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِهِ فِي إنشادِ مَنْ أَنشده هَكَذَا:

وقاتِم الأَعْماقِ خَاوِي المُخْتَرَقِنْ

فَحَرَكَةُ القافِ هِيَ الغُلُوُّ، والنونُ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ الْغَالِي، وَإِنَّمَا اشتُقَّ مِنَ الغُلُوِّ الَّذِي هُوَ التجاوُزُ لِقَدْرِ مَا يجبُ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَفْحَشُ مِنَ التَّعَدّي، وَقَدْ ذَكَرْنَا التَّعَدِّيَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَليق بِهِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الوزنِ لأَنَّ الوزنَ قَدْ تَناهَى قبلَه، جَعَلُوا ذَلِكَ فِي آخرِ الْبَيْتِ بمَنْزلة الخَزْمِ فِي أَوَّله. والدابَّة تَغْلُو فِي سَيْرِها غَلْواً وتَغْتَلِي بخفَّةِ قوائمِها؛ وأَنشد:

فَهْي أَمامَ الفَرْقَدَيْن تَغْتَلِي

ابْنُ سِيدَهْ: وغَلَتِ الدَّابَّةُ فِي سَيرِها غُلُوًّا واغْتَلَت ارْتَفَعَت فجاوَزَت حُسْنَ السَّيْر؛ قَالَ الأَعشى:

جُمالِيَّة تَغْتَلي بالرِّداف،

إِذا كَذَبَ الآثِماتُ الهَجِيرَا

والاغْتِلاءُ: الإِسْراعُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

كَيْفَ تَراها تَغْتَلي يَا شَرْجُ،

وَقَدْ سَهَجْناها فَطال السَّهْجُ؟

وناقةٌ مِغْلاةُ الوهَقِ إِذا تَوَهَّقت أَخفافُها؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

تَنَشَّطَتهُ كلُّ مِغْلاةِ الوَهَقْ،

مَضْبُورَةٍ قَرْواءَ هِرْجابٍ فُنُقْ

الْهَاءُ للمُخْتَرَق، وَهُوَ الْمَفَازَةُ. وغَلا بالجارِية وَالْغُلَامِ عَظْمٌ غُلُوًّا: وَذَلِكَ فِي سُرْعَةِ شَبَابِهِمَا وسَبْقِهِما لداتِهِما، وَهُوَ مِنَ التجاوُزِ. وغُلْوَانُ الشَّبابِ وغُلَوَاؤُه: سُرْعَتُه وأَوَّله. أَبو عُبَيْدٍ: الغُلَوَاءُ، ممدودٌ، سرعةُ الشبابِ؛ وَأَنْشَدَ قَوْلَ ابْنِ الرُّقَيَّات:

لمْ تَلْتَفِتْ لِلِداتِها،

ومَضَتْ عَلَى غُلَوَائِها

وَقَالَ آخَرُ:

فَمَضَى عَلى غُلَوَائِهِ، وكأَنَّه

نَجْمٌ سَرَتْ عَنْهُ الغُيُومُ فَلاحَا

وَقَالَ طُفَيْل:

فَمَشَوْا إِلى الهَيْجاءِ، فِي غُلَوَائِها،

مَشْيَ اللُّيُوثِ بكُلِّ أَبْيَضَ مُذْهَبِ

وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رضي الله عنه: شُمُوخُ أَنْفِه وسُمُوُّ غُلَوَائِه

؛ غُلَوَاءُ الشبابِ: أَوَّلُه وشِرَّتُه؛ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

خُمْصانَة قَلِق مُوَشَّحُها،

رُؤد الشبابِ غَلا بِها عَظْمُ

قَالَ: هَذَا مثلُ قَوْلِ ابْنِ الرُّقَيَّاتِ:

لمْ تَلْتَفِتْ لِلِداتِها،

ومَضَتْ عَلَى غُلَوائِها

وَكَمَا قَالَ:

كالغُصْنِ فِي غُلَوَائِهِ المُتَأَوِّدِ

وَقَالَ غيرُه: الغَالِي اللّحْمُ السَّمِينُ، أُخِذَ مِنْهُ قَوْلُهُ: غَلا بِهَا عَظْمُ إِذا سَمِنَتْ؛ وَقَالَ أَبو وجْزَة السَّعْدي:

تَوَسَّطَها غَالٍ عَتِيقٌ، وزانَها

مُعَرّسُ مَهْرِيٍّ، بِهِ الذَّيْلُ يَلْمَعُ

ص: 133

أَراد بمُعَرّس مَهْرِيّ حَمْلَها الَّذِي أَجَنَّتْه فِي رَحِمِها مِنْ ضِرابِ جَملٍ مَهْرِيّ أَي تَوَسَّطَها شَحْم عَتِيق فِي سنامِها. وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ إِذَا ارْتَفَع: قَدْ غَلا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

فَمَا زالَ يَغْلُو حُبُّ مَيَّة عنْدَنا،

ويَزْدادُ حَتَّى لَمْ نَجِدْ مَا نَزِيدُها

وغَلا النَّبْت: ارْتَفَع وعَظُمَ والْتَفَّ قَالَ لَبِيدٌ:

فغَلا فُرُوعُ الأَيْهُقانِ، وأَطْفَلَتْ،

بالجَلْهَتَيْنِ، ظِباؤُها ونَعامُها

وَكَذَلِكَ تَغَالَى واغْلَوْلَى؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

مِمَّا تَغَالَى مِنَ البُهْمَى ذَوائِبُه

بالصَّيْفِ، وانْضَرَجَتْ عَنْهُ الأَكامِيمُ

وأَغْلَى الكَرْمُ: التَفّ وَرَقُه وكَثُرَتْ نوامِيهِ وطالَ، وأَغْلاهُ: خَفَّفَ مِنْ وَرَقِه لِيَرتَفِعَ ويَجُودَ. وَكُلُّ مَا ارْتَفَع فقدْ غَلا وتَغالَى. وتَغالَى لَحْمُه: انْحَسر عِنْدَ الضَّمادِ كأَنّه ضِدٌّ. التَّهْذِيبُ: وتَغَالَى لحمُ الدابَّة أَو النَّاقَةِ إِذَا ارْتَفَعَ وذهَب، وَقِيلَ: إِذَا انْحَسَرَ عندَ التَّضْمِير؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فَإِذَا تَغَالَى لَحْمُها وتحَسَّرَتْ،

وتقَطَّعت بعدَ الكَلالِ خِدامُها

تَغَالَى لَحْمُها أَي ارْتفَع وصارَ عَلَى رُؤوس العِظام، وَرَوَاهُ ثَعْلَبٌ بِالْعَيْنِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ. والغُلَوَاءُ: الغُلُوُّ. وغَلْوَى: اسمُ فرَسٍ مَشْهورَةٍ. وغَلَتِ القِدرُ والجَرَّةُ تَغْلِي غَلْياً وغَلَيَاناً وأَغْلاها وغَلَّاها، وَلَا يُقَالُ غَلِيتْ؛ قَالَ أَبو الأَسود الدُّؤَلى:

ولا أَقولُ لِقدرِ القَوْمِ: قدْ غَلِيتْ،

وَلَا أَقولُ لبابِ الدَّارِ: مَغْلُوقُ

أَي أَني فَصِيح لَا أَلْحَنُ. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَفِي بعْضِ كلامِ الأَوائِلِ أَنَّ مَاءً وغَلِّه، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ: أُزَّ مَاءً وغَلِّه. والغَالِيَةُ مِنَ الطِّيب: مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ تَغَلَّى بِهَا؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وغَلَّى غَيرَه. يُقَالُ: إنَّ أَولَ منْ سَمَّاها بِذَلِكَ سليمانُ بنُ عبدِ المَلكِ، وَيُقَالُ مِنْهَا تَغَلَّلتُ وتَغَلَّفْتُ وتَغَلَّيْت، كُلُّهُ مِنَ الْغَالِيَةِ. وَقَالَ أَبو نَصْرٍ: سَأَلْتُ الأَصمعي هَلْ يَجُوزُ تغَلَّلت؟ فَقَالَ: إنْ أَرَدْتَ أَنَّكَ أَدْخَلْتَه فِي لِحْيَتِك أَوْ شارِبك فجائِزٌ. والغَلْوَى: الْغَالِيَةُ فِي قَوْلِ عَديّ ابن زَيْدٍ:

يَنْفَحُ مِنْ أَرْدانِها المِسْكُ والعَنْبَرُ

والغَلْوَى ولُبْنى قَفُوص

وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها: كنتُ أُغَلِّفُ لِحْيَةَ رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، بالغالِيةِ

؛ قَالَ: هُوَ نوعٌ مِنَ الطِّيب مُرَكَّبٌ مِنْ مِسْكٍ وعَنْبَرٍ وعُودٍ ودُهْنٍ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، والتَّغلُّف بها التَّلَطُّخ.

غما: ابْنُ دُرَيْدٍ: غَما البيتَ يَغْمُوه غَمْواً ويَغْمِيهِ غَمْياً إِذَا غَطَّاه، وَقِيلَ: إِذَا غَطَّاه بالطِّين وَالْخَشَبِ. والغُّمَا: سَقْفُ الْبَيْتِ، وتَثنيته غَمَوَان وغَمَيان، وَهُوَ الغِماءُ أَيضاً، وَالْكَلِمَةُ وَاوِيَّةٌ ويائيَّة. وغُمِيَ عَلَى الْمَرِيضِ وأُغْمِيَ عَلَيْهِ: غُشِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفاقَ. وَفِي التَّهْذِيبِ: أُغْمِيَ عَلَى فُلَانٍ إِذَا ظُنَّ أَنه ماتَ ثُمَّ يَرْجِع حَيًّا. ورجلٌ غَمًى: مُغْمًى عَلَيْهِ: وَامْرَأَةٌ غَمًى كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ والجمعُ وَالْمُؤَنَّثُ لأَنه مصدرٌ، وَقَدْ ثَنَّاه بَعْضُهُمْ وجَمعه فَقَالَ: رَجُلَانِ غَمَيان وَرِجَالٌ أَغْمَاء. وَفِي التَّهْذِيبِ: غَمَيَانِ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ. وَيُقَالُ:

ص: 134

تَرَكْتُ فُلَانًا غَمًى، مقصورٌ مِثْلُ قَفًى أَي مَغْشِيًّا عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَي ذَا غَمًى لأَنه مَصْدَرٌ. يُقَالُ: غُمِيَ عَلَيْهِ غَمًى وأُغْمِيَ عَلَيْهِ إغْمَاءً، وأُغْمِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ، وغُمِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَغْمِيٌّ عَلَيْهِ عَلَى مَفْعُولٍ. أَبو بَكْرٍ: رَجُلٌ غَمًى للمُشْرِف عَلَى الْمَوْتِ، وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَع، ورجالٌ غَمًى وَامْرَأَةٌ غَمًى. وأُغْمِيَ عَلَيْهِ الخَبَرُ أَي استَعْجَمَ مثلُ غُمَّ. التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ رجلٌ غَمًى وَرَجُلَانِ غَمَيانِ إِذَا أَصابَه مرَضٌ؛ وأَنشد:

فَرَاحُوا بيَحْبُورٍ تَشِفُّ لِحاهُمُ

غَمًى، بَيْنَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ وهائِعِ

قَالَ: يَحْبورٌ رجلٌ ناعِم، تَشِفّ: تَحَرَّكُ. الْفَرَّاءُ: تَركْتُهم غَمًى لَا يَتَحرَّكون كأَنَّهم قَدْ سَكَنُوا. وَقَالَ: غَمًى الْبَيْتِ فقَصر، وَقَالَ: أَقرب لَهَا وأَبعد إِذَا تكلَّمْت بكلمةٍ وتَكلَّم الآخرُ بِكَلِمَةٍ، قَالَ: أَنا أَقْرَبُ لَهَا مِنْكَ أَي أَنا أَقْرَبُ إِلَى الصوابِ مِنْكَ. والغَمَى: سَقْفُ البيتِ، فَإِذَا كسَرْتَ الغينَ مَدَدْت، وَقِيلَ: الغَمَى القَصَب وَمَا فَوقَ السَّقْفِ مِنَ التُّرابِ وَمَا أَشْبَهه، وَالتَّثْنِيَةُ غَمَيان وغَمَوان؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ: وَالْجَمْعُ أَغْمِيَةٌ، وَهُوَ شاذٌ، وَنَظِيرُهُ نَدًى وأَنْدِيةٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَغْمِيَةً جمعُ غِمَاءٍ كرِداءٍ وأَرْدِيةٍ، وأَن جَمْعَ غَمًى إِنَّمَا هُوَ أَغْمَاءٌ كنَقًى وأَنْقاءٍ. وَقَدْ غَمَيْت البيتَ وغَمَّيْته إِذَا سقفْتَه. ابْنُ دُرَيْدٍ: وغَمَى البيتِ مَا غَمَّى عَلَيْهِ أَي غَطَّى؛ وَقَالَ الْجَعْدِيُّ يَصِفُ ثَوْرًا فِي كِناسِه:

مُنَكِّب رَوْقَيْه الكِناسَ كَأَنَّهُ

مُغَشًّى غَمًى إِلَّا إِذَا مَا تَنَشَّرا

قَالَ: تَنَشَّر خَرَجَ مِنْ كِنَاسِهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: غَمَى كُلِّ شيءٍ أَعلاه. والغَمَى أَيضاً: مَا غُطِّي بِهِ الفرسُ ليَعْرَقَ؛ قَالَ غَيْلانُ الرَّبَعي يَصِفُ فَرَسًا:

مُداخَلًا فِي طِوَلٍ وأَغْمَاءْ

وأُغْمِيَ يومُنا: دامَ غَيْمُه. وأُغْمِيَتْ ليلَتُنا: غُمَّ هلالُها، ولَيْلَة مُغْمَاةٌ. وَفِي حَدِيثِ الصَّوْمِ:

فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكمْ

، وَفِي رِوَايَةٍ:

فَإِنْ غُمِّي عَلَيْكُمْ.

يُقَالُ: أُغْمِيَ عَلينا الهِلالُ وغُمِّيَ، فَهُوَ مُغْمىً ومُغَمّىً إِذَا حالَ دونَ رُؤْيته غَيمٌ أَو قَتَرَة، كما يقال عَلَيْنَا. وَفِي السَّماء غَمًى وغَمْيٌ إِذَا غُمَّ عَلَيْهِمُ الهِلالُ، وَلَيْسَ مِنْ لفظِ غُمَّ. الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ صُمْنا للِغُمَّى وللْغَمَّى، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، أَيْ صُمنا مِنْ غَيْرِ رُؤيةِ إِذَا غُمَّ علَيهم الْهِلَالُ، وأَصلُ التَّغْمِيَة الستْرُ والتَّغْطِيَة؛ وَمِنْهُ أُغْمِيَ عَلَى الْمَرِيضِ إِذَا أُغْشِيَ عَلَيْهِ، كأَنَّ المَرَضَ سَتَر عَقْلَه وغَطَّاه، وَهِيَ لَيْلَةُ الغُمَّى؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

لَيْلَة غُمَّى طامِس هِلالُها

أَوْغَلْتُها ومُكْرَةٌ إيغالُها

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا الْفَصْلُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ هَاهُنَا، وحقُّ هَذَا الْفَصْلِ أَن يُذْكَرَ فِي فَصْلِ غَمَمَ لَا فِي فَصْلِ غَمى لأَنه مِنْ غُمَّ علَيهم الهلالُ. التَّهْذِيبُ: وَفِي الحديث

فإن غُمِّيَ علَيكُم

، وَفِي رِوَايَةٍ:

فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ

، وَفِي رِوَايَةٍ:

فَإِنْ غُمَّ علَيْكُمْ فأَكْمِلوا العِدَّةَ

، وَالْمَعْنَى واحدٌ. يُقَالُ: غُمَّ علَينا الهِلالُ فَهُوَ مَغْمُومٌ، وأُغْمِيَ فَهُوَ مُغْمًى. وَكَانَ عَلَى السَّمَاءِ غَمْيٌ، مِثْلُ غَشْيٍ، وغَمٌّ، فحالَ دونَ رُؤيَة الهلالِ.

غنا: فِي أَسْماء اللَّهِ عز وجل: الغَنِيُّ. ابْنُ الأَثير: هُوَ الَّذِي لَا يَحْتاجُ إِلَى أَحدٍ فِي شيءٍ وكلُّ أَحَدٍ مُحْتاجٌ إِلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الغِنى المُطْلَق وَلَا يُشارِك

ص: 135

اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ غيرُهُ. وَمِنْ أَسمائه المُغْنِي، سبحانه وتعالى، وَهُوَ الَّذِي يُغني مَنْ يشاءُ مِنْ عِباده. ابْنُ سِيدَهْ: الغِنَى، مقصورٌ، ضدُّ الفَقْر، فَإِذَا فُتِح مُدَّ؛ فأَما قَوْلُهُ:

سَيُغْنِيني الَّذِي أَغْنَاكَ عَنِّي،

فَلَا فَقْرٌ يدُومُ وَلَا غِناءٌ

فَإِنَّهُ: يُروى بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، فَمَنْ رَوَاهُ بِالْكَسْرِ أَراد مصدَرَ غَانَيْت، وَمَنْ رَوَاهُ بِالْفَتْحِ أَراد الغِنى نَفْسه؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: إِنَّمَا وَجْهُه وَلَا غَناء لأَن الغَناء غيرُ خارجٍ عَنْ مَعْنَى الغِنى؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ أَنشده مَنْ يُوثَقُ بعِلْمِه. وَفِي الْحَدِيثِ:

خيرُ الصَّدَقَةِ مَا أَبْقَتْ غِنًى

، وَفِي رِوَايَةٍ:

مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى

أَي مَا فَضَل عَنْ قُوت الْعِيَالِ وكِفايتِهِمْ، فَإِذَا أَعْطَيْتَها غَيْرَك أَبْقَيْتَ بعدَها لكَ ولهُم غِنًى، وَكَانَتْ عَنِ اسْتِغْناءٍ منكَ، ومِنْهُم عَنْها، وَقِيلَ: خيرُ الصَّدَقَة مَا أَغْنَيْتَ بِهِ مَن أَعْطَيْته عَنِ المسأَلة؛ قَالَ: ظَاهِرُ هَذَا الكلامِ أَنه مَا أَغْنى عَنِ المَسْأَلة فِي وقْتِه أَو يَوْمِه، وأَما أَخْذُه عَلَى الإِطلاق فَفِيهِ مَشقَّة للعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ الْخَيْلِ:

رجلٌ رَبَطها تَغَنِّياً وتَعَفُّفًا

أَي اسْتَغْناءً بِهَا عَنِ الطَّلب مِنَ النَّاسِ. وَفِي حَدِيثِ الجُمعة:

مَن اسْتَغْنَى بلَهْوٍ أَو تِجارةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ، واللهُ غَنِيٌّ حَمِيد

، أَي اطَّرَحَه اللهُ ورَمَى بِهِ مِنْ عَيْنه فِعْلَ مَنِ اسْتَغْنَى عَنِ الشَّيْءِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: جَزاهُ جَزاءَ اسْتِغْنائه عَنْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ. وَقَدْ غَنِيَ بِهِ عَنْهُ غُنْيَة وأَغْناه اللَّهُ. وَقَدْ غَنِيَ غِنىً واسْتَغْنَى واغْتَنَى وتَغَانَى وتَغَنَّى فَهُوَ غَنِيٌّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بالقرآنِ

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كَانَ سفيانُ بنُ عُيَيْنة يَقُولُ ليسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَسْتَغنِ بِالْقُرْآنِ عَنْ غيرِه وَلَمْ يَذْهَبْ بِهِ إِلَى الصَّوْتِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا جائزٌ فَاشٍ فِي كلام العرب، ويقول: تَغَنَّيْت تَغَنِّياً بِمَعْنَى اسْتَغْنَيْت وتَغانَيْتُ تَغانِياً أَيضاً؛ قَالَ الأَعشى:

وكُنْتُ امْرَأً زَمَناً بالعِراق،

عَفِيفَ المُناخِ طَويلَ التَّغَنْ

يُرِيدُ الاسْتِغْناءَ، وَقِيلَ: أَرادَ مَنْ لَمْ يَجْهَر بِالْقِرَاءَةِ. قَالَ الأَزهري: وأَما الْحَدِيثُ الْآخَرُ

مَا أَذِنَ اللَّهُ لشيءٍ كأَذَنِه لنَبيٍّ يَتَغَنَّى بالقرآنِ يَجْهَرُ بِهِ

، قَالَ: فإنَّ عبدَ الملِك أَخْبرني عَنِ الرَّبِيعِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنه قَالَ مَعْنَاهُ تَحْسِينُ القِراءةِ وتَرْقِيقُها، قَالَ: وَمِمَّا يُحَقّقُ ذَلِكَ الحديثُ الآخرُ

زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ

، قَالَ: ونحوَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ؛ وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الَّذِي حَصَّلْناه مِنْ حُفَّاظ اللُّغَةِ فِي

قَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: كأَذَنِه لِنَبيٍّ يَتَغَنَّى بالقرآنِ

، أَنه عَلَى مَعْنَيَيْنِ: عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ، وَعَلَى التَّطْرِيبِ؛ قَالَ الأَزهري: فَمَنْ ذهَب بِهِ إِلَى الِاسْتِغْنَاءِ فَهُوَ مِنَ الغِنَى، مقصورٌ، وَمَنْ ذهَب بِهِ إِلَى التَّطْرِيبِ فَهُوَ مِنَ الغِنَاء الصَّوْتِ، ممدودٌ. الأَصمعي فِي الْمَقْصُورِ وَالْمَمْدُودِ: الغِنَى مِنَ الْمَالِ مقصورٌ، وَمِنَ السَّماعِ مَمْدُودٌ، وكلُّ مَنْ رَفَع صوتَه ووَالاهُ فصَوْتُه عِنْدَ الْعَرَبِ غِناءٌ. والغَنَاءُ، بالفتح: النَّفْعُ. والغِناء، بِالْكَسْرِ: مِنَ السَّماع. والغِنَى، مقصورٌ: اليَسارُ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: كَانَتِ الْعَرَبُ تتَغَنَّى بالرُّكْبانيِّ، «3» إِذَا رَكِبَت الإِبلَ، وَإِذَا جَلَست فِي الأَفْنِية وَعَلَى أَكثر أَحوالها، فلمَّا نَزَلَ القرآنُ أَحبَّ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، أَن يَكُونَ هِجِّيرَاهُم بِالْقُرْآنِ

(3). قوله [الركباني] في هامش نسخة من النهاية: هو نشيد بالمد والتمطيط يعني لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يضع القرآن موضع الركباني في اللهج به والطرب عليه.

ص: 136

مكانَ التَّغَنِّي بالرُّكْبانيِّ، وأَوَّلُ مَن قرَأَ بالأَلحانِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرة، فَوَرِثَه عَنْهُ عَبَيْدُ اللَّهِ بنُ عُمر، وَلِذَلِكَ يُقَالُ قرأْتُ العُمَرِيَّ، وأَخَذ ذَلِكَ عَنْهُ سعيدٌ العَلَّافُ الإِباضيُّ. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها: وَعِنْدِي جارِيتان تُغَنِّيانِ بغِناءِ بُعاثَ

أَي تُنْشِدانِ الأَشعارَ الَّتِي قيلَتْ يومَ بُعاث، وَهُوَ حربٌ كَانَتْ بَيْنَ الأَنصار، وَلَمْ تُرِدِ الغِناء المعروفَ بَيْنَ أَهلِ اللَّهْوِ واللَّعِبِ، وَقَدْ رَخَّصَ

عُمَرُ، رضي الله عنه، فِي غناءِ الأَعرابِ وَهُوَ صوتٌ كالحُداءِ.

واسْتَغْنَى اللهَ: سأَله أَن يُغْنِيهَ؛ عَنِ الهَجَري، قَالَ: وَفِي الدُّعَاءِ

اللهمَّ إِنِّي أَسْتَغْنِيكَ عَنْ كلِّ حازِمٍ، وأَسْتَعِينُك عَلَى كلِّ ظالِمٍ.

وأَغْناهُ اللهُ وغَنَّاه، وَقِيلَ: غَنَّاه فِي الدُّعَاءِ وأَغْناه فِي الْخَبَرِ، وَالِاسْمُ مِنَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الشَّيْءِ الغُنْيَة والغُنْوة والغِنْية والغُنْيانُ. وتَغانُوا أَي اسْتَغْنَى بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ؛ قَالَ المُغيرة بْنُ حَبْناء التَّميمي.

كِلانا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيه حَياتَه،

ونَحْنُ إِذَا مُتْنا أَشَدُّ تَغَانِيَا

واسْتَغْنَى الرجلُ: أَصابَ غِنًى. أَبو عُبَيْدٍ: أَغْنَى اللهُ الرجلَ حَتَّى غَنِيَ غِنًى أَي صَارَ لَهُ مالٌ، وأَقناه اللهُ حَتَّى قَنِيَ قِنًى وَهُوَ أَن يَصيرَ لَهُ قِنيةٌ مِنَ الْمَالِ. قَالَ اللَّهُ عز وجل: وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى

. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه، أَنَّ غُلاماً لأُناسٍ فُقَراء قَطَع أُذُنَ غُلامٍ لأَغْنِياءَ، فأَتَى أَهلُه النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، فلم يَجْعَلْ عليه شَيْئًا.

قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الخطَّابي كانَ الغلامُ الْجَانِي حُرًّا وَكَانَتْ جِنايتُه خَطَأً وَكَانَتْ عاقِلَتُه فقراءَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ لفَقْرِهم. قَالَ: ويُشْبِه أَن يَكُونَ الغلامُ المَجْنيّ عَلَيْهِ حُرًّا أَيضاً، لأَنه لَوْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يَكُنْ لاعتذارِ أَهلِ الْجَانِي بالفَقْرِ مَعْنًى، لأَن الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ عَبْدًا كَمَا لَا تحْمِلُ عَمْداً وَلَا اعْتِرَافًا، فَأَمَّا المَمْلوك إِذَا جنَى عَلَى عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ فجنايَتُه فِي رَقَبَتِه، وللفُقهاء فِي اسْتِيفائها مِنْهُ خلافٌ؛ وَقَوْلُ أَبِي المُثَلّم:

لَعَمْرُكَ والمَنايا غالِياتٌ،

وَمَا تُغْنِي التَّمِيماتُ الحِمامَا»

أَرَادَ مِنَ الحِمامِ، فحذَفَ وعَدَّى. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما مَا أُثِرَ مِنْ أَنه قيلَ لابْنةِ الخُسِّ مَا مِائةٌ مِنَ الضأْنِ فَقَالَتْ غِنَى، فرُوِي لِي أَن بعضَهم قَالَ: الغِنَى اسمُ المِائةِ مِنَ الغَنمِ، قَالَ: وَهَذَا غيرُ معروفٍ فِي موضوعِ اللغةِ، وَإِنَّمَا أَرادَتْ أَن ذَلِكَ العدَدَ غِنًى لمالِكِه كَمَا قِيلَ لَهَا عِنْدَ ذَلِكَ وَمَا مِائةٌ مِنَ الإِبلِ فَقَالَتْ مُنى، فَقِيلَ لَهَا: وَمَا مِائة مِنَ الْخَيْلِ؟ فَقَالَتْ: لَا تُرَى؛ فمُنى وَلَا تُرَى لَيْسَا باسمَين لِلْمِائَةِ مِنَ الإِبلِ والمِائةِ مِنَ الخَيْلِ، وكتَسْمِية أَبِي النَّجْم فِي بعضِ شعْره الحِرْباء بالشقِيِّ، وَلَيْسَ الشَّقِيُّ باسمٍ للحِرْباء، وَإِنَّمَا سمَّاه بِهِ لمكابَدَتِه للشمسِ واستِقبالِه لَهَا، وَهَذَا النحوُ كثيرٌ. والغَنِيُّ والغَانِي: ذُو الوَفْرِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي لعَقِيل بْنِ عُلَّفة قَالَ:

أَرى المالَ يَغْشَى ذَا الوُصُومِ فَلَا تُرى،

ويُدْعى مِنَ الأَشرافِ مَن كَانَ غَانِيا

وقال طَرَفَةُ:

وَإِنْ كنتَ عَنْهَا غَانِياً فاغْنَ وازْدَدِ

وَرَجُلٌ غانٍ عَنْ كَذَا أَي مُسْتَغْنٍ، وَقَدْ غَنِيَ عَنْهُ. وَمَا لَك عَنْهُ غِنًى وَلَا غُنْيَةٌ وَلَا غُنْيانٌ وَلَا مَغْنًى أَي مَا لَكَ عنهُ بُدٌّ. وَيُقَالُ: مَا يُغْنِي عَنْكَ هَذَا أي

(1). قوله [غاليات] هو هكذا في المحكم بالمثناة.

ص: 137

مَا يُجْزِئُ عَنْكَ وَمَا يَنْفَعُك. وَقَالَ فِي مُعْتَلِّ الأَلف: لِي عَنْهُ غُنْوَةٌ أَي غِنًى؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَالْمَعْرُوفِ غُنْيَة. والغانِيَةُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي غَنِيَتْ بالزَّوْج؛ وَقَالَ جَمِيلٌ:

أُحبُّ الأَيامى: إذْ بُثَيْنَةُ أَيِّمٌ،

وأَحْبَبْتُ لمَّا أَن غَنِيتِ الغَوَانِيَا

وغَنِيَت المرأةُ بزَوْجِها غُنْيَاناً أَي اسْتَغْنَتْ، قَالَ قَيْسُ بنُ الخَطيم:

أَجَدَّ بعَمْرة غُنْيَانُها،

فتَهْجُرَ أَمْ شانُنا شانُها؟

والغَانِيَةُ مِنَ النِّسَاءِ: الشابَّة المُتَزَوّجة، وجمعُها غَوَانٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لنُصَيْب: فهَل تَعُودَنْ لَيالينا بِذِي سَلمٍ، كَمَا بَدَأْنَ، وأَيّامي بِهَا الأُوَلُ أَيّامُ لَيلى كعابٌ غيرُ غانِيَةٍ، وأَنتَ أَمْرَدُ معروفٌ لَك الغَزَلُ والغَانِيَة: الَّتِي غَنِيَتْ بحُسْنِها وَجَمَالِهَا عَنِ الحَلْي، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تُطْلَب وَلَا تَطْلُب، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي غَنِيَتْ ببَيْتِ أَبَويْها وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا سِباءٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذِهِ أَعْزَبُها؛ وَهِيَ عَنِ ابْنِ جِنِّي، وَقِيلَ: هِيَ الشابَّة العَفيفة، كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَو لَمْ يكُنْ. الْفَرَّاءُ: الأَغْنَاءُ إملاكاتُ العَرائسِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الغِنَى التَّزْويجُ، والعَرَبُ تَقُولُ: الغِنَى حِصْنُ العَزَب أَي التَّزْويجُ. أَبو عُبَيْدَةَ: الغَوَانِي ذواتُ الأَزْواج؛ وأَنشد:

أَزْمانُ لَيْلَى كعابٌ غيرُ غَانِيَةٍ

وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ عَنْ عِمَارَةَ: الغَوَانِي الشَّوابُّ اللَّواتي يُعْجِبْنَ الرجالَ ويُعْجِبُهُنَّ الشُّبَّانُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الغَانِيَة الجاريَةُ الحَسْناءُ، ذاتَ زوْج كَانَتْ أَو غيرَ ذاتِ زَوْج، سميِّتْ غانِيَة لأَنها غَنِيَتْ بحُسْنِها عَنِ الزينَة. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: كلُّ امْرأَة غَانِيَةٌ، وَجَمْعُهَا الغَوَانِي؛ وأَما قَوْلُ ابنِ قَيْسِ الرُّقَيَّات:

لَا بارَكَ اللهُ فِي الغَوَانِي، هَلْ

يُصْبِحْنَ إلَّا لَهُنَّ مُطَّلَب؟

فَإِنَّمَا حرَّك الياءَ بالكَسْرة للضَّرُورة ورَدَّه إِلَى أَصْله، وجائزٌ فِي الشِّعْرِ أَن يُرَدَّ الشيءُ إِلَى أَصْله؛ وَقَوْلُهُ

وأَخُو الغَوَانِ مَتَى يَشأْ يَصْرِمْنَهُ،

ويَعُدْنَ أَعْداءً بُعَيْدَ ودادِ

إِنَّمَا أَراد الغَوَانِي، فحذَف الْيَاءَ تَشْبِيهَا لِلام المَعْرفة بِالتَّنْوِينِ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ هَذِهِ الأَشياءُ مِنْ خَواصِّ الأَسماء، فحذَفَ الياءَ لأَجل اللَّامِ كَمَا تحذِفها لأَجل التَّنْوِينِ؛ وَقَوْلُ المثَقّب العَبْدي:

هَلْ عندَ غانٍ لفُؤادٍ صَدِ،

مِنْ نَهْلَةٍ فِي اليَوْمِ أَوْ فِي غَدِ؟

إِنَّمَا أَراد غانِيَةٍ فذَكّرَ عَلَى إِرَادَةِ الشَّخْصِ، وَقَدْ غَنِيَتْ غِنًى. وأَغْنَى عَنْهُ غَنَاء فلانٍ ومَغْناه ومَغْنَاتَه ومُغْناهُ ومُغْنَاتَه: نابَ عَنْهُ وأَجْزَأَ عَنْهُ مُجْزَأَه. والغَنَاءُ، بالفتح: النَّفْعُ. والغَنَاءُ، بِفَتْحِ الْغَيْنِ ممدودٌ: الإِجْزاءُ والكفايَة. يُقَالُ: رَجُلٌ مُغْنٍ أَي مُجْزئٌ كافٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الغَنَاءُ مصدرُ أَغْنَى عنْكَ أَي كَفاكَ عَلَى حَذْفِ الزَّوَائِدِ مِثْلُ قَوْلِهِ:

وبعْدَ عَطائِك المائَةَ الرِّتاعا

وَفِي حَدِيثِ

عُثْمَانَ: أَنّ عَلِيّاً، رضي الله عنهما، بَعث إِلَيْهِ بصَحيفة فَقَالَ لِلرَّسُولِ أَغْنِها عَنَّا

أَي

ص: 138

اصْرفْها وكُفَّها، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ

؛ أَي يَكُفُّه ويَكْفِيه. يُقَالُ: أَغْنِ عَني شَرَّكَ أَي اصْرِفْه وكُفَّهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً

؛ وَحَدِيثُ

ابْنُ مَسْعُودٍ: وأَنا لَا أُغْنِي لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَة

أَي لَوْ كَانَ مَعِي مَنْ يَمْنَعُني لكَفَيْت شَرَّهم وصَرَفْتُهم. وَمَا فِيهِ غَنَاءُ ذَلِكَ أَي إقامَتُه والاضْطلاعُ بِهِ. وغَنِيَ بِهِ أَي عَاشَ. وغَنِيَ القومُ بالدارِ غِنىً: أَقاموا. وغَنِيَ بِالْمَكَانِ: أَقامَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: تَقُولُ غَنِيَ بالمكانِ مَغْنىً وغَنِيَ القومُ فِي دِيارِهم إِذا طالَ مُقامُهم فِيهَا. قَالَ اللَّهُ عز وجل: كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا*

، أَي لَمْ يُقِيموا فِيهَا، وَقَالَ مهَلْهِل:

غَنِيَتْ دارُنا تِهامَةَ فِي الدَّهْر،

وَفِيهَا بَنو مَعَدّ حُلُولا

وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ لِلشَّيْءِ إِذا فَنِيَ كأَنْ لَمْ يَغْنَ بالأَمْسِ أَي كأَنْ لَمْ يَكُنْ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رضي الله عنه: ورَجلٌ سَمَّاهُ الناسُ عالِماً وَلَمْ يَغْنَ فِي العِلْمِ يَوْماً سالِماً

أَي لَمْ يَلْبَثْ فِي أَخْذ العِلْمِ يَوْماً تَامًّا، مِنْ قَوْلِكَ غَنِيتُ بالمَكان أَغْنَى إِذا أَقَمْتَ بِهِ. والمَغَانِي: المنازِلُ الَّتِي كَانَ بِهَا أَهْلُوها، واحِدُها مَغْنىً، وَقِيلَ: المَغْنَى المَنْزِلُ الَّذِي غَنِيَ بِهِ أَهْلُه ثُمَّ ظَعَنُوا عَنْهُ. وغَنِيتُ لَكَ مِنِّي بالبِرِّ والمَوَدَّة أَي بَقِيتُ. وغَنِيَتْ دارُنا تِهامَةَ أَي كَانَتْ دارُنا تِهامة، وأَنشد لمُهَلْهِل: غَنِيَتْ دارنُا أَي كَانَتْ، وَقَالَ تَمِيمُ بنُ مُقْبلٍ:

أَأُمَّ تَمِيمٍ، إِنْ تَرَيْني عَدُوَّكُم

وبَيْتي فَقَدْ أَغْنى الحبيبَ المُصافِيا

أَي أَكونُ الحَبيبَ. الأَزهري: وسمِعْت رجُلًا مِنَ الْعَرَبِ يُبَكِّتُ خَادِمًا لَهُ يَقُولُ أَغْنِ عَنِّي وجهَكَ بَلْ شَرَّك بِمَعْنَى اكْفِني شَرَّك وكُفَّ عَنِّي شَرَّك، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ

، يَقُولُ: يَكْفِيه شُغْلُ نفسِه عَنْ شُغْلِ غَيْرِهِ. والمَغْنَى: واحدُ المَغَانِي وَهِيَ المواضعُ الَّتِي كَانَ بِهَا أَهْلُوها. والغِنَاءُ مِنَ الصَّوتِ: مَا طُرِّبَ بِهِ، قَالَ حُمَيْد بْنُ ثَوْرٍ:

عَجِبْتُ لَهَا أَنَّى يكونُ غِنَاؤها

فَصِيحاً، وَلَمْ تَفْغَرْ بمَنْطِقِها فَما

وَقَدْ غَنَّى بِالشِّعْرِ وتَغَنَّى بِهِ، قَالَ:

تَغَنَّ بالشِّعْرِ، إِمّا كنتَ قائِلَه،

إِنَّ الغِناءَ بِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمارُ

أَراد إِنَّ التَّغَنِّيَ، فوَضَع الِاسْمَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ. وغَنَّاه بالشِّعْرِ وغَنَّاه إِيَّاه. وَيُقَالُ: غَنَّى فلانٌ يُغَنِّي أُغْنِيَّة وتَغَنَّى بأُغْنِيَّة حَسَنة، وَجَمْعُهَا الأَغانِي، فأَمَّا مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

ثُمَّ بَدَتْ تَنْبِضُ أَحْرادُها،

إِنْ مُتَغَنَّاةً وإِنْ حادِيَهْ

فإِنه أَرادَ إِنْ مُتَغَنِّيَةً، فأَبدلَ الياءَ أَلِفاً كَمَا قَالُوا الناصاةُ فِي الناصِية، والقاراةُ فِي القارِيةِ. وغَنَّى بالمرأَة: تَغَزَّلَ بِهَا. وغَنَّاهُ بِهَا: ذَكَّرهُ إِيّاها فِي شِعْرٍ، قَالَ:

أَلا غَنِّنا بالزَّاهِريَّة، إِنَّني

عَلَى النَّأْيِ مِمَّا أَن أُلِمَّ بِهَا ذِكْرَا

وبَيْنَهم أُغنِيَة «2» وإِغْنِيَةٌ يَتَغَنَّون بِهَا أَي نَوعٌ من

(2). 1 قوله «وبينهم أُغْنِية إلخ» في القاموس: وبينهم أُغْنِيَّة كأُثْفِيَّةِ، ويخفف ويكسران.

ص: 139

الغِناء، وَلَيْسَتِ الأُولى بِقَوِيَّةٍ إِذ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ أُفْعُلة إِلا أُسْنُمة، فِيمَنْ رَوَاهُ بِالضَّمِّ، وَالْجَمْعُ الأَغَانِي. وغَنَّى وتَغَنَّى بِمَعْنًى. وغَنَّى بالرجُلِ وتَغَنَّى بِهِ: مَدَحَه أَو هَجاهُ. وَفِي الْخَبَرِ:

أَنَّ بعضَ بَنِي كُلَيْب قَالَ لِجَرِيرٍ هَذَا غَسَّانُ السَّلِيطِي يَتَغَنَّى بِنَا

أَي يَهْجُونا، وَقَالَ جَرِيرٌ:

غَضِبْتُم عَلَيْنَا أَمْ تَغَنَّيْتُم بِنَا،

أَنِ اخْضَرّ مِنْ بَطْنِ التِّلاعِ غَمِيرُها

وغَنَّيْت الرَّكْبَ بِهِ: ذَكَرْتُه لَهُمْ فِي شِعْرٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنَّ الغَزَل والمَدْحَ والهِجاءَ إِنما يُقَالُ فِي كلِّ واحدٍ مِنْهَا غَنَّيْت وتَغَنَّيت بَعْدَ أَن يُلَحَّن فيُغنَّى بِهِ. وغَنَّى الحمامُ وتَغنَّى: صَوّت. والغَناءُ: رَمْلٌ بعَيْنِه، قَالَ الرَّاعِي:

لَهَا خُصُورٌ وأَعْجازٌ يَنُوءُ بِهَا

رَمْلُ الغَناءِ، وأَعْلَى متنها رُؤدُ «1»

التَّهْذِيبُ: ورَمْلُ الغَناءِ ممدودٌ «2» ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

تَنَطَّقْنَ مِنْ رمْلِ الغَناءِ وعُلِّقَتْ،

بأَعْناقِ أُدْمانِ الظِّباءِ، القَلائِدُ

أَي اتَّخَذْن مِنْ رَمْلِ الغَناءِ أَعْجازاً كالكُثْبانِ وكأَنَّ أَعْناقَهُنَّ أَعْناقُ الظِّباء. وَقَالَ الأَصمعي: الغِناءُ موضِعٌ، واسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ الرَّاعِي:

رَمْل الغِناء، وأَعْلى مَتْنِها رُؤدُ

والمُغَنِّي: الفَصِيلُ الَّذِي يَصْرِفُ بِنابِه، قَالَ:

يَا أَيُّها الفُصَيِّلُ المُغَنِّي

وغَنِيٌّ: حَيٌّ من غَطَفان.

غنذي: التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو تُرَابٍ سَمِعتُ الضَّبَابِيَّ يَقُولُ إِنَّ فُلانة لتُعَنْذِي بالناسِ وتُغَنْذِي بِهِمْ أَي تُغْرِي بِهِمْ. ودَفَع اللَّهُ عَنْكَ غَنْذَاتَها أَي إِغْراءَها

غوى: الغَيُّ: الضَّلالُ والخَيْبَة. غَوَى، بالفَتح، غَيّاً وغَوِيَ غَوَايَةً؛ الأَخيرة عَنْ أَبي عُبَيْدٍ: ضَلَّ. ورجلٌ غَاوٍ وغَوٍ وغَوِيٌّ وغَيَّان: ضالٌّ، وأَغْواه هُوَ؛ وأَنشد لِلْمُرَقَّشِ:

فمَنْ يَلْقَ خَيراً يَحْمَدِ الناسُ أَمْرَه

ومَنْ يَغْوَ لَا يَعْدَمْ عَلى الغَيِّ لائمَا

وَقَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّة:

وهَلْ أَنا إِلَّا مِنْ غَزِيَّة، إِن غَوَتْ

غَوَيْتُ، وإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّة أَرْشُدِ؟

ابْنُ الأَعرابي: الغَيُّ الفَسادُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: غَوٍ هُوَ اسمُ الفاعِلِ مِنْ غَوِيَ لَا مِنْ غَوَى، وَكَذَلِكَ غَوِيٌّ، وَنَظِيرُهُ رَشَدَ فَهُوَ راشِدٌ ورَشِدَ فَهُوَ رَشِيدٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ يُطِع اللهَ ورَسُولَه فقَدْ رَشَد وَمَنْ يَعْصِهما فقَدْ غَوَى

؛ وَفِي حَدِيثِ الإِسراء:

لَوْ أَخَذْت الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُك

أَي ضَلَّت؛ وَفِي الْحَدِيثِ:

سَيكونُ عَلَيْكم أَئِمَّةٌ إِن أَطَعْتُموهُم غَوَيْتُم

؛ أَي إِنْ أَطاعُوهم فِيمَا يأْمُرُونَهم بِهِ مِنَ الظُّلْم وَالْمَعَاصِي غَوَوْا أَي ضَلّوا. وَفِي حَدِيثِ

مُوسَى وَآدَمَ، عليهما السلام: أَغْوَيْتَ النَّاسَ

أَي خَيَّبْتَهُم؛ يُقَالُ: غَوَى الرجُلُ خابَ وأَغْوَاه غَيْرُه، وَقَوْلُهُ عز وجل: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى

؛ أَي فسَدَ عَلَيْهِ عَيْشُه، قَالَ: والغَوَّةُ والغَيَّةُ وَاحِدٌ. وَقِيلَ: غَوَى أَي ترَك النَّهْيَ وأَكلَ مِنَ الشَّجَرة فعُوقِبَ بأَنْ أُخْرِجَ

(1). 1 قوله «رؤد» هو بالهمز في الأصل والحكم والتكملة، وفي ياقوت: رود بالواو.

(2)

. 2 قوله «ورمل الغناء ممدود» في التهذيب: مفتوح الأول، وَأَنْشَدَ بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ تنطقن إلخ. وفي معجم ياقوت: أنه بكسر الغين، وأنشد البيت على ذلك.

ص: 140

مِنَ الجنَّة. وَقَالَ اللَّيْثُ: مَصْدَرُ غَوَى الغَيُّ، قَالَ: والغَوَايَةُ الانْهِماكُ فِي الغَيِّ. وَيُقَالُ: أَغْوَاه اللَّهُ إِذا أَضلَّه. وَقَالَ تَعَالَى: فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ

؛ وَحَكَى المُؤَرِّجُ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ غَوَاهُ بِمَعْنَى أَغْوَاهُ؛ وأَنشد:

وكائِنْ تَرَى منْ جاهِلٍ بعدَ عِلْمِهِ

غَوَاهُ الهَوَى جَهْلًا عَنِ الحَقِّ فانْغَوَى

قَالَ الأَزهري: لَوْ كَانَ عَواه الهَوَى بِمَعْنَى لَواهُ وصَرَفه فانْعَوَى كَانَ أَشبَه بكلامِ الْعَرَبِ وأَقرب إِلى الصواب. وقوله تعالى:

فَبِما أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لهُمْ صِراطَك المُسْتَقِيمَ

؛ قيلَ فِيهِ قَولانِ، قَالَ بَعْضُهُم: فَبما أَضْلَلْتَنِي، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَبما دَعَوْتَنِي إِلى شيءٍ غَوَيْتُ بِهِ أَي غَوَيْت مِنْ أَجلِ آدَمَ، لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ أَي عَلَى صِراطِك، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ ضُرِبَ زيدٌ الظَّهْرَ والبَطْنَ الْمَعْنَى عَلَى الظَّهْرِ والبَطْنِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ

؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: الْغاوُونَ

الشياطِينُ، وَقِيلَ أَيضاً: الغَاوُونَ مِنَ النَّاسِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى أَنَّ الشاعرَ إِذا هَجَا بِمَا لَا يجوزُ هَوِيَ ذَلِكَ قَوْمٌ وأَحَبُّوه فَهُمُ الغَاوُون، وَكَذَلِكَ إِن مَدَح مَمْدُوحًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ وأَحَبَّ ذَلِكَ قَوْمٌ وتابَعوه فَهُمُ الغَاوُون. وأَرْضٌ مَغْوَاةٌ: مَضَلة. والأُغْوِيَّةُ: المَهْلَكة: والمُغَوَّيَاتُ، بِفَتْحِ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً، جَمْعُ المُغَوَّاةِ: وَهِيَ حُفْرَةٌ كالزُّبْية تُحْتَفَر للأَسَدِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لمُغَلّس بْنِ لَقِيط:

وإِنْ رَأَياني قَدْ نَجَوْتُ تَبَغَّيَا

لرِجْلي مُغَوَّاةً هَياماً تُرابُها

وَفِي مَثَلٍ لِلْعَرَبِ: مَن حَفَرَ مُغَوَّاةً أَوْشَكَ أَن يَقَع فِيهَا. ووَقَعَ الناسُ فِي أُغْوِيَّةٍ أَي فِي داهيَة. وَرُوِيَ عَنْ

عُمَرَ، رضي الله عنه، أَنه قَالَ: إِن قُرَيْشاً تريدُ أَن تكونَ مُغْوِيَاتٍ لِمَالِ اللهِ

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هَكَذَا رُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ وَكَسْرِ الْوَاوِ، قَالَ: وأَما الَّذِي تَكَلَّمَت بِهِ الْعَرَبُ فالمُغَوَّياتُ، بِالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْوَاوِ، وَاحِدَتُهَا مُغَوَّاةٌ، وَهِيَ حُفْرةٌ كالزُّبْية تُحْتَفَرُ للذئْبِ ويجعلُ فِيهَا جَدْيٌ إِذا نَظر الذئبُ إِليه سقَط عَلَيْهِ يريدهُ فيُصادُ، وَمِنْ هَذَا قيلَ لكلِّ مَهْلَكة مُغَوَّاةٌ؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ:

إِلى مُغَوَّاةِ الفَتى بالمِرْصاد

يُرِيدُ إِلى مَهْلَكَتِه ومَنِيَّتِه، وشَبَّهَها بِتِلْكَ المُغَوَّاةِ، قَالَ: وإِنما أَراد عُمَرُ، رضي الله عنه، أَن قُرَيْشًا تريدُ أَن تكونَ مهلكَةً لِمالِ اللهِ كإِهلاكِ تِلْكَ المُغَوَّاة لِمَا سَقَطَ فِيهَا أَي تكونَ مصايدَ للمالِ ومَهالِكَ كَتِلْكَ المُغَوَّياتِ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: وكلُّ بئرٍ مُغَوَّاةٌ، والمُغَوَّاة فِي بَيْتِ رُؤبة: القَبْرُ. وتَغاوَوْا عَلَيْهِ أَيْ تَعاوَنُوا عَلَيْهِ فقَتَلُوه وتَغاوَوْا عليه: جاؤوه مِنْ هُنا وهُنا وإِن لَمْ يَقْتُلُوه. والتَّغَاوِي: التَّجَمُّع والتَّعاوُن عَلَى الشَّرِّ، وأَصلُه مِنَ الغَواية أَو الغَيِّ؛ يُبَيِّن ذَلِكَ شِعْرٌ لأُخْتِ المنذِرِ بنِ عَمْرٍو الأَنصارِيّ قالَتْه فِي أَخيها حِينَ قَتَله الْكُفَّارُ:

تَغَاوَتْ عَلَيْهِ ذِئابُ الحِجاز

بَنُو بُهْثَةٍ وبَنُو جَعْفَرِ

وَفِي حَدِيثِ

عُثْمَانَ، رضي الله عنه، وقتْلَته قَالَ: فتَغَاوَوْا واللهِ عَلَيْهِ حَتَّى قَتلوه

أَي تَجَمَّعوا. والتَّغَاوِي: التَّعاوُنُ فِي الشَّرِّ، وَيُقَالُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ المسلِم قاتِل المشرِكِ الَّذِي كَانَ يَسُبُّ النبيَّ، صلى الله عليه وسلم،

فتَغَاوَى الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ

، وَيُرْوَى بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ،

ص: 141

قَالَ: وَالْهَرَوِيُّ ذكرَ مَقْتَل عثمانَ فِي الْمُعْجَمَةِ وَهَذَا فِي الْمُهْمَلَةِ. أَبو زَيْدٍ: وقَع فُلَانٌ فِي أُغْوِيَّة وَفِي وامِئة أَي فِي دَاهِيَةٍ. الأَصمعي: إِذَا كَانَتِ الطَّيْرُ تَحُومُ عَلَى الشَّيْءِ قِيلَ هِيَ تَغَايَا عَلَيْهِ وَهِيَ تَسُومُ عَلَيْهِ، وَقَالَ شَمِرٌ: تَغَايَا وتَغَاوَى بِمَعْنًى واحدٍ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

وإنْ تَغَاوَى باهِلًا أَو انْعَكَرْ

تَغَاوِيَ العِقْبانِ يَمْزِقْنَ الجَزَرْ

قَالَ: والتَّغَاوِي الارتقاءُ والانْحِدارُ كأَنه شيءٌ بعضُه فوْق بعضٍ، والعِقْبانُ: جَمْعُ العُقابِ، والجَزَرُ: اللحْمُ. وغَوِيَ الفصيلُ والسَّخْلَة يَغْوِي غَوىً فَهُوَ غَوٍ: بَشِمَ مِنَ اللبنِ وفَسَدَ جَوْفُه، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُمْنَع مِنَ الرَّضاعِ فَلَا يَرْوى حَتَّى يُهْزَل ويَضُرَّ بِهِ الجوعُ وتَسُوءَ حالُه ويموتَ هُزالًا أَو يكادَ يَهْلِكُ؛ قَالَ يَصِفُ قَوْسًا:

مُعَطَّفَة الأَثْناء لَيْسَ فَصِيلُها

بِرازِئِها دَرّاً وَلَا مَيِّت غَوَى

وَهُوَ مصدرٌ يَعْنِي القوسَ وسَهْماً رَمَى بِهِ عَنْهَا، وَهَذَا مِنَ اللُّغَزِ. والغَوَى: البَشَمُ، وَيُقَالُ: العَطَش، وَيُقَالُ: هُوَ الدَّقى؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: غَوِيَ الفَصِيلُ يَغْوَى غَوىً إِذَا لَمْ يُصِبْ رِيّاً مِنَ اللَّبن حَتَّى كَادَ يَهْلِك، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ غَوَيتُ أَغْوَى وَلَيْسَتْ بِمَعْرُوفَةٍ، وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: غَوِيَ الصبيُّ والفَصِيلُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ اللَّبَنِ إلَّا عُلْقَةً، فلَا يَرْوَى وتَراهُ مُحْثَلًا، قَالَ شَمِرٌ: وَهَذَا هُوَ الصحيح عند أَصحابنا. والجوهري: والغَوَى مصدرُ قولِكَ: غَوِيَ الفَصِيلُ والسَّخْلَة، بِالْكَسْرِ، يَغْوَى غَوىً، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ أَنْ لَا يَرْوى مِنْ لِبَإِ أُمّه وَلَا يَرْوى مِنَ اللَّبَنِ حَتَّى يموتَ هُزالًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الظَّاهِرُ فِي هَذَا الْبَيْتِ قولُ ابْنِ السِّكِّيتِ وَالْجُمْهُورِ عَلَى أَن الغَوَى البَشَم مِنَ اللَّبَن. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب يُقَالُ: بتُّ مُغْوًى وغَوًى وغَوِيّاً وقاوِياً وقَوًى وقَويّاً ومُقْوِياً إِذَا بِتَّ مُخْلِياً مُوحِشاً. وَيُقَالُ رأَيته غَوِيّاً مِنَ الْجُوعِ وقَويّاً وَضوِيّاً وطَوِيّاً إِذَا كَانَ جائِعاً؛ وَقَوْلُ أَبي وَجْزَةَ:

حتَّى إِذَا جَنَّ أَغْوَاءُ الظَّلامِ لَهُ

مِنْ فَوْرِ نَجْمٍ مِنَ الجَوزاء مُلْتَهِبِ

أَغْوَاءُ الظَّلام: مَا سَتَرَكَ بسَوادِهِ، وَهُوَ لِغَيَّة ولِغِيَّة أَي لزَنْيَةٍ، وَهُوَ نَقِيضُ قَوْلِكَ لِرَشْدَةٍ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الْكَسْرُ فِي غِيَّةٍ قليلٌ. والغَاوِي: الجَرادُ. تَقُولُ الْعَرَبُ: إِذَا أَخْصَبَ الزمانُ جَاءَ الغَاوِي وَالْهَاوِي؛ الْهَاوِي: الذئبُ. والغَوْغَاء: الجَرادُ إِذَا احْمَرَّ وانْسَلَخ مِنَ الأَلْوان كلِّها وبَدَتْ أَجنِحتُه بَعْدَ الدَّبى. أَبو عُبَيْدٍ: الجَرادُ أَوّل مَا يكونُ سَرْوَةٌ، فَإِذَا تَحَرَّكَ فَهُوَ دَبًى قَبْلَ أَن تَنْبُتَ أَجنِحَتُه، ثُمَّ يكونُ غَوْغاء، وَبِهِ سُمِّي الغَوْغاءُ. والغاغَةُ مِنَ النَّاسِ: وَهُمُ الْكَثِيرُ الْمُخْتَلِطُونَ، وَقِيلَ: هُوَ الْجَرَادُ إِذَا صَارَتْ لَهُ أَجنحة وكادَ يَطيرُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِلَّ فيَطِيرَ، يُذَكَّر ويُؤَنَّث ويُصْرَفُ وَلَا يُصْرف، واحِدتُه غَوْغَاءَةٌ وغَوْغَاةٌ، وَبِهِ سُمِّي الناسُ. والغَوْغَاء: سَفِلَة الناسِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. والغَوْغَاء: شيءٌ يُشبهُ البَعُوضَ وَلَا يَعَضُّ وَلَا يُؤذي وَهُوَ ضَعِيفٌ، فمَن صَرَفه وذَكَّرَهُ جَعَله بِمَنْزِلَةِ قَمْقام، والهمزةُ بدلٌ مِنْ وَاوٍ، وَمَنْ لَمْ يَصْرِفْه جَعَله بِمَنْزِلَةِ عَوْراء. والغَوْغَاء: الصَّوتُ والجَلَبة؛ قَالَ الْحَرِثُ بنُ حِلِّزة الْيَشْكُرِيُّ:

ص: 142

أَجْمَعُوا أَمْرَهم بلَيْلٍ، فلمَّا

أَصْبَحُوا أَصْبَحَت لَهُمْ غَوْغاءُ

وَيُرْوَى: ضَوْضاءُ. وَحَكَى أَبو عَلِيٍّ عَنِ قُطْرُب فِي نوادِرَ لَهُ: أَنّ مُذَكَّرَ الغَوْغاء أَغْوَغُ، وَهَذَا نادرٌ غيرُ مَعْرُوفٍ. وَحُكِيَ أَيضاً: تَغَاغَى عَلَيْهِ الغَوْغَاء إِذَا رَكِبُوه بالشَّرِّ. أَبو الْعَبَّاسِ: إِذَا سَمَّيْتَ رَجُلًا بغَوْغَاء فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إِنْ نَوَيْتَ بِهِ ميزانَ حَمراءَ لَمْ تَصْرِفْهُ، وَإِنْ نَوَيتَ بِهِ ميزانَ قعْقاع صَرَفْتَه. وغَوِيٌّ وغَوِيَّةُ وغُوَيَّةُ: أَسماءٌ. وبَنُو غَيَّانَ: حَيٌّ همُ الَّذِينَ

وَفَدوا عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ أَنتم؟ فَقَالُوا: بَنو غَيّانَ، قَالَ لَهُمْ: بَنُو رَشْدانَ

، فَبَنَاهُ عَلَى فَعْلانَ عِلْمًا مِنْهُ أَن غَيّانَ فَعْلانُ، وأَنَّ فَعْلانَ فِي كَلَامِهِمْ مِمَّا فِي آخِرِهِ الأَلفُ والنونُ أَكثرُ مِنْ فَعَّالٍ مِمَّا فِي آخِرِهِ الأَلف وَالنُّونُ، وتعليلُ رَشْدانَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا

؛ قِيلَ: غيٌّ وادٍ فِي جَهَنَّم، وَقِيلَ: نَهَرٌ، وَهَذَا جَدِيرٌ أَن يَكُونَ نَهَرًا أَعَدَّه اللَّهُ لِلْغَاوِينَ سَمَّاه غَيّاً، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فسَوْفَ يَلْقَوْنَ مُجازاة غَيِّهم، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً؛ أَي مُجازاةَ الأَثامِ. وغَاوَةُ: اسمُ جَبَل؛ قَالَ المُتَلَمّس يُخَاطِبُ عَمْرَو بنَ هِنْد:

فَإِذَا حَلَلْتُ ودُونَ بَيْتيَ غَاوَةٌ،

فابْرُقْ بأَرْضِكَ مَا بَدا لَكَ وارْعُدِ

غيا: الغَايَةُ: مَدَى الشَّيْءِ. والغَايَةُ أَقْصى الشَّيْءِ. الليْثُ: الغَايَةُ مَدى كلِّ شيءٍ وأَلِفُه ياءٌ، وَهُوَ مِنْ تأْليف غَيْنٍ وياءَينِ، وتَصْغيرُها غُيَيَّة، تَقُولُ: غَيَّيْت غَايِةً. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه سابَق بَيْنَ الخَيْلِ فجعَلَ غَايَةَ المُضَمَّرةِ كَذَا

؛ هُوَ مِنْ غَايَة كلِّ شيءٍ مَداهُ ومُنْتَهاه. وغَايَة كلِّ شيءٍ: مُنْتهاهُ، وَجَمْعُهَا غَايَاتٌ وغَايٌ مثلُ ساعَةٍ وساعٍ. قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: الغَايَاتُ فِي العَروضِ أَكْثرُ مُعْتَلًّا، لأَنَّ الغاياتِ إِذَا كَانَتْ فاعِلاتُنْ أَو مَفاعِيلُنْ أَو فَعُولُن فَقَدْ لَزِمَها أَنْ لَا تُحْذَف أَسْبابُها، لأَنَّ آخِرَ البَيتِ لَا يكونُ إِلَّا سَاكِنًا فَلَا يجوزُ أَن يُحْذَف الساكنُ ويكونَ آخِرُ البيتِ مُتَحَرِّكاً، وَذَلِكَ لأَن آخِرَ الْبَيْتِ لَا يَكُونُ إلَّا سَاكِنًا، فَمِنَ الغَايَات المَقْطُوعُ والمَقصورُ والمَكْشوف والمَقْطُوف، وَهَذِهِ كُلُّهَا أَشْيَاءُ لَا تَكُونُ فِي حَشْوِ البيتِ، وسُمِّي غايَةً لأَنه نِهَايَةُ الْبَيْتِ. قَالَ ابْنُ الأَنباري: قَوْلُ النَّاسِ هَذَا الشيءُ غَايَةٌ، مَعْنَاهُ هَذَا الشيءُ علامةٌ فِي جِنْسِه لَا نظيرَ لَهُ أَخذاً مِنْ غايةِ الحَرْب، وَهِيَ الرايَة، وَمِنْ ذَلِكَ غايَةُ الخَمَّارِ خِرْقَةٌ يَرْفَعُها. وَيُقَالُ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ هَذَا الشيءُ غَايَةٌ أَي هو مُنْتَهَى هَذَا الجِنْسِ، أُخِذَ من غَايَة السَّبْقِ، قَصَبَة تُنْصَب فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَكُونُ المُسابَقَةُ إِلَيْهِ ليَأْخُذها السابِقُ. والغَايَة: الرَّايَةُ. يُقَالُ: غَيَّيْت غَايَةً. وَفِي الحَديث:

أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ فِي الكوائنِ قبلَ الساعَةِ مِنْهَا هُدْنَةٌ تكونُ بَيْنَكُم وبين بني الأَصْفرِ فيَغْدِرُون بِكُمْ وتَسِيرُون إِلَيْهِمْ فِي ثمانينَ غَايَةً تَحْتَ كلِّ غَايَةٍ اثْنا عَشَر أَلْفاً

؛ الغَايَةُ والرَّاية سواءٌ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ:

فِي ثَمَانِينَ غابَة

، بِالْبَاءِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَنْ رَوَاهُ

غايَةً

بِالْيَاءِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ الرايَة؛ وأَنشد بَيْتَ لَبِيدٍ:

قَدْ بِتُّ سامِرَها وغَايَةَ تاجِرٍ

وافَيْت، إذْ رُفِعَتْ وعَزَّ مُدامُها

قَالَ: وَيُقَالُ إنَّ صاحِبَ الخَمْرِ كانَتْ لَهُ رايَة

ص: 143

يَرْفَعُها ليُعْرَف أَنَّه بائِعُ خَمْرٍ؛ وَيُقَالَ: بَلْ أَرادَ بِقَوْلِهِ غَايَةَ تاجِرٍ أَنها غَايَة متاعِه فِي الجَودَةِ؛ قَالَ: وَمَنْ رَواه

غابَة

، بِالْبَاءِ، يُرِيدُ الأَجَمَة، شَبَّه كثْرَة الرِّماح فِي الْعَسْكَرِ بِهَا؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَبَعْضُهُمْ رَوَى الْحَدِيثَ

فِي ثَمَانِينَ غَيَايَةً

، وَلَيْسَ ذَلِكَ بمحْفوظ وَلَا موضِعَ للغَياية هَاهُنَا. أَبو زَيْدٍ: غَيَّيْت للقَوم تَغْيِيّاً ورَيَّيْت لَهُمْ تَرْيِيّاً جَعَلْت لَهُمْ غَايَةً وَرَايَةً. وغَايَةُ الخَمَّارِ: رايتُه. وغَيّاها: عَمِلَها، وأَغْيَاها: نَصبَها. والغَايَة: القَصَبة الَّتِي يُصادُ بِهَا العَصافيرُ. والغَيَايَة: السَّحَابَةُ المُنْفَرِدَة، وَقِيلَ: الواقِفة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والغيَايَةُ: ظِلُّ الشمسِ بالغَداةِ والعَشيِّ، وَقِيلَ: هُوَ ضَوْءُ شُعاعِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ هُوَ نَفْسَ الشُّعاعِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فتَدَلَّيْت عَلَيْهِ قافِلًا،

وَعَلَى الأَرضِ غَياياتُ الطَّفَلْ

وكلُّ مَا أَظَلَّك غَيَايَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

تَجِيءُ البَقَرة وآلُ عِمْران يومَ القيامَة كأَنَّهما غَمامَتان أَو غَيَايَتَان

؛ الأَصمعي: الغَيَايَة كُلُّ شيءٍ أَظَلَّ الإِنسانَ فَوْقَ رَأْسِهِ مثلُ السَّحَابَةِ والغَبَرة والظِّلِّ ونحوِه؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ هِلالِ رَمَضَانَ:

فَإِنْ حالَتْ دُونَهُ غَيَايَةٌ

أَي سَحابَةٌ أَو قَتَرة. أَبو زَيْدٍ: نَزلَ الرجُلُ فِي غَيابَةٍ، بِالْبَاءِ أَي فِي هَبْطةٍ مِنَ الأَرض. والغَيَايَة، بِالْيَاءِ: ظِلُّ السَّحابة، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: غَياءَةٌ. وَفِي حَدِيثِ

أُمّ زَرْعٍ: زَوْجي غَياياءُ طَباقاءُ

؛ كَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَي كأَنه فِي غَيايَةٍ أَبداً وظُلْمة لَا يَهْتَدِي إِلَى مَسْلَكٍ يَنْفُذُ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ قَدْ وصَفَتْه بثِقَلِ الرُّوحِ، وأَنه كالظِّلِّ المُتكاثِفِ المُظِلمِ الَّذِي لَا إشْراقَ فِيهِ. وَغَايَا القَوْمُ فَوْقَ رأْسِ فلانٍ بالسَّيفِ: كأَنهم أَظَلُّوه بِهِ. وكلُّ شيءٍ أَظَلَّ الإِنسانَ فَوْق رَأْسِه مِثْلُ السَّحابة والغَبَرة وَالظُّلْمَةِ ونحوِه فَهُوَ غَيَايَة. ابْنُ الأَعرابي: الغَيَايَة تكونُ مِنَ الطَّيرِ الَّذِي يُغَيِّي عَلَى رَأْسِك أَي يُرَفْرِفُ. وَيُقَالُ: أَغْيَا عَلَيْهِ السَّحاب بِمَعْنَى غَايَا إِذَا أَظَلّ عَلَيْهِ؛ وأَنشد:

أَرَبَّتْ بِهِ الأَرْواحُ بَعْدَ أَنيسِه،

وذُو حَوْمَل أَغْيا علَيْه وأَظْلَما

وتَغَايَتِ الطَّيْرُ عَلَى الشَّيْءِ: حامَتْ. وغَيَّتْ: رَفْرَفَتْ. والغَايَةُ: الطَّيْرُ المُرَفْرِفُ، وَهُوَ مِنْهُ. وتَغَايَوْا عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوه أَي جاؤوا مِنْ هُنا وهُنا. وَيُقَالُ: اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وتَغَايَوْا عَلَيْهِ فقَتلُوه، وَإِنِ اشْتُقَّ مِنَ الغاوِي قِيلَ تَغاوَوْا. وَغَيَايَةُ الْبِئْرِ: قَعْرُها مِثْلُ الغَيابَة. وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَرْجَمَةِ غَيَا: وَيُقَالُ فُلَانٌ لِغَيَّةٍ، وَهُوَ نَقِيض قَوْلِكَ لِرَشْدَةٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَلا رُبَّ مَنْ يَغْتابُني وكأَنَّني

أَبوه الَّذِي يُدْعَى إِلَيْهِ ويُنْسَبُ

عَلَى رَشْدَةٍ مِنْ أَمْرِهِ أَو لِغَيَّةٍ،

فيَغْلِبُها فَحْلٌ عَلَى النَّسْلِ مُنْجِبُ

قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: يُروى رَشْدة وغَيَّة، بِفَتْحِ أَوّلهما وَكَسْرِهِ، والله أَعلم.

‌فصل الفاء

فأي: فَأَوْتُه بالعَصا: ضَرَبْتُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. قَالَ اللَّيْثُ: فَأَوْتُ رأْسه فَأْواً وفأَيْتُه فَأْياً إِذَا فَلَقته بالسَّيف، وَقِيلَ: هُوَ ضَرْبُكَ قِحْفَه حَتَّى يَنْفَرِجَ عَنِ الدِّمَاغِ. والانْفِيَاءُ: الانْفراج، وَمِنْهُ اشْتق اسْمُ

ص: 144

الفئةِ، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ. والفَأْوُ: الشَّق. فَأَوْتُ رأْسه فأْواً وفَأَيْتُه فانْفَأَى وتَفَأَّى وفَأَيْت القَدَح فَتَفَأَّى: صَدَعْتُه فَتَصَدَّع. وانْفَأَى القَدَح: انشقَّ. والفَأْو: الصَّدْع فِي الْجَبَلِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والفَأْوُ: مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَهُوَ أَيضاً الوَطِيءُ بَيْنَ الحَرَّتَيْن، وَقِيلَ: هِيَ الدَّارةُ مِنَ الرِّمال؛ قَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:

لَمْ يَرْعَها أَحَدٌ واكْتَمَّ رَوْضتَها

فَأْوٌ، مِنَ الأَرضِ، مَحْفُوفٌ بأَعلامِ

وَكُلُّهُ مِنَ الِانْشِقَاقِ وَالِانْفِرَاجِ. وَقَالَ الأَصمعي: الفَأْو بَطْنٌ مِنَ الأَرض تُطِيفُ بِهِ الرِّمَالُ يَكُونُ مُسْتطِيلًا وَغَيْرَ مُسْتَطِيلٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ فَأْواً لانْفِراج الْجِبَالِ عَنْهُ لأَن الانْفِيَاء الِانْفِتَاحُ والانْفِراج؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

راحَتْ مِنَ الخَرْجِ تَهْجِيراً فَمَا وَقَعَتْ

حَتَّى انْفَأَى الفَأْوُ، عَنْ أَعناقِها، سَحَرا

الْخَرْجُ: مَوْضِعٌ، يَعْنِي أَنها قَطعت الفأْوَ وَخَرَجَتْ مِنْهُ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: الفَأْو اللَّيْلُ؛ حَكَاهُ أَبو لَيْلَى. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا صِحَّتُهُ. التَّهْذِيبَ فِي قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ: حَتَّى انْفَأَى أَي انْكَشَفَ. والفَأْو فِي بَيْتِهِ أَيضاً: طَرِيقٌ بَيْنَ قَارَّتَيْنِ بِنَاحِيَةِ الدَّوّ بَيْنَهُمَا فَجٌّ وَاسِعٌ يُقَالُ لَهُ فَأْوُ الرَّيّان، قَالَ الأَزهري: وَقَدْ مَرَرْتُ بِهِ. والفَأْوَى، مَقْصُورٌ: الفَيْشةُ؛ قَالَ:

وكُنْت أَقُولُ جُمْجُمةٌ، فأَضْحَوْا

هُمُ الفَأْوى وأَسْفَلُها قَفاها

والفِئَة: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، وَالْجَمْعُ فِئَات وفِئُون عَلَى مَا يَطَّرِدُ فِي هَذَا النَّحْوِ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

تَرَى مِنْهُمْ جَماجِمَهم فِئينا

أَي فِرَقًا مُتَفَرِّقَةً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ لأَن الفِئَة الْفِرْقَةُ مِنَ النَّاسِ، مِنْ فَأَوْت بِالْوَاوِ أَي فَرَّقْت وشَقَقْت. قال: وحكي فأَوْتُ فَأَواً وفَأْياً، قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ أَن يَكُونَ فِئَةٌ مِنَ الْيَاءِ. التَّهْذِيبُ: والفِئة، بِوَزْنِ فِعة، الفِرقة مِنَ النَّاسِ، مِنْ فَأَيْت رَأْسَهُ أَي شَقَقْتُهُ، قَالَ: وَكَانَتْ فِي الأَصل فِئْوة بِوَزْنِ فِعْلَة فَنَقَصَ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمر وَجَمَاعَتِهِ: لَمَّا رَجَعُوا مِنْ سَريَّتهم قَالَ لَهُمْ أَنَا فِئَتكم

؛ الفِئَة: الْفِرْقَةُ وَالْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ فِي الأَصل، وَالطَّائِفَةُ الَّتِي تُقيم وَرَاءَ الْجَيْشِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ خَوْفٌ أَو هَزِيمَةٌ التجأُوا إليهم.

فتا: الْفَتَاءُ: الشَّباب. والفَتَى والفَتِيَّةُ: الشابُّ والشابَّةُ، وَالْفِعْلُ فَتُوَ يَفْتُو فَتاء. وَيُقَالُ: افْعَلْ ذَلِكَ فِي فَتائِه. وَقَدْ فَتِيَ، بِالْكَسْرِ، يَفْتَى فَتًى فَهُوَ فَتِيُّ السنِّ بَيِّن الفَتاء، وَقَدْ وُلد لَهُ فِي فَتَاء سِنِّهِ أَولاد؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الفَتَاء، مَمْدُودٌ، مَصْدَرُ الفَتِيِّ؛ وأَنشد لِلرَّبِيعِ بْنِ ضَبْعٍ الْفَزَارِيِّ قَالَ:

إِذَا عاشَ الفَتَى مائتَينِ عَامًا،

فَقَدْ ذهَبَ اللَّذاذةُ والفَتَاء

فَقَصَرَ الْفَتَى فِي أَول الْبَيْتِ ومدَّ فِي آخِرِهِ، وَاسْتَعَارَهُ فِي النَّاسِ وَهُوَ مِنْ مَصَادِرَ الفَتِيِّ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَيُجْمَعُ الفَتَى فِتْياناً وفُتُوًّا، قَالَ: وَيُجْمَعُ الفَتِيُّ فِي السِّنِّ أَفْتَاء. الْجَوْهَرِيُّ: والأَفْتَاء مِنَ الدَّوَابِّ خِلَافُ المَسانِّ، وَاحِدُهَا فَتِيٌّ مِثْلُ يتِيم وأَيتام؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:

وَيْلٌ بزَيْدٍ فَتىً شَيْخٍ أَلُوذُ بِهِ،

فَلَا أُعَشَّى لَدَى زَيْدٍ وَلَا أَرِدُ

ص: 145

فَسَّرَ فَتًى شَيْخٍ فَقَالَ أَي هُوَ فِي حَزْم الْمَشَايِخِ، وَالْجَمْعُ فتْيان وفِتْية وفِتْوة؛ الْوَاوُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وفُتُوٌّ وفُتِيٌّ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَمْ يَقُولُوا أَفْتَاء اسْتَغْنَوْا عَنْهُ بفِتْيَة. قَالَ الأَزهري: وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى الأَفْتَاء. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: لَيْسَ الفَتَى بِمَعْنَى الشَّابِّ والحَدَث إِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْكَامِلِ الجَزْل مِنَ الرِّجَالِ، يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إنَّ الفَتَى حَمّالُ كلِّ مُلِمَّةٍ،

ليسَ الفَتَى بمُنَعَّمِ الشُّبَان

قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ:

قَد يُدْرِكُ الشَّرَفَ الفَتَى، ورِداؤُه

خَلَقٌ، وجَيْبُ قَمِيصِه مَرْقُوعُ

وَقَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:

مَا بَعدَ زَيْد فِي فَتَاةٍ فُرِّقُوا

قَتْلًا وسَبْياً، بَعدَ طُولِ تَآدي

فِي آلِ عَرْف لَوْ بَغَيْتَ لِي الأُسى،

لَوَجَدْتَ فِيهِمْ أُسوةَ العُوّادِ

فتَخَيَّرُوا الأَرضَ الفَضاءَ لِعِزِّهِمْ،

ويَزيدُ رافِدُهُمْ عَلَى الرُّفَّادِ

قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ خَطَبَ إِلَيْهِمْ بَعْضُ الْمُلُوكِ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا أُم كَهْف فَلَمْ يُزوّجوه، فغَزاهم وأَجْلاهم مِنْ بِلَادِهِمْ وقَتَلهم؛ وَقَالَ أَبوها:

أَبَيْتُ أَبَيْتُ نِكاحَ المُلُوك،

كأَني امْرُؤٌ منْ تَمِيم بْنِ مُرّ

أَبَيْتُ اللِّئامَ وأَقْلِيهمُ،

وَهَلْ يُنْكِحُ العَبْدَ حُرُّ بْنُ حُرّ؟

وَقَدْ سَمَّاهُ الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ: خَطَبَ بَعْضُ الْمُلُوكِ إِلَى زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ الأَصغر بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ الأَكبر أَو إِلَى بَعْضِ وَلَدِهِ ابْنَتَهُ يُقَالُ لَهَا أُم كَهْفٍ، قَالَ: وَزَيْدٌ هَاهُنَا قَبِيلَةٌ، والأُنثى فَتاة، وَالْجَمْعُ فَتَياتٌ. وَيُقَالُ لِلْجَارِيَةِ الْحَدَثَةِ فَتاة وَلِلْغُلَامِ فَتًى، وَتَصْغِيرُ الفَتَاة فُتَيَّةٌ، والفَتَى فُتَيٌّ، وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن الفِتْوَان لُغَةٌ فِي الفِتْيَان، فالفُتُوَّة عَلَى هَذَا مِنَ الْوَاوِ لَا مِنَ الْيَاءِ، وَوَاوُهُ أَصل لَا مُنْقَلِبَةٌ، وَأَمَّا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ الفِتْيان فَوَاوُهُ مُنْقَلِبَةٌ، والفَتِيُّ كالفَتى، والأُنثى فَتِيَّة، وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ لِلْجَمَلِ وَالنَّاقَةِ، يُقَالُ للبَكْرة مِنَ الإِبل فَتِيَّة، وَبَكْرٌ فَتِيٌّ، كَمَا يُقَالُ لِلْجَارِيَةِ فَتَاة وَلِلْغُلَامِ فَتًى، وَقِيلَ: هُوَ الشابُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ فِتَاء؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ الرِّقاع:

يَحْسَبُ الناظِرُونَ، مَا لَمْ يُفَرُّوا،

أَنها جِلَّةٌ وهُنَّ فِتَاء

وَالِاسْمُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ الفُتُوّة، انْقَلَبَتِ الْيَاءُ فِيهِ وَاوًا عَلَى حَدِّ انْقِلَابِهَا فِي مُوقِن وكقَضُوَ؛ قَالَ السِّيرَافِيُّ: إِنَّمَا قُلِبَتِ الْيَاءُ فِيهِ وَاوًا لأَن أَكثر هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الْمَصَادِرِ عَلَى فُعولة، إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْوَاوِ كالأُخُوّة، فَحَمَلُوا مَا كَانَ مِنَ الْيَاءِ عَلَيْهِ فَلَزِمَتِ الْقَلْبَ، وَأَمَّا الفُتُوُّ فَشَاذٌّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَنه مِنَ الْيَاءِ، وَالْآخَرُ أَنه جَمْعٌ، وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ الْجَمْعِ تُقْلَبُ فِيهِ الْوَاوُ يَاءً كعِصِيّ وَلَكِنَّهُ حُمِلَ عَلَى مَصْدَرِهِ؛ قَالَ:

وفُتُوٌّ هَجَّرُوا ثُمَّ أَسْرَوا

لَيْلَهمْ، حَتَّى إِذَا انْجابَ حَلُّوا

وَقَالَ جَذِيمَةُ الأَبرش:

فِي فُتُوٍّ، أَنا رابِئهُمْ،

مِنْ كَلالِ غَزْوةٍ ماتُوا

وَلِفُلَانَةَ بِنْتٌ قَدْ تَفَتَّتْ أَي تَشَبَّهَتْ بالفَتَيات وَهِيَ

ص: 146

أَصغرهنَّ. وفُتِّيَت الجاريةُ تَفْتِيةً: مُنِعت مِنَ اللَّعِبِ مَعَ الصِّبيان والعَدْو مَعَهُمْ وخُدِّرت وسُتِرت فِي الْبَيْتِ. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ تَفَتَّتِ الجاريةُ إِذَا راهَقت فخُدِّرت ومُنعت مِنَ اللَّعِبِ مَعَ الصِّبْيَانِ. وَقَوْلُهُمْ فِي حَدِيثِ

الْبُخَارِيِّ: الحَرْب أَوَّل مَا تَكُونُ فُتَيَّةٌ

، قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ عَلَى التَّصْغِيرِ أَي شَابَّةٌ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَتِيَّةٌ، بِالْفَتْحِ. والفَتَى والفَتَاةُ: الْعَبْدُ والأَمة. وَفِي حَدِيثِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: لَا يَقولَنَّ أَحدُكم عَبْدِي وأَمتي وَلَكِنْ ليَقل فَتَايَ وفَتَاتِي

أَي غُلَامِي وَجَارِيَتِي، كأَنه كَرِهَ ذِكْرَ العُبودية لِغَيْرِ اللَّهِ، وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى صاحبَ مُوسَى، عليه السلام، الَّذِي صَحِبَهُ فِي الْبَحْرِ فَتاه فَقَالَ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ

، قَالَ: لأَنه كَانَ يَخْدِمُهُ فِي سَفَرِهِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ: آتِنا غَداءَنا. وَيُقَالُ فِي حَدِيثِ

عِمْرَانَ بْنِ حُصين: جَذَعَةٌ أَحبُّ إليَّ مِن هَرِمةٍ، اللَّهُ أَحقُّ بالفَتاء والكَرَم

؛ الفَتاء، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: الْمَصْدَرُ مِنَ الفَتى السِّنّ «3» . يُقَالُ: فَتِيٌّ بيِّن الفَتاء أَي طَرِيّ السِّنِّ، والكَرمُ الحُسن. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ

؛ المُحصناتُ: الْحَرَائِرُ، والفَتَيَاتُ: الإِماء. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ

؛ جَائِزٌ أَن يَكُونَا حَدَثين أَو شَيْخَيْنِ لأَنهم كَانُوا يُسَمُّونَ الْمَمْلُوكَ فَتًى. الْجَوْهَرِيُّ: الفَتَى السَّخِيُّ الْكَرِيمُ:. يُقَالُ: هُوَ فَتًى بَيِّن الفُتُوَّة، وَقَدْ تَفَتَّى وتَفَاتَى، وَالْجَمْعُ فِتْيَانٌ وفِتْيَة وفُتُوّ، عَلَى فُعُولٍ، وفُتِيٌّ مِثْلُ عُصِيّ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَبدلوا الْوَاوَ فِي الْجَمْعِ وَالْمَصْدَرِ بَدَلًا شَاذًّا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَدَلُ فِي الْجَمْعِ قِيَاسٌ مِثْلُ عُصِيّ وقُفِيٍّ، وأَما الْمَصْدَرُ فَلَيْسَ قَلْبُ الْوَاوَيْنِ فِيهِ يَاءَيْنِ قِيَاسًا مُطَّرِدًا نَحْوَ عَتَا يَعْتُو عُتُوًّا وعُتِيّاً، وأَما إِبْدَالُ الْيَاءَيْنِ وَاوَيْنِ فِي مِثْلِ الفُتُوّ، وَقِيَاسُهُ الفُتِيّ، فَهُوَ شَاذٌّ. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ الْجَوْهَرِيُّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الفَتَى الْكَرِيمُ، هُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ فَتِيَ فَتًى وُصف بِهِ، فَقِيلَ رَجُلٌ فَتًى؛ قَالَ: وَيَدُلُّكَ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُ لَيْلَى الأَخيلية:

فإنْ تَكُنِ القَتْلى بَواءً فإِنَّكُمْ

فَتًى مَا قَتَلْتُم، آلَ عَوْفِ بنِ عَامِرِ

والفَتَيانِ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. يُقَالُ: لَا أَفْعلُه مَا اختلفَ الفَتَيانِ، يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، كَمَا يُقَالُ مَا اختلفَ الأَجَدَّانِ والجَدِيدانِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

مَا لبِثَ الفَتَيانِ أَن عَصَفا بِهِمْ،

ولكُلِّ قُفْلٍ يَسَّرا مِفْتاحا

وأَفْتَاه فِي الأَمر: أَبانَه لَهُ. وأَفْتَى الرجلُ فِي المسأَلة واسْتَفْتَيْته فِيهَا فأَفْتَانِي إفْتَاء. وفُتًى «4» وفَتْوَى: اسْمَانِ يُوضَعَانِ مَوْضِعَ الإِفْتاء. وَيُقَالُ: أَفْتَيْت فُلَانًا رُؤْيَا رَآهَا إِذا عَبَّرْتَهَا لَهُ، وأَفْتَيْتُه فِي مسأَلته إِذا أَجبته عَنْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن قَوْمًا تَفَاتَوا إِليه

؛ مَعْنَاهُ تَحَاكَمُوا إِليه وَارْتَفَعُوا إِليه فِي الفُتْيا. يُقَالُ: أَفْتَاه فِي المسأَلة يُفْتِيه إِذا أَجابه، وَالِاسْمُ الفَتْوَى؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

أَنِخْ بِفِناءِ أَشْدَقَ مِنْ عَدِيٍّ

وَمِنْ جَرْمٍ، وهُمْ أَهلُ التَّفَاتِي «5»

أَي التَّحاكُم وأَهل الإِفتاء. قَالَ: والفُتْيَا تبيين

(3). قوله [الفَتَى السن] كذا في الأصل وغير نسخة يوثق بها من النهاية.

(4)

. قوله [وفُتًى] كذا بالأصل ولعله محرف عن فتيا أو فتوى مضموم الأول.

(5)

. قوله [وهم أهل] في نسخة: ومن أهل.

ص: 147

الْمُشْكِلِ مِنَ الأَحكام، أَصله مِنَ الفَتَى وَهُوَ الشَّابُّ الْحَدَثُ الَّذِي شَبَّ وقَوِي، فكأَنه يُقَوّي مَا أَشكل بِبَيَانِهِ فيَشِبُّ وَيَصِيرُ فَتِيّاً قَوِيًّا، وأَصله مِنَ الفَتَى وَهُوَ الْحَدِيثُ السِّنِّ. وأَفْتَى الْمُفْتِي إِذا أَحدث حُكْمًا. وَفِي الْحَدِيثِ:

الإِثْمُ مَا حَكَّ فِي صَدْرِكَ وإِن أَفْتَاك الناسُ عَنْهُ وأَفْتَوكَ

أَي وإِن جَعَلُوا لَكَ فِيهِ رُخْصة وجَوازاً. وَقَالَ أَبو إِسحق فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً

؛ أَي فاسْأَلهم سُؤَالَ تَقْرِيرٍ أَهم أَشد خَلْقًا أَمْ مَن خَلَقْنَا مِنَ الأُمم السَّالِفَةِ. وَقَوْلُهُ عز وجل: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ

أَي يسأَلونك سؤالَ تَعَلُّم. الْهَرَوِيُّ: والتَّفَاتِي التَّخَاصُمُ، وأَنشد بَيْتَ الطِّرِمَّاحِ: وَهُمْ أَهل التَّفَاتِي. والفُتْيَا والفُتْوَى والفَتْوَى: مَا أَفتى بِهِ الْفَقِيهُ، الْفَتْحُ فِي الفَتْوَى لأَهل الْمَدِينَةِ. والمُفْتِي: مِكيال هِشَامِ بْنِ هُبَيْرَةَ؛ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَضَيْنَا عَلَى أَلف أَفتى بِالْيَاءِ لِكَثْرَةِ ف ت ي وَقِلَّةِ ف ت و، وَمَعَ هَذَا إِنه لَازِمٌ، قَالَ: وَقَدْ قَدَّمْنَا أَن انْقِلَابَ الأَلف عَنِ الْيَاءِ لَامًا أَكثر. والفُتَيُّ: قَدَحُ الشُّطَّارِ. وَقَدْ أَفْتَى إِذا شَرِبَ بِهِ. والعُمَرِيّ: مِكيال اللَّبَنِ، قَالَ: وَالْمُدُّ الْهِشَامِيُّ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يتوضأُ بِهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ. وَرَوَى حَضَرُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقاشِي عَنِ امرأَة مِنْ قَوْمِهِ أَنها حجَّت فمرَّت عَلَى أُمّ سَلَمَةَ فسأَلتها أَن تُرِيَها الإِناء الَّذِي كَانَ يتوضَّأُ مِنْهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فأَخْرجته فَقَالَتْ: هَذَا مَكُّوك المُفتِي، قَالَتْ: أَرِيني الإِناء الَّذِي كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ، فأَخرجته فَقَالَتْ: هَذَا قَفِيزُ المُفْتِي؛ قَالَ الأَصمعي: المُفْتِي مِكيال هِشَامِ بْنِ هُبَيْرَةَ، أَرادت تَشْبِيهَ الإِناء بِمَكُّوكِ هِشَامٍ، أَو أَرادت مَكُّوكَ صَاحِبِ الْمُفْتِي فَحَذَفَتِ الْمُضَافَ أَو مَكُّوكَ الشَّارِبِ وَهُوَ مَا يُكَالُ بِهِ الْخَمْرُ. والفِتْيانُ: قَبيلة مِنْ بَجِيلة إِليهم يُنْسَبُ رِفاعةُ الفِتْيَانِي المحدّث، والله أَعلم.

فجا: الفَجْوَةُ والفُرْجَةُ: المُتَّسَع بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، تَقُولُ مِنْهُ: تَفَاجَى الشيءُ صَارَ لَهُ فَجْوَة. وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ:

كَانَ يَسيرُ العَنَقَ فإِذا وَجَد فَجْوَةً نَصَ

؛ الفَجْوَةُ: الْمَوْضِعُ الْمُتَّسِعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا يُصَلِّينَّ أَحدكم وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبلة فَجْوَة

أَي لَا يَبْعُد مِنْ قِبْلَتِهِ وَلَا سُتْرَتِهِ لئلَّا يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ أَحد. وفَجَا الشيءَ: فَتَحَه. والفَجْوَةُ فِي الْمَكَانِ: فَتْحٌ فِيهِ. شَمِرٌ: فَجَا بابَه يَفْجُوه إِذا فتحه، بلغة طيِء؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَهُ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ؛ وأَنشد لِلطِّرِمَّاحِ:

كَحَبَّةِ السَّاجِ فَجَا بابَها

صُبْحٌ جَلا خُضْرة أَهْدامها

قَالَ: وَقَوْلُهُ فَجا بابَها يَعْنِي الصُّبْحَ، وأَما أَجافَ البابَ فَمَعْنَاهُ ردَّه، وَهُمَا ضِدَّانِ. وانْفَجَى القومُ عَنْ فُلَانٍ: انْفَرجوا عَنْهُ وَانْكَشَفُوا؛ وَقَالَ:

لَمَّا انْفَجَى الخَيْلانِ عَنْ مُصْعَبٍ،

أَدَّى إِليه قَرْضَ صاعٍ بِصَاعِ

والفَجْوةُ والفَجْواء، مَمْدُودٌ: مَا اتَّسع مِنَ الأَرض، وَقِيلَ: مَا اتَّسَعَ مِنْهَا وَانْخَفَضَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ

؛ قَالَ الأَخفش: فِي سَعة، وَجَمْعُهُ فَجَوَات وفِجَاء، وَفَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ بأَنه مَا انْخفضَ مِنَ الأَرض وَاتَّسَعَ. وفَجْوَةُ الدَّارِ: سَاحَتُهَا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

أَلْبَسْتَ قَوْمَكَ مخْزاةً ومَنْقَصةً،

حتَّى أُبِيحُوا وحَلُّوا فَجْوَةَ الدَّارِ

وفَجْوَةُ الحافِر: مَا بَيْنَ الحَوامي. والفَجَا: تَباعُد مَا بَيْنَ الفَخِذين، وَقِيلَ: تَبَاعُدُ مَا

ص: 148

بَيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ وَتَبَاعُدُ مَا بَيْنَ السَّاقَيْنِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْبَعِيرِ تَباعُد مَا بَيْنَ عُرْقُوبَيْه، وَمِنَ الإِنسان تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، فَجِيَ فَجًى، فَهُوَ أَفْجَى، والأُنثى فَجْوَاء. وَقِيلَ: الفَجَا والفَحَجُ وَاحِدٌ. ابْنُ الأَعرابي: والأَفْجَى المُتباعِدُ الْفَخِذَيْنِ الشديدُ الفَحَجِ. وَيُقَالُ: بِفُلَانٍ فَجاً شَدِيدٌ إِذا كَانَ فِي رِجْلَيْهِ انْفِتَاحٌ، وَقَدْ فَجِيَ يَفْجَى فَجًى. ابْنُ سِيدَهْ: فَجِيَت النَّاقَةُ فَجاً عظُم بَطْنُهَا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا صِحَّتُهُ، وَذَكَرَهُ الأَزهري مَهْمُوزًا وأَكده بأَن قَالَ: الفَجأُ مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ؛ عَنِ الأَصمعي. وَقَوْسٌ فَجْواءُ: بَانَ وَتَرُها عَنْ كَبِدها. وفَجاها يَفْجُوها فَجْواً: رَفَعَ وَتَرَها عَنْ كبِدها، وفَجِيَتْ هِيَ تَفْجَى فَجًى؛ وَقَالَ الْعَجَّاجُ:

لَا فَحَجٌ يُرى بِهَا وَلَا فَجَا،

إِذا حِجاجا كلِّ جَلْدٍ مَحَجا

وَقَدِ انْفَجَتْ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لِوَسَطِ الدَّارِ فَجْوَة؛ وَقَوْلُ الْهُذَلِيِّ:

تُفَجِّي خُمامَ الناسِ عَنَّا كأَنَّما

يُفَجِّيهمُ خَمٌّ، مِنَ النَّارِ، ثاقِب

مَعْنَاهُ تَدْفَع. ابْنُ الأَعرابي: أَفْجَى إِذا وَسَّع عَلَى عِياله في النفَقة.

فحا: الفَحَا والفِحَا، مَقْصُورٌ: أَبْزارُ القِدْر، بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا، وَالْفَتْحُ أَكثر، وَفِي الْمُحْكَمِ: الْبِزْرُ، قَالَ: وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الْيَابِسَ مِنْهُ، وَجَمْعُهُ أَفْحَاء. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن أَكل فَحَا أَرْضِنا لَمْ يَضُرّه مَاؤُهَا

، يَعْنِي الْبَصَلُ؛ الفَحَا: تَوابِلُ القُدور كالفُلْفُل والكمُّون وَنَحْوِهِمَا، وَقِيلَ: هُوَ الْبَصَلُ. وَفِي حَدِيثِ

مُعَاوِيَةَ: قَالَ لِقَوْمٍ قَدِموا عَلَيْهِ كُلُوا مِنْ فِحا أَرْضِنا فقَلَّ مَا أَكل قَوْمٌ مِنْ فِحا أَرض فضَرَّهم مَاؤُهَا

؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

كأَنَّما يَبْرُدْنَ بالغَبُوقِ

كلَّ مِدادٍ مِنْ فَحاً مَدْقُوقِ «6»

المِدادُ: جَمْعُ مُدّ الَّذِي يُكَالُ بِهِ، ويَبْرُدْنَ: يَخْلِطْنَ. وَيُقَالُ: فَحِّ قِدْرَك تَفْحِيَةً، وَقَدْ فَحَّيْتُها تَفْحِيَةً. والفَحْوَةُ: الشَّهْدةُ؛ عَنْ كُرَاعٍ. وفَحْوَى القَوْل: مَعناه ولَحْنُه. والفَحْوَى: مَعْنَى مَا يُعرف مِنْ مَذهب الْكَلَامِ، وَجَمْعُهُ الأَفْحَاء. وعرَفت ذَلِكَ فِي فَحْوَى كَلامِه وفَحْوَائِه وفَحَوَائه وفُحَوَائِه أَي مِعراضِه ومَذْهَبِه، وكأَنه مِنْ فَحَّيْت القِدْر إِذا أَلْقَيْتَ الأَبزار، وَالْبَابُ كُلُّهُ بِفَتْحِ أَوله مِثْلُ الحَشا الطَّرَفِ مِنَ الأَطْراف، والغَفا وَالرَّحَى والوغَى والشَّوَى. وَهُوَ يُفَحِّي بِكَلَامِهِ إِلى كَذَا وَكَذَا أَي يَذْهَب. ابْنُ الأَعرابي: الفَحِيَّة الحَساء؛ أَبو عَمْرٍو: هِيَ الفَحْيَةُ والفَحِيَّةُ والفَأْرةُ والفَئِيرَةُ والحَريرةُ: الحَسُوُّ الرَّقِيقُ.

فدى: فَدَيْتُه فِدًى وفِدَاءً وافْتَدَيْتُه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فلَوْ كانَ مَيْتٌ يُفْتَدَى، لَفَدَيْتُه،

بِمَا لَمْ تَكُنْ عَنْهُ النُّفُوسُ تَطِيبُ

وإِنه لَحَسَنُ الفِدْيَةِ. والمُفَادَاةُ: أَن تَدْفَعَ رَجُلًا وتأْخذ رَجُلًا. والفِدَاء: أَن تَشتريه، فَدَيْته بِمَالِي فِدَاءً وفَدَيْتُه بِنَفْسي. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:

وَإِنَّ يأْتُوكم أُسارى تَفْدُوهم

؛ قرأَ ابْنُ كَثِيرٍ وأَبو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ أُسارى بأَلف،

تَفْدُوهم

بِغَيْرِ أَلف، وقرأَ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ أُسارى تُفادُوهُمْ

، بأَلف فِيهِمَا، وقرأَ حَمْزَةُ

أَسْرى

(6). قوله [كل مداد] كذا بالأصل هنا، وتقدم في م د د: كيل مداد، وكذا هو في شرح القاموس هنا.

ص: 149

تَفْدُوهم

، بِغَيْرِ أَلف فِيهِمَا؛ قَالَ أَبو مُعَاذٍ: مَنْ قرأَ

تَفدوهم

فَمَعْنَاهُ تَشتَرُوهم مِنَ العَدُوِّ وتُنْقِذوهم، وأَما تُفادُوهُمْ

فَيَكُونُ مَعْنَاهُ تُماكِسُون مَن هُمْ فِي أَيديهم فِي الثَّمَنِ ويُماكِسُونكم. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْوَزِيرُ ابن المعري فَدَى إِذا أَعطى مَالًا وأَخذ رَجُلًا، وأَفْدَى إِذا أَعطى رَجُلًا وأَخذ مَالًا، وفَادَى إِذا أَعطى رَجُلًا وأَخذ رَجُلًا، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الفِدَاء؛ الفِدَاء، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ وَالْفَتْحِ مَعَ الْقَصْرِ: فَكاكُ الأَسير؛ يُقَالُ: فَدَاه يَفْدِيه فِدَاءً وفَدًى وفَادَاهُ يُفَادِيه مُفَادَاةً إِذا أَعطى فِداءه وأَنقذه. فَدَاه بِنَفْسِهِ وفَدَّاه إِذا قَالَ لَهُ: جُعلت فَداك. والفِدْيَةُ: الفِداء. وَرَوَى الأَزهري عَنْ نُصَير قَالَ: يُقَالُ فَادَيت الأَسِيرَ وفَادَيْتُ الأُسَارَى، قَالَ: هَكَذَا تَقُولُهُ الْعَرَبُ، وَيَقُولُونَ: فَدَيْتُه بأَبي وأُمي وفَدَيْتُه بِمَالِي كأَنه اشْتَرَيْتُهُ وخَلَّصتُه بِهِ إِذا لَمْ يَكُنْ أَسيراً، وإِذا كَانَ أَسيراً مَمْلُوكًا قُلْتَ فَادَيْته، وَكَانَ أَخي أَسيراً ففَادَيْته؛ كَذَا تَقُولُهُ الْعَرَبُ؛ وَقَالَ نُصَيب:

ولَكِنَّني فَادَيْتُ أُمِّي، بَعْدَ ما

عَلا الرأْسَ مِنْهَا كَبْرةٌ ومَشِيبُ

قَالَ: وإِذا قُلْتَ فَدَيت الأَسير فَهُوَ أَيضاً جَائِزٌ بِمَعْنَى فَدَيته مِمَّا كَانَ فِيهِ أَي خَلَّصْتُهُ مِنْهُ، وفَادَيْت أَحسن فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ

أَي جَعَلْنَا الذِّبح فِداء لَهُ وخَلَّصناه بِهِ مِنَ الذَّبح. الْجَوْهَرِيُّ: الفِداء إِذا كُسِرَ أَوله يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، وإِذا فُتِحَ فَهُوَ مَقْصُورٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ الْقَصْرِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فِدًى لَكَ عَمِّي، إِنْ زَلِجْتَ، وَخَالِي

يُقَالُ: قُمْ: فِدًى لَكَ أَبي، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَكْسِرُ فِداءٍ، بِالتَّنْوِينِ، إِذا جَاوَرَ لَامَ الْجَرِّ خَاصَّةً فَيَقُولُ فِداءٍ لَكَ لأَنه نَكِرَةٌ، يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنَى الدعاءِ؛ وأَنشد الأَصمعي لِلنَّابِغَةِ:

مَهْلًا فِدَاءٍ لَكَ الأَقْوامُ كُلُّهُمُ،

وَمَا أُثَمِّرُ مِنْ مَالٍ وَمِنْ وَلَدِ

وَيُقَالُ: فَدَاه وفَادَاه إِذا أَعطى فِداءَه فأَنْقَذه، وفَدَاه بِنَفْسِهِ وفَدَّاهُ يُفَدِّيه إِذا قَالَ لَهُ جُعِلت فَداك. وتَفَادَوا أَي فَدى بَعْضُهُمْ بعْضاً. وافْتَدَى مِنْهُ بِكَذَا وتَفَادَى فُلَانٌ مِنْ كَذَا إِذا تَحاماه وانزَوى عَنْهُ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

مُرِمّين مِنْ لَيْثٍ عَليْه مَهابةٌ،

تَفَادَى اللُّيُوثُ الغُلْبُ مِنْهُ تَفَادِيا «1»

والفِدْيَة والفَدَى والفِدَاءُ كُلُّهُ بِمَعْنًى. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقْصُرُ الفِدَاء وَتَمُدُّهُ، يُقَالُ: هَذَا فِدَاؤُك وفِداك، وَرُبَّمَا فَتَحُوا الْفَاءَ إِذا قَصَرُوا فَقَالُوا فَداك، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فَدًى لَكَ، فَيَفْتَحُ الْفَاءَ، وأَكثر الْكَلَامِ كَسْرُ أَولها وَمَدُّهَا؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ وعَنَى بالرَّبِّ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ:

فَدًى لَكَ مِنْ رَبٍّ طَريفِي وتالِدِي

قَالَ ابْنُ الأَنباري: فِدَاء إِذا كُسرت فاؤُه مُدَّ، وإِذا فُتِحَت قُصِرَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

مَهْلًا فِداءً لَكَ يَا فَضالَهْ،

أَجِرَّه الرُّمْحَ وَلَا تُهالَهْ

وأَنشد الأَصمعي:

فِدًى لَكَ والِدِي وفَدَتْكَ نَفْسِي

وَمَالِي، إِنه مِنكُم أَتاني

فَكَسَرَ وَقَصَرَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَوْلُ الشاعر:

(1). قوله [مرمين] هو من أرمّ القوم أَي سكتوا.

ص: 150

فاغْفِرْ فِداءً لَكَ مَا اقْتَفَيْنا

قَالَ: إِطلاق هَذَا اللَّفْظِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ وَالِاسْتِعَارَةِ، لأَنه إِنما يُفْدَى مِنَ المَكارِه مَن تَلْحَقُهُ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْفِدَاءِ التَّعْظِيمَ والإِكبار لأَن الإِنسان لَا يُفَدِّي إِلا مَنْ يُعَظِّمُهُ فَيَبْذُل نَفْسَهُ لَهُ، وَيُرْوَى فداءٌ، بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

يَلْقَمُ لَقْماً ويُفَدِّي زادَه،

يَرْمِي بأَمْثال القَطا فُؤادَه

قَالَ: يُبْقِي زَادَهُ ويأْكل مِنْ مَالِ غَيْرِهِ؛ قَالَ وَمِثْلُهُ:

جَدْح جُوَيْنٍ مِنْ سَوِيقٍ لَيْسَ لَه

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ

؛ إِنما أَراد فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَو بِهِ أَذًى مِنْ رأْسه فحلَق فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ، فَحَذَفَ الْجُمْلَةَ مِنَ الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ. وأَفْدَاه الأَسيرَ: قَبِلَ مِنْهُ فِدْيَته؛ وَمِنْهُ

قَوْلُهُ، صلى الله عليه وسلم، لِقُرَيْشٍ حِينَ أُسِرَ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ والحَكَم بْنُ كَيْسان: لَا نُفْدِيكُمُوهما حَتَّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا

، يَعْنِي سعْد بْنَ أَبي وقَّاص وعُتْبةَ بْنَ غَزْوان. والفَدَاء، مَمْدُودٌ بِالْفَتْحِ: الأَنبار، وَهُوَ جَمَاعَةُ الطَّعَامِ مِنَ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ والبُر وَنَحْوِهِ. والفَدَاء: الكُدْس مِنَ البُر، وَقِيلَ: هُوَ مَسْطَحُ التَّمْرِ بِلُغَةِ عَبْدِ الْقَيْسِ؛ وأَنشد يَصِفُ قَرْيَةً بقلَّة الْمِيرَةِ:

كأَنَّ فَدَاءها، إِذ جَرَّدُوه

وطافُوا حَوْلَه، سُلَكٌ يَتِيمُ «1»

شَبَّهَ طَعَامَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ حِينَ جُمع بَعْدَ الحَصاد بسُلَك قَدْ مَاتَتْ أُمه فَهُوَ يَتِيمٌ، يُرِيدُ أَنه قَلِيلٌ حَقِيرٌ، وَيُرْوَى سُلَفٌ يَتِيمٌ، والسُّلَفُ: وَلَدُ الحَجل، وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي جَمْعِهِ الأَفْدَاء، وَقَالَ فِي تَفْسِيرِهِ: التَّمْرُ الْمَجْمُوعُ. قَالَ شَمِرٌ: الفَدَاء والجُوخانُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَوْضِعُ التَّمْرِ الَّذِي يُيَبَّس فِيهِ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ بَنِي مُجاشِع الفَدَاء التَّمْرُ مَا لَمْ يُكْنَز؛ وأَنشد:

مَنَحْتَني، مِنْ أَخْبَثِ الفَدَاءِ،

عُجْرَ النَّوَى قَليلَةَ اللِّحاءِ

ابْنُ الأَعرابي: أَفْدَى الرجلُ إِذا باعَ، وأَفْدَى إِذا عظُم بدنُه. وفَدَاء كُلِّ شَيْءٍ حَجْمه، وأَلفه يَاءٌ لِوُجُودِ ف د ي وَعَدَمِ ف د و. الأَزهري: قَالَ أَبو زَيْدٍ فِي كِتَابِ الْهَاءِ وَالْفَاءِ إِذا تَعَاقَبَا: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا حدَّث بِحَدِيثٍ فعدَل عَنْهُ قَبْلَ أَن يَفْرُغ إِلى غَيْرِهِ خُذ عَلَى هِدْيَتِك وفِدْيَتِك أَي خُذ فِيمَا كُنْتَ فِيهِ وَلَا تَعْدِل عَنْهُ؛ هَكَذَا رَوَاهُ أَبو بَكْرٍ عَنْ شَمِرٍ وَقَيَّدَهُ فِي كِتَابِهِ بِالْقَافِ، وقِدْيَتُك، بِالْقَافِ، هُوَ الصواب.

فرا: الفَرْو والفَرْوَة: مَعْرُوفٌ الَّذِي يُلبس، وَالْجَمْعُ فِراء، فإِذا كَانَ الفَرْو «2» ذَا الجُبَّة فَاسْمُهَا الفَرْوَة؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

إِذا التَفّ دُونَ الفَتاةِ الكَمِيع،

وَوَحْوَح ذُو الفَرْوَةِ الأَرْمَلُ

وأَورد بَعْضُهُمْ هَذَا الْبَيْتَ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى الْفَرْوَةِ الوَفْضَة الَّتِي يَجْعَلُ فِيهَا السَّائِلُ صَدَقَتَهُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والفَرْوة إِذا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا وَبَر أَو صُوفٌ لَمْ تُسَمَّ فَروة. وافْتَرَيْت فَرْواً: لَبِسته؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

يَقْلِبُ أُولاهُنَّ لَطْم الأَعْسرِ

قَلْبَ الخُراسانيِّ فَرْوَ المُفْترِي

(1). قوله [فداءها] هو بالفتح، وأَما ضبطه في حرد بالكسر فخطأ.

(2)

. قوله [فإذا كان الفرو إلخ] كذا بالأصل.

ص: 151

والفَرْوَة: جِلدة الرأْس. وفَرْوَة الرأْس: أَعْلاه، وَقِيلَ: هُوَ جِلْدَتُهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الشَّعَرِ يَكُونُ للإِنسان وَغَيْرِهِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

دَنِس الثِّياب كأَنَّ فَرْوَة رَأْسه

غُرِسَتْ، فأَنْبَت جَانِبَاهَا فُلْفُلا

والفَرْوَة، كالثَّروة فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ: وَهُوَ الْغِنَى، وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن فَاءَهَا بَدَلٌ مِنَ الثَّاءِ. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: وَسُئِلَ عَنْ حدِّ الأَمة فَقَالَ إِن الأَمَة أَلقت فَرْوَة رأْسِها مِنْ وَرَاءِ الدَّارِ

، وَرُوِيَ:

مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ

، أَراد قِناعها، وَقِيلَ خِمَارَهَا أَي لَيْسَ عَلَيْهَا قِنَاعٌ وَلَا حِجاب وأَنها تَخْرُجُ مُتَبَذِّلة إِلى كُلِّ مَوْضِعٍ تُرْسَل إِليه لَا تَقْدِر عَلَى الِامْتِنَاعِ، والأَصل فِي فَرْوَة الرأْس جِلْدَتُهُ بِمَا عَلَيْهَا مِنَ الشَّعَرِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

إِنَّ الْكَافِرَ إِذا قُرِّبَ المُهْلُ مِن فِيهِ سَقَطَتْ فَرْوة وَجْهِهِ

أَي جِلْدَتُهُ، اسْتَعَارَهَا مِنَ الرأْس لِلْوَجْهِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: إِنه لَذُو ثَرْوة فِي الْمَالِ وفَرْوَة بِمَعْنًى وَاحِدٍ إِذا كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ. وَرُوِيَ عَنْ

عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، أَنه قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: اللَّهُمَّ إِني قَدْ مَلِلْتُهم ومَلُّوني وسَئِمْتُهم وسَئِمُوني فسَلِّط عَلَيْهِمْ فَتَى ثَقِيفٍ الذَّيَّالَ المَنَّانَ يَلْبَسُ فَرْوَتَها ويأْكل خَضِرَتَها

؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَراد عَلِيٍّ، عليه السلام، أَن فَتَى ثَقِيفٍ إِذا وَلِيَ الْعِرَاقَ توسَّع فِي فَيْء الْمُسْلِمِينَ واستأْثر بِهِ وَلَمْ يَقْتَصِر عَلَى حِصَّتِهِ، وفَتَى ثَقِيفٍ: هُوَ الحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ، وَقِيلَ: إِنه وُلِدَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الَّتِي دَعَا فِيهَا عَلِيٌّ، عليه السلام، بِهَذَا الدُّعَاءِ وَهَذَا مِنَ الكَوائِن الَّتِي أَنبأَ بِهَا النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، مِنْ بَعْدِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَتَمَتَّعُ بِنِعْمَتها لُبْساً وأَكلًا؛ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَاهُ يَلْبَسُ الدَّفيءَ اللَّيِّنَ مِنْ ثِيَابِهَا وَيَأْكُلُ الطريَّ النَّاعِمَ مِنْ طَعَامِهَا، فَضَرَبَ الفَرْوَة والخَضِرة لِذَلِكَ مَثَلًا، وَالضَّمِيرُ لِلدُّنْيَا. أَبو عَمْرٍو: الفَرْوَة الأَرض الْبَيْضَاءُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ وَلَا فَرْش. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن الخَضِر، عليه السلام، جَلَسَ عَلَى فَرْوَة بَيْضَاءَ فَاهْتَزَّتْ تَحْتَهُ خَضْراء

؛ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَراد بالفَرْوَة الأَرضَ اليابسةَ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْنِي الهَشيم الْيَابِسَ مِنَ النَّبات، شَبَّهَهُ بالفَروة. والفَروةُ: قِطْعَةُ نَبَاتٍ مُجْتَمِعَةٌ يَابِسَةٌ؛ وَقَالَ:

وهامةٍ فَرْوَتُها كالفَرْوَهْ

وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ:

ثُمَّ بَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً

، وَفِي أُخرى:

فَفَرَشْتُ لَهُ فَرْوَةً.

وَقِيلَ: أَراد بالفَرْوَة اللِّباس الْمَعْرُوفَ.

وفَرَى الشيءَ يَفْرِيه فَرْياً وفَرَّاه، كِلَاهُمَا: شقَّه وأَفسده، وأَفْرَاه أَصلحه، وَقِيلَ: أَمرَ بإِصلاحه كأَنه رَفَع عَنْهُ مَا لَحِقَهُ مِنْ آفَةِ الفَرْي وخَلَلِه. وتَفَرَّى جِلدُه وانْفَرَى: انشقَّ. وأَفْرَى أَوداجه بِالسَّيْفِ: شَقَّهَا. وَكُلُّ مَا شقَّه فَقَدْ أَفْرَاه وفَرَّاه؛ قَالَ عَدِي بْنُ زَيْدٍ الْعَبَّادِيُّ:

فصافَ يُفَرِّي جِلْدَه عَنْ سَراتِه،

يَبُذُّ الجِياد فارِهاً مُتتايِعا

أَي صافَ هَذَا الفَرسُ يَكَادُ يشُق جِلْدَهُ عَمَّا تَحْتَهُ مِنَ السِّمَن. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، حِينَ سُئِلَ عَنِ الذَّبِيحة بالعُود فَقَالَ: كلُّ مَا أَفْرَى الأَوْداجَ غَيْرَ مُثَرِّدٍ

أَي شقَّقها وَقَطَعَهَا فأَخرج مَا فِيهَا مِنَ الدَّمِ. يُقَالُ: أَفْرَيْت الثوبَ وأَفْرَيْت الحُلَّة إِذا شقَقْتَها وأَخرجت مَا فِيهَا، فإِذا قُلْتَ فَرَيْت، بِغَيْرِ أَلف، فإِن مَعْنَاهُ أَن تُقَدِّر الشَّيْءَ وتُعالجه وتُصلحه مِثْلُ النَّعْل تَحْذُوها أَو النِّطَع أَو القِرْبة وَنَحْوِ ذَلِكَ. يُقَالُ: فَرَيْت أَفْرِي فَرْياً، وَكَذَلِكَ فَرَيْت الأَرض إِذا سِرْتَهَا وَقَطَعْتَهَا. قَالَ:

ص: 152

وأَما أَفْرَيْت إِفْرَاء فَهُوَ مِنَ التَّشْقِيقِ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ. الأَصمعي: أَفْرَى الْجِلْدَ إِذا مَزَّقَه وخَرَقَه وأَفسده يُفْرِيه إِفْرَاء. وفَرَى الأَدِيمَ يَفْرِيه فَرْياً، وفَرَى المَزادة يَفْرِيها إِذا خَرَزَها وأَصلحها. والمَفْرِيَّةُ: المَزادة المَعْمُولة المُصْلَحة. وتَفَرَّى عَنْ فُلَانٍ ثَوْبُهُ إِذا تشقَّق. وَقَالَ اللَّيْثُ: تَفَرَّى خَرْز الْمَزَادَةِ إِذا تَشَقَّقَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي وَحْدَهُ فَرَى أَوْداجَه وأَفْرَاها قَطَّعَهَا. قَالَ: وَالْمُتْقِنُونَ مِنْ أَهل اللُّغَةِ يَقُولُونَ فَرَى للإِفساد، وأَفْرَى للإِصلاح، وَمَعْنَاهُمَا الشِّقُّ، وَقِيلَ: أَفْرَاه شقَّه وأَفسده وَقَطَعَهُ، فإِذا أَردت أَنه قَدَّرَهُ وَقَطَعَهُ للإِصلاح قُلْتَ فَرَاه فَرْياً. الْجَوْهَرِيُّ: وأَفْرَيْت الأَوْداج قَطَعْتُهَا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِرَاجِزٍ:

إِذا انْتَحَى بِنابِه الهَذْهَاذِ،

فَرَى عُروقَ الوَدَجِ الغَواذِي

الْجَوْهَرِيُّ: فَرَيْت الشَّيْءَ أَفْرِيه فَرْياً قَطَعْتُهُ لأُصلحه، وفَرَيْت المَزادة خَلَقْتها وَصَنَعْتُهَا؛ وَقَالَ:

شَلَّتْ يَدا فَارِيةٍ فَرَتْها «1»

مَسْكَ شَبُوبٍ ثُمَّ وَفَّرَتْها،

لَوْ كانتِ الساقِيَ أَصْغَرَتْها

قَوْلُهُ: فَرَتْها أَي عَمِلَتها. وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: أَفْرَيْت الأَديم قَطَعْتُهُ عَلَى جِهَةِ الإِفساد، وفَرَيْته قَطَعْتُهُ عَلَى جِهَةِ الإِصلاح. غَيْرُهُ: أَفْرَيْت الشَّيْءَ شَقَقْتُهُ فانْفَرَى وتَفَرَّى أَي انْشَقَّ. يُقَالُ: تَفَرَّى اللَّيْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَقَدْ أَفْرَى الذئبُ بطنَ الشاةِ، وأَفْرَى الجُرحَ يُفْرِيه إِذا بَطَّه. وجِلْد فَرِيٌّ: مَشْقُوق، وَكَذَلِكَ الفَرِيَّة، وَقِيلَ: الفَرِيَّة مِنَ القِرَب الْوَاسِعَةُ. ودلْو فَرِيٌّ: كَبِيرَةٌ وَاسِعَةٌ كأَنها شُقَّتْ؛ وَقَوْلُ زُهَيْرٍ:

ولأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ، وَبَعْضُ

القَوْمِ يَخْلُقُ ثُم لَا يَفْرِي

مَعْنَاهُ تُنَفِّذُ مَا تَعْزِم عَلَيْهِ وتُقَدِّرُه، وَهُوَ مَثَلٌ. وَيُقَالُ لِلشُّجَاعِ: مَا يَفْرِي فَرِيَّه أَحد، بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذِهِ رِوَايَةُ أَبي عُبَيْدٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَفْرِي فَرْيَه، بِالتَّخْفِيفِ، وَمَنْ شَدَّد فَهُوَ غَلَطٌ. التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ حَادًّا فِي الأَمر قوِيّاً تَرَكْتُه يَفْرِي الفَرا «2» . ويَقُدُّ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: تَرَكْتُهُ يَفْرِي الفَرِيَّ إِذا عَمِلَ العَمل أَو السَّقْي فأَجاد. وَقَالَ

النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، فِي عُمَرَ، رضي الله عنه، وَرَآهُ فِي مَنَامِهِ يَنْزِعُ عَنْ قَلِيب بغَرْب: فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيّاً يَفْرِي فَرِيَّه

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ كَقَوْلِكَ يعمَل عمَله وَيَقُولُ قَوْلَهُ ويقطَع قَطْعَهُ؛ قَالَ: وأَنشدنا الفراء لزُرارة بن صَعْب يُخاطب العامِرِيَّةَ:

قَدْ أَطْعَمَتْني دَقَلًا حَوْلِيّا

مُسَوِّساً مُدَوِّداً حَجْرِيَّا،

قَدْ كنتِ تَفْرِينَ بِهِ الفَرِيَّا

أَي كُنْتِ تُكْثِرِين فِيهِ القَول وتُعَظِّمِينه. يُقَالُ: فُلَانٌ يَفْرِي الفَرِيَّ إِذا كَانَ يأْتي بالعَجَب فِي عَمَلِهِ، وَرُوِيَ يَفْرِي فَرْيَه، بِسُكُونِ الرَّاءِ وَالتَّخْفِيفِ، وَحُكِيَ عَنِ الْخَلِيلِ أَنه أَنكر التَّثْقِيلَ وغلَّط قَائِلَهُ. وأَصل الفَرْي: القَطْع، وتقول العرب: تركته

(1). قوله [شلت يدا إلخ] بين الصاغاني خلل هذا الإنشاد في مادة صغر فقال وبعد الشطر الأول:

وعميت عين التي أرتها

أساءت الخرز وأنجلتها

أعارت الأشفى وقدرتها

مسك شبوب

إلخ وأبدل الساقي بالنازع.

(2)

. قوله [تركته يفري الفرا] كذا ضبط في الأصل والتكملة وعزاه فيها للفراء، وعليه ففيها لغتان

ص: 153

يَفْرِي الفَرِيَّ إِذا عَمِلَ الْعَمَلَ فأَجاده. وَفِي حَدِيثِ

حَسَّانَ: لأَفْرِيَنَّهم فَرْيَ الأَدِيم

أَي أُقَطِّعُهم بِالْهِجَاءِ كَمَا يُقَطَّع الأَدِيم، وَقَدْ يُكْنَى بِهِ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْقَتْلِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ غَزوة مُوتة:

فَجَعَلَ الرُّومِيُّ يَفْرِي بِالْمُسْلِمِينَ

أَي يُبَالِغُ فِي النِّكاية وَالْقَتْلِ؛ وَحَدِيثُ

وَحْشِيٍّ: فرأَيت حَمْزَةَ يَفرِي النَّاسَ فَرْياً

، يَعْنِي يَوْمَ أُحد. وتَفَرَّت الأَرضُ بالعُيون: تَبَجَّسَتْ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

غِماراً تُفَرَّى بالسِّلاحِ وبالدَّمِ

وأَفْرَى الرجلَ: لَامَهُ. والفِرْيةُ: الْكَذِبُ. فَرَى كَذِبًا فَرْياً وافْتَرَاه: اخْتَلَقَهُ. وَرَجُلٌ فَرِيٌّ ومِفْرًى وإِنه لقَبِيح الفِرْية؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. اللَّيْثُ: يُقَالُ فَرَى فُلَانٌ الْكَذِبَ يَفْرِيه إِذا اخْتَلَقَهُ، والفِرْيَة مِنَ الْكَذِبِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: افْتَرَى الْكَذِبَ يَفْترِيه اخْتَلَقَهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ*

؛ أَي اخْتَلَقَهُ. وفَرَى فُلَانٌ كَذَا إِذا خلَقَه، وافتَرَاه: اخْتَلَقَهُ، وَالِاسْمُ الفِرْيَة. وَفِي الْحَدِيثِ:

مِن أَفْرَى الفِرَى أَن يُرِيَ الرَّجلُ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَيا

؛ الفِرَى: جَمْعُ فِرْيَة وَهِيَ الْكِذْبَةُ، وأَفْرَى أَفعل مِنْهُ لِلتَّفْضِيلِ أَي أَكْذَب الْكِذْبَاتِ أَن يَقُولَ: رأَيت فِي النَّوْمِ كَذَا وَكَذَا، وَلَمْ يَكُنْ رأَى شَيْئًا، لأَنه كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فإِنه هُوَ الَّذِي يُرْسِل ملَك الرُّؤْيَا لِيُرِيَهُ الْمَنَامَ. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها: فَقَدْ أَعظم الفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ

أَي الكَذِب. وَفِي حَدِيثِ بَيْعة النِّسَاءِ:

وَلَا يأْتِين ببُهتانٍ يَفْتَرِينه

؛ هُوَ افْتِعَالٌ مِنَ الْكَذِبِ. أَبو زَيْدٍ: فَرَى البَرْقُ يَفْرِي فَرْياً وَهُوَ تَلأْلُؤه وَدَوَامُهُ فِي السَّمَاءِ. والفَرِيُّ: الأَمر الْعَظِيمُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ فِي قِصَّةِ مَرْيَمَ: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: الفَرِيُّ الأَمر الْعَظِيمُ أَي جِئْتَ شَيْئًا عَظِيمًا، وَقِيلَ: جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا

أَي مَصْنُوعًا مخْتلَقاً، وَفُلَانٌ يَفْرِي الفَرِيَّ إِذا كَانَ يأْتي بِالْعَجَبِ فِي عَمَلِهِ. وفَرِيتُ: دَهِشْتُ وحِرْتُ؛ قَالَ الأَعلم الْهُذَلِيُّ:

وفَرِيتُ مِنْ جَزَعٍ فَلَا أَرْمِي،

وَلَا وَدّعْتُ صاحِبْ

أَبو عُبَيْدٍ: فَرِيَ الرَّجُلُ، بِالْكَسْرِ، يَفْرَى فَرًى، مَقْصُورٌ، إِذَا بُهِتَ ودَهِشَ وتَحَيَّر. قَالَ الأَصمعي: فَرِيَ يَفْرى إِذَا نَظَرَ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَع. والفَرْيَة: الجَلَبة. وفرو

فَرْوَة وفرو

فَرْوَان: اسْمان.

فسا: الفَسْو: مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ الفُسَاء «3» . وفَسا فَسْوَة وَاحِدَةً وفَسَا يَفْسو فَسْواً وفُسَاء، وَالِاسْمُ الفُساء، بِالْمَدِّ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

إِذَا تَعَشَّوْا بَصَلًا وخَلًّا،

يأْتُوا يَسُلُّون الفُسَاءَ سَلًّا

وَرَجُلٌ فَسَّاء وفَسُوٌّ: كَثِيرُ الفَسْو. قَالَ ثَعْلَبٌ: قِيلَ لِامْرَأَةٍ أَيُّ الرِّجَالِ أَبغض إِلَيْكِ؟ قَالَتْ: العَثِنُ «4» النَّزَّاء الْقَصِيرُ الفَسّاء الَّذِي يَضْحَك فِي بَيْتِ جَارِهِ وَإِذَا أَوى بَيْتَهُ وَجَم؛ الشَّدِيدُ الحَمْل «5» قَالَ أَبو ذُبيان ابْنُ الرَّعْبل: أَبغض الشُّيُوخِ إلىَّ الأَقْلح الأَمْلَح الحَسُوُّ الفَسُوُّ. وَيُقَالُ للخُنْفساء: الفَسَّاءَة، لنَتْنها. وَفِي الْمَثَلِ: مَا أَقرَبَ مَحْساه مِنْ مَفْسَاه. وَفِي الْمَثَلِ: أَفحش مِنْ فَاسِيَةٍ، وَهِيَ الْخُنْفُسَاءُ تَفْسو فتُنْتِنُ الْقَوْمَ بخُبث رِيحها، وَهِيَ الفَاسِيَاء أَيضاً. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَفْسَى مِنَ الظَّرِبان، وَهِيَ دابة تجيء إلى حُجر الضَّبِّ فَتَضَعُ قَبَّ اسْتِهَا عِنْدَ فَم الجُحر فَلَا تَزَالُ تَفُسُو حَتَّى تَسْتَخْرِجه، وتصغير

(3). قوله [والجمع الفُسَاء] كذا ضبط في الأصل ولعله بكسر الفاء كدلو ودلاء.

(4)

. قوله [العثن] كذا في الأصل مضبوطاً ولعله العبنّ أو العتن كفرح أو غير ذلك

(5)

. قوله: [الشديد الحمل]؛ هكذا في الأَصل

ص: 154

الفَسْوَة فُسَيَّة. وَيُقَالُ: أَفْسَى مِنْ نِمس وَهِيَ دُويْبَّة كَثِيرَةُ الفُسَاء. ابْنُ الأَعرابي: قَالَ نُفَيع بْنُ مُجاشع لِبِلَالِ بْنِ جَرِيرٍ يُسابُّه يَا ابْنَ زَرَّة وَكَانَتْ أُمه أَمة وَهَبَهَا لَهُ الحجاج، وقال: وَمَا تَعِيب مِنْهَا؟ كَانَتْ بِنْتَ مَلِك وحِباء مَلِك حبَا بِهَا مَلِكًا قَالَ: أَما عَلَى ذَلِكَ لَقَدْ كَانَتْ فَسَّاءً أَدَمُّها وَجْهُهَا وأَعظمها رَكَبُها قَالَ: ذَلِكَ أعْطِيةُ اللَّهِ، قَالَ: والفَسَّاء والبَزْخاء وَاحِدٌ، قَالَ: والانْبِزاخُ انْبِزَاخُ مَا بَيْنَ وِرْكَيْهَا وَخُرُوجُ أَسفل بَطْنِهَا وَسُرَّتِهَا؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ:

بِكْراً عَواساءَ تَفاسى مُقْرِبا

قَالَ: تَفَاسَى تُخرج استَها، وتَبازى تَرْفَعُ أَليَتَيْها. وَحُكِيَ عَنِ الأَصمعي أَنَّهُ قَالَ: تَفَاسأَ الرَّجُلُ تَفَاسُؤاً، بالهمزة، إِذَا أَخرج ظَهْرَهُ، وأَنشد هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَهْمِزْهُ. وتَفَاسَتِ الخنفساءُ إِذَا أَخرجت اسْتَهَا كَذَلِكَ. وتَفَاسَى الرَّجُلُ: أَخرج عَجِيزَتَهُ. والفَسْوُ والفُساة: حَيٌّ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ. التَّهْذِيبُ: وَعَبْدُ الْقَيْسِ يُقَالُ لَهُمُ الفُسَاة يُعْرَفُونَ بِهَذَا. غَيْرُهُ: الفَسْوُ نَبْزُ حَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ جَاءَ مِنْهُمْ رَجُلٌ ببُردَيْ حِبَرة إِلَى سُوقِ عُكاظ فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي مِنَّا الفَسْوَ بِهَذَيْنِ البُردين؟ فَقَامَ شَيْخٌ مِنْ مَهْوٍ فارْتَدى بأَحدهما وأْتَزر بِالْآخَرِ، وَهُوَ مُشْتَرِي الْفَسْوَ بِبُرْدَيْ حِبرة، وَضُرِبَ بِهِ الْمَثَلُ فَقِيلَ أَخْيَبُ صَفْقةً مِنْ شَيْخِ مَهْوٍ، وَاسْمُ هَذَا الشَّيْخِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَيْذَرة؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

يَا مَنْ رَأَى كصَفْقَةِ ابْنِ بَيْذَرهْ

مِن صَفْقةٍ خاسِرةٍ مُخَسِّرهْ،

المُشْتَري الفَسْوَ ببُردَي حِبَرَه

وفَسَوَاتُ الضِّباع: ضَرْب مِنَ الكَمْأَة. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هِيَ القَعْبَلُ مِنَ الكمأَة، وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: فَسْوَةُ الضَّبُعِ شَجَرَةٌ تَحْمِلُ مِثْلَ الخَشْخاش لَا يُتحصل مِنْهُ شَيْءٌ. وَفِي حَدِيثِ

شُرَيْحٍ: سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطلِّق المرأَة ثم يَرْتَجِعها فيَكْتُمها رَجْعتها حتَى تَنقضيَ عِدَّتُها، وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا فَسوة الضَّبُعِ

أَي لَا طَائِلَ لَهُ فِي ادِّعَاءِ الرَّجْعَةِ بَعْدَ انقِضاء العدَّة، وَإِنَّمَا خَصَّ الضَّبُعَ لحُمْقها وخُبْثها، وَقِيلَ: هِيَ شَجَرَةٌ تَحْمِلُ الْخَشْخَاشَ لَيْسَ فِي ثَمَرِهَا كَبِيرُ طَائِلٍ؛ وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنْهَاجِ فِي الطِّبِّ: هِيَ القَعْبل وَهُوَ نَبَاتٌ كَرِيهُ الرَّائِحَةِ لَهُ رَأْسٌ يُطبخ وَيُؤْكَلُ بِاللَّبَنِ، وَإِذَا يَبِسَ خَرَجَ مِنْهُ مِثْلُ الوَرْس. وَرَجُلٌ فَسَوِيٌّ: مَنْسُوبٌ إِلَى فَسَا، بَلَدٌ بِفَارِسَ. وَرَجُلٌ فَسَاسارِيٌّ عَلَى غَيْرِ قياس.

فشا: فَشا خَبَرُه يَفْشُو فُشُوًّا وفُشِيًّا: انْتَشَرَ وذاعَ، كَذَلِكَ فَشَا فَضْلُه وعُرْفُه وأَفْشَاه هُوَ؛ قَالَ:

إنَّ ابنَ زَيْدٍ لَا زالَ مُسْتَعْملًا

بالخَيْرِ يُفْشي فِي مِصْرِه العُرُفا

وَفَشَا الشيءُ يَفْشُو فُشوًّا إِذَا ظَهَرَ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ إفْشَاء السِّرِّ. وَقَدْ تَفَشَّى الحِبرُ إِذَا كُتب عَلَى كاغَد رَقِيقٍ فتمشَّى فِيهِ. وَيُقَالُ: تَفَشَّى بِهِمُ الْمَرَضُ وتَفَشَّاهم الْمَرَضُ إِذَا عَمَّهم؛ وأَنشد:

تَفَشَّى بإخْوانِ الثِّقاتِ فعَمَّهم،

فأَسْكَتُّ عَنِّي المُعْوِلاتِ البَواكيا

وَفِي حَدِيثِ الْخَاتَمِ:

فَلَمَّا رَآهُ أَصحابه قَدْ تخَتَّم بِهِ فَشَت خَوَاتِيمُ الذَّهَبِ

أَي كَثُرَتْ وَانْتَشَرَتْ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَفْشَى اللهُ ضَيْعَته

أَي كثَّر عَلَيْهِ معاشَه ليَشْغَلَه عَنِ الْآخِرَةِ، وَرُوِيَ:

أَفْسدَ اللَّهُ ضَيْعَته

، رَوَاهُ الْهَرَوِيُّ كَذَلِكَ فِي حَرْفِ الضَّادِ، وَالْمَعْرُوفُ الْمَرْوِيُّ أَفْشى. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ مَسْعُودٍ: وآيةُ ذَلِكَ

ص: 155

أَن تَفْشُوَ الْفَاقَةُ.

والفَوَاشِي: كُلُّ شَيْءٍ مُنْتَشر مِنَ الْمَالِ كَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ والإِبل وَغَيْرِهَا لأَنها تَفْشُو أَي تَنْتَشِرُ فِي الْأَرْضِ، وَاحِدَتُهَا فَاشِيَةٌ. وَفِي حَدِيثِ هَوازِن:

لمَّا انْهَزَمُوا قَالُوا الرأْيُ أَن نُدْخِلَ فِي الحِصْنِ ما قَدَرنا عليه مِنْ فَاشِيَتِنَا

أَي مَواشِينا. وتَفَشَّى الشَّيْءُ أَيِ اتَّسَعَ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنِّي لأَحفظ فُلَانًا فِي فَاشَيْته، وَهُوَ مَا انْتَشَرَ مِنْ مَالِهِ مِنْ مَاشِيَةٍ وَغَيْرِهَا. وَرُوِيَ عَنِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: ضُمُّوا فَواشِيَكم بِاللَّيْلِ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمةُ العِشاء.

وأَفْشَى الرَّجُلُ إِذَا كَثُرَتْ فَوَاشِيه. ابْنُ الأَعرابي: أَفْشَى الرَّجُلُ وأَمْشى وأَوْشى إِذَا كَثُرَ مَالُهُ، وَهُوَ الفَشَاء والمَشاء، مَمْدُودٌ. اللَّيْثُ: يُقَالُ فَشَتْ عَلَيْهِ أُموره إِذَا انْتَشَرَتْ فَلَمْ يَدْرِ بأَيِّ ذَلِكَ يأْخذ، وأَفْشَيْته أَنا. والفَشَاء، مَمْدُودٌ: تَناسل الْمَالِ وَكَثْرَتُهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ حِينَئِذٍ وَانْتِشَارِهِ. وَقَدْ أَفْشَى الْقَوْمُ. وتَفَشَّتِ القَرحة: اتَّسَعَتْ وأَرِضَتْ. وتَفَشَّاهم المَرَض وتَفَشَّى بِهِمْ: انْتَشَرَ فِيهِمْ. وإِذا نِمت مِنَ اللَّيْلِ نَوْمة ثُمَّ قُمْتَ فَتِلْكَ الفَاشِيَةُ. والفَشَيَانُ: الغَثْية «1» الَّتِي تَعْتَرِي الإِنسان، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ تَاسَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الفَشْوَةُ قُفَّة يَكُونُ فِيهَا طِيب المرأَة؛ قَالَ أَبو الأَسود العِجْلي:

لَهَا فَشْوَةٌ فِيها مَلابٌ وزِئْبَقٌ،

إِذا عَزَبٌ أَسْرَى إِليها تَطَيَّبا

فصي: فَصى الشيءَ مِنَ الشَّيْءِ فَصْياً: فَصَله. وفَصْيَةُ مَا بَيْنَ الحَرّ وَالْبَرْدِ: سَكْتة بَيْنَهُمَا مِنْ ذَلِكَ. وَيُقَالُ مِنْهُ: ليلةُ فُصْيَةٍ وليلةٌ فُصْيَةٌ، مُضَافٌ وَغَيْرُ مُضَافٍ. ابْنُ بُزُرْج: اليومُ فُصْيةٌ «2» واليومُ يومُ فُصْيةٍ، وَلَا يَكُونُ فُصْية صِفَةً، وَيُقَالُ: يومٌ مُفْصٍ صِفَةٌ، قَالَ: والطَّلْقة تَجْري مَجْرى الفُصْية وَتَكُونُ وَصْفًا لِلَّيْلَةِ كَمَا تَقُولُ يومٌ طَلْقٌ. وأَفْصى الْحَرُّ: خَرَجَ، وَلَا يُقَالُ فِي الْبَرْدِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَفْصَى عنكَ الشِّتَاءُ وَسَقَطَ عَنْكَ الْحَرُّ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَمِنْ أَمثالهم فِي الرَّجُلِ يَكُونُ فِي غَمٍّ فَيَخْرُجُ مِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَفْصَى عَلَيْنَا الشِّتَاءُ. أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ اتَّقُوا الفَصْيَة، وَهُوَ خُرُوجٌ مِنْ بَرْدٍ إِلى حَرٍّ وَمِنْ حَرٍّ إِلى بَرْدٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: كُلُّ شَيْءٍ لَازِقٍ فخلَّصته قُلْتَ هَذَا قَدِ انْفَصَى. وأَفْصَى الْمَطَرُ: أَقْلَع. وتَفَصَّى اللحمُ عَنِ الْعَظْمِ وانْفَصَى: انْفَسَخَ. وفَصَى اللَّحْمُ عَنِ الْعَظْمِ وفَصَّيْتُه مِنْهُ تَفْصِية إِذا خلَّصته مِنْهُ، وَاللَّحْمُ المُتهرّي ينْفَصي عَنِ الْعَظْمِ، والإِنسان يَنْفَصِي مِنَ الْبَلِيَّةِ. وتَفَصَّى الإِنسانُ إِذا تخلَّص مِنَ الضِّيقِ وَالْبَلِيَّةِ. وتَفَصَّى مِنَ الشَّيْءِ: تَخَلَّصَ، وَالِاسْمُ الفَصْيَة، بِالتَّسْكِينِ. وَفِي حَدِيثِ

قَيلة بِنْتِ مَخْرمة: أَن جُوَيْرية مِنْ بَنَاتِ أُختها حُدَيْباء قَالَتْ، حِينَ انْتَفَجَت الأَرنب وَهُمَا تَسيرانِ: الفَصْيَة، وَاللَّهِ لَا يَزَالُ كَعبكِ عَالِيًا

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: تَفَاءَلَتْ بِانْتِفَاجِ الأَرنب فأَرادت بالفَصْيَة أَنها خَرَجَتْ مِنَ الضِّيقِ إِلَى السَّعَةِ؛ وَمِنْ هَذَا حَدِيثٍ آخَرَ عَنِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه ذَكَرَ الْقُرْآنَ فَقَالَ: هُوَ أَشد تفَصِّياً مِنْ قُلُوبِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَم مِنْ عُقُلِها

أَي أَشدّ تَفَلُّتاً وَخُرُوجًا. وأَصل التَّفَصِّي: أَن يَكُونَ الشَّيْءُ فِي مَضِيقٍ ثُمَّ يَخْرُجَ إِلى غَيْرِهِ. ابْنُ الأَعرابي: أَفْصَى إِذا تَخَلَّصَ مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَصل الفَصْيَة الشَّيْءُ تَكُونُ فِيهِ ثُمَّ تخرج

(1). قوله [والفَشَيَان الغثية] ضبط الفشيان في التكملة والأصل والتهذيب بهذا الضبط، واغتروا بإطلاق المجد فضبطوه في بعض النسخ بالفتح. وأما الغثية فهي عبارة الأصل والتهذيب أيضا ولكن الذي في القاموس والتكملة بالشين المعجمة بدل المثلثة.

(2)

. قوله [فصية] ضبط في الأصل بالضم كما ترى وفي المحكم أيضاً، وضبط في القاموس بالفتح.

ص: 156

مِنْهُ، فكأَنها أَرادت أَنها كَانَتْ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ مِنْ قِبَلِ عَمِّ بَنَاتِهَا، فَخَرَجَتْ مِنْهُ إِلى السَّعَةِ وَالرَّخَاءِ، وإِنما تفاءَلت بِانْتِفَاجِ الأَرنب. وَيُقَالُ: مَا كِدْتُ أَتَفَصَّى مِنْ فُلَانٍ أَي مَا كِدْتُ أَتخلص مِنْهُ. وتَفَصَّيْتُ مِنَ الدُّيُونِ إِذا خَرَجْتَ مِنْهَا وَتَخَلَّصْتَ. وتفَصَّيت مِنَ الأَمر تَفَصِّياً إِذا خَرَجْتَ مِنْهُ وَتَخَلَّصْتَ. والفَصَى: حَبُّ الزَّبِيبِ، وَاحِدَتُهُ فَصاة؛ وأَنشد أَبو حَنِيفَةَ:

فَصًى مِنْ فَصى العُنْجُد

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا جَمِيعُ مَا أَنشده مِنْ هَذَا الْبَيْتِ. وأَفْصَى: اسْمُ رَجُلٍ. التَّهْذِيبُ: أَفْصَى اسْمُ أَبي ثَقِيف وَاسْمُ أَبي عَبْدِ الْقَيْسِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُمَا أَفْصَيان أَفْصى بْنِ دُعْمي بْنِ جَديلة بْنِ أَسد بْنِ رَبِيعَةَ، وأَفْصَى بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسد بْنِ رَبِيعَةَ. وَبَنُو فُصَيَّة: بطن.

فضا: الفَضَاءُ: الْمَكَانُ الْوَاسِعُ مِنَ الأَرض، وَالْفِعْلُ فَضا يَفْضُو فُضُوّاً «1» فَهُوَ فَاضٍ؛ قال رؤبة:

أَفْرَخَ فَيْضُ بَيْضِها المُنْقاضِ،

عَنكُم، كِراماً بالمَقام الفَاضِي

وَقَدْ فَضَا المكانُ وأَفْضَى إِذا اتَّسَعَ. وأَفْضَى فلانٌ إِلى فُلَانٍ أَي وَصَل إِليه، وَأَصْلُهُ أَنه صَارَ فِي فُرْجَته وفَضائه وحَيِّزه؛ قَالَ ثَعْلَبُ بْنُ عُبَيْدٍ يَصِفُ نَحْلًا:

شَتَتْ كثَّةَ الأَوْبارِ لَا القُرَّ تتَّقي،

وَلَا الذِّئْب تَخْشى، وَهْيَ بالبَلدِ المُفْضِي

أَي العَراء الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ، وأَفْضَى إِليه الأَمْرُ كَذَلِكَ. وأَفْضَى الرَّجُلُ: دَخَلَ عَلَى أَهله. وأَفْضى إِلى المرأَة: غَشِيها، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذا خَلَا بِهَا فَقَدْ أَفْضَى، غَشِيَ أَو لَمْ يَغْشَ، والإِفضاء فِي الْحَقِيقَةِ الِانْتِهَاءُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ

؛ أَي انْتَهى وأَوى، عدَّاه بإِلى لأَن فِيهِ مَعْنَى وصَل، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ. ومَرَة مُفْضَاة: مَجْمُوعَةُ المَسْلَكين. وأَفْضَى المرأَةَ فَهِيَ مُفْضَاة إِذا جامَعها فجعلَ مَسْلَكَيْها مَسْلَكاً وَاحِدًا كأَفاضها، وَهِيَ المُفْضَاة مِنَ النِّسَاءِ. الْجَوْهَرِيُّ: أَفْضَى الرجلُ إِلى امرأَته باشَرها وَجَامَعَهَا. والمُفْضَاةُ: الشَّريمُ. وأَلقى ثَوبه فَضاً: لَمْ يُودعْه. وَفِي

حَدِيثِ دُعائه لِلنَّابِغَةِ: لَا يُفْضِي اللهُ فَاكَ

؛ هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَمَعْنَاهُ أَن لَا يَجْعَلَهُ فَضاء لَا سنَّ فِيهِ. والفَضَاء: الْخَالِي الْفَارِغُ الْوَاسِعُ مِنَ الأَرض. وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ:

ضَرَبَهُ بِمرْضَافَةٍ وسَط رأْسه حَتَّى يُفْضِيَ كلُّ شَيْءٍ مِنْهُ

أَي يَصِيرَ فَضاء. والفَضَاء: الساحةُ وَمَا اتَّسَعَ مِنَ الأَرض. يُقَالُ: أَفْضَيت إِذا خَرَجْتَ إِلى الْفَضَاءِ. وأَفْضَيْت إِلى فُلَانٍ بِسِرِّي. الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ لَا يُفْضِ اللهُ فَاكَ مِنْ أَفْضَيْت. قَالَ: والإِفْضَاء أَن تَسقط ثَنَايَاهُ مِنْ فَوْقُ وَمِنْ تَحْتُ وَكُلُّ أَضراسه؛ حَكَاهُ شَمِرٌ عَنْهُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمَنْ هَذَا إِفْضَاء المرأَة إِذا انْقَطَعَ الحِتار الَّذِي بَيْنَ مَسْلَكَيْهَا؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ فِي قَوْلِ زُهَيْرٍ:

ومَنْ يوفِ لَا يُذْمَمْ، ومَنْ يُفْضِ قَلْبه

إِلى مُطْمَئِنِّ البِرِّ لَا يَتَجَمْجَمِ

أَي مَن يَصر قلبُه إِلى فَضاء مِنَ الْبِرِّ لَيْسَ دُونَهُ سَتْرٌ لَمْ يَشتبه أَمره عَلَيْهِ فيتجَمجم أَي يَتَرَدَّدَ فِيهِ. والفَضَى، مَقْصُورٌ: الشَّيْءُ الْمُخْتَلِطُ، تَقُولُ: طَعَامٌ فَضًى أَي فَوْضى مُخْتَلِطٌ. شَمِرٌ: الفَضاء مَا اسْتَوَى مِنَ الأَرض وَاتَّسَعَ، قَالَ: وَالصَّحْرَاءُ فَضَاء. قال

(1). قوله [يَفْضُو فُضُوّاً] كذا بالأصل وعبارة ابن سيدة يَفْضُو فَضَاءً وفُضُوّاً وكذا في القاموس فالفَضَاء مشترك بين الحدث والمكان

ص: 157

أَبو بَكْرٍ: الفِضَاء، مَمْدُودٌ، كالحِساء وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَاحِدَتُهُ فَضِيَّةٌ «1»؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

فصَبَّحْن قَبْلَ الوارِداتِ مِنَ القَطا،

ببَطْحاءِ ذِي قارٍ، فِضَاءً مُفَجَّرا

والفَضْيَةُ: الْمَاءُ المُسْتَنْقِع، وَالْجَمْعُ فِضَاء، مَمْدُودٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ؛ فأَما قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ الرِّقاع:

فأَوْرَدها، لَمَّا انْجَلى الليلُ أَوْ دَنا،

فِضًى كُنَّ للجُونِ الحَوائِم مَشْرَبا

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يُرْوَى فَضًى وفِضًى، فَمَنْ رَوَاهُ فَضًى جَعَلَهُ مِنْ بَابِ حَلْقةٍ وحَلَقٍ ونَشْفةٍ ونَشَفٍ، وَمَنْ رَوَاهُ فِضًى جَعَلَهُ كَبَدْرَةٍ وبِدَرٍ. والفَضَا: جانِب «2» الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ، يُكْتَبُ بالأَلف، وَيُقَالُ فِي تَثْنِيَتِهِ ضَفَوانِ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

قَفْراً بِمُنْدَفِع النَّحائِتِ مِنْ

ضَفَوَيْ أُلاتِ الضّالِ والسِّدْرِ

النَّحَائِتُ: آبَارٌ مَعْرُوفَةٌ. وَمَكَانٌ فاضٍ ومُفْضٍ أَي وَاسِعٌ. وأَرض فَضاء وبَرازٌ، والفَاضِي: البارِزُ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ يَصِفُ فَرَسَهُ:

أَمّا إِذا أَمْسَى فَمُفْضٍ مَنْزِلُه،

نَجْعَلُه فِي مَرْبَطٍ، نَجْعَلُه

مُفْضٍ: وَاسْعٌ. والمُفْضَى: المُتَّسَع؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ:

خَوْقاء مُفْضَاها إِلى مُنْخاقِ

أَي مُتَّسَعُها؛ وَقَالَ أَيضاً:

جاوَزْته بالقَوْم حَتَّى أَفْضَى

بهِم، وأَمْضىَ سَفَرٌ مَا أَمْضَى «3»

قَالَ: أَفْضَى بَلَغَ بِهِمْ مَكَانًا وَاسِعًا أَفْضَى بِهِمْ إِليه حَتَّى انْقَطَعَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ إِلى شَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ. وَيُقَالُ: قَدْ أَفْضَيْنا إِلى الفَضاء، وَجَمْعُهُ أَفْضِيَة. وَيُقَالُ: تَرَكْتُ الأَمر فَضاً أَي تَرَكْتُهُ غيرَ مُحْكَم. وَقَالَ أَبو مَالِكٍ: يُقَالُ مَا بَقِيَ فِي كِنانته إِلَّا سَهْمٌ فَضاً؛ فَضاً أَي وَاحِدٌ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: سَهْمٌ فَضاً إِذا كَانَ مُفْرداً لَيْسَ فِي الكِنانة غَيْرُهُ. وَيُقَالُ: بَقِيت مِنْ أَقْراني فَضاً أَي بَقِيتُ وَحْدِي، وَلِذَلِكَ قِيلَ للأَمر الضَّعِيفِ غَيْرِ الْمُحْكَمِ فَضاً، مَقْصُورٌ. وأَفْضَى بِيَدِهِ إِلى الأَرض إِذا مَسَّها بِبَاطِنِ رَاحَتِهِ فِي سُجوده. والفَضَا: حَبُّ الزَّبيب. وَتَمْرٌ فَضاً: مَنْثُورٌ مُخْتَلِطٌ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ الْمُخْتَلِطُ بِالزَّبِيبِ؛ وأَنشد:

فَقُلْتُ لهَا: يَا خَالَتِي لَكِ ناقَتي،

وتمرٌ فَضاً، فِي عَيْبَتي، وزَبيبُ

أَي مَنْثُورٌ، وَرَوَاهُ بَعْضُ المتأَخرين: يَا عَمَّتي. وأَمرُهم بَيْنَهُمْ فَضاً أَي سَوَاءٌ. ومَتاعُهم بَيْنَهُمْ فَوْضَى فَضاً أَي مُخْتَلِطٌ مُشْتَرَكٌ. غَيْرُهُ: وأَمرهم فَوْضَى وفَضاً أَي سَوَاءٌ بَيْنَهُمْ؛ وأَنشد للمُعَذِّل البَكْريِّ:

طَعامُهُمُ فَوْضَى فَضاً فِي رِحالِهم،

وَلَا يُحْسِنُون الشَّرَّ إِلَّا تَنادِيا

وَيُقَالُ: الناسُ فَوْضَى إِذا كانوا لَا أَميرَ عَلَيْهِمْ وَلَا مَنْ يَجْمَعُهُمْ. وأَمرُهُم فَضاً بَيْنَهُمْ أَي لَا أَمير عَلَيْهِمْ. وأَفْضَى إِذا افْتَقَرَ.

فطا: فَطَا الشيءَ يَفْطُوه فَطْواً: ضَرَبَهُ بِيَدِهِ وشَدَخَه، وفَطَوْتُ المرأَةَ: أَنْكَحْتها. وفَطَا المرأَة

(1). قوله [واحدته فضية] هذا ضبط التكملة، وفي الأصل فتحة على الياء فمقتضاه أنه من باب فعلة وفعال.

(2)

. قوله [والفَضَا جانب إلخ] كذا بالأصل، ولعله الضفا بتقديم الضاد إذ هو الذي بمعنى الجانب وبدليل قوله: وَيُقَالُ فِي تَثْنِيَتِهِ ضَفَوَانِ، وبعد هذا فإيراده هنا سهو كما لا يخفى

(3)

. قوله [ما أمضى] كذا في الأصل، والذي في نسخة التهذيب: ما أفضى.

ص: 158

فَطْواً: نكَحها.

فظا: الفَظَى، مَقْصُورٌ «1»: مَاءُ الرَّحِم، يُكْتَبُ بِالْيَاءِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

تَسَرْبَلَ حُسْنَ يُوسُف فِي فَظاهُ،

وأُلْبِسَ تاجَه طِفْلًا صَغِيرا

حَكَاهُ كُرَاعٌ، وَالتَّثْنِيَةُ فَظَوَانِ، وَقِيلَ: أَصله الفَظُّ فَقُلِبَتِ الظَّاءُ يَاءً، وَهُوَ مَاءُ الْكَرِشِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا بأَن أَلفه مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ لأَنها مَجْهُولَةُ الِانْقِلَابِ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ اللَّامِ، وإِذا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ اللَّامِ فَانْقِلَابُهَا عَنِ الْيَاءِ أَكثر منه عن الواو.

فعا: قَالَ الأَزهري: الأَفْعَاء الرَّوائحُ الطيِّبةُ. وفَعا فُلَانٌ شَيْئًا إِذا فَتَّتَه. وَقَالَ شَمِرٌ فِي كِتَابِ الْحَيَّاتِ: الأَفْعَى مِنَ الحَيّاتِ الَّتِي لَا تَبْرَحُ، إِنما هِيَ مُتَرَحِّية، وتَرَحِّيها اسْتِدارَتُها عَلَى نَفْسِهَا وتحَوِّيها؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:

زُرْقِ العُيونِ مُتَلَوِّياتِ،

حَوْلَ أَفَاعٍ مُتَحَوِّياتِ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الأَفْعَى حَيَّةٌ عَرِيضة عَلَى الأَرض إِذا مشَت مُتَثَنِّيَةً بثِنيين أَو ثَلَاثَةٍ تَمْشِي بأَثْنائها تِلْكَ خَشْناء يَجْرُشُ بعضُها بَعْضًا، والجَرْشُ الحَكُّ والدَّلْك. وَسُئِلَ أَعرابي مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَنِ الجَرْش فَقَالَ: هُوَ العدْو البَطِيء. قَالَ: ورَأْسُ الأَفْعَى عَرِيضٌ كأَنه فَلْكة وَلَهَا قَرْنانِ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما: أَنه سُئِلَ عَنْ قَتْل المُحْرِم الحيّاتِ فَقَالَ لَا بأْس بِقَتْلِهِ الأَفْعَوْ وَلَا بأْس بِقَتْلِ الحِدَوْ

، فَقَلَبَ الأَلف فِيهِمَا وَاوًا فِي لُغَتِهِ، أَراد الأَفْعَى وَهِيَ لُغَةُ أَهل الْحِجَازِ، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقلب الأَلف يَاءً فِي الْوَقْفِ، وَبَعْضُهُمْ يشدِّد الْوَاوَ وَالْيَاءَ، وَهَمْزَتُهَا زَائِدَةٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الأَفْعَى لَا تَنْفَعُ مِنْهَا رُقْية وَلَا تِرْياقٌ، وَهِيَ حَيَّة رَقْشاء دَقِيقَةُ العُنق عريضةُ الرأْس، زَادَ ابْنُ سِيدَهْ: وَرُبَّمَا كَانَتْ ذَاتَ قَرْنَين، تَكُونُ وَصْفًا وَاسِمًا، وَالِاسْمُ أَكثر، وَالْجَمْعُ أَفاعٍ. والأُفْعُوانُ، بِالضَّمِّ: ذَكَرُ الأَفاعي، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنه قَالَ لِمُعَاوِيَةَ لَا تُطْرِقْ إِطراقَ الأُفْعوان

؛ هُوَ بِالضَّمِّ ذَكَرُ الأَفَاعِي. وأَرض مَفْعاةٌ: كَثِيرَةُ الأَفاعي. الْجَوْهَرِيُّ: الأَفْعى حَيَّةٌ، وَهِيَ أَفْعَلُ، تَقُولُ هَذِهِ أَفْعًى بِالتَّنْوِينِ؛ قَالَ الأَزهري: وَهُوَ مِنْ الفِعْل أَفعَل وأَرْوًى مَثَلُ أَفْعًى فِي الإِعراب، وَمِثْلُهَا أَرْطًى مِثْلُ أَرطاة «2». وتَفَعَّى الرَّجُلُ: صَارَ كالأَفْعَى فِي الشَّرِّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

رَأَتْه عَلَى فَوْت الشَّبابِ، وأَنَّه

تَفَعَّى لَهَا إِخْوانُها ونَصِيرُها

وأَفْعَى الرَّجُلُ إِذا صَارَ ذَا شَرٍّ بَعْدَ خَيْرٍ. والفَاعِي: الغَضْبان المُزْبِدُ. أَبو زَيْدٍ فِي سِمات الإِبل: مِنْهَا المُفَعَّاةُ الَّتِي سِمَتها كالأَفعى، وَقِيلَ هِيَ السِّمة نَفْسُها، قَالَ: والمُثَفَّاة كالأَثافي، وَقَالَ غَيْرُهُ: جَمَلٌ مُفَعَّى إِذا وُسِم هَذِهِ، وَقَدْ فَعَّيْتُه أَنا. وأُفَاعِيَةُ: مَكان؛ وَقَوْلُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ:

هَلْ تَعْرِفُ الدَّار بِذِي البَناتِ

إِلى البُرَيْقاتِ إِلى الأَفْعَاةِ،

أَيَّامَ سُعْدَى وَهِيَ كالمَهاةِ

أَدخل الْهَاءَ فِي الأَفْعى لأَنه ذهَب بِهَا إِلى الهَضْبة.

(1). قوله [الفَظَى مقصور يكتب بالياء] ثم قوله [والتثنية فظوان] هذه عبارة التهذيب

(2)

. قوله [مثل أرطاة] كذا بالأصل.

ص: 159

والأَفْعَى: هَضْبَة فِي بِلَادِ بني كِلاب.

فغا: الفَغْو والفَغْوَة والفاغِيةُ: الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؛ الأَخيرة عَنْ ثَعْلَبٍ. والفَغْوَة: الزَّهْرَةُ. والفَغْو والفاغِيَةُ: وَرْدُ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ الشَّجَرِ لَهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ لَا تَكُونُ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وأَفْغَى النباتُ أَي خَرَجَتْ فَاغِيَتُهُ. وأَفْغَتِ الشَّجَرَةُ إِذا أَخرجت فاغِيَتها، وَقِيلَ: الفَغْو والفَاغِيَةُ نَوْرُ الحِناء خَاصَّةً، وَهِيَ طَيِّبَةُ الرِّيحِ تَخْرج أَمثال الْعَنَاقِيدِ وَيَنْفَتِحُ فِيهَا نَوْر صِغار فتُجْتَنَى ويُرَبَّب بِهَا الدُّهن. وَفِي حَدِيثِ

أَنس، رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، تُعْجبه الفَاغِيَةُ.

ودُهْنٌ مَفْغُوٌ: مُطَيِّب بِهَا. وفَغَا الشَجَرُ فَغْوًا وأَفْغى: تفَتَّح نَوْرُه قَبْلَ أَن يُثْمِر. وَيُقَالُ: وَجَدْتُ مِنْهُ فَغْوةً طَيِّبَةً وفَغْمة. وَفِي الْحَدِيثِ:

سَيِّدُ رَيْحانِ أهلِ الجنةِ الفَاغِيَةُ

؛ قَالَ الأَصمعي: الفَاغِيَةُ نَوْرُ الحِنَّاء، وَقِيلَ: نُورُ الرَّيْحَانِ، وَقِيلَ: نَوْر كُلِّ نَبْتٍ مِنْ أَنوار الصَّحْرَاءِ الَّتِي لَا تُزْرَعُ، وَقِيلَ: فَاغِيَة كُلِّ نَبْتٍ نُورُهُ. وكلُّ نَوْرٍ فَاغِيةٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَوْس ابن حَجر:

لَا زالَ رَيْحانٌ وفَغْوٌ ناضِرٌ

يَجْري عَلَيْكَ بِمُسْبِلٍ هَطَّالِ

قَالَ: وَقَالَ الْعُرْيَانُ:

فَقُلْتُ لَهُ: جادَتْ عَلَيْكَ سحابةٌ

بِنَوْءٍ يُنَدِّي كلَّ فَغْوٍ ورَيْحانِ

وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنِ السَّلَف فِي الزَّعْفَرَانِ فَقَالَ: إِذا فَغَا، يُرِيدُ إِذا نَوَّر، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ إِذا انْتَشَرَتْ رَائِحَتُهُ، مِنْ فَغَتِ الرائحةُ فَغْواً، وَالْمَعْرُوفُ فِي خُرُوجِ النَّوْر مِنَ النَّبَاتِ أَفْغى لَا فَغا. الْفَرَّاءُ: هُوَ الفَغْوُ والفَاغِيَةُ لنَوْرِ الحِناء. ابْنُ الأَعرابي: الفَاغِيَةُ أَحْسَنُ الرَّياحِينِ وأَطيَبُها رَائِحَةً. شَمِرٌ: الفَغْوُ نَوْر، والفَغْوُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ؛ قَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:

سُلافة الدَّنِّ مَرْفُوعاً نَصائِبُه،

مُقَلَّدَ الفَغْوِ والرَّيْحانِ مَلْثُوما

والفَغَى، مَقْصُورٌ: البُسْر الْفَاسِدُ المُغْبَرُّ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيم:

أَكُنْتُم تَحْسَبونَ قِتالَ قَوْمي،

كأَكْلِكُم الفَغايا والهَبِيدا؟

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ «1» : الفَغَى فسادُ البُسر. والفَغَى، مَقْصُورٌ: التَّمْرُ الَّذِي يَغْلُظ وَيَصِيرُ فِيهِ مِثْلَ أَجنحة الجَراد كالغَفَى. قَالَ اللَّيْثُ: الفَغَى ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا خطأٌ. والفَغَى: داءٌ يَقَعُ عَلَى البُسر مِثْلُ الْغُبَارِ، وَيُقَالُ: مَا الَّذِي أَفْغَاكَ أَي أَغْضَبَك وأَوْرَمك؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

وصارَ أَمثالَ الفَغَى ضَرائِري

وَقَدْ أَفْغَت النَّخْلَةُ. غَيْرُهُ: الإِغْفاء فِي الرُّطب مِثْلُ الإِفْغاء سَوَاءٌ. والفَغَى: مَا يَخرج مِنَ الطَّعَامِ فيُرمى بِهِ كالغَفى. أَبو الْعَبَّاسِ: الفَغَى الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ النَّاسِ والمأْكول وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَرْكُوبِ؛ وأَنشد:

إِذا فِئةٌ قُدِّمت للقِتال،

فَرَّ الفَغى وصَلِينا بِهَا

ابْنُ سِيدَهْ: والفَغَى مَيَلٌ فِي الْفَمِ والعُلْبة والجَفْنة. والفَغَى: دَاءٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَلَمْ يَحُدّه، قَالَ: غَيْرَ أَني أُراه المَيَل فِي الْفَمِ. وأَخذَ بفَغْوِه أَي بِفَمِهِ. وَرَجُلٌ أَفْغَى وامرأَة فَغْوَاء إِذا كَانَ فِي فَمِهِ مَيَل. وأَفْغَى الرجلُ إِذا افْتَقَرَ بَعْدَ غِنًى، وأَفْغَى إِذا عَصى بَعْدَ طَاعَةٍ، وأَفْغَى إِذا سَمُجَ بعد حُسْن،

(1). قوله [في موضع آخر] أي في باب الياء والمؤلف لم يفرد الواوي من اليائي كما صنع ابن سيدة وتبعه المجد لكنه قصر هنا.

ص: 160

وأَفْغَى إِذا دَامَ عَلَى أَكل الفَغى، وَهُوَ المُتغَيِّر مِنَ البُسر الْمُتَتَرِّبِ. والفَغْوَاء: اسْمٌ، وَقِيلَ: اسْمُ رَجُلٍ أَو لَقَبٍ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:

فهَلَّا وَفى الفَغْوَاءُ عَمرُو بنُ جابِرٍ

بذِمَّتِه، وابنُ اللَّقِيطةِ عِصْيَدُ

فقا: الفَقْوُ: شَيْءٌ أَبيض يَخْرُجُ مِنَ النُّفَسَاءِ أَو النَّاقَةِ الْمَاخِضِ، وَهُوَ غلافٌ فِيهِ مَاءٌ كَثِيرٌ، وَالَّذِي حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ فَقْء، بِالْهَمْزِ، والفَقْوُ: مَوْضِعٌ. والفَقَا: مَاءٌ لَهُمْ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وفَقَوْتُ الأَثرَ: كقَفَوْته؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ فِي الْمَقْلُوبِ. وفُقا النَّبْلِ، مَقْلُوبٌ: لُغَةٌ فِي فُوقِها؛ قَالَ الفِندُ الزِّمّاني:

ونَبْلي وفُقَاها،

كعَراقِيبِ قَطاً طُحْلِ

ذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ فِي تَرْجَمَةِ فوق. الْجَوْهَرِيُّ: فُقْوَةُ السَّهْمِ فُوقُه، وَالْجَمْعُ فُقاً؛ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ أَبو سَعِيدٍ السِّيرَافِيُّ فِي كِتَابِهِ أَخبار النَّحْوِيِّينَ أَن أَبا عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: أَنشدني هَذِهِ الأَبيات الأَصمعي لِرَجُلٍ مِنَ الْيَمَنِ وَلَمْ يُسَمِّهِ، قَالَ: وَسَمَّاهُ غَيْرُهُ فَقَالَ هِيَ لِامْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَابِسٍ، وأَنشد:

أَيا تَمْلِكُ، يَا تَمْلِ

ذَريني، وذَري عَذْلي

ذَرِيني وسِلاحي ثُمَّ

شُدِّي الكَفَّ بالعُزْلِ

ونَبلي وفُقاها،

كعراقيب قَطًا طُحْلِ

وثَوبايَ جَدِيدان،

وأَرْخِي شُرُكَ النَّعْلِ

ومِنِّي نَظْرةٌ خَلْفِي،

ومِنِّي نَظْرةٌ قَبْلي

أَي أَفهم مَا حَضَرَ وَغَابَ.

فإِمَّا مُتُّ يَا تَمْلِ،

فَمُوتي حُرَّةً مِثْلي

قَالَ أَبو عَمْرٍو: وَزَادَنِي فِيهَا الْجُمَحِيُّ:

وَقَدْ أَشْنَأُ للنُّدْمانِ

بالناقةِ والرَّحْلِ

وَقَدْ أَخْتَلِسُ الضَّرْبةَ،

لَا يَدْمى لَهَا نَصْلي

ص: 161

أَراد تَنْتَأَ فأَبدل الْهَمْزَةَ إِبدالًا صَحِيحًا؛ وَهِيَ الفِلاية مِنْ فَلْي الرأْس. والتَّفَلِّي: التَّكلُف لِذَلِكَ؛ قَالَ:

إِذا أَتَت جاراتِها تَفَلَّى،

تُرِيك أَشْغَى قَلِحاً أَفَلَّا

وفَلَيْت رأْسه مِنَ الْقَمْلِ وتَفَالى هُوَ واسْتَفْلى رأْسُه أَي اشْتهى أَن يُفْلَى. وَفِي حَدِيثِ

مُعَاوِيَةَ: قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ دَعْه عَنْكَ فَقَدَ فَلَيْتُه فَلْيَ الصَّلَعِ

؛ هُوَ مِنْ فَلْي الشَّعَر وأَخذِ الْقَمْلِ مِنْهُ، يَعْنِي أَن الأَصْلَع لَا شَعَرَ لَهُ فَيَحْتَاجُ أَن يُفْلَى. التَّهْذِيبُ: وَالْحَطَا «1» والنِّساء يُقَالُ لَهُنَّ الفالِياتُ والفَوَالِي؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ:

تَراهُ كالثَّغام يُعَلُّ مِسْكاً

يسُوء الفَالِياتِ، إِذا فَلَيْني

أَراد فَلَيْنَني بِنُونَيْنِ فَحَذَفَ إِحداهما اسْتِثْقَالًا لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ قَالَ الأَخفش: حُذِفَتِ النُّونُ الأَخيرة لأَن هَذِهِ النُّونَ وِقَايَةٌ لِلْفِعْلِ وَلَيْسَتْ بِاسْمٍ، فأَمّا النُّونُ الأُولى فَلَا يَجُوزُ طَرْحُهَا لأَنها الِاسْمُ الْمُضْمَرُ؛ وَقَالَ أَبو حَيَّةَ النُّمَيْرِيُّ:

أَبالمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ أَني

مُلاقٍ، لَا أَباكِ، تُخَوِّفِيني؟

أَراد تُخَوِّفِينني فَحَذَفَ، وَعَلَى هَذَا قرأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: فَبِمَ تُبَشِّرُونِ؛ فأَذهب إِحدى النُّونَيْنِ اسْتِثْقَالًا، كَمَا قَالُوا مَا أَحَسْتُ مِنْهُمْ أَحداً فأَلقوا إِحدى السِّينَيْنِ اسْتِثْقَالًا، فَهَذَا أَجدر أَن يُسْتَثْقَلَ لأَنهما جَمِيعًا مُتَحَرِّكَانِ. وتَفالَت الحُمُر: احْتَكَّت كأَنَّ بَعضها يَفْلي بَعضاً. التَّهْذِيبُ: وإِذا رأَيت الحُمُر كأَنها تَتحاكُّ دَفَقاً فإِنها تَتَفَالَى؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

ظَلَّتْ تَفَالَى، وظَلَّ الجَوْنُ مُصْطَخِماً،

كأَنَّه عَنْ سَرارِ الأَرضِ مَحْجُومُ

وَيُرْوَى: عَنْ تَناهِي الرَّوْضِ. وفَلَى رأْسه بِالسَّيْفِ فَلْياً: ضَرَبَهُ وَقَطَعَهُ؛ واسْتَفْلاه: تعرَّض لِذَلِكَ مِنْهُ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: فَلَوْتُ رأْسه بِالسَّيْفِ وفَلَيْته إِذا ضَرَبْتَ رأْسه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَما تَراني رابِطَ الجَنانِ

أَفْلِيه بِالسَّيْفِ، إِذا اسْتَفْلاني؟

ابْنُ الأَعرابي: فَلَى إِذا قطَع، وفَلِيَ إِذا انقطَع. وفَلَوْته بِالسَّيْفِ فَلْواً وفَلَيْته: ضَرَبْتُ بِهِ رأْسه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

نُخاطِبُهم بأَلسِنةِ المَنايا،

ونَفْلِي الهامَ بالبِيضِ الذُّكورِ

وَقَالَ آخَرُ:

أَفْلِيهِ بالسيفِ إِذا اسْتَفْلانِي،

أُجِيبُه: لَبَّيْكَ، إِذْ دَعاني

وفَلَتِ الدابةُ فِلْوَها وأَفْلَتْه، وفَلَتْ أَحسن وأَكثر؛ وأَنشد بَيْتَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:

قَدْ أَفْلَيْنَ أَمْهارا

ابْنُ الأَعرابي: فَلا الرجلُ إِذا سَافَرَ، وفَلا إِذا عقَل بَعْدَ جَهْلٍ، وفَلا إِذا قطَع. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما: امْرِ الدَّمَ بِمَا كَانَ قاطِعاً مِنْ لِيطةٍ فالِيَةٍ

أَي قَصبة وشِقَّة قَاطِعَةٍ. قَالَ: وَالسِّكِّينُ يُقَالُ لَهَا الفَالِيَةُ. ومرَى دَمَ نَسِيكته إِذا اسْتَخْرَجَهُ. وفَلَيْت الشِّعرَ إِذا تَدَبَّرْتَهُ وَاسْتَخْرَجْتَ مَعَانِيَهُ وَغَرِيبَهِ؛ عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ. وفَلَيْت الأَمر إِذا تأَملت وُجُوهَهُ

(1). قوله [والحطا] كذا بالأصل، ولعله الحظى القمل، واحدته حظاة ويكون مقدماً من تأَخير، والأصل. وَالنِّسَاءُ يُقَالُ لَهُنَّ الفَالِيَات الحظى والفَوَالِي. وأما الحطا فمعناه عظام القمل، وراجع التهذيب فليست هذه المادة منه عندنا.

ص: 163

وَنَظَرْتَ إِلى عَاقِبَتِهِ. وفَلَوْتُ الْقَوْمَ وفَلَيْتهم إِذا تَخَلَلْتَهُمْ. وفَلاه فِي عَقْله فَلْياً: رازَه. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ فَلَيْت الرَّجُلَ فِي عَقْلِهِ أَفْلِيه فَلْياً إِذا نَظَرْتَ مَا عَقْلُه. والفَلاة: المَفازة. والفَلاة: القَفر مِنَ الأَرض لأَنها فُلِيَت عَنْ كُلِّ خَيْرٍ أَي فُطِمت وعُزِلت، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا مَاءَ فِيهَا، فأَقلها للإِبل رِبْع، وأَقلها لِلْحُمْرِ وَالْغَنَمِ غِبٌّ، وأَكثرها مَا بَلَغَتْ مِمَّا لَا مَاءَ فِيهِ، وَقِيلَ: هِيَ الصَّحْرَاءُ الْوَاسِعَةُ، وَالْجَمْعُ فَلًا وفَلَوات وفُلِيٌّ؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:

وتَأْوي إِلى زُغْبٍ مَراضِيعَ دُونَها

فَلًا، لَا تَخَطَّاهُ الرِّقابُ، مَهُوبُ

ابْنُ شُمَيْلٍ: الفَلاة الَّتِي لَا مَاءَ بِهَا وَلَا أَنيسَ، وَإِنْ كَانَتْ مُكْلِئة. يُقَالُ: عَلَوْنَا فَلاة مِنَ الأَرض، وَيُقَالُ: الفَلاة الْمُسْتَوِيَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ. وأَفْلَى القومُ إِذا صَارُوا إِلى فَلَاةٍ. قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ نَزَلَ بَنُو فُلَانٍ عَلَى مَاءِ كَذَا وَهُمْ يَفْتَلون الفَلاة مِنْ نَاحِيَةِ كَذَا أَي يَرعَوْن كلأَ الْبَلَدِ ويَرِدون الْمَاءَ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وافْتِلاؤها رَعْيها وطَلَبُ مَا فِيهَا مِنْ لُمَع الكَلإِ، كَمَا يُفْلى الرأْسُ، وَجَمْعُ الفَلا فُلِيٌّ، على فُعول، مثل عَصاً وعُصِيٍّ؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ:

مَوْصُولة وَصْلًا بِهَا الفُلِيُّ،

القِيُّ ثُمَّ القِيُّ ثُمَّ القِيُ

وأَما قول الحرث بْنِ حِلِّزة:

مِثْلُها يُخُرِجُ النَّصِيحةَ للقَوْمِ،

فَلاةٌ مِن دُونِهَا أَفْلاء

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَيْسَ أَفْلاء جَمْعَ فَلاة لأَن فَعَلة لَا يكَسَّر عَلَى أَفْعال، إِنما أَفلاء جَمْعُ فَلًا الَّذِي هُوَ جَمْعُ فَلاةٍ. وأَفْلَيْنَا: صِرْنا إِلى الفَلاة: وفَالِيَةُ الأَفاعي: خُنْفُساء رَقْطاء ضَخْمَةٌ تَكُونُ عِنْدَ الجِحرَة وَهِيَ سَيِّدَةُ الْخَنَافِسِ، وَقِيلَ: فَالِيَةُ الأَفاعي دوابُّ تَكُونُ عِنْدَ جِحَرَةِ الضِّباب، فإِذا خَرَجَتْ تِلْكَ عُلِمَ أَن الضَّبّ خَارِجٌ لَا مَحالة فَيُقَالُ: أَتتكم فَالِيَة الأَفاعي، جمعٌ، عَلَى أَنه قَدْ يُخْبِرُ فِي مِثْلِ هَذَا عَنِ الْجَمْعِ بِالْوَاحِدِ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الْعَرَبُ تَقُولُ أَتتكم فَالِيَة الأَفاعي؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لأَول الشَّرِّ يُنتظر، وَجَمْعُهَا الفَوَالِي، وَهِيَ هَناةٌ كالخَنافِس رُقْطٌ تأْلف الْعَقَارِبَ وَالْحَيَّاتَ، فإِذا رُؤِيَتْ فِي الْجِحَرَةِ عُلِمَ أَن وَرَاءَهَا الْعَقَارِبَ والحيات.

فني: الفَنَاء: نَقِيض الْبَقَاءِ، وَالْفِعْلُ فَنَى يَفْنَى نَادِرٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ، فَنَاء فَهُوَ فانٍ، وَقِيلَ: هِيَ لُغَةُ بَلْحَرْثِ بْنِ كَعْبٍ؛ وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ قرع:

فَلَمَّا فَنى مَا فِي الْكَنَائِنِ، ضارَبُوا

إِلَى القُرْعِ مِنْ جِلْدِ الهِجانِ المُجَوَّبِ

أَي ضَرَبُوا بأَيديهم إِلى التِّرَسةِ لَمَّا فَنِيت سِهَامُهُمْ. قَالَ: وفَنَى بِمَعْنَى فَنِيَ فِي لُغَاتِ طيّء، وأَفْنَاه هُوَ. وتَفَانَى القومُ قَتْلًا: أَفنى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وتَفَانَوا أَي أَفنى بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْحَرْبِ. وفَنِيَ يَفْنَى فَناء: هَرِمَ وأَشرف عَلَى الْمَوْتِ هَرَماً، وَبِذَلِكَ فَسَّرَ أَبو عُبَيْدٍ حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه، أَنه قَالَ: حَجَّةً هَاهُنَا ثُمَّ احْدِجْ هَاهُنَا حَتَّى تَفْنى

يَعْنِي الْغَزْوَ؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ الإِنسان وفَناءه:

حَبائِلُه مَبْثوثةٌ بسَبِيلِه،

ويَفْنى إِذا مَا أَخْطَأَتْه الحَبائلُ

يَقُولُ: إِذا أَخطأَه الْمَوْتُ فإِنه يَفْنَى أَي يَهْرَمُ فَيَمُوتُ لَا بدَّ مِنْهُ إِذا أَخطأَته المنِيَّةُ وأَسبابها فِي شَبِيبَته وقُوَّته. وَيُقَالُ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ: فانٍ. وَفِي حَدِيثُ

مُعَاوِيَةَ: لَوْ كنتُ مِنْ أَهل البادِيةِ بِعْتُ

ص: 164

الفانِيةَ وَاشْتَرَيْتُ النامِيةَ

؛ الفَانِيَةُ: المُسِنَّة مِنَ الإِبل وَغَيْرِهَا، والنامِيةُ: الفَتِيَّةُ الشابَّة الَّتِي هِيَ فِي نُمُوٍّ وَزِيَادَةٍ. والفِنَاء: سَعةٌ أَمامَ الدَّارِ، يَعْنِي بِالسَّعَةِ الِاسْمَ لَا الْمَصْدَرَ، وَالْجَمْعُ أَفْنِيةٌ، وَتُبْدَلُ الثَّاءُ مِنَ الْفَاءِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: هُمَا أَصلان وَلَيْسَ أَحدهما بَدَلًا مِنْ صَاحِبِهِ لأَن الفِناء مِنْ فَنِيَ يَفْنَى، وَذَلِكَ أَن الدَّارَ هُنَا تَفْنى لأَنك إِذا تَنَاهَيْتَ إِلى أَقصى حُدُودِهَا فَنِيَتْ، وأَما ثِناؤها فَمِنْ ثَنى يَثْني لأَنها هُنَاكَ أَيضاً تَنْثَنِي عَنِ الِانْبِسَاطِ لِمَجِيءِ آخِرِهَا واسْتِقْصاء حُدُودِهَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَمْزَتُهَا بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ لأَن إِبدال الْهَمْزِ مِنَ الْيَاءِ إِذا كَانَتْ لَامًا أَكثر مِنْ إِبدالها مِنَ الْوَاوِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ قَدْ قَالَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَلفه وَاوًا لِقَوْلِهِمْ شَجَرَةٌ فَنْوَاء أَي واسِعة فِناء الظِّلِّ، قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لأَنا لَمْ نَسْمَعْ أَحداً يَقُولُ إِن الفَنْوَاء مِنَ الفِناء، إِنَّمَا قَالُوا إِنها ذَاتُ الأَفنان أَو الطَّوِيلَةُ الأَفنان. والأَفْنِية: السَّاحات عَلَى أَبواب الدَّوْرِ؛ وأَنشد:

لَا يُجْتَبى بِفِنَاء بَيْتِك مثْلهم

وَفِنَاءُ الدَّارِ: مَا امْتدَّ مِنْ جَوَانِبِهَا. ابْنُ الأَعرابي: بِهَا أَعناء مِنَ النَّاسِ وأَفْناء أَي أَخْلاط، الْوَاحِدُ عِنْوٌ وفِنْوٌ. وَرَجُلٌ مِنْ أَفْناء الْقَبَائِلِ أَي لَا يُدرى مَنْ أَيّ قَبِيلَةٍ هُوَ، وَقِيلَ: إِنما يُقَالُ قَوْمٌ مِنْ أَفناء الْقَبَائِلِ، وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ، وَلَيْسَ للأَفْناء وَاحِدٌ. قَالَتْ أُم الْهَيْثَمِ: يُقَالُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَفْنَاء النَّاسِ وَلَا يُقَالُ فِي الْوَاحِدِ رَجُلٌ مِنْ أَفْنَاء النَّاسِ، وَتَفْسِيرُهُ قَوْمٌ نُزَّاعٌ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا. والجوهري: يُقَالُ هُوَ مِنْ أَفْنَاء النَّاسِ إِذا لَمْ يُعلم مَنْ هُوَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ جِنِّي وَاحِدُ أَفناء النَّاسِ فَناً وَلَامُهُ وَاوٌ، لِقَوْلِهِمْ شَجَرَةٌ فَنْوَاء إِذا اتَّسَعَتْ وَانْتَشَرَتْ أَغصانها، قَالَ: وَكَذَلِكَ أَفْنَاء النَّاسِ انْتِشَارُهُمْ وَتَشَعُّبُهُمْ. وَفِي الْحَدِيثِ:

رَجُلٌ مِنْ أَفْنَاء النَّاسِ

أَي لَمْ يُعلم مِمَّنْ هُوَ، الْوَاحِدُ فِنْوٌ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الفِنَاء وَهُوَ المُتَّسَعُ أَمام الدَّارِ، وَيُجْمَعُ الفِنَاء عَلَى أَفْنِيَة. والمُفَانَاة: المُداراة. وأَفْنَى الرجلُ إِذا صَحِب أَفناء النَّاسِ. وفَانَيْت الرجلَ: دارَيْته وسَكَّنْته؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَذْكُرُ هُمُومًا اعْتَرَتْهُ:

تُقِيمُه تَارَةً وتُقْعِدُه،

كَمَا يُفانِي الشَّمُوسَ قائِدُها

قَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ أَبا السَّمَيْدَعِ يَقُولُ بَنُو فُلَانٍ مَا يُعانُون مَالَهُمْ وَلَا يُفانُونه أَي مَا يَقُومُونَ عَلَيْهِ وَلَا يُصْلِحونه. والفَنا، مَقْصُورٌ، الْوَاحِدَةُ فَنَاة: عِنَبُ الثَّعلب، وَيُقَالُ: نَبْتٌ آخَرُ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

كأَنّ فُتاتَ العِهْنِ، فِي كلِّ مَنْزِلٍ

نَزَلْنَ، بِهِ حَبُّ الفَنَا لَمْ يُحَطَّمِ

وَقِيلَ: هُوَ شَجَرٌ ذُو حَبٍّ أَحمر مَا لَمْ يُكسَّر، يُتَّخَذُ مِنْهُ قَرَارِيطُ يُوزَنُ بِهَا كُلُّ حَبَّةٍ قِيرَاطٌ، وَقِيلَ: يُتَّخَذُ مِنْهُ القَلائد، وَقِيلَ: هِيَ حَشِيشَةٌ تَنْبُتُ فِي الغَلْظ تَرْتَفِعُ عَلَى الأَرض قِيسَ الإِصْبع وأَقل يَرعاها المالُ، وأَلفها يَاءٌ لأَنها لَامٌ؛ وَرَوَى أَبو الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه أَنشده قَوْلَ الرَّاجِزِ:

صُلْبُ العَصا بالضَّرْبِ قَدْ دَمَّاها،

يقولُ: لَيْتَ اللَّهَ قَدْ أَفْناها «2»

قَالَ يَصِفُ رَاعِي غَنَمٍ وَقَالَ فِيهِ مَعْنَيَانِ: أَحدهما أَنه جَعَلَ عَصَاهُ صُلبة لأَنه يَحْتَاجُ إِلى تَقْوِيمِهَا ودَعا عَلَيْهَا فَقَالَ لَيْتَ اللهَ قَدْ أَهلكها ودمَّاها أَي سيَّلَ دَمها بِالضَّرْبِ لخِلافِها عَلَيْهِ، والوجه الثاني في قوله صُلْبُ العصا أَي

(2). قوله [صلب العصا] في التكملة: ضخم العصا.

ص: 165

لَا تَحُوجُهُ إِلى ضَرْبِهَا فَعَصَاهُ بَاقِيَةً، وَقَوْلُهُ: بِالضَّرْبِ قَدْ دمَّاها أَي كَسَاهَا السِّمَن كأَنه دمَّمها بِالشَّحْمِ لأَنه يُرَعِّيها كُلِّ ضَرْبٍ مِنَ النَّبَاتِ، وأَما قَوْلُهُ لَيْتَ اللهَ قَدْ أَفْنَاها أَي أَنبت لَهَا الفَنا، وَهُوَ عِنَبُ الذِّئْبِ، حَتَّى تَغْزُرَ وتَسْمَن. والأَفَانِي: نَبْتٌ مَا دَامَ رَطْبًا، فإِذا يَبِسَ فَهُوَ الحَماط، وَاحِدَتُهَا أَفَانِيَةٌ مِثَالُ ثَمَانِيَةٍ، وَيُقَالُ أَيضاً: هُوَ عِنَبُ الثَّعْلَبِ. وَفِي حَدِيثِ القِيامة:

فيَنْبُتُون كَمَا يَنْبُت الفَنَا

؛ هُوَ عِنَبُ الثَّعْلَبِ. وَقِيلَ: شَجَرَتُهُ وَهِيَ سَرِيعَةُ النَّبَاتِ وَالنُّمُوِّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدُ الأَفَانِي النَّبْتِ قَوْلُ النَّابِغَةِ:

شَرَى أَسْتاهِهِنَّ مِنَ الأَفَانِي

وَقَالَ آخَرُ:

فَتِيلانِ لَا يَبْكِي المَخاضُ عَلَيْهِمَا،

إِذا شَبِعا مِنْ قَرْمَلٍ وأَفَانِي «1»

وَقَالَ آخَرُ:

يُقَلِّصْن عَنْ زُغْبٍ صِغارٍ كأَنَّها،

إِذا دَرَجَتْ تَحتَ الظِّلالِ، أَفَانِي

وَقَالَ ضَبَابُ بْنُ وَقْدان السَّدُوسِي:

كأَنَّ الأَفَانِي شَيْبٌ لَهَا،

إِذا التَفَّ تحتَ عَناصِي الوَبَرْ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَذَكَرَ ابْنِ الأَعرابي أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ لِضِبَابِ بْنِ وَاقِدٍ الطَّهَوِي، قَالَ: والأَفانِي شَجَرٌ بِيضٌ، وَاحِدَتُهُ أَفَانِيَةٌ، وإِذا كَانَ أَفَانِيَة مِثْلَ ثَمَانِيَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فَصَوَابُهُ أَن يُذْكَرَ فِي فَصْلِ أَفن، لأَن الْيَاءَ زَائِدَةٌ وَالْهَمْزَةَ أَصل. والفَنَاة: البقَرة، وَالْجَمْعُ فَنَوات؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

وفَناة تَبْغِي، بحَرْبةَ، طِفْلًا

مِن ذَبِيحٍ قَفَّى عَلَيْهِ الخَبالُ

وشعَر أَفْنَى: فِي مَعْنَى فَيْنان، قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ لَفْظِهِ. وامرأَة فَنْوَاء: أَثِيثة الشعَر مِنْهُ؛ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ الأَعرابي، قَالَ: وأَما جُمْهُورُ أَهل اللُّغَةِ فَقَالُوا امرأَة فَنْوَاء أَي لشَعَرها فُنُون كأَفْنان الشِّعْر، وَكَذَلِكَ شَجَرَةٌ فَنْوَاء إِنما هِيَ ذَاتُ الأَفْنان، بِالْوَاوِ. وَرَوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: امرأَة فَنْوَاء وفَنْيَاء. وشعَر أَفْنَى وفَيْنانٌ أَي كَثِيرٌ. التَّهْذِيبُ: وَالْفَنْوَةُ المرأَة الْعَرَبِيَّةُ؛ وَفِي تَرْجَمَةِ قنا قَالَ قَيْس بْنُ العَيْزار الهُذَلي:

بِمَا هِيَ مَقْناةٌ، أَنِيقٌ نَباتُها،

مِرَبٌّ، فَتَهْواها المَخاضُ النَّوازِعُ

قَالَ: مَقْناةٌ أَي مُوافِقة لِكُلِّ مَن نَزَلها مِنْ قَوْلِهِ مُقاناةِ البياض بصُفْرَةٍ أَي يُوَافِقُ بياضُها صُفْرَتَهَا، قَالَ الأَصمعي: وَلُغَةُ هُذَيْلٍ مَفْناةٌ بالفاءِ، والله أَعلم.

فها: فَهَا فؤادُه: كَهْفًا، قَالَ: وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِمَصْدَرٍ فأُراه مَقْلُوبًا. الأَزهري: الأَفْهَاء البُلْه مِنَ النَّاسِ. وَيُقَالُ: فَهَا إِذا فَصُح بعد عجمة.

فوا: الفُوّةُ: عُروق نَبَاتٍ يُسْتَخْرَجُ مِنَ الأَرض يُصبغ بِهَا، وَفِي التَّهْذِيبِ: يُصْبَغُ بِهَا الثِّيَابُ، يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ رُوين، وَفِي الصِّحَاحِ رُوِينَه، وَلَفْظُهَا عَلَى تَقْدِيرِ حُوّة وقُوّة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الفُوّة عُرُوقٌ وَلَهَا نَبَاتٌ يَسْمُو دَقِيقًا، فِي رأْسه حَب أَحمر شَدِيدُ الْحُمْرَةِ كَثِيرُ الْمَاءِ يُكْتَبُ بِمَائِهِ وَيُنْقَشُ؛ قَالَ الأَسود

(1). قوله [فتيلان] كذا بالأصل، ولعله مصغر مثنى الفتل. ففي القاموس: الْفَتَلُ مَا لَمْ يَنْبَسِطْ من النبات، أو شبه الشاعر النبت الحقير بالفتيل الذي يفتل بالإصبعين. وعلى كلا الاحتمالين فحق شبعا شبعت ومقتضى أن واحد الأفاني كثمانية أن تكون الأفاني مكسورة، وضبطت في القاموس هنا بالكسر ووزنه المجد في أفن بسكارى.

ص: 166

بْنُ يَعْفُرَ:

جَرَّتْ بِهَا الرِّيحُ أَذْيالًا مُظاهَرةً،

كَمَا تَجُرُّ ثِيابَ الفُوّةِ العُرُسُ

وأَدِيمٌ مُفَوّىً: مَصْبُوغٌ بِهَا، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ وَأَرْضِ مُفَوَّاة: ذاتُ فُوّة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: كَثِيرَةُ الفُوَّة؛ قَالَ الأَزهري: وَلَوْ وَصَفْتَ بِهِ أَرضاً لَا يُزْرَعُ فِيهَا غَيْرُهُ قُلْتَ أَرضٌ مَفْوَاة مِنَ المَفَاوِي، وَثَوْبٌ مُفَوًّى لأَن الْهَاءَ الَّتِي فِي الفُوَّة لَيْسَتْ بأَصلية بَلْ هِيَ هَاءُ التأْنيث. وَثَوْبٌ مُفَوًّى أَي مَصْبُوغٌ بالفُوَّة كَمَا تَقُولُ شَيْءٌ مُقَوًّى من القُوَّة.

فيا: فَيَّ: كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التَّعَجُّبُ، يَقُولُونَ: يَا فَيَّ مَا لِي أَفْعَلُ كَذَا وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الأَسَفُ عَلَى الشيءِ يَفُوتُ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ لَا يُهْمَزُ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ يَا عَجَبي، قَالَ: وَكَذَلِكَ يَا فَيَّ مَا أَصْحابُك، قَالَ: وَمَا، مِنْ كُلٍّ، فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ. التَّهْذِيبُ: فِي حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الصِّفَاتِ، وَقِيلَ: فِي تأْتي بِمَعْنَى وسَط، وتأْتي بِمَعْنَى دَاخِلٍ كَقَوْلِكَ: عبدُ اللَّهِ فِي الدَّارِ أَي داخِلَ الدَّارِ، وَوَسَطَ الدَّارِ، وَتَجِيءُ فِي بِمَعْنَى على. وفي التنزيل: لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ

؛ الْمَعْنَى عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً

؛ أَي مَعَهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: جَاءَتْ فِي بِمَعْنَى مَعَ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:

ولَوْحُ ذِراعَيْنِ فِي بِرْكةٍ،

إِلى جُؤْجُؤٍ رَهِلِ المَنْكِبِ

وَقَالَ أَبو النَّجْمِ:

يَدْفَعُ عَنْهَا الجُوعَ، كلَّ مَدْفَعِ،

خَمْسُون بُسْطاً فِي خَلايا أَرْبَعِ

أَراد: مَعَ خَلَايَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ

؛ أَي يُكَثِّرُكُم بِهِ؛ وأَنشد:

وأَرْغَبُ فِيها عَنْ عُبَيْدٍ ورَهْطِه،

ولكِنْ بِهَا عَنْ سِنْبِسٍ لَسْتُ أَرْغبُ

أَي أَرغب بِهَا، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ

؛ أَي بُورِكَ مَنْ عَلَى النَّارِ، وَهُوَ اللَّهُ عز وجل. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فِي حرفٌ خَافِضٌ، وَهُوَ للوِعاء والظَّرف وَمَا قُدِّر تَقْدِيرَ الوِعاء، تَقُولُ: الْمَاءُ فِي الإِناء وَزَيْدٌ فِي الدَّارِ والشَّكُّ فِي الْخَبَرِ، وَزَعَمَ يُونُسُ أَن الْعَرَبَ تَقُولُ نَزَلْتُ فِي أَبيك، يُرِيدُونَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَرُبَّمَا تُسْتَعمل بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَقَالَ زَيْدُ الْخَيْلِ:

ويَرْكَبُ يَومَ الرَّوْع مِنّا فَوارِسٌ

بَصِيرُون فِي طَعْنِ الأَباهِرِ والكُلى

أَي بِطَعْنِ الأَباهر والكُلى. ابْنُ سِيدَهْ: فِي حَرْفُ جَرٍّ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَما فِي فَهِيَ للوِعاء، تَقُولُ: هُوَ فِي الجِراب وَفِي الْكِيسِ، وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمه، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الغُلِّ جعله إِذ أَدخله فِيهِ كالوِعاء، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي القُبَّة وَفِي الدَّارِ، وإِن اتَّسَعْتَ فِي الْكَلَامِ فَهِيَ عَلَى هَذَا، وَإِنَّمَا تَكُونُ كَالْمَثَلِ يُجَاءُ بِهَا لِمَا يُقارب الشَّيْءَ وَلَيْسَ مِثْلَهُ؛ وَقَالَ عَنْتَرَةُ:

بَطَلٌ كأَنَّ ثِيابَه فِي سَرْحةٍ،

يُحْذى نِعالَ السِّبْتِ لَيْسَ بتَوْأَم

أَي عَلَى سَرْحَةٍ، قَالَ: وَجَازَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَانَ مَعْلُومًا أَن ثِيَابَهُ لَا تَكُونُ مِنْ دَاخِلِ سَرْحة لأَن السَّرْحَةَ لَا تُشَقُّ فتُسْتَوْدَع الثِّيَابُ وَلَا غَيْرُهَا، وَهِيَ بِحَالِهَا سَرْحَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُكَ فُلَانٌ فِي الْجَبَلِ لأَنه قَدْ يَكُونُ فِي غَارٍ مِنْ أَغْواره ولِصْبٍ مَنَّ لِصابه فَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَن يَكُونَ عَلَيْهِ أَي عَالِيًا فِيهِ أَي الْجَبَلِ؛ وَقَالَ:

ص: 167

وخَضْخَضْنَ فِينَا البَحْرَ، حَتَّى قَطَعْنَه

عَلَى كلِّ حَالٍ مِنْ غِمارٍ وَمِنْ وَحَلْ

قَالَ: أَراد بِنَا، وَقَدْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَي فِي سَيْرنا، وَمَعْنَاهُ فِي سَيْرهِنَّ بِنَا؛ وَمِثْلُ قَوْلِهِ:

كأَنَّ ثِيَابَهُ فِي سَرْحَةٍ

وَقَوْلُ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ:

هُمُو صَلَبُوا العَبْديَّ فِي جِذْعِ نَخْلةٍ،

فَلَا عَطَسَت شَيْبانُ إِلا بأَجْدَعا

أَي عَلَى جِذع نَخْلَةٍ؛ وأَما قَوْلُهُ:

وَهَلْ يَعِمَنْ مَن كَانَ أَقْرَبُ عَهْدِه

ثلاثِين شَهْراً فِي ثَلَاثَةِ أَحْوالِ؟

فَقَالُوا: أَراد مَعَ ثَلَاثَةِ أَحوال، قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَطَرِيقُهُ عِنْدِي أَنه عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، يُرِيدُونَ ثَلَاثِينَ شَهْرًا فِي عَقِبِ ثَلَاثَةِ أَحوال قَبْلَهَا، وَتَفْسِيرُهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَحوال؛ فأَما قَوْلُهُ:

يَعْثُرْنَ فِي حَدِّ الظُّباتِ كأَنما

كُسِيَتْ، بُرود بَنِي تَزيدَ، الأَذْرُعُ

فإِنما أَراد يَعْثُرْنَ بالأَرض فِي حَدِّ الظُّبَاتِ أَي وَهُنَّ فِي حَدِّ الظُّبَاتِ، كَقَوْلِهِ: خَرَجَ بثِيابه أَي وثِيابُه عَلَيْهِ، وَصَلَّى فِي خُفَّيه أَي وخُفَّاه عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ

؛ فَالظَّرْفُ إِذاً مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ لأَنه حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ أَي يَعْثُرْن كائناتٍ فِي حَدِّ الظُّبَاتِ؛ وَقَوْلُ بَعْضِ الأَعراب:

نَلُوذُ فِي أُمٍّ لَنَا مَا تَعْتَصِبْ

من الغَمام تَرْتَدي وتَنْتَقِبْ

فإِنه يُرِيدُ بالأُم لَنَا سَلْمى أَحد جَبَلَيْ طَيِء، وَسَمَّاهَا أُمًّا لاعْتِصامهم بِهَا وأُوِيِّهم إِليها، وَاسْتَعْمَلَ فِي مَوْضِعَ الْبَاءِ أَي نلوذ بها لأَنها لَاذُوا فَهُمْ فِيهَا لَا مَحَالَةَ، أَلا تَرَى أَنهم لَا يَلُوذون ويَعْتَصِمُون بِهَا إِلَّا وَهُمْ فِيهَا؟ لأَنهم إِن كَانُوا بُعَداء عَنْهَا فَلَيْسُوا لَائِذِينَ فِيهَا، فكأَنه قَالَ نَسْمَئِلُّ فِيهَا أَي نَتَوَقَّلُ، وَلِذَلِكَ اسْتَعْمَلَ فِي مكانَ الْبَاءِ. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، فِي تِسْعِ آياتٍ

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: فِي مِنْ صِلَةُ قَوْلِهِ وَأَلْقِ عَصاكَ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ

، وَقِيلَ: تأْويله وأَظهر هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي تِسْعِ آياتٍ

أَي مِنْ تِسْعِ آيَاتٍ، وَمِثْلُهُ قَوْلُكَ: خُذْ لِي عَشْراً مِنَ الإِبل وَفِيهَا فَحْلان أَي وَمِنْهَا فحلان، والله أَعلم.

‌فصل القاف

قَأَى: ابْنُ الأَعرابي: قأَى إِذا أَقَرَّ لخَصْمه وذلَّ.

قَبَا: قَبا الشيءَ قَبْواً: جَمَعَهُ بأَصابعه. أَبو عَمْرٍو: قَبَوْتُ الزَّعْفَرَانَ والعُصْفُر أَقْبُوه قَبْواً أَي جَنَيْتُهُ. والقَابِيَةُ: المرأَة الَّتِي تلقُط الْعُصْفَرَ. والقَبْوَةُ: انْضِمَامُ مَا بَيْنَ الشَّفَتَيْنِ، والقَبَاء، مَمْدُودٌ، مِنَ الثِّيَابِ: الَّذِي يُلْبَسُ مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ أَطرافه، وَالْجَمْعُ أَقْبِية. وقَبَّى ثَوْبَهُ: قَطَعَ مِنْهُ قَباء؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. يُقَالُ: قَبِّ هَذَا الثَّوْبَ تَقْبِيَة أَي قَطِّعْ مِنْهُ قَباء. وتَقَبَّى قَباءَه: لَبِسَهُ. وتَقَبَّى: لَبِسَ قَبَاءَهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الثَّوْرَ:

كأَنه مُتَقَبِّي يَلْمَقٍ عَزَبُ

وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ

عَطَاءٍ أَنه قَالَ: يُكره أَن يدخُل المعتكِف قَبْواً مَقْبُوّاً، قِيلَ لَهُ: فأَين يُحدث؟ قَالَ: فِي الشِّعاب، قِيلَ: فعُقودُ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: إِنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ لِذَلِكَ

؛ القَبْوُ: الطاقُ الْمَعْقُودُ بَعْضُهُ إِلى بَعْضٍ، هَكَذَا رَوَاهُ الْهَرَوِيُّ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قِيلَ لِعَطَاءٍ أَيمرّ الْمُعْتَكِفُ تَحْتَ قَبْوٍ مَقْبُوٍّ؟ قَالَ:

ص: 168

نَعَمْ، قَالَ شَمِرٌ: قَبَوْتُ البناء أَي رَفَعْتُهُ. وَالسَّمَاءُ مَقْبُوَّةٌ أَي مَرْفُوعَةٌ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ مَقْبُوبَةٌ مِنَ القُبَّة وَلَكِنْ يُقَالُ مُقَبَّبة. والقَبايةُ: الْمَفَازَةُ، بِلُغَةِ حِمْير؛ وأَنشد:

وَمَا كَانَ عَنْزٌ تَرْتَعِي بقَبايةٍ

والقَبا: ضَرْبٌ مِنَ الشَّجَرِ. والقَبا: تَقْويس الشَّيْءِ. وتَقَبَّى الرَّجُلُ فُلَانًا إِذا أَتاه مِنْ قِبَلِ قَفاه؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

وإِنْ تَقَبَّى أَثْبَتَ الأَنائِبا،

فِي أُمَّهاتِ الرَّأْسِ، هَمْزاً واقِبا «2»

وَقَالَ شَمِرٌ فِي قَوْلِهِ:

مِن كلِّ ذاتِ ثَبَجٍ مُقَبِّي

المُقَبِّى: الْكَثِيرُ الشَّحْمِ، وأَهل الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ لِلضَّمَّةِ قَبْوَةٌ. وَقَدْ قَبَا الحرفَ يَقْبُوه، إِذا ضَمَّهُ، وكأَنَّ القَباء مُشْتُقٌّ مِنْهُ. والقَبْوُ: الضَّمُّ. قَالَ الْخَلِيلُ: نَبْرةٌ مَقْبُوَّة أَي مَضْمومة، وقِبَةُ الشَّاةِ، إِذا لَمْ تَشَدَّدْ، يُحْتَمَلُ أَن تَكُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ، وَهِيَ هَنة مُتَّصِلَةٌ بِالْكَرِشِ ذاتُ أَطباق. الْفَرَّاءُ: هِيَ الْقُبَّةُ للفَحِث. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: قِبةُ الشاةِ عَضَلَتُها. والقابِيَاء: اللَّئِيمُ لكَزازته وَتَجَمُّعِهِ. وَفِي التَّهْذِيبِ: وقَابِياءُ وقابِعاءُ يُقَالُ ذَلِكَ للِّئام. وَبَنُو قابِيَاء: الْمُتَجَمِّعُونَ لِشُرْبِ الْخَمْرِ. وَبَنُو قَابِيَاء وَبَنُو قَوْبعةَ. والقَابِيَةُ: المرأَة الَّتِي تَلْقُطُ الْعُصْفَرَ وَتَجْمَعُهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ وَوَصَفَ قَطاً مُعْصَوْصِباً فِي الطَّيَرَانِ:

دَوامِكَ حِينَ لَا يَخْشَينَ رِيحاً

مَعاً كبَنانِ أَيْدِي القَابِيَاتِ

وقُبَاء، مَمْدُودٌ: مَوْضِعٌ بِالْحِجَازِ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. وانْقَبَى فُلَانٌ عَنَّا انْقِبَاء إِذا اسْتَخْفَى. وَقَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ الْجَعْفَرِيَّ يَقُولُ اعْتَبَيْت المتاعَ واقْتَبَيْتُه إِذا جَمَعْتَهُ، وَقَدْ عَبَا الثِّيَابَ يَعْباها وقَبَاها يَقْبَاها؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا عَلَى لُغَةِ مَنْ يَرَى تَلْيِينَ الْهَمْزَةِ. ابْنُ سِيدَهُ: وقُبَاء مَوْضِعَانِ: مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ، وَمَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَةَ وَالْبَصْرَةِ، يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَضَيْنَا بأَن هَمْزَةَ قُبَاء وَاوٌ لِوُجُودِ ق ب وو عدم ق ب ي.

قتا: القَتْوُ: الخِدْمة. وَقَدْ قَتَوْتُ أَقْتُو قَتْواً ومَقْتًى أَي خَدَمْت مِثْلُ غَزَوْت أَغْزُو غَزْواً ومَغْزًى، وَقِيلَ: القَتْو حُسْنُ خِدمة الْمُلُوكِ، وَقَدْ قَتاهم. اللَّيْثُ: تَقُولُ هُوَ يَقْتُو الْمُلُوكَ أَي يَخْدُمُهم؛ وأَنشد:

إِني امْرُؤٌ مِنْ بَنِي خُزَيمَةَ، لَا

أُحْسِنُ قَتْوَ المُلوكِ والخَبَبَا

قَالَ اللَّيْثُ فِي هَذَا الْبَابِ: والمَقاتِيةُ هُمُ الخُدَّام، وَالْوَاحِدُ مَقْتَوِيٌّ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ كأَنه مَنْسُوبٌ إِلى المَقْتَى، وَهُوَ مَصْدَرٌ، كَمَا قَالُوا ضَيْعةٌ عَجْزِيَّةٌ لِلَّتِي لَا تَفي غَلَّتها بخَراجها؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدُهُ قَوْلُ الْجُعْفِيِّ:

بَلِّغْ بَنِي عُصَمٍ بأَني،

عَنْ فُتاحَتِكُمْ، غَنيُ

لَا أُسْرَتي قَلَّتْ، وَلَا

حَالِي لحالِكَ مَقْتَوِيُ

قَالَ: وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ يَاءِ النِّسْبَةِ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:

تُهَدِّدُنا وتُوعِدُنا، رُوَيْداً

مَتى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينا؟

(2). قوله [الأنائبا] كذا في التكملة مضبوطا ومثله في التهذيب غير أن فيه الأنايبا.

ص: 169

وإِذا جُمِعَتْ «1» بِالنُّونِ خُفِّفَتِ الْيَاءُ مَقْتَوُون، وَفِي الْخَفْضِ وَالنَّصْبِ مَقْتَوِين كَمَا قَالُوا أَشْعَرِينَ، وأَنشد بَيْتَ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ. وَقَالَ شَمِرٌ: المَقْتَوُون الخُدَّام، وَاحِدُهُمْ مَقْتَوِيّ؛ وأَنشد:

أَرَى عَمْرَو بْنَ ضَمْرَةَ مَقْتَوِيّاً،

لَهُ فِي كلِّ عامٍ بَكْرتانِ»

وَيُرْوَى عَنِ الْمُفَضَّلِ وأَبي زَيْدٍ أَن أَبا عَوْنٍ الحِرْمازي قَالَ: رَجُلٌ مَقْتَوِينٌ ورجلانِ مَقْتَوِينٌ وَرِجَالٌ مَقْتَوِينٌ كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ المرأَة وَالنِّسَاءُ، وَهُمُ الَّذِينَ يَخْدُمُونَ النَّاسَ بِطَعَامِ بُطُونِهِمْ. الْمُحْكَمِ: والمَقْتَوُون والمَقَاتِوَةُ والمَقَاتِيَةُ الْخُدَّامُ، وَاحِدُهُمْ مَقْتَوِيٌّ. وَيُقَالُ: مَقْتَوِينٌ، وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّثُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَيْسَتِ الْوَاوُ فِي هَؤُلَاءِ مَقْتَوُون ورأَيت مَقْتَوِين وَمَرَرْتُ بمَقْتَوِين إِعراباً أَو دَلِيلَ إِعراب، إِذ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَن يُقَالَ هؤُلاء مَقْتَوْنَ ورأَيت مَقْتَينَ وَمَرَرْتُ بمَقْتَيْن، وَيَجْرِي مَجرى مُصْطَفَيْن. قَالَ أَبو عَلِيٍّ: جَعَلَهُ سِيبَوَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الأَشْعَرِيّ والأَشْعَرِين، قَالَ: وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي هَذَا، إِذ حُذِفَتْ يَاءُ النَّسَبِ مِنْهُ، أَن يُقَالَ مَقْتَوْن كَمَا يُقَالُ فِي الأَعْلى الأَعْلَوْن إِلا أَن اللَّامَ صَحَّتْ فِي مَقْتَوِين، لِتَكُونَ صِحَّتُهَا دَلَالَةً عَلَى إِرَادَةِ النَّسَبِ، لِيُعْلَمَ أَن هَذَا الْجَمْعَ الْمَحْذُوفَ مِنْهُ النَّسَبُ بِمَنْزِلَةِ الْمُثْبَتِ فِيهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وإِن شِئْتَ قُلْتَ جاؤوا بِهِ عَلَى الأَصل كَمَا قَالُوا مَقَاتِوَةٌ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبو الْخَطَّابِ عَنِ الْعَرَبِ، قال: وليس الْعَرَبِ يَعْرِفُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ. قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مِذْرَوَيْنِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ يُفْرَدُ. قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وأَخبرني أَبو بَكْرٍ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ عَنْ أَبي عُثْمَانَ قَالَ لَمْ أَسمع مِثْلَ مَقاتِوَة إِلَّا حَرْفًا وَاحِدًا، أَخبرني أَبو عُبَيْدَةَ أَنه سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ سَواسِوةٌ فِي سَواسِيةٍ وَمَعْنَاهُ سَوَاءٌ؛ قَالَ: فأَما مَا أَنشده أَبو الْحَسَنِ عَنِ الأَحول عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ:

تَبَدَّلْ خَلِيلًا بِي كَشَكْلِك شَكْلُه،

فإِنِّي خَلِيلًا صالِحاً بِكَ مُقْتَوِي

فإِن مُقْتَوٍ مُفْعَلِلٌ،، وَنَظِيرُهُ مُرْعَوٍ، وَنَظِيرُهُ مِنَ الصَّحِيحِ الْمُدْغَمِ مُحْمَرّ ومُخْضَرٌّ، وأَصله مُقْتَوٌّ، وَمِثْلُهُ رَجُلٌ مُغْزَوٍ ومُغْزاوٍ، وأَصلهما مُغْزَوٌّ ومُغْزاوٌّ، وَالْفِعْلُ اغْزَوَّ يَغزاوّ «3» كَاحْمَرَّ وَاحْمَارَّ وَالْكُوفِيُّونَ يُصَحِّحُونَ وَيُدْغِمُونَ وَلَا يُعِلّون، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِهِمْ قَوْلُ الْعَرَبِ ارْعَوَى وَلَمْ يَقُولُوا ارْعَوَّ، فإِن قُلْتَ: بِمَ انْتَصَبَ خَلِيلًا ومُقْتَوٍ غَيْرُ مُتَعَدٍّ؟ فَالْقَوْلُ فِيهِ أَنه انْتَصَبَ بِمُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُظْهَرُ كأَنه قَالَ أَنا مُتَّخِذٌ ومُستعدّ، أَلا تَرَى أَن مَنْ اتَّخَذَ خَلِيلًا فَقَدِ اتَّخَذَهُ وَاسْتَعَدَّهُ؟ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:

اقْتَوَى

مُتَعَدِّيًا وَلَا نَظِيرَ لَهُ، قَالَ: وَسُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ امرأَة كَانَ زَوْجُهَا مَمْلُوكًا فَاشْتَرَتْهُ فَقَالَ: إِن اقْتَوتْه فُرِّقَ بِينَهُمَا، وإِن أَعتقته فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ؛ اقْتَوَتْه أَي استخدَمَتْه. والقَتْوُ: الخِدْمة؛ قَالَ الْهَرَوِيُّ: أَي اسْتَخْدَمَتْهُ، وَهَذَا شَاذٌّ جدّاً لأَن هذا البناء غَيْرُ مُتَعَدٍّ أَلْبَتَّةَ، مِنَ الْغَرِيبَيْنِ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: يُقَالُ قَتَوْتُ الرَّجُلَ قَتْواً ومَقْتًى أَي خَدَمْتُهُ، ثُمَّ نَسَبُوا إِلى المَقْتَى فَقَالُوا رَجُلٌ مَقْتَوِيٌّ، ثُمَّ خَففوا يَاءَ النِّسْبَةِ فَقَالُوا رَجُلٌ مَقْتَوٍ وَرِجَالٌ مَقْتَوُون، والأَصل مَقْتَوِيُون. ابْنُ الأَعرابي: القَتْوَةُ النَّمِيمَة.

(1). قوله [وإذا جمعت إلخ] كذا بالأصل والتهذيب أيضاً.

(2)

. قوله [ابن ضمرة] كذا في الأصل، والذي في الأساس: ابن هودة، وفي التهذيب: ابن صرمة.

(3)

. قوله [اغزوّ يغزاوّ إلخ] كذا بالأصل والمحكم ولعله اغزوّ واغزاوّ

ص: 170

قثا: ابْنُ الأَعرابي: القَثْوَةُ جَمْعُ الْمَالِ وَغَيْرِهِ. يُقَالُ: قَثَى فُلَانٌ الشيءَ قَثْياً واقْتَثَاه وجَثاه واجْتَثاه وقَباه وعَباه عَبْواً وجَباه كُلُّهُ إِذا ضمَّه إِليه ضَمًّا. أَبو زَيْدٍ فِي كِتَابِ الْهَمْزِ: هُوَ القُثَّاء والقِثَّاء، بِضَمِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا؛ اللَّيْثُ: مَدُّهَا هَمْزَةٌ، وأَرض مَقْثَأَة. ابْنُ الأَعرابي: التَّقَيُّثُ الْجَمْعُ والمَنع، والتَّهَيُّثُ الإِعْطاء، وَقَالَ: القَثْوُ أَكل القَثَد والكِربِز «1» . والقَثَدُ: الخِيار، والكِربِزُ: الْقِثَّاءُ الكبار.

قحا: القَحْوُ: تأْسيس الأُقْحُوان، وَهِيَ فِي التَّقْدِيرِ أُفْعُلان مِنْ نَبَاتِ الرَّبيع مُفَرَّضُ الْوَرَقِ دَقِيقُ العِيدان لَهُ نَور أَبيض كأَنه ثَغْرُ جَارِيَةٍ حدَثةِ السِّنِّ. الأَزهري: الأُقْحُوَانُ هُوَ القُرَّاصُ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَهُوَ البابُونج وَالْبَابُونْكَ عِنْدَ الْفُرْسِ. وَفِي حَدِيثِ

قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ: بَواسِق أُقْحُوَان

؛ الأُقْحُوَان: نَبْتٌ تُشَبَّهُ بِهِ الأَسنان، وَوَزْنُهُ أُفْعُلان، وَالْهَمْزَةُ وَالنُّونُ زَائِدَتَانِ. ابْنُ سِيدَهْ: الأُقْحُوَان الْبَابُونْجُ أَو القُرَّاص، وَاحِدَتُهُ أُقْحُوَانَة، وَيُجْمَعُ عَلَى أَقَاحٍ، وَقَدْ حُكِيَ قُحْوانٌ وَلَمْ يُرَ إِلَّا فِي شِعْرٍ، وَلَعَلَّهُ عَلَى الضَّرُورَةِ كَقَوْلِهِمْ فِي حَدِّ الِاضْطِرَارِ سامةَ فِي أُسامةَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ نَبْتٌ طَيِّبُ الرِّيحِ حَوَالَيْهِ وَرَقٌ أَبيض وَوَسَطُهُ أَصفر، وَيُصَغَّرُ عَلَى أُقَيْحِيٍّ لأَنه يُجْمَعُ عَلَى أَقَاحِيَّ بِحَذْفِ الأَلف وَالنُّونِ، وإِن شِئْتَ قُلْتَ أَقاح بِلَا تَشْدِيدٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ وَيُصَغَّرُ عَلَى أُقَيْحِيٍّ، قَالَ: هَذَا غَلَطٌ مِنْهُ وَصَوَابُهُ أُقَيْحِيَانٌ، وَالْوَاحِدَةُ أُقَيْحِيانَةٌ، لِقَوْلِهِمْ أَقاحِيَّ كَمَا قَالُوا ظُرَيْبانٌ فِي تَصْغِيرِ ظَرِبانٍ، لِقَوْلِهِمْ ظَرابيَّ. والمَقْحُوُّ مِنَ الأَدْوية: الَّذِي فِيهِ الأُقْحوان. ودَواءٌ مَقْحُوٌّ ومُقَحًّى: جُعِلَ فِيهِ الأُقحوان. الأَزهري: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: رأَيتُ أَقاحِيَّ أَمْرِه كَقَوْلِكَ رأَيت تَباشيرَ أَمره. وَفِي النَّوَادِرِ: اقْتَحَيْتُ المالَ وقَحَوْتُه واجْتَفَفْته وازْدَفَفْتُه أَي أَخذته. الأَزهري: أُقْحُوَانَةُ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ فِي دِيار بَنِي تَميم، قَالَ: وَقَدْ نَزَلْتُ بِهَا. ابْنُ سِيدَهْ: والأُقْحُوَانَةُ مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ؛ قَالَ:

مَنْ كانَ يَسْأَلُ عَنَّا أَيْنَ مَنْزِلُنا؟

فالأُقْحُوَانَةُ مِنَّا مَنْزِلٌ قَمِنُ

قخا: قَخا جوفُ الإِنسان قَخْواً: فَسَدَ مِنْ دَاءٍ بِهِ. وقَخَّى: تَنَخَّم تَنَخُّماً قَبِيحًا. اللَّيْثُ: إِذا كَانَ الرَّجُلُ قَبِيحَ التَّنَخُّع يُقَالُ قَخَّى يُقَخِّي تَقْخِيةً، وَهِيَ حكاية تَنَخُّعِه.

قدا: القَدْوُ: أَصل الْبِنَاءِ الذي يَتَشَعَّبُ منه تَصْرِيفُ الِاقْتِدَاءِ، يُقَالُ: قِدْوَةٌ وقُدْوةٌ لِمَا يُقْتَدى بِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: القُدْوَة والقِدْوَة مَا تَسَنَّنْتَ بِهِ، قُلِبَتِ الْوَاوُ فِيهِ يَاءً لِلْكَسْرَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْهُ وضَعْف الْحَاجِزِ. والقِدَى: جَمْعُ قِدْوَة يُكْتَبُ بِالْيَاءِ «2» . والقِدَة: كالقِدْوة. يُقَالُ: لِي بِكَ قِدْوَةٌ وقُدْوَة وقِدَةٌ، وَمِثْلُهُ حَظِيَ فلانٌ حِظْوةً وحُظْوةً وحِظة، وَدَارِي حِذْوةَ دارِك وحُذْوةَ دَارِكَ وحِذةَ دَارِكَ، وَقَدِ اقْتَدَى بِهِ. والقُدوة والقِدوة: الأُسْوة. يُقَالُ: فُلَانٌ قُدْوَة يُقْتَدَى بِهِ. ابْنُ الأَعرابي: القَدْوةُ التقَدُّمُ. يُقَالُ فُلَانٌ لَا يُقادِيه أَحد وَلَا يُماديه أَحد وَلَا يُباريه أَحد وَلَا يُجاريه أَحد، وَذَلِكَ إِذا بَرَّز فِي الخِلال كُلِّهَا. والقِدْيةُ: الهِدْيةُ، يُقَالُ: خُذْ فِي هِدْيَتِك وقِدْيَتِك أَي فِيمَا كَنْتَ فِيهِ.

(1). قوله [والكربز] هو الصواب كما في التكملة واللسان هنا وفي مادة كربز ووقع في القاموس الكزبرة وهو تحريف

(2)

. قوله [جَمْعُ قِدْوَةٍ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ] هي عبارة التَّهْذِيبِ عَنْ أَبي بَكْرٍ

ص: 171

وتَقَدَّت بِهِ دابَّته: لَزِمَتْ سَنَنَ الطَّرِيقِ، وتَقَدَّى هُوَ عَلَيْهَا، وَمَنْ جَعَلَهُ مِنَ الْيَاءِ أَخذه مِنَ القَدَيان، وَيَجُوزُ فِي الشِّعْرِ جَاءَ تَقْدُو بِهِ دَابَّتُهُ. وقَدَى الفرسُ يَقْدِي قَدَياناً: أَسرع، وَمَرَّ فُلَانٌ تَقْدُو بِهِ فرسُه. يُقَالُ: مرَّ بِي يَتَقَدَّى فرسُه أَي يلزَم بِهِ سَنَنَ السِّيرة. وتَقَدَّيْتُ عَلَى فَرَسِي، وتَقَدَّى بِهِ بعيرُه: أَسرع. أَبو عُبَيْدٍ: مِنْ عَنَقِ الْفَرَسِ التَّقَدِّي، وتَقَدِّي الفرسِ اسْتِعانَتُه بِهَادِيهِ فِي مَشْيِهِ برَفْع يَدَيْهِ وقَبْض رِجْلَيْهِ شِبْه الخَبَب. وقَدا اللحمُ والطعامُ يَقْدُو قَدْواً وقَدَى يَقْدِي قَدْياً وقَدِيَ، بِالْكَسْرِ، يَقْدَى قَدًى كُلُّهُ بِمَعْنَى إِذا شَمِمْت لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً. يُقَالُ: شمِمت قَدَاةَ القِدْر، وَهِيَ قَدِيةٌ عَلَى فَعِلة أَي طَيِّبَةُ الرِّيحِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِمُبَشِّرِ بْنِ هُذَيْلٍ الشَّمْخِي:

يقاتُ زَادًا طَيِّباً قَداتُه

وَيُقَالُ: هَذَا طَعَامٌ لَهُ قَداةٌ وقَداوة؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ أَن لَامَ القَدا وَاوٌ. وَمَا أَقْدَى طعامَ فلانٍ أَي مَا أَطيَبَ طَعْمه وَرَائِحَتَهُ. ابْنُ سِيدَهْ: وَطَعَامٌ قَدِيٌّ وقَدٍ طَيِّبُ الطَّعم وَالرَّائِحَةِ، يَكُونُ ذَلِكَ فِي الشِّواء وَالطَّبِيخِ، قَدِيَ قَدًى وقَدَاوَةً وقَدُوَ قَدْواً وقَداةً وقَدَاوَةً. وَحَكَى كُرَاعٌ: إِني لَأَجِدُ لِهَذَا الطَّعَامِ قَداً أَي طِيبًا، قَالَ: فَلَا أَدري أَطِيبَ طَعْمٍ عَنى أَم طِيب رَائِحَةٍ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: إِذا كَانَ الطَّبِيخُ طَيِّب الرِّيحِ قُلْتَ قَدِيَ يَقْدَى وذَمِيَ يَذْمى. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ: أَتَتْنا قَادِيَةٌ مِنَ النَّاسِ أَي جَمَاعَةٌ قَلِيلَةٌ، وَقِيلَ: القَادِيَةُ مِنَ النَّاسِ أَول مَا يطرأُ عَلَيْكَ، وَجَمْعُهُا قَوادٍ. وقَدْ قَدَت، فَهِيَ تَقْدِي قَدْياً، وَقِيلَ: قَدَتْ قَادِيَةٌ إِذا أَتى قَوْمٌ قَدْ أَنْجَمُوا «3» مِنَ الْبَادِيَةِ، وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: قاذِيةٌ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمَحْفُوظُ مَا قَالَ أَبو زَيْدٍ. أَبو زَيْدٍ: قَدًى وأَقْدَاء وَهُمُ النَّاسُ يَتَسَاقَطُونَ بِالْبَلَدِ فَيُقِيمُونَ به ويَهْدؤون. ابْنُ الأَعرابي: القَدْو القُدوم مِنَ السَّفَرِ، والقَدْوُ القُرْب. وأَقْدَى إِذا اسْتَوَى فِي طَرِيقِ الدِّينِ، وأَقْدَى أَيضاً إِذا أَسَنَّ وَبَلَغَ الْمَوْتَ. أَبو عَمْرٍو: وأَقْدَى إِذا قَدِمَ مِنْ سَفَر، وأَقْدَى إِذا اسْتَقَامَ فِي الْخَيْرِ. وَهُوَ مِنِّي قِدَى رُمْحٍ، بِكَسْرِ الْقَافِ، أَي قَدْرَه، كأَنه مَقْلُوبٌ مِنْ قِيدَ. الأَصمعي: بَيْنِي وَبَيْنَهُ قِدَى قَوْسٍ، بِكَسْرِ الْقَافِ. وقِيد قَوْسٍ وقادَ قَوْسٍ؛ وأَنشد:

ولكنَّ إِقْدامي إِذا الخيلُ أَحْجَمَتْ،

وصَبْري إِذا مَا الموتُ كَانَ قِدَى الشِّبْرِ

وَقَالَ هُدبة بْنُ الخَشْرم:

وإِني، إِذا مَا الموتُ لَمْ يَكُ دُونَه

قِدَى الشِّبْرِ، أَحْمِي الأَنْفَ أَن أَتأَخرا

قَالَ الأَزهري: قِدَى وقادَ وقِيدَ كُلُّهُ بِمَعْنَى قَدْرِ الشَّيْءِ. أَبو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ الْكِسَائِيَّ يَقُولُ سِنْدَأْوةٌ وقِنْدَأْوَةٌ، وَهُوَ الْخَفِيفُ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهِيَ مِنَ النُّوقِ الْجَرِيئَةُ. قَالَ شَمِرٌ: قِنْدَاوَة يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ. ابْنُ سِيدَهْ: وقِدَةُ هُوَ هَذَا الْمَوْضِعُ الذِي يُقَالُ لَهُ الكُلاب، قَالَ: وإِنما حُمِلَ عَلَى الْوَاوِ لأَن ق د وأَكثر مِنْ ق د ي.

قذي: القَذى: مَا يَقَعُ فِي الْعَيْنِ وَمَا تَرمي بِهِ، وَجَمْعُهُ أَقْذَاء وقُذِيٌّ؛ قَالَ أَبو نُخَيْلَةَ:

مِثْلُ القَذَى يَتَّبعُ القُذِيّا

والقَذَاة: كَالْقَذَى، وَقَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ القَذاة الطَائِفَةَ مِنَ القَذى. وقَذِيَتْ عينُه تَقْذَى قَذًى

(3). قوله [أنجموا] الذي في المحكم والقاموس: أقحموا

ص: 172

وقَذْياً وقَذَياناً: وَقَعَ فِيهَا القذَى أَو صَارَ فِيهَا. وقَذَتْ قَذْياً وقَذَيَاناً وقُذِيّاً وقَذًى: أَلقت قَذاها وقَذَفت بالغَمَصِ والرَّمَصِ؛ هَذَا قَوْلُ اللِّحْيَانِيِّ، وقَذَّى عينَه وأَقْذَاها: أَلقى فِيهَا القَذى، وقَذَّاها مُشَدَّدٌ لَا غَيْرَ: أَخرجه مِنْهَا. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: أَقْذَيْتها إِذا أَخرجت مِنْهَا القَذى، وَمِنْهُ يُقَالُ: عَيْنٌ مُقَذَّاة. وَرَجُلٌ قَذِيُ الْعَيْنِ، عَلَى فَعِل، إِذا سَقَطَتْ فِي عَيْنِهِ قَذَاةٌ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَذَّيْتُ عينَه أُقَذِّيها تَقْذِية أَخرجت مَا فِيهَا مِنَ قَذًى أَو كُحْلٍ، فَلَمْ يَقْصُرْهُ عَلَى الْقَذَى. الأَصمعي: لَا يُصِيبُكَ مِنِّي مَا يَقْذِي عينَك، بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَقَالَ: قَذِيَت عينُه تَقْذَى إِذا صَارَ فِيهَا القَذَى. اللَّيْثُ: قَذِيت عَيْنُهُ تَقْذَى، فَهِيَ قَذِيَة مُخَفَّفَةً، وَيُقَالُ قَذِيَّة مُشَدَّدَةَ الْيَاءِ؛ قَالَ الأَزهري: وأَنكر غَيْرُهُ التَّشْدِيدَ. وَيُقَالُ: قَذاةٌ وَاحِدَةٌ، وَجَمْعُهُا قَذًى وأَقْذَاء. الأَصمعي: قَذَت عينُه تَقْذي قَذْياً رَمَتْ بالقَذى. وَعَيْنٌ مَقْذِيَّةٌ: خالَطها القَذى. واقْتِذاء الطَّيْرِ: فَتْحُها عُيونَها وتَغْمِيضُها كأَنها تُجَلِّي بِذَاكَ قَذاها لِيَكُونَ أَبْصَرَ لَهَا، يُقَالُ: اقْتَذَى الطائرُ إِذا فَتَحَ عَيْنَهُ ثُمَّ أَغمضَ إِغماضة، وَقَدْ أَكثرت الْعَرَبُ تَشْبِيهَ لَمْع البرقِ بِهِ فَقَالَ شَاعِرُهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمة:

أَلا يَا سَنى بَرْقٍ عَلَى قُلَل الحِمى،

لَهِنَّكَ مِنْ بَرْقٍ عَليَّ كَريمُ

لَمَعْتَ اقْتِذاءَ الطيرِ، والقومُ هُجَّعٌ،

فَهَيَّجْتَ أَحْزاناً، وأَنت سَلِيمُ

وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:

خَفَى كاقْتِذاء الطَّيْرِ وَهْناً كأَنَّه

سِراجٌ، إِذا مَا يَكْشِفُ الليلُ أَظْلما

والقَذى: مَا عَلَا الشَّرَابَ مِنْ شيءٍ يَسْقُطُ فِيهِ، التَّهْذِيبِ: وَقَالَ حُمَيْدٌ يَصِفُ بَرْقًا:

خَفَى كَاقْتِذَاءِ الطَّيْرِ، والليلُ واضِعٌ

بأَرْواقِه، والصُّبْحُ قَدْ كادَ يَلْمَعُ

قَالَ الأَصمعي: لَا أَدري مَا مَعْنَى قَوْلِهِ كاقْتِذَاء الطَّيْرِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُرِيدُ كَمَا غَمَّضَ الطَّيْرُ عَيْنَهُ مِنْ قَذاة وَقَعَتْ فِيهَا. ابْنُ الأَعرابي: الاقْتِذَاء نَظَرُ الطَّيْرِ ثُمَّ إِغْماضُها تَنْظُرُ نَظْرَةً ثُمَّ تُغْمِض، وأَنشد بَيْتَ حُمَيْدٍ. ابْنُ سِيدَهْ: القَذَى مَا يَسْقُط فِي الشَّرَابِ مِنْ ذُبَابٍ أَو غَيْرُهُ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: القَذَى مَا يَلْجأُ إِلى نَوَاحِي الإِناء فِيتَعَلَّقُ بِهِ، وَقَدْ قَذَى الشَّرَابُ قَذًى؛ قَالَ الأَخطل:

وَلَيْسَ القَذَى بالعُودِ يَسْقُطُ فِي الإِنا،

وَلَا بذُبابٍ قَذْفُه أَيْسَرُ الأَمْرِ

ولكنْ قَذاها زائِرٌ لَا نُحِبُّه،

تَرامَتْ بِهِ الغِيطانُ مِنْ حيثُ لَا نَدْري

والقَذى: مَا هَراقت الناقةُ والشاةُ مِنْ مَاءٍ وَدَمٍ قَبْلَ الْوَلَدِ وَبَعْدَهُ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ رَحمها بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَقَدْ قَذَت. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَن الشَّاةَ تَقْذِي عَشْرًا بَعْدَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ تَطْهُر، فَاسْتَعْمَلَ الطُّهْر لِلشَّاةِ. وقَذَت الأُنثى تَقْذِي إِذا أَرادت الْفَحْلَ فأَلْقت مِنْ مَائِهَا. يُقَالُ: كُلُّ فَحل يَمْذي، وَكُلُّ أُنثى تَقْذِي. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَيُقَالُ أَيضاً كُلُّ فَحْلٍ يَمْني وَكُلُّ أُنثى تَقْذِي. وَيُقَالُ: قَذَت الشَّاةُ فَهِيَ تَقْذِي قَذْياً إِذا أَلقت بَيَاضًا مِنْ رَحِمِهَا، وَقِيلَ: إِذا أَلقت بَيَاضًا مِنْ رَحِمَهَا حِينَ تُرِيدُ الْفَحْلَ. وقَاذَيْتهُ: جازَيْته؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فسَوفَ أُقَاذِي الناسَ، إِن عِشْتُ سالِماً،

مُقَاذَاةَ حُرٍّ لَا يَقِرُّ عَلَى الذُّلِ

ص: 173

والقَاذِيَةُ: أَول مَا يَطْرأُ عَلَيْكَ مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: هُمُ الْقَلِيلُ، وَقَدْ قَذَت قَذْياً، وَقِيلَ: قَذَتْ قَاذِيةٌ إِذا أَتى قَوْمٌ مِنْ أَهل الْبَادِيَةِ قَدْ أَنْجَمُوا «1» وَهَذَا يُقَالُ بِالذَّالِ وَالدَّالِ، وَذَكَرَ أَبو عَمْرٍو أَنها بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الَّذِي يَخْتَارُهُ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الأَصبهاني، قَالَ: وَقَدْ حَكَاهَا أَبو زَيْدٍ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، والأَول أَشهر. أَبو عَمْرٍو: أَتتنا قاذِيَةٌ مِنَ النَّاسِ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُمُ الْقَلِيلُ، وَجَمْعُهُا قَواذٍ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: والمحفوظ بالدال. وَقَوْلُ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، فِي فِتْنَةٍ ذَكَرَهَا: هُدْنةٌ عَلَى دَخَنٍ وجماعةٌ عَلَى أَقْذَاء

؛ الأَقْذَاء: جَمْعُ قَذًى والقَذَى جَمْعُ قَذَاة، وَهُوَ مَا يَقَعُ فِي الْعَيْنِ وَالْمَاءِ وَالشَّرَابِ مِنْ تُرَابٍ أَو تِبْنٍ أَوْ وَسَخٍ أَو غَيْرِ ذَلِكَ، أَراد أَن اجْتِمَاعَهُمْ يَكُونُ عَلَى فَسَادٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ فَشَبَّهَهُ بِقَذَى الْعَيْنِ وَالْمَاءِ وَالشَّرَابِ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هَذَا مَثَلٌ، يَقُولُ اجْتِمَاعٌ عَلَى فَسَادٍ فِي الْقُلُوبِ شُبِّه بأَقْذاءِ الْعَيْنِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يُغْضي عَلَى القَذَى إِذا سَكَتَ عَلَى الذلِّ وَالضَّيْمِ وفَساد الْقَلْبِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

يُبصِرُ أَحدُكم القَذَى فِي عَيْنِ أَخيه ويَعْمى عَنِ الجِذْع فِي عَيْنِهِ

؛ ضَرَبَهُ مَثَلًا لِمَنْ يَرَى الصَّغِيرَ مِنْ عُيُوبِ النَّاسِ ويُعَيِّرُهم بِهِ وَفِيهِ مِنَ الْعُيُوبِ مَا نِسْبَتُهُ إِليه كَنِسْبَةِ الْجِذْعِ إِلى القَذَاة، والله أَعلم.

قرا: القَرْو: مِنَ الأَرض الَّذِي لَا يَكَادُ يَقْطعه شَيْءٌ، وَالْجَمْعُ قُرُوٌّ والقَرْوُ: شِبْهُ حَوْض. التَّهْذِيبُ: والقَرْوُ شِبه حوضٍ ممْدود مُسْتَطِيلٍ إِلى جَنْبِ حَوْضٍ ضَخْم يُفرغ فِيهِ مِنَ الْحَوْضِ الضَّخْمِ تَرِدُهُ الإِبل وَالْغَنَمُ، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ مِنْ خَشَبٍ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

مُنْتَأًى كالقَرْو رهْن انْثِلامِ

شَبَّهَ النؤْيَ حَوْلَ الخَيْمة بالقَرْو، وَهُوَ حَوْضٌ مُسْتَطِيلٌ إِلى جَنْبِ حَوْضٍ ضَخْمٍ. الْجَوْهَرِيُّ: والقَرْوُ حَوْضٌ طَوِيلٌ مِثْلَ النَّهْرِ تَرِدُهُ الإِبْل. والقَرْوُ: قدَحٌ مِنْ خَشَبٍ. وَفِي حَدِيثِ

أُم مَعْبَدٍ: أَنها أَرسلت إِليه بِشَاةٍ وشَفْرةٍ فَقَالَ ارْدُدِ الشَّفْرة وهاتِ لِي قَرْواً

؛ يَعْنِي قدَحاً مِنْ خَشَبٍ. والقَرْوُ: أَسْفَلُ النَّخْلَةِ يُنْقَرُ وَيُنْبَذُ فِيهِ، وَقِيلَ: القَرْوُ إِنَاءٌ صَغِيرٌ يُرَدَّدُ، فِي الْحَوَائِجِ. ابْنُ سِيدَهْ: القَرْوُ أَسفَلُ النَّخْلَةِ، وَقِيلَ: أَصلها يُنْقَرُ ويُنْبَذُ فِيهِ، وَقِيلَ: هُوَ نَقِيرٌ يُجْعَلُ فِيهِ الْعَصِيرُ مِنْ أَي خَشَبٍ كَانَ. والقَرْوُ: القَدح، وَقِيلَ: هُوَ الإِناء الصَّغِيرُ. والقَرْوُ: مَسِيل المِعْصَرةِ ومَثْعَبُها وَالْجَمْعُ القُرِيُّ والأَقْرَاء، وَلَا فِعْل لَهُ؛ قَالَ الأَعشى:

أَرْمي بِهَا البَيْداءَ، إِذ أَعْرَضَتْ،

وأَنْتَ بَيْنَ القَرْوِ والعاصِرِ

وَقَالَ ابْنِ أَحمر:

لَها حَبَبٌ يُرى الرَّاوُوقُ فِيهَا،

كَمَا أَدْمَيْتَ فِي القَرْوِ الغَزالا

يَصِفُ حُمْرة الخَمْر كأَنه دَم غَزال فِي قَرْو النَّخْلِ. قَالَ الدِّينَوري: وَلَا يَصِحُّ أَن يَكُونَ القدحَ لأَن الْقَدَحَ لَا يَكُونُ رَاوُوقًا إِنما هُوَ مِشْربةٌ؛ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُ الْكُمَيْتِ:

فاشْتَكَّ خُصْيَيْهِ إِيغالًا بِنافِذةٍ،

كأَنما فُجِرَتْ مِنْ قَرْو عَصَّارِ «2»

يَعْنِي الْمُعْصِرَةَ؛ وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِ الأَعشى:

وأَنت بَيْنَ القَرْو والعاصر

(1). قوله [أنجموا] كذا في الأصل، والذي في القاموس والمحكم: أقحموا.

(2)

. قوله [فاشتك] كذا في الأصل بالكاف، والذي في الصحاح وتاج العروس: فاستل، من الاستلال.

ص: 174

إِنه أَسْفَلُ النَّخْلَةِ يُنْقَرُ فيُنبذ فِيهِ. والقَرْوُ: مِيلَغةُ الْكَلْبِ، وَالْجَمْعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَقْرَاء وأَقْرٍ وقُرِيٌّ. وَحَكَى أَبو زَيْدٍ: أَقْرِوَةٌ، مُصَحَّحُ الْوَاوِ، وَهُوَ نَادِرٌ مِنْ جِهَةِ الْجَمْعِ وَالتَّصْحِيحِ. والقَرْوَةُ غَيْرُ مَهْمُوزٍ: كالقَرْوِ الَّذِي هُوَ مِيلَغةُ الْكَلْبِ. وَيُقَالُ: مَا فِي الدَّارِ لاعِي قَرْوٍ. ابْنُ الأَعرابي: القِرْوَةُ والقَرْوَةُ والقُرْوَةُ مِيلغة الْكَلْبِ. والقَرْوُ والقَرِيُّ: كُلُّ شَيْءٍ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدٍ. يُقَالُ: مَا زَالَ عَلَى قَرْوٍ وَاحِدٍ وقَرِيٍّ وَاحِدٍ. ورأَيت الْقَوْمَ عَلَى قَرْوٍ وَاحِدٍ أَي عَلَى طَرِيقَةٍ وَأَحَدُّهُ. وَفِي إِسْلَامِ أَبي ذَرٍّ: وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْراء الشِّعر فَلَيْسَ هُوَ بِشِعْرٍ؛ أَقْرَاءُ الشعرِ: طَرائقُه وأَنواعُه، وَاحِدُهَا قَرْوٌ وقِرْيٌ وقَرِيٌّ. وَفِي حَدِيثِ

عُتبة بْنِ رَبِيعَةَ حِينَ مدَح الْقُرْآنُ لَمَّا تَلاه رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: هُوَ شِعْرٌ، قَالَ: لَا لأَني عَرضْته عَلَى أَقْرَاء الشِّعْرِ فَلَيْسَ هُوَ بِشِعْرٍ، هُوَ مِثل الأَوَّل.

وأَصبحت الأَرض قَرْواً واحدا إِذا تَغَطى وجْهُها بِالْمَاءِ. وَيُقَالُ: ترَكتُ الأَرض قَرْواً وَاحِدًا إِذا طَبَّقَها الْمَطَرُ. وقَرَا إِليه قَرْواً: قَصَد. اللَّيْثُ: القَرْوُ مَصْدَرُ قَوْلِكَ قَرَوْتُ إِليهم أَقْرُو قَرْواً، وَهُوَ القَصْدُ نَحْوَ الشَّيْءِ؛ وأَنشد:

أَقْرُو إِليهم أَنابيبَ القَنا قِصَدا

وقَرَاه: طعَنه فَرَمَى بِهِ؛ عَنِ الْهَجَرِيِّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه مِنْ هَذَا كأَنه قَصَدَه بَيْنَ أَصحابه؛ قَالَ:

والخَيْل تَقْرُوهم عَلَى اللِّحْيَاتِ «1»

وقَرَا الأَمر واقْتَرَاه: تَتَبَّعَه. اللَّيْثُ: يُقَالُ الإِنسان يَقْتَرِي فُلَانًا بِقَوْلِهِ ويَقْتَرِي سَبيلًا ويَقْرُوه أَي يَتَّبعه؛ وأَنشد:

يَقْتَرِي مَسَداً بِشِيقِ

وقَرَوْتُ الْبِلَادَ قَرْواً وقَرَيْتُها قَرْياً واقْتَرَيْتها واسْتَقْرَيتها إِذا تَتَبَّعْتَهَا تَخْرُجُ مِنْ أَرض إِلى أَرض. ابْنُ سِيدَهْ: قَرا الأَرضَ قَرْواً واقْتَرَاها وتَقَرَّاها واسْتَقْرَاها تَتَبَّعها أَرضاً أَرضاً وَسَارَ فِيهَا يَنْظُرُ حالهَا وأَمرها. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَرَوْت الأَرض سِرْتُ فِيهَا، وَهُوَ أَن تَمُرَّ بِالْمَكَانِ ثُمَّ تَجُوزُهُ إِلى غَيْرِهِ ثُمَّ إِلى مَوْضِعٍ آخَرَ. وقَرَوْت بَنِي فُلَانٍ واقْتَرَيْتهم واسْتَقْرَيتهم: مَرَرْتُ بِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَهُوَ مِنَ الإِتباع، وَاسْتَعْمَلَهُ سِيبَوَيْهِ فِي تَعْبِيرِهِ فَقَالَ فِي قَوْلِهِمْ أَخذته بِدِرْهَمٍ فَصَاعِدًا: لَمْ تُرِدْ أَن تُخْبِرَ أَن الدِّرْهَمَ مَعَ صَاعِدٍ ثَمَنٌ لِشَيْءٍ، كَقَوْلِهِمْ بِدِرْهَمٍ وَزِيَادَةٍ، وَلَكِنَّكَ أَخبرت بأَدنى الثَّمَنِ فَجَعَلْتَهُ أَوّلًا، ثُمَّ قَرَوْت شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لأَثمان شَتَّى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا زِلْتُ أَسْتَقْرِي هَذِهِ الأَرض قَرْيَةً قَرْيَةً. الأَصمعي: قَرَوْتُ الأَرض إِذا تَتَبَّعت نَاسًا بَعْدَ نَاسٍ فأَنا أَقْرُوها قَرْواً. والقَرَى: مَجْرَى الْمَاءِ إِلى الرِّيَاضِ، وَجَمْعُهُ قُرْيَانٌ وأَقْرَاء؛ وأَنشد:

كأَنَّ قُرْيَانَها الرِّجال

وَتَقُولُ: تَقَرَّيْتُ الْمِيَاهَ أَي تَتَبَّعْتُهَا. واسْتَقْرَيْت فُلَانًا: سأَلته أَن يَقْرِيَني. وَفِي الْحَدِيثِ:

والناسُ قَوَارِي اللَّهِ فِي أَرضه

أَي شُهَداء اللَّهِ، أُخذ مِنْ أَنهم يَقْرُون النَّاسَ يَتَتَبَّعونهم فَيَنْظُرُونَ إِلى أَعمالهم، وَهِيَ أَحد مَا جَاءَ مِنْ فَاعِلٍ الَّذِي لِلْمُذَكَّرِ الْآدَمِيِّ مُكَسَّرًا عَلَى فَوَاعِلَ نَحْوَ فارِسٍ وفوارِسَ وناكِس ونواكِسَ. وَقِيلَ: القارِيةُ الصَّالِحُونَ مِنَ النَّاسِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هَؤُلَاءِ قَوارِي اللَّهِ فِي الأَرض أَي شُهُودُ اللَّهِ لأَنه يَتَتَبَّع بَعْضُهُمْ أَحوال بَعْضٍ، فإِذا

(1). قوله [على اللحيات] كذا في الأصل والمحكم بحاءمهملة فيهما.

ص: 175

شَهِدُوا لإِنسان بِخَيْرٍ أَو شَرٍّ فَقَدْ وَجَبَ، وَاحِدُهُمْ قارٍ، وَهُوَ جَمْعٌ شَاذٌّ حَيْثُ هُوَ وَصْفٌ لِآدَمِيٍّ ذكَر كفوارِسَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

أَنس: فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَ

، وَحَدِيثُ

ابْنِ سَلَامٍ: فَمَا زَالَ عُثْمَانُ يَتَقَرَّاهم وَيَقُولُ لَهُمْ ذَلِكَ

وَمِنْهُ حَدِيثُ

عُمَرَ، رضي الله عنه: بَلَغَنِي عَنْ أُمهات الْمُؤْمِنِينَ شَيْءٌ فاسْتَقْرَيْتُهنَّ أَقول لَتَكْفُفنَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، أَو ليُبَدِّلَنَّه اللَّهُ خَيْرًا مِنْكُنَّ

؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

فَجَعَلَ يَسْتَقْرِي الرِّفاقَ

؛ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُمُ النَّاسُ الصَّالِحُونَ، قَالَ: وَالْوَاحِدُ قارِيَةٌ بِالْهَاءِ. والقَرَا: الظَّهْرُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أُزاحِمُهُمْ بالبابِ، إِذ يَدْفَعُونَني،

وبالظَّهْرِ منِي مِنْ قَرا الْبَابَ عاذِرُ

وَقِيلَ: القَرَا وَسَطُ الظَّهْرِ، وَتَثْنِيَتُهُ قَرَيان وقَرَوَان؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَجَمْعُهُ أَقْرَاء وقِرْوانٌ؛ قَالَ مَالِكٌ الْهُذَلِيُّ يَصِفُ الضَّبُعَ:

إِذا نفَشَتْ قِرْوَانَها، وتَلَفَّتَتْ،

أَشَبَّ بِهَا الشُّعْرُ الصُّدورِ القراهبُ «1»

أَراد بالقَراهِب أَولادها الَّتِي قَدْ تَمَّت، الْوَاحِدُ قرهَب، أَراد أَن أَولادها تُناهِبها لحُوم القَتْلى وَهُوَ القَرَوْرَى. والقِرْوانُ: الظَّهْرُ، وَيُجْمَعُ قِرْواناتٍ. وَجَمُلٌ أَقْرَى: طَوِيلُ القَرَا، وَهُوَ الظَّهْرُ، والأُنثى قَرْوَاء. الْجَوْهَرِيُّ: نَاقَةٌ قَرْوَاء طَوِيلَةُ السَّنَامِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

مَضْبُورَةٌ قَرْوَاءُ هِرْجابٌ فُنُقْ

وَيُقَالُ لِلشَّدِيدَةِ الظَّهْرِ: بيِّنة القَرَا، قَالَ: وَلَا تَقُلْ جَمَلٌ أَقْرَى. وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يُقَالُ كَمَا تَرَى وَمَا كَانَ أَقْرَى، وَلَقَدْ قَرِيَ قَرًى، مَقْصُورٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وقَرَا الأَكَمةِ: ظَهْرُهَا. ابْنُ الأَعرابي: أَقْرَى إِذا لَزِمَ الشَّيْءَ وأَلَحَّ عَلَيْهِ، وأَقْرَى إِذا اشْتَكَى قَرَاه، وأَقْرَى لزِم القُرَى، وأَقْرَى طَلَبَ القِرَى. الأَصمعي: رَجَعَ فُلَانٌ إِلى قَرْوَاه أَي عادَ إِلى طَرِيقَتِهِ الأُولى. الْفَرَّاءُ: هُوَ القِرى والقَراء، والقِلى والقَلاء والبِلى والبَلاء والإِيا والأَياء ضَوْءُ الشَّمْسِ. والقَرْواء، جَاءَ بِهِ الْفَرَّاءُ مَمْدُودًا فِي حُرُوفٍ مَمْدُودَةٍ مِثْلَ المَصْواء: وَهِيَ الدُّبُرُ. ابْنُ الأَعرابي: القَرا الْقَرْعُ الَّذِي يُؤْكَلُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: قَالَ لِي أَعرابي اقْتَرِ سَلَامِي حَتَّى أَلقاك، وَقَالَ: اقْتَرِ سَلَامًا حَتَّى أَلقاك أَي كُنْ فِي سَلام وَفِي خَير وسَعة. وقُرَّى، عَلَى فُعْلى: اسْمُ مَاءٍ بِالْبَادِيَةِ. والقَيْرَوان: الْكَثْرَةُ مِنَ النَّاسِ وَمُعْظَمُ الأَمر، وَقِيلَ: هُوَ مَوْضِعُ الكَتيبة، وَهُوَ معرَّب أَصله كاروان، بِالْفَارِسِيَّةِ، فأُعرب وَهُوَ عَلَى وَزْنِ الحَيْقُطان. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: القَيْرَوان، بِفَتْحِ الرَّاءِ الْجَيْشُ، وَبِضَمِّهَا الْقَافِلَةُ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ فِي القَيْرَوان بِمَعْنَى الْجَيْشِ:

فإِنْ تَلَقَّاكَ بِقَيرَوانِه،

أَو خِفْتَ بعضَ الجَوْرِ مِنْ سُلْطانِه،

فاسْجُد لقِرْدِ السُّوء فِي زمانِه

وَقَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:

وعادِيةٍ سَوْم الجَرادِ شَهِدْتها،

لهَا قَيْرَوانٌ خَلْفَها مُتَنَكِّبُ

قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: والقَيْرَوان الْغُبَارُ، وَهَذَا غَرِيبٌ وَيُشْبِهُ أَن يَكُونَ شَاهِدُهُ بيت الجعدي المذكور؛

(1). قوله [أشب] كذا في الأصل والمحكم، والذي في التهذيب: أشت.

ص: 176

وَقَالَ ابْنُ مُفَرِّغٍ:

أَغَرّ يُواري الشمسَ، عِندَ طُلُوعِها،

قَنابِلُه والقَيْرَوانُ المُكَتَّبُ

وَفِي الْحَدِيثِ

عَنْ مُجَاهِدٍ: إِن الشيطانَ يَغْدُو بقَيْرَوانه إِلى الأَسواق.

قَالَ اللَّيْثُ: القَيْرَوَان دَخِيلٌ، وَهُوَ مُعْظَمُ الْعَسْكَرِ وَمُعْظَمُ الْقَافِلَةِ؛ وَجَعَلَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ الْجَيْشَ فَقَالَ:

وغارةٍ ذاتِ قَيْرَوَانٍ،

كأَنَّ أَسْرابَها الرِّعالُ

وقَرَوْرى: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:

تَرَوَّحْن مِنْ حَزْمِ الجُفُولِ فأَصْبَحَتْ

هِضابُ قَرَوْرى، دُونها، والمُضَيَّحُ «2»

الْجَوْهَرِيُّ: والقَرَوْرَى مَوْضِعٌ عَلَى طَرِيقِ الْكُوفَةِ، وَهُوَ مُتَعَشًّى بَيْنَ النُّقْرة وَالْحَاجِرِ؛ قال:

بَيْنَ قَرَوْرَى ومَرَوْرَياتِها

وَهُوَ فَعَوْعَلٌ؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَرَوْرًى مُنَوَّنَةٌ لأَن وَزْنَهَا فَعَوْعَلٌ. وَقَالَ أَبو عَلِيٍّ: وَزْنُهَا فَعَلْعَل مِنْ قَرَوْتُ الشَّيْءَ إِذَا تَتَبَّعْتَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَوْعَلًا مِنَ الْقَرْيَةِ، وَامْتِنَاعُ الصَّرْفِ فِيهِ لأَنه اسْمُ بُقْعَةٍ بِمَنْزِلَةِ شَرَوْرَى؛ وأَنشد:

أَقولُ إِذا أَتَيْنَ عَلَى قَرَوْرَى،

وآلُ البِيدِ يَطَّرِدُ اطِّرادا

والقَرْوَةُ: أَنْ يَعظُم جِلْدُ الْبَيْضَتَيْنِ لِرِيحٍ فِيهِ أَو مَاءٍ أَو لِنُزُولِ الأَمعاء، وَالرَّجُلُ قَرْوَانِي. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا تَرْجِعُ هَذِهِ الأُمة عَلَى قَرْوَاها

أَي عَلَى أَوّل أَمرها وَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَيُرْوَى

عَلَى قَرْوَائها

، بِالْمَدِّ. ابْنُ سِيدَهْ: القَرْيَة والقِرْيَة لُغَتَانِ الْمِصْرُ الْجَامِعُ؛ التَّهْذِيبُ: الْمَكْسُورَةُ يَمَانِيَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ اجْتَمَعُوا فِي جَمْعِهَا عَلَى القُرى فَحَمَلُوهَا عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ كِسْوة وكُساً، وَقِيلَ: هِيَ القَرْيَة، بِفَتْحِ الْقَافِ

لَا غَيْرَ، قَالَ: وَكَسْرُ الْقَافِ خطأٌ، وَجَمْعُهَا قُرًى، جاءَت نَادِرَةً. ابْنُ السِّكِّيتِ: مَا كَانَ مِنْ جَمْعِ فَعْلَة بِفَتْحِ الْفَاءِ مُعْتَلًّا مِنَ الْيَاءِ وَالْوَاوِ عَلَى فِعال كَانَ مَمْدُودًا مِثْلَ رَكْوة ورِكاء وشَكْوة وشِكاء وقَشْوة وقِشاء، قَالَ: وَلَمْ يُسْمَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ جَمِيعِ هَذَا القصرُ إِلَّا كَوَّة وكُوًى وقَرْيَة وقُرًى، جاءَتا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. الْجَوْهَرِيُّ: القَرْيَة مَعْرُوفَةٌ، وَالْجَمْعُ القُرَى عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن نَبِيًّا مِنَ الأَنبياء أَمر بقَرْية النَّمْلِ فأُحْرقتْ

؛ هِيَ مَسْكَنُها وَبَيْتُهَا، وَالْجَمْعُ قُرًى، والقَرْيَة مِنَ الْمَسَاكِنِ والأَبنية والضِّياع وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْمُدُنِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أُمِرْتُ بقَرْيَة تأْكل القُرى

؛ هِيَ مَدِينَةِ الرَّسُولِ، صلى الله عليه وسلم، وَمَعْنَى أَكلها الْقُرَى مَا يُفتح عَلَى أَيدي أَهلها مِنَ الْمُدُنِ وَيُصِيبُونَ مِنْ غَنائمها، وقوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها

؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنما جَاءَ عَلَى اتِّسَاعِ الْكَلَامِ وَالِاخْتِصَارِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَهل الْقَرْيَةِ فَاخْتَصَرَ وَعَمِلَ الْفِعْلُ فِي الْقَرْيَةِ كَمَا كَانَ عَامِلًا فِي الأَهل لَوْ كَانَ هَاهُنَا؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: فِي هَذَا ثَلَاثَةُ معانٍ: الِاتِّسَاعُ وَالتَّشْبِيهُ وَالتَّوْكِيدُ، أَما الِاتِّسَاعُ فإِنه اسْتَعْمَلَ لَفْظَ السُّؤَالِ مَعَ مَا لَا يَصِحُّ فِي الْحَقِيقَةِ سُؤَالُهُ، أَلا تَرَاكَ تَقُولُ وَكَمْ من قَرْيَة مسؤولة وَتَقُولُ القُرَى وَتَسَآلُكَ كَقَوْلِكَ أَنت وشأْنُك فَهَذَا وَنَحْوُهُ اتِّسَاعٌ، وأَما التَّشْبِيهُ فلأَنها شُبِّهَتْ بِمَنْ يَصِحُّ سُؤَالُهُ لِمَا كَانَ بِهَا وَمُؤَالِفًا لَهَا، وأَما التَّوْكِيدُ فلأَنه فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ إِحالة بِالسُّؤَالِ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ الإِجابة، فكأَنهم تَضَمَّنُوا لأَبيهم، عليه السلام، أَنه إِن سأَل الْجَمَادَاتِ

(2). قوله [قرورى] وقع في مادة جفل: شرورى بدله.

ص: 177

والجِمال أَنبأَته بِصِحَّةِ قَوْلِهِمْ، وَهَذَا تَناهٍ فِي تَصْحِيحِ الْخَبَرِ أَيْ لَوْ سأَلتها لأَنطقها اللَّهُ بِصِدْقِنَا فَكَيْفَ لَوْ سأَلت مِمَّنْ عَادَتُهُ الْجَوَابُ؟ وَالْجَمْعُ قُرًى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: القُرَى الْمُبَارَكُ فِيهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَقِيلَ: الشَّامُ، وَكَانَ بين سبَإٍ والشام قُرًى مُتَّصِلَةٌ فَكَانُوا لَا يَحْتَاجُونَ مِنْ وَادِي سبإٍ إِلى الشَّامِ إِلى زَادٍ، وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ

وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ. وَالنَّسَبُ إِلى قَرْيَة قَرْئِيٌّ، فِي قَوْلِ أَبي عَمْرٍو، وقَرَوِيٌّ، فِي قَوْلِ يُونُسَ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: مَا رأَيت قَرَوِيّاً أَفصَح مِنَ الْحَجَّاجِ إِنما نَسَبَهُ إِلى القَرْيَة الَّتِي هِيَ الْمِصْرُ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ أَنشده ثَعْلَبٌ:

رَمَتْني بسَهْمٍ ريشُه قَرَوِيَّةٌ،

وفُوقاه سَمْنٌ والنَّضِيُّ سَوِيقُ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: القَرَوِيَّة التَّمْرَةُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنها مَنْسُوبَةٌ إِلى القَرْيَة الَّتِي هِيَ الْمِصْرُ، أَو إِلى وَادِي القُرى، وَمَعْنَى الْبَيْتِ أَن هَذِهِ المرأَة أَطعمته هَذَا السَّمْنَ بالسويق والتمر. وأُمُّ القُرى: مَكَّةُ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى، لأَن أَهل القُرى يَؤُمُّونها أَي يَقْصِدُونَهَا. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنه أُتي بضَبّ فَلَمْ يأْكله وَقَالَ إِنه قَرَوِيٌ

أَي مِنْ أَهل القُرى، يَعْنِي إِنما يأْكله أَهل القُرى والبَوادي والضِّياع دُونَ أَهل الْمُدُنِ. قَالَ: والقَرَوِيُّ مَنْسُوبٌ إِلى القَرْيَة عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ يُونُسَ، وَالْقِيَاسُ قَرْئِيٌّ. والقَرْيَتَيْنِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ

؛ مكة والطائف. وقَرْيَة النَّمْلِ: مَا تَجمعه مِنَ التُّرَابِ، وَالْجَمْعُ قُرَى؛ وَقَوْلُ أَبي النَّجْمِ:

وأَتَتِ النَّملُ القُرى بِعِيرها،

مِنْ حَسَكِ التَّلْع وَمِنْ خافُورِها

والقَارِيَةُ والقَارَاةُ: الْحَاضِرَةُ الْجَامِعَةُ. وَيُقَالُ: أَهل القارِيَة لِلْحَاضِرَةِ، وأَهل الْبَادِيَةِ لأَهل البَدْوِ. وَجَاءَنِي كُلُّ قارٍ وبادٍ أَي الَّذِي يَنْزِلُ القَرْية وَالْبَادِيَةَ. وأَقْرَيْت الجُلَّ عَلَى ظَهْرِ الْفَرَسِ أَي أَلزمته إِياه. وَالْبَعِيرُ يَقْرِي العَلَف فِي شِدْقه أَي يَجْمَعُهُ. والقَرْيُ: جَبْيُ الْمَاءِ فِي الْحَوْضِ. وقَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ قَرْياً وقِرًى «1» : جَمَعْتُهُ. وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ: وَيَجُوزُ فِي الشِّعْرِ قِرًى فَجَعَلَهُ فِي الشِّعْرِ خَاصَّةً، وَاسْمُ ذَلِكَ الْمَاءِ القِرى، بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ، وَكَذَلِكَ مَا قَرَى الضيفَ قِرًى. والمِقْرَاة: الْحَوْضُ الْعَظِيمُ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ، وَقِيلَ: المِقْرَاة والمِقْرَى مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ حَوْضٍ وَغَيْرِهِ. والمِقْرَاةُ والمِقْرَى: إِناء يُجْمَعُ فِيهِ الْمَاءُ. وَفِي التَّهْذِيبِ: المِقْرَى الإِناء الْعَظِيمُ يُشرب بِهِ الْمَاءُ. والمِقْرَاة: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقْرَى فِيهِ الْمَاءُ. والمِقْرَاة: شِبْهُ حَوْضٍ ضَخْمٍ يُقْرَى فِيهِ مِنَ الْبِئْرِ ثُمَّ يُفرغ فِي المِقْراة، وَجَمْعُهَا المَقارِي. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: مَا وَلِيَ أَحدٌ إِلَّا حامَى عَلَى قَرابَته وقَرَى فِي عَيْبَتِه

أَي جَمَع؛ يُقَالُ: قَرَى الشيءَ يَقْرِيه قَرْياً إِذا جَمَعَهُ، يُرِيدُ أَنه خانَ فِي عَمَله. وَفِي حَدِيثِ

هَاجَرَ، عليها السلام، حِينَ فَجَّرَ اللَّهُ لَهَا زَمْزَم: فَقَرَتْ فِي سِقاء أَو شَنَّةٍ كَانَتْ مَعَهَا.

وَفِي حَدِيثِ

مُرَّة بْنِ شراحيلَ: أَنه عُوتِبَ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ إِنَّ بِي جُرْحاً يَقْرِي ورُبَّما ارْفَضَّ فِي إِزاري

، أَي يَجْمع المِدَّة ويَنْفَجِرُ. الْجَوْهَرِيُّ: والمِقْراةُ المَسيل وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ من

(1). قوله [وقرى] كذا ضبط في الأصل والمحكم والتهذيب بالكسر كما ترى، وأطلق المجد فضبط بالفتح.

ص: 178

كُلِّ جَانِبٍ. ابْنُ الأَعرابي: تَنَحَّ عَنْ سَنَنِ الطَّرِيقِ وقَريِّه وقَرَقِه بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وقَرَتِ النملُ جِرَّتها: جَمَعَتْها فِي شِدْقها. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ وَالشَّاةُ وَالضَّائِنَةُ والوَبْرُ وَكُلُّ مَا اجْتَرَّ. يُقَالُ لِلنَّاقَةِ: هِيَ تَقْرِي إِذا جَمَعَتْ جِرَّتها فِي شِدقِها، وَكَذَلِكَ جمعُ الْمَاءِ فِي الْحَوْضِ. وقَرَيْتُ فِي شِدقي جَوْزةً: خَبَأْتُها. وقَرَتِ الظبيةُ تَقْرِي إِذا جَمَعَتْ فِي شِدْقها شَيْئًا، وَيُقَالُ للإِنسان إِذا اشْتَكَى شدقَه: قَرَى يَقْرِي. والمِدَّةُ تَقْرِي فِي الْجُرْحِ: تَجْتَمع. وأَقْرَتِ النَّاقَةُ تُقْرِي، وَهِيَ مُقْرٍ: اجْتَمَعَ الْمَاءُ فِي رَحِمِهَا وَاسْتَقَرَّ. والقَرِيُّ، عَلَى فَعِيل: مَجْرَى الماءِ فِي الرَّوْضِ، وَقِيلَ: مَجْرَى الْمَاءِ فِي الْحَوْضِ، وَالْجَمْعُ أَقْرِيةٌ وقُرْيانٌ؛ وَشَاهِدُ الأَقْرِيَة قَوْلُ الْجَعْدِيِّ:

ومِنْ أَيَّامِنا يَوْمٌ عَجِيبٌ،

شَهِدْناه بأَقْرِيَةِ الرُّدَاعِ

وَشَاهِدُ القُرْيَانِ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

تَسْتَنُّ أَعْداءَ قُرْيانٍ، تَسَنَّمَها

غُرُّ الغَمامِ ومُرْتَجَّاتُه السُّودُ

وَفِي حَدِيثِ

قُسٍّ: ورَوْضَة ذَاتُ قُرْيانٍ

، وَيُقَالُ فِي جَمْعِ قَرِيٍّ أَقْراء. قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ شَكَل يَذُمُّ حَجْلَ بْنَ نَضْلَة بَيْنَ يَدَيِ النُّعْمَانِ: إِنه مُقْبَلُ النَّعْلَيْنِ مُنْتَفِخُ السَّاقَيْنِ قَعْوُ الأَلْيَتَين مَشَّاء بأَقْرَاء قَتَّال ظِباء بَيَّاع إِماء، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ: أَردت أَن تَذِيمَه فَمَدَحْتَه؛ القَعْو: الخُطَّاف مِنَ الْخَشَبِ مِمَّا يَكُونُ فَوْقَ الْبِئْرِ، أَراد أَنه إِذا قَعَدَ الْتَزَقَتْ أَليتاه بالأَرض فَهُمَا مِثْلُ القَعْو، وَصَفَهُ بأَنه صَاحِبُ صَيْدٍ وَلَيْسَ بِصَاحِبِ إِبل. والقَرِيُّ: مَسِيلُ الْمَاءِ مِنَ التِّلاع: وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: القَرِيُّ مَدْفَعُ الْمَاءِ مِنَ الرَّبْوِ إِلى الرَّوْضة؛ هَكَذَا قَالَ الرَّبْوُ، بِغَيْرِ هَاءٍ، وَالْجَمْعُ أَقْرِيَةٌ وأَقْرَاء وَقُرْيان، وَهُوَ الأَكثر. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ: قَامَ إِلى مَقْرَى بُسْتَانٍ فَقَعَدَ يَتَوَضَّأُ

؛ المَقْرَى والمقْراة: الْحَوْضُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ. وَفِي حَدِيثِ

ظَبْيَانَ: رَعَوْا قُرْيانه

أَي مَجارِيَ الْمَاءِ، وَاحِدُهَا قَرِيٌّ بِوَزْنِ طَرِيٍّ. وقَرى الضَّيْفَ قِرًى وقَراء: أَضافَه. واسْتَقْرَانِي وَاقْتَرَانِي وأَقْراني: طَلَبَ مِنِّي القِرى. وإِنه لقَرِيٌّ لِلضَّيْفِ، والأُنْثى قَرِيَّةٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَكَذَلِكَ إِنه لمِقْرىً لِلضَّيْفِ ومِقْراءٌ، والأُنثى مِقْراةٌ ومِقْراء؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَقَالَ: إِنه لمِقْراء لِلضَّيْفِ وإِنه لمِقْراء للأَضْياف، وإِنه لقَرِيٌّ لِلضَّيْفِ وإِنها لقَرِيَّة للأَضْياف. الْجَوْهَرِيُّ: قَرَيت الضَّيْفَ قِرًى، مِثَالُ قَلَيْتُه قِلًى، وقَرَاء: أَحسنت إِليه، إِذا كَسَرْتَ الْقَافَ قَصَرْتَ، وإِذا فَتَحْتَ مَدَدْتَ. والمِقْرَاةُ: الْقَصْعَةُ الَّتِي يُقْرى الضَّيْفُ فِيهَا. وَفِي الصِّحَاحِ: والمِقْرَى إِناء يُقْرَى فِيهِ الضَّيْفُ. والجَنْفَةُ مِقْرَاة؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:

حَتَّى تَبُولَ عَبُورُ الشِّعْرَيَيْنِ دَماً

صَرْداً، ويَبْيَضَّ فِي مِقْرَاتِه القارُ

والمَقَارِي: القُدور؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

تَرَى فُصْلانَهم فِي الوِرْدِ هَزْلَى،

وتَسْمَنُ فِي المَقَارِي والحِبالِ

يَعْنِي أَنهم يَسْقُون أَلبان أُمَّهاتها عَنِ الْمَاءِ، فإِذا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِمْ عَارًا، وَقَوْلُهُ: وَتَسْمَنُ فِي المَقارِي والحِبال أَي أَنهم إِذا نَحروا لَمْ يَنحروا إِلا سَمِينًا، وإِذا وَهَبُوا لَمْ يَهبوا إِلا كَذَلِكَ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَقَالَ اللحياني: المِقْرَى، مَقْصُورٌ بِغَيْرِ هَاءٍ، كُلُّ مَا يُؤْتَى بِهِ مِنَ قِرى الضيف قصْعَة أَو جَفْنة أَو عُسٍّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

ص: 179

وَلَا يَضَنُّون بالمِقْرَى وإِن ثَمِدُوا

قَالَ: وَتَقُولُ الْعَرَبُ لَقَدْ قَرَوْنا فِي مِقْرًى صَالِحٍ. والمَقارِي: الجِفان الَّتِي يُقْرَى فِيهَا الأَضْيافُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

وأَقضِي قُروضَ الصّالِحينَ وأَقْتَرِي

فَسَّرَهُ فَقَالَ: أَنَّى أَزِيدُ «1» عَلَيْهِمْ سِوَى قَرْضهم. ابْنُ سِيدَهْ: والقَرِيَّةُ، بِالْكَسْرِ، أَن يُؤْتَى بعُودين طُولُهُمَا ذِرَاعٌ ثُمَّ يُعرَض عَلَى أَطرافهما عُوَيدٌ يُؤْسَرُ إِليهما مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بقِدٍّ، فَيَكُونُ مَا بَيْنَ العُصَيَّتين قَدْرَ أَربع أَصابع، ثُمَّ يؤْتى بعُوَيد فِيهِ فَرْض فيُعْرض فِي وَسَطِ القَرِيّة وَيُشَدُّ طَرَفَاهُ إِليهما بقِدّ فَيَكُونُ فِيهِ رأْس الْعَمُودِ؛ هَكَذَا حَكَاهُ يَعْقُوبُ، وَعَبَّرَ عَنِ القرِيّةِ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ أَن يؤْتى، قَالَ: وَكَانَ حُكْمُهُ أَن يَقُولَ القَرِيَّةُ عُودان طُولُهُمَا ذِرَاعٌ يُصْنَعُ بِهِمَا كَذَا. وَفِي الصِّحَاحِ: والقرِيَّةُ عَلَى فَعيلة خَشبات فِيهَا فُرَض يُجعل فِيهَا رأْس عَمُودِ الْبَيْتِ؛ عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ. وقَرَيْتُ الْكِتَابَ: لُغَةٌ فِي قرأْت؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ، قَالَ: وَلَا يَقُولُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلا يَقرأ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: صَحِيفَةٌ مَقْرِيَّة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَن قَرَيْت لُغَةٌ كَمَا حَكَى أَبو زَيْدٍ، وَعَلَى أَنه بَناها عَلَى قُرِيَت المغيَّرة بالإِبدال عَنْ قُرِئت، وَذَلِكَ أَن قُرِيت لَمَّا شَاكَلَتْ لَفْظَ قُضِيت قِيلَ مَقْرِيَّة كَمَا قِيلَ مَقْضِيَّة. والقارِيةُ: حَدُّ الرُّمْحِ وَالسَّيْفِ وَمَا أَشبه ذَلِكَ، وَقِيلَ: قارِيةُ السِّنان أَعلاه وحَدّه. التَّهْذِيبُ: والقارِيَةُ هَذَا الطَّائِرُ الْقَصِيرُ الرِّجْلِ الطَّوِيلُ الْمِنْقَارِ الأَخضر الظَّهْرِ تُحِبُّهُ الأَعراب، زَادَ الْجَوْهَرِيُّ: وتَتَيَمَّن بِهِ ويُشَبِّهون الرَّجُلَ السخيَّ بِهِ، وَهِيَ مُخَفَّفَةٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَمِنْ تَرْجيعِ قارِيَةٍ تَرَكْتُمْ

سَباياكُمْ، وأُبْتُمْ بالعَناق؟

وَالْجَمْعُ القَوَارِي. قَالَ يَعْقُوبُ: وَالْعَامَّةُ تَقُولُ قارِيَّة، بِالتَّشْدِيدِ. ابْنُ سِيدَهْ: والقارِيَةُ طَائِرٌ أَخضر اللَّوْنِ أَصفر المِنقار طَوِيلُ الرِّجْلِ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

لِبَرْقٍ شآمٍ كُلَّما قلتُ قَدْ وَنَى

سَنَا، والقَوَارِي الخُضْرُ فِي الدَّجْنِ جُنَّحُ

وَقِيلَ: القَارِيَة طَيْرٌ خُضْرٌ تُحِبُّهَا الأَعراب، قَالَ: وَإِنَّمَا قَضَيْتُ عَلَى هَاتَيْنِ الياءَين أَنهما وَضْعٌ وَلَمْ أَقض عَلَيْهِمَا أَنهما مُنْقَلِبَتَانِ عَنْ وَاوٍ لأَنهما لَامٌ، وَالْيَاءُ لَامًا أَكثر مِنْهَا وَاوًا. وقَرِيُّ: اسْمَ رَجُلٍ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: تحتْمل لَامُهُ أَن تَكُونَ مِنَ الْيَاءِ وَمِنَ الْوَاوِ وَمِنَ الْهَمْزَةِ، عَلَى التَّخْفِيفِ. وَيُقَالُ: أَلقه فِي قِرِّيَّتِك. والقِرِّيَّةُ: الحَوْصَلة، وابن القِرِّيَّةِ مُشْتَقٌّ مِنْهُ؛ قَالَ: وَهَذَانِ قَدْ يَكُونَانِ ثُنَائِيَّيْنِ، والله أَعلم.

قزي: ابْنُ سِيدَهْ: القِزْيُ اللَّقَبُ؛ عَنْ كُرَاعٍ، لَمْ يَحْكِهِ غَيْرُهُ؛ غَيْرُهُ: يُقَالُ بِئْسَ القِزْيُ هَذَا أَي بِئْسَ اللَّقَبُ. ابْنُ الأَعرابي: أَقْزَى الرَّجُلُ إِذا تلطَّخ بعَيب بَعْدَ اسْتِوَاءٍ. ابْنُ الأَعرابي: والقُزَةُ الحَيَّة، ولُعْبة لِلصِّبْيَانِ أَيضاً تُسَمَّى فِي الْحَضَرِ يَا مُهَلْهِلَهْ هَلِلَهْ «2» . وقزو

القَزْوُ: العِزْهاةُ أَي الَّذِي لَا يَلْهُو، وَقِيلَ: القُزَةُ حَيَّةٌ عَرْجاء بَتْراء، وَجَمْعُهَا قُزَاتٌ.

قسا: القَسَاء: مَصْدَرُ قَسا القَلبُ يَقْسُو قَسَاء. والقَسْوَةُ: الصَّلابةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وحجَر قَاسٍ:

(1). قوله [أنى أزيد] هذا ضبط المحكم.

(2)

. قوله [يا مهلهله إلخ] بهذا ضبط في التكملة

ص: 180

صُلْب. وأَرض قَاسِيَةٌ: لَا تُنبت شَيْئًا. وَقَالَ أَبو إِسحق فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ

؛ تأْويل قَسَت فِي اللُّغَةِ غَلُظت ويَبِست وعَسَت، فتأْويل القَسْوَة فِي الْقَلْبِ ذَهاب اللِّين وَالرَّحْمَةِ وَالْخُشُوعِ مِنْهُ. وقَسَا قلبُه قَسْوَة وقَسَاوة وقَسَاء، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، وَهُوَ غِلَظ الْقَلْبِ وشدَّته، وأَقْسَاه الذنبُ، وَيُقَالُ: الذَّنْبُ مَقْساةٌ لِلْقَلْبِ. ابْنُ سِيدَهْ: قَسا القلبُ يَقْسُو قَسْوة اشتدَّ وعَسا، فَهُوَ قاسٍ، وَاسْتَعْمَلَ أَبو حَنِيفَةَ القَسْوَة فِي الأَزمنة فَقَالَ: مِنْ أَحوال الأَزمنة فِي قَسْوَتِها ولِينها. التَّهْذِيبُ: عَامٌ قَسِيٌّ ذُو قَحْط؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

ويُطْعِمُونَ الشحمَ فِي العامِ القَسِيْ

قُدْماً [قِدْماً]، إِذا مَا احْمَرّ آفاقُ السُّمِيْ

وأَصْبَحَتْ مِثْلَ حَواشِي الأَتْحَمِيْ

قَالَ شَمِرٌ: العامُ القَسِيُّ الشَّدِيدُ لَا مطَرَ فِيهِ. وَعَشِيَّةٌ قَسِيَّةٌ: بَارِدَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ العُجير السَّلُولي:

يَا عَمْرُو يَا أُكَيْرِمَ البَريَّهْ،

واللهِ لَا أَكْذِبُكَ العَشِيَّهْ،

إِنا لَقِينا سَنةً قَسِيَّهْ،

ثُمَّ مُطِرْنا مَطْرةً رَوِيَّهْ،

فنَبَتَ البَقْلُ وَلَا رَعِيَّهْ

أَي لَيْسَ لَنَا مَالٌ يَرعاه. والقَسِيَّةُ: الشَّدِيدَةُ. وَلَيْلَةٌ قَاسِيةٌ: شديدةُ الظُّلمة. والمُقاساةُ: مُكَابَدَةُ الأَمر الشَّدِيدِ. وقَاسَاه أَي كابَده. وَيَوْمٌ قَسِيٌّ، مِثَالُ شَقِيٍّ: شَدِيدٌ مِنْ حَرْب أَو شَرٍّ. وقَرَبٌ قَسِيٌّ: شَدِيدٌ؛ قَالَ أَبو نُخَيْلَةَ:

وهُنَّ، بَعْد القَرَبِ القَسِيِّ،

مُسْتَرْعِفاتٌ بشَمَرْذَليِ

القَسِيُّ: الشَّدِيدُ: ودِرْهَم قَسِيٌّ: رَدِيءٌ، وَالْجَمْعُ قِسْيانٌ مِثْلُ صَبيّ وصِبْيان، قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِلْكَسْرَةِ قَبْلَهَا كقِنْية، وَقَدْ قَسا قَسْواً. قَالَ الأَصمعي: كأَنه إِعراب قاشِي؛، قيل: دِرْهَمٌ قَسِيٌّ ضَرْبٌ مِنَ الزُّيوف أَي فِضته صُلبة رَدِيئَةٌ لَيْسَتْ بِلَيِّنَةٍ. وَفِي حَدِيثِ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنه بَاعَ نُفاية بَيْتِ الْمَالِ وَكَانَتْ زيُوفاً وقِسْياناً بِدُونِ وَزْنِهَا، فذُكر ذَلِكَ لعُمر فَنَهَاهُ وأَمره أَن يرُدَّها

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الأَصمعي وَاحِدُ القِسْيان دِرْهَمٌ قَسِيٌّ مُخَفَّفُ السِّينِ مُشَدَّدُ الْيَاءِ عَلَى مِثَالِ شَقِيٍّ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:

مَا يَسُرُّني دينُ الَّذِي يأْتي العَرَّاف بِدِرْهَمٍ قَسِيٍّ.

ودراهمُ قَسِيَّةٌ وقَسِيَّاتٌ وَقَدْ قَسَتِ الدَّرَاهِمُ تَقْسُو إِذا زَافَتْ. وَفِي حَدِيثِ

الشَّعْبِيِّ: قَالَ لأَبي الزِّناد تأْتينا بِهَذِهِ الأَحاديث قَسِيَّة وتأْخذها مِنَّا طازَجةً

أَي تأْتينا بِهَا رَدِيئَةً وتأْخذها خَالِصَةً مُنقّاة؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ يَذْكُرُ المَساحي:

لهَا صَواهِلُ فِي صُمِّ السِّلامِ، كَمَا

صاحَ القَسِيَّاتُ فِي أَيْدي الصَّياريفِ

وَمِنْهُ

حَدِيثٌ آخَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ أَنه قَالَ لأَصحابه: أَتدرون كَيْفَ يَدْرُسُ العِلمُ؟ فَقَالُوا: كَمَا يَخْلُقُ الثوبُ أَو كَمَا تَقْسُو الدَّرَاهِمُ، فَقَالَ: لَا ولكنْ دُرُوسُ العِلم بِمَوْتِ العُلماء

؛ وَمِنْهُ قَوْلُ مُزَرِّد:

وَمَا زَوَّدُوني غَيْرَ سَحْقِ عِمامةٍ،

وخَمْسِمِئٍ مِنْهَا قَسِيٌّ وزائِفُ

وَفِي خُطْبَةِ

الصدِّيق، رضي الله عنه: فَهُوَ كَالدِّرْهَمِ القَسِيِّ والسَّراب الْخَادِعِ

؛ القَسِيُّ: هُوَ الدِّرْهَمُ الرَّدِيءُ وَالشَّيْءُ الْمَرْذُولُ. وسارُوا سَيْرًا قَسِيّاً أَي سيراً شديداً. وقَسِيُّ بْنُ مُنَبِّه: أَخو ثَقِيف. الْجَوْهَرِيُّ:

ص: 181

قَسِيٌّ لَقَبُ ثَقِيفٍ، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لأَنه مرَّ عَلَى أَبي رِغالٍ وَكَانَ مُصَدِّقاً فَقَتَلَهُ فَقِيلَ قَسا قَلْبُهُ فَسُمِّيَ قَسِيّاً؛ قَالَ شَاعِرُهُمْ:

نحنُ قَسِيٌّ وقَسا أَبونا

وقَسًى: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: هُوَ مَوْضِعٌ بِالْعَالِيَةِ، قَالَ ابْنُ أَحمر:

بِجَوٍّ، مِنْ قَسًى، ذَفِرِ الخُزامى،

تَهادى الجِرْبِياء بِهِ الجَنِينا «3»

وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ:

لَنَا إِبلٌ لَمْ تَدْرِ مَا الذُّعْرُ، بَيْتُها

بِتِعْشارَ، مَرْعاها قَسا فصَرائِمُهْ

وَقِيلَ: قَسا حَبْل رَمْل مِنْ رِمَالِ الدَّهناء؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

سَرَتْ تَخْبِطُ الظَّلْماء مِنْ جانِبَيْ قَسا،

وحُبَّ بِهَا، مِن خابِطِ الليلِ، زَائِرُ

وَقَالَ أَيضاً:

ولكنَّني أُفْلِتُّ مِنْ جانِبَيْ قَسا،

أَزُورُ امْرَأً مَحْضاً كرِيماً يَمانِيا

ابْنُ سِيدَهْ: وقُسَاءٌ مَوْضِعٌ أَيضاً، وَقَدْ قِيلَ: هُوَ قَسًى بِعَيْنِهِ، فإِن قُلْتَ: فَلَعَلَّ قَسًى مُبْدَلٌ مِنْ قُساءٍ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ هُوَ الأَصل؟ قِيلَ: هَذَا حَمْل عَلَى الشُّذُوذِ لأَن إِبدال الْهَمْزِ شَاذٌّ، والأَوّل أَقْوى لأَن إِبدال حَرْفِ الْعِلَّةِ هَمْزَةً إِذا وَقَعَ طَرَفًا بَعْدَ أَلف زَائِدَةٍ هُوَ الْبَابُ. ابْنُ الأَعرابي: أَقْسَى إِذا سَكَنَ قُساء، وَهُوَ جَبَلٌ، وَكُلُّ اسْمٍ عَلَى فُعال فَهُوَ ينصرف، فأَما قُساء «4» ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَصْرِفْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قُسَاء، بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ، اسْمُ جَبَلٍ، وَيُقَالُ: ذُو قُساء؛ قَالَ جِرانُ العَوْدِ:

يُذكِّر أَيّاماً لَنا بِسُوَيْقَةٍ

وهَضْبِ قُساءٍ، والتَّذَكُّرُ يَشْعَفُ

وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

وقَفْتُ بأَعلى ذِي قُساء مَطِيَّتي،

أُمَيِّلُ فِي مَرْوانَ وابنِ زِيادِ

وَيُقَالُ: ذُو قُساء مَوْضِعٌ؛ قَالَ نَهْشَلُ بْنُ حَرِّيٍّ:

تَضَمَّنها مشَارِفُ ذِي قُساءٍ،

مَكانَ النَّصْلِ مِنْ بَدَنِ السِّلاحِ

قَالَ الْوَزِيرُ: قِسَاء اسْمُ مَوْضِعٍ مَصْرُوفٌ، وقُسَاء اسْمُ مَوْضِعٍ غَيْرُ مَصْرُوفٍ

قشا: المُقَشَّى: هُوَ المُقَشَّر. وقَشَا العُودَ يَقْشُوه قَشْواً: قَشَرَه وخرَطه، وَالْفَاعِلُ قاشٍ، والمَفعول مَقْشُوٌّ. وقَشَّيْته فَهُوَ مُقَشًّى. وقَشَوْتُ وجهَه: قَشَرْته ومَسَحْتُ عَنْهُ. وَفِي حَدِيثِ

قَيلة: وَمَعَهُ عَسِيبُ نَخْلَةٍ مَقْشُوٌّ غيرُ خُوصَتين مِنْ أَعلاه

أَي مَقْشُورٌ عَنْهُ خُوصه. وقَشَّيْته تَقْشِية فَهُوَ مُقَشًّى أَي مُقَشَّر. وقَشَّيْتُ الحَبَّة: نَزَعْت عَنْهَا لِبَاسَهَا. وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ:

أَنه دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يأْكل لِياءً مُقَشًّى

؛ قَالَ بَعْضُ الأَغفال:

وعَدَسٍ قُشِّيَ مِنْ قُشَيرِ

وتَقَشَّى الشيءُ: تَقَشَّر؛ قَالَ كُثير عَزَّةَ:

دَعِ القَوْمَ مَا احْتَلُّوا جُنُوبَ قُراضِمٍ،

بِحَيْثُ تَقَشَّى بَيْضُه المُتَفَلِّقُ

(3). قَوْلِهِ [بِجَوٍّ مِنْ قَسًى إلخ] أَوْرَدَهُ ابْنُ سِيدَهْ فِي اليائي بهذا اللفظ، وأورده الأزهري وتبعه ياقوت بما لفظه:

بِهَجْلٍ مِنْ قَسًا ذَفِرِ الْخُزَامَى

تَدَاعَى الْجِرْبِيَاءُ بِهِ الحنينا

وفيهما الحنينا بالحاء المهملة، وقال ياقوت: قسا منقول من الفعل.

(4)

. قوله [فأَما قساء إلخ] عبارة التكملة: فأما قُسَاء فلا ينصرف لأنه في الأصل على فعلاء فِي الأَصل قُسَواء عَلَى فُعَلاء.

ص: 182

ابْنُ الأَعرابي: اللِّياء بِالْيَاءِ وَاحِدَتُهُ لِياءة وَهُوَ اللُّوبياء واللُّوبِياج، وَيُقَالُ لِلصَّبِيَّةِ المَلِيحة: كأَنها لِياءةٌ مَقْشُوَّةٌ. وَرَوَى أَبو تُرَابٍ عَنْ أَبي سَعِيدٍ أَنه قَالَ: إِنما اللبأُ الَّذِي يُجْعَلُ فِي قِداد الجَدْي وَجَعَلَهُ تَصْحِيفًا مِنَ الْمُحَدِّثِ. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: اللِّبَأُ يُحْلب فِي قِدادٍ، وَهِيَ جُلود صِغار المِعْزَى، ثُمَّ يُمَلُّ فِي المَلَّة حَتَّى يَيْبَس ويَجْمُدَ، ثُمَّ يُخْرَج فَيُباع كأَنه الجُبْن، فإِذا أَراد الْآكِلُ أَكله قَشا عَنْهُ الإِهاب الَّذِي طُبِخ فِيهِ، وَهُوَ جِلْدُ السَّخْلَةِ الَّذِي جُعِلَ فِيهِ؛ قَالَ أَبو تُرَابٍ: وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ اللِّياء بِالْيَاءِ، وَهُوَ مِنْ نَبَاتِ الْيَمَنِ وَرُبَّمَا نَبَتَ فِي الْحِجَازِ فِي الخِصْب، وَهُوَ فِي خِلقة الْبَصَلَةِ وَقَدْرِ الحِمَّصة، وَعَلَيْهِ قُشُور رِقاق إِلى السَّوَادِ مَا هُوَ، يُقْلى ثُمَّ يُدْلَكُ بِشَيْءٍ خَشن كالمِسح وَنَحْوِهِ فَيُخْرَجُ مِنْ قِشْرِهِ فيؤْكل بَحْتاً، وربَّما أُكل بِالْعَسَلِ وَهُوَ أَبيض، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْلِيه. وَفِي حَدِيثِ

أُسَيْد بْنِ أَبي أُسيد: أَنه أَهدى لِرَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، بوَدّانَ لِياء مُقَشًّى

أَي مَقشوراً، واللِّياء حَبٌّ كالحِمَّص. والقُشاء: البُزاق. وقَشَّى الرجلَ عَنْ حَاجَتِهِ: رَدَّه. والقَشْوَانُ: الْقَلِيلُ اللَّحْمِ؛ قَالَ أَبو سَوْداء العِجْلي:

أَلم تَرَ للقَشْوانِ يَشْتِمُ أُسْرَتي،

وإِني بِهِ مِنْ واحدٍ لخَبِيرُ

والقَشْوَانَة: الرَّقيقة الضَّعِيفة مِنَ النِّسَاءِ. والقَشْوَة: قُفَّة تَجْعَلُ فِيهَا المرأَة طِيبَهَا، وَقِيلَ: هِيَ هَنة مِنْ خُوص تَجْعَلُ فِيهَا المرأَة القُطن والقَزَّ والعِطْر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَهَا قَشْوَةٌ فِيهَا مَلابٌ وزَنْبَقٌ،

إِذا عَزَبٌ أَسْرَى إِليها تَطَيَّبَا

وَالْجَمْعُ قَشَوَات وقِشاء، وَقِيلَ: القَشْوَة شَيْءٌ مِنْ خُوصٍ تَجْعَلُ فِيهَا المرأَة عِطْرها وحاجَتها. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: القَشْوَة شِبْهُ العَتِيدة المُغَشَّاة بِجِلْدٍ. والقَشْوَة: حُقَّة للنُّفَساء. والقَاشِي فِي كَلَامِ أَهل السَّوَادِ: الفَلْسُ الرَّديء. الأَصمعي: يُقَالُ دِرْهَمٌ قَشِيٌّ كأَنه عَلَى مِثَالِ دَعِيٍّ، قَالَ الأَصمعي: كأَنه إِعرابُ قاشِي.

قصا: قَصا عَنْهُ قَصْواً وقُصُوًّا وقَصاً وقَصاء وقَصِيَ: بَعُدَ. وقَصا المَكانُ يَقْصُو قُصُوّاً: بَعُدَ. والقَصِيُّ والقَاصِي: الْبَعِيدُ، وَالْجَمْعُ أَقْصاء فِيهِمَا كشاهدٍ وأَشْهاد ونصِير وأَنصار؛ قَالَ غَيْلان الرَّبَعِي:

كأَنَّما صَوْتَ حَفِيفِ المَعْزاء،

مَعْزُولِ شَذَّان حَصاها الأَقْصاء،

صَوْتُ نَشِيشِ اللحمِ عِنْدَ الغَلَّاء

وكلُّ شَيْءٍ تَنَحَّى عَنْ شَيْءٍ فَقَدْ قَصا يَقْصُو قُصُوًّا، فَهُوَ قاصٍ، والأَرض قاصِيةٌ وقَصِيَّةٌ. وقَصَوْت عَنِ الْقَوْمِ: تَبَاعَدْتُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ بالمَكان الأَقْصَى وَالنَّاحِيَةِ القُصْوى والقُصْيا، بِالضَّمِّ فِيهِمَا. وَفِي الْحَدِيثِ:

الْمُسْلِمُونَ تَتَكافَأُ دِماؤهم يَسْعَى بذِمَّتِهِم أَدْناهم ويُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهم

أَي أَبْعَدُهم، وَذَلِكَ فِي الغَزْو إِذا دَخَلَ الْعَسْكَرُ أَرض الْحَرْبِ فَوَجَّه الإِمامُ مِنْهُ السَّرَايَا، فَمَا غَنِمَتْ مِنْ شَيْءٍ أَخذَت مِنْهُ مَا سَمَّى لَهَا، ورَدَّ مَا بَقِيَ عَلَى الْعَسْكَرِ لأَنهم، وإِن لَمْ يَشْهَدُوا الْغَنِيمَةَ، رِدْءٌ للسَّرايا وظهْرٌ يَرْجِعون إِليهم. والقُصْوَى والقُصْيا: الْغَايَةُ الْبَعِيدَةُ، قُلِبَتْ فِيهِ الْوَاوُ يَاءً لأَن فُعْلَى إِذا كَانَتِ اسْمًا مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ أُبدلت وَاوُهُ يَاءً كَمَا أُبدلت الْوَاوُ مَكَانَ الْيَاءِ فِي فَعْلى فأَدخلوها عَلَيْهَا فِي فُعْلى ليَتَكافآ فِي التَّغْيِيرِ؛

ص: 183

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَزِدْتُهُ أَنا بَيَانًا، قَالَ: وَقَدْ قَالُوا القُصْوَى فأَجروها عَلَى الأَصل لأَنها قَدْ تَكُونُ صِفَةً بالأَلف وَاللَّامِ. وَفِي التَّنْزِيلِ: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: الدُّنْيَا مِمَّا يَلي الْمَدِينَةَ والقُصْوَى مِمَّا يَلي مَكَّةَ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: مَا كان من النُّعُوتِ مِثْلَ العُلْيا والدُّنيا فإِنه يأْتي بِضَمِّ أَوَّله وَبِالْيَاءِ لأَنهم يَسْتَثْقِلُونَ الْوَاوَ مَعَ ضَمَّةِ أَوّله، فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ إِلا أَن أَهل الْحِجَازِ قَالُوا القُصْوَى، فأَظهروا الْوَاوَ وَهُوَ نَادِرٌ وأَخرجوه عَلَى الْقِيَاسِ، إِذ سُكِّنَ مَا قَبْلَ الْوَاوِ، وَتَمِيمٌ وَغَيْرُهُمْ يَقُولُونَ القُصْيا؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: القُصْوَى والقُصْيا طَرف الْوَادِي، فالقُصْوَى عَلَى قول ثعلب من قَوْلِهِ تَعَالَى بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى

، بَدَلٌ. والقاصِي والقاصِيةُ والقَصِيُّ والقَصِيَّةُ مِنَ النَّاسِ وَالْمَوَاضِعِ: المُتَنَحِّي البعيدُ. والقُصْوَى والأَقْصَى كالأَكْبر والكُبرى. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن الشَّيْطَانَ ذِئبُ الإِنسانِ يأْخُذُ القاصِيةَ والشَّاذَّةَ

، القاصِيَةُ: المُنْفَرِدة عَنِ الْقَطِيعِ الْبَعِيدَةُ مِنْهُ، يُرِيدُ أَن الشَّيْطَانَ يَتَسَلَّطُ عَلَى الْخَارِجِ مِنَ الْجَمَاعَةِ وأَهل السنَّة. وأَقْصى الرجلَ يُقْصِيه: باعَدَه. وهَلُمَّ أُقاصِكَ يَعْنِي أَيُّنا أَبْعَدُ مِنَ الشَّرِّ. وقَاصَيْتُه فقَصَوته وقَاصَانِي فقَصَوْته. والقَصَا: فِناء الدَّارِ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ. وحُطْني القَصا أَي تباعَدْ عَنِّي؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:

فَحاطُونا القَصَا، ولقَدْ رَأَوْنا

قَرِيبًا، حَيْثُ يُسْتَمَعُ السِّرارُ

والقَصَا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ؛ وَيُرْوَى:

فحاطُونا القَصاءَ وَقَدْ رأَوْنا

وَمَعْنَى حاطُونا القَصَاء أَي تباعَدوا عَنَّا وَهُمْ حَوْلَنَا، وَمَا كُنَّا بِالْبُعْدِ مِنْهُمْ لَوْ أَرادوا أَن يَدْنُوا منَّا، وَتَوْجِيهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ مِنْ كتاب النجو أَن يَكُونَ القَصَاء بِالْمَدِّ مَصْدَرَ قَصا يَقْصو قَصاءً مِثْلَ بَدا يَبْدُو بَداءً، وأَما القَصَا بِالْقَصْرِ فَهُوَ مَصْدَرُ قَصِيَ عَنْ جِوارِنا قَصاً إِذا بَعُدَ. وَيُقَالُ أَيضاً: قَصِيَ الشيءُ قَصاً وقَصاءً. والقَصَا: النسَبُ الْبَعِيدُ، مَقْصُورٌ. والقَصَا: الناحيةُ. والقَصَاةُ: البُعْد «1» وَالنَّاحِيَةُ، وَكَذَلِكَ القَصا. يُقَالُ: قَصِيَ فُلَانٌ عَنْ جِوَارِنَا، بِالْكَسْرِ، يَقْصَى قَصاً، وأَقْصَيْته أَنا فَهُوَ مُقْصًى، وَلَا تَقُلْ مَقْصِيٌّ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لأَحُوطَنَّك القَصا ولأَغْزُوَنَّك القَصا، كِلَاهُمَا بِالْقَصْرِ، أَي أَدَعُك فَلَا أَقْرَبُك. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ حاطَهم القَصا، مَقْصُورٌ، يَعْنِي كَانَ فِي طُرَّتِهم لَا يأْتِيهم. وحاطَهم القَصا أَي حاطَهم مِنْ بَعِيدٍ وَهُوَ يَتَبَصَّرهم ويَتَحَرَّزُ مِنْهُمْ. وَيُقَالُ: ذَهَبْتُ قَصا فُلَانٍ أَي ناحِيَته، وَكُنْتُ مِنْهُ فِي قاصِيَتِه أَي ناحِيته. وَيُقَالُ: هَلُمَّ أُقاصِك أَيُّنا أَبعد مِنَ الشَّرِّ. وَيُقَالُ: نَزَلْنَا مَنزلًا لَا تُقْصِيه الإِبل أَي لَا تَبْلُغ أَقصاه. وتَقَصَّيت الأَمر واسْتَقْصَيتُه واسْتَقْصَى فُلَانٌ فِي المسأَلة وتَقَصَّى بِمَعْنًى. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَحَكَى القَناني قَصَّيْت أَظفاري، بِالتَّشْدِيدِ، بِمَعْنَى قَصَصْت فَقَالَ الْكِسَائِيُّ أَظنه أَراد أَخَذ مِنْ قَاصِيَتِهَا، وَلَمْ يَحْمِلْهُ الْكِسَائِيُّ عَلَى مُحوّل التَّضْعِيفِ كَمَا حَمَلَهُ أَبو عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ قَنان، وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَرْفِ الصَّادِ أَنه مِنْ مُحوّل التَّضْعِيفِ، وَقِيلَ: يُقَالُ إِن وُلدَ لكِ ابْنٌ فقَصِّي أُذنيه أَي احْذفِي مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَمر مِنْ قَصَّى قَصِّ، وَلِلْمُؤَنَّثِ قَصِّي، كَمَا تَقُولُ خَلِّ عَنْهَا وخَلِّي. والقَصا: حَذْفٌ فِي طرَف أُذن النَّاقَةِ وَالشَّاةِ، مقصور، يكتب بالأَلف

(1). قوله [والقَصَاة البعد] كذا في الأصل، ولم نجده في غيره، ولعله القَصَاء.

ص: 184

وَهُوَ أَن يُقْطع مِنْهُ شَيْءٌ قَلِيلٌ، وَقَدْ قَصاها قَصْواً وقَصَّاها. يُقَالُ: قَصَوْت الْبَعِيرَ فَهُوَ مَقْصُوّ إِذا قطَعْت مِنْ طَرَفِ أُذنه، وَكَذَلِكَ الشَّاةُ؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ. وَنَاقَةٌ قَصْواء: مَقْصُوَّة، وَكَذَلِكَ الشَّاةُ، وَرَجُلٌ مَقْصُوّ وأَقْصى، وأَنكر بَعْضُهُمْ أَقْصَى. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَعِيرٌ أَقْصى ومُقَصَّى ومَقْصُوّ. وَنَاقَةٌ قَصْوَاء ومُقَصَّاةٌ ومَقْصُوَّةٌ: مَقْطُوعَةُ طَرَفِ الأُذن. وَقَالَ الأَحمر: المُقَصَّاة مِنَ الإِبل الَّتِي شُق مِنْ أُذنها شَيْءٌ ثُمَّ تُرِكَ مُعَلَّقًا. التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ القَصْوُ قَطْعُ أُذن الْبَعِيرِ. يُقَالُ: نَاقَةٌ قَصْواء وَبَعِيرٌ مَقْصُوّ، هَكَذَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ، قَالَ: وَكَانَ الْقِيَاسُ أَن يَقُولُوا بِعِيرٌ أَقصى فَلَمْ يَقُولُوا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا يُقَالُ جَمَلٌ أَقصى وإِنما يُقَالُ مَقْصُوٌّ ومُقَصًّى، تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ، ولأَن أَفعل الَّذِي أُنثاه عَلَى فَعْلاء إِنما يَكُونُ مِنْ بَابِ فَعِلَ يَفْعَل، وَهَذَا إِنما يُقَالُ فِيهِ قَصَوْت البعيرَ، وقَصْواء بَائِنَةٌ عَنْ بَابِهِ، وَمِثْلُهُ امرأَة حَسناء، وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ أَحْسَن؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ تَرَكُوا فِيهَا الْقِيَاسَ يَعْنِي قَوْلَهُ نَاقَةٌ قَصْواء، وَكَانَ الْقِيَاسُ مَقْصُوَّة، وَقِيَاسُ النَّاقَةِ أَن يُقَالَ قَصَوْتها فَهِيَ مَقْصُوَّة. وَيُقَالُ: قَصَوْت الجملَ فَهُوَ مَقْصُوّ، وَقِيَاسُ النَّاقَةِ أَن يُقَالَ قَصَوتها فَهِيَ مَقْصُوَّة، وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، نَاقَةٌ تُسَمَّى قَصْوَاء وَلَمْ تَكُنْ مَقْطُوعَةَ الأُذن. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه خَطَبَ عَلَى ناقَتِه القَصْوَاء

، وَهُوَ لَقَبُ نَاقَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم. قَالَ: والقَصْواء الَّتِي قُطِع طرَف أُذنها. وَكُلُّ مَا قُطع مِنَ الأُذن فَهُوَ جَدْعٌ، فإِذا بَلَغَ الرُّبُع فَهُوَ قَصْوٌ، فإِذا جَاوَزَهُ فهو غَضْبٌ، فإِذا استُؤصِلت فَهُوَ صَلْم، وَلَمْ تَكُنْ نَاقَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَصْواء وإِنما كَانَ هَذَا لَقَبًا لَهَا، وَقِيلَ: كَانَتْ مَقْطُوعَةَ الأُذن. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:

أَنه كَانَ لَهُ نَاقَةٌ تُسَمَّى العَضْباء وَنَاقَةٌ تُسَمَّى الجَدْعاء

، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:

صلماءَ

، وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى:

مخَضْرَمةً

؛ هَذَا كُلُّهُ فِي الأُذن، وَيُحْتَمَلُ أَن تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ صِفَةَ نَاقَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ الْجَمِيعُ صِفَةَ نَاقَةٍ وَاحِدَةٍ فَسَمَّاهَا كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَا تَخَيَّلَ فِيهَا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وجهه، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يُبْلِغُ أَهل مَكَّةَ سُورة بَرَاءَةَ فَرَوَاهُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنه، أَنه رَكِبَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، القَصْواء

، وَفِي رِوَايَةِ

جَابِرٍ العَضْباء

، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا

الجَدْعاء

، فَهَذَا يُصَرِّحُ أَن الثَّلَاثَةَ صِفَةُ نَاقَةٍ وَاحِدَةٍ لأَن الْقَضِيَّةَ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ

أَنس أَنه قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، عَلَى نَاقَةٍ جَدْعاء وَلَيْسَتْ بالعَضباء

، وَفِي إِسناده مَقَالٌ. وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ:

أَن أَبا بَكْرٍ، رضي الله عنه، قَالَ: إِن عِنْدِي نَاقَتَيْنِ، فأَعْطَى رسولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، إِحداهما وَهِيَ الجَدْعاء.

والقَصِيَّةُ مِنَ الإِبل: الْكَرِيمَةُ المُوَدَّعة الَّتِي لَا تُجْهَد فِي حَلَب وَلَا حَمْلٍ. والقَصايا: خِيارُ الإِبل، وَاحِدَتُهَا قَصِيَّة وَلَا تُركب وَهِيَ مُتَّدِعة؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

تَذُود القَصايا عَنْ سَراة، كأَنها

جَماهيرُ تَحْتَ المُدْجِناتِ الهَواضِبِ

وإِذا حُمِدت إِبل الرَّجُلِ قِيلَ فِيهَا قَصايا يَثِقُ بِهَا أَي فِيهَا بَقِيَّةٌ إِذا اشْتَدَّ الدَّهْرُ، وَقِيلَ: القَصِيَّة مِنَ الإِبل رُذالتها. وأَقْصى الرجلُ إِذا اقْتَنَى القَوَاصِي مِنَ الإِبل، وَهِيَ النِّهَايَةُ فِي الغَزارة والنَّجابة، وَمَعْنَاهُ أَن صَاحِبَ الإِبل إِذا جَاءَ المُصَدِّق أَقصاها ضِنّاً بِهَا. وأَقْصى إِذا حَفِظَ قَصَا الْعَسْكَرِ وقَصَاءه، وَهُوَ مَا حَوْلَ الْعَسْكَرِ.

ص: 185

وَفِي حَدِيثِ

وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزة، عليه السلام: كنتُ إِذا رأَيته فِي الطَّرِيقِ تَقَصَّيْتها

أَي صِرْتُ فِي أَقْصاها وَهُوَ غَايَتُهَا. والقَصْوُ: الْبُعْدُ. والأَقْصى: الأَبعد؛ وَقَوْلُهُ:

واخْتَلَس الفَحْلُ مِنْهَا، وَهِيَ قاصِيةٌ،

شَيْئًا فَقَدْ ضَمِنَتْه، وَهُوَ مَحْقُورُ

فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ قاصِيَة هُوَ أَن يَتْبَعَهَا الْفَحْلُ فَيَضْرِبَهَا فَتَلْقَح فِي أَوَّل كَوْمة فَجَعَلَ الكَوْم للإِبل، وإِنما هُوَ لِلْفَرَسِ. وقُصْوَانُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ جَرِيرٌ:

نُبِّئْتُ غَسَّانَ بنَ واهِصَةِ الخُصَى

بِقُصْوانَ، فِي مُسْتَكْلِئِينَ بِطانِ

ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِلْفَحْلِ هُوَ يَحْبُو قَصا الإِبل إِذا حَفِظها مِنَ الِانْتِشَارِ. وَيُقَالُ: تَقَصَّاهم أَي طَلَبهم وَاحِدًا وَاحِدًا. وقُصَيٌّ، مُصَغَّرٌ: اسْمُ رَجُلٍ، وَالنِّسْبَةُ إِليه قُصَوِيّ بِحَذْفِ إِحدى الياءَين، وَتُقْلَبُ الأُخرى أَلفاً ثُمَّ تُقْلَبُ وَاوًا كَمَا قُلِبَتْ فِي عَدَوِيّ وأُمَوِيٍّ.

قضى: القَضاء: الْحُكْمُ، وأَصله قَضايٌ لأَنه مَنْ قَضَيْت، إِلا أَنَّ الْيَاءَ لَمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الأَلف هُمِزَتْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ بَعْدَ الأَلف الزَّائِدَةِ طَرَفًا هُمِزَتْ، وَالْجَمْعُ الأَقْضِيةُ، والقَضِيَّةُ مِثْلُهُ، وَالْجَمْعُ القَضَايَا عَلَى فَعالَى وأَصله فَعائل. وقَضَى عَلَيْهِ يَقْضِي قَضَاء وقَضِيَّةً، الأَخيرة مَصْدَرٌ كالأُولى، وَالِاسْمُ القَضِيَّة فَقَطْ؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: قَالَ أَهل الْحِجَازِ الْقَاضِي مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ القاطِع للأُمور المُحِكم لَهَا. واسْتُقْضِي فُلَانٌ أَي جُعِل قاضِياً يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ. وقَضَّى الأَميرُ قاضِياً: كَمَا تَقُولُ أَمرَ أَميراً. وَتَقُولُ: قَضى بَيْنَهُمْ قَضِيَّة وقَضايا. والقَضايا: الأَحكام، وَاحِدَتُهَا قَضِيَّةٌ. وَفِي صُلْحِ الحُدَيْبِيةِ:

هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ

، هُوَ فاعَلَ مِنَ القَضاء الفَصْلِ والحُكْم لأَنه كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهل مَكَّةَ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ القَضاء، وأَصله القَطْع وَالْفَصْلُ. يُقَالُ: قَضَى يَقْضِي قَضَاء فَهُوَ قاضٍ إِذا حَكَم وفَصَلَ. وقَضاء الشَّيْءِ: إِحْكامُه وإِمْضاؤُه وَالْفَرَاغُ مِنْهُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الخَلْق. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: القَضَاء فِي اللُّغَةِ عَلَى وُجُوهٍ مَرْجِعُهَا إِلى انْقِطَاعِ الشَّيْءِ وَتَمَامِهِ. وكلُّ مَا أُحْكِم عَمَلُهُ أَو أُتِمَّ أَو خُتِمَ أَو أُدِّيَ أَداء أَو أُوجِبَ أَو أُعْلِمَ أَو أُنْفِذَ أَو أُمْضِيَ فَقَدْ قُضِيَ. قَالَ: وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا فِي الْحَدِيثِ، وَمِنْهُ القَضاء الْمَقْرُونُ بالقَدَر، وَالْمُرَادُ بالقَدَر التَّقْدِيرُ، وبالقَضاء الخَلق كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ

؛ أَي خَلَقَهُنَّ، فالقَضاء والقَدَرُ أَمران مُتَلازمان لَا يَنْفك أَحدهما عَنِ الْآخَرِ، لأَن أَحدهما بِمَنْزِلَةِ الأَساس وَهُوَ القَدر، وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ وَهُوَ القَضاء، فَمَنْ رَامَ الفَصْل بَيْنَهُمَا فَقَدْ رَامَ هَدْمَ الْبِنَاءِ ونَقْضه. وقَضَى الشيءَ قَضاءً: صنَعه وقَدَّره؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ

؛ أَي فَخَلَقَهُنَّ وعَمِلهن وَصَنَعَهُنَّ وقطَعَهن وأَحكم خَلْقَهُنَّ، وَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْعَمَلِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ

؛ مَعْنَاهُ فَاعْمَلْ مَا أَنت عَامِلٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

وعَلَيْهِما مَسْرُودَتانِ قَضاهُما

داودُ، أَو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ

قَالَ ابن السيرافي: قَضاهما فَرغ مِنْ عَمَلِهِمَا. وَالْقَضَاءُ: الحَتْم والأَمْرُ. وقَضَى أَي حَكَمَ، وَمِنْهُ القَضَاء والقَدر. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ

؛ أَي أَمَر رَبُّكَ وحَتم، وَهُوَ أَمر قَاطِعٌ حَتْم. وَقَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ

؛ وَقَدْ يَكُونُ

ص: 186

بِمَعْنَى الْفَرَاغِ، تَقُولُ: قَضَيت حَاجَتِي. وقَضى عَلَيْهِ عَهْداً: أَوصاه وأَنفذه، وَمَعْنَاهُ الْوَصِيَّةُ، وَبِهِ يُفَسَّرُ قَوْلُهُ عز وجل: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ

؛ أَي عَهِدْنا وَهُوَ بِمَعْنَى الأَداء والإِنْهاء. تَقُولُ: قَضَيْتُ دَيْني، وَهُوَ أَيضاً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ

، وَقَوْلِهِ: وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ

: أَي أَنْهَيْناه إِلَيْهِ وأَبْلَغْناه ذَلِكَ، وقَضى أَي حَكَمَ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ

؛ أَي مِنْ قَبْلِ أَن يُبَيَّن لَكَ بَيَانُهُ. اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ

؛ أَي أَتْمَمْنا عَلَيْهِ الْمَوْتُ. وقَضَى فُلَانٌ صِلَاتَهُ أَي فَرَغَ مِنْهَا. وقَضَى عَبْرَتَه أَي أَخرج كُلَّ مَا فِي رأْسِه؛ قَالَ أَوس:

أَمْ هَل كَثِيرُ بُكىً لَمْ يَقْضِ عَبْرَتَه،

إثرَ الأَحِبَّةِ يومَ البَيْنِ، مَعْذُور؟

أَيْ لَمْ يُخْرِج كلَّ مَا فِي رأْسه. والقاضِيَةُ: المَنِيَّة الَّتِي تَقْضِي وَحِيّاً. والقَاضِيَةُ: المَوت، وَقَدْ قَضَى قَضاء وقُضِيَ عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُهُ:

تَحنُّ فَتُبْدِي مَا بِهَا مِنْ صَبابةٍ،

وأُخِفي الَّذِي لَوْلَا الأَسا لقَضَانِي

مَعْنَاهُ قَضَى عَليَّ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

سَمَّ ذَرارِيحَ جَهِيزاً بالقَضِي

فَسَّرَهُ فَقَالَ: القَضِي الْمَوْتُ الْقَاضِي، فَأَمَّا أَن يَكُونَ أَراد القَضي، بِالتَّخْفِيفِ، وَإِمَّا أَن يَكُونَ أَراد القَضِيّ فَحَذَفَ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ كَمَا قَالَ:

أَلم تَكُنْ تَحْلِف باللهِ العَلي،

إنَّ مَطاياكَ لَمِنْ خَيْرِ المَطِي؟

وقَضَى نَحْبَه قَضاءً: مَاتَ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده يَعْقُوبُ لِلْكُمَيْتِ:

وَذَا رَمَقٍ مِنْهَا يُقَضِّي وطافِسا

إِمَّا أَن يَكُونَ فِي مَعْنَى يَقْضِي، وَإِمَّا أَن يَكُونَ أَن الْمَوْتَ اقْتَضَاهُ فَقَضَاهُ دَيْنَهُ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْقَطَامِيُّ:

فِي ذِي جُلُولٍ يُقَضِّي الموتَ صاحبُه،

إِذَا الصَّراريُّ مِنْ أَهْوالِه ارْتَسَما

أَي يَقْضِي الموتَ مَا جَاءَهُ يَطْلُب مِنْهُ وَهُوَ نفْسُه. وضَرَبَه فَقَضَى عَلَيْهِ أَي قَتَلَهُ كأَنه فَرَغَ مِنْهُ. وسَمٌّ قَاضٍ أَي قَاتِلٌ. ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ قَضَى الرجلُ وقَضَّى إِذَا مَاتَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

إِذَا الشَّخْصُ فِيهَا هَزَّه الآلُ أَغْمَضَتْ

عليهِ، كإغْماضِ المُقَضِّي هُجُولُها

وَيُقَالُ: قَضَى عَليَّ وقَضَانِي، بإِسقاط حَرْفِ الْجَرِّ؛ قَالَ الْكِلَابِيُّ:

فَمَنْ يَكُ لَمْ يَغْرَضْ فَإِنِّي وناقَتي،

بِحَجْرٍ إِلَى أَهلِ الحِمَى، غَرِضان

تَحِنُّ فَتُبْدِي مَا بِهَا مِنْ صَبابَة،

وأُخْفِي الَّذِي لَوْلَا الأَسا لقَضاني

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ

؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَعْنَى قُضِيَ الأَمر أُتِم إهْلاكُهم. قَالَ: وقَضَى فِي اللُّغَةِ عَلَى ضُروب كلُّها تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى انْقِطاعِ الشَّيْءِ وتَمامِه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ قَضى أَجَلًا

؛ مَعْنَاهُ ثُمَّ حَتَم بِذَلِكَ وأَتَمَّه، وَمِنْهُ الإِعْلام؛ وَمِنْهُ قوله تعالى: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ

؛ أَي أَعْلَمْناهم إِعْلَامًا قَاطِعًا، وَمِنْهُ القَضَاء للفَصْل فِي الحُكْم وهو قوله: لَوْلا (كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى) أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ

؛ أَي لفُصِلَ الحُكْم بَيْنَهُمْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلِهِمْ: قَدْ قَضَى القاضِي

ص: 187

بَيْنَ الخُصومِ أَي قَدْ قَطَع بَيْنَهُمْ فِي الْحُكْمِ، وَمِنْ ذَلِكَ: قَدْ قَضَى فُلَانٌ دَيْنه، تأْويله أَنه قَدْ قَطَع مَا لغَريمه عَلَيْهِ وأَدَّاه إِلَيْهِ وقَطَعَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. واقْتَضَى دَيْنه وتَقاضاه بِمَعْنَى. وكلُّ مَا أُحْكِمَ فَقَدَ قُضِيَ. تَقُولُ: قَدْ قَضَيْتُ هَذَا الثوبَ، وَقَدْ قَضَيْتُ هَذِهِ الدَّارَ إِذَا عَمِلْتها وأَحْكَمْتَ عَمَلَها، وأَما قَوْلُهُ: ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ

، فَإِنَّ أَبا إِسْحَاقَ قَالَ: ثُمَّ افْعلُوا مَا تُريدون، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ ثُمَّ امْضُوا إليَّ كَمَا يُقَالُ قَدْ قَضىَ فُلَانٌ، يُرِيدُ قَدْ مَاتَ ومَضى؛ وقال أَبو إسحاق: هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ فِي هُودٍ: فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ؛ يَقُولُ: اجْهَدُوا جَهْدَكم فِي مُكايَدَتي والتَّأَلُّب عليَّ، وَلا تُنْظِرُونِ أَي وَلَا تُمْهِلوني؛ قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَقوى آيَاتِ النُّبُوَّةِ أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ لِقَوْمِهِ وَهُمْ مُتعاوِنون عَلَيْهِ افْعَلُوا بِي مَا شِئْتُمْ. وَيُقَالُ: اقْتَتَلَ الْقَوْمُ فقَضَّوْا بَيْنَهُمْ قَواضِيَ وَهِيَ المَنايا؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

فقَضَّوا مَنايا بينَهم ثُمَّ أَصْدَرُوا «2»

الْجَوْهَرِيُّ: قَضَّوا بَيْنَهُمْ مَنَايَا، بِالتَّشْدِيدِ، أَي أَنْفَذوها. وقَضَّى اللُّبانةَ أَيضاً، بِالتَّشْدِيدِ، وقَضاها، بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنَى. وقَضى الغَريمَ دَيْنَه قَضَاءً: أَدَّاه إِلَيْهِ. واستَقْضاه: طلَب إِلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَه. وتَقَاضَاه الدَّيْنَ: قَبَضَه مِنْهُ؛ قَالَ:

إِذَا مَا تَقَاضَى المَرْءَ يومٌ ولَيلةٌ،

تَقَاضَاه شيءٌ لَا يَمَلُّ التَّقَاضِيا

أَراد: إِذَا مَا تَقاضى المرءَ نَفْسَه يومٌ وَلَيْلَةٌ. وَيُقَالُ: تَقَاضَيْته حَقِّي فَقضانِيه أَي تَجازَيْتُه فجَزانِيه. وَيُقَالُ: اقْتَضَيْتُ مَا لِي عَلَيْهِ أَي قَبَضْته وأَخذْته. والقَاضِيةُ مِنَ الإِبل: مَا يَكُونُ جَائِزًا فِي الدِّية والفَريضةِ الَّتِي تَجِب فِي الصَّدقة؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:

لَعَمْرُكَ مَا أَعانَ أَبو حَكِيمٍ

بِقاضِيةٍ، وَلَا بَكْرٍ نَجِيب

وَرَجُلٌ قَضِيٌّ: سَرِيعُ القَضاء، يَكُونُ مِنْ قَضاء الْحُكُومَةِ وَمِنْ قَضَاء الدَّين. وقَضى وطَرَه: أَتمَّه وبلَغه. وقَضَّاه: كَقَضاه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده أَبو زَيْدٍ:

لقَدْ طالَ مَا لَبَّثْتَني عَنْ صَحابَتي

وعَن حِوَجٍ، قِضَّاؤُها مِنْ شِفائِيا «3»

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هُوَ عِنْدِي مِنْ قَضَّى ككِذّابٍ مِنْ كَذَّبَ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَن يُرِيدَ اقْتِضَاؤُهَا فَيَكُونُ مِنْ بَابِ قِتَّالٍ كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ فِي اقْتِتالِ. والانْقِضاء: ذَهاب الشَّيْءِ وفَناؤه، وَكَذَلِكَ التَّقَضِّي. وانْقَضَى الشَّيْءُ وتَقَضَّى بِمَعْنًى. وانْقِضاء الشَّيْءِ وتَقَضِّيه: فَناؤه وانْصِرامُه؛ قَالَ:

وقَرَّبُوا للْبَيْن والتَّقَضِّي

مِنْ كلِّ عَجَّاجٍ تَرى للغَرْضِ،

خَلْفَ رَحى حَيْزُومِه كالغَمْضِ

أَي كَالْغَمْضِ الَّذِي هُوَ بَطْنُ الْوَادِي؛ فَيَقُولُ تَرَى للغَرْضِ فِي جَنْبِه أَثراً عَظِيمًا كَبَطْنِ الْوَادِي. والقَضَاة: الجِلدة الرَّقيقةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى وَجْهِ الصَّبِيِّ حِينَ يُولَدُ. والقِضَةُ، مُخَفَّفَةً: نِبْتةٌ سُهْلِيَّةٌ وَهِيَ مَنْقُوصَةٌ، وَهِيَ مِنَ الحَمْض، وَالْهَاءُ عِوَضٌ، وَجَمْعُهَا قِضًى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهِيَ مِنْ مُعْتَلِّ الْيَاءِ، وَإِنَّمَا قَضَيْنا بأَن لَامَهَا يَاءٌ لِعَدَمِ ق ض وو وجود ق ض ي. الأَصمعي: مِنْ نَبَاتِ السَّهْلِ الرِّمْثُ والقِضةُ، وَيُقَالُ فِي جَمْعِهِ قِضاتٌ وقِضُون. ابْنُ السِّكِّيتِ:

(2). عجز البيت:

إِلَى كَلأٍ مُستَوْبلٍ مُتَوَخَّمِ

(3)

. قوله [قضاؤها] هذا هو الصواب وضبطه في ح وج بغيره خطأ.

ص: 188

تُجْمَعُ القِضةُ قِضِينَ؛ وأَنشد أَبو الْحَجَّاجِ:

بِساقَيْنِ ساقَيْ ذِي قِضِينَ تَحُشُّه

بأَعْوادِ رَنْدٍ، أَو أَلاوِيةً شُقْرا

وَقَالَ أُمية بْنُ أَبي الصَّلْت:

عَرَفْتُ الدَّارَ قَدْ أَقْوَتْ سِنينا

لِزَيْنَبَ، إذْ تَحُلُّ بِذِي قِضِينا

وقِضةُ أَيضاً: مَوْضِعٌ كَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ تحْلاق اللِّمَمِ، وتَجمع على قِضَاتٍ وقِضِين، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ أَرسلت بَنُو حَنِيفَةَ الفِنْد الزِّمَّانيَّ إلى أَولاد ثعلبة حِينَ طَلَبُوا نَصْرَهُمْ عَلَى بَنِي تَغْلِب، فَقَالَ بَنُو حَنِيفَةَ: قَدْ بَعَثْنَا إِلَيْكُمْ بأَلف فَارِسٍ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ عَدِيد الأَلف، فَلَمَّا قَدَمَ عَلَى بَنِي ثَعْلَبٍةَ قَالُوا لَهُ: أَين الأَلف؟ قَالَ أَنا، أَما تَرضَوْن أَني أَكون لَكُمْ فِنْداً؟ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ وَبَرَزُوا للقِتال حَمَلَ عَلَى فَارِسٍ كَانَ مُرْدِفاً لِآخَرَ فَانْتَظَمَهُمَا وَقَالَ:

أَيا طَعْنَةَ مَا شَيْخٍ

كبِيرٍ يَفَنٍ بَالِي

أَبو عَمْرٍو: قَضَّى الرَّجُلُ إِذَا أَكل القَضا وَهُوَ عَجَم الزَّبِيبِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: وَهُوَ بِالْقَافِ؛ قَالَهُ ابْنُ الأَعرابي. أَبو عُبَيْدٍ: والقَضَّاء مِنَ الدُّروع الَّتِي قَدْ فُرغ مِنْ عَمَلِهَا وأُحْكمت، وَيُقَالُ الصُّلْبة؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

وكلُّ صَمُوتٍ نَثْلةٍ تُبَّعِيَّةٍ،

ونَسْجُ سُلَيْمٍ كلَّ قَضَّاءَ ذائِل

قَالَ: وَالْفِعْلُ مِنَ القَضَّاء قَضَيْتها؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: جَعَلَ القَضَّاء فَعَّالًا مِنْ قَضَى أَي أَتَمَّ، وَغَيْرُهُ يَجْعَلُ القَضّاء فَعْلاء مِنْ قَضَّ يَقَضُّ، وَهِيَ الجَديدُ الخَشِنةُ، مِنْ إقْضاضِ المَضْجَع. وتَقَضَّى الْبَازِي أَي انْقَضَّ، وأَصله تَقَضَّضَ، فَلَمَّا كَثُرَتِ الضَّادَاتُ أُبدلت مِنْ إِحْدَاهُنَّ يَاءً؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

إِذَا الكرامُ ابْتَدَرُوا الباعَ بَدَرْ،

تَقَضِّيِ الْبَازِي إِذَا الْبَازِي كَسَرْ

وَفِي الْحَدِيثِ ذُكِرَ دَارُ القَضَاء فِي الْمَدِينَةِ، قِيلَ: هِيَ دارُ الإِمارة، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ خطأٌ وَإِنَّمَا هِيَ دَارٌ كَانَتْ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، بِيعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي دَينه ثُمَّ صَارَتْ لمَرْوان، وَكَانَ أَميراً بِالْمَدِينَةِ، وَمِنْ هَاهُنَا دَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى مَنْ جَعَلَهَا دَارَ الإِمارة.

قطا: قَطا يَقْطُو: ثَقُل مَشْيُهُ. والقَطَا: طَائِرٌ مَعْرُوفٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لثِقَل مَشيْه، وَاحِدَتُهُ قَطاة، وَالْجَمْعُ قَطَوات وقَطَياتٌ، وَمَشْيُهَا الاقْطِيطاء. تَقُولُ: اقْطَوْطَتِ القَطَاةُ تَقْطَوْطِي، وأَما قَطت تَقْطُو فَبَعْضٌ يَقُولُ مِنْ مَشْيِهَا، وَبَعْضٌ يَقُولُ مِنْ صَوْتِهَا، وَبَعْضٌ يَقُولُ صَوْتُهَا القَطْقَطةُ. والقَطْوُ: تَقَارُب الخَطْو مِنَ النَّشاط. وَالرَّجُلُ يَقْطَوْطِي فِي مَشْيِهِ إِذَا اسْتَدارَ وتَجَمَّع؛ وأَنشد:

يَمْشِي مَعاً مُقْطَوْطِياً إِذَا مَشَى

وقَطَت القَطاةُ: صَوَّتَتْ وَحْدَهَا فقالت قَطا قَطا؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَرُبَّمَا قَالُوا فِي جَمْعِهِ قَطَياتٍ، ولَهَياتٍ فِي جَمْعِ لَهاة الإِنسان، لأَن فَعَلْت مِنْهُمَا لَيْسَ بِكَثِيرٍ فَيَجْعَلُونَ الأَلف الَّتِي أَصلها وَاوٌ يَاءً لِقِلَّتِهَا فِي الْفِعْلِ، قَالَ: وَلَا يَقُولُونَ فِي غَزَواتٍ غَزَيات لأَن غَزَوْتُ أَغْزُو كَثِيرٌ مَعْرُوفٌ فِي الْكَلَامِ. وَفِي الْمَثَلِ: إِنَّهُ لأَصْدَقُ مِنْ قَطاة؛ وَذَلِكَ لأَنها تَقُولُ قَطا قَطا. وَفِي الْمَثَلِ أَيضاً: لَوْ تُرِكَ القَطا لَنامَ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِمَنْ يَهِيجُ إِذَا تُهُيِّج. التَّهْذِيبُ: دَلَّ بَيْتُ النَّابِغَةِ أَن القَطاة سُمِّيَتْ قَطاة بِصَوْتِهَا؛

ص: 189

قَالَ النَّابِغَةُ:

تَدْعُو قَطا، وَبِهِ تُدْعى إِذَا نُسِبَتْ،

يَا صِدْقَها حِينَ تَدْعُوها فتَنْتَسِبُ

وَقَالَ أَبو وَجْزة يَصِفُ حَمِيرًا وَرَدَتْ لَيْلًا مَاءً فَمَرَّتْ بِقَطاً وأَثارَتْها:

مَا زِلْنَ يَنْسُبْنَ وَهْناً كلَّ صادِقةٍ،

باتَتْ تُباشِرُ عُرْماً غَيْرَ أَزْواجِ

يَعْنِي أَنها تمرُّ بالقَطا فتُثِيرها فتَصِيح قَطا قَطَا، وَذَلِكَ انْتِسَابُهَا. الْفَرَّاءُ: وَيُقَالُ فِي الْمَثَلِ إِنَّهُ لأَدَلُّ مِنْ قَطاة، لأَنها تَرد الْمَاءَ لَيْلًا مِنَ الفَلاة الْبَعِيدَةِ. والقَطَوَانُ والقَطَوْطَى: الَّذِي يُقارِبُ الْمَشْيَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ شَمِرٌ: وَهُوَ عِنْدِي قَطْوَان، بِسُكُونِ الطَّاءِ، والأُنثى قَطَوَانَة وقَطَوطَاة، وَقَدْ قَطا يَقْطُو قَطْواً وقُطُوًّا واقْطَوْطى. والقَطَوطى: الطَّوِيلُ الرِّجْلَيْنِ إِلَّا أَنه لَا يُقَارِبُ خَطْوه كَمَشْيِ الْقَطَا. والقَطَاةُ: العَجُز، وَقِيلَ: هُوَ مَا بَيْنَ الوَرِكين، وَقِيلَ: هُوَ مَقعَد الرِّدف «1» أَو مَوْضِعُ الرِّدْفِ مِنَ الدَّابَّةِ خَلْفَ الْفَارِسِ، وَيُقَالُ: هِيَ لِكُلِّ خَلْق؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وكَسَتِ المِرْطَ قَطاةً رَجْرجا

وَثَلَاثُ قَطَوات. والقَطا: مَقْعَد الرِّدف وَهُوَ الرَّديف؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وصُمٌّ صِلابٌ مَا يَقِينَ مِنَ الوَجى،

كأَنَّ مَكانَ الرِّدْفِ مِنْهُ عَلَى رالِ

يَصِفُهُ بإشرافِ القَطاة. والرَّأْلُ: فَرْخُ النَّعامِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

وأَبوكَ لَمْ يَكُ عارِفاً بلَطاتِه،

لَا فَرْقَ بينَ قَطاتِه ولَطاتِه

وَتَقُولُ الْعَرَبُ فِي مَثَلٍ: لَيْسَ قَطاً مثلَ قُطَيٍّ أَي لَيْسَ النَّبِيلُ كالدَّنيءِ؛ وأَنشد:

لَيْسَ قَطاً مِثْلَ قُطَيٍّ، ولا

المَرْعِيُّ، وفي الأَقْوامِ، كالرّاعِي

أَي لَيْسَ الأَكابر كالأَصاغر. وتَقَطَّى عَنِّي بِوَجْهِهِ: صدَف لأَنه إِذَا صدَف بِوَجْهِهِ فكأَنه أَراه عَجُزَه؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي وأَنشد:

أَلِكْني إِلَى المَوْلى الَّذِي كُلَّما رَأى

غَنِياًّ تَقَطَّى، وَهُوَ للطَّرف قاطِعُ

وَيُقَالُ: فُلَانٌ مِنْ رَطاتِه «2» لَا يَعْرِفُ قَطاتَه مِنْ لَطاتِه؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلرَّجُلِ الأَحمق لَا يَعْرِفُ قُبُله مِنْ دُبُرِه مِنْ حَماقَته. وَقَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ الحُصَيْبي يَقُولُ تَقَطَّيْتُ عَلَى الْقَوْمِ وتَلَطَّيْتُ عَلَيْهِمْ إِذَا كَانَتْ لِي طَلِبةٌ فأَخذت مِنْ مَالِهِمْ شَيْئًا فَسَبَقْتُ بِهِ. والقَطْوُ: مُقاربة الخَطْو مَعَ النَّشاط، يُقَالُ مِنْهُ: قَطَا فِي مِشْيته يَقْطُو، واقْطَوطى مِثْلُهُ، فَهُوَ قَطَوان، بِالتَّحْرِيكِ، وقَطَوطَى أَيضاً، عَلَى فَعَوْعَلٍ، لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فعَوَّل، وَفِيهِ فَعَوْعَل مِثْلُ عَثَوثَل، وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ فِيمَا يَلْزَمُ فِيهِ الْوَاوُ أَن تُبْدَلَ يَاءً نَحْوَ أَغْزَيْت واسْتَغْزَيت أَن قَطَوْطى فَعَلْعَلٌ مِثْلَ صَمَحْمحٍ، قَالَ: وَلَا تَجْعَلُهُ فَعَوْعَلًا لأَن فعَلْعَلًا أَكثر مِنْ فَعَوْعَلٍ، قَالَ: وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنه فَعَوْعَل، قَالَ السِّيرَافِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لأَنه يقال اقْطَوْطَى

(1). قوله [مقعد الردف] هي عبارة المحكم. وقوله [موضع إلخ] هي عبارة التهذيب جمع المؤلف بينهما على عادته معبراً بأو.

(2)

. قوله [من رطاته] ليس من المعتل وإنما هو من الصحيح، ففي القاموس: الرطأ، محركة، الحمق، ولينت هنا للمشاكلة والازدواج.

ص: 190

واقْطَوْطَى افعَوْعَل لَا غَيْرَ. قَالَ: والقَطَوطى أَيضاً الْقَصِيرُ الرِّجْلَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ وَلَّادٍ: الطَّوِيلُ الرِّجْلَيْنِ، وَغَلَّطَهُ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: المُقْطَوْطِي الَّذِي يَخْتِل؛ وأَنشد للزِّبرقان:

مُقْطَوْطِياً يَشْتِمُ الأَقْوامَ ظالِمَهُمْ،

كالعِفْوِ سافَ رَقِيقَي أُمِّه الجَذَعُ

مُقْطَوْطِياً أَي يَخْتِلُ جَارَهُ أَو صَدِيقَهُ، والعِفْوُ: الجَحْش، وَالرَّقِيقَانِ: مَراقُّ الْبَطْنِ أَي يُرِيدُ أَن يَنْزُوَ عَلَى أُمه. والقَطْيُ: دَاءٌ يأْخذ فِي الْعَجُزِ؛ عَنْ كُرَاعٍ. وتَقَطَّت الدَّلْوُ: خَرَجَتْ مِنَ الْبِئْرِ قَلِيلًا قَلِيلًا؛ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد:

قَدْ أَنْزِعُ الدلْوَ تَقَطَّى في المَرَسْ،

تُوزِغُ مِنْ مَلْءٍ كإيزاغِ الفَرَسْ

والقَطَياتُ: لُغَةٌ فِي القَطَوات. وقُطَيَّات: مَوْضِعٌ. وَكِسَاءٌ قَطَوانيٌّ، وقَطَوانُ: مَوْضِعٌ بِالْكُوفَةِ. وقُطَيَّاتٌ: مَوْضِعٌ، وَكَذَلِكَ قَطاتانِ مَوْضِعٌ، ورَوْض القَطا؛ قَالَ:

أَصابَ قُطَيّاتٍ فَسالَ لِواهُما

وَيُرْوَى: أَصاب قَطاتَيْنِ؛ وَقَالَ أَيضاً:

دَعَتْها التَّناهِي برَوْضِ القَطا

إِلَى وحْفَتَيْنِ إِلَى جُلْجُل «1»

وَرِيَاضُ الْقَطَا: مَوْضِعٌ؛ وَقَالَ:

فَمَا رَوْضةٌ مِنْ رِياضِ القَطا،

أَلَثَّ بِهَا عارِضٌ مُمْطِرُ

وقُطَيَّةُ بِنْتُ بِشْرٍ: امرأَة مَرْوان بْنِ الْحَكَمِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

كَأَنِّي أَنظر إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ فِي هَذَا الْوَادِي مُحْرماً بَيْنَ قَطَوانِيَّتَيْن

؛ القَطَوَانِيَّةُ: عَبَاءَةٌ بَيْضَاءُ قَصِيرَةُ الخَمْلِ، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ، كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الْمُعْتَلِّ، وَقَالَ: كِسَاءٌ قَطَوَانيٌّ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

أُمّ الدَّرْدَاءِ: قَالَتْ أَتاني سَلْمانُ الفارسيُّ فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ عَباءة قَطَوَانِيّة

، وَاللَّهُ أَعلم.

قعا: القَعْو: الْبَكَرَةُ، وَقِيلَ: شَبَهُهَا، وَقِيلَ: الْبَكَرَةُ مِنْ خَشَبٍ خَاصَّةً، وَقِيلَ: هُوَ المِحْور مِنَ الْحَدِيدِ خَاصَّةً، مَدَنِيَّةٌ، يَسْتَقي عَلَيْهَا الطيَّانُون. الْجَوْهَرِيُّ: القَعْو خَشَبَتَانِ فِي الْبَكَرَةِ فِيهِمَا الْمِحْوَرُ، فَإِنْ كَانَا مِنْ حَدِيدٍ فَهُوَ خُطّاف. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: القَعْوُ جَانِبُ الْبَكَرَةِ، وَيُقَالُ خَدُّهَا؛ فَسَّرَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ النَّابِغَةِ:

لَهُ صَريفٌ صَريفَ القَعْوِ بالمَسَدِ

وَقَالَ: الأَعلم: القَعْوُ مَا تَدُورُ فِيهِ الْبَكْرَةِ إِذَا كَانَ مِنْ خَشَبٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ فَهُوَ خُطَّافٌ. والمِحْور: الْعُودُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ الْبَكَرَةُ، فَبَانَ بِهَذَا أَن القَعْوَ هُوَ الْخَشَبَتَانِ اللَّتَانِ فِيهِمَا الْمِحْوَرُ؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ فِي الْخُطَّافِ:

خَطاطِيفُ حُجْنٌ فِي حِبالٍ مَتِينَةٍ،

تَمُدُّ بِهَا أَيدٍ إِلَيْكَ نَوازِعُ

والقَعْوَانِ: خَشَبَتَانِ تَكْتَنِفان الْبَكَرَةَ وَفِيهِمَا الْمِحْوَرُ، وَقِيلَ: هُمَا الْحَدِيدَتَانِ اللَّتَانِ تَجْرِي بَيْنَهُمَا الْبَكَرَةُ، وَجَمْعُ كَلِّ ذَلِكَ قُعِيٌّ لَا يكسَّر إِلَّا عَلَيْهِ. قَالَ الأَصمعي: الخُطاف الَّذِي تَجْرِي الْبَكَرَةُ وَتَدُورُ فِيهِ إِذَا كَانَ مِنْ حَدِيدٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ خَشَبٍ فَهُوَ القَعْو؛ وأَنشد غَيْرُهُ:

إنْ تَمْنَعي قَعْوَكِ، أَمْنَعْ مِحْوَرِي

لِقَعْوِ أُخْرَى حَسَنٍ مُدَوّرِ

وَالْمِحْوَرُ: الْحَدِيدَةُ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهَا الْبَكَرَةُ. ابن

(1). قوله [إلى وحفتين إلخ] هذا بيت المحكم. وفي مادة وح ف بدل هذا المصراع:

فَنَعْفِ الْوِحَافِ إِلَى جُلْجُلِ

ص: 191

الأَعرابي: القَعْوُ خَدُّ الْبَكَرَةِ، وَقِيلَ: جَانِبُهَا. والقَعْوُ: أَصل الْفَخْذِ، وَجَمْعُهُ القُعَى. والعُقَى: الْكَلِمَاتُ الْمَكْرُوهَاتُ. وأَقْعَى الْفَرَسُ إِذَا تَقَاعَس عَلَى أَقْتاره، وامرأَة قَعْوَى وَرَجُلٌ قَعْوَانُ. وقَعَا الْفَحْلُ عَلَى النَّاقَةِ يَقْعُو قَعْواً وقُعُوًّا، عَلَى فُعُول، وقَعاها واقْتَعَاها: أَرسل نَفْسَهُ عَلَيْهَا، ضَرب أَو لَمْ يَضرب؛ الأَصمعي: إِذَا ضَرَبَ الْجَمَلُ النَّاقَةَ قِيلَ قَعَا عَلَيْهَا قُعُوٌّا، وقاعَ يَقُوع مِثْلُهُ، وَهُوَ القُعُوُّ والقَوْعُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ؛ يُقَالُ: قاعَها وقَعا يَقْعُو عَنِ النَّاقَةِ وَعَلَى النَّاقَةِ؛ وأَنشد:

قاعَ وإِنْ يَتْرُكْ فَشَوْلٌ دُوَّخُ

وقَعَا الظَّلِيمُ وَالطَّائِرُ يَقْعُو قُعُوًّا: سَفِدَ. وَرَجُلٌ قَعُوّ الْعَجِيزَتَيْنِ «1» : أَرْسَح؛ وَقَالَ يَعْقُوبُ: قَعُوّ الأَليتين نَاتِئُهُمَا غَيْرُ مُنْبَسِطِهِمَا. وامرأَة قَعْوَاء: دَقِيقَةُ الْفَخِذَيْنِ أَو السَّاقَيْنِ، وَقِيلَ: هِيَ الدَّقِيقَةُ عَامَّةً. وأَقْعَى الرَّجُلُ فِي جُلُوسه: تَسانَدَ إِلَى مَا وَرَاءَهُ، وَقَدْ يُقْعِي الرَّجُلُ كأَنه مُتَسانِدٌ إِلَى ظَهْرِهِ، وَالذِّئْبُ وَالْكَلْبُ يُقْعِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى اسْتِهِ. وأَقْعَى الْكَلْبُ والسبعُ: جَلَسَ عَلَى اسْتِهِ. والقَعا، مَقْصُورٌ: رَدَّة فِي رأَس الأَنف، وَهُوَ أَن تُشْرِفَ الأَرنبة ثُمَّ تُقْعِي نَحْوَ الْقَصَبَةِ، وَقَدْ قَعِيَ قَعاً فَهُوَ أَقْعَى، والأُنثى قَعْوَاء، وَقَدْ أَقْعَتْ أَرنبته، وأَقْعَى أَنفه. وأَقْعَى الْكَلْبُ إِذَا جَلَسَ عَلَى اسْتِهِ مُفْتَرِشًا رِجْلَيْهِ وَنَاصِبًا يَدَيْهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ الإِقْعَاء فِي الصَّلَاةِ، وَفِي رِوَايَةٍ:

نَهى أَن يُقْعِيَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ

، وَهُوَ أَن يَضَعَ أَليتيه عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ، قَالَ الأَزهري: كَمَا رُوِيَ عَنِ الْعَبَادِلَةِ، يَعْنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وأَما أَهل اللُّغَةِ فالإِقْعاء عِنْدَهُمْ أَن يُلْصِقَ الرَّجُلُ أَليتيه بالأَرض وينْصِب سَاقَيْهِ وَفَخِذَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الأَرض كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ أَشبه بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَيْسَ الإِقْعاء فِي السِّبَاعِ إِلَّا كَمَا قُلْنَاهُ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُلْصِقَ الرَّجُلُ أَليتيه بالأَرض وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَتَسَانَدَ إِلَى ظَهْرِهِ؛ قَالَ الْمُخَبَّلُ السَّعْدِيُّ يَهْجُو الزبرقان ابن بَدْرٍ:

فَأَقْعِ كَمَا أَقْعَى أَبُوك عَلَى اسْتِه،

رَأَى أَنَّ رَيْمًا فَوقَه لَا يُعادِلُهْ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنْشَادِ هَذَا الْبَيْتِ وأَقْعِ بِالْوَاوِ لأَن قَبْلَهُ:

فإنْ كُنْتَ لَمْ تُصْبِحْ بحَظِّك راضِياً،

فَدَعْ عنكَ حَظّي، إنَّني عَنْكَ شاغِلُهْ

وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه، صلى الله عليه وسلم، أَكل مُقْعِياً

؛ أَراد أَنه كَانَ يَجْلِسُ عِنْدَ الأَكل عَلَى وَرِكَيْهِ مُسْتَوْفِزًا غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الإِقْعاء أَن يَجْلِسَ الرَّجُلُ عَلَى وَرِكَيْهِ، وَهُوَ الِاحْتِفَازُ والاستِيفازُ.

قفا: الأَزهري: القَفا، مَقْصُورٌ، مُؤَخَّرُ العُنق، أَلفها وَاوٌ وَالْعَرَبُ تُؤَنِّثُهَا، وَالتَّذْكِيرُ أَعم. ابْنُ سِيدَهْ: القَفا وَرَاءَ الْعُنُقِ أُنثى؛ قَالَ:

فَما المَوْلَى، وَإِنْ عَرُضَت قَفاه،

بأَحْمَل للمَلاوِمِ مِن حِمار

وَيُرْوَى: للمَحامِد، يَقُولُ: لَيْسَ الْمَوْلَى وَإِنْ أَتَى بِمَا يُحمَد عَلَيْهِ بأَكثر مِنَ الحِمار مَحامِد. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: القَفا يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وحَكَى عَنْ عُكْلٍ هَذِهِ قَفاً، بالتأْنيث، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي المدّ في

(1). قوله [قَعُوّ العجيزتين إلخ] هو بهذا الضبط في الأَصل والتكملة والتهذيب، وضبط في القاموس بفتح فسكون خطأ.

ص: 192

القَفا وَلَيْسَتْ بِالْفَاشِيَةِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ جِنِّي الْمَدُّ فِي القَفَا لُغَةٌ وَلِهَذَا جُمِعَ عَلَى أَقفِيَة؛ وأَنشد:

حَتَّى إِذَا قُلْنا تَيَفَّع مالكٌ،

سَلَقَت رُقَيَّةُ مالِكاً لقَفائِه

فأَما قَوْلُهُ:

يَا ابنَ الزُّبَير طالَ مَا عَصَيْكا،

وطالَ مَا عَنَّيْتَنا إلَيْكا،

لَنَضْرِبَنْ بسَيْفِنا قَفَيْكا

أَراد قَفاك، فأَبدل الأَلف يَاءً لِلْقَافِيَةِ، وَكَذَلِكَ أَراد عَصَيْتَ، فأَبدل مِنَ التَّاءِ كَافًا لأَنها أُختها فِي الْهَمْسِ، وَالْجَمْعُ أَقْفٍ وأَقْفِيةٌ؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لأَنه جمعُ الْمَمْدُودِ مِثْلَ سَماء وأَسْمِيَةٍ، وأَقْفَاءٌ مِثْلَ رَحاً وأَرْحاء؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ جَمْعُ الْقِلَّةِ، وَالْكَثِيرُ قُفِيٌّ عَلَى فُعُول مثل عَصاً وعُصِيٍّ، وقِفِيٌّ وقَفِينٌ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ لَا يُوجِبُهَا الْقِيَاسُ. والقَافِيَةُ: كالقَفا، وَهِيَ أَقلهما. وَيُقَالُ: ثَلَاثَةُ أَقْفَاء، وَمَنْ قَالَ أَقْفِيَة فإنه جماعة والقِفِيّ والقُفِيّ؛ وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: جَمْعُ القَفَا أَقْفَاء، وَمَنْ قَالَ أَقْفِيَة فَقَدْ أَخطأَ. وَيُقَالُ لِلشَّيْخِ إِذَا هَرِمَ: رُدَّ عَلَى قَفاه ورُدَّ قَفاً؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِنْ تَلْقَ رَيْبَ المَنايا أَو تُرَدُّ قَفاً،

لَا أَبْكِ مِنْكَ عَلَى دِينٍ وَلَا حَسَبِ

وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ:

يَعْقِدُ الشيطانُ عَلَى قافِيةِ رأْس أَحدكم ثَلَاثَ عُقَد، فَإِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدة

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي بالقَافِيَة القَفا. وَيَقُولُونَ: القَفَنُّ فِي مَوْضِعِ القَفا، وَقَالَ: هِيَ قَافِيَةُ الرأْس. وقافِيةُ كُلِّ شَيْءٍ: آخِرُهُ، وَمِنْهُ قَافِيَة بَيْتِ الشِّعْر، وَقِيلَ قَافِيَة الرأْس مُؤَخَّرُهُ، وَقِيلَ: وَسَطُهُ؛ أَراد تَثْقِيلَه فِي النَّوْمِ وَإِطَالَتَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ شَدَّ عَلَيْهِ شِداداً وعَقَده ثَلَاثَ عُقَد. وقَفَوْتُه: ضَرَبْتُ قَفاه. وقَفَيْتُه أَقْفِيه: ضَرَبْتُ قَفاه. وقَفَيْتُه ولَصَيْتُه: رَمَيْتُهُ بِالزِّنَا. وقَفَوْتُه: ضَرَبْتُ قَفاه، وَهُوَ بِالْوَاوِ. وَيُقَالُ: قَفاً وقَفوان، قَالَ: وَلَمْ أَسمع قَفَيانِ. وتَقَفَّيْته بِالْعَصَا واسْتَقْفَيْته: ضَرَبْتُ قَفَاهُ بِهَا. وتَقَفَّيت فُلَانًا بِعَصًا فَضَرَبْتُهُ: جِئته مِنْ خَلْف. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ: أَخَذَ المِسْحاةَ فاسْتَقْفاه فَضَرَبَهُ بِهَا حَتَّى قَتَلَهُ

أَي أَتاه مِنْ قِبَل قَفَاهُ. وَفِي حَدِيثِ

طَلْحَةَ: فَوَضَعُوا اللُّجَّ عَلَى قَفَيَ

أَي وضَعوا السَّيْفَ عَلَى قَفاي، قَالَ: وَهِيَ لُغَةٌ طائِية يُشَدِّدُونَ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه، كُتِبَ إِلَيْهِ صَحِيفَةً فِيهَا:

فَمَا قُلُصٌ وُجِدْنَ مُعَقَّلاتٍ

قَفا سَلْعٍ بمُخْتَلَفِ التِّجارِ

سَلْعٌ: جَبَلٌ، وقَفاه: وَرَاءَهُ وخَلْفه. وَشَاةٌ قَفِيَّة: مَذْبُوحَةٌ مِنْ قَفَاهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَفِينَةٌ، والأَصل قَفِيَّة، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: النُّونُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ. وَفِي حَدِيثِ

النَّخَعِيِّ: سُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ فأَبان الرأْس، قَالَ: تِلْكَ القَفِينة لَا بأْس بِهَا

؛ هِيَ الْمَذْبُوحَةُ مِنْ قِبَل القَفا، قَالَ: وَيُقَالُ للقَفا القَفَنُ، فَهِيَ فَعِيلة بِمَعْنَى مَفْعولة. يُقَالُ: قَفَنَ الشاةَ واقْتَفَنَها؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ «1» : هِيَ الَّتِي يُبَانُ رأْسها بِالذَّبْحِ، قَالَ: وَمِنْهُ حَدِيثُ

عُمَرَ، رضي الله عنه: ثُمَّ أَكون عَلَى قَفّانِه

، عِنْدَ مَنْ جَعَلَ النُّونَ أَصلية. وَيُقَالُ: لَا أَفعله قَفا الدَّهْرِ أَي أَبداً أَي طُولَ الدَّهْرِ وَهُوَ قَفا الأَكَمَة وبقَفا الأَكَمة أَي بظهرها.

(1). قوله [أَبو عبيدة] كذا بالأصل، والذي في غير نسخة من النهاية: أبو عبيد بدون هاء التأنيث.

ص: 193

والقَفَيُّ: القَفا. وقَفاه قَفْواً وقُفُوّاً واقْتَفَاه وتَقَفَّاه: تَبِعَه. اللَّيْثُ: القَفْوُ مَصْدَرُ قَوْلِكَ قَفَا يَقْفُو قَفْواً وقُفُوّاً، وَهُوَ أَن يَتْبَعَ الشَّيْءَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَكثر الْقُرَّاءِ يَجْعَلُونَهَا مِنْ قَفَوْت كَمَا تَقُولُ لَا تَدْعُ مِنْ دَعَوْتُ، قَالَ: وقرأَ بَعْضُهُمْ وَلَا تَقُفْ مِثْلَ وَلَا تَقُلْ، وَقَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ

؛ أَي لَا تَتَّبِع مَا لَا تَعْلَمُ، وَقِيلَ: وَلَا تَقُلْ سَمِعْتُ وَلَمْ تَسْمَعْ، وَلَا رأَيت وَلَمْ تَرَ، وَلَا عَلِمْتُ وَلَمْ تَعْلَمْ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا. أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ يَقْفُو ويَقُوفُ ويَقْتافُ أَي يَتْبَعُ الأَثر. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ

لَا تَرُمْ؛ وَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: مَعْنَاهُ لَا تَشْهَدْ بِالزُّورِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الأَصل فِي القَفْوِ والتَّقافي البُهْتان يَرمي بِهِ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ قُفْتُ أَثره وقَفَوْته مِثْلَ قاعَ الْجَمَلُ النَّاقَةَ وقَعاها إِذا رَكِبَهَا، وَمِثْلُ عاثَ وعَثا. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ قَفَوْت فُلَانًا اتَّبَعْتُ أَثره، وقَفَوْته أَقْفُوه رَمَيْتُهُ بأَمر قَبِيحٍ. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: قَفَا أَثره أَي تَبِعَه، وضدُّه فِي الدُّعَاءِ: قَفَا اللَّهُ أَثَره مِثْلُ عَفا اللَّهُ أَثَره. قَالَ أَبو بَكْرٍ: قَوْلُهُمْ قَدْ قَفا فُلَانٌ فُلَانًا، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ أَتْبَعه كَلَامًا قَبِيحًا. واقْتَفَى أَثَره وتَقَفَّاه: اتَّبَعَهُ. وقَفَّيْت عَلَى أَثره بِفُلَانٍ أَي أَتْبَعْته إِياه. ابْنُ سِيدَهْ: وقَفَّيْته غَيْرِي وَبِغَيْرِي أَتْبَعْته إِياه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا

؛ أَي أَتبعنا نُوحًا وإِبراهيم رُسُلًا بَعْدَهُمْ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وقَفَّى عَلَى آثارِهِنَّ بحاصِبِ

أَي أَتْبَع آثارَهن حَاصِبًا. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: اسْتَقْفَاه إِذا قَفا أَثره ليَسْلُبَه؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ فِي قَفَّى بِمَعْنَى أَتى:

كَمْ دُونَها مِنْ فَلاةٍ ذاتِ مُطَّرَدٍ،

قَفَّى عَلَيْهَا سَرابٌ راسِبٌ جَارِي

أَي أَتى عَلَيْهَا وغَشِيَها. ابْنُ الأَعرابي: قَفَّى عَلَيْهِ أَي ذَهَبَ بِهِ؛ وأَنشد:

ومَأْرِبُ قَفَّى عَلَيْهِ العَرِمْ

وَالِاسْمُ القِفْوةُ، وَمِنْهُ الْكَلَامُ المُقَفَّى. وَفِي حَدِيثِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: لِي خَمْسَةُ أَسماء مِنْهَا كَذَا وأَنا المُقَفِّي

، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:

وأَنا الْعَاقِبُ

؛ قَالَ شَمِرٌ: المُقَفِّي نَحْوَ الْعَاقِبِ وَهُوَ المُوَلِّي الذَّاهِبُ. يُقَالُ: قَفَّى عَلَيْهِ أَي ذهبَ بِهِ، وَقَدْ قَفَّى يُقَفِّي فَهُوَ مُقَفٍّ، فكأَنَّ الْمَعْنَى أَنه آخِر الأَنبياءَ المُتَّبِع لَهُمْ، فإِذا قَفَّى فَلَا نبيَّ بَعْدَهُ، قَالَ: والمُقَفِّي المتَّبع لِلنَّبِيِّينَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

فَلَمَّا قَفَّى قَالَ كَذَا أَي ذَهَبَ مُوَلِّياً

، وكأَنه مِنَ القَفا أَي أَعطاه قَفَاهُ وَظَهْرَهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

أَلا أُخبركم بأَشدَّ حَرًّا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ المُقَفِّيَيْن

أَي المُوَلِّيَين، وَالْحَدِيثُ عَنِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: أَنا مُحَمَّدٌ وأَحمد والمُقَفِّي والحاشِر وَنَبِيُّ الرحْمة وَنَبِيُّ المَلْحَمة

؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر:

لَا تَقْتَفِي بهمُ الشمالُ إِذا

هَبَّتْ، وَلَا آفاقُها الغُبْرُ

أَي لَا تُقِيم الشَّمَالُ عَلَيْهِمْ، يُرِيدُ تُجاوِزهم إِلى غَيْرِهِمْ وَلَا تَستَبِين عَلَيْهِمْ لخِصْبهم وَكَثْرَةِ خَيرهم؛ ومثله قوله:

إِذا نَزَلَ الشِّتاءُ بدارِ قَومٍ،

تَجَنَّبَ دارَ بيتِهمُ الشِّتاءُ

ص: 194

أَي لَا يَظْهَرُ أَثر الشِّتَاءِ بِجَارِهِمْ. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه، فِي الاسْتسقاءِ: اللَّهُمَّ إِنا نَتَقَرَّبُ إِليك بعمِّ نَبِيِّكَ وقَفِيَّةِ آبَائِهِ وكُبْر رِجَالِهِ

؛ يَعْنِي الْعَبَّاسَ. يُقَالُ: هَذَا قَفِيُّ الأَشياخ وقَفِيَّتُهم إِذا كَانَ الخَلَف مِنْهُمْ، مأْخوذ مِنْ قَفَوْت الرَّجُلَ إِذا تَبِعْتَه، يَعْنِي أَنه خَلَفُ آبَائِهِ وتِلْوهم وَتَابِعُهْمْ كأَنه ذَهَبَ إِلى اسْتِسْقَاءِ أَبيه عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لأَهل الحرمَين حِينَ أَجْدَبوا فَسَقَاهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَقِيلَ: القَفِيَّةُ الْمُخْتَارُ. واقْتَفَاه إِذا اخْتَارَهُ. وَهُوَ القِفْوةُ: كالصِّفْوة مِنِ اصْطَفى، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ القَفْو والاقْتفاء فِي الْحَدِيثِ اسْمًا وَفِعْلًا وَمَصْدَرًا. ابْنُ سِيدَهْ: وَفُلَانٌ قَفِيُّ أَهله وقَفِيَّتُهم أَي الْخَلَفُ مِنْهُمْ لأَنه يَقْفُو آثَارَهُمْ فِي الْخَيْرِ. والقَافِيَة مِنَ الشِّعْرِ: الَّذِي يَقْفُو الْبَيْتَ، وَسُمِّيَتْ قَافِيَة لأَنها تَقْفُو الْبَيْتَ، وَفِي الصِّحَاحِ: لأَن بَعْضَهَا يَتْبَعُ أَثر بَعْضٍ. وَقَالَ الأَخفش: القَافِيَة آخِرُ كَلِمَةٍ فِي الْبَيْتِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا قَافِيَة لأَنها تَقْفُو الْكَلَامَ، قَالَ: وَفِي قَوْلِهِمْ قَافِيَةٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنها لَيْسَتْ بِحَرْفٍ لأَن الْقَافِيَةَ مُؤَنَّثَةٌ وَالْحَرْفَ مُذَكَّرٌ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ يُؤَنِّثُونَ الْمُذَكَّرَ، قَالَ: وَهَذَا قَدْ سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ، وَلَيْسَتْ تُؤْخَذُ الأَسماء بِالْقِيَاسِ، أَلا تَرَى أَن رَجُلًا وَحَائِطًا وأَشباه ذَلِكَ لَا تُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ إِنما يُنْظَرُ مَا سَمَّتْهُ الْعَرَبُ، وَالْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ الْحُرُوفَ؟ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَخبرني مَنْ أَثق بِهِ أَنهم قَالُوا لِعَرَبِيٍّ فَصِيحٍ أَنشدنا قَصِيدَةً عَلَى الذَّالِ فَقَالَ: وَمَا الذَّالُ؟ قَالَ: وَسُئِلَ بَعْضُ الْعَرَبِ عَنِ الذَّالِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحُرُوفِ فإِذا هُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْحُرُوفَ؛ وَسُئِلَ أَحدهم عَنْ قَافِيَةِ:

لَا يَشْتَكينَ عَمَلًا مَا أَنْقَيْنْ

فَقَالَ: أَنقين؛ وَقَالُوا لأَبي حَيَّةَ: أَنشدنا قَصِيدَةً عَلَى الْقَافِ فَقَالَ:

كَفى بالنَّأْيِ مِنْ أَسماء كَافْ

فَلَمْ يَعْرِفِ الْقَافَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: أَبو حَيَّةَ، عَلَى جَهْلِهِ بِالْقَافِ فِي هَذَا كَمَا ذَكَرَ، أَفصح مِنْهُ عَلَى مَعْرِفَتِهَا، وَذَلِكَ لأَنه رَاعَى لَفْظَةَ قَافْ فَحَمَلَهَا عَلَى الظَّاهِرِ وأَتاه بِمَا هُوَ عَلَى وَزْنِ قَافْ مِنْ كَافْ وَمِثْلِهَا، وَهَذَا نِهَايَةُ الْعِلْمِ بالأَلفاظ وإِن دَقَّ عَلَيْهِ مَا قُصِدَ مِنْهُ مِنْ قَافِيَةِ الْقَافِ، وَلَوْ أَنشده شِعْرًا عَلَى غَيْرِ هَذَا الرَّوِيِّ مِثْلَ قَوْلِهِ:

آذَنَتْنا بِبَيْنِها أَسماءُ

وَمِثْلَ قَوْلِهِ:

لِخَوْلةَ أَطْلالٌ ببُرْقةِ ثَهْمَدِ «2»

كَانَ يُعَدُّ جَاهِلًا وإِنما هُوَ أَنشده عَلَى وَزْنِ الْقَافِ، وَهَذِهِ مَعْذِرَةٌ لَطِيفَةٌ عَنْ أَبي حَيَّةَ، وَاللَّهُ أَعلم. وَقَالَ الْخَلِيلُ: القَافِيَة مِنْ آخِرِ حَرْفٍ فِي الْبَيْتِ إِلى أَوّل سَاكِنٍ يَلِيهِ مَعَ الْحَرَكَةِ الَّتِي قَبْلَ السَّاكِنِ، وَيُقَالُ مَعَ الْمُتَحَرِّكِ الَّذِي قَبْلَ السَّاكِنِ كأَن الْقَافِيَةَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ قَوْلُ لَبِيدٍ:

عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها

مِنْ فَتْحَةِ الْقَافِ إِلى آخِرِ الْبَيْتِ، وَعَلَى الْحِكَايَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْقَافِ نَفْسِهَا إِلى آخِرِ الْبَيْتِ؛ وَقَالَ قُطْرُبٌ: القَافِيَة الْحَرْفُ الَّذِي تُبْنَى الْقَصِيدَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى رَوِيّاً؛ وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: القَافِيَة كُلُّ شَيْءٍ لَزِمَتْ إِعادته فِي آخِرِ الْبَيْتِ، وَقَدْ لَاذَ هَذَا بِنَحْوٍ مِنْ قَوْلِ الْخَلِيلِ لَوْلَا خَلَلٌ فِيهِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَالَّذِي يَثْبُتُ عِنْدِي صِحَّتُهُ مِنْ هَذِهِ الأَقوال هُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذِهِ الأَقوال إِنما يَخُصُّ بِتَحْقِيقِهَا صِنَاعَةَ الْقَافِيَةِ، وأَما نَحْنُ فَلَيْسَ مِنْ غَرَضِنَا هُنَا إِلا أَن نعرّف

(2). قوله [ببرقة] هي بالضم كما في ياقوت، وضبطت في ثهمد بالفتح خطأ.

ص: 195

مَا الْقَافِيَةُ عَلَى مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ مِنْ غَيْرِ إِسْهَابٍ وَلَا إِطْنَابٍ؛ وأَما مَا حَكَاهُ الأَخفش مِنْ أَنه سأَل مَنْ أَنشد:

لَا يَشْتَكِينَ عَمَلًا مَا أَنقين

فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَن القَافِيَة عِنْدَهُمُ الْكَلِمَةُ، وَذَلِكَ أَنه نَحَا نَحْوَ مَا يُرِيدُهُ الْخَلِيلُ، فلَطُف عَلَيْهِ أَن يَقُولَ هِيَ مِنْ فَتْحَةِ الْقَافِ إِلى آخِرِ الْبَيْتِ فَجَاءَ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ أَسهل وَبِهِ آنَس وَعَلَيْهِ أَقْدَر، فَذَكَرَ الْكَلِمَةَ الْمُنْطَوِيَةَ عَلَى الْقَافِيَةِ فِي الْحَقِيقَةِ مَجَازًا، وإِذا جَازَ لَهُمْ أَن يُسَمُّوا الْبَيْتَ كُلَّهُ قَافِيَة لأَن فِي آخِرِهِ قَافِيَةً، فَتَسْمِيَتُهُمُ الكلمة التي فيها القافية نَفْسُهَا قَافية أَجدر بِالْجَوَازِ، وَذَلِكَ قَوْلُ حَسَّانَ:

فَنُحْكِمُ بالقَوافي مَن هَجانا،

ونَضْرِبُ حينَ تخْتَلِطُ الدِّماءُ

وَذَهَبَ الأَخفش إِلى أَنه أَراد هُنَا بالقَوَافِي الأَبيات؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَا يَمْتَنِعُ عِنْدِي أَن يُقَالَ فِي هَذَا إِنه أَراد الْقَصَائِدَ كَقَوْلِ الْخَنْسَاءِ:

وقافِيَةٍ مِثْلِ حَدِّ السِّنانِ

تَبْقى، ويَهْلِك مَن قالَها

تَعْنِي قَصِيدَةً والقافِيَة الْقَصِيدَةُ؛ وَقَالَ:

نُبِّئْتُ قافِيَةً قيلَتْ، تَناشَدَها

قَوْمٌ سأَتْرُك فِي أَعْراضِهِمْ نَدَبا

وإِذا جَازَ أَن تُسَمَّى الْقَصِيدَةُ كُلُّهَا قَافِيَةً كَانَتْ تَسْمِيَةُ الْكَلِمَةِ الَّتِي فِيهَا الْقَافِيَةُ قَافِيَةً أَجْدَرَ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن تَسْمِيَةَ الْكَلِمَةِ وَالْبَيْتِ وَالْقَصِيدَةِ قَافِيَة إِنما هِيَ عَلَى إِرادة ذُو الْقَافِيَةِ، وَبِذَلِكَ خَتَم ابْنُ جِنِّي رأْيه فِي تَسْمِيَتِهِمُ الْكَلِمَةَ أَو الْبَيْتَ أَو الْقَصِيدَةَ قَافِيَة. قَالَ الأَزهري: الْعَرَبُ تُسَمِّي البيت من الشِّعر قَافِيَة وَرُبَّمَا سَمَّوُا الْقَصِيدَةَ قَافِيَةً. وَيَقُولُونَ: رَوَيْتُ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا قَافِيَةً. وقَفَّيْتُ الشِّعر تَقْفِيَة أَي جَعَلْتُ لَهُ قَافِيَةً. وقَفَاه قَفْواً: قَذَفه أَو قَرَفَه، وهي القِفْوةُ، بِالْكَسْرِ. وأَنا لَهُ قَفِيٌّ: قَاذِفٌ. والقَفْوُ القَذْف، والقَوْفُ مِثْلُ القفْو.

وَقَالَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ بَنُو النَّضْرُ بْنِ كِنانة لَا نَقْذِفُ أَبانا وَلَا نقْفُو أُمنا

؛ مَعْنَى نَقْفُو: نَقْذِفُ، وَفِي رِوَايَةٍ:

لَا نَنْتَفي عَنْ أَبينا وَلَا نَقْفُو أُمنا

أَي لَا نَتَّهِمُهَا وَلَا نَقْذِفُهَا. يُقَالُ: قَفَا فُلَانٌ فُلَانًا إِذا قَذَفَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا نَتْرُكُ النَّسَب إِلى الآباءِ ونَنْتَسب إِلى الأُمهات. وقَفَوْت الرَّجُلَ إِذا قَذَفْتَهُ بفُجور صَرِيحًا. وَفِي حَدِيثِ

الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: لَا حَدَّ إِلا فِي القَفْوِ الْبَيِّنِ

أَي الْقَذْفِ الظَّاهِرِ. وَحَدِيثُ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ:

مَنْ قَفا مُؤْمِنًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ وقَفَه اللَّهُ فِي رَدْغةِ الخَبال.

وقَفَوْت الرَّجُلَ أَقْفُوه قَفْواً إِذا رَمَيْتَهُ بأَمر قَبِيحٍ. والقِفْوةُ: الذَّنْبُ. وَفِي الْمَثَلِ: رُبَّ سَامِعٍ عِذْرَتي لَمْ يَسمَع قِفْوَتي؛ العِذْرةُ: المَعْذِرةُ، أَي رُبَّ سَامِعٍ عُذْري لَمْ يَسمع ذَنبي أَي رُبَّمَا اعْتَذَرْتُ إِلى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَنْبِي وَلَا سَمِعَ بِهِ وَكُنْتُ أَظنه قَدْ عَلِمَ بِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَقُولُ رُبَّمَا اعْتَذَرْتُ إِلى رَجُلٍ مِنْ شَيْءٍ قَدْ كَانَ مِنِّي إِلى مَنْ لَمْ يبْلُغه ذَنْبِي. وَفِي الْمُحْكَمِ: رُبَّمَا اعْتَذَرْتُ إِلى رَجُلٍ مِنْ شَيْءٍ قَدْ كَانَ مِنِّي وأَنا أَظن أَنه قَدْ بَلَغَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِمَنْ لَا يَحْفَظُ سِرَّهُ وَلَا يَعْرِفُ عَيْبَهُ، وَقِيلَ: القِفْوَة أَن تَقُولَ فِي الرَّجُلِ مَا فِيهِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ. وأَقْفَى الرجلَ عَلَى صَاحِبِهِ: فضَّله؛ قَالَ غَيْلَانُ الرَّبَعِيُّ يَصِفُ فَرَسًا:

مُقْفًى عَلَى الحَيِّ قَصِيرَ الأَظْماء

ص: 196

والقَفِيَّةُ: المَزِيَّة تَكُونُ للإِنسان عَلَى غَيْرِهِ، تَقُولُ: لَهُ عِنْدِي قَفِيَّةٌ وَمَزِيَّةٌ إِذا كَانَتْ لَهُ مُنْزِلَةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ. وَيُقَالُ: أَقْفَيته وَلَا يُقَالُ أَمْزَيته، وَقَدْ أَقْفاه. وأَنا قَفِيٌّ بِهِ أَي حَفِيٌّ، وَقَدْ تَقَفَّى بِهِ. والقَفِيُّ: الضَّيْف المُكْرَم. والقَفِيُّ والقَفِيَّةُ: الشَّيْءُ الَّذِي يُكْرَم بِهِ الضيْفُ مِنَ الطَّعَامِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: الَّذِي يُكْرَمُ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الطَّعَامِ، تَقُولُ: قَفَوْته، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُؤثر بِهِ الضَّيْفُ وَالصَّبِيُّ؛ قَالَ سَلَامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ يَصِفُ فَرَسًا:

لَيْسَ بأَسْفى وَلَا أَقْنى وَلَا سَغِلٍ،

يُسْقى دَواء قَفِيّ السَّكْنِ مَرْبُوب

وإِنما جُعِل اللبنُ دَوَاءً لأَنهم يُضَمِّرون الخيل بسَقْي اللَّبَنَ والحَنْذ، وَكَذَلِكَ القَفاوة، يُقَالُ مِنْهُ: قَفَوْته بِهِ قَفْواً وأَقْفَيته بِهِ أَيضاً إِذا آثَرْته بِهِ. يُقَالُ: هو مُقْتَفًى بِهِ إِذا كَانَ مُكْرَماً، وَالِاسْمُ القِفْوَة، بِالْكَسْرِ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْبَيْتَ دِواء، بِكَسْرِ الدَّالِ، مَصْدَرُ دَاوَيْتُهُ، وَالِاسْمُ القَفَاوَة. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: اللَّبَنُ لَيْسَ بِاسْمِ القَفِيِّ، وَلَكِنَّهُ كَانَ رُفِعَ لإِنسان خَصَّ بِهِ يَقُولُ فَآثَرْتُ بِهِ الْفَرَسَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: قَفِيُّ السَّكْنِ ضَيْفُ أَهل الْبَيْتِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ قَفِيٌّ بِفُلَانٍ إِذا كَانَ لَهُ مُكْرِماً. وَهُوَ مُقْتَفٍ بِهِ أَي ذُو لُطْف وبِرّ، وَقِيلَ: القَفِيُّ الضَّيف لأَنه يُقْفَى بالبِر وَاللُّطْفِ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا قَفِيّ بِمَعْنَى مَقْفُوّ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ قَفَوته أَقْفُوه. وَقَالَ الْجَعْدِيُّ: لَا يُشِعْن التَّقافِيا؛ وَيُرْوَى بَيْتُ الْكُمَيْتِ:

وباتَ وَلِيدُ الحَيِّ طَيَّانَ ساغِباً،

وكاعِبُهمْ ذاتُ القَفاوَةِ أَسْغَبُ

أَي ذَاتُ الأُثْرَة والقَفِيَّةِ؛ وَشَاهِدُ أَقْفَيْتُه قَوْلُ الشَّاعِرِ:

ونُقْفِي وَلِيدَ الْحَيِّ إِن كَانَ جَائِعًا،

ونُحْسِبُه إِن كَانَ لَيْسَ بجائعِ

أَيْ نُعْطِيه حَتَّى يَقُولَ حَسْبي. وَيُقَالُ: أَعطيته القَفَاوة، وَهِيَ حَسَنُ الغِذاء. واقْتَفَى بِالشَّيْءِ: خَص نَفْسَهُ بِهِ؛ قَالَ:

وَلَا أَتَحَرَّى وِدَّ مَن لَا يَودُّني،

وَلَا أَقْتَفِي بالزادِ دُون زَمِيلِي

والقَفِيَّة: الطَّعَامُ يُخص بِهِ الرَّجُلُ. وأَقْفَاه بِهِ: اخْتصَّه. واقْتَفَى الشيءَ وتَقَفَّاه: اخْتَارَهُ، وَهِيَ القِفْوةُ، والقِفْوةُ: مَا اخْتَرْتَ مِنْ شَيْءٍ. وَقَدِ اقْتَفَيْت أَي اخْتَرْتُ. وَفُلَانٌ قِفْوَتي أَي خِيرَتِي مِمَّنْ أُوثره. وَفُلَانٌ قِفْوَتي أَي تُهَمَتي، كأَنه مِنَ الأَضداد، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِرْفتي. والقَفْوة: رَهْجة تَثُورُ عِنْدَ أَوّل الْمَطَرِ. أَبو عَمْرٍو: القَفْو أَن يُصيب النبتَ المطرُ ثُمَّ يَرْكَبُهُ التُّرَابُ فيَفْسُد. أَبو زَيْدٍ: قَفِئَتِ الأَرضُ قَفْأً إِذا مُطِرت وَفِيهَا نَبْتٌ فَجُعِلَ المطرُ عَلَى النَّبْتِ الغُبارَ فَلَا تأْكله الْمَاشِيَةُ حَتَّى يَجْلُوه النَّدَى. قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ قُفِيَ العُشب فَهُوَ مَقْفُوٌّ، وَقَدْ قَفَاه السَّيل، وَذَلِكَ إِذا حَمل الماءُ الترابَ عَلَيْهِ فَصَارَ مُوبِئاً. وعُوَيْفُ القَوَافِي: اسْمُ شَاعِرٍ، وَهُوَ عُوَيْفُ بنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُقْبة بْنَ حِصْن بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ. والقِفْيَةُ: الْعَيْبُ؛ عَنْ كُرَاعٍ. والقُفْيَة: الزُّبْيةُ، وَقِيلَ: هِيَ مِثْلُ الزُّبْيَةِ إِلا أَن فَوْقَهَا شَجَرًا، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ القُفْيةُ والغُفْيةُ. والقَفِيَّةُ: النَّاحِيَةُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

فأَقْبَلْتُ حَتَّى كنتُ عِنْدَ قَفِيَّةٍ

مِنَ الجالِ، والأَنُفاسُ مِنِّي أَصُونُها

ص: 197

أَي فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْجَالِ وأَصون أَنفاسِي لِئَلَّا يُشعَر بي.

قلا: ابْنُ الأَعرابي: القَلا والقِلا والقَلاء المَقْلِيةُ. غَيْرُهُ: والقِلَى الْبُغْضُ، فإِن فَتَحْتَ الْقَافَ مَدَدْتَ، تَقُولُ قَلاه يَقْلِيه قِلًى وقَلاء، ويَقْلاه لُغَةُ طَيِّءٍ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:

أيامَ أُمِّ الغَمْرِ لَا نَقْلاها،

وَلَوْ تَشاءُ قُبِّلَت عَيْناها

فادِرُ عُصْمِ الهَضْب لَوْ رَآهَا،

مَلاحةً وبَهْجةً، زَهَاهَا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ يَقْلِيه قَوْلُ أَبي مُحَمَّدٍ الْفَقْعَسِيُّ:

يَقْلِي الغَواني والغَواني تَقْلِيه

وَشَاهِدُ القَلاء فِي الْمَصْدَرِ بِالْمَدِّ قَوْلُ نُصَيْب:

عَلَيكِ السَّلامُ لَا مُلِلْتِ قَرِيبَةً،

وَمَا لَكِ عِنْدي، إِنْ نَأَيْتِ، قَلاءُ

ابْنُ سِيدَهْ: قَلَيْتُه قِلًى وقَلاء ومَقْلِيةً أَبغضته وكَرِهْتُه غَايَةَ الكَراهة فَتَرَكْتُهُ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: قَلى يَقلَى، وَهُوَ نَادِرٌ، شَبَّهُوا الأَلف بِالْهَمْزَةِ، وَلَهُ نَظَائِرُ قَدْ حَكَاهَا كُلَّهَا أَو جُلَّهَا، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي قَلاه وقَلِيَه. قَالَ: وأُرى يَقْلَى إِنما هُوَ عَلَى قَلِيَ، وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي قَلَيْته فِي الْهَجْرِ قِلًى، مَكْسُورٌ مَقْصُورٌ، وَحَكَى فِي البُغْض: قَلِيته، بِالْكَسْرِ، أَقْلاه عَلَى الْقِيَاسِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْهُ ثَعْلَبٌ. وتَقَلَّى الشيءُ: تَبَغَّضَ؛ قَالَ ابْنُ هَرْمةَ:

فأَصْبَحْتُ لَا أَقْلي الحَياةَ وطُولَها

أَخيراً، وَقَدْ كانتْ إِلَيَّ تَقَلَّتِ

الْجَوْهَرِيُّ: وتَقَلَّى أَي تَبَغَّض؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:

أَسِيئي بِنَا أَوْ أَحسني، لَا مَلُولةٌ

لَدَيْنا، وَلَا مَقْلِيَّةٌ إِن تَقَلَّتِ

خاطَبها ثُمَّ غايَبَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: نَزَلَتْ فِي احْتِبَاسِ الْوَحْيِ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ وَدَّعَ مُحَمَّدًا ربُّه وقَلاه التابعُ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ، فأَنزل اللَّهُ تَعَالَى: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى

؛ يُرِيدُ وَمَا قَلاك، فأُلقيت الْكَافُ كَمَا تَقُولُ قَدْ أَعْطَيْتُك وأَحْسَنْتُ، مَعْنَاهُ أَحسنت إِليك، فيُكْتَفَى بِالْكَافِ الأُولى مِنْ إِعادة الأُخرى. الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ لَمْ يَقطع الْوَحْيَ عَنْكَ وَلَا أَبْغَضَك. وَفِي حَدِيثِ

أَبي الدَّرْدَاءِ: وجَدْتُ الناسَ اخْبُرْ تَقْلِهْ

؛ القِلَى: البُغْضُ، يَقُولُ: جَرِّب النَّاسَ فإِنك إِذا جَرَّبْتَهُمْ قَلِيتَهُمْ وَتَرَكَتْهُمْ لِمَا يَظْهَرُ لَكَ مِنْ بَواطِن سَرَائِرِهِمْ، لَفْظُهُ لَفْظِ الأَمر وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ أَي مَنْ جرَّبهم وَخَبِرَهُمْ أَبغضهم وَتَرَكَهُمْ، وَالْهَاءُ فِي تَقْلِهْ لِلسَّكْتِ، وَمَعْنَى نَظْمِ الْحَدِيثِ وَجَدْتَ النَّاسَ مَقُولًا فِيهِمْ هَذَا الْقَوْلُ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ القِلى فِي الْحَدِيثِ. وقَلَى الشَّيْءَ قَلْياً: أَنْضَجَه عَلَى المِقْلاة. يُقَالُ: قَلَيْت اللَّحْمَ عَلَى المِقْلَى أَقْلِيه قَلْياً إِذا شَوَيْتَهُ حَتَّى تُنْضِجه، وَكَذَلِكَ الْحَبُّ يُقْلَى عَلَى المِقلى. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ قَلَوْت البُرَّ والبُسْر، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ قَلَيْت، وَلَا يَكُونُ فِي البُغْض إِلا قَلَيْت. الْكِسَائِيُّ: قَلَيْت الحَبّ عَلَى المِقْلَى وقَلَوْته. الْجَوْهَرِيُّ: قَلَيْت السَّوِيقَ وَاللَّحْمَ فَهُوَ مَقْلِيٌّ، وقَلَوْت فَهُوَ مَقْلُوّ، لُغَةٌ. والمِقْلاة والمِقْلَى: الَّذِي يُقْلَى عَلَيْهِ، وَهُمَا مِقْلَيانِ، وَالْجَمْعُ المَقالي. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا أَقْلقَه أَمر مُهمّ فَبَاتَ لَيْلَهُ سَاهِرًا: باتَ يَتَقَلَّى أَي يتقَلَّب عَلَى فِرَاشِهِ كأَنه عَلَى المِقْلى. والقَلِيَّةُ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَمْعُ قَلايا، والقَلِيَّة: مرَقة تُتَّخَذُ مِنْ لُحُومِ

ص: 198

الجَزُور وأَكْبادِها. والقَلَّاء: الَّذِي حِرْفَتُهُ ذَلِكَ. والقَلَّاء: الَّذِي يَقْلي البُرّ لِلْبَيْعِ. والقَلَّاءة، مَمْدُودَةً: الْمَوْضِعُ الَّذِي تُتَّخَذُ فِيهِ المَقالي، وَفِي التَّهْذِيبِ: الَّذِي تُتَّخَذُ فِيهِ مَقالي الْبُرِّ، وَنَظِيرُهُ الحَرَّاضةُ للمَوضِع الَّذِي يُطْبَخُ فِيهِ الحُرُضُ. وقَلَيْت الرَّجل: ضَرَبْتُ رأْسه. والقِلْيُ والقِلَى: حَبٌّ يُشَبَّبُ بِهِ الْعُصْفُرُ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: القِلْي يُتَّخَذُ مِنَ الحَمض وأَجوده مَا اتُّخِذَ مِنَ الحُرُض، وَيُتَّخَذُ مِنْ أَطراف الرِّمث وَذَلِكَ إِذا اسْتَحْكَم فِي آخِرِ الصَّيْفِ واصفرَّ وأَوْرَس. اللَّيْثُ: يُقَالُ لِهَذَا الَّذِي يُغسل بِهِ الثِّيَابُ قِلْيٌ، وَهُوَ رَماد الغَضَى والرِّمْث يُحرق رَطباً وَيُرَشُّ بِالْمَاءِ فَيَنْعَقِدُ قِلْياً. الْجَوْهَرِيُّ: والقِلْيُ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنَ الأُشْنان، وَيُقَالُ فِيهِ القِلَى أَيضاً، ابْنُ سِيدَهْ: القُلة عُودٌ يُجْعَلُ فِي وَسَطِهِ حَبْلٌ ثُمَّ يُدْفَنُ وَيُجْعَلُ لِلْحَبْلِ كِفَّة فِيهَا عِيدَانٌ، فإِذا وَطِئ الظَّبْيُ عَلَيْهَا عَضَّت عَلَى أَطراف أَكارِعِه. والمِقْلَى: كالقُلةِ. والقُلةُ والمِقْلَى والمِقْلاء، عَلَى مِفْعالٍ، كلهُ: عودانِ يَلعب بِهِمَا الصِّبْيَانُ، فالمِقْلَى الْعُودُ الْكَبِيرُ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ، والقُلَةُ الخَشبة الصَّغِيرَةُ الَّتِي تَنْصَبُّ وَهِيَ قَدْرُ ذِرَاعٍ. قَالَ الأَزهري: والقَالِي الَّذِي يَلعب فيَضْرب القُلةَ بالمِقْلَى. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ المِقْلاء قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

فأَصْدَرَها تَعْلُو النِّجادَ، عَشِيَّةً،

أَقبُّ، كمِقْلاءِ الوَليدِ، خَمِيصُ

وَالْجَمْعُ قُلاتٌ وقُلُونَ وقِلُونَ عَلَى مَا يَكثر فِي أَوَّل هَذَا النَّحْوِ مِنَ التَّغْيِيرِ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:

مِثْل المَقَالِي ضُرِبَتْ قِلِينُها

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: جَعَلَ النُّونَ كالأَصلية فَرَفَعَهَا، وَذَلِكَ عَلَى التَّوَهُّمِ، وَوَجْهُ الْكَلَامِ فَتْحُ النُّونِ لأَنها نُونُ الْجَمْعِ. وَتَقُولُ: قَلَوْت القُلَة أَقْلُو قَلْواً، وقَلَيْتُ أَقْلِي قَلْياً لُغَةٌ، وأَصلها قُلَوٌ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ، وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: إِنما ضَمَّ أَوّلها لِيَدُلَّ عَلَى الْوَاوِ، وَالْجَمْعُ قُلاتٌ وقُلُونَ وقِلُون، بِكَسْرِ الْقَافِ. وقَلا بِهَا قَلْواً وقَلاها: رَمى؛ قَالَ ابْنِ مُقْبِلٍ:

كأَنَّ نَزْوَ فِراخِ الهامِ، بَيْنَهُمُ،

نَزْوُ القُلاتِ زَهاها قالُ قالِينا

أَراد قَلْوُ قالِينا فَقَلَبَ فَتَغَيَّرَ الْبِنَاءُ للقَلْب، كَمَا قَالُوا لَهُ جاهٌ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَهُوَ مِنَ الْوَجْهِ، فَقَلَبُوا فَعْلًا إِلى فَلْع لأَن الْقَلْبَ مِمَّا قَدْ يُغَيِّرُ الْبِنَاءُ، فَافْهَمْ. وَقَالَ الأَصمعي: القالُ هُوَ المِقْلاء، والقالُون الَّذِينَ يَلْعَبُونَ بِهَا، يُقَالُ مِنْهُ قَلَوْت أَقْلُو. وقَلَوْتُ بالقُلة والكُرة: ضَرَبْتُ. ابْنُ الأَعرابي: القُلَّى الْقَصِيرَةُ مِنَ الْجَوَارِي. قَالَ الأَزهري: هَذَا فُعْلَى مِنَ الأَقَلّ والقِلَّةِ. وقَلا الإِبلَ قَلْواً: ساقَها سَوْقاً شَدِيدًا. وقَلا العَيْرُ آتُنَهُ يَقْلُوها قَلْواً: شَلَّها وطَرَدَها وساقَها. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ قَلا العَيرُ عَانَتَهُ يَقْلُوها وكَسَأَها وشَحَنَها وشَذَّرَها إِذا طَرَدَها؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

يَقْلُو نَحائِصَ أَشْباهاً مُحَمْلَجَةً،

وُرْقَ السَّرابِيلِ، فِي أَلْوانِها خَطَبُ

والقِلْوُ: الْحِمَارُ الْخَفِيفُ، وَقِيلَ: هُوَ الْجَحْشُ الفَتيُّ، زَادَ الأَزهري: الَّذِي قَدْ أَركَب وحَمَل، والأُنثى قِلْوَة، وَكُلُّ شَدِيدِ السَّوْقِ قِلْوٌ، وَقِيلَ: القِلْو الْخَفِيفُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، والقِلْوة الدَّابَّةُ تتقدَّم بِصَاحِبِهَا، وَقَدْ قَلَتْ بِهِ واقْلَوْلَتْ. اللَّيْثُ: يُقَالُ الدَّابَّةُ تَقْلُو بِصَاحِبِهَا قَلْواً، وَهُوَ

ص: 199

تَقَدِّيها بِهِ فِي السَّيْرِ فِي سُرْعَةٍ. يُقَالُ: جَاءَ يَقْلو بِهِ حِمَارَهُ. وقَلَت النَّاقَةُ بِرَاكِبِهَا قَلْواً إِذا تَقَدَّمَتْ بِهِ. واقْلَوْلَى الْقَوْمُ: رَحَلُوا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ؛ كِلَاهُمَا عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. واقْلَوْلَى فِي الْجَبَلِ: صَعِدَ أَعْلاه فأَشْرَفَ. وكلُّ مَا عَلَوت ظَهْرَهُ فَقَدِ اقْلَوْلَيْتَه، وَهَذَا نَادِرٌ لأَنَّا لَا نَعْرِفُ افْعَوْعَل متعدِّية إِلا اعْرَوْرَى واحْلَوْلى. واقْلَوْلَى الطَّائِرُ: وَقَعَ عَلَى أَعلى الشَّجَرَةِ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والقَلَوْلَى: الطَّائِرُ إِذا ارْتَفَعَ فِي طَيَرَانِهِ. واقْلَوْلَى أَي ارْتَفَعَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَنكر الْمُهَلَّبِيُّ وَغَيْرُهُ قَلَوْلَى، قَالَ: وَلَا يُقَالُ إِلا مُقْلَوْلٍ فِي الطَّائِرِ مِثْلُ مُحْلَوْلٍ. وَقَالَ أَبو الطَّيِّبِ: أَخطأَ مَنْ ردَّ عَلَى الْفَرَّاءِ قَلَوْلَى؛ وأَنشد لِحُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ يَصِفُ قَطًا:

وَقَعْنَ بِجَوْف الْمَاءِ، ثُمَّ تَصَوَّبَتْ

بِهِنَّ قَلَوْلاةُ الغُدُوِّ ضَرُوبُ

ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ أَبو عبيدة قَلَوْلَى الطَّائِرُ جَعَلَهُ عَلَمًا أَو كَالْعَلَمِ فأَخطأَ. والمُقْلَوْلِي: المُسْتَوْفِز المُتَجافي. والمُقْلَوْلِي: المُنْكَمِش؛ قَالَ:

قَدْ عَجِبَتْ مِنِّي ومِن بُعَيْلِيا،

لَمَّا رأَتْني خَلَقاً مُقْلَوْلِيا

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ هُنَا لِذِي الرُّمَّةِ:

واقْلَوْلَى عَلَى عُودِه الجَحْلُ

وَفِي الْحَدِيثِ:

لَوْ رأَيت ابْنَ عُمر سَاجِدًا لرأَيته مُقْلَوْلِياً

؛ هُوَ المُتَجافي المُسْتَوْفِزُ، وَقِيلَ: هُوَ مَن يَتَقَلَّى عَلَى فِرَاشِهِ أَي يَتَمَلمَل وَلَا يَسْتَقِرّ، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَبَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ كَانَ يُفَسِّرُ مُقْلَوْلِياً كأَنه عَلَى مِقْلًى، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إِنما هُوَ مِنَ التَّجَافِي فِي السُّجُودِ. وَيُقَالُ: اقْلَوْلَى الرَّجُلُ فِي أَمره إِذا انْكَمَشَ، واقْلَوْلَتِ الحُمر فِي سُرْعَتِهَا؛ وأَنشد الأَحمر لِلْفَرَزْدَقِ:

تقُولُ، إِذا اقْلَوْلَى عَلَيْهَا وأَقْرَدَتْ:

أَلا هَل أَخُو عَيْشٍ لَذيذٍ بدائمِ؟

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هَذَا كَانَ يَزْنِي بِهَا فَانْقَضَتْ شَهْوَتُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ شَهْوَتِهَا، وأَقْرَدَتْ: ذَلَّت؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَدخل الْبَاءَ فِي خَبَرِ المبتدإِ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى النَّفْيِ كأَنه قَالَ مَا أَخو عَيْشٍ لَذِيذٍ بِدَائِمِ؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:

فاذْهَبْ، فأَيُّ فَتًى، فِي النَّاسِ، أَحْرَزَه

مِنْ يَوْمِه ظُلَمٌ دُعْجٌ وَلَا خَبَلُ؟

وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ

بِقادِرٍ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ أَيضاً:

أَنا الضَّامِنُ الحانِي عَليهِم، وإِنَّما

يُدافِعُ عَنْ أَحْسابِهِم أَنا، أَو مِثْلِي

وَالْمَعْنَى مَا يُدافِع عَنْ أَحسابهم إِلا أَنا؛ وَقَوْلُهُ:

سَمِعْنَ غِناءً بعد ما نِمْنَ نَوْمةً،

مِنَ الليلِ، فاقْلَوْلَيْنَ فَوْقَ المَضاجع «3»

يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ خَفَقْنَ لِصَوْتِهِ وقَلِقْنَ فَزَالَ عَنْهُنَّ نَوْمُهُنَّ وَاسْتِثْقَالُهُنَّ عَلَى الأَرض، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَن لَامَ اقْلَوْلَيْت وَاوٌ لَا يَاءٌ؛ وَقَالَ أَبو عَمْرٍو فِي قَوْلِ الطِّرِمَّاحِ:

حَواتم يَتَّخِذْنَ الغِبَّ رِفْهاً،

إِذا اقْلَوْلَيْنَ بالقَرَبِ البَطينِ

اقْلَوْلَيْنَ أَي ذَهبن. ابْنُ الأَعرابي: القُلَى رُؤوس الجِبال، والقُلَى هَامَاتُ الرِّجَالِ، والقُلَى جَمْعُ القُلةِ الَّتِي يَلْعَبُ بِهَا. وَقَلَا الشيءَ

(3). قوله [غناء] كذا بالأصل والمحكم، والذي في الأساس غنائي، بياء المتكلم.

ص: 200

فِي المِقْلى قَلْواً، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ يَائِيَّةٌ وَوَاوِيَّةٌ. وقَلَوْت الرَّجُلَ: شَنِئْتُه لُغَةٌ فِي قَلَيْتُه. والقِلْو: الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الصباغ في العفصر، وَهُوَ يَائِيٌّ أَيضاً لأَن القِلْيَ فِيهِ لُغَةٌ. ابْنُ الأَثير فِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: لَمَّا صَالَحَ نَصَارَى أَهل الشأْم كَتَبُوا لَهُ كِتَابًا إِنَّا لَا نُحدِث فِي مَدِينَتِنَا كَنِيسَةً وَلَا قَلِيَّةً وَلَا نَخْرج سَعانِينَ وَلَا باعُوثاً

؛ القَلِيَّةُ: كَالصَّوْمَعَةِ، قَالَ: كَذَا وَرَدَتْ، وَاسْمُهَا عِنْدَ النَّصَارَى القَلَّايةُ، وَهِيَ تَعْريب كَلاذةَ، وَهِيَ مِنْ بُيُوتِ عِبَادَاتِهِمْ. وَقَالِي قَلا: مَوْضِعٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ قَالَ:

سَيُصْبِحُ فَوْقي أَقْتَمُ الرِّيشِ واقِعاً

بِقالي قَلا، أَو مِنْ وَراء دَبيلِ

وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُضِيفُ فينوِّن. الْجَوْهَرِيُّ: قَالِي قَلا اسْمَانِ جُعِلَا وَاحِدًا؛ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: بُنِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْوَقْفِ لأَنهم كَرِهُوا الْفَتْحَةَ؛ في الياء والأَلف.

قمي: مَا يُقامِيني الشيءُ وَمَا يُقانِيني أَي مَا يُوافقني؛ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ، وقَامَانِي فُلَانٌ أَي وَافَقَنِي. ابْنُ الأَعرابي: القُمَى الدُّخُولُ «1» وَفِي الْحَدِيثِ:

كَانَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، قمو

يَقْمُو إِلَى مَنْزِلِ عَائِشَةَ كَثِيرًا

أَي يَدْخُلُ. والقُمَى: السِّمَنُ. يُقَالُ: مَا أَحسن قمو

قَمْو هَذِهِ الإِبل. والقُمَى: تَنْظِيفُ الدَّارِ مِنَ الكِبا. الْفَرَّاءُ: الْقَامِيَةُ مِنَ النِّسَاءِ الذَّلِيلَةُ فِي نَفْسِهَا. ابْنُ الأَعرابي: أَقْمَى الرجلُ إِذَا سَمِنَ بَعْدَ هُزَالٍ، وأَقْمَى إِذَا لزمَ الْبَيْتَ فِرَارًا مِنَ الفِتن، وأَقْمَى عدوَّه إذا أَذله.

قنا: القِنْوَةُ والقُنْوَةُ والقِنْيَةُ والقُنْيَة: الكِسْبةُ، قَلَبُوَا فِيهِ الْوَاوَ يَاءً لِلْكَسْرَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْهَا، وأَما قُنْيَة فأُقِرَّت الْيَاءُ بِحَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي لُغَةِ مَنْ كَسَرَ، هَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ، وأَما الْكُوفِيُّونَ فَجَعَلُوا قَنَيْت وقَنَوْت لُغَتَيْنِ، فَمَنْ قَالَ قَنَيْت عَلَى قِلَّتِهَا فَلَا نَظَرَ فِي قِنْية وقُنْية فِي قَوْلِهِ، وَمَنْ قَالَ قَنَوت فَالْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ هُوَ الْكَلَامُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ صُبْيان، قَنَوْت الشَّيْءَ قُنُوًّا وقُنْواناً واقْتَنَيْتُه: كَسَبْتُهُ. وقَنَوْت العنزَ: اتَّخَذْتُهَا للحلَب. وَلَهُ غَنَمٌ قِنْوة وقُنْوة أَي خَالِصَةٌ لَهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ، وَالْكَلِمَةُ وَاوِيَّةٌ وَيَائِيَّةٌ. والقِنْيَةُ: مَا اكتُسب، وَالْجَمْعُ قِنًى، وَقَدْ قَنَى الْمَالَ قَنْياً وقُنْياناً؛ الأُولى عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. ومالٌ قِنْيَانٌ: اتَّخَذْتَهُ لِنَفْسِكَ؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَنِيتُ حَيائي أَي لَزِمته؛ وأَنشد لِعَنْتَرَةَ:

فأَجَبْتُها إنَّ المَنِيَّةَ مَنْهَلٌ،

لَا بُدَّ أَن أُسْقَى بِذاكَ المَنْهَلِ

إقْنَيْ حَياءكِ، لَا أَبا لَكِ واعْلَمي

أَنِّي امْرُؤٌ سأَموتُ إِنْ لَمْ أُقْتَلِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ فاقْنَيْ حَياءك؛ وَقَالَ أَبو الْمُثَلَّمِ الْهُذَلِيُّ يَرْثِي صَخْرَ الْغَيِّ:

لَوْ كَانَ للدَّهْرِ مالٌ كان مُتْلِدَه،

لَكَانَ للدَّهْرِ صَخْرٌ مالَ قُنْيانِ

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَنَيْت الْعَنْزَ اتَّخَذْتُهَا للحَلْب. أَبو عُبَيْدَةَ: قَنِيَ الرَّجل يَقْنَى قِنًى مِثْلُ غَنِيَ يَغْنَى غِنًى؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الطَّمَّاحِي:

كيفَ رأَيتَ الحَمِقَ الدَّلَنْظَى،

يُعْطَى الَّذِي يَنْقُصهُ فَيَقْنَى؟

أَي فَيرْضِى بِهِ ويَغْنى. وفي الحديث:

فاقْنُوهم

(1). قوله [القمى الدخول ويَقْمُو والقُمَى السمن وقَمْو هذه والقُمَى تنظيف] كل ذلك مضبوط في الأصل والتهذيب بهذا الضبط، وأورد ابن الأَثير الحديث في المهموز.

ص: 201

أَي عَلِّموهم وَاجْعَلُوا لَهُمْ قِنْية مِنَ الْعِلْمِ يَسْتَغْنُون بِهِ إِذَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ. وَلَهُ غَنَمٌ قِنْيَةٌ وقُنْية إِذَا كَانَتْ خَالِصَةً لَهُ ثَابِتَةً عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ أَيضاً: وأَما الْبَصْرِيُّونَ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الْوَاوُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَدَلًا مِنَ الْيَاءِ لأَنهم لَا يَعْرِفُونَ قَنَيْتُ. وقَنِيت الحَياء، بِالْكَسْرِ، قُنُوًّا: لَزِمْتُهُ؛ قَالَ حَاتِمٌ:

إِذَا قَلَّ مَالِي أَو نُكِبْت بِنَكْبَةٍ،

قَنِيتُ مالي حَيائي عِفَّةً وتَكَرُّما

وقَنِيتُ الحَياء، بِالْكَسْرِ، قُنْياناً، بِالضَّمِّ، أَي لَزِمْتُهُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

فاقْنَيْ حياءكِ، لَا أَبا لَكِ إنَّني،

فِي أَرضِ فارِسَ، مُوثَقٌ أَحْوالا

الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ أَقْنَى واسْتَقْنَى وقَنا وقَنَّى إِذَا حفِظ حَياءه وَلَزِمَهُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: قَناني الحَياءُ أَن أَفعل كَذَا أَي رَدَّني ووعظَني، وَهُوَ يَقْنِيني؛ وأَنشد:

وإنِّي لَيَقْنِيني حَياؤكَ كلَّما

لَقِيتُكَ، يَوْماً، أَنْ أَبُثَّك مَا بِيا

قَالَ: وَقَدْ قَنَا الحَياءَ إِذَا اسْتحيا. وقَنيُّ الغَنم: مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا لِلْوَلَدِ أَو اللَّبَنِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه نَهى عن ذبْح قَنِيّ الغَنم.

قَالَ أَبو مُوسَى: هِيَ الَّتِي تُقْتَنَى لِلدَّرِّ وَالْوَلَدِ، وَاحِدَتُهَا قُنْوَة وقِنْوة، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، وقِنْية بِالْيَاءِ أَيضاً. يُقَالُ: هِيَ غَنَمٌ قُنْوة وقِنْية. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: القَنِيُّ والقَنِيَّةُ مَا اقْتُني مِنْ شَاةٍ أَو نَاقَةٍ، فَجَعَلَهُ وَاحِدًا كأَنه فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالشَّاةُ، قَنِيَّةٌ، فَإِنْ كَانَ جَعْلُ القَنيّ جِنْسًا للقَنِيّةِ فَيَجُوزُ، وأَما فُعْلة وفِعْلة فَلَمْ يُجْمَعَا عَلَى فَعِيل. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: لَوْ شِئْتُ أَمرت بِقَنِيَّةٍ سَمِينَةٍ فأُلقي عَنْهَا شَعْرَهَا.

اللَّيْثُ: يُقَالُ قَنا الإِنسان يَقْنُو غَنَمًا وَشَيْئًا قَنْواً وقُنْوَاناً، وَالْمَصْدَرُ القِنْيَان والقُنْيَان، وَتَقُولُ: اقْتَنَى يَقْتَني اقْتِناء، وَهُوَ أَن يَتَّخِذَهُ لِنَفْسِهِ لَا لِلْبَيْعِ. وَيُقَالُ: هَذِهِ قِنْيةٌ وَاتَّخَذَهَا قِنْيةً لِلنَّسْلِ لَا لِلتِّجَارَةِ؛ وأَنشد:

وإِنّ قَناتي، إنْ سَأَلتَ، وأُسْرَتي

مِن النَّاسِ، قَوْمٌ يَقْتَنُون المُزَنَّما «1»

الْجَوْهَرِيُّ: قَنَوْتُ الْغَنَمَ وَغَيْرَهَا قِنْوة وقُنْوة وقَنيت أَيضاً قِنْية وقُنْية إِذَا اقْتَنَيْتَهَا لِنَفْسِكَ لَا لِلتِّجَارَةِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْمُتَلَمِّسِ:

كَذَلِكَ أَقْنُو كلَّ قِطٍّ مُضَلَّلِ «2»

وَمَالٌ قُنْيانٌ وقِنْيان: يُتَّخَذُ قِنْية. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: مَنْ أُعْطِيَ مِائَةً مِنَ المَعز فَقَدْ أُعطي القِنَى، وَمَنْ أُعطي مِائَةً مِنَ الضأْن فَقَدْ أُعطِيَ الغِنى، وَمَنْ أُعطي مِائَةً مِنَ الإِبل فَقَدْ أُعطِي المُنَى. والقِنَى: الرِّضا. وَقَدْ قَنَّاه اللَّهُ تَعَالَى وأَقْناه: أَعطاه مَا يَقْتَني مِنَ القِنْية والنَّشَب. وأَقْنَاه اللَّهُ أَيضاً أَي رَضَّاه. وأَغناه اللَّهُ وأَقْنَاه أَي أَعطاه مَا يَسكُن إِلَيْهِ. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى

؛ قال أَبو إسحق: قِيلَ فِي أَقْنَى قَوْلَانِ: أَحدهما أَقْنَى أَرْضَى، وَالْآخَرُ جَعَلَ قِنْية أَي جَعَلَ الْغِنَى أَصلًا لِصَاحِبِهِ ثَابِتًا، وَمِنْهُ قَوْلُكَ: قَدِ اقتنيتُ كَذَا وَكَذَا أَي عَمِلْتُ عَلَى أَنه يَكُونُ عِنْدِي لَا أُخرجه مِنْ يَدِي. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَغْنَى رَضَّى الْفَقِيرَ بِمَا أَغناه بِهِ، وأَقْنَى مِنَ القِنية والنَّشَب. ابْنُ الأَعرابي: أَقْنَى أَعطاه مَا يَدَّخِرُهُ بَعْدَ الكِفاية. وَيُقَالُ: قَنِيت بِهِ أَي رَضِيت به.

(1). قوله [قناتي] كذا ضبط في الأصل بالفتح، وضبط في التهذيب بالضم

(2)

. قوله [قط مضلل] كذا بالأصل هنا ومعجم ياقوت في كفر وشرح القاموس هناك بالقاف والطاء، والذي في المحكم في كفر: فظ، بالفاء والظاء، وأنشده في التهذيب هنا مرتين مرة وافق المحكم ومرة وافق الأصل وياقوت.

ص: 202

وَفِي حَدِيثِ

وَابِصَةَ: والإِثمُ مَا حَكَّ فِي صَدْرِكَ وَإِنْ أَقْناك الناسُ عَنْهُ وأَقْنَوْكَ

أَي أَرْضَوْكَ؛ حَكَى أَبو مُوسَى أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ قَالَ ذَلِكَ وأَن الْمَحْفُوظَ بِالْفَاءِ وَالتَّاءِ مِنَ الفُتْيا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالَّذِي رأَيته أَنا فِي الْفَائِقِ فِي بَابِ الْحَاءِ وَالْكَافِ أَفْتَوْك، بِالْفَاءِ، وَفَسَّرَهُ بأَرْضَوْك وَجَعَلَ الْفُتْيَا إرْضاء مِنَ الْمُفْتِي، عَلَى أَنه قَدْ جَاءَ عَنْ أَبي زَيْدٍ أَن القِنَى الرِّضا. وأَقْناه إِذَا أَرْضاه. وقَنِيَ مالَه قِناية: لَزِمَهُ، وقَنِيَ الْحَيَاءَ كَذَلِكَ. واقْتَنَيْت لِنَفْسِي مَالًا أَي جَعَلْتُهُ قِنية ارْتَضَيْته؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ الْمُتَلَمِّسِ:

وأَلْقَيْتُها بالثِّنْي مِنْ جَنْبِ كافِرٍ،

كَذَلِكَ أَقْنُو كُلَّ قِطٍّ مُضَلَّلِ

إِنَّهُ بِمَعْنَى أَرْضَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَقنُو أَلزم وأَحفظ، وَقِيلَ: أَقنُو أَجزي وأُكافئ. وَيُقَالُ: لأَقْنُوَنَّك قِنَاوتَك أَي لأَجْزِيَنَّك جَزاءك، وَكَذَلِكَ لأَمْنُونَّك مَناوَتَك. وَيُقَالُ: قَنَوته أَقْنُوه قِناوةً إِذَا جَزَيْتَهُ. والمَقْنُوةُ، خَفِيفَةً، مِنَ الظِّلِّ: حَيْثُ لَا تُصِيبُهُ الشَّمْسُ فِي الشِّتَاءِ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: مَقْناةٌ ومَقْنُوة بِغَيْرِ هَمْزٍ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

فِي مَقاني أُقَنٍ، بَيْنَها

عُرَّةُ الطيرِ كصوْمِ النَّعامِ

والقَنا: مَصْدَرُ الأَقْنَى مِنَ الأُنوف، وَالْجَمْعُ قُنْوٌ، وَهُوَ ارْتِفَاعٌ فِي أَعلاه بَيْنَ الْقَصَبَةِ والمارنِ مِنْ غَيْرِ قُبْحٍ. ابْنُ سِيدَهْ: والقَنا ارْتِفَاعٌ فِي أَعلى الأَنف واحْديدابٌ فِي وَسَطِهِ وسُبُوغٌ فِي طرَفه، وَقِيلَ: هُوَ نُتوء وسَطِ الْقَصَبَةِ وإشْرافُه وضِيقُ المَنْخَرَيْن، رَجُلٌ أَقْنَى وامرأَة قَنْوَاء بَيِّنة القَنا. وَفِي

صِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: كَانَ أَقْنَى العِرْنين

؛ القَنا فِي الأَنف: طُولُهُ ودِقَّة أَرْنبته مَعَ حدَب فِي وَسَطِهِ، والعِرْنينُ الأَنف. وَفِي الْحَدِيثِ:

يَمْلِكُ رَجُلٌ أَقْنَى الأَنف.

يُقَالُ: رَجُلٌ أَقْنَى وامرأَة قَنْوَاء؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ:

قَنْوَاءُ فِي حُرَّتَيْها للبَصِير بِهَا

عِتْقٌ مُبِينٌ، وَفِي الخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ

وَقَدْ يُوصَفُ بِذَلِكَ الْبَازِي وَالْفَرَسُ، يُقَالُ: فَرَسٌ أَقْنَى، وَهُوَ فِي الْفَرَسِ عَيْبٌ وَفِي الصَّقْرِ وَالْبَازِي مَدْح؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

نظَرْتُ كَمَا جَلَّى عَلَى رَأْسِ رَهْوَةٍ،

مِنَ الطَّيْرِ، أَقْنَى يَنْفُضُ الطَّلَّ أَزْرَقُ

وَقِيلَ: هُوَ فِي الصَّقْرِ وَالْبَازِي اعْوجاج فِي مِنقاره لأَن فِي مِنْقَارِهِ حُجْنة، وَالْفِعْلُ قَنِيَ يَقْنَى قَنًا. أَبو عُبَيْدَةَ: القَنا فِي الْخَيْلِ احْدِيدابٌ فِي الأَنف يَكُونُ فِي الهُجُن؛ وأَنشد لِسَلَامَةَ بْنِ جَنْدَلٍ:

لَيْسَ بأَقْنَى وَلَا أَسْفَى وَلَا سَغِلٍ،

يُسْقَى دَواءَ قَفِيِّ السَّكْنِ مَرْبُوبِ

والقَناةُ: الرُّمْحُ، وَالْجَمْعُ قَنَواتٌ وقَناً وقُنِيٌّ، عَلَى فُعُولٍ، وأَقْنَاء مِثْلُ جَبَلٍ وأَجبال، وَكَذَلِكَ القَناة الَّتِي تُحْفَر، وَحَكَى كُرَاعٌ فِي جَمْعِ القَنَاة الرُّمْحِ قَنَياتٌ، وأُراه عَلَى الْمُعَاقَبَةِ طَلَبَ الخِفَّة. وَرَجُلٌ قَنَّاء ومُقَنٍّ أَي صاحبُ قَناً؛ وأَنشد:

عَضَّ الثِّقافِ خُرُصَ المُقَنِّي

وَقِيلَ: كُلُّ عَصًا مُسْتَوِيَةٍ فَهِيَ قَنَاة، وَقِيلَ: كُلُّ عَصًا مُستوية أَو مُعْوَجَّة فَهِيَ قَنَاةٌ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي فِي صِفَةِ بَحْر:

أَظَلُّ مِنْ خَوْفِ النُّجُوخِ الأَخْضَرِ،

كأَنَّني، فِي هُوَّةٍ، أُحَدَّر

«1»

(1). في هذا الشطر إقواء.

ص: 203

وتارَة يُسْنِدُني فِي أَوْعُرِ،

مِنَ السَّراةِ، ذِي قَناً وعَرْعَرِ

كَذَا أَنشده فِي أَوْعُر جَمْعُ وَعْرٍ، وأَراد ذواتِ قَناً فأَقام الْمُفْرَدَ مُقام الْجَمْعِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه فِي أَوْعَرِ لِوَصْفِهِ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِ ذِي قَناً فَيَكُونُ الْمُفْرَدُ صِفَةً لِلْمُفْرَدِ. التَّهْذِيبُ: أَبو بَكْرٍ وكلُّ خَشَبَةٍ عِنْدَ الْعَرَبِ قَناةٌ وعَصا، والرُّمْح عَصاً؛ وأَنشد قَوْلُ الأَسود بْنِ يَعْفُرَ:

وَقَالُوا: شريسٌ، قلتُ: يَكْفِي شَريسَكُمْ

سِنانٌ، كنِبْراسِ النِّهامِي، مُفَتَّقُ

نَمَتْه الْعَصَا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ كأَنَّه

شِهابٌ بِكَفَّيْ قابِسٍ يَتَحَرَّقُ

نَمَتْه: رَفَعَتْهُ، يَعْنِي السِّنانَ، والنِّهامِي فِي قَوْلِ ابْنِ الأَعرابي: الرَّاهِبُ وَقَالَ الأَصمعي: هُوَ النجَّار. اللَّيْثُ: القَناة أَلِفها وَاوٌ وَالْجَمْعُ قَنَوات وقَناً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: القَنَاة مِنَ الرِّمَاحِ مَا كَانَ أَجْوف كالقَصبة، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْكَظَائِمِ الَّتِي تَجْرِي تحتَ الأَرض قَنَوَات، وَاحِدَتُهَا قَنَاة، وَيُقَالُ لمجارِي مَائِهَا قَصَبٌ تَشْبِيهًا بالقَصَب الأَجوف، وَيُقَالُ: هِيَ قَنَاة وقَناً، ثُمَّ قُنِيٌّ جَمْعُ الْجَمْعِ، كَمَا يُقَالُ دَلاةٌ ودَلًا، ثُمَّ دِلِيٌّ ودُلِيٌّ لِجَمْعِ الْجَمْعِ. وَفِي الْحَدِيثِ

فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ والقُنِيُّ العُشور

؛ القُنِيُّ: جَمْعُ قَنَاة وَهِيَ الْآبَارُ الَّتِي تُحْفر فِي الأَرض مُتَتَابِعَةً لِيُسْتَخْرَجَ مَاؤُهَا ويَسيح عَلَى وَجْهِ الأَرض، قَالَ: وَهَذَا الْجَمْعُ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا جُمِعَتِ القَناة عَلَى قَناً، وَجَمْعُ القَنا عَلَى قُنِيّ فَيَكُونُ جَمْعَ الْجَمْعِ، فإنَّ فَعَلة لَمْ تُجْمَعْ عَلَى فُعول. والقَناة: كَظِيمةٌ تُحْفَرُ تَحْتَ الأَرض، وَالْجَمْعُ قُنِيٌّ. والهُدْهُد قَناء الأَرض أَي عَالِمٌ بِمَوَاضِعِ الْمَاءِ. وقَناةُ الظَّهْرِ: الَّتِي تَنْتَظِمُ الفَقارَ. أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ فُلَانٌ صُلْبُ القَناةِ: مَعْنَاهُ صُلْبُ القامةِ، والقَناةُ عِنْدَ الْعَرَبِ القامةُ؛ وأَنشد:

سِباطُ البنانِ والعَرانِينِ والقَنَا،

لطافُ الخُصورِ فِي تمامٍ وإكمالِ

أَراد بالقَنا القاماتِ. والقِنْوُ: العِذْق، وَالْجَمْعُ القِنْوانُ والأَقْناء؛ وَقَالَ:

قَدْ أَبْصَرَتْ سُعْدَى بِهَا كَتائِلي

طَويلةَ الأَقْناءِ والأَثاكِلِ

وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه خَرَجَ فرأَى أَقْناء مُعَلَّقة قِنْوٌ مِنْهَا حَشَفٌ

؛ القِنْو: العِذق بِمَا فِيهِ مِنَ الرُّطَبِ، وَجَمْعُهُ أَقْنَاء، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. والقِنا، مَقْصُورٌ: مِثْل القِنْوِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: القِنْوُ والقِنا الكِباسةُ، والقَنا، بِالْفَتْحِ: لُغَةٌ فِيهِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَقْناء وقِنْوانٌ وقِنْيانٌ، قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِقُرْبِ الْكَسْرَةِ وَلَمْ يعتدَّ السَّاكِنُ حَاجِزًا، كسَّروا فِعْلًا عَلَى فِعْلانٍ كَمَا كَسَّرُوا عَلَيْهِ فَعَلًا لاعْتقابهما عَلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ نَحْوُ بِدْلٍ وبَدَلٍ وشِبْهٍ وشَبَه، فَكَمَا كسروا فَعَلًا على فِعْلانٍ نَحْوَ خَرَبٍ وخِرْبانٍ وشَبَثٍ وشِبْثانٍ كَذَلِكَ كَسَّرُوَا عَلَيْهِ فِعْلًا فَقَالُوا قِنْوانٌ، فَالْكَسْرَةُ فِي قِنْو غَيْرُ الْكَسْرَةِ فِي قِنْوانٍ، تِلْكَ وَضْعِيَّةٌ لِلْبِنَاءِ وَهَذِهِ حَادِثَةٌ لِلْجَمْعِ، وأَما السُّكُونُ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَعني سُكُونَ عَيْنِ فِعْلان فَهُوَ كَسُكُونِ عَيْنِ فِعْل الَّذِي هُوَ وَاحِدُ فِعْلان لَفْظًا، فَيَنْبَغِي أَن يَكُونَ غَيْرَهُ تَقْدِيرًا لأَن سُكُونَ عَيْنِ فِعْلان شَيْءٌ أَحدثته الْجَمْعِيَّةُ، وإِن كَانَ بلفظِ مَا كَانَ فِي الْوَاحِدِ، أَلا تَرَى أَن سُكُونَ عَيْنِ شِبْثان وبِرْقان غَيْرُ فَتْحَةِ عَيْنِ شَبَثٍ وبَرَقٍ؟ فَكَمَا أَنَّ هَذَيْنِ مُخْتَلِفَانِ لَفْظًا كَذَلِكَ السُّكُونَانِ هُنَا مُخْتَلِفَانِ

ص: 204

تَقْدِيرًا. الأَزهري: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قِنْوانٌ دانِيَةٌ

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَي قَرِيبَةُ المُتَناوَلِ. والقِنْوُ: الْكِبَاسَةُ، وَهِيَ القِنا أَيضاً، مَقْصُورٌ، وَمَنْ قَالَ قِنْوٌ فإِنه يَقُولُ لِلِاثْنَيْنِ قِنْوانِ، بِالْكَسْرِ، وَالْجَمْعِ قُنْوانٌ، بِالضَّمِّ، وَمِثْلُهُ صِنْوٌ وصِنْوانٌ. وَشَجَرَةٌ قَنْواء: طَوِيلَةٌ. ابْنُ الأَعرابي: والقَناة الْبَقَرَةُ الْوَحْشِيَّةُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

وقَنَاةٍ، تَبْغِي بحَرْبَةَ عَهْداً

مِن ضَبُوحٍ قَفَّى عَلَيْهِ الخَبالُ

الْفَرَّاءُ: أَهل الْحِجَازِ يَقُولُونَ قِنْوانٌ، وَقَيْسٌ قُنْوان، وَتَمِيمٌ وَضَبَّةُ قُنْيان؛ وأَنشد:

ومالَ بِقُنْيانٍ مِنَ البُسْرِ أَحْمَرا

وَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُونَ قِنْوٌ وقُنْو، وَلَا يقولون قِنْيٌ، قال: وكلب تَقُولُ قِنْيان؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ العَيْزارِ الهُذَلي:

بِما هِيَ مَقْناةٌ، أَنِيقٌ نَباتُها،

مِرَبٌّ، فَتَهْواها المَخاضُ النَّوازِعُ

قَالَ: مَعْنَاهُ أَي هِيَ مُوافِقة لِكُلِّ مَنْ نَزَلَهَا، من قوله: مُقَانَاةِ البياضَ بصُفْرةٍ أَي يوافِق بَيَاضُهَا صُفْرَتَهَا. قَالَ الأَصمعي: وَلُغَةُ هُذَيْلٍ مَفْناة، بِالْفَاءِ. ابْنُ السِّكِّيتِ. مَا يُقانِينِي هَذَا الشَّيْءُ وَمَا يُقامِيني أَي مَا يُوافِقُني. وَيُقَالُ: هَذَا يُقَانِي هَذَا أَي يُوافِقُه. الأَصمعي: قَانَيْت الشَّيْءَ خَلَطْتُهُ. وكلُّ شيءٍ خَلَطْتَهُ فَقَدَ قَانَيْتَه. وكلُّ شَيْءٍ خَالَطَ شَيْئًا فَقَدْ قَانَاه؛ أَبو الْهَيْثَمِ: وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

كبِكْرِ المُقانَاةِ، البَياضُ بِصُفْرةٍ،

غَذاها نَمِيرُ الْمَاءِ غيرَ مُحَلَّلِ «2»

قَالَ: أَراد كَالْبِكْرِ الْمُقَانَاةِ الْبَيَاضَ بِصُفْرَةٍ أَي كَالْبَيْضَةِ الَّتِي هِيَ أَوّل بَيْضَةٍ بَاضَتْهَا النَّعَامَةُ، ثُمَّ قَالَ: المقاناةِ البياضُ بِصُفْرَةٍ أَي الَّتِي قُونِيَ بياضُها بِصُفْرَةٍ أَي خلِط بياضُها بِصُفْرَةٍ فَكَانَتْ صَفْرَاءَ بَيْضَاءَ، فَتَرَكَ الأَلف وَاللَّامَ مِنَ الْبِكْرِ وأَضاف الْبِكْرَ إِلى نَعْتِهَا؛ وَقَالَ غَيْرُهُ أَراد كَبِكْر الصدَفَةِ المُقاناةِ الْبَيَاضُ بِصُفْرَةٍ لأَنَّ فِي الصَّدَفَةِ لَوْنَيْنِ مِنْ بَيَاضٍ وَصُفْرَةٍ أَضاف الدُّرَّة إِليها. أَبو عُبَيْدٍ: المُقاناةُ فِي النَّسْجِ خَيْطٌ أَبيض وَخَيْطٌ أَسود. ابْنُ بُزُرْج: المُقاناة خَلْطُ الصُّوفِ بِالْوَبَرِ وَبِالشَّعَرِ مِنَ الغَزل يُؤَلَّفُ بَيْنَ ذَلِكَ ثُمَّ يُبْرَمُ. اللَّيْثُ: المُقاناة إِشْراب لَوْنٍ بِلَوْنٍ، يُقَالُ: قُونِيَ هَذَا بِذَاكَ أَي أُشْرِب أَحدهما بِالْآخَرِ. وأَحمر قَانٍ: شَدِيدُ الْحُمْرَةِ. وَفِي حَدِيثِ

أَنس عَنْ أَبي بَكْرٍ وصَبْغِه: فَغَلَّفَها بالحِنَّاء والكَتَم حَتَّى قَنَا لَوْنُهَا

أَي احمرَّ. يُقَالُ: قَنا لَوْنُهَا يَقْنُو قُنُوًّا، وَهُوَ أَحمرُ قانٍ. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ قَانَى لَكَ عَيْشٌ نَاعِمٌ أَي دامَ؛ وأَنشد يَصِفُ فَرَسًا:

قَانَى لَهُ بالقَيْظ ظِلٌّ بارِدٌ،

ونَصِيُّ ناعِجةٍ ومَحْضٌ مُنْقَعُ

حَتَّى إِذا نَبَحَ الظِّباءُ بَدَا لَهُ

عِجَلٌ، كأَحْمِرة الشَّريعَةِ أَرْبَعُ «3»

العِجَل: جَمْعُ عِجْلة، وَهِيَ الْمَزَادَةُ مَثْلُوثة أَو مَرْبُوعَةٌ. وقَانَى لَهُ الشيءُ أَي دَامَ. ابْنُ الأَعرابي: القُنَا ادِّخار الْمَالِ. قَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ الحُصَيبيّ يَقُولُ هُمْ لَا يُفانون مَالَهُمْ وَلَا يُقانونه أَي مَا يَقومون عَلَيْهِ. ابْنُ الأَعرابي: تَقَنَّى فُلَانٌ إِذا اكْتَفَى بِنَفَقَتِهِ ثُمَّ فَضَلَت فَضْلة فادَّخرها. واقْتِناء الْمَالِ وغيره: اتِّخاذه.

(2). البياض [يروى بالحركات الثلاث.

(3)

. قوله [الشريعة] الذي في ع ج ل: الصريمة.

ص: 205

وَفِي الْمَثَلِ: لَا تَقْتَنِ مِنْ كَلْبِ سَوْءٍ جَرْواً. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِذا أَحبَّ اللَّهُ عَبْدًا اقْتَنَاه فَلَمْ يَتْرُكْ لَهُ مَالًا وَلَا وَلَدًا

أَي اتَّخَذَهُ وَاصْطَفَاهُ. يُقَالُ: قَناه يَقْنُوه واقْتَناه إِذا اتَّخَذَهُ لِنَفْسِهِ دُونَ الْبَيْعِ. والمقْنَاة: المَضْحاة، يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ، وَكَذَلِكَ المَقْنُوةُ. وقُنِيَتِ الْجَارِيَةُ تُقْنَى قِنْيةً، عَلَى مَا لَمْ يُسمَّ فَاعِلُهُ، إِذا مُنِعَتْ مِنَ اللَّعِب مَعَ الصِّبْيَانِ وسُتِرَت فِي الْبَيْتِ؛ رَوَاهُ الْجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبي سَعِيدٍ عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ الأَزهر عَنْ بُندار عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ، قَالَ: وسأَلته عَنْ فُتِّيَتِ الجارِية تَفْتِية فَلَمْ يَعْرِفْهُ. وأَقْناكَ الصيدُ وأَقْنَى لَكَ: أَمْكَنك؛ عَنِ الْهَجَرِيِّ؛ وأَنشد:

يَجُوعُ إِذا مَا جاعَ فِي بَطْنِ غيرهِ،

ويَرْمِي إِذا مَا الْجُوعُ أَقْنَتْ مَقاتِلُه

وأَثبته ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُعْتَلِّ بِالْيَاءِ قَالَ: عَلَى أَنَّ ق ن وأَكثر مِنْ ق ن ي، قَالَ: لأَني لَمْ أَعرف اشْتِقَاقَهُ، وَكَانَتِ اللَّامَ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا. والقُنْيَان: فَرَسُ قَرَابَةَ الضَّبِّيِّ؛ وَفِيهِ يَقُولُ:

إِذا القُنْيَانُ أَلحَقَني بِقَوْمٍ

فَلَمْ أَطْعَن، فَشَلَّ إِذاً بَناني

وقَنَاةُ: وادٍ بِالْمَدِينَةِ؛ قَالَ البُرْجُ بْنُ مُسْهِر الطَّائِيُّ:

سَرَتْ مِنْ لِوَى المَرُّوتِ حَتَّى تَجَاوَزَتْ

إِليَّ، وَدُونِي مِن قَناةَ شُجُونُها

وَفِي الْحَدِيثِ:

فَنَزَلْنَا بِقَنَاة

، قَالَ: هُوَ وادٍ مِنْ أَوْدِيةِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ حَرْثٌ وَمَالٌ وزُرُوع، وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ وادِي قَناةَ، وَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ. وقانِيةُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:

فَلأْياً مَا قَصَرْتُ الطَّرْفَ عَنْهُمْ

بِقانِيةٍ، وَقَدْ تَلَع النَّهارُ

وقَنَوْنَى: موضع.

قها: أَقْهى عَنِ الطَّعَامِ واقْتَهَى: ارتدَّت شهوتُه عَنْهُ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ مِثْلَ أَقْهَمَ، يُقَالُ لِلرَّجُلِ الْقَلِيلِ الطُّعم: قَدْ أَقْهَى وَقَدْ أَقْهَم، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَقْدِرَ عَلَى الطَّعَامِ فَلَا يأَكله وإِن كَانَ مُشْتَهِيًا لَهُ. وأَقْهَى عَنِ الطَّعَامِ إِذا قَذِره فَتَرَكَهُ وَهُوَ يَشْتَهيه. وأَقْهَى الرجلُ إِذا قلَّ طُعْمُه. وأَقْهَاه الشيءُ عَنِ الطَّعَامِ: كَفَّهُ عَنْهُ أَو زَهَّدَه فِيهِ. وقَهِيَ الرَّجُلُ قَهْياً: لَمْ يَشْتَهِ الطَّعَامَ. وقَهِيَ عَنِ الشَّرَابِ وأَقْهَى عَنْهُ: تَرَكَهُ. أَبو السَّمْحِ: المُقْهِي والآجِم الَّذِي لَا يَشْتَهِي الطَّعَامَ مِنْ مَرَضٍ أَو غَيْرِهِ؛ وأَنشد شَمِرٌ:

لَكالمِسْكِ لَا يُقْهِي عَنِ المِسْكِ ذائقُه

وَرَجُلٌ قَاهٍ: مُخْصِب فِي رَحْلِهِ. وعيشٌ قَاهٍ: رَفِيهٌ. والقَهةُ: مِنْ أَسماء النَّرْجِسِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: عَلَى أَنه يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ ذَاهِبُهَا وَاوًا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والقَهْوة: الْخَمْرُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها تُقْهِي شَارِبَهَا عَنِ الطَّعَامِ أَي تَذْهَبُ بِشَهْوَتِهِ، وَفِي التَّهْذِيبِ أَي تُشبِعه؛ قَالَ أَبُو الطَّمَحان يَذْكُرُ نِسَاءً:

فأَصبَحْنَ قَدْ أَقْهَين عَنِّي، كَمَا أَبَتْ

حِياضَ الإِمدَّانِ الهِجانُ القَوامِحُ

وَعَيْشٌ قاهٍ بيِّن القَهْوِ والقَهْوةِ: خَصِيبٌ، وَهَذِهِ يَائِيَّةٌ وَوَاوِيَّةٌ. الْجَوْهَرِيُّ القاهِي الحَديدُ الْفُؤَادِ المُستطارُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

راحَتْ كَمَا راحَ أَبو رِئالِ

قاهِي الفُؤادِ دائبُ الإِجْفالِ

قوا: اللَّيْثُ: الْقُوَّةُ مِنْ تأْليف ق وي، وَلَكِنَّهَا حُمِلَتْ عَلَى فُعْلة فأُدغمت الْيَاءُ فِي الْوَاوِ كَرَاهِيَةَ تَغْيُّرِ الضَّمَّةِ،

ص: 206

والفِعالةُ مِنْهَا قِوايَةٌ، يُقَالُ ذَلِكَ فِي الحَزْم وَلَا يُقَالُ فِي البَدَن؛ وأَنشد:

ومالَ بأَعْناقِ الكَرَى غالِباتُها،

وإِنِّي عَلَى أَمْرِ القِوَايةِ حازِمُ

قَالَ: جَعَلَ مَصْدَرَ القوِيّ عَلَى فِعالة، وَقَدْ يَتَكَلَّفُ الشُّعَرَاءُ ذَلِكَ فِي الْفِعْلِ اللَّازِمِ. ابْنُ سِيدَهْ: القُوَّةُ نَقِيضُ الضَّعْفِ، وَالْجَمْعُ قُوًى وقِوًى. وَقَوْلُهُ عز وجل: يَا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ

؛ أَي بِجِدّ وعَوْن مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ القِوايةُ، نَادِرٌ، إِنَّمَا حُكْمُهُ القِواوةُ أَو القِواءة، يَكُونُ ذَلِكَ فِي البَدن وَالْعَقْلِ، وَقَدْ قَوِيَ فَهُوَ قَوِيّ وتَقَوَّى واقْتَوَى كَذَلِكَ، قَالَ رُؤْبَةُ:

وقُوَّةَ اللهِ بِهَا اقْتَوَيْنا

وقَوّاه هُوَ. التَّهْذِيبُ: وَقَدْ قَوِيَ الرَّجُلُ والضَّعيف يَقْوَى قُوَّة فَهُوَ قَوِيٌّ وقَوَّيْتُه أَنا تَقْوِيةً وقاوَيْتُه فَقَوَيْتُه أَي غَلَبْته. وَرَجُلٌ شَدِيدُ القُوَى أَي شدِيدُ أَسْرِ الخَلْقِ مُمَرُّه. وَقَالَ سبحانه وتعالى: شَدِيدُ الْقُوى

؛ قِيلَ: هُوَ جِبْرِيلُ، عليه السلام. والقُوَى: جَمْعُ القُوَّة، قَالَ عز وجل لِمُوسَى حِينَ كَتَبَ لَهُ الأَلواح: فَخُذْها بِقُوَّةٍ

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَي خُذْهَا بقُوَّة فِي دِينِكَ وحُجَّتك. ابْنُ سِيدَهْ: قَوَّى اللَّهُ ضعفَك أَي أَبدَلك مَكَانَ الضَّعْفِ قُوَّة، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: هُوَ يُقَوَّى أَي يُرْمَى بِذَلِكَ. وَفَرَسٌ مُقْوٍ: قويٌّ، وَرَجُلٌ مُقْوٍ: ذُو دَابَّةٍ قَوِيّة. وأَقْوَى الرجلُ فَهُوَ مُقْوٍ إِذا كَانَتْ دَابَّتُهُ قَوِيَّة. يُقَالُ: فُلَانٌ قَوِيٌّ مُقْوٍ، فالقَوِي فِي نَفْسِهِ، والمُقْوِي فِي دَابَّتِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ

أَنه قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: لَا يَخْرُجَنَّ مَعَنَا الَّا رَجُلٌ مُقْوٍ

أَي ذُو دَابَّةٍ قَوِيَّة. وَمِنْهُ حَدِيثُ

الأَسود بْنَ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل: وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ، قَالَ: مُقْوون مُؤْدونَ

أَي أَصحاب دَوابّ قَوِيّة كامِلُو أَداةِ الْحَرْبِ. والقَوِيُّ مِنَ الْحُرُوفِ: مَا لَمْ يَكُنْ حَرْفَ لِينٍ. والقُوَى: الْعَقْلُ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:

وصاحِبَيْنِ حازِمٍ قُواهُما

نَبَّهْتُ، والرُّقادُ قَدْ عَلاهُما،

إِلى أَمْونَيْنِ فَعَدَّياهما

القُوَّة: الخَصْلة الْوَاحِدَةُ مِنْ قُوَى الحَبل، وَقِيلَ: القُوَّة الطَّاقَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ طاقاتِ الحَبْل أَو الوَتَر، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ قُوًى وقِوًى. وَحَبْلٌ قَوٍ ووتَرٌ قَوٍ، كِلَاهُمَا: مُخْتَلِفُ القُوَى. وأَقْوَى الحبلَ والوَتر: جَعَلَ بَعْضَ قُواه أَغلظ مِنْ بَعْضٍ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ: يُنْقَضُ الإِسلامُ عُرْوَةً عُروة كَمَا يُنْقَضُ الحبلُ قُوَّة قُوَّة.

والمُقْوِي: الَّذِي يُقَوِّي وَتَرَهُ، وَذَلِكَ إِذا لَمْ يُجد غارَته فَتَرَاكَبَتْ قُواه. وَيُقَالُ: وتَر مُقْوًى. أَبو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ أَقْوَيْتَ حبلَك، وَهُوَ حبلٌ مُقْوًى، وَهُوَ أَن تُرْخِي قُوَّة وتُغير قوَّة فَلَا يَلْبَثُ الْحَبْلُ أَن يَتَقَطَّع، وَيُقَالُ: قُوَّةٌ وقُوًى مِثْلَ صُوَّة وصُوًى وهُوَّة وهُوًى، وَمِنْهُ الإِقْوَاء فِي الشِّعْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

يذهَب الدِّين سُنَّةً سُنة كَمَا يَذْهَبُ الْحَبْلُ قُوَّة قُوَّة.

أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الإِقْواء أَن تَخْتَلِفَ حَرَكَاتُ الرَّوِيِّ، فَبَعْضُهُ مَرْفُوعٌ وَبَعْضُهُ مَنْصُوبٌ أَو مَجْرُورٌ. أَبو عُبَيْدَةَ: الإِقواء فِي عُيُوبِ الشِّعْرِ نُقْصَانُ الْحَرْفِ مِنَ الْفَاصِلَةِ يَعْنِي مِنْ عَرُوض الْبَيْتِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قوَّة الْحَبْلِ، كأَنه نَقَصَ قُوَّة مِنْ قُواه وَهُوَ مِثْلُ الْقَطْعِ فِي عَرُوضِ الْكَامِلِ؛ وَهُوَ كَقَوْلِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ:

أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مالِك بْنِ زُهَيْرٍ

تَرْجُو النِّساءُ عَواقِبَ الأَطْهار؟

فنقَص مِنْ عَروضه قُوَّة. والعَروض: وَسَطُ الْبَيْتِ:

ص: 207

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: الإِقْواء اخْتِلَافُ إِعراب القَوافي؛ وَكَانَ يَرْوِي بَيْتَ الأَعشى:

مَا بالُها بِاللَّيْلِ زالَ زَوالُها

بِالرَّفْعِ، وَيَقُولُ: هَذَا إِقْواء، قَالَ: وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ الإِكفاء، وَهُوَ اخْتِلَافُ إِعراب القَوافي، وَقَدْ أَقْوَى الشَّاعِرُ إِقْوَاء، ابْنُ سِيدَهْ: أَقْوَى فِي الشِّعْرِ خالفَ بَيْنَ قَوافِيه، قَالَ: هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ. وَقَالَ الأَخفش: الإِقْوَاء رَفْعُ بَيْتٍ وَجَرُّ آخَرَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

لَا بَأْسَ بالقَوْمِ مِنْ طُولٍ وَمِنْ عِظَمٍ،

جِسْمُ البِغال وأَحْلامُ العَصافيرِ

ثُمَّ قَالَ:

كأَنهم قَصَبٌ، جُوفٌ أَسافِلُه،

مُثَقَّبٌ نَفَخَتْ فِيهِ الأَعاصيرُ

قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا مِنَ الْعَرَبِ كَثِيرًا لَا أُحصي، وقَلَّت قَصِيدَةٌ يُنْشِدُونَهَا إِلا وَفِيهَا إِقْواء ثُمَّ لَا يستنكِرونه لأَنه لَا يَكْسِرُ الشِّعْرَ، وأَيضاً فإِن كُلَّ بَيْتٍ مِنْهَا كأَنه شِعْرٌ عَلَى حِياله. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما سَمْعُه الإِقواء عَنِ الْعَرَبِ فَبِحَيْثُ لَا يُرتاب بِهِ لَكِنَّ ذَلِكَ فِي اجْتِمَاعِ الرَّفْعِ مَعَ الْجَرِّ، فأَما مُخَالَطَةُ النَّصْبِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَلِيلٌ، وَذَلِكَ لِمُفَارَقَةِ الأَلف الْيَاءَ وَالْوَاوَ وَمُشَابَهَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَمِيعًا أُختها؛ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الحرث بْنِ حِلِّزَةَ:

فَمَلَكْنا بِذَلِكَ الناسَ، حَتَّى

مَلَكَ المُنْذِرُ بنُ ماءِ السَّماء

مَعَ قَوْلِهِ:

آذَنَتْنا بِبَيْنِها أَسْماءُ،

رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنْه الثَّواءُ

وَقَالَ آخَرُ أَنشده أَبو عَلِيٍّ:

رَأَيْتُكِ لَا تُغْنِينَ عَنِّى نَقْرَةً،

إِذا اخْتَلَفَت فيَّ الهَراوَى الدَّمامِكْ

وَيُرْوَى: الدَّمالِكُ.

فأَشْهَدُ لَا آتِيكِ مَا دامَ تَنْضُبٌ

بأَرْضِكِ، أَو صُلْبُ العَصا مِن رِجالِكِ

وَمَعْنَى هَذَا أَن رَجُلًا وَاعَدَتْهُ امرأَة فعَثر عَلَيْهَا أَهلُها فَضَرَبُوهُ بالعِصِيّ فَقَالَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ، فأَما دُخُولُ النَّصْبِ مَعَ أَحدهما فَقَلِيلٌ؛ مِنْ ذَلِكَ مَا أَنشده أَبو عَلِيٍّ:

فَيَحْيَى كَانَ أَحْسَنَ مِنْكَ وَجْهاً،

وأَحْسَنَ في المُعَصْفَرَةِ ارْتِداآ

ثُمَّ قَالَ:

وَفِي قَلْبي عَلَى يَحْيَى البَلاء

قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَقَالَ أَعرابي لأَمدحنّ فُلَانًا ولأَهجونه وليُعْطِيَنِّي، فَقَالَ:

يَا أَمْرَسَ الناسِ إِذا مَرَّسْتَه،

وأَضْرَسَ الناسِ إِذا ضَرَّسْتَه «1»

وأَفْقَسَ الناسِ إِذا فَقَّسْتَه،

كالهِنْدُوَانِيِّ إِذا شَمَّسْتَه

وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ لِرَجُلٍ وَهَبَهُ شَاةً جَماداً:

أَلم تَرَني رَدَدْت عَلَى ابْنِ بَكْرٍ

مَنِيحَتَه فَعَجَّلت الأَداآ

فقلتُ لِشاتِه لمَّا أَتَتْني:

رَماكِ اللهُ مِنْ شاةٍ بداءِ

وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ المِنهال الغَنَوِيّ فِي شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ:

لَيتَ أَبا شَرِيكٍ كَانَ حَيّاً،

فَيُقْصِرَ حِينَ يُبْصِرُه شَرِيكُ

(1). قوله [يا أمرس الناس إلخ] كذا بالأصل.

ص: 208

ويَتْرُكَ مِنْ تَدَرُّئِه عَلَيْنَا،

إِذا قُلنا لَهُ: هَذَا أَبُوكا

وَقَالَ آخَرُ:

لَا تَنْكِحَنَّ عَجُوزاً أَو مُطَلَّقةً،

وَلَا يسُوقَنَّها فِي حَبْلِك القَدَرُ

أَراد وَلَا يسُوقَنَّها صَيْداً فِي حَبْلِك أَو جَنيبة لِحَبْلِكَ.

وإِنْ أَتَوْكَ وَقَالُوا: إِنَّهَا نَصَفٌ،

فإِنَّ أَطْيَبَ نِصْفَيها الَّذِي غَبَرا

وَقَالَ القُحَيف العُقَيْلي:

أَتاني بالعَقِيقِ دُعاءُ كَعْبٍ،

فَحَنَّ النَّبعُ والأَسَلُ النِّهالُ

وجاءَتْ مِن أَباطِحها قُرَيْشٌ،

كَسَيْلِ أَتِيِّ بيشةَ حِينَ سَالَا

وَقَالَ آخَرُ:

وإِني بحَمْدِ اللهِ لَا واهِنُ القُوَى،

وَلَمْ يَكُ قَوْمِي قَوْمَ سُوءٍ فأَخْشعا

وإِني بحَمْدِ اللهِ لَا ثَوْبَ عاجِزٍ

لَبِسْتُ، وَلَا مِنْ غَدْرةٍ أَتَقَنَّعُ

وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

قَدْ أَرْسَلُوني فِي الكَواعِبِ راعِياً،

فَقَدْ، وأَبي راعِي الكواعِبِ، أَفْرِسُ

أَتَتْه ذِئابٌ لَا يُبالِينَ راعِياً،

وكُنَّ سَواماً تَشْتَهِي أَن تُفَرَّسا

وأَنشد ابْنُ الأَعرابي أَيضاً:

عَشَّيْتُ جابانَ حَتَّى اسْتَدَّ مَغْرِضُه،

وكادَ يَهْلِكُ لَوْلَا أَنه اطَّافا

قُولا لجابانَ: فَلْيَلْحَقْ بِطِيَّته،

نَوْمُ الضُّحَى بعدَ نَوْمِ الليلِ إِسْرافُ

وأَنشد ابْنُ الأَعرابي أَيضاً:

أَلا يَا خيْزَ يَا ابْنَةَ يَثْرُدانٍ،

أَبَى الحُلْقُومُ بَعْدكِ لَا يَنام

وَيُرْوَى: أُثْردانٍ.

وبَرْقٌ للعَصِيدةِ لاحَ وَهْناً،

كَمَا شَقَّقْتَ فِي القِدْر السَّناما

وَقَالَ: وَكُلُّ هَذِهِ الأَبيات قَدْ أَنشدنا كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَفِي الْجُمْلَةِ إِنَّ الإِقْوَاء وإِن كَانَ عَيباً لِاخْتِلَافِ الصَّوْتِ بِهِ فإِنه قَدْ كَثُرَ، قَالَ: وَاحْتَجَّ الأَخفش لِذَلِكَ بأَن كُلَّ بَيْتٍ شِعْرٌ برأْسه وأَنَّ الإِقْوَاء لَا يَكْسِرُ الْوَزْنَ؛ قَالَ: وَزَادَنِي أَبو عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِن حَرْفَ الْوَصْلِ يَزُولُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الإِنشاد نَحْوَ قَوْلِهِ:

قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِل

وَقَوْلِهِ:

سُقِيتِ الغَيْثَ أَيَّتُها الخِيام

وَقَوْلِهِ:

كَانَتْ مُبارَكَةً مِن الأَيَّام

فَلَمَّا كَانَ حَرْفُ الْوَصْلِ غَيْرَ لَازِمٍ لأَن الْوَقْفَ يُزيله لَمْ يُحْفَل بِاخْتِلَافِهِ، ولأَجل ذَلِكَ مَا قلَّ الإِقواء عَنْهُمْ مَعَ هَاءِ الْوَصْلِ، أَلا تَرَى أَنه لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ دُونَ هَاءِ الْوَصْلِ كَمَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى لَامِ مَنْزِلِ وَنَحْوِهِ؟ فَلِهَذَا قَلَّ جِدًّا نَحْوُ قَوْلِ الأَعشى:

مَا بالُها بالليلِ زَالَ زوالُها

فِيمَنْ رَفَعَ. قَالَ الأَخفش: قَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَجْعَلُ الإِقْوَاء سِناداً؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

ص: 209

فِيهِ سِنادٌ وإِقْوَاءٌ وتَحْرِيدُ

قَالَ: فَجَعَلَ الإِقْوَاء غَيْرَ السِّنَاد كأَنه ذَهَبَ بِذَلِكَ إِلى تَضْعِيفِ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الإِقْوَاء سِنَاداً مِنَ الْعَرَبِ وَجَعَلَهُ عَيْبًا. قَالَ: وَلِلنَّابِغَةِ فِي هَذَا خَبَرٌ مَشْهُورٌ، وَقَدْ عِيبَ قَوْلُهُ فِي الداليَّة الْمَجْرُورَةِ:

وَبِذَاكَ خَبَّرَنا الغُدافُ الأَسودُ

فعِيب عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْهَمْهُ، فَلَمَّا لَمْ يَفْهَمْهُ أُتي بِمُغَنِّيَةٍ فَغَنَّتْهُ:

مِن آلِ مَيّةَ رائحٌ أَو مُغْتَدِي

وَمَدَّتِ الْوَصْلَ وأَشبعته ثُمَّ قَالَتْ:

وَبِذَاكَ خَبَّرنا الغُدافُ الأَسودُ

ومَطَلَت وَاوَ الْوَصْلِ، فَلَمَّا أَحسَّه عَرَفَهُ وَاعْتَذَرَ مِنْهُ وغيَّره فِيمَا يُقَالُ إِلى قَوْلِهِ:

وبذاكَ تَنْعابُ الغُرابِ الأَسْودِ

وَقَالَ: دَخَلْتُ يَثْرِبَ وَفِي شِعْرِي صَنْعة، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْهَا وأَنا أَشْعر الْعَرَبِ. واقْتَوَى الشيءَ: اخْتَصَّه لِنَفْسِهِ. والتَّقَاوِي: تزايُد الشُّرَكَاءِ. والقِيُّ: القَفْر مِنَ الأَرض، أَبْدَلُوا الْوَاوَ يَاءً طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، وَكَسَرُوا الْقَافَ لِمُجَاوَرَتِهَا الْيَاءَ. والقَواءُ: كالقِيّ، هَمْزَتُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ. وأَرض قَواء وقَوايةٌ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ: قَفْرة لَا أَحد فِيهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عز وجل: نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ

، يَقُولُ: نَحْنُ جَعَلْنَا النَّارَ تَذْكِرَةً لِجَهَنَّمَ وَمَتَاعًا للمُقْوِين، يَقُولُ: مَنْفَعَةً للمُسافرين إِذا نَزَلُوا بالأَرض القِيّ وَهِيَ الْقَفْرُ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المُقْوِي الَّذِي لَا زَادَ مَعَهُ، يُقَالُ: أَقْوَى الرجلُ إِذا نَفِد زَادُهُ. وَرَوَى أَبو إِسْحَاقَ: المُقْوِي الَّذِي يَنْزِلُ بالقَوَاء وَهِيَ الأَرض الْخَالِيَةُ. أَبو عَمْرٍو: القَوَايَة الأَرض الَّتِي لَمْ تُمْطَر. وَقَدْ قَوِيَ الْمَطَرُ يَقْوَى إِذا احْتبس، وَإِنَّمَا لَمْ يُدْغَمْ قَوِيَ وأُدغمت قِيٌّ لِاخْتِلَافِ الْحَرْفَيْنِ، وَهُمَا مُتَحَرِّكَانِ، وأُدغمت فِي قَوْلِكَ لوَيْتُ لَيّاً وأَصله لَوْياً، مَعَ اخْتِلَافِهِمَا، لأَن الأُولى مِنْهُمَا سَاكِنَةٌ، قَلَبْتَها يَاءً وأَدغمت. والقَواء، بِالْفَتْحِ: الأَرض الَّتِي لَمْ تُمْطَرْ بَيْنَ أَرضين مَمطورتَين. شَمِرٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ بَلَدٌ مُقْوٍ إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَطَرٌ، وَبَلَدٌ قاوٍ ليس به أَحد. ابْنُ شُمَيْلٍ: المُقْوِيةُ الأَرض الَّتِي لَمْ يُصِبْهَا مَطَرٌ وَلَيْسَ بِهَا كلأٌ، وَلَا يُقَالُ لَهَا مُقْوِية وَبِهَا يَبْسٌ مِنْ يَبْسِ عَامِ أَوَّل. والمُقْوِية: المَلْساء الَّتِي لَيْسَ بِهَا شَيْءٌ مِثْلَ إِقْوَاء الْقَوْمِ إِذا نَفِد طَعَامُهُمْ؛ وأَنشد شَمِرٌ لأَبي الصُّوفِ الطَّائِيِّ:

لَا تَكْسَعَنّ بَعْدَها بالأَغبار

رِسْلًا، وَإِنْ خِفْتَ تَقَاوِي الأَمْطار

قَالَ: والتَّقَاوِي قِلَّته. وَسَنَةٌ قَاوِيَةٌ: قَلِيلَةُ الأَمطار. ابْنُ الأَعرابي: أَقْوَى إِذا اسْتَغْنَى، وأَقْوَى إِذا افتقَرَ، وأَقْوَى القومُ إِذا وَقَعُوا فِي قِيٍّ مِنَ الأَرض. والقِيُّ: المُسْتَوِية المَلْساء، وَهِيَ الخَوِيَّةُ أَيضاً. وأَقْوَى الرجلُ إِذا نَزَلَ بِالْقَفْرِ. والقِيُّ: الْقَفْرُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

وبَلْدَةٍ نِياطُها نَطِيُّ،

قِيٌّ تُناصِيها بلادٌ قِيُ

وَكَذَلِكَ القَوا والقَواء، بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ. وَمَنْزِلٌ قَواء: لَا أَنِيسَ بِهِ؛ قَالَ جَرِيرٌ:

أَلا حَيِّيا الرَّبْعَ القَواء وسَلِّما،

ورَبْعاً كجُثْمانِ الحَمامةِ أَدْهَما

وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها: وَبِي رُخِّصَ لَكُمْ فِي صَعِيدِ الأَقْواءِ

؛ الأَقْواءُ: جَمْعُ قَواء وَهُوَ

ص: 210

الْقَفْرُ الْخَالِي مِنَ الأَرض، تُرِيدُ أَنها كَانَتْ سَبَبَ رُخصة التَّيَمُّمِ لَمَّا ضَاعَ عِقْدُها فِي السَّفَرِ وَطَلَبُوهُ فأَصبحوا وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، والصَّعِيدُ: التُّرَابُ. ودارٌ قَواء: خَلاء، وَقَدْ قَوِيَتْ وأَقْوَتْ. أَبو عُبَيْدَةَ: قَوِيَت الدَّارُ قَواً، مَقْصُورٌ، وأَقْوَتْ إِقْوَاءً إِذا أَقْفَرت وخَلَتْ. الْفَرَّاءُ: أَرض قِيٌّ وَقَدْ قَوِيَتْ وأَقْوَتْ قَوايةً وقَواً وقَواء. وَفِي حَدِيثِ

سَلْمان: مَن صَلَّى بأَرْض قِيٍّ فأَذَّنَ وأَقامَ الصلاةَ صلَّى خَلْفَه مِنَ الملائكة ما لا يُرَى قُطْرُه

، وَفِي رِوَايَةٍ:

مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي بِقِيٍّ مِنَ الأَرض

؛ القِيُّ، بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ: فِعْل مِنَ القَوَاء، وَهِيَ الأَرض القَفْر الْخَالِيَةُ. وأَرض قَواء: لَا أَهل فِيهَا، والفِعْل أَقْوَت الأَرضُ وأَقْوَتِ الدارُ إِذا خَلَتْ مِنْ أَهلها، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ القَواء. وأَقْوَى القومُ: نَزَلُوا فِي القَواء. الْجَوْهَرِيُّ: وَبَاتَ فُلَانٌ القَواء، وَبَاتَ القَفْر إِذا بَاتَ جَائِعًا عَلَى غَيْرِ طُعْم؛ وَقَالَ حاتم طيِء:

وإِني لأَختارُ القَوا طاوِيَ الحَشَى،

مُحافَظَةً مِنْ أَنْ يُقالَ لَئِيمُ

ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحَكَى ابْنُ وَلَّادٍ عَنِ الْفَرَّاءِ قَواً مأْخوذ مِنَ القِيِّ، وأَنشد بَيْتَ حَاتِمٍ؛ قَالَ الْمُهَلَّبِيُّ: لَا مَعْنَى للأَرض هَاهُنَا، وإِنما القَوَا هَاهُنَا بِمَعْنَى الطَّوَى. وأَقْوى الرجلُ: نَفِدَ طَعَامُهُ وفَنِي زَادُهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ

. وَفِي حَدِيثِ

سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحش: قَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ إِنَّا قَدْ أَقْوَيْنا فأَعْطِنا مِنَ الْغَنِيمَةِ

أَي نَفِدَت أَزْوادنا، وَهُوَ أَن يَبْقَى مِزْوَدُه قَواء أَي خَالِيًا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

الخُدْرِي فِي سَرِيَّةِ بَنِي فَزارةَ: إِني قَدْ أَقْوَيْت مُنْذُ ثَلَاثٍ فخِفْت أَن يَحْطِمَني الجُوع

؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ:

وإِنَّ مَعادِن إِحسانك لَا تَقْوَى

أَي لَا تَخْلُو مِنَ الْجَوْهَرِ، يُرِيدُ بِهِ الْعَطَاءَ والإِفْضال. وأَقْوَى الرَّجُلُ وأَقْفَرَ وأَرْمَلَ إِذا كَانَ بأَرض قَفْرٍ لَيْسَ مَعَهُ زَادٌ. وأَقْوَى إِذا جاعَ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ، وإِن كَانَ فِي بَيْتِهِ وسْطَ قَوْمِهِ. الأَصمعي: القَواء القَفْر، والقِيُّ مِنَ القَواء فِعْلٌ مِنْهُ مأْخوذ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كَانَ يَنْبَغِي أَن يَكُونَ قُوْيٌ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْيَاءُ كُسِرَتِ الْقَافُ. وَتَقُولُ: اشْتَرَى الشُّرَكَاءُ شَيْئًا ثُمَّ اقْتَوَوْه أَي تَزَايَدُوهُ حَتَّى بَلَغَ غَايَةَ ثَمَنِهِ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ سِيرِينَ: لَمْ يَكُنْ يَرَى بأْساً بالشُّركاء يَتَقَاوَوْنَ الْمَتَاعَ بَيْنَهُمْ فِيمَنْ يَزِيدُ

؛ التَّقَاوِي بَيْنَ الشُّرَكَاءِ: أَن يَشْتَرُوا سِلْعَةً رَخِيصَةً ثُمَّ يَتَزَايَدُوا بَيْنَهُمْ حَتَّى يَبْلُغوا غَايَةَ ثَمَنِهَا. يُقَالُ: بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ ثَوْبٌ فتَقَاوَيْناه أَي أَعطيته بِهِ ثَمَنًا فأَخذته أَو أَعطاني بِهِ ثَمَنًا فأَخذه. وَفِي حَدِيثِ عَطَاءٍ:

سأَل عُبَيْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُتْبةَ عَنِ امرأَة كَانَ زَوْجُهَا مَمْلُوكًا فَاشْتَرَتْهُ، فَقَالَ: إِنِ اقْتَوَتْه فُرّق بِينَهُمَا وَإِنْ أَعتقته فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا

أَي إِن اسْتخْدمَتْه، مِنَ القَتْوِ الخِدمةِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ قَتا؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ افْعَلَّ مِنَ القَتْوِ الخِدمةِ كارْعَوَى مِنَ الرَّعْوَى، قَالَ: إِلا أَن فِيهِ نَظَرًا لأَن افْعَلَّ لَمْ يَجئْ متعَدِّياً، قَالَ: وَالَّذِي سَمِعْتُهُ اقْتَوَى إِذا صَارَ خَادِمًا، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ افْتَعَل مِنَ الاقْتواء بِمَعْنَى الِاسْتِخْلَاصِ، فكَنى بِهِ عَنِ الِاسْتِخْدَامِ لأَن مَنِ اقْتَوَى عَبْدًا لَا بُدَّ أَن يَسْتَخْدِمَهُ، قَالَ: وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَئمة الْفِقْهِ أَن المرأَة إِذا اشْتَرَتْ زَوْجَهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ خِدْمَةٍ، قَالَ: وَلَعَلَّ هَذَا شَيْءٌ اخْتَصَّ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ

مَسْرُوقٍ أَنه أَوصى فِي جَارِيَةٍ لَهُ: أَن قُولوا لِبَنِيَّ لَا تَقْتَوُوها بَيْنَكُمْ وَلَكِنْ بِيعُوهَا، إِني لَمْ أَغْشَها وَلَكِنِّي جَلَسْتُ مِنْهَا مجلِساً مَا أُحِبُّ أَن يَجلِس وَلَدٌ لِي ذَلِكَ المَجْلِس

، قَالَ أَبو

ص: 211

زَيْدٍ: يُقَالُ إِذا كَانَ الْغُلَامُ أَو الْجَارِيَةُ أَو الدَّابَّةُ أَو الدَّارُ أَو السِّلْعَةُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَقَدْ يَتَقَاوَيانِها، وَذَلِكَ إِذا قَوَّمَاهَا فَقَامَتْ عَلَى ثَمَنٍ، فَهُمَا فِي التَّقاوِي سَوَاءٌ، فإِذا اشْتَرَاهَا أَحدُهما فَهُوَ المُقْتَوِي دُونَ صَاحِبِهِ فَلَا يَكُونُ اقْتِواؤهما وَهِيَ بَيْنَهُمَا إِلا أَن تَكُونَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فأَقول لِلِاثْنَيْنِ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِذا اشْتَرَيَا نَصِيبَ الثَّالِثِ اقْتَوَياها وأَقْواهما الْبَائِعُ إِقْواء. والمُقْوِي: الْبَائِعُ الَّذِي بَاعَ، وَلَا يَكُونُ الإِقْواء إِلا مِنَ الْبَائِعِ، وَلَا التَّقاوِي إِلا مِنَ الشُّرَكَاءِ، وَلَا الِاقْتِوَاءُ إِلا مِمَّنْ يَشْتَرِي مِنَ الشُّرَكَاءِ، وَالَّذِي يُبَاعُ مِنَ الْعَبْدِ أَو الْجَارِيَةِ أَو الدَّابَّةِ مِنَ اللَّذَيْنِ تَقاويا، فأَما فِي غَيْرِ الشُّرَكَاءِ فَلَيْسَ اقْتِواء وَلَا تَقاوٍ وَلَا إِقْواء. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَا يَكُونُ الاقْتِواء فِي السِّلْعَةِ إِلا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، قِيلَ أَصله مِنَ القُوَّة لأَنه بُلُوغٌ بِالسِّلْعَةِ أَقْوَى ثَمَنِهَا؛ قَالَ شَمِرٌ: وَيُرْوَى بَيْتُ ابْنِ كُلْثُومٍ:

مَتى كُنَّا لأُمِّكَ مُقْتَوِينا

أَي مَتَى اقْتَوَتْنا أُمُّك فَاشْتَرَتْنَا. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ ثَوْبٌ فَتَقاوَيْناه بَيْنَنَا أَي أَعطيته ثَمَنًا وأَعطاني بِهِ هُوَ فأَخذه أَحدنا. وَقَدِ اقْتَوَيْت مِنْهُ الْغُلَامَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا أَي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ نَصِيبَهُ. وَقَالَ الأَسدي: القاوِي الْآخِذُ، يُقَالُ: قاوِه أَي أَعْطِه نَصِيبَهُ؛ قَالَ النَّظَّارُ الأَسدي:

ويومَ النِّسارِ ويَوْمَ الجِفارِ

كانُوا لَنا مُقْتَوِي المُقْتَوِينا

التَّهْذِيبُ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ للسُّقاة إِذا كَرَعوا فِي دَلْوٍ مَلآنَ مَاءً فَشَرِبُوا مَاءَهُ قَدْ تَقاوَوْه، وَقَدْ تقاوَينا الدَّلْوَ تَقاوِياً. الأَصمعي: مِنْ أَمثالهم انقَطَع قُوَيٌّ مِنْ قاوِيةٍ إِذا انْقَطَعَ مَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ أَو وجَبت بَيْعَةٌ لَا تُسْتقال؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والقاوِيَةُ هِيَ الْبَيْضَةُ، سُمِّيَتْ قاوِيَةً لأَنها قَوِيَتْ عَنْ فَرْخها. والقُوَيُّ: الفَرْخ الصَّغِيرُ، تَصْغِيرُ قَاوٍ، سُمِّيَ قُوَيّاً لأَنه زَايَلَ الْبَيْضَةَ فَقَوِيَتْ عَنْهُ وقَوِيَ عَنْهَا أَي خَلا وخَلَتْ، وَمِثْلُهُ: انْقَضَتْ قائبةٌ مِنْ قُوبٍ؛ أَبو عَمْرٍو: القائبةُ والقاوِيَةُ الْبَيْضَةُ، فإِذا ثَقَبَهَا الْفَرْخُ فَخَرَجَ فَهُوَ القُوبُ والقُوَيُّ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ للدَّنيءِ قُوَيٌّ مِنْ قاوِية. وقُوَّةُ: اسْمُ رَجُلٍ. وقَوٌّ: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: مَوْضِعٌ بَيْنَ فَيْدٍ والنِّباج؛ وَقَالَ إمْرُؤ القَيْس:

سَما لَكَ شَوْقٌ بعدَ ما كَانَ أَقْصَرا،

وحَلَّتْ سُلَيْمَى بطنَ قَوٍّ فعَرْعَرا

والقَوقاةُ: صَوْتُ الدَّجَاجَةِ. وقَوْقَيْتُ: مِثْلَ ضَوْضَيْتُ. ابْنُ سِيدَهْ: قَوْقَتِ الدَّجَاجَةُ تُقَوْقي قِيقَاءً وقَوْقاةً صَوَّتَتْ عِنْدَ الْبَيْضِ، فَهِيَ مُقَوْقِيةٌ أَي صَاحَتْ، مِثْلَ دَهْدَيْتُ الْحَجَرَ دِهْداء ودَهْداةً، عَلَى فَعْلَلَ فَعَللة وفِعْلالًا، وَالْيَاءُ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ لأَنها بِمَنْزِلَةِ ضَعْضَعْت كَرَّرَ فِيهِ الْفَاءَ وَالْعَيْنَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَ فِي الدِّيكِ؛ وَحَكَاهُ السِّيرَافِيُّ فِي الإِنسان، وَبَعْضُهُمْ يَهْمِزُ فَيُبْدِلُ الْهَمْزَةَ مِنَ الْوَاوِ المُتوهَّمة فَيَقُولُ قَوْقَأَت الدَّجَاجَةُ. ابْنُ الأَعرابي: القِيقاءة والقِيقايةُ، لُغَتَانِ: مشْرَبَة كالتَّلْتلةِ؛ وأَنشد:

وشُرْبٌ بِقِيقاةٍ وأَنتَ بَغِيرُ»

قَصَرَهُ الشَّاعِرُ. والقِيقَاءة: القاعُ الْمُسْتَدِيرَةُ فِي صَلَابَةٍ مِنَ الأَرض إِلى جَانِبٍ سَهْلٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قِيقاةٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

إِذا جَرَى، مِنْ آلِها الرَّقْراقِ،

رَيْقٌ وضَحْضاحٌ على القَياقي

(2). قوله [وشرب] هذا هو الصواب كما في التهذيب هنا وفي مادة بغر، وتصحف في ب غ ر من اللسان بسرت خطأ.

ص: 212

والقِيقاءة: الأَرض الغَليظة؛ وَقَوْلُهُ:

وخَبَّ أَعْرافُ السَّفى عَلَى القِيَقْ

كأَنه جَمْعُ قِيقةٍ، وإِنما هِيَ قِيقاة فَحُذِفَتْ أَلِفُهَا، قَالَ: وَمَنْ قَالَ هِيَ قِيقة وَجَمْعُهَا قَياقٍ، كَمَا فِي بَيْتِ رُؤْبَةَ، كان له مخرج.

‌فصل الكاف

كأي: التَّهْذِيبُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: كأَى إِذا أَوْجَع بالكلام.

كبا:

رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: مَا أَحدٌ عَرَضْتُ عَلَيْهِ الإِسلامَ إِلا كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ كَبْوةٌ غَيرَ أَبي بَكْرٍ فإِنه لَمْ يَتَلَعْثَمْ

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الكَبْوَةُ مِثْلُ الوَقْفة تَكُونُ عِنْدَ الشَّيْءِ يَكْرَهُهُ الإِنسان يُدْعَى إِليه أَو يُراد مِنْهُ كوَقْفةِ الْعَاثِرِ، وَمِنْهُ قِيلَ: كَبا الزَّندُ فَهُوَ يَكْبُو إِذا لَمْ يُخْرج نارَه، والكَبْوَةُ فِي غَيْرِ هَذَا: السُّقُوطُ لِلْوَجْهِ، كَبا لوَجْهِهِ يَكْبُو كَبْواً سَقَطَ، فَهُوَ كابٍ. ابْنُ سِيدَهْ: كَبا كَبْواً وكُبُوًّا انكبَّ عَلَى وَجْهِهِ، يَكُونُ ذَلِكَ لِكُلِّ ذِي رُوح. وكَبَا كَبْواً: عثَر؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ ثَوْرًا رُمِيَ فسقَط:

فكَبا كَمَا يَكْبُو فَنِيقٌ تارِزٌ

بالخَبْتِ، إِلا أَنه هُوَ أَبْرَعُ

وكَبا يَكْبُو كَبْوَةً إِذا عَثَر. وَفِي تَرْجَمَةِ عَنَنَ: لكُلِّ جَوادٍ كَبْوة، وَلِكُلِّ عالِم هَفْوة، وَلِكُلِّ صارِم نَبْوة. وكَبا الزِنْدُ كَبْواً وكُبُوًّا وأَكْبَى: لَمْ يُورِ. يُقَالُ: أَكْبَى الرجلُ إِذا لَمْ تَخرج نارُ زندِه، وأَكْباه صَاحِبُهُ إِذا دَخَّن وَلَمْ يُورِ. وَفِي حَدِيثِ

أُم سَلَمَةَ: قَالَتْ لِعُثْمَانَ لَا تَقْدَحْ بزَنْدٍ كَانَ رسولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، أَكْبَاها

أَي عطَّلها مِنَ القَدْح فَلَمْ يُورِ بِهَا. وَالْكَابِي: التُّرَابُ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى وَجْهِ الأَرض. وكبَا البيتَ كَبْواً: كَنَسه. والكِبا، مَقْصُورٌ: الكُناسة، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا فِي تَثْنِيَتِهِ كِبوانِ، يَذْهَبُ إِلى أَن أَلفها وَاوٌ، قَالَ: وأَما إِمالتهم الكِبا فَلَيْسَ لأَن أَلفها مِنَ الْيَاءِ، وَلَكِنْ عَلَى التَّشْبِيهِ بِمَا يُمَالُ مِنَ الأَفعال مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ نَحْوُ غَزا، وَالْجَمْعُ أَكْباء مِثْلُ مِعًى وأَمْعاء، والكُبَةُ مِثْلُهُ، وَالْجَمْعُ كُبِين. وَفِي الْمَثَلِ: لَا تَكُونُوا كاليهودِ تَجمع أَكْباءها فِي مَساجدِها. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا تَشَبَّهوا بِالْيَهُودِ تَجْمَعُ الأَكْباء فِي دُورِهَا

أَي الكُناساتِ. وَيُقَالُ للكُناسة تُلْقَى بِفِناء الْبَيْتِ: كِبا، مَقْصُورٌ، والأَكْبَاء لِلْجَمْعِ والكِبَاء مَمْدُودٌ فَهُوَ البَخُور. وَيُقَالُ: كَبَّى ثوبَه تَكْبِيَةً إِذا بَخَّره. وَفِي الْحَدِيثِ

عَنِ الْعَبَّاسِ أَنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قُرَيْشًا جَلَسُوا فَتَذَاكَرُوا أَحْسابَهم فَجَعَلُوا مَثَلَك مَثَلَ نَخلة فِي كَبْوةٍ مِنَ الأَرض، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْق فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ، ثُمَّ حِينَ فَرَّقهم جَعَلَنِي فِي خَيْرِ الفَرِيقين، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيوتاً فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ بُيُوتِهِمْ، فأَنا خَيْرُكم نَفْسًا وَخَيْرُكُمْ بَيْتاً

؛ قَالَ شِمْرٌ: قَوْلُهُ

فِي كَبْوة

لَمْ نَسْمَعْ فِيهَا مِنْ عُلَمَائِنَا شَيْئًا، وَلَكِنَّا سَمِعْنَا الكِبا والكُبَة، وَهُوَ الكُناسة وَالتُّرَابُ الَّذِي يُكْنَس مِنَ الْبَيْتِ. وَقَالَ خَالِدٌ: الكُبِينَ السِّرْجِين، وَالْوَاحِدَةُ كُبَةٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الكُبَةُ الكُناسةُ مِنَ الأَسماء النَّاقِصَةِ، أَصلها كُبْوة، بِضَمِّ الْكَافِ مِثْلُ القُلةِ أَصلها قُلْوة، والثُّبة أَصلها ثُبْوة، وَيُقَالُ للرّبْوة كُبْوَةٌ، بِالضَّمِّ. قَالَ: وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الكِبَا الكُناسة، وَجَمْعُهُ أَكْبَاء، والكُبَةُ بِوَزْنِ قُلةٍ وظُبةٍ نَحْوُهَا، وأَصلها كُبوة وَعَلَى الأَصل جَاءَ

ص: 213

الْحَدِيثُ: قَالَ: وكأَنَّ المحدِّث لَمْ يَضْبِطْهُ فَجَعَلَهَا كَبْوَة، بِالْفَتْحِ، قَالَ ابْنُ الأَثير: فإِن صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِهَا فَوَجْهُهُ أَن تُطْلَقَ الكَبْوة، وَهِيَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الكَسْح، عَلَى الكُساحة والكُناسة. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ: الكُبا جَمْعُ كُبَةٍ وَهِيَ الْبَعْرُ، وَقَالَ: هِيَ المَزْبُلة، وَيُقَالُ فِي جَمْعِ لُغَةٍ وكُبَةٍ لُغِين وكُبِينَ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

وبالعَذَواتِ مَنْبِتُنا نُضارٌ،

ونَبْعٌ لَا فَصافِصُ فِي كُبِينا

أَراد: أَنَّا عَرَبٌ نشأْنا فِي نُزْهِ الْبِلَادِ وَلَسْنَا بحاضرة نَشَؤوا فِي الْقُرَى؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والعَذَوات جَمْعُ عَذاة وَهِيَ الأَرض الطَّيِّبَةُ، والفَصافِصُ هِيَ الرَّطْبة. وأَما كِبُون فِي جَمْعِ كِبَة فالكِبَةُ، عِنْدَ ثَعْلَبٍ، وَاحِدَةُ الكِبا وَلَيْسَ بِلُغَةٍ فِيهَا، فَيَكُونُ كِبَةٌ وكِباً بِمَنْزِلَةِ لِثَةٍ ولِثًى. وَقَالَ ابْنُ وَلَّادٍ: الكِبا القُماش، بِالْكَسْرِ، والكُبا، بِالضَّمِّ، جَمْعُ كُبَةٍ وَهِيَ الْبَعْرُ، وَجَمْعُهَا كُبُون فِي الرَّفْعِ وكُبِينَ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ، فَقَدْ حَصَلَ مِنْ هَذَا أَن الكُبا والكِبا الكُناسة والزِّبل، يَكُونُ مَكْسُورًا وَمَضْمُومًا، فَالْمَكْسُورُ جَمْعُ كِبَةٍ وَالْمَضْمُومُ جَمْعُ كُبَةٍ، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُمُ الضَّمُّ وَالْكَسْرُ فِي كِبَة، فَمَنْ قَالَ كِبَة، بِالْكَسْرِ، فَجَمْعُهَا كِبُونَ وكِبينَ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، بِكَسْرِ الْكَافِ، وَمَنْ قَالَ كُبَة، بِالضَّمِّ، فَجَمْعُهَا كُبُونَ وكِبُونَ، بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا، كَقَوْلِكَ ثُبون وثِبون فِي جَمْعِ ثُبة؛ وأَما الكِبا الَّذِي جَمْعُهُ الأَكْبَاء، عِنْدَ ابْنِ وَلَّادٍ، فَهُوَ القُماش لَا الكُناسة. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنصار قَالُوا لَهُ إِنَّا نَسْمَعُ مِنْ قَوْمِكَ إِنما مثَلُ مُحَمَّدٍ كمثَل نَخْلَةٍ تَنْبُت فِي كِباً

؛ قَالَ: هِيَ، بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ، الْكُنَاسَةُ، وَجَمْعُهَا أَكْباء؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

قِيلَ لَهُ أَيْنَ تَدْفِنُ ابْنَكَ؟ قَالَ: عِنْدَ فَرَطِنا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ

، وَكَانَ قَبْرُ عُثْمَانَ عِنْدَ كِبا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَي كُناستهم. والكِباء، مَمْدُودٌ: ضَرْبٌ مِنَ العُود والدُّخْنة، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ الْعُودُ المُتَبَخَّر بِهِ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وبانا وأَلْوِيّاً، من الهِنْدِ، ذاكِياً،

ورَنْداً ولُبْنَى والكِباء المُقَتَّرا «3»

والكُبَةُ: كالكِباء؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ: وَالْجَمْعُ كُباً. وقد كَبَّى ثوبَه، بِالتَّشْدِيدِ، أَي بَخَّره. وتَكَبَّتِ المرأَةُ عَلَى المِجمر: أَكَبَّت عَلَيْهِ بِثَوْبِهَا. وتَكَبَّى واكْتَبى إِذا تَبَخَّرَ بالعود؛ قَالَ أَبو دُوَادٍ:

يَكْتَبِينَ اليَنْجُوجَ فِي كُبَةِ

المَشْتَى، وبُلهٌ أَحْلامُهُنَّ وِسامُ «4»

أَي يَتَبَخَّرْن اليَنْجُوج، وَهُوَ العُود، وكُبَةُ الشِّتَاءِ: شِدَّةُ ضَرَرِهِ، وَقَوْلُهُ: بُلْه أَحلامهن أَراد أَنهن غَافِلَاتٌ عَنِ الخَنى والخِبّ. وكَبَتِ النارُ: عَلَاهَا الرَّماد وَتَحْتَهَا الْجَمْرُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ كَابَي الرَّمَادِ أَي عَظِيمُهُ مُنْتَفِخُهُ يَنْهَالُ أَي أَنه صَاحِبُ طَعَامٍ كَثِيرٍ. وَيُقَالُ: نَارٌ كابيةٌ إِذا غطَّاها الرَّمَادُ وَالْجَمْرُ تَحْتَهَا، وَيُقَالُ فِي مِثْلِ: الْهَابِي شرٌّ مِنَ الكَابِي؛ قَالَ: والكَابِي الْفَحْمُ الَّذِي قَدْ خَمدت نَارُهُ فكَبا أَي خَلا مِنَ النَّارِ كَمَا يُقَالُ كَبا الزَّندُ إِذا لَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ نَارٌ؛ وَالْهَابِي: الرَّمَادُ الَّذِي تَرَفَّتَ وهَبا، وَهُوَ قَبْلَ أَن يَكُونَ هَباء كابٍ. وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ:

خلقَ اللهُ الأَرضَ السُّفلَى مِنَ الزبَد الجُفاء وَالْمَاءِ الكُباء

، قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الْمَاءُ الكُباء هُوَ الْعَظِيمُ الْعَالِي، وَمِنْهُ يُقَالُ: فُلَانٌ كَابِي الرَّمَادِ أَيْ عظيم الرماد. وكَبا

(3). قوله [المقترا] هذا هو الصواب بصيغة اسم المفعول فما وقع في رند خطأ.

(4)

. قوله [في كبة] تقدم ضبطه في نجج من اللسان خطأ والصواب ما هنا.

ص: 214

الفَرسُ إِذا ربَا وَانْتَفَخَ؛ الْمَعْنَى أَنه خَلَقَهَا مِنْ زَبَد اجْتَمَعَ لِلْمَاءِ وتكاثفَ فِي جنَبات الْمَاءِ وَمِنَ الْمَاءِ الْعَظِيمِ، وَجَعَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ حَدِيثًا مَرْفُوعًا. وكَبا النارَ: أَلقى عَلَيْهَا الرَّمَادَ. وكَبا الجَمْرُ: ارْتَفَعَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي عارِم الْكِلَابِيِّ فِي خَبَرٍ لَهُ ثُمَّ أَرَّثْت نارِي ثُمَّ أَوْقَدْتُ حَتَّى دفِئَتْ حَظيرتي وكَبا جَمرها أَي كَبا جَمْر نَارِي. وخَبَتِ النارُ أَي سَكَنَ لَهَبُهَا، وكَبَت إِذا غطَّاها الرَّماد وَالْجَمْرُ تَحْتَهُ، وهَمَدت إِذا طَفِئَت وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ الْبَتَّةَ. وعُلْبة كَابِيَةٌ: فِيهَا لَبَنٌ عَلَيْهَا رَغْوة، وكَبَوت الشَّيْءَ إِذا كسَحْته، وكَبَوْت الكُوز وَغَيْرَهُ: صَبَبْت مَا فِيهِ. وكَبَا الإِناءَ كَبْواً: صبَّ مَا فِيهِ. وكَبَا لونُ الصُّبْحِ وَالشَّمْسِ: أَظلم. وكَبَا لونُه: كَمَد. وكَبَا وجهُه: تَغيّر، وَالِاسْمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الكَبْوَة. وأَكْبَى وَجْهَه: غَيَّره؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

لَا يَغْلِبُ الجَهْلُ حِلْمي عِنْدَ مَقْدُرةٍ،

وَلَا العظيمةُ من ذي الظُّعْنِ تُكْبِيني

وَفِي حَدِيثِ

أَبي مُوسَى: فَشَقَّ عَلَيْهِ حَتَّى كَبَا وجههُ

أَي ربَا وَانْتَفَخَ مِنَ الغَيْظ. يُقَالُ: كَبا الفرسُ يَكْبُو إِذا انْتَفَخَ وَرَبَا، وكَبا الغبارُ إِذا ارْتَفَعَ. وَرَجُلٌ كَابِي اللونِ: عَلَيْهِ غَبَرة. وكَبَا الغُبارُ إِذا لَمْ يَطِر وَلَمْ يَتَحَرَّكْ. وَيُقَالُ: غُبار كابٍ أَي ضَخْمٌ؛ قَالَ رَبِيعَةُ الأَسدي:

أَهْوَى لَهَا تحتَ العَجاجِ بطَعْنةٍ،

والخَيْلُ تَرْدِي فِي الغُبارِ الكَابِي

والكَبْوَة: الغَبَرَةُ كالهَبْوَة. وكَبَا الْفَرَسُ كَبْواً: لَمْ يَعرق. وكَبَا الْفَرَسُ يَكْبُو إِذا رَبا وَانْتَفَخَ مِنْ فَرَق أَو عَدْوٍ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

جَرَى ابنُ لَيْلى جِرْيةَ السَّبُوحِ،

جِريةَ لَا كابٍ وَلَا أَنُوحِ

اللَّيْثُ: الْفَرَسُ الكَابِي الَّذِي إِذا أَعْيا قَامَ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ مِنَ الإِعياء. وكَبَا الفرسُ إِذا حُنِذَ بالجِلال فَلَمْ يَعرق. أَبو عَمْرٍو: إِذا حَنَذْتَ الْفَرَسَ فَلَمْ يَعْرَقْ قِيلَ كَبَا الفرسُ، وَكَذَلِكَ إِذا كَتَمْت الرَّبْوَ.

كتا: الكَتْوُ: مُقَارَبَةُ الْخَطْوِ، وَقَدْ كَتَا. ابْنُ الأَعرابي: أَكْتَى إِذا غَلا «1» عَلَى عَدُوِّهِ. اللَّيْثُ. اكْتَوْتَى الرجلُ فَهُوَ يَكْتَوتِي إِذا بَالَغَ فِي صِفَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ وَلَا عَمَلٍ، وَعِنْدَ الْعَمَلِ يَكْتَوتِي أَي كأَنه يَنْقَمِع. واكْتَوْتَى إِذا تَتَعْتَع.

كثا: الكُثْوة: التُّرَابُ الْمُجْتَمِعُ كالجُثْوة، وكُثْوةُ اللَّبَنِ كَكُثْأَته، وَهُوَ الْخَاثِرُ الْمُجْتَمِعُ عَلَيْهِ. وكُثْوة: اسْمُ رَجُلٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه سُمِّيَ بِهَا. وأَبو كُثْوة: شاعر. الجوهري: وكَثْوة، بِالْفَتْحِ، اسْمُ أُم شَاعِرٍ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ كَثْوة؛ وَهُوَ الْقَائِلُ:

أَلا إنَّ قَوْمِي لَا تُلَطُّ قُدُورُهم،

ولَكِنَّما يُوقَدْن بالعَذِراتِ

أَي لَا يَسْتُرُونَ قُدورهم وإِنما يَجْعَلُونَهَا فِي أَفْنِية دُورِهِمْ لِتَظْهَرَ. والكَثا، مَقْصُورٌ: شَجَرٌ مِثْلُ شَجَرِ الغُبَيْراء سَوَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلا أَنه لَا رِيحَ لَهُ، وَلَهُ أَيضاً ثَمَرَةٌ مِثْلُ صِغَارِ ثَمَرِ الغُبَيراء قَبْلَ أَن يَحْمرَّ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ بِالْوَاوِ لأَنَّا لَا نَعْرِفُ فِي الْكَلَامِ ك ث ي. والكَثَاءةُ، مَمْدُودَةٌ مُؤَنَّثَةٌ بِالْهَاءِ: جِرْجِير الْبَرِّ؛ عَنْهُ أَيضاً، قَالَ: وَقَالَ أَعرابي هُوَ الكَثاة، مَقْصُورٌ.

(1). قوله [غلا] هو بالمعجمة كما في الأصل والتهذيب والتكملة وبعض نسخ القاموس.

ص: 215

أَبو مَالِكٍ: الكَثاة بِلَا هَمْزٍ وكَثًى كَثِيرٌ وَهُوَ الأَيْهُقان والنَّهَقُ والجِرْجِير كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَزَيْدُ بْنُ كَثْوة كأَنه فِي الأَصل كَثْأَة فَتُرِكَ هَمْزُهُ فَقِيلَ كَثْوة. وكَثْوَى: اسْمُ رَجُلٍ، قِيلَ إِنه اسْمُ أَبي صالح، عليه السلام.

كحا: الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي: كَحَا إِذا فَسَد، قَالَ: وَهُوَ حَرْفٌ غَرِيبٌ.

كدا: كَدَت الأَرض تَكْدُو كَدْواً وكُدُوّاً، فَهِيَ كَادِيَةٌ إِذا أَبطأَ نَبَاتُهَا؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ:

عَقْر العَقِيلةِ مِن مَالِي، إِذا أَمِنَتْ

عَقائلُ المالِ عَقْرَ المُصْرِخِ الكَادِي

الكَادِي: الْبَطِيءُ الْخَيْرِ مِنَ الْمَاءِ. وكَدَا الزَّرْعَ وَغَيْرَهُ مِنَ النَّبَاتِ: سَاءَتْ نِبْتَته. وكَدَاه البردُ: ردَّه فِي الأَرض. وكَدَوْتُ وَجْهَ الرَّجُلِ أَكْدُوه كَدْواً إِذا خَدَشته. والكُدْيَة والكَادِيَةُ: الشدَّة مِنَ الدَّهْرِ. والكُدْيَة: الأَرض الْمُرْتَفِعَةُ، وَقِيلَ: هُوَ شَيْءٌ صُلب مِنَ الْحِجَارَةِ وَالطِّينِ. والكُدْيَة: الأَرض الْغَلِيظَةُ، وَقِيلَ: الأَرض الصُّلْبَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الصَّفاة الْعَظِيمَةُ الشَّدِيدَةُ. والكُدْيَة: الِارْتِفَاعُ مِنَ الأَرض. والكُدْيَة: صَلابة تَكُونُ فِي الأَرض. وأَصابَ الزرعَ بَردٌ فكَدَاه أَي ردَّه فِي الأَرض. وَيُقَالُ أَيضاً: أَصابتهم كُدْيَة وكادِيَةٌ مِنَ الْبَرْدِ، والكُدْيَةُ كلُّ مَا جُمع مِنْ طَعَامٍ أَو تُرَابٍ أَو نَحْوِهِ فَجُعِلَ كُثْبة، وَهِيَ الكُدَايةُ والكُداة «1» أَيضاً. وحفَر فأَكْدَى إِذا بَلَغَ الصُّلْبَ وصادَف كُدْية. وسأَله فأَكْدَى أَي وَجَدَهُ كالكُدْيةِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَكَانَ قِيَاسُ هَذَا أَن يُقَالَ فأَكْداه وَلَكِنَّ هَكَذَا حَكَاهُ. وَيُقَالُ: أَكْدَى أَي أَلَحَّ فِي المسأَلة؛ وأَنشد:

تَضَنُّ فَنُعْفِيها، إِن الدارُ ساعَفَتْ،

فَلَا نحنُ نُكْدِيها، وَلَا هِيَ تَبْذُلُ

وَيُقَالُ: لَا يُكْدِيك سُؤالي أَي لَا يُلحُّ عَلَيْكَ، وَقَوْلُهُ: فَلَا نَحْنُ نُكديها أَي فَلَا نَحْنُ نُلِحُّ عَلَيْهَا. وَتَقُولُ: لَا يُكْدِيك سُؤَالِي أَي لَا يُلح عَلَيْكَ سُؤَالِي؛ وَقَالَتْ خَنْسَاءُ:

فَتَى الفِتْيانِ مَا بَلغُوا مَداهُ،

وَلَا يُكْدِي، إِذا بَلَغَتْ كُداها

أَي لَا يَقطع عَطَاءَهُ وَلَا يُمسك عَنْهُ إِذا قَطَعَ غَيْرُهُ وأَمسك. وضِبابُ الكُدَا: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَن الضِّباب مُولعة بِحَفْرِ الكُدا، وَيُقَالُ ضَبُّ كُدْيةٍ، وَجَمْعُهَا كُداً. وأَكْدَى الرجلُ: قلَّ خَيْرُهُ، وَقِيلَ: المُكْدِي مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي لَا يَثُوب لَهُ مَالٌ وَلَا يَنْمِي، وَقَدْ أَكْدَى؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

وأَصْبَحَتِ الزُّوّارُ بَعدكَ أَمْحَلُوا،

وأُكْدِيَ باغِي الخَيْرِ وانْقَطَعَ السَّفْرُ

وأَكْدَيْتُ الرَّجُلَ عَنِ الشَّيْءِ: رَدَدْتُهُ عَنْهُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ عِنْدَ قَهْرِ صَاحِبِهِ لَهُ: أَكْدَتْ أَظفارك. وأَكدَى الْمَطَرُ: قَلَّ ونَكِد. وكَدَى الرَّجُلُ يَكْدِي وأَكْدَى: قَلَّلَ عَطَاءَهُ، وَقِيلَ: بَخِلَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى

؛ قِيلَ أَي وقَطع الْقَلِيلَ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَكْدَى أَمسك مِنَ العَطِيَّة وقَطَع، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى أَكْدَى قَطَعَ، وأَصله مِنَ الْحَفْرِ فِي الْبِئْرِ، يُقَالُ لِلْحَافِرِ إِذا بَلَغَ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ إِلى حَجَرٍ لَا يُمَكِّنه مِنَ الْحَفْرِ: قَدْ بَلَغَ إِلى الكُدْية، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَقطع الحفر. التهذيب: ويقال

(1). قوله [والكداة] كذا ضبط في الأصل، وفي شرح القاموس أنها بالفتح.

ص: 216

الكِدا، بِكَسْرِ الْكَافِ «1» ، الْقَطْعُ مِنْ قَوْلِكَ أَعطى قَلِيلًا وأَكْدَى أَي قَطَعَ. والكَدَا: الْمَنْعُ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

بَلَى ثُمَّ لَمْ نَمْلِك مَقادِيرَ سُدِّيَتْ

لَنَا مِنْ كَدَا هِنْدٍ، عَلَى قِلَّةِ الثَّمْدِ

أَبو عَمْرٍو: أَكْدَى مَنَعَ، وأَكْدَى قطَع، وأَكْدَى إِذا انْقَطَعَ، وأَكْدَى النَّبْت إِذا قَصُر مِنَ الْبَرْدِ، وأَكْدَى العامُ إِذا أَجدَبَ، وأَكْدَى إِذا بَلَغَ الكُدَا، وَهِيَ الصَّحْرَاءُ، وأَكْدَى الحافِر إِذا حَفَر فَبَلَغَ الكُدا، وَهِيَ الصُّخُورُ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَن يَحْفِرَ. وكَدِيَتْ أَصابعه أَي كَلَّت مِنَ الْحَفْرِ. وَفِي حَدِيثِ الْخَنْدَقِ:

فعَرَضَت فِيهِ كُدْية فأَخذ المِسْحاة ثُمَّ سمَّى وَضَرَبَ

؛ الكُدُيَةُ: قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ صُلبة لَا يُعْمَلُ فِيهَا الفأْس؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ

عَائِشَةَ تَصِفُ أَباها، رضي الله عنهما: سَبَق إِذ وَنَيْتُم ونَجَح إِذ أَكْدَيْتم

أَي ظَفِر إِذ خِبتم وَلَمْ تَظْفَرُوا، وأَصله مِنْ حافِر الْبِئْرِ يَنْتَهِي إِلى كُدْية فَلَا يُمْكِنُهُ الْحَفْرُ فَيَتْرُكُهُ؛ وَمِنْهُ:

أَنَّ فَاطِمَةَ، رضي الله عنها، خَرَجَتْ فِي تَعْزية بَعْضِ جِيرَانِهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَتْ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: لَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الكُدَى

، أَراد المَقابرَ، وَذَلِكَ لأَنه كَانَتْ مَقابِرُهم فِي مَوَاضِعَ صُلْبَة، وَهِيَ جَمْعُ كُدْيَة، وَيُرْوَى بِالرَّاءِ، وَسَيَجِيءُ. ابْنُ الأَعرابي: أَكْدَى افْتَقَر بَعْدَ غِنًى، وأَكْدَى قَمِئَ خَلْقه، وأَكْدَى المَعْدِنُ لَمْ يَتَكَوَّنْ فِيهِ جَوْهَرٌ. وبَلَغ الناسُ كُدْيةَ فُلَانٍ إِذا أَعطَى ثُمَّ مَنع وأَمسَك. وكَدِيَ الجِرْوُ، بِالْكَسْرِ، يَكْدَى كَداً: وَهُوَ دَاءٌ يأْخذ الجِراء خَاصَّةً يُصِيبُهَا مِنْهُ قَيء وسُعال حَتَّى يُكْوَى مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَيَذْهَبُ. شِمْرٌ: كَدِيَ الْكَلْبُ كَداً إِذا نَشِب الْعَظْمُ فِي حَلقْه، وَيُقَالُ: كَدِيَ بِالْعَظْمِ إِذا غَصَّ بِهِ؛ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنِ شُمَيْلٍ. وكَدِيَ الفصيلُ كَداً إِذا شَرِبَ اللَّبَنَ ففسَد جَوْفُه. ومِسْك كَدِيٌّ: لَا رَائِحَةَ لَهُ. والمُكْدِيةُ مِنَ النِّسَاءِ: الرَّتْقاء. وَمَا كَداك عَنِّي أَي مَا حبَسك وشغَلك. وكُدَيٌّ وكَدَاء: مَوْضِعَانِ، وَقِيلَ: هُمَا جَبَلَانِ بِمَكَّةَ، وَقَدْ قِيلَ كَداً، بِالْقَصْرِ؛ قَالَ ابْنُ قَيْسِ الرُّقَيّاتِ:

أَنتَ ابنُ مُعْتَلَجِ البِطاح

كُدَيِّها وكَدائِها «2»

ابْنُ الأَنباري: كَدَاء، مَمْدُودٌ، جَبَلٌ بِمَكَّةَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: كَدًا جَبَلٌ آخَرُ؛ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

عَدِمْنا خَيْلَنا، إِنْ لم تَرَوْها

تُثيرُالنَّقْعَ، مَوْعِدُها كَداء

وَقَالَ بَشِيرُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الأَنصاري:

فسَلِ الناسَ، لَا أَبا لَكَ عَنّا

يومَ سالَتْ بالمُعْلِمِينَ كَداء

قَالَ: وَكَذَلِكَ كُدَيٌّ؛ قَالَ ابْنُ قَيس الرُّقَيَّات:

أَقْفَرَتْ بعدَ عَبْدِ شَمْسٍ كَداء،

فَكُدَيٌّ فالرُّكْنُ فالبَطْحاء

وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَداء وَدَخَلَ فِي العُمرة مِنْ كُدًى

، وَقَدْ رُوِيَ بِالشَّكِّ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ وتكرارها.

(1). قوله [الكِدَا بكسر الكاف إلخ] كذا في الأصل، وعبارة القاموس: والكِدَاء ككساء المنع والقطع، وعبارة التكملة: وقال ابن الأنباري الكِدَاء، بالكسر والمدّ: القطع.

(2)

. قوله [أنت ابن إلخ] في التكملة: وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ يَمْدَحُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ:

فاسمع أمير المؤمنين

لمدحتي وثنائها،

أنت ابن معتلج البطاح

كُدَيِّهَا وكَدَائِها

ص: 217

وكَداء، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: الثَّنِيَّةُ الْعُلْيَا بِمَكَّةَ مِمَّا يَلِي الْمَقَابِرَ، وَهُوَ المَعْلَى. وكُداً، بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ: الثَّنِيَّةُ السُّفْلَى مِمَّا يَلِي بَابَ الْعُمْرَةِ، وأَما كُدَيٌّ، بِالضَّمِّ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، فَهُوَ مَوْضِعٌ بأَسفل مَكَّةُ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى. ابْنُ الأَعرابي: دَكا إِذا سَمِن وكَدا إِذا قطَع.

كَذَا: ابْنُ الأَعرابي: أَكْذى الشيءُ إِذا احمرَّ، وأَكْذَى الرجلُ إِذا احمرَّ لَوْنُهُ ممن خَجَلٍ أَو فَزَعٍ، ورأَيته كاذِياً «3» كَرِكاً أَي أَحمرَ، قَالَ: والكَاذِي والجِرْيال البَقَّم، وَقَالَ غَيْرُهُ: الكَاذِي ضَرْبٌ مِنَ الأَدْهان مَعْرُوفٌ، والكَاذِي ضَرْبٌ مِنَ الْحُبُوبِ يُجْعَلُ فِي الشَّرَابِ فَيُشَدِّدُهُ. اللَّيْثُ: الْعَرَبُ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، كَافُهُمَا كَافُ التَّشْبِيهِ وَذَا اسْمٌ يُشَارُ بِهِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: قَوْلُهُمْ كَذَا كِنَايَةٌ عَنِ الشَّيْءِ، تَقُولُ فَعَلْت كَذَا وكَذَا يَكُونُ كِنَايَةً عَنِ الْعَدَدِ فَتَنْصِبُ مَا بَعْدَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ، تَقُولُ: لَهُ عِنْدِي كَذَا وكَذَا دِرْهَمًا، كَمَا تَقُولُ لَهُ عِنْدِي عِشْرُونَ دِرْهَمًا. وَفِي الْحَدِيثِ:

نَجِيءُ أَنا وأُمتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كَذَا وكَذَا

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي مُسْلِمٍ كأَن الرَّاوِيَ شَكَّ فِي اللَّفْظِ فَكَنَّى عَنْهُ بكَذَا وكَذَا، وَهِيَ مِنْ أَلفاظ الكِنايات مثْل كَيْتَ وكَيْتَ، وَمَعْنَاهُ مِثْلُ ذَا، ويُكنى بِهَا عَنِ الْمَجْهُولِ وَعَمَّا لَا يُرَادُ التَّصْرِيحُ بِهِ؛ قَالَ أَبو مُوسَى: الْمَحْفُوظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ

نَجِيءُ أَنا وأُمتي عَلَى كَوْم

أَو لَفْظٍ يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ: كَذَاك لَا تَذْعَرُوا عَلَيْنَا إِبلَنا

أَي حَسْبُكم، وَتَقْدِيرُهُ دَعْ فِعْلَك وأَمرَك كَذاك، وَالْكَافُ الأُولى وَالْآخِرَةُ زَائِدَتَانِ لِلتَّشْبِيهِ وَالْخِطَابِ وَالِاسْمُ ذَا، وَاسْتَعْمَلُوا الْكَلِمَةَ كُلَّهَا اسْتِعْمَالَ الِاسْمِ الْوَاحِدِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى. يُقَالُ: رَجُلٌ كَذَاكَ أَي خَسِيسٌ. واشْتَرِ لِي غُلَامًا وَلَا تَشْتَرِهِ كَذَاكَ أَي دَنِيئاً، وَقِيلَ: حَقِيقَةٌ كَذَاكَ أَي مِثْلُ ذَاكَ، وَمَعْنَاهُ الْزَمْ مَا أَنت عَلَيْهِ وَلَا تَتَجَاوَزْهُ، وَالْكَافُ الأُولى مَنْصُوبَةُ الْمَوْضِعِ بِالْفِعْلِ الْمُضْمَرِ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي بَكْرٍ، رضي الله عنه، يَوْمَ بَدْر: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَذَاك

أَي حَسْبُك الدُّعاء فإِن اللَّهَ مُنجز لك ما وعدك.

كرا: الكِرْوَةُ والكِراء: أَجر المستأْجَر، كَارَاه مُكَارَاةً وكِرَاءً واكْتَرَاه وأَكْرَانِي دابَّتَه ودارَه، والاسمُ الكِرْوُ بِغَيْرِ هَاءٍ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيُّ، وَكَذَلِكَ الكِرْوَةُ والكُرْوَةُ، والكِرَاء مَمْدُودٌ لأَنه مصدر كَارَيْت، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنك تَقُولُ رَجُلٌ مُكارٍ، ومُفاعِلٌ إِنَّمَا هُوَ مِنْ فاعَلْت، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ لأَنك تَقُولُ أَعطيت الكَرِيَّ كِرْوَتَه، بِالْكَسْرِ؛ وَقَوْلُ جَرِيرٍ:

لَحِقْتُ وأَصْحابي عَلَى كُلِّ حُرَّةٍ

مَرُوحٍ، تُبارِي الأَحْمَسِيَّ المُكَارِيا

وَيُرْوَى: الأَحمشي، أَراد ظِلَّ النَّاقَةِ شَبَّهَهُ بِالْمُكَارِي؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كَذَا فَسَّرَ الأَحمشي فِي الشِّعْرِ بأَنه ظِلَّ النَّاقَةِ. والمُكَارِي: الَّذِي يَكْرُو بِيَدِهِ فِي مَشْيِهِ، وَيُرْوَى الأَحْمَسِي مَنْسُوبٌ إِلى أَحْمَس رَجُلٌ مِنْ بَجيلة. والمُكاري عَلَى هَذَا الحادِي، قَالَ: والمُكارِي مُخَفَّفٌ، وَالْجَمْعُ المُكارون، سَقَطَتِ الْيَاءُ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ، تَقُولُ هَؤُلَاءِ المُكارُون وَذَهَبْتُ إِلى المُكارِينَ، وَلَا تَقُلِ المُكارِيِّين بِالتَّشْدِيدِ، وإِذا أَضفت المُكارِيَ إِلى نَفْسِكَ قُلْتَ هَذَا مُكارِيَّ، بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ تَقُولُ هَؤُلَاءِ مُكارِيَّ، سَقَطَتْ نُونُ الْجَمْعِ للإِضافة وَقُلِبَتِ الْوَاوُ

(3). قوله [كَاذِياً إلخ] الكَاذِي بمعنى الأحمر وغيره، لم يضبط في سائر الأصول التي بأيدينا إلا كما ترى، لكن عبارة التكملة: الكَاذِي، بتشديد الياء، من نبات بلاد عمان وهو الذي يطيب به الدهن الذي يقال له الكَاذِي، ووصفت ذلك النبات.

ص: 218

يَاءً وفَتَحْت يَاءَكَ وأَدغمتَ لأَن قَبْلَهَا سَاكِنًا، وهذانِ مُكارِيايَ تَفْتَحُ يَاءَكَ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي قاضِيَّ وراميَّ وَنَحْوِهِمَا. والمُكارِي والكَرِيُّ: الَّذِي يُكْرِيك دَابَّتَهُ، وَالْجَمْعُ أَكْرِياء، لَا يُكَسَّرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وأَكْرَيْت الدارَ فَهِيَ مُكْرَاة وَالْبَيْتُ مُكْرًى، واكْتَرَيت واسْتَكْرَيْت وتَكَارَيْت بِمَعْنًى. والكَرِيُّ، عَلَى فَعِيل: المُكارِي؛ وَقَالَ عُذافِر الكِندي:

وَلَا أَعودُ بَعْدَهَا كَرِيّا،

أُمارِسُ الكَهْلةَ والصَّبيَّا

وَيُقَالُ: أَكْرَى الكَرِيُّ ظَهْرَهُ. والكَرِيُّ أَيضاً: المُكْترِي. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما: أَن امرأَة مُحرمة سأَلته فَقَالَتْ أَشَرْت إِلى أَرْنَبٍ فَرَمَاهَا الكَرِيُ

؛ الكَرِيُّ، بِوَزْنِ الصَّبيّ: الَّذِي يُكري دَابَّتَهُ، فَعِيل بِمَعْنَى مُفْعِل. يُقَالُ: أَكْرَى دَابَّتَهُ فَهُوَ مُكْرٍ وكَرِيٌّ، وَقَدْ يَقَعُ عَلَى المُكْتَرِي فَعِيل بِمَعْنَى مُفْعَل، وَالْمُرَادُ الأَول. وَفِي حَدِيثِ

أَبي السَّليل: الناسُ يَزْعُمُونَ أَنَّ الكَرِيَّ لَا حَجَّ لَهُ.

والكَرِيُّ: الَّذِي أَكريته بَعِيرَكَ، وَيَكُونُ الكَرِيّ الَّذِي يُكْريك بَعِيرَهُ فأَنا كَرِيُّك وأَنت كَرِيِّي؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

كَرِيُّه مَا يُطْعِم الكَرِيّا،

بِاللَّيْلِ، إِلا جِرْجِراً مَقْلِيّا

ابْنُ السِّكِّيتِ: أَكْرَى الكَرِيُّ ظَهْرَهُ يُكْرِيه إِكْرَاء. وَيُقَالُ: أَعطِ الكَرِيَّ كِرْوَتَه؛ حَكَاهَا أَبو زَيْدٍ. ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ الكِرَاء مَمْدُودٌ لأَنه مَصْدَرُ كَارَيْت، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنك تَقُولُ رَجُلٌ مُكَارٍ مُفاعِل، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ. وَيُقَالُ: اكْتَرَيْتُ مِنْهُ دَابَّةً واسْتَكْرَيْتها فأَكْرَانِيها إِكْرَاءً، وَيُقَالُ للأُجرة نَفْسِهَا كِرَاءٌ أَيضاً. وكَرَا الأَرضَ كَرْواً: حفَرها وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ. وَفِي حَدِيثِ

فَاطِمَةَ، رضي الله عنها: أَنها خَرَجَتْ تُعَزِّي قَوْمًا، فَلَمَّا انْصَرَفَتْ قَالَ لَهَا: لَعَلكِ بَلغْتِ مَعَهُمُ الكُرَى؟ قَالَتْ: معاذَ اللهِ

هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِالرَّاءِ، وَهِيَ القُبور جَمْعُ كُرْيةٍ أَو كُرْوةٍ، مَنْ كَرَيْتُ الأَرض وكَرَوْتُها إِذا حَفَرْتُهَا كالحُفرة؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

أَن الأَنصار سأَلوا رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي نَهْرٍ يَكْرُونه لَهُمْ سَيْحاً

أَي يَحْفِرُونه ويُخْرِجون طِينَهُ. وكَرَا الْبِئْرُ كَرْواً: طَوَاهَا بِالشَّجَرِ. وكَرَوْتُ الْبِئْرَ كَرْواً: طَوَيْتُهَا. أَبو زَيْدٍ: كَرَوْتُ الرَّكِيَّة كَرْواً إِذا طَوَيْتَهَا بِالشَّجَرِ وعَرَشْتها بِالْخَشَبِ وَطَوَيْتَهَا بِالْحِجَارَةِ، وَقِيلَ: المَكْرُوَّة مِنَ الْآبَارِ الْمَطْوِيَّةِ بالعَرْفَج والثُّمام والسَّبَط.، وكَرَا الغلامُ يَكْرُوا كَرْواً إِذا لَعِبَ بالكُرة. وكَرَوْتُ بالكُرة أَكْرُو بِهَا إِذا ضَرَبْتَ بِهَا ولَعِبت بِهَا. ابْنُ سِيدَهْ: والكُرَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ مَا أَدَرْت مِنْ شَيْءٍ. وكَرَا الكُرَة كَرْواً: لَعِبَ بِهَا؛ قَالَ الْمُسَيَّبُ بْنُ عَلَس:

مَرِحَت يَداها للنَّجاء، كأَنما

تَكْرُو بِكَفَّي لاعِبٍ فِي صاعِ

والصاعُ: الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الأَرض كالحُفْرة. ابْنُ الأَعرابي: كَرَى النَّهْرَ يَكْرِيه إِذا نَقَصَ تِقْنَه، وَقِيلَ: كَرَيْت النَّهْرَ كَرْياً إِذا حَفَرْتَهُ. والكُرَةُ: الَّتِي يُلعَبُ بِهَا، أَصلها كُرْوَةٌ فَحُذِفَتِ الْوَاوُ، كَمَا قَالُوا قُلةٌ لِلَّتِي يُلعب بِهَا، والأَصل قُلْوةٌ، وَجَمْعُ الكُرَةِ كُراتٌ وكُرُون. الْجَوْهَرِيُّ: الكُرَةُ الَّتِي تُضرب بالصَّوْلَجان وأَصلها كُرَوٌ، وَالْهَاءُ

ص: 219

عِوض، وَتُجْمَعُ عَلَى كُرِين وكِرِينَ أَيضاً، بِالْكَسْرِ، وكُرَاتٍ؛ وَقَالَتْ لَيْلَى الأَخيلية تَصِفُ قَطاة تدلَّت عَلَى فِراخِها:

تَدَلَّت عَلَى حُصٍّ ظِماءٍ كأَنها

كُرَاتُ غُلامٍ فِي كِساءٍ مُؤَرْنَبِ

وَيُرْوَى: حُصِّ الرؤوس كأَنها؛ قَالَ: وَشَاهِدُ كُرِينَ قول الآخر «1» :

يُدَهْدِين الرُّؤوسَ كَمَا يُدَهْدي

حَزاوِرةٌ، بأَيديها، الكُرِينا

وَيُجْمَعُ أَيضاً عَلَى أُكَرٍ، وأَصله وُكَرٌ مَقْلُوبُ اللَّامِ إِلى مَوْضِعِ الْفَاءِ، ثُمَّ أُبدلت الْوَاوُ هَمْزَةً لِانْضِمَامِهَا. وكَرَوْتُ الأَمرَ وكَرَيْتُه: أَعَدْتُه مَرَّةً بَعْدَ أُخرى. وكَرَتِ الدَّابَّةُ كَرْواً: أَسرعت. والكَرْوُ: أَن يَخْبِط بِيَدِهِ فِي اسْتِقَامَةٍ لَا يَفْتِلُها نَحْوَ بَطْنِهِ، وَهُوَ مِنْ عُيُوبِ الْخَيْلِ يَكُونُ خِلْقة، وَقَدْ كَرَى الفرسُ كَرْواً وكَرَتِ المرأَةُ فِي مِشْيَتها تَكْرُو كَرْواً. والكَرَا: الفَحَجُ فِي السَّاقَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ دِقَّة السَّاقَيْنِ والذِّراعين، امرأَة كَرْوَاءُ وَقَدْ كَرِيَت كَراً، وَقِيلَ: الكَرْوَاء المرأَة الدَّقِيقَةُ السَّاقَيْنِ. أَبو بَكْرٍ: الكَرَا دِقَّةُ السَّاقَيْنِ، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بالأَلف، يُقَالُ: رَجُلٌ أَكْرَى وامرأَة كَرْوَاءُ؛ وَقَالَ:

ليْسَتْ بكَرْوَاءَ، ولكِنْ خِدْلِمِ،

وَلَا بِزَلَّاءَ، ولكِنْ سُتْهُمِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَن تُرْفَعَ قَافِيَتُهُ؛ وَبَعْدَهُمَا:

وَلَا بِكَحْلاء، ولكِن زُرْقُم

والكَرَوَانُ، بِالتَّحْرِيكِ: طَائِرٌ وَيُدْعَى الحجلَ والقَبْجَ، وَجَمْعُهُ كِرْوَانٌ، صَحَّتِ الْوَاوُ فِيهِ لِئَلَّا يَصِيرَ مِنْ مِثَالِ فَعَلان فِي حَالِ اعْتِلَالِ اللَّامِ إِلى مِثَالِ فَعالٍ، وَالْجَمْعُ كَرَاوِينُ، كَمَا قَالُوا وراشِينُ؛ وأَنشد بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ فِي صِفَةِ صَقْرٍ لِدَلَمٍ العَبْشَمي وَكُنْيَتُهُ أَبو زَغْبٍ:

عَنَّ لَهُ أَعْرَفُ ضَافِي العُثْنُونْ،

داهِيةً صِلَّ صَفاً دُرَخْمِينْ،

حَتْفَ الحُبارَياتِ والكَراوِينْ

والأُنثى كَرَوانةٌ، وَالذَّكَرُ مِنْهَا الكَرَا، بالأَلف؛ قَالَ مُدرك بْنِ حِصْن الأَسدي:

يَا كَرَواناً صُكَّ فاكْبَأَنَّا،

فَشَنَّ بالسَّلْحِ، فَلَمَّا شَنَّا،

بَلَّ الذُّنابى عَبَساً مُبِنَّا

قَالُوا: أَراد بِهِ الحُبارى يَصُكُّه الْبَازِي فيتَّقِيه بسَلْحِه، وَيُقَالُ لَهُ الكُرْكِيُّ، وَيُقَالُ لَهُ إِذا صيدَ: أَطْرِقْ كَرا أَطْرِقْ كَرا إِن النَّعامَ فِي القُرى، وَالْجَمْعُ كِرْوانٌ، بِكَسْرِ الْكَافِ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، كَمَا إِذا جَمَعْتَ الوَرشانَ قُلْتَ وِرْشانٌ، وَهُوَ جَمْعٌ بِحَذْفِ الزَّوَائِدِ، كأَنهم جَمَعُوا كَراً مِثْلَ أَخٍ وإخْوان. والكَرا: لُغَةٌ فِي الكَرَوانِ؛ أَنشد الأَصمعي لِلْفَرَزْدَقِ:

عَلَى حِينَ أَن رَكَّيْتُ وابْيَضَّ مِسْحَلي،

وأَطْرَقَ إِطْراقَ الكَرا مَن أُحارِبُه «2»

ابْنُ سِيدَهْ: وَفِي الْمَثَلِ أَطْرِقْ كَرا إِنَّ النَّعامَ فِي القُرى؛ غَيْرُهُ: يُضْرَبُ مَثَلًا لِلرَّجُلِ يُخْدَعُ بِكَلَامٍ يُلَطَّف لَهُ ويُراد بِهِ الْغَائِلَةُ، وَقِيلَ: يُضْرَبُ مَثَلًا لِلرَّجُلِ يُتَكَلَّم عِنْدَهُ بِكَلَامٍ فَيَظن أَنه هُوَ الْمُرَادُ بِالْكَلَامِ، أَي اسْكُتْ فإِني أُريد مَنْ هُوَ أَنْبَلُ مِنْكَ وأَرفع مَنْزِلَةً؛ وَقَالَ أَحمد بْنُ عُبَيْدٍ: يضرب للرجل

(1). هو عمرو بن كلثوم

(2)

. قوله [عَلَى حِينَ أَنْ رَكَّيْتُ] كذا بالأصل، والذي في الديوان:

أحين التقى ناباي وابيض مسحلي

ص: 220

الْحَقِيرِ إِذا تَكَلَّمَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُشبهه وأَمثالَه الكلامُ فِيهِ، فَيُقَالُ لَهُ اسْكُتْ يَا حَقِيرُ فإِنَّ الأَجِلَّاء أَولى بِهَذَا الْكَلَامِ مِنْكَ. والكَرا: هو الكَرَوانُ طَائِرٌ صَغِيرٌ، فخُوطب الكَروانُ وَالْمَعْنَى لِغَيْرِهِ، ويُشبَّه الكَرَوَانُ بالذَّلِيل، والنعامُ بالأَعزة، وَمَعْنَى أَطْرِقْ أَي غُضَّ مَا دَامَ عَزِيزٌ فَإِيَّاكَ أَن تَنطِق أَيها الذَّلِيلُ، وَقِيلَ: مَعْنَى أَطرق كَرَا أَن الكَرَوَان ذَلِيلٌ فِي الطَّيْرِ وَالنَّعَامُ عَزِيزٌ، يُقَالُ: اسْكُنْ عندَ الأَعزة وَلَا تَسْتَشْرِفْ لِلَّذِي لَسْتَ لَهُ بِنِدٍّ، وَقَدْ جَعَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ تَرْخِيمَ كَرَوَانٍ فَغَلِطَ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ يَعْرِفْ سِيبَوَيْهِ فِي جَمْعِ الكَرَوَانِ إِلا كِرْوَاناً فَوَجْهُهُ عَلَى أَنهم جَمَعُوا كَرًا، قَالَ: وَقَالُوا كَرَوانٌ وَلِلْجَمْعِ كِرْوانٌ، بِكَسْرِ الْكَافِ، فإِنما يُكسَّر عَلَى كَراً كَمَا قَالُوا إخْوان. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: قَوْلُهُمْ كَرَوانٌ وكِرْوانٌ لَمَّا كَانَ الْجَمْعُ مُضَارِعًا لِلْفِعْلِ بِالْفَرْعِيَّةِ فِيهِمَا جَاءَتْ فِيهِ أَيضاً أَلفاظ عَلَى حَذْفِ الزِّيَادَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْوَاحِدِ، فَقَالُوا كَرَوانٌ وكِرْوان، فجاءَ هَذَا عَلَى حَذْفِ زَائِدَتَيْهِ حَتَّى صَارَ إِلى فَعَل، فجَرى مَجْرَى خَرَب وخِرْبان وبَرَقٍ وبِرْقانٍ، فَجَاءَ هَذَا عَلَى حَذْفِ الزِّيَادَةِ كَمَا قَالُوا عَمْرَك اللهَ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: سُمِّيَ الكَرَوَانُ كَرَوَاناً بِضِدِّهِ لأَنه لَا يَنام بِاللَّيْلِ، وَقِيلَ: الكَرَوَان طَائِرٌ يُشْبِهُ الْبَطَّ. وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ فِي قَوْلِهِمْ أَطْرِق كَرَا، قَالَ: رُخِّم الْكَرَوَانُ، وَهُوَ نَكِرَةٌ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَا قُنْفُ، يُرِيدُ يَا قُنْفُذ، قَالَ: وإِنما يُرَخَّمُ فِي الدُّعَاءِ المَعارف نَحْوَ مَالِكٍ وَعَامِرٍ وَلَا تُرَخَّمُ النَّكِرَةُ نَحْوَ غُلَامٍ، فرُخم كَرَوانٌ وَهُوَ نَكِرَةٌ، وَجُعِلَ الْوَاوُ أَلفاً فَجَاءَ نَادِرًا. وَقَالَ الرَّسْمِيُّ: الكَرا هُوَ الكَرَوان، حَرْفٌ مَقْصُورٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الكَرَا تَرْخِيمُ الكَرَوان، قَالَ: وَالصَّوَابُ الأَوّل لأَن التَّرْخِيمَ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلا فِي النِّدَاءِ، والأَلف الَّتِي فِي الكَرا هِيَ الْوَاوُ الَّتِي فِي الكَروان، جُعِلَتْ أَلفاً عِنْدَ سُقُوطِ الأَلف وَالنُّونِ، وَيُكْتَبُ الْكَرَا بالأَلف بِهَذَا الْمَعْنَى، وَقِيلَ: الْكَرَوَانُ طَائِرٌ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ أَغبر دُونَ الدَّجَاجَةِ فِي الخَلق، وَلَهُ صَوْتٌ حَسَنٌ يَكُونُ بِمِصْرَ مَعَ الطُّيُورِ الدَّاجِنَةِ فِي الْبُيُوتِ، وَهِيَ مِنْ طُيُورِ الرِّيف والقُرَى، لَا يَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ. والكَرَى: النَّوْمُ. والكَرَى: النُّعَاسُ، يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَالْجَمْعُ أَكْراء؛ قَالَ:

هاتَكْتُه حَتَّى انْجَلَتْ أَكْراؤُه

كَرِيَ الرَّجُلُ، بِالْكَسْرِ، يَكْرَى كَرًى إِذا نَامَ، فَهُوَ كَرٍ وكَرِيٌّ وكَرْيان. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه أَدْرَكه الكَرَى

أَي النَّوْمُ، وَرَجُلٌ كَرٍ وكَرِيٌّ؛ وَقَالَ:

مَتى تَبِتْ بِبَطْنِ وادٍ أَو تَقِلْ،

تَتْرُكْ بِهِ مِثْلَ الكَرِيّ المُنْجَدِلْ

أَي متَى تَبِت هَذِهِ الإِبل فِي مَكَانٍ أَو تَقِل بِهِ نَهَارًا تَتْركْ بِهِ زِقّاً مَمْلُوءًا لَبَنًا، يَصِفُ إِبلًا بِكَثْرَةِ الْحَلْبِ أَي تَحْلُب وَطْباً مِنْ لَبَنٍ كأَن ذَلِكَ الْوَطْبَ رَجُلٌ نَائِمٌ. وامرأَة كَرِيَةٌ عَلَى فَعِلة؛ وَقَالَ:

لَا تُسْتَمَلُّ وَلَا يَكْرَى مُجالِسُها،

وَلَا يَمَلُّ مِنَ النَّجْوى مُناجِيها

وأَصبح فُلَانٌ كَرْيانَ الغداةِ أَي ناعِساً. ابْنُ الأَعرابي: أَكْرَى الرجُل سَهِر فِي طاعةِ اللَّهِ عز وجل. وكَرَى النهرَ كَرْياً: اسْتَحْدَثَ حَفْرة. وكَرَى الرجلُ كَرْياً: عَدا عَدْوًا شَدِيدًا، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَلَيْسَ بِاللُّغَةِ الْعَالِيَةِ. وَقَدْ أَكْرَيْت أَي أَخَّرت. وأَكْرَى الشيءَ والرحْلَ والعَشاء: أَخَّره، وَالِاسْمُ الكَراء؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

ص: 221

وأَكْرَيْت العَشاء إِلى سُهَيْلٍ

أَو الشِّعْرَى، فطالَ بِيَ الأَناءُ

قِيلَ: هُوَ يَطْلُع سَحَراً وَمَا أُكل بَعْدَهُ فَلَيْسَ بعَشاء، يَقُولُ: انْتَظَرْتُ مَعْرُوفَكَ حَتَّى أَيِسْت. وَقَالَ

فَقِيهُ الْعَرَبِ: مَنْ سَرَّه النِّساء وَلَا نَساء، فَلْيُبَكِّر العَشاء، وليُباكِر الغَداء، وليُخَفِّف الرِّداء، وليُقِلَّ غِشْيانَ النِّسَاءِ.

وأَكْرَيْنا الْحَدِيثَ اللَّيْلَةَ أَي أَطَلْناه. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، ذَاتَ لَيْلَةٍ فأَكْرَيْنا فِي الْحَدِيثِ أَي أَطَلْناه وأَخَّرناه.

وأَكْرَى مِنَ الأَضداد، يُقَالُ: أَكْرَى الشيءُ يُكْرِي إِذا طالَ وقَصُرَ وزادَ ونَقَص؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:

وتَواهَقَتْ أَخْفافُها طَبَقاً،

والظِّلُّ لَمْ يَفْضُلْ وَلَمْ يُكْرِي

أَي وَلَمْ يَنْقُصْ، وَذَلِكَ عِنْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ. وأَكْرى الرَّجُلُ: قلَّ مَالُهُ أَو نَفِد زادُه. وَقَدْ أَكرى زادُه أَي نَقَصَ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لِلَبِيدٍ:

كذِي زادٍ مَتى مَا يُكْرِ مِنْه،

فَلَيْسَ وَرَاءَهُ ثِقَةٌ بزادِ

وَقَالَ آخَرُ يَصِفُ قِدْراً:

يُقَسِّمُ مَا فِيهَا، فإَنْ هِيَ قَسَّمَتْ

فَذاكَ، وإِنْ أَكْرَتْ فَعَنْ أَهلها تُكْرِي

قَسَّمَتْ: عَمَّت فِي القَسْم، أَراد وإِن نقَصت فَعَنْ أَهلها تَنْقُص، يَعْنِي القِدْر. أَبو عُبَيْدٍ: المُكَرِّي السَّيرُ «1» اللَّيِّن البَطِيء، والمُكَرِّي مِنَ الإِبل الَّتِي تَعْدُو، وَقِيلَ: هُوَ السَّيْرُ الْبَطِيءُ؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ:

وكلُّ ذَلِكَ مِنْهَا كُلَّما رَفَعَتْ،

مِنْها المُكَرِّي، ومِنها اللَّيِّن السَّادِي

أَي رفَعَتْ فِي سَيْرِهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَقَالَ الرَّاجِزُ:

لمَّا رأَتْ شَيْخاً لَهُ دَوْدَرَّى،

ظَلَّتْ عَلَى فِراشِها تَكَرَّى «2»

دَوْدَرَّى: طَويل الخُصيتين. وَقَالَ الأَصمعي: هَذِهِ دَابَّةٌ تُكَرِّي تَكْرِيَةً إِذا كَانَ كأَنه يَتَلَقَّفُ بِيَدِهِ إِذا مَشَى. وكَرَت الناقةُ بِرِجْلَيْهَا: قلَبتهما فِي العَدْوِ، وَكَذَلِكَ كَرَى الرجلُ بِقَدَمَيْهِ، وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ يَائِيَّةٌ لأَن يَاءَهَا لَامٌ وَانْقِلَابُ الأَلف يَاءً عَنِ اللَّامِ أَكثر مِنِ انْقِلَابِهَا عَنِ الْوَاوِ. والكَرِيُّ: نَبْتٌ. والكَرِيَّةُ، عَلَى فعِيلة: شَجَرَةٌ تَنْبُتُ فِي الرَّمْلِ فِي الخَصب بِنَجْدٍ ظَاهِرَةٌ، تَنْبُتُ عَلَى نِبْتة الجَعْدة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الكَرِيُّ، بِغَيْرِ هَاءٍ، عُشبة مِنَ المَرْعى، قَالَ: لَمْ أَجد مَنْ يَصِفُهَا، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَهَا الْعَجَّاجُ فِي وَصْفِ ثَوْرِ وَحْشٍ فَقَالَ:

حَتَّى عَدا، واقْتادَه الكَرِيُّ

وشَرْشَرٌ وقَسْوَرٌ نَضْرِيُّ «3»

وَهَذِهِ نُبوت غَضَّة، وَقَوْلُهُ: اقتادَه أَي دَعاه، كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

يَدْعُو أَنْفَه الرِّبَبُ «4»

والكَرَوْيا: مِنَ الْبِزْرِ، وَزْنُهَا فَعَوْلَلٌ، أَلفها مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ وَلَا تَكُونُ فَعَولَى وَلَا فَعَلْيا لأَنهما بِناءَان لَمْ يثبُتا فِي الْكَلَامِ، إِلا أَنه قَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ فَعَوْلٌ فِي قَوْلِ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ قَهَوْباة. وَحَكَى أَبو حَنِيفَةَ: كَرَوْيَاء، بِالْمَدِّ، وَقَالَ مُرَّةُ: لَا أَدري أَيمد الكَرَوْيا أَم لَا، فإِن مُدَّ فَهِيَ أُنثى، قَالَ: وَلَيْسَتِ

(1). قوله [المكرّي السير إلخ] هذه عبارة التهذيب، وعبارة الجوهري: والمكرّي من الإبل اللين السير والبطيء.

(2)

. قوله [لما رأت إلخ] لم يقدّم المؤلف المستشهد عليه، وفي القاموس: تكرّى نام، فتكرّى في البيت تتكرّى.

(3)

. قوله [نضري] هو الصواب وتصحف في شرشر بنصري.

(4)

. قوله [يدعو] أَوّله كما في شرح القاموس في مادة ربب:

أَمْسَى بِوَهْبِينَ مُجْتَازًا لِمَرْتَعِهِ

بذي الْفَوَارِسِ يَدْعُو أَنْفَهُ الرِّبَبُ

ص: 222

الكَرَوْياء بِعَرَبِيَّةٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الكرَوْيا مِنْ هَذَا الْفَصْلِ، قَالَ: وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلٍ قَرْدَمَ مَقْصُورًا عَلَى وَزْنِ زَكَرِيَّا، قَالَ: ورأَيتها أَيضاً الكَرْوِياء، بِسُكُونِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ مَمْدُودَةٌ، قَالَ: ورأَيتها فِي النُّسْخَةِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَى ابْنِ الْجَوَالِيقِيِّ الكَرَوْياء، بِسُكُونِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ مَمْدُودَةٌ، قَالَ: وَكَذَا رأَيتها، فِي كِتَابٍ لَيْسَ لِابْنِ خَالَوَيْهِ، كَرَوْيا، كَمَا رأَيتها فِي التَّكْمِلَةِ لِابْنِ الْجَوَالِيقِيِّ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَن تَنْقَلِبَ الْوَاوُ يَاءً لِاجْتِمَاعِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَكَوْنِ الأَول مِنْهُمَا سَاكِنًا إِلا أَن يَكُونَ مِمَّا شَذَّ نَحْوَ ضَيْوَن وحَيْوةٍ وحَيْوان وعَوْية فَتَكُونُ هَذِهِ لَفْظَةً خَامِسَةً. وكَرَاء: ثَنِيَّةٌ بِالطَّائِفِ مَمْدُودَةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وكَرَاء مَوْضِعٌ؛ وَقَالَ:

مَنَعْناكمْ كَراء وجانِبَيْهِ،

كَمَا مَنَعَ العَرينُ وَحَى اللُّهامِ

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

كأَغْلَبَ، مِنْ أُسُود كَراءَ، ورْدٍ

يَرُدُّ خَشَايَةَ الرجلِ الظَّلُومِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والكَرا ثَنِيَّةٍ بالطائف مقصورة.

كزا: ابْنُ الأَعرابي: كَزا إِذا أَفضلَ عَلَى مُعْتَفِيه؛ رَوَاهُ أَبو الْعَبَّاسِ عَنْهُ.

كسا: الكِسْوَةُ والكُسْوَةُ: اللِّبَاسُ، وَاحِدَةُ الكُسا؛ قَالَ اللَّيْثُ: وَلَهَا معانٍ مُخْتَلِفَةٌ. يُقَالُ: كَسَوْت فُلَانًا أَكْسُوه كِسْوَةً إِذا أَلبسته ثَوْبًا أَو ثِيَابًا فاكْتَسَى. واكْتَسَى فُلَانٌ إِذا لبَس الكِسْوَة [الكُسْوَة]؛ قَالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ الثَّوْرَ وَالْكِلَابَ:

قَدْ كَسَا فِيهِنَّ صِبْغاً مُرْدِعاً

يَعْنِي كساهنَّ دَماً طَرِيًّا؛ وَقَالَ يَصِفُ الْعِيرَ وأُتُنه:

يَكْسُوه رَهْباها إِذا تَرَهَّبا،

عَلَى اضْطِرامِ اللُّوحِ، بَوْلًا زَغْرَبا

يَكْسُوه رَهْباها أَي يَبُلْن عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: اكتَسَتِ الأَرض بِالنَّبَاتِ إِذا تغطَّت بِهِ. والكُسا: جَمْعُ الكُسْوَة. وكَسِيَ فُلَانٌ يَكْسَى إِذا اكْتَسَى، وَقِيلَ: كَسِيَ إِذا لَبِسَ الكُسْوَة؛ قَالَ:

يَكْسى وَلَا يَغْرَثُ مملوكُها،

إِذا تَهَرَّت عَبْدَها الهارِيهْ

أَنشده يَعْقُوبُ. واكْتَسَى: كَكَسِيَ، وكَساه إِياها كَسْواً. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما كَسِيَ زيدٌ ثَوْبًا وكَسَوْته ثَوْبًا فإِنه وإِن لَمْ يُنْقَلْ بِالْهَمْزَةِ فإِنه نُقِلَ بِالْمِثَالِ، أَلَا تَرَاهُ نُقِلَ مِنْ فَعِلَ إِلى فَعَلَ، وإِنما جَازَ نَقْلُهُ بفَعَل لَمَّا كَانَ فَعَلَ وأَفْعَلَ كَثِيرًا مَا يَعْتَقِبَانِ عَلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ نَحْوُ جَدَّ فِي الأَمر وأَجَدَّ، وصدَدْته عَنْ كَذَا وأَصدَدْته، وَقَصَرَ عَنِ الشَّيْءِ وأَقْصَر، وسَحَته اللَّهُ وأَسْحَته وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَتْ فَعَلَ وأَفْعَلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاعْتِقَابِ والتَّعاوُض ونُقِل بأَفْعل، نُقِلَ أَيضاً فَعِلَ يَفعَل نَحْوَ كَسِيَ وكَسَوْتُه وشَتِرَت عينُه وشَتَرْتها وعارَتْ وعُرْتها. وَرَجُلٌ كاسٍ: ذُو كُسوة، حَمَلَهُ سِيبَوَيْهِ عَلَى النَّسَبِ وَجَعَلَهُ كَطاعِم، وَهُوَ خِلَافٌ لِمَا أَنشدناه مِنْ قَوْلِهِ:

يَكْسَى وَلَا يَغْرَثُ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَن الشَّيْءَ إِنما يُحْمَلُ عَلَى النَّسَبِ إِذا عُدِمَ الفِعل. وَيُقَالُ: فُلَانٌ أَكْسَى مِنْ بَصَلةٍ إِذا لَبِسَ الثِّيَابَ الْكَثِيرَةَ، قَالَ: وَهَذَا مِنَ النَّوَادِرِ أَن يُقَالَ للمُكْتَسِي كاسٍ بِمَعْنَاهُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ أَكْسَى مِنْ فُلَانٍ أَي أَكثر إِعطاء للكُسوة، مِنْ كَسَوْتُه أَكْسُوه. وَفُلَانٌ أَكْسَى

ص: 223

مِنْ فُلَانٍ أَي أَكثر اكْتِساء مِنْهُ؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ الْحُطَيْئَةُ:

دَعِ المَكارِمَ لَا تَرْحَلْ لبُغْيَتها،

واقْعُدْ فإِنَّك أَنتَ الطاعِمُ الكَاسِي

أَي المُكْتَسي. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَعْنِي المَكْسُوَّ، كَقَوْلِكَ مَاءٌ دافِقٌ وعيشةٌ راضِيةٌ، لأَنه يُقَالُ كَسِيَ العُرْيانُ وَلَا يُقَالُ كَسا. وَفِي الْحَدِيثِ:

ونِساءٍ كاسِياتٍ عارِياتٍ

أَي أَنهنَّ كاسياتٌ مِنْ نِعَم اللَّهِ عارِياتٌ مِنَ الشُّكْرِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَكْشِفْنَ بعضَ جَسَدِهِنَّ ويَسْدُلْن الخُمُر مِنْ وَرَائِهِنَّ فهنَّ كاسِياتٌ كعارِيات، وَقِيلَ: أَراد أَنهن يَلْبَسْن ثِياباً رِقَاقًا يَصِفْنَ مَا تَحْتَهَا مِنْ أَجْسامِهن فَهُنَّ كاسِياتٌ فِي الظَّاهِرِ عارِياتٌ فِي الْمَعْنَى. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ كَسِيَ يَكْسَى ضِدُّ عَرِيَ يَعْرَى؛ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَسْحُوجٍ الشَّيْبَانِيُّ:

لقَدْ زادَ الحَياةَ إِليَّ حُبّاً

بَناتي، أَنَّهُنَّ مِنَ الضِّعافِ

مَخافةَ أَن يَرَيْنَ البُؤسَ بَعْدي،

وأَن يَشْرَبْنَ رَنْقاً بعدَ صافِ

وأَن يَعْرَيْنَ، إِنْ كَسِيَ الجَواري،

فَتَنْبُو العينُ عَن كَرَمٍ عجافِ

واكْتَسَى النَّصِيُّ بالوَرق: لَبِسَهُ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. واكْتَسَتِ الأَرضُ: تمَّ نباتُها والتفَّ حَتَّى كأَنها لَبسته. والكِسَاء: مَعْرُوفٌ، وَاحِدُ الأَكْسِيَة اسْمٌ مَوْضُوعٌ، يُقَالُ: كِسَاءٌ وكِسَاءَان وكِسَاوَانِ، النسبة إِليها كِسَائِيٌّ وكِسَاوِيٌّ، وأَصله كِساوٌ لأَنه مِنْ كَسَوْتُ إِلا أَن الْوَاوَ لَمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الأَلف هُمِزَتْ. وتَكَسَّيْتُ بالكِساء: لَبِسْتُهُ؛ وَقَوْلُ عَمْرِو بْنِ الأَهتم:

فبَاتَ لَهُ دونَ الصَّبا، وَهِيَ قُرَّةٌ،

لِحافٌ، ومَصْقولُ الكِساء رَقِيقُ

أَراد اللبنَ تَعْلُوهُ الدُّوايةُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده وَبَاتَ لَهُ، يَعْنِي لِلضَّيْفِ؛ وَقَبْلَهُ:

فباتَ لَنا مِنْهَا، وللضَّيْف مَوْهناً،

شِواءٌ سَمِينٌ زاهِقٌ وغَبُوقُ

ابْنُ الأَعرابي: كاساهُ إِذا فاخَره، وَسَاكَاهُ إِذا ضَيَّقَ عَلَيْهِ فِي المُطالبة، وسَكا إِذا صَغُرَ جِسْمُهُ. التَّهْذِيبُ: أَبو بَكْرٍ الكَساء، بِفَتْحِ الْكَافِ مَمْدُودٌ، الْمَجْدُ وَالشَّرَفُ والرِّفْعة؛ حَكَاهُ أَبو مُوسَى هارون بن الحرث، قَالَ الأَزهري: وَهُوَ غَرِيبٌ. والأَكْسَاء: النَّواحي؛ وَاحِدُهَا كُسْء، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْهَمْزَةِ أَيضاً، وَهُوَ يَائِيٌّ. والكُسْيُ: مؤخَّر الْعَجُزِ، وَقِيلَ: مُؤَخَّرُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ أَكْسَاء؛ قَالَ الشَّمَّاخُ:

كأَنّ عَلَى أَكْسَائِها، مِنْ لُغامِها،

وخِيفةَ خِطْمِيٍّ بِمَاءٍ مُبَحْزَجِ

وَحَكَى ثَعْلَبٌ: رَكِبَ كَسَاه «1» إِذا سَقَطَ عَلَى قَفاه، وَهُوَ يَائِيٌّ لأَن يَاءَهُ لَامٌ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْوَاوِ لَكَانَ وَجْهًا فإِن الْوَاوَ فِي كَسَا أَكثر مِنَ الْيَاءِ، وَالَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي رَكِبَ كُسْأَه مَهْمُوزٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ.

كشي: كُشْيةُ الضَّبِّ: أَصل ذَنَبه، وَقِيلَ: هِيَ شَحْمة صَفْرَاءُ مِنْ أَصل ذَنَبِهِ حَتَّى تَبْلُغَ إِلى أَصل حَلْقه، وَهُمَا كُشْيَتان مُبْتَدَّتا الصُّلْبِ مِنْ دَاخِلٍ مِنْ أَصل ذَنَبِهِ إِلى عُنُقِهِ، وَقِيلَ: هِيَ عَلَى مَوْضِعِ

(1). قوله [ركب كَسَاه] هذا هو الصواب، وما في القاموس: أكساءه، غلطه فيه شارحه وقد ضبط في الأصل بالفتح ولعله بالضم.

ص: 224

الكُلْيَتَيْنِ، وَهُمَا شَحْمَتَانِ عَلَى خِلْقة لِسان الْكَلْبِ صَفْرَاوَانِ عَلَيْهِمَا مِقْنعة سَوْداء أَي مِثْلُ المِقْنعة، وَقِيلَ: هِيَ شَحْمة مُسْتطيلة فِي الْجَنْبَيْنِ مِنَ العُنُق إِلى أَصل الفَخِذ. وَفِي الْمَثَلِ: أَطْعِمْ أَخاكَ مِنْ كُشْيَةِ الضبِّ؛ يَحُثُّه عَلَى المُواساة، وَقِيلَ: بَلْ يَهْزَأُ بِهِ؛ قَالَ قَائِلُ الأَعراب:

وأَنت لَوْ ذُقْتَ الكُشَى بالأَكْباد،

لَما تَرَكْتَ الضَّبَّ يَعْدُو بِالْوَادْ

وَفِي حَدِيثِ:

عُمَرَ، رضي الله عنه: أَنه وضَع يدَه فِي كُشْيةِ ضَبٍّ، وَقَالَ إِنَّ نبيَّ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لَمْ يُحرِّمْه وَلَكِنْ قَذِرَه

؛ الكُشْيَةُ شَحْم يَكُونُ فِي بَطن الضبِّ ووضْعُ الْيَدِ فِيهِ كِنايةٌ عَنِ الأَكل مِنْهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رَوَاهُ الْقُتَيْبِيُّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ، وَالَّذِي جَاءَ فِي غَرِيب

الحَرْبي عَنْ مُجاهِد: أَن رَجُلًا أَهْدَى لِلنَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، ضَبّاً فقَذِرَه فَوَضَعَ يَدَهُ فِي كُشْيَتَي الضَّبِ

، قَالَ: وَلَعَلَّهُ حَدِيثٌ آخَرَ، وَالْجَمْعُ الكُشَى؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَوْ كَانَ هَذَا الضبُّ لَا ذَنَبٌ لَه

وَلَا كُشْيةٌ، مَا مَسَّه الدَّهْرَ لامِسُ

ولَكِنَّه مِنْ أَجْلِ طِيبِ ذُنَيْبِه

وكُشْيَتِه دَبَّتْ إِليهِ الدَّهارِسُ

وَيُقَالُ: كُشَّةٌ «1» وكُشْيَةٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. ابْنُ سِيدَهْ: وكَشَا الشيءَ كَشْواً عَضَّه بِفِيهِ فانتزعه.

كصي: ابْنُ الأَعرابي: كَصَى إِذا خَسَّ بَعْدَ رِفْعة.

كظا: كَظا لَحْمُهُ يَكْظُو: اشتدَّ، وَقِيلَ: كَثُرَ وَاكْتَنَزَ. يُقَالُ: خَظا لحمُه وكَظا وبَظا كُلُّهُ بِمَعْنًى. الْفَرَّاءُ: خَظا بَظا وكَظا، بِغَيْرِ هَمْزٍ، يَعْنِي اكْتَنَزَ، وَمِثْلُهُ يَخْظُو ويَبْظُو ويَكْظُو. اللِّحْيَانِيُّ: خَظَا بَظا كَظا إِذا كَانَ صُلْباً مُكْتَنِزًا. ابْنُ الأَعرابي: كَظا تَابِعٌ لِخَظا، كَظا يَكْظُو كَظاً إِذا رَكِبَ بَعْضُهُ بَعْضًا؛ ابْنُ الأَنباري: يُكْتَبُ بالأَلف؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْقُلَاخِ:

عُراهِماً كاظِي البَضِيعِ ذَا عُسُنْ

كعا: ابْنُ الأَعرابي: كَعا إِذا جَبُنَ. أَبو عَمْرٍو: الكَاعِي المُنْهَزم. ابْنُ الأَعرابي: الأَكْعَاء الجُبناء، قَالَ: والأَعْكاء العُقَد.

كفي: اللَّيْثُ: كَفَى يَكْفِي كِفايةً إِذا قَامَ بالأَمر. وَيُقَالُ: اسْتَكْفَيْته أَمْراً فكَفانِيه. وَيُقَالُ: كَفاك هَذَا الأَمرُ أَي حَسْبُك، وكَفَاكَ هَذَا الشَّيْءُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ قرأَ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتاه

أَي أَغْنَتاه عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: إِنهما أَقل مَا يُجزئ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: تَكْفِيانِ الشرَّ وتَقِيان مِنَ الْمَكْرُوهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

سَيَفْتَحُ اللهُ عَلَيْكُمْ ويَكْفِيكم اللهُ

أَي يَكْفيكم القِتالَ بِمَا فتَح عَلَيْكُمْ. والكُفاةُ: الخَدَمُ الَّذِينَ يَقومون بالخِدْمة، جَمْعُ كافٍ. وكفَى الرجلُ كِفايةً، فَهُوَ كافٍ وكُفًى مِثْلَ حُطَمٍ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، واكْتَفَى، كِلَاهُمَا: اضْطَلَع، وكَفاه مَا أَهَمَّه كِفايةً وكَفاه مَؤُونَته كِفايَةً وكَفاك الشيءُ يَكفِيك واكْتَفَيْت بِهِ. أَبو زَيْدٍ: هَذَا رَجُلٌ كافِيك مِنْ رَجُل وَنَاهِيكَ مِنْ رَجُلٍ وجازيكَ مِنْ رَجُلٍ وشَرْعُكَ مِنْ رجُل كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وكَفَيْته مَا أَهَمَّه. وكَافَيْته: مِنَ المُكافاة، ورَجَوْتُ مُكافاتَك. وَرَجُلٌ كافٍ وكَفِيٌّ: مِثْلَ سالِم وسَلِيمٍ. ابْنُ سِيدَهْ: وَرَجُلٌ كافِيكَ من رجل وكَفْيُكَ [كِفْيُكَ] مِنْ رجُل «2» وكَفَى بِهِ رَجُلًا. قَالَ: وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي

(1). قوله [كشة] هو بهذا الضبط في التهذيب

(2)

. قوله [وكفيك من رجل] في القاموس مثلثة الكاف.

ص: 225

كَفاكَ بِفُلَانٍ وكَفْيُكَ بِهِ وكِفاكَ، مَكْسُورٌ مَقْصُورٌ، وكُفاكَ، مَضْمُومٌ مَقْصُورٌ أَيضاً، قَالَ: وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يُؤَنَّثُ. التَّهْذِيبُ: تَقُولُ رأَيت رجُلًا كَافِيَك مِنْ رَجُلٍ، ورأَيت رَجُلَيْنِ كافِيَك مِنْ رَجُلَيْنِ، ورأَيت رِجَالًا كافِيَكَ مِنْ رِجَالٍ، مَعْنَاهُ كَفاك بِهِ رَجُلًا. الصِّحَاحُ: وَهَذَا رَجُلٌ كافِيكَ مِنْ رجُل ورَجلان كافِياكَ مِنْ رَجُلَيْنِ ورِجالٌ كافُوكَ مِنْ رِجال، وكَفْيُك، بِتَسْكِينِ الْفَاءِ، أَي حَسْبُكَ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِجَثَّامَةَ اللِّيثِيِّ:

سَلِي عَنِّي بَني لَيْثِ بنِ بَكْرٍ،

كَفَى قَوْمي بصاحِبِهِمْ خَبِيرا

هَلَ اعْفُو عَنْ أُصولِ الحَقِّ فِيهمْ،

إِذا عَرَضَتْ، وأَقْتَطِعُ الصُّدُورا

وَقَالَ أَبو إِسحاق الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ عز وجل: وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا

، وَمَا أَشبهه فِي الْقُرْآنِ: مَعْنَى الْبَاءِ للتَّوْكيد، الْمَعْنَى كَفَى اللهُ وَلِيًّا إِلا أَن الْبَاءَ دَخَلَتْ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ لأَن مَعْنَى الْكَلَامِ الأَمْرُ، الْمَعْنَى اكْتَفُوا بِاللَّهِ وَلِيًّا، قَالَ: وَوَلِيًّا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ: عَلَى التَّمْيِيزِ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

؛ مَعْنَاهُ أَوَلم يَكْفِ ربُّك أَوَلم تَكْفِهم شهادةُ ربِّك، وَمَعْنَى الكِفَايَة هاهنا أَنه قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ مَا فِيهِ كِفاية فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَوْحِيدِهِ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ مَرْيَمَ: فأَذِنَ لِي إِلى أَهْلي بِغَيْرِ كَفِيٍ

أَي بِغَيْرِ مَن يَقوم مَقامي. يُقَالُ: كَفاه الأَمرَ إِذا قَامَ فِيهِ مَقامه. وَفِي حَدِيثِ

الْجَارُودِ: وأَكْفِي مَنْ لَمْ يَشهد

أَي أَقوم بأَمْرِ مَن لَمْ يَشهد الحَرْبَ وأُحارِبُ عَنْهُ؛ فأَمّا قَوْلُ الأَنصاري:

فكَفَى بِنا فَضْلًا، عَلَى مَن غَيْرُنا،

حُبُّ النبيِّ مُحَمَّدٍ إِيّانا

فإِنما أَراد فكَفانا، فأَدخل الْبَاءَ عَلَى الْمَفْعُولِ، وَهَذَا شَاذٌّ إِذ الْبَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا إِنما تَدْخُلُ عَلَى الْفَاعِلِ كَقَوْلِكَ كَفَى باللهِ؛ وَقَوْلِهِ:

إِذا لاقَيْتِ قَوْمي فاسْأَلِيهمْ،

كَفَى قَوْماً بِصاحِبِهمْ خَبِيرا

هُوَ مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَمَعْنَاهُ كَفَى بِقَوْمٍ خَبِيراً صاحبُهم، فَجَعَلَ الْبَاءَ فِي الصَّاحِبِ، وَمَوْضِعُهَا أَن تَكُونَ فِي قَوْمٍ وَهُمُ الْفَاعِلُونَ فِي الْمَعْنَى؛ وأَما زيادَتها فِي الْفَاعِلِ فَنَحْوَ قَوْلِهِمْ: كَفَى بِاللَّهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَفى بِنا حاسِبِينَ

، إِنما هُوَ كَفَى اللهُ وَكَفَانَا كَقَوْلِ سُحَيْمٍ:

كَفَى الشَّيْبُ والإِسْلامُ للمَرْء ناهِياً

فَالْبَاءُ وَمَا عَمِلَتْ فِي مَوْضِعِ مَرْفُوعٍ بِفِعْلِهِ، كَقَوْلِكَ مَا قَامَ مِنْ أَحد، فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ هُنَا فِي مَوْضِعِ اسْمٍ مَرْفُوعٍ بِفِعْلِهِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُمْ فِي التَّعَجُّبِ: أَحْسِنْ بِزَيْدٍ، فَالْبَاءُ وَمَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ مَرْفُوعٍ بِفِعْلِهِ وَلَا ضَمِيرَ فِي الْفِعْلِ، وَقَدْ زِيدَتْ أَيضاً فِي خَبَرِ لكنَّ لِشِبْهِهِ بِالْفَاعِلِ؛ قَالَ:

ولَكِنَّ أَجْراً لَوْ فَعَلْتِ بِهَيِّنٍ،

وهَلْ يُعْرَفُ المعْروفُ فِي الناسِ والأَجْرُ «1»

أَراد: ولكِنّ أَجراً لو فَعَلْتِه هَيِّن، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ ولكنَّ أَجراً لَوْ فَعَلَتْهِ بِشَيْءٍ هَيِّنٍ أَي أَنت تَصِلين إِلى الأَجرِ بِالشَّيْءِ الْهَيِّنِ، كَقَوْلِكَ: وُجُوبُ الشُّكْرِ بالشيءِ الْهَيِّنِ، فَتَكُونُ الْبَاءُ عَلَى هَذَا غَيْرَ زَائِدَةٍ، وأَجاز مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِيّ أَن يَكُونَ قَوْلُهُ: كَفَى بِاللَّهِ، تَقْدِيرُهُ كفَى اكْتِفاؤك بِاللَّهِ أَي اكْتفاؤك بِاللَّهِ يَكْفِيك؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَهَذَا يَضْعُفُ عِنْدِي لأَن الْبَاءَ عَلَى هَذَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ، وَمُحَالٌ حَذْفُ الْمَوْصُولِ وَتَبْقِيَةُ صِلَتِهِ، قَالَ: وإِنما

(1). قوله [وهل يعرف] كذا بالأصل، والذي في المحكم: ولم ينكر.

ص: 226

حسَّنه عِنْدِي قَلِيلًا أَنك قَدْ ذَكَرْتَ كفَى فدلَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ لأَنه مِنْ لَفْظِهِ، كَمَا تَقُولُ: مَن كَذب كَانَ شَرًّا لَهُ، فأَضمرته لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، فهاهنا أَضمر اسْمًا كَامِلًا وَهُوَ الْكَذِبُ، وَهُنَاكَ أَضمر اسْمًا وَبَقِيَ صِلَتُهُ الَّتِي هِيَ بَعْضُهُ، فَكَانَ بعضُ الِاسْمِ مُضْمَرًا وَبَعْضُهُ مُظْهَرًا، قَالَ: فَلِذَلِكَ ضَعُفَ عِنْدِي، قَالَ: وَالْقَوْلُ فِي هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ مِنْ أَنه يُرِيدُ كَفَى اللَّهُ، كَقَوْلِكَ: وكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ؛ وَيَشْهَدُ بِصِحَّةِ هَذَا الْمَذْهَبِ مَا حُكِيَ عَنْهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ مَرَرْتُ بأَبْياتٍ جادَ بِهنَّ أَبياتاً وجُدْنَ أَبْياتاً، فَقَوْلُهُ بهنَّ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ كَمَا تَرَى. قَالَ: أَخبرني بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى أَن الْكِسَائِيَّ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُمْ؛ قَالَ: وَوَجَدْتُ مِثْلَهُ للأَخطل وَهُوَ قَوْلُهُ:

فقُلْتُ: اقْتُلُوها عَنْكُمُ بِمِزاجِها،

وحُبَّ بِها مَقْتولَةً حِينَ تُقْتَل

فَقَوْلُهُ بِهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بحُبَّ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وإِنما جَازَ عِنْدِي زِيَادَةُ الْبَاءَ فِي خَبَرِ المبتدإِ لِمُضَارَعَتِهِ لِلْفَاعِلِ بِاحْتِيَاجِ المبتدإِ إِليه كَاحْتِيَاجِ الْفِعْلِ إِلى فَاعِلِهِ. والكُفْيةُ، بِالضَّمِّ: مَا يَكْفِيك مِنَ العَيش، وَقِيلَ: الكُفْيَةُ القُوت، وَقِيلَ: هُوَ أَقلّ مِنَ الْقُوتِ، وَالْجَمْعُ الكُفَى. ابْنُ الأَعرابي: الكُفَى الأَقوات، وَاحِدَتُهَا كُفْيَةٌ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَمْلِكُ كُفَى يَوْمِهِ عَلَى مِيزَانِ هَذَا أَي قُوتَ يَوْمِهِ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:

ومُخْتَبِطٍ لَمْ يَلْقَ مِن دُونِنا كُفًى،

وذاتِ رَضِيعٍ لَمْ يُنِمْها رَضِيعُها

قَالَ: يَكُونُ كُفًى جَمْعَ كُفْيَة وَهُوَ أَقلّ مِنَ القُوت، كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد كُفاةً ثُمَّ أَسقط الْهَاءِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ قَوْلِهِمْ رَجُلٌ كَفِيٌّ أَي كافٍ. والكِفْيُ: بَطْنُ الْوَادِي؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَالْجَمْعُ الأَكْفَاء. ابْنُ سِيدَهْ: الكُفْوُ النَّظِيرُ لُغَةٌ فِي الكُفءِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدُوا بِهِ الكُفُؤ فيخففوا ثم يسكنوا.

كلا: ابْنُ سِيدَهْ: كِلا كَلِمَةٌ مَصُوغة لِلدَّلَالَةِ عَلَى اثْنَيْنِ، كَمَا أَنَّ كُلًّا مَصُوغَةٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْجَمْعِ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَتْ كِلا مِنْ لَفْظِ كلٍّ، كلٌّ صَحِيحَةٌ وكِلا مُعْتَلَّةٌ. وَيُقَالُ للأُنثيين كِلْتا، وَبِهَذِهِ التَّاءِ حُكم عَلَى أَن أَلف كِلا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، لأَن بَدَلَ التَّاءِ مِنَ الْوَاوِ أَكثر مِنْ بَدَلِهَا مِنَ الْيَاءِ، قَالَ: وأَما قَوْلُ سِيبَوَيْهِ جَعَلُوا كِلا كَمِعًى، فإِنه لَمْ يُرِدْ أَن أَلف كِلا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ كَمَا أَنَّ أَلف مِعًى مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ مِعَيَانِ، وإِنما أَراد سِيبَوَيْهِ أَن أَلف كِلَا كأَلف مِعًى فِي اللَّفْظِ، لَا أَن الَّذِي انْقَلَبَتْ عَلَيْهِ أَلفاهما وَاحِدٌ، فَافْهَمْ، وَمَا تَوْفِيقُنَا إِلا بِاللَّهِ، وَلَيْسَ لَكَ فِي إِمالتها دَلِيلٌ عَلَى أَنها مِنَ الْيَاءِ، لأَنهم قَدْ يُمِيلون بَنَاتِ الْوَاوِ أَيضاً، وإِن كَانَ أَوَّله مَفْتُوحًا كالمَكا والعَشا، فإِذا كَانَ ذَلِكَ مَعَ الْفَتْحَةِ كَمَا تَرَى فإِمالَتُها مَعَ الْكَسْرَةِ فِي كِلا أَولى، قَالَ: وأَما تَمْثِيلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ لَهَا بِشَرْوَى، وَهِيَ مِنْ شَرَيْتُ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنها عِنْدَهُ مِنَ الْيَاءِ دُونَ الْوَاوِ، وَلَا مِنَ الْوَاوِ دُونَ الْيَاءِ، لأَنه إِنما أَراد الْبَدَلَ حَسْبُ فَمَثَّلَ بِمَا لَامُهُ مِنَ الأَسماء مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ، مُبْدَلَةً أَبداً نَحْوَ الشَّرْوَى والفَتْوَى. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما كِلْتَا فَذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إِلى أَنها فِعْلَى بِمَنْزِلَةِ الذِّكْرَى والحِفْرَى، قَالَ: وأَصلها كِلْوا، فأُبدلت الْوَاوُ تَاءً كَمَا أُبدلت فِي أُخت وَبِنْتٍ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَامَ كِلْتَا مُعْتَلَّةٌ قَوْلُهُمْ فِي مُذَكَّرِهَا كِلا، وكِلا فِعْلٌ وَلَامُهُ مُعْتَلَّةٌ بِمَنْزِلَةِ لَامِ حِجاً ورِضاً، وَهُمَا مِنَ الْوَاوِ لِقَوْلِهِمْ حَجا يَحْجُو والرِّضْوان،

ص: 227

وَلِذَلِكَ مَثَّلَهَا سِيبَوَيْهِ بِمَا اعتلَّت لَامُهُ فَقَالَ هِيَ بِمَنْزِلَةِ شَرْوَى، وأَما أَبو عُمر الجَرْمِي فَذَهَبَ إِلى أَنها فِعْتَلٌ، وأَن التَّاءَ فِيهَا عَلَمُ تأْنِيثها وَخَالَفَ سِيبَوَيْهِ، وَيَشْهَدُ بِفَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ أَن التَّاءَ لَا تَكُونُ عَلَامَةَ تأْنيث الْوَاحِدِ إِلا وَقَبْلَهَا فَتْحَةٌ نَحْوَ طَلحة وحَمْزَة وَقَائِمَةَ وقاعِدة، أَو أَن يَكُونَ قَبْلَهَا أَلف نَحْوَ سِعْلاة وعِزْهاة، وَاللَّامُ فِي كِلتا سَاكِنَةٌ كَمَا تَرَى، فَهَذَا وَجْهٌ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَن عَلَامَةَ التأْنيث لَا تَكُونُ أَبداً وَسَطًا، إِنما تَكُونُ آخِرًا لَا مَحَالَةَ، قَالَ: وكِلْتَا اسْمٌ مُفْرَدٌ يُفِيدُ مَعْنَى التَّثْنِيَةِ بإِجماع مِنَ الْبَصْرِيِّينَ، فَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ عَلَامَةُ تأْنيثه التَّاءَ وَمَا قَبْلَهَا سَاكِنٌ، وأَيضاً فإِن فِعتَلًا مِثَالٌ لَا يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ أَصلًا فيُحْمَل هَذَا عَلَيْهِ، قَالَ: وإِن سَمَّيْتَ بكِلْتا رَجُلًا لَمْ تَصْرِفْهُ فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ مَعْرِفَةً وَلَا نَكِرَةً، لأَن أَلفها للتأْنيث بِمَنْزِلَتِهَا فِي ذكْرى، وَتَصَرُّفُهُ نَكِرَةً فِي قَوْلِ أَبي عُمَرَ لأَن أَقصى أَحواله عِنْدَهُ أَن يَكُونَ كَقَائِمَةٍ وَقَاعِدَةٍ وعَزَّة وَحَمْزَةَ، وَلَا تَنْفَصِلُ كِلا وَلَا كِلتا مِنَ الإِضافة. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: مَنْ الْعَرَبِ مَنْ يُمِيلُ أَلف كِلْتَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُمِيلُهَا، فَمَنْ أَبطل إِمَالَتَهَا قَالَ أَلفها أَلف تَثْنِيَةٍ كأَلف غُلَامًا وَذَوَا، وَوَاحِدُ كِلْتَا كِلت، وأَلف التَّثْنِيَةِ لاتمال، وَمَنْ وَقَفَ عَلَى كِلْتَا بالإِمالة فَقَالَ كِلْتَا اسْمُ وَاحِدٍ عَبَّرَ عَنِ التَّثْنِيَةِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شِعْرَى وذِكْرَى. وَرَوَى الأَزهري عَنِ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ: الْعَرَبُ إِذا أَضافت كُلًّا إِلى اثْنَيْنِ لَيَّنَتْ لَامَهَا وَجَعَلَتْ مَعَهَا أَلف التَّثْنِيَةِ، ثُمَّ سَوَّتْ بَيْنَهُمَا فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ فَجَعَلَتْ إِعرابها بالأَلف وأَضافتها إِلى اثْنَيْنِ وأَخبرت عَنْ وَاحِدٍ، فَقَالَتْ: كِلا أَخَوَيْك كَانَ قَائِمًا وَلَمْ يَقُولُوا كَانَا قَائِمَيْنِ، وكِلا عَمَّيْك كَانَ فَقِيهًا، وكِلْتَا المرأَتين كَانَتْ جَمِيلَةً، وَلَا يَقُولُونَ كَانَتَا جَمِيلَتَيْنِ،. قَالَ اللَّهُ عز وجل: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها

، وَلَمْ يَقُلْ آتَتا. وَيُقَالُ: مَرَرْتُ بكِلا الرَّجُلَيْنِ، وَجَاءَنِي كِلا الرَّجُلَيْنِ، فَاسْتَوَى فِي كِلا إِذا أَضفتها إِلى ظَاهِرَيْنِ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَالْخَفْضُ، فإِذا كَنَّوْا عَنْ مَخْفُوضِهَا أَجروها بِمَا يُصِيبُهَا مِنَ الإِعراب فَقَالُوا أَخواك مَرَرْتُ بِكِلَيْهِمَا، فَجَعَلُوا نَصْبَهَا وَخَفْضَهَا بِالْيَاءِ، وَقَالُوا أَخواي جَاءَانِي كِلَاهما فَجَعَلُوا رَفْعَ الِاثْنَيْنِ بالأَلف، وَقَالَ الأَعشى فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ:

كِلا أَبَوَيْكُمْ كانَ فَرْعاً دِعامةً

يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ فَرْعًا؛ وَكَذَلِكَ قَالَ لَبِيدٌ:

فَغَدَتْ، كِلا الفَرْجَيْنِ تَحْسَبُ أَنَّه

مَوْلى المَخافةِ: خَلْفَها وأَمامها

غَدَتْ: يَعْنِي بَقَرَةً وَحْشِيَّةً، كِلَا الْفَرْجَيْنِ: أَراد كِلَا فَرْجَيْهَا، فأَقام الأَلف وَاللَّامَ مُقام الكِناية، ثُمَّ قَالَ تَحَسَبُ، يَعْنِي الْبَقَرَةَ، أَنه وَلَمْ يَقُلْ أَنهما مَوْلَى الْمَخَافَةِ أَي وليُّ مَخافتها، ثُمَّ تَرْجَم عَنْ كِلا الفَرْجين فَقَالَ خَلْفَهَا وأَمامها، وَكَذَلِكَ تَقُولُ: كِلا الرَّجُلَيْنِ قائمٌ وكِلْتا المرأَتين قَائِمَةٌ؛ وأَنشد:

كِلا الرَّجُلَيْن أَفَّاكٌ أَثِيم

وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَ كلٍّ فِي مَوْضِعِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: كِلا فِي تأْكيد الِاثْنَيْنِ نَظِيرُ كلٍّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ غَيْرُ مُثَنّى، فإِذا وَلِيَ اسْمًا ظَاهِرًا كَانَ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بالأَلف، تَقُولُ: رأَيت كِلا الرَّجُلَيْنِ، وَجَاءَنِي كِلا الرَّجُلَيْنِ، وَمَرَرْتُ بِكِلَا الرَّجُلَيْنِ، فإِذا اتَّصَلَ بِمُضْمَرٍ قلَبْت الأَلف يَاءً فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ وَالنَّصْبِ، فَقُلْتَ: رأَيت كِلَيْهِمَا وَمَرَرْتُ بِكِلَيْهِمَا، كَمَا تَقُولُ عَلَيْهِمَا، وَتَبْقَى فِي الرَّفْعِ عَلَى حَالِهَا؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مُثَنَّى مأْخوذ مِنْ كُلٍّ فَخُفِّفَتِ اللَّامُ وَزِيدَتِ الأَلف لِلتَّثْنِيَةِ، وَكَذَلِكَ كِلْتَا

ص: 228

لِلْمُؤَنَّثِ، وَلَا يَكُونَانِ إِلا مُضَافَيْنِ وَلَا يُتَكَلَّمُ مِنْهُمَا بِوَاحِدٍ، وَلَوْ تُكُلِّمَ بِهِ لَقِيلَ كِلٌ وكِلْتٌ وكِلانِ وكِلْتانِ؛ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

فِي كِلْتِ رِجْلَيْها سُلامى واحدهْ،

كِلتاهما مقْرُونةٌ بزائدهْ

أَراد: فِي إِحدى رِجْلَيْهَا، فأَفْرد، قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهل الْبَصْرَةِ، لأَنه لَوْ كَانَ مُثَنًّى لَوَجَبَ أَن تَنْقَلِبَ أَلفه فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ يَاءً مَعَ الِاسْمِ الظَّاهِرِ، ولأَن مَعْنَى كِلا مُخَالِفٌ لِمَعْنَى كُلٍّ، لأَن كُلًّا للإِحاطة وكِلا يَدُلُّ عَلَى شيءٍ مَخْصُوصٍ، وأَما هَذَا الشَّاعِرُ فإِنما حَذَفَ الأَلف لِلضَّرُورَةِ وَقَدَّرَ أَنها زَائِدَةٌ، وَمَا يَكُونُ ضَرُورَةً لَا يَجُوزُ أَن يُجْعَلَ حُجَّةً، فَثَبَتَ أَنه اسْمٌ مُفْرَدٌ كَمِعى إِلا أَنه وُضِعَ لِيَدُلَّ عَلَى التَّثْنِيَةِ، كَمَا أَن قَوْلَهُمْ نَحْنُ اسْمٌ مُفْرَدٌ يَدُلُّ عَلَى الِاثْنَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا؛ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ جَرِيرٍ:

كِلا يَومَيْ أُمامةَ يوْمُ صَدٍّ،

وإِنْ لَمْ نَأْتِها إِلَّا لِماما

قَالَ: أَنشدنيه أَبو عَلِيٍّ، قَالَ: فإِن قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ صَارَ كِلا بِالْيَاءِ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ مَعَ الْمُضْمَرِ وَلَزِمَتِ الأَلف مَعَ الْمُظْهَرِ كَمَا لَزِمَتْ فِي الرَّفْعِ مَعَ الْمُضْمَرِ؟ قِيلَ لَهُ: مِنْ حَقِّهَا أَن تَكُونَ بالأَلف عَلَى كُلِّ حَالٍ مِثْلَ عَصًا وَمِعًى، إِلا أَنها لَمَّا كَانَتْ لَا تَنْفَكُّ مِنَ الإِضافة شُبِّهَتْ بِعَلَى وَلَدَى، فَجُعِلَتْ بِالْيَاءِ مَعَ الْمُضْمَرِ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ، لأَن عَلَى لَا تَقَعُ إِلا مَنْصُوبَةً أَو مَجْرُورَةً وَلَا تُسْتَعْمَلُ مَرْفُوعَةً، فَبَقِيَتْ كِلا فِي الرَّفْعِ عَلَى أَصلها مَعَ الْمُضْمَرِ، لأَنها لَمْ تُشَبَّه بِعَلَى فِي هَذِهِ الْحَالِ، قَالَ: وأَما كِلْتَا الَّتِي للتأْنيث فإِن سِيبَوَيْهِ يَقُولُ أَلفها للتأْنيث وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ لَامِ الْفِعْلِ، وَهِيَ وَاوٌ والأَصل كِلْوا، وإِنما أُبدلت تَاءً لأَن فِي التَّاءِ عَلَمَ التأْنيث، والأَلف فِي كِلْتَا قَدْ تَصِيرُ يَاءً مَعَ الْمُضْمَرِ فَتَخْرُجُ عَنْ عَلَمِ التأْنيث، فَصَارَ فِي إِبدال الْوَاوِ تَاءُ تأْكيد للتأْنيث. قَالَ: وَقَالَ أَبو عُمر الجَرْمي التَّاءُ مُلْحَقَةٌ والأَلف لَامُ الْفِعْلِ، وَتَقْدِيرُهَا عِنْدَهُ فِعْتَلٌ، وَلَوْ كَانَ الأَمر كَمَا زَعَمَ لَقَالُوا فِي النِّسْبَةِ إِليها كِلْتَويٌّ، فَلَمَّا قَالُوا كِلَويٌّ وأَسقطوا التَّاءَ دَلَّ أَنهم أَجْروها مُجْرى التَّاءِ الَّتِي فِي أُخت الَّتِي إِذا نَسَبت إِليها قُلْتَ أَخَوِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: كِلَويٌّ قِيَاسٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ إِذا سَمَّيْتَ بِهَا رَجُلًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَسْمُوعًا فَيُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْجَرْمِيِّ. الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ كلأَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ مَهْمُوزَةٌ وَلَوْ تَركتَ هَمْزَةَ مِثْلِهِ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ قلت يَكْلَوْكم، بواو ساكنة، ويَكْلاكم، بأَلف سَاكِنَةٍ، مِثْلَ يَخْشَاكُمْ، وَمَنْ جَعَلَهَا وَاوًا سَاكِنَةً قَالَ كَلات، بأَلف، يَتْرُكُ النَّبْرة مِنْهَا، وَمَنْ قال يَكلاكم قال كَلَيْتُ مِثْلَ قَضَيْت، وَهِيَ مِنْ لُغَةِ قُرَيْشٍ، وكلٌّ حَسَنٌ، إِلا أَنهم يَقُولُونَ فِي الوجهين مَكْلُوَّة ومَكْلُوّ أَكثر مِمَّا يَقُولُونَ مَكْلِيٌّ، قَالَ: وَلَوْ قِيلَ مَكْلِيّ فِي الَّذِينَ يَقُولُونَ كَلَيْتُ كَانَ صَوَابًا؛ قَالَ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَنْشُدُ:

مَا خاصَمَ الأَقوامَ مِنْ ذِي خُصُومةٍ

كَوَرْهاء مَشْنِيٍّ، إِليها، حَلِيلُها

فَبَنَى عَلَى شَنَيْتُ بِتَرْكِ النَّبْرَةِ. أَبو نَصْرٍ: كَلَّى فلانٌ يُكَلِّي تَكْلِيَة، وَهُوَ أَن يأْتي مَكَانًا فِيهِ مُسْتَتَر، جَاءَ بِهِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ. والكُلْوَةُ: لُغَةٌ فِي الكُلْيَة لأَهل الْيَمَنِ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَلَا تَقُلْ كِلوة، بِكَسْرِ الْكَافِ. الكُلْيَتان مِنَ الإِنسان وَغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ: لحمَتان

ص: 229

مُنْتَبِرَتان حَمْراوان لَازِقَتَانِ بِعَظْمِ الصُّلْبِ عِنْدَ الْخَاصِرَتَيْنِ فِي كُظْرَين مِنَ الشَّحْمِ، وَهُمَا مَنْبِتُ بَيْتِ الزَّرْعِ، هَكَذَا يُسَمَّيَانِ فِي الطِّبِّ، يُرَادُ بِهِ زَرْعُ الْوَلَدِ. سِيبَوَيْهِ: كُلْيَةٌ وكُلًى، كَرِهُوا أَن يَجْمَعُوا بِالتَّاءِ فَيُحَرِّكُوا الْعَيْنَ بِالضَّمَّةِ فَتَجِيءُ هَذِهِ الْيَاءُ بَعْدَ ضَمَّةٍ، فَلَمَّا ثَقُلَ ذلك عليهم تركوه واجتزؤوا بِبِنَاءِ الأَكثر، وَمَنْ خَفَّفَ قَالَ كُلْيات. وكَلاه كَلْياً: أَصاب كُلْيته. ابْنُ السِّكِّيتِ: كَلَيْتُ فَلُانًا فاكْتَلَى، وَهُوَ مَكْلِيٌّ، أَصبت كُلْيَته؛ قَالَ حُمَيْدٌ الأَرقط:

مِنْ عَلَقِ المَكْليِّ والمَوْتونِ

وإِذا أَصبت كَبِدَه فَهُوَ مَكْبُود. وكَلا الرجلُ واكْتَلَى: تأَلَّمَ لِذَلِكَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

لَهُنَّ فِي شَباتِه صَئِيُّ،

إِذا اكْتَلَى واقْتَحَمَ المَكْلِيُ

وَيُرْوَى: كَلا؛ يَقُولُ: إِذا طَعن الثورُ الكلبَ فِي كُلْيَته وَسَقَطَ الكلبُ المَكْلِيُّ الَّذِي أُصيبت كُلْيَتُه. وَجَاءَ فُلَانٌ بِغَنَمِهِ حُمْرَ الكُلَى أَي مَهَازِيلَ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

إِذا الشَّوِيُّ كَثُرتْ ثَوائِجُهْ،

وكانَ مِن عندِ الكُلَى مَناتِجُهْ

كَثُرَتْ ثَوائجُه مِنَ الجَدْب لَا تَجِدُ شَيْئًا تَرْعَاهُ. وَقَوْلُهُ: مِن عِنْدِ الكُلَى مَناتِجُه، يَعْنِي سَقَطَتْ مِنَ الهُزال فَصاحِبها يَبْقُر بُطُونَهَا مِنْ خَواصِرها فِي مَوْضِعِ كُلاها فيَستخرج أَولادها مِنْهَا. وكُلْيَةُ المَزادة وَالرَّاوِيَةِ: جُلَيْدة مُسْتَدِيرَةٌ مَشْدُودَةُ العُروة قَدْ خُرِزَتْ مَعَ الأَديم تَحْتَ عُروة المَزادة. وكُلْية الإِداوَةِ: الرُّقعة الَّتِي تَحْتَ عُرْوَتها، وَجَمْعُهَا الكُلَى؛ وأَنشد:

كأَنَّه مِنْ كُلَى مَفْرِيّةٍ سَرَب

الْجَوْهَرِيُّ: وَالْجَمْعُ كُلْيَاتٌ وكُلًى، قَالَ: وَبَنَاتُ الْيَاءِ إِذا جُمِعَتْ بِالتَّاءِ لَمْ يُحَرَّكْ مَوْضِعُ الْعَيْنِ مِنْهَا بِالضَّمِّ. وكُلْيَةُ السَّحَابَةِ: أَسفلُها، وَالْجَمْعُ كُلًى. يُقَالُ: انْبَعَجَت كُلاه؛ قَالَ:

يُسِيلُ الرُّبى واهِي الكُلَى عارِضُ الذُّرى،

أَهِلَّة نَضَّاخِ النَّدى سابِغُ القَطْرِ «2»

وَقِيلَ: إِنما سُمِّيَتْ بكُلْية الإِداوة؛ وَقَوْلُ أَبي حَيَّةَ:

حَتَّى إِذا سَرِبَت عَلَيْهِ، وبَعَّجَتْ

وَطْفاء سارِبةٌ كُلِيّ مَزادِ «3»

يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ جَمَع كُلْية عَلَى كُلِيّ، كَمَا جَاءَ حِلْيَة وحُلِيّ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِتُقَارِبِ الْبِنَاءَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ جَمْعُهُ عَلَى اعْتِقَادِ حَذْفِ الْهَاءِ كبُرْد وبُرُود. والكُلْيَةُ مِنَ القَوس: أَسفل مِنَ الكَبِد، وَقِيلَ: هِيَ كَبِدُها، وَقِيلَ: مَعْقِد حَمالتها، وَهُمَا كُلْيَتان، وَقِيلَ: كُلْيَتها مِقدار ثَلَاثَةِ أَشبار مِنْ مَقْبِضها. والكُلْية مِنَ الْقَوْسِ: مَا بَيْنَ الأَبهر وَالْكَبِدِ، وَهُمَا كُلْيَتان. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: كُليتا الْقَوْسِ مَثْبَت مُعَلَّق حَمالتها. وَالْكُلْيَتَانِ: مَا عَنْ يَمِينِ النَّصل وشِماله. والكُلَى: الرِّيشَاتُ الأَربع الَّتِي فِي آخِرِ الجَناح يَلِينَ جَنْبه. والكُلَيَّةُ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقِ:

هَلْ تَعْلَمونَ غَداةَ يُطْرَدُ سَبْيُكُمْ،

بالسَّفْح بينَ كُلَيَّةٍ وطِحال؟

(2). قوله [عارض] كذا في الأصل والمحكم هنا، وسبق الاستشهاد بالبيت في عرس بمهملات.

(3)

. قوله [سربت إلخ] كذا في الأصل بالسين المهملة، والذي في المحكم وشرح القاموس: شربت، بالمعجمة.

ص: 230

والكُلَيَّان: اسْمُ مَوْضِعٌ؛ قَالَ الْقَتَّالُ الْكِلَابِيُّ:

لِظَبْيَةَ رَبْعٌ بالكُلَيَّيْنِ دارِسُ،

فَبَرْق نِعاجٍ، غَيَّرَتْه الرَّوامِسُ «1»

قَالَ الأَزهري فِي الْمُعْتَلِّ مَا صُورَتُهُ: تَفْسِيرُ كَلَّا الْفَرَّاءُ قَالَ: قَالَ الْكِسَائِيُّ لَا تَنْفِي حَسْبُ وكلَّا تَنْفِي شَيْئًا وَتُوجِبُ شَيْئًا غَيْرَهُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُكَ لِلرَّجُلِ قَالَ لَكَ أَكلت شَيْئًا فَقُلْتَ لَا، وَيَقُولُ الْآخَرُ أَكلت تَمْرًا فَتَقُولُ أَنت كَلَّا، أَردت أَي أَكلت عَسَلًا لَا تَمْرًا، قَالَ: وتأْتي كلَّا بِمَعْنَى قَوْلِهِمْ حَقّاً، قَالَ: رَوى ذَلِكَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يحيى. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري فِي تفسير كَلَّا: هِيَ عِنْدَ الْفَرَّاءِ تَكُونُ صِلَةً لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا، وَتَكُونُ حَرْفَ رَدٍّ بِمَنْزِلَةِ نَعَمْ وَلَا فِي الاكْتفاء، فإِذا جَعَلْتَهَا صِلَةً لِمَا بَعْدَهَا لَمْ تَقِف عَلَيْهَا كَقَوْلِكَ كَلَّا ورَبّ الْكَعْبَةِ، لَا تَقِف عَلَى كَلَّا لأَنها بِمَنْزِلَةِ إِي واللهِ، قَالَ اللهُ سبحانه وتعالى: كَلَّا وَالْقَمَرِ

؛ الْوَقْفُ عَلَى كَلَّا قَبِيحٌ لأَنها صِلَةٌ لِلْيَمِينِ. قَالَ: وَقَالَ الأَخفش مَعْنَى كَلَّا الرَّدْع والزَّجر؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ «2» وإِليه ذَهَبَ الزَّجَّاجُ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ أَبو بَكْرِ بْنُ الأَنباري: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مَعْنَى كَلَّا حَقّاً، قَالَ: وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ جَاءَتْ كلَّا فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَهِيَ فِي مَوْضِعٍ بِمَعْنَى لَا، وَهُوَ رَدٌّ للأَوَّل كَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ:

قَدْ طَلَبَتْ شَيْبانُ أَن تُصاكِمُوا

كَلَّا، ولَمَّا تَصْطَفِقْ مآتِمُ

قَالَ: وَتَجِيءُ كَلَّا بِمَعْنَى أَلا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ؛ وَهِيَ زَائِدَةٌ لَوْ لَمْ تأْتِ كَانَ الْكَلَامُ تَامًّا مَفْهُومًا، قَالَ: وَمِنْهُ الْمَثَلُ كلَّا زَعَمْتَ العِيرُ لَا تُقاتلُ؛ وَقَالَ الأَعشى:

كَلَّا زَعَمْتُمْ بأَنَّا لَا نُقاتِلُكُمْ،

إِنَّا لأَمْثالِكُمْ، يَا قَوْمَنا، قُتُلُ

قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَهَذَا غَلَطٌ مَعْنَى كَلَّا فِي الْبَيْتِ. وَفِي الْمَثَلِ: لَا، لَيْسَ الأَمر عَلَى مَا تَقُولُونَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبا الْعَبَّاسِ يَقُولُ لَا يُوقَفُ عَلَى كلَّا فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ لأَنها جَوَابٌ، والفائدةُ تَقَعُ فِيمَا بَعْدَهَا، قَالَ: وَاحْتَجَّ السِّجِسْتَانِيُّ فِي أَنَّ كَلَّا بِمَعْنَى أَلا بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى

، فَمعْناه أَلا؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ بِمَعْنَى حَقًّا إِن الإِنسان لَيَطْغَى، وَيَجُوزَ أَن يَكُونَ رَدًّا كأَنه قَالَ: لَا، لَيْسَ الأَمر كَمَا تَظُنُّونَ. أَبو دَاوُدَ عَنِ النَّضْرِ: قَالَ الْخَلِيلُ قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ كلَّا فَهُوَ رَدٌّ إِلا مَوْضِعَيْنِ، فَقَالَ الْخَلِيلُ: أَنا أَقول كُلُّهُ رَدٌّ. وَرَوَى ابْنُ شُمَيْلٍ عَنِ الْخَلِيلِ أَنه قَالَ: كلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ كلَّا رَدٌّ يَرُدُّ شَيْئًا وَيُثْبِتُ آخَرَ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ كلَّاكَ واللهِ وبَلاكَ واللهِ، فِي مَعْنَى كَلَّا واللهِ، وبَلَى واللهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

تَقع فِتَنٌ كأَنَّها الظُّلَلُ، فَقَالَ أَعرابي: كَلَّا يَا رسولَ اللهِ

؛ قَالَ: كَلَّا رَدْع فِي الْكَلَامِ وَتَنْبِيهٌ وزَجْر، ومعناها انْتهِ لا تَفْعَل، إِلا أَنها آكَدُ فِي النَّفْيِ والرَّدْع مِنْ لَا لِزِيَادَةِ الْكَافِ، وَقَدْ ترِد بِمَعْنَى حَقًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ

. والظُّلَلُ: السَّحَابُ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.

كمي: كَمَى الشيءَ وتَكَمَّاه: سَتَرَه؛ وَقَدْ تَأَوَّل بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ:

بَلْ لَوْ شَهِدْتَ الناسَ إِذْ تُكُمُّوا

(1). قَوْلُهُ [فبرق نعاج] كذا في الأصل والمحكم، والذي في معجم ياقوت: فبرق فعاج، بفاء العطف.

(2)

. قوله [مذهب سيبويه] كذا في الأصل، والذي في تهذيب الأزهري: مذهب الخليل.

ص: 231

إِنه مِنْ تَكَمَّيت الشيءَ. وكَمَى الشَّهَادَةَ يَكْمِيها كَمْياً وأَكْمَاها: كَتَمَها وقَمَعَها؛ قَالَ كثيِّر:

وإِني لأَكْمِي الناسَ مَا أَنا مُضْمِرٌ،

مخَافَةَ أَن يَثْرَى بِذلك كاشِحُ

يَثْرى: يَفْرَح. وانْكَمَى أَي اسْتَخْفى. وتَكَمَّتْهم الفتنُ إِذا غَشِيَتْهم. وتَكَمَّى قِرْنَه: قَصَده، وَقِيلَ: كلُّ مَقْصود مُعْتَمَد مُتَكَمًّى. وتَكَمَّى: تَغَطَّى. وتَكَمَّى فِي سِلاحه: تَغَطَّى بِهِ. والكَمِيُّ: الشُّجَاعُ المُتَكَمِّي فِي سِلاحه لأَنه كَمَى نفسَه أَي ستَرها بالدِّرع والبَيْضة، وَالْجَمْعُ الكُمَاة، كأَنهم جَمَعُوا كَامِياً مِثْلَ قاضِياً وقُضاة. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه مَرَّ عَلَى أَبواب دُور مُسْتَفِلة فَقَالَ اكْمُوها

، وَفِي رِوَايَةٍ:

أَكِيمُوها

أَي استُرُوها لِئَلَّا تَقَعَ عُيُونُ النَّاسِ عَلَيْهَا. والكَمْوُ: السَّتْرُ «3» ، وأَما أَكِيمُوها فَمَعْنَاهُ ارْفَعُوها لِئَلَّا يَهْجُم السَّيْلُ عَلَيْهَا، مأْخوذ مِنَ الكَوْمَة وَهِيَ الرَّمْلة المُشْرِفة، وَمِنَ النَّاقَةِ الكَوْماء وَهِيَ الطَّويلة السَّنام، والكَوَمُ عِظَم فِي السَّنَامِ. وَفِي حَدِيثِ

حُذَيْفَةَ: لِلدَّابَّةِ ثَلَاثُ خَرَجاتٍ ثُمَّ تَنْكَمِي

أَي تَسْتَتِرُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلشُّجَاعِ كَمِيّ لأَنه اسْتَتَرَ بِالدِّرْعِ، والدابةُ هِيَ دابةُ الأَرض الَّتِي هِيَ مِنْ أَشراط السَّاعَةِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

أَبي اليَسَر: فجِئْته فانْكَمَى مِنِّي ثَمَّ ظَهَرَ.

والكَمِيُّ: اللابسُ السلاحِ، وَقِيلَ: هُوَ الشُّجَاعُ المُقْدِمُ الجَريء، كَانَ عَلَيْهِ سِلَاحٌ أَو لَمْ يَكُنَّ، وَقِيلَ: الكَمِيُّ الَّذِي لَا يَحِيد عَنْ قِرنه وَلَا يَرُوغ عَنْ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ أَكْمَاء؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لضَمْرة بْنِ ضَمرة:

تَرَكْتَ ابنتَيْكَ للمُغِيرةِ، والقَنا

شَوارعُ، والأَكْمَاء تَشْرَقُ بالدَّمِ

فأَما كُمَاةٌ فَجَمْعُ كَامٍ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ جَمْعَ الكَمِيِّ أَكْمَاء وكُمَاة. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: اخْتُلِفَ النَّاسُ فِي الكَمِيِّ مِنْ أَي شَيْءٍ أُخذ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: سُمِّيَ كَمِيّاً لأَنه يَكْمِي شَجَاعَتَهُ لِوَقْتِ حَاجَتِهِ إِليها وَلَا يُظهرها مُتَكَثِّراً بِهَا، وَلَكِنْ إِذا احْتَاجَ إِليها أَظهرها، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنما سُمِّيَ كَمِيّاً لأَنه لَا يَقْتُلُ إِلا كَمِيّاً، وَذَلِكَ أَن الْعَرَبَ تأْنف مِنْ قَتْلِ الْخَسِيسِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: الْقَوْمُ قَدْ تُكُمُّوا وَالْقَوْمُ قَدْ تُشُرِّفُوا وتُزُوِّروا إِذا قُتل كَمِيُّهم وشَريفُهم وزَوِيرُهم. ابْنُ بزُرْج: رَجُلٌ كَمِيٌّ بيِّن الكَمَايَة، والكَمِيُّ عَلَى وَجْهَيْنِ: الكَمِيُّ فِي سِلَاحِهِ، والكَمِيُّ الْحَافِظُ لِسِرِّهِ. قَالَ: والكَامِي الشَّهَادَةِ الَّذِي يَكْتُمها. وَيُقَالُ: مَا فُلَانٌ بِكَمِيٍّ وَلَا نَكِيٍّ أَي لَا يَكْمِي سِرَّهُ وَلَا يَنْكِي عَدُوَّه. ابْنُ الأَعرابي: كُلٌّ مَنْ تعمَّدته فَقَدَ تَكَمَّيته. وَسُمِّيَ الكَمِيُّ كَمِيّاً لأَنه يَتَكَمَّى الأَقران أَي يَتَعَمَّدُهُمْ. وأَكْمَى: سَتَر مَنْزِلَهُ عَنِ الْعُيُونِ، وأَكْمَى: قتَل كَمِيَّ الْعَسْكَرِ. وكَمَيْتُ إِليه: تَقَدَّمْتُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. والكِيمياء، مَعْرُوفَةٌ مِثَالُ السِّيمياء: اسْمُ صَنْعَةٍ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ عَرَبِيٌّ، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَحسبها أَعجمية وَلَا أَدري أَهي فِعْلِياء أَم فِيعِلاء. والكَمْوَى، مَقْصُورٌ: اللَّيْلَةُ القَمْراء المُضِيئة؛ قَالَ:

فَباتُوا بالصَّعِيدِ لَهُمْ أُجاجٌ،

وَلَوْ صَحَّتْ لَنَا الكَمْوَى سَرَينا

التَّهْذِيبُ: وأَما كَمَا فإِنها مَا أُدخل عَلَيْهَا كَافُ التَّشْبِيهِ،

(3). قوله [والكَمْو الستر] هذه عبارة النهاية ومقتضاها أن يقال كَمَا يَكْمُو.

ص: 232

وَهَذَا أَكثر الْكَلَامِ، وَقَدْ قِيلَ: إِن الْعَرَبَ تَحْذِفُ الْيَاءَ مِنْ كَيْما فَتَجْعَلُهُ كَمَا، يَقُولُ أَحدهم لِصَاحِبِهِ اسْمع كَمَا أُحَدِّثك، مَعْنَاهُ كَيْما أُحَدِّثك، وَيَرْفَعُونَ بِهَا الْفِعْلَ وَيَنْصِبُونَ؛ قَالَ عَدِيٌّ:

اسْمَعْ حَدِيثاً كَمَا يَوْماً تُحَدِّثه

عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ، إِذا مَا سائلٌ سَالَا

مَنْ نَصَبَ فَبِمَعْنَى كَيْ، وَمَنْ رَفَعَ فلأَنه لَمْ يَلْفِظْ بِكَيْ، وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ

مَنْ حَلَف بِملَّةٍ غَيْرِ مِلَّة الإِسلام كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ

؛ قَالَ: هُوَ أَن يَقُولَ الإِنسان فِي يَمينه إِن كَانَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ كَافِرٌ أَو يَهُودِيٌّ أَو نَصْرَانِيٌّ أَو بَريء مِنَ الإِسلام، وَيَكُونُ كَاذِبًا فِي قَوْلِهِ، فإِنه يَصِيرُ إِلى مَا قَالَهُ مِنَ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ، قَالَ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يَنعقد بِهِ يَمِينٌ، عِنْدَ أَبي حَنِيفَةَ، فإِنه لَا يُوجِبُ فِيهِ إِلا كفَّارة الْيَمِينِ، أَما الشَّافِعِيُّ فَلَا يَعُدُّهُ يَمِينًا وَلَا كفَّارة فِيهِ عِنْدَهُ. قَالَ: وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ

فإِنكم تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القمَر لَيْلَةَ البدْر

، قَالَ: وَقَدْ يُخيل إِلى بَعْضِ السَّامِعِينَ أَن الْكَافَ كَافُ التَّشْبِيهِ للمَرْئيّ، وإِنما هُوَ للرُّؤية، وَهِيَ فِعْلُ الرَّائِي، وَمَعْنَاهُ أَنكم تَرَوْنَ رَبَّكُمْ رُؤية يَنْزَاحُ مَعَهَا الشَّكُّ كَرُؤْيَتِكُمُ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا تَرتابون فِيهِ وَلَا تَمْتَرُون. وَقَالَ: وَهَذَانَ الْحَدِيثَانِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُمَا لأَن الْكَافَ زَائِدَةٌ عَلَى مَا، وَذَكَرَهُمَا ابْنُ الأَثير لأَجل لَفْظِهِمَا وَذَكَرْنَاهُمَا نَحْنُ حِفْظًا لِذِكْرِهِمَا حَتَّى لَا نُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنَ الأُصول.

كني: الكُنْيَةُ عَلَى ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحدها أَن يُكْنَى عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي يُستفحش ذِكْرُهُ، وَالثَّانِي أَن يُكْنى الرَّجُلُ بَاسِمٍ تَوْقِيرًا وَتَعْظِيمًا، وَالثَّالِثُ أَن تَقُومَ الكُنْية مَقام الِاسْمِ فَيُعْرَفُ صَاحِبُهَا بِهَا كَمَا يُعْرَفُ بِاسْمِهِ كأَبي لَهَبٍ اسْمُهُ عَبْدُ العُزَّى، عُرِفَ بكُنيته فَسَمَّاهُ اللَّهُ بِهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والكُنْيةُ والكِنْية أَيضاً وَاحِدَةُ الكُنَى، واكْتَنَى فُلَانٌ بِكَذَا. والكِنَايَة: أَن تَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ وَتُرِيدَ غَيْرَهُ. وكَنَى عَنِ الأَمر بِغَيْرِهِ يَكْنِي كِنَايَةً: يَعْنِي إِذا تَكَلَّمَ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ نَحْوَ الرَّفَثِ وَالْغَائِطِ وَنَحْوِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ تَعَزَّى بعزَاء الْجَاهِلِيَّةِ فأَعِضُّوه بأَيْر أَبيه وَلَا تَكْنُوا.

وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ:

رأَيت عِلْجاً يومَ القادِسيةِ وَقَدْ [تَكَنَّى] وتَحَجَّى

أَي تَسَتَّرَ، مَنْ كَنَى عَنْهُ إِذا وَرَّى، أَو مِنَ الكُنْية، كأَنه ذَكَرَ كنْيته عِنْدَ الْحَرْبِ ليُعرف، وَهُوَ مِنْ شِعَارِ المُبارزين فِي الْحَرْبِ، يَقُولُ أَحدهم: أَنا فُلَانٌ وأَنا أَبو فُلَانٍ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

خُذها مِنِّي وأَنا الغُلام الغِفاريُّ.

وَقَوْلُ

عَلِيٍّ، رضي الله عنه: أَنا أَبو حَسَنٍ القَرْم.

وكَنَوت بِكَذَا عَنْ كَذَا؛ وأَنشد:

وإِني لأَكْنِي عَنْ قَذورَ بغَيْرِها،

وأُعْرِبُ أَحْياناً بِهَا فأُصارِحُ

وَرَجُلٌ كانٍ وَقَوْمٌ كَانُونَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَاسْتَعْمَلَ سِيبَوَيْهِ الكِنَايَة فِي عَلَامَةِ الْمُضْمَرِ. وكَنَيْتُ الرَّجُلَ بأَبي فُلَانٍ وأَبا فُلَانٍ عَلَى تَعْدِية الْفِعْلُ بَعْدَ إِسقاط الْحَرْفِ كُنْيَةً وكِنْيَةً؛ قَالَ:

راهِبة تُكْنَى بأُمِّ الخَيْر

وَكَذَلِكَ كَنَيْته؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ: وَلَمْ يَعْرِفِ الْكِسَائِيُّ أَكْنَيْتُه، قَالَ: وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَعْرِفِ الْكِسَائِيُّ أَكْنَيْتُهُ يُوهِمُ أَن غَيْرَهُ قَدْ عَرَفَهُ. وكُنْيَةُ فُلَانٍ أَبو فُلَانٍ، وَكَذَلِكَ كِنْيَتُه أَي الَّذِي يُكْنَى به، وكنو

كُنْوَة فُلَانٍ أَبو فُلَانٍ، وَكَذَلِكَ كنو

كُنْوَة كنو

كِنْوَته؛ كِلَاهُمَا عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وكنو

كُنْوَة كنو

كَنَوْتُه: لُغَةٌ فِي كَنَيْته. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ كَنَيْتُ الرجل وكنو

كُنْوَة كنو

كَنَوْتُه لُغَتَانِ؛ وأَنشد

ص: 233

أَبو زِيَادٍ الْكِلَابِيُّ:

وإِني كنو كُنْوَة كنو لأَكْنُو عَنْ قَذُورَ بِغَيْرِهَا

وَقَذُورُ: اسْمُ امرأَة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ كَنَيْت قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَقَدْ أَرْسَلَتْ فِي السِّرِّ أَنْ قَدْ فَضَحْتَني،

وَقَدْ بُحْتَ باسْمِي فِي النَّسِيبِ وَمَا تَكْنِي

وتُكْنَى: مِنْ أَسماء «1» النِّسَاءِ. اللَّيْثُ: يَقُولُ أَهل الْبَصْرَةِ فُلَانٌ يُكْنَى بأَبي عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: فُلَانٌ يُكْنَى بِعَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَا تَقُلْ يُكْنَى بِعَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَفصح اللُّغَاتِ أَن تَقُولَ كُنِّيَ أَخُوك بِعَمْرٍو، وَالثَّانِيَةُ كُنِّيَ أَخوك بأَبي عَمْرٍو، وَالثَّالِثَةُ كُنِّيَ أَخُوك أَبا عمرو. ويقال: كَنَيْته وكنو

كُنْوَة كنو

كَنَوْتُه وأَكْنَيْته وكَنَّيْته، وكَنَّيْته أَبا زَيْدٍ وبأَبي زَيْدٍ تَكْنِيَةً، وَهُوَ كَنِيُّه: كَمَا تَقُولُ سَمِيُّه. وكُنَى الرُّؤْيَا: هِيَ الأَمثال الَّتِي يَضربها مَلك الرُّؤْيَا، يُكْنَى بِهَا عَنْ أَعْيان الأُمور. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِنَّ للرُّؤيا كُنًى وَلَهَا أَسماء فكَنُّوها بكُنَاها وَاعْتَبِرُوهَا بأَسمائها

؛ الكُنَى: جَمْعُ كُنْيَة مِنْ قَوْلِكَ كَنَيْت عَنِ الأَمر وكنو

كُنْوَة كنو

كَنَوْت عَنْهُ إِذا ورَّيت عَنْهُ بِغَيْرِهِ، أَراد مَثِّلوا لَهَا أَمثالًا إِذا عبَّرْتموها، وَهِيَ الَّتِي يَضربها ملَك الرُّؤْيَا لِلرَّجُلِ فِي مَنَامِهِ لأَنه يُكَنَّى بها عن أَعيان الأُمور، كَقَوْلِهِمْ فِي تَعْبِيرِ النَّخْلِ: إِنها رِجَالٌ ذَوُو أَحساب مِنَ الْعَرَبِ، وَفِي الجَوْز: إِنها رِجَالٌ مِنَ الْعَجَمِ، لأَن النَّخْلَ أَكثر مَا يَكُونُ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، وَالْجَوْزُ أَكثر مَا يَكُونُ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ، وَقَوْلُهُ: فَاعْتَبِرُوهَا بأَسمائها أَي اجْعَلُوا أَسماء مَا يُرى فِي الْمَنَامِ عِبْرَةً وَقِيَاسًا، كأَن رأَى رَجُلًا يُسَمَّى سَالِمًا فأَوَّله بِالسَّلَامَةِ، وَغَانِمًا فأَوله بالغنيمة.

كها: نَاقَةٌ كَهَاةٌ: سَمِينة، وَقِيلَ: الكَهَاةُ النَّاقَةُ الْعَظِيمَةُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذا عَرَضَتْ مِنْهَا كَهَاةٌ سَمِينةٌ،

فَلا تُهْدِ مِنها، واتَّشِقْ وتَجَبْجَبِ

وَقِيلَ: الكَهَاةُ النَّاقَةُ الضَّخْمة الَّتِي كَادَتْ تَدْخُلُ فِي السِّنّ؛ قَالَ طَرَفَةُ:

فَمَرَّتْ كَهَاةٌ ذاتُ خَيْفٍ جُلالةٌ

عَقِيلةُ شَيْخٍ، كَالْوَبِيلِ، يَلَنْدَدِ

وَقِيلَ: هِيَ الْوَاسِعَةُ جِلْدِ الأَخْلاف لَا جَمْعَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، وَقِيلَ: نَاقَةٌ كَهاة عَظِيمَةُ السَّنَامِ جَلِيلَةٌ عِنْدَ أَهلها. وَفِي الْحَدِيثِ:

جَاءَتِ امرأَة إِلى ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، فَقَالَتْ فِي نَفْسِي مسأَلة وأَنا أَكْتَهِيكَ أَن أُشافِهَك بِهَا أَي أُجِلُّك وأُعَظمك وأَحتشِمك، قَالَ: فَاكْتُبِيهَا فِي بِطاقة

أَي فِي رُقعة، وَيُقَالُ فِي نِطاقة، وَالْبَاءُ تُبْدَلُ مِنَ النُّونِ فِي حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ، قَالَ: وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ لِلْجَبَانِ أَكْهَى، وَقَدْ كَهِيَ يَكْهَى واكْتَهَى، لأَن الْمُحْتَشِمَ تَمْنَعُهُ الْهَيْبَةُ عَنِ الْكَلَامِ. وَرَجُلٌ أَكْهَى أَي جَبان ضَعِيفٌ، وَقَدْ كَهِيَ كَهًى؛ وَقَالَ الشَّنْفَرَى:

ولا جبَّإٍ أَكْهَى مُرِبٍّ بِعِرْسِه

يُطالِعُها فِي شأْنِه: كَيْفَ يَفْعَلُ؟

والأَكْهَاء: النبَلاء مِنَ الرِّجَالِ، قَالَ: وَيُقَالُ كَاهَاهُ إِذا فاخَرَه أَيهما أَعظمُ بَدناً، وهاكاهُ إِذا اسْتَصْغَرَ عَقْلَه. وصَخْرةُ أَكْهَى: اسْمُ جَبَلٍ. وأَكْهَى: هَضْبة؛ قَالَ ابْنُ هَرمة:

(1). قوله [وتُكْنَى من أسماء إلخ] في التكملة: هي عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فاعله، وكذلك تكتم، وأنشد:

طاف الخيالان فهاجا سقما

خَيَالٌ تُكْنَى وَخَيَالٌ تُكْتَمَا

ص: 234

كَمَا أَعْيَتْ عَلَى الرَّاقِينَ أَكْهَى

تَعَيَّتْ، لَا مِياهَ وَلَا فِراغا

وَقَضَى ابْنُ سِيدَهْ أَن أَلف كَهَاة يَاءٌ، لأَن الأَلف يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا. أَبو عَمْرٍو: أَكْهَى الرجلُ إِذا سَخَّن أَطراف أَصابعه بنَفَسه، وَكَانَ فِي الأَصل أَكَهَّ فقُلبت إِحدى الْهَاءَيْنِ يَاءً؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

وإِنْ يَكُ إِنْساً مَا كَهَا الإِنسُ يَفْعَل «1»

يُرِيدُ: مَا هَكَذَا الإِنس تَفعل، فَتَرَكَ ذَا وقدم الكاف.

كُوِيَ: الكَيُّ: مَعْرُوفٌ إِحراقُ الْجِلْدِ بِحَدِيدَةٍ وَنَحْوِهَا، كَوَاه كَيّاً. وكوَى البَيْطارُ وَغَيْرُهُ الدَّابَّةَ وَغَيْرَهَا بالمِكْواة يَكْوِي كَيّاً وكَيَّة، وَقَدْ كَوَيْتُه فاكْتَوَى هُوَ. وَفِي الْمَثَلِ: آخِرُ الطِّبِّ الكَيُّ. الْجَوْهَرِيُّ: آخِرُ الدَّواء الكَيّ، قَالَ: وَلَا تَقُلْ آخرُ الدَّاءِ الْكَيُّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِنِّي «2» لأَغتسل مِنَ الْجَنَابَةِ قَبْلَ امرأَتي ثُمَّ أَتَكَوَّى بِهَا

أَي أَسْتَدْفئُ بمُباشَرتها وحَرِّ جِسْمِهَا، وأَصله مِنَ الْكَيِّ. والمِكْواةُ: الْحَدِيدَةُ المِيسَمُ أَو الرَّضفة الَّتِي يُكْوى بِهَا؛ وَفِي الْمَثَلِ:

قَدْ يَضْرَطُ العَيْرُ والمِكْوَاةُ فِي النَّارِ

يُضْرَبُ هَذَا لِلرَّجُلِ يَتَوَقَّعُ الأَمر قَبْلَ أَن يَحِلَّ بِهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا الْمَثَلُ يُضْرَبُ لِلْبَخِيلِ إِذا أَعطَى شَيْئًا مَخَافَةَ مَا هُوَ أَشدّ مِنْهُ، قَالَ: وَهَذَا الْمَثَلُ يُرْوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَهُ فِي بَعْضِهِمْ، وأَصله أَن مُسافر بْنَ أَبي عَمْرٍو سَقَى بَطْنُهُ فَدَاوَاهُ عِبادِيٌّ وأَحْمَى مَكاوِيه، فَلَمَّا جَعَلَهَا عَلَى بَطْنِهِ وَرَجُلٌ قَرِيبٌ مِنْهُ يَنْظُرُ إِليه جَعَلَ يَضْرَطُ فَقَالَ مُسَافِرٌ:

العَيْرُ يَضْرَط والمِكواةُ فِي النَّارِ

فأَرْسَلها مَثَلًا. قَالَ: وَيُقَالُ إِن هَذَا يُضْرَبُ مَثَلًا لِمَنْ أَصابه الْخَوْفُ قَبْلَ وُقُوعِ الْمَكْرُوهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه كَوَى سعدَ بْنَ مُعاذ لِيَنْقَطِعَ دَمُ جُرْحِهِ

؛ الْكَيُّ بِالنَّارِ: مِنَ العِلاج الْمَعْرُوفِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمراض، وَقَدْ جَاءَ فِي أَحاديث كَثِيرَةٍ النَّهْيُ عَنِ الكَيّ، فَقِيلَ: إِنما نُهيَ عَنْهُ مِنْ أَجل أَنهم كَانُوا يُعَظِّمُونَ أَمره وَيَرَوْنَ أَنه يَحْسِمُ الدَّاء، وإِذا لَمْ يُكْوَ العُضو عَطِب وَبَطَلَ، فَنَهَاهُمْ عَنْهُ إِذا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وأَباحه إِذا جُعل سَبَبًا لِلشِّفَاءِ لَا عِلَّةً لَهُ، فإِن اللَّهَ عز وجل هُوَ الَّذِي يُبرئه ويَشفِيه لَا الكَيّ وَلَا الداء، وَهَذَا أَمر يَكْثُرُ فِيهِ شُكُوكُ النَّاسِ، يَقُولُونَ: لَوْ شَرِبَ الدَّواء لَمْ يَمُتْ، وَلَوْ أَقام بِبَلَدِهِ لَمْ يُقْتَلْ، وَلَوِ اكْتَوَى لَمْ يَعْطَب؛ وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ نَهْيُهُ عَنِ الْكَيِّ إِذا اسْتُعْمِلَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِرَازِ مِنْ حُدُوثِ الْمَرَضِ وَقَبْلَ الْحَاجَةِ إِليه، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وإِنما أُبِيح التَّدَاوِي وَالْعِلَاجُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِليه، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ قَبِيلِ التَّوَكُّلِ كَقَوْلِهِ: الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُون وَلَا يَكْتَوُون وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. والتوكُّلُ: دَرَجَةٌ أُخرى غَيْرُ الْجَوَازِ، وَاللَّهُ أَعلم. والكَيَّةُ: مَوْضِعُ الكَيِّ. والكاوِياء: مِيسَمٌ يُكْوَى بِهِ. واكْتَوَى الرَّجُلُ يَكْتَوِي اكْتِوَاءً: اسْتَعْمَلَ الكَيَّ. واسْتَكْوَى الرَّجُلُ: طَلَبَ أَن يُكْوَى. والكَوَّاء: فَعَّال مِنَ الكَاوِي. وكَوَاه بِعَيْنِهِ إِذا أَحدَّ إِليه النَّظَرَ. وكَوَتْه الْعَقْرَبُ: لَدَغَتْهُ. وكاوَيْتُ الرجلَ إِذا شَاتَمْتَهُ مِثْلَ كاوَحْته.

(1). قوله [وإن يك إلخ] صدره كما في التكملة:

فَإِنْ يَكُ مِنْ جِنٍّ فأَبرح طارقاً

(2)

. قوله [وفي الحديث إني إلخ] فِي النِّهَايَةِ: وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ إني لأغتسل

إلخ

ص: 235

وَرَجُلٌ كَوَّاء: خَبِيثُ اللِّسَانِ شَتَّامٌ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه عَلَى التَّشْبِيهِ. واكْتَوَى: تَمَدَّح بِمَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ. وأَبو الكَوَّاء: مِنْ كُنَى الْعَرَبِ. والكَوُّ والكَوَّةُ: الخَرْق فِي الْحَائِطِ والثَّقْب فِي الْبَيْتِ وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ: التَّذْكِيرُ لِلْكَبِيرِ والتأْنيث لِلصَّغِيرِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ. قَالَ اللَّيْثُ: تأْسيس بِنَائِهَا مِنْ ك وي كأَن أَصلها كَوًى ثُمَّ أُدغمت الْوَاوُ فِي الْيَاءِ فَجُعِلَتْ وَاوًا مُشَدَّدَةً، وَجَمْعُ الكَوّة كِوًى، بِالْقَصْرِ نَادِرٌ، وكِواء بِالْمَدِّ، وَالْكَافُ مَكْسُورَةً فِيهِمَا مِثْلَ بَدْرة وبِدَر. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَنْ قَالَ كَوَّة فَفَتَحَ فَجَمْعُهُ كِواء مَمْدُودٌ، والكُوَّة، بِالضَّمِّ لُغَةٌ، وَمَنْ قَالَ كُوَّة فَضَم فَجَمْعُهُ كِوًى مَكْسُورٌ مَقْصُورٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا. وَفِي التَّهْذِيبِ: جَمْعُ الكَوَّة كُوًى كَمَا يُقَالُ قَرْية وقُرًى. وكَوَّى فِي الْبَيْتِ كَوَّة: عَمِلها. وتَكَوَّى الرَّجُلُ: دَخَلَ فِي مَوْضِعٍ ضَيِّق فَتَقَبَّضَ فِيهِ. وكُوَىٌ: نَجْمٌ مِنَ الأَنواء، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ بثبَت.

كيا: كَيْ: حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي يَنْصِبُ الأَفعال بِمَنْزِلَةِ أَن، وَمَعْنَاهُ الْعِلَّةُ لِوُقُوعِ الشَّيْءِ، كَقَوْلِكَ: جِئْتُ كَيْ تُكْرِمَني، وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ: تَنْصِبُ الْفِعْلَ الْغَابِرَ. يُقَالُ: أَدِّبْه كَيْ يَرْتَدِعَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَيْهِ اللَّامُ، وَفِي التنزيل العزيز: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ؛ وَقَالَ لَبِيَدٌ:

لِكَيْ لَا يَكُونَ السَّنْدَريُّ نَدِيدَتي

وَرُبَّمَا حَذَفُوا كَيْ اكْتِفَاءً بِاللَّامِ وَتَوَصُّلًا بِمَا وَلَا، فَيُقَالُ تَحَرَّزْ كَيْ لَا تَقَع، وَخَرَجَ كَيْما يُصلِّي، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ؛ وَفِي كَيْمَا لُغَةٌ أُخرى حَذْفُ الْيَاءِ لَفْظُهُ كَمَا قَالَ عَدِيٌّ:

اسْمَعْ حَدِيثاً كَمَا يَوْمًا تُحَدِّثُه،

عَنْ ظَهرِ غَيْبٍ، إِذا مَا سائِلٌ سَالَا

أَراد كَيْمَا يَوْمًا تُحَدِّثُهُ. وكَيْ وكَيْ لَا وكَيْما وَكَمَا تَعْمَلُ فِي الأَلفاظ الْمُسْتَقْبَلَةِ عَمَلَ أَنْ ولَن وَحَتَّى إِذا وَقَعَتْ فِي فِعْلٍ لَمْ يَجِبْ. الْجَوْهَرِيُّ: وأَما كَيْ مُخَفَّفَةً فَجَوَابٌ لِقَوْلِكَ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ فَتَقُولُ كَيْ يَكُونَ كَذَا، وَهِيَ لِلْعَاقِبَةِ كَاللَّامِ وَتَنْصِبُ الْفِعْلَ الْمُسْتَقْبَلَ. وَكَانَ مِنَ الأَمر كَيْتَ وكَيْتَ: يُكْنى بِذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِمْ كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ الأَصل فِيهِ كَيَّةَ وكَيَّةَ، فأُبدلت الْيَاءُ الأَخيرة تَاءً وأَجروها مُجرى الأَصل لأَنه مُلْحَقٌ بفَلْس، وَالْمُلْحَقُ كالأَصلي. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ جِنِّي أَبدلوا التَّاءَ مِنَ الْيَاءِ لَامًا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ كَيْتَ وكَيْتَ، وأَصلها كَيَّةُ وكَيَّةُ، ثُمَّ إِنهم حَذَفُوا الْهَاءَ وأَبدلوا مِنَ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لامٌ تَاءً كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ ثِنْتَانِ فَقَالُوا كَيْتَ، فَكَمَا أَن الْهَاءَ فِي كَيَّة عَلَمُ تأْنيث كَذَلِكَ الصِّيغَةُ فِي كَيْتِ عَلَمُ تأْنيث. وَفِي كَيْتِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: مِنْهُمْ مَنْ يَبنيها عَلَى الْفَتْحِ فَيَقُولُ كَيْتَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِيهَا عَلَى الضَّمِّ فيقول كَيْتُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِيهَا عَلَى الْكَسْرِ فَيَقُولُ كَيْتِ، قَالَ: وأَصل التَّاءِ فِيهَا هَاءٌ وإِنما صَارَتْ تَاءً فِي الْوَصْلِ.، وَحَكَى أَبو عُبَيْدٍ: كَيَّهْ وكَيَّهْ، بِالْهَاءِ، قَالَ: وَيُقَالُ كَيْمَهْ كَمَا يُقَالُ لِمَهْ فِي الْوَقْفِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ حَكَى أَبو عُبَيْدَةَ كَانَ مِنَ الأَمر كَيَّهْ وكَيَّهْ، قَالَ: الصَّوَابُ كَيَّتَ وكَيَّهْ، الأُولى بِالتَّاءِ وَالثَّانِيَةُ بِالْهَاءِ، وأَما كَيَّهْ فَلَيْسَ فِيهَا مَعَ الْهَاءِ إِلا الْبِنَاءُ عَلَى الْفَتْحِ، فإِن قُلْتَ: فَمَا تُنْكِرُ أَن تَكُونَ التَّاءُ فِي كَيْتِ مُنْقَلِبَةً عَنْ

ص: 236

وَاوٍ بِمَنْزِلَةِ تَاءِ أُخت وَبِنْتٍ، وَيَكُونُ عَلَى هَذَا أَصلُ كَيَّة كَيْوَة، ثُمَّ اجْتَمَعَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ وَسُبِقَتِ الْيَاءُ بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وأُدغمت الْيَاءُ فِي الْيَاءِ، كَمَا قَالُوا سَيِّد ومَيِّت وأَصلهما سَيْوِد ومَيْوِت؟ فَالْجَوَابُ أَن كَيَّةَ لَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَصلها كَيْوة مِنْ قِبَلِ أَنك لَوْ قَضَيْتَ بِذَلِكَ لأَجزت مَا لَمْ يأْتِ مِثْلُهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، لأَنه لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ لَفْظَةٌ عَينُ فِعْلِهَا يَاءٌ ولامُ فِعْلِهَا وَاوٌ، أَلا تَرَى أَن سِيبَوَيْهِ قَالَ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مثل حَيَوْت؟ فأَما مَا أَجازه أَبو عُثْمَانَ فِي الْحَيَوَانِ مِنْ أَن تَكُونَ وَاوُهُ غَيْرَ مُنْقَلِبَةٍ عَنِ الْيَاءِ وَخَالَفَ فِيهِ الْخَلِيلُ، وأَن تَكُونَ وَاوُهُ أَصلًا غَيْرَ مُنْقَلِبَةٍ، فَمَرْدُودٌ عَلَيْهِ عِنْدَ جَمِيعِ النَّحْوِيِّينَ لِادِّعَائِهِ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ وَمَا هُوَ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي اسْمِ رَجاء بْنِ حَيْوة إِنما الْوَاوُ فِيهِ بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ، وحسَّن الْبَدَلَ فِيهِ وصِحَّةَ الْوَاوِ أَيضاً بَعْدَ يَاءٍ سَاكِنَةٍ كونُه عَلَمًا والأَعلام قَدْ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما الصِّيغَةُ، وَالْآخَرُ الإِعراب، أَما الصِّيغَةُ فَنَحْوُ قَوْلِهِمْ مَوْظَبٍ ومَوْرَقٍ وتَهْلَلٍ ومَحْبَبٍ ومَكْوَزَة ومَزْيَدٍ ومَوْأَلةٍ فِيمَنْ أَخذه مِنْ وأَل ومَعْديكرب، وأَما الإِعراب فَنَحْوُ قَوْلِكَ فِي الْحِكَايَةِ لِمَنْ قَالَ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ: مَنْ زَيْدِ؟ وَلِمَنْ قَالَ ضَرَبْتُ أَبا بَكْرٍ: مَن أَبا بَكْرٍ؟ لأَن الكُنى تَجْرِي مَجرى الأَعلام، فَلِذَلِكَ صَحَّتْ حَيْوة بَعْدَ قَلْبِ لَامِهَا وَاوًا وأَصلها حَيَّة، كَمَا أَن أَصل حَيَوانٍ حَيَيانٌ، وَهَذَا أَيضاً إِبدال الْيَاءِ مِنَ الْوَاوِ لَامَيْنِ، قَالَ: وَلَمْ أَعلمها أُبدلت مِنْهَا عَيْنَيْنِ، والله أَعلم.

‌فصل اللام

لأَي: اللَّأَى: الإِبْطاء والاحْتِباس، بِوَزْنِ اللَّعا، وَهُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي يَعْمَلُ فِيهَا مَا لَيْسَ مِن لَفْظِهَا، كَقَوْلِكَ لَقِيته التِقاطاً وقَتَلْته صَبْراً ورأَيته عِياناً؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

فَلأْياً عَرفت الدارَ بَعْدَ توهُّم

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الَّلأْيُ اللُّبْثُ، وَقَدْ لأَيْت أَلأَى لأْياً، وَقَالَ غَيْرُهُ: لأْأَيْت فِي حَاجَتِي، مشدَّد، أَبطأْت. والتَأَتْ هِيَ: أَبْطَأَت. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ لأَى يَلأَى لأْياً والتَأى يَلْتَئي إِذا أَبطأَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: لَمْ أَسمع الْعَرَبَ تَجْعَلُهَا مَعْرِفَةً، ويقولون: لأْياً عرفْتُ وبَعدَ لأْيٍ فَعَلْتُ أَي بَعْدَ جَهْد وَمَشَقَّةٍ. وَيُقَالُ: مَا كِدْت أَحمله إِلَّا لأْياً، وَفَعَلْتُ كَذَا بَعْدَ لأْيٍ أَي بَعْدَ شدَّة وإِبْطاء. وَفِي حَدِيثِ

أُم أَيمن، رضي الله عنها: فبِلأْيٍ مَّا استَغْفَرَ لَهُمْ رسولُ اللَّهِ

أَي بَعْدَ مَشَقَّةٍ وجهدْ وإِبْطاء؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها، وهِجْرَتِها ابنَ الزُّبَيْرِ: فبِلأْيٍ مَّا كَلَّمَتْهُ.

واللأَى: الجَهْد والشدَّة وَالْحَاجَةُ إِلى النَّاسِ؛ قَالَ الْعُجَيْرُ السَّلُولِيُّ:

وَلَيْسَ يُغَيِّرُ خِيمَ الكَريم

خُلُوقةُ أَثْوابِه واللأَى

وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ فِي قَوْلِهِ:

فَلأْياً بِلأْيٍ مَّا حَمَلْنا غُلامَنا

أَي جَهْداً بَعْدَ جَهْد قَدَرْنا عَلَى حَمْله عَلَى الْفَرَسِ. قَالَ: واللأْيُ الْمَشَقَّةُ وَالْجُهْدُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والأَصل فِي اللأْي البُطْء؛ وأَنشد أَبو الْهَيْثَمِ لأَبي زُبَيْدٍ:

وثارَ إِعْصارُ هَيْجا بينَهُمْ، وخَلَتْ

بالكُورِ لأْياً، وبالأَنساع تَمْتَصِعُ

قَالَ: لأْياً بَعْدَ شدَّة، يَعْنِي أَن الرَّجُلَ قَتَلَهُ الأَسد وَخَلَتْ نَاقَتُهُ بِالْكُوَرِ، تَمْتَصِعُ: تُحَرِّكَ ذَنَبَهَا. واللأَى: الشِّدَّةُ فِي الْعَيْشِ، وأَنشد بَيْتَ الْعُجَيْرِ السَّلُولِيِّ أَيضاً. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن كَانَ لَهُ ثلاثُ بَنَاتٍ فصَبَر عَلَى

ص: 237

لأْوائهن كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ

؛ اللأْواء الشِّدَّةُ وَضِيقِ الْمَعِيشَةِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

قَالَ لَهُ أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُك اللأْواء؟

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:

مَن صَبَرَ على لأْوء المَدينة

؛ واللأْواء المشَقة وَالشِّدَّةُ، وَقِيلَ: القَحْط، يُقَالُ: أَصابتهم لأْواء وشَصاصاء، وَهِيَ الشِّدَّةُ، قَالَ: وَتَكُونُ اللأْواء فِي الْعِلَّةِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

وحالَتِ اللأْواء دُونَ نِسْعِي

وَقَدْ أَلأَى القومُ، مِثْلَ أَلعى، إِذا وَقَعُوا فِي اللأْواء. قَالَ أَبو عَمْرٍو: اللأْلاء الْفَرَحُ التَّامُّ. والْتَأَى الرَّجُلُ: أَفلَسَ واللأَى، بِوَزْنِ اللَّعا: الثَّوْر الْوَحْشِيُّ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وتثنيته لأَيَان، وَالْجَمْعُ أَلْآء مِثْلَ أَلْعاعٍ مِثْلَ جبَل وأَجبال، والأُنثى لَآة مِثْلُ لَعاةٍ ولَأَىً، بِغَيْرِ هَاءٍ، هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَقَالَ: إِنها الْبَقَرَةُ مِنَ الْوَحْشِ خَاصَّةً. أَبو عَمْرٍو: اللَّأَى الْبَقَرَةُ، وَحُكِيَ: بكَمْ لَآك هَذِهِ أَي بقرتُك هَذِهِ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

كظَهْرِ اللَّأَى لَوْ يُبْتَغى رَيَّةٌ بِهَا،

لَعَنَّتْ وشَقَّتْ فِي بُطُون الشَّواجِنِ

ابْنُ الأَعرابي: لآةٌ وأَلاة بِوَزْنِ لَعاة وعَلاة. وَفِي حَدِيثِ

أَبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه: يَجِيء مِنْ قِبَل المَشْرِق قَوم وصفَهم، ثُمَّ قَالَ: وَالرَّاوِيَةُ يَومئذٍ يُسْتَقى عَلَيْهَا أَحَبُّ إِليَّ مِنْ لاءٍ وشاءٍ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْقُتَيْبِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ نَقَلة الْحَدِيثِ لَاءً بِوَزْنِ مَاءٍ، وإِنما هُوَ أَلْآء بِوَزْنِ أَلْعاع، وَهِيَ الثِّيران، وَاحِدُهَا لَأىً بِوَزْنِ قَفاً، وَجَمْعُهُ أَقْفاء، يُرِيدُ بَعِير يُسْتقى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مِنِ اقْتِنَاءِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، كأَنه أَراد الزِّرَاعَةَ لأَن أَكثر مَنْ يَقْتَني الثِّيرَانَ وَالْغَنَمَ الزرَّاعون. ولَأْيٌ ولُؤَيُّ: اسْمَانِ، وَتَصْغِيرُ لَأْي لُؤَيٌّ، وَمِنْهُ لُؤَيُّ بْنُ غَالِبٍ أَبو قُرَيْشٍ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَهل الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُونَ هُوَ عَامِرُ بْنُ لُؤَيّ، بِالْهَمْزِ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ لُوَيّ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: الْعَرَبُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ، مَنْ جَعَلَهُ مِنَ اللأْي هَمَزَهُ، وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ لِوَى الرَّمْل لَمْ يَهْمِزْهُ. ولَأْيٌ: نَهْرٌ مِنْ بِلَادِ مُزَيْنةَ يَدْفَعُ فِي الْعَقِيقِ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:

عَرَفْتُ الدَّار قدْ أَقْوَتْ برِيمِ

إِلى لَأْيٍ، فمَدْفَعِ ذِي يَدُومِ «3»

واللَّائي: بِمَعْنَى اللَّواتي بِوَزْنِ الْقَاضِي والدَّاعي. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ

. قل ابْنُ جِنِّي: وَحُكِيَ عَنْهُمُ اللَّاؤو فعلوا ذلك يريد اللَّاؤون، فحذف النون تخفيفاً.

لبي: اللُّبَايَةُ: البَقِيَّةُ مِنَ النَّبْتِ عَامَّةً، وَقِيلَ: البَقِيَّةُ مِنَ الحَمض، وَقِيلَ: هُوَ رَقِيقُ الحَمْض، والمَعْنَيان مُتَقَارِبَانِ. ابْنُ الأَعرابي: اللُّبَايَة شَجر الأُمْطِيّ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ وأَنشد:

لُبَايَةً مِنْ هَمِقٍ عَيْشُومِ

والهَمِقُ: نَبْتٌ. والعَيْشُوم: الْيَابِسُ. والأُمْطِيُّ: الَّذِي يُعْمَلُ مِنْهُ الْعِلْكُ. وَحَكَى أَبو لَيْلَى: لَبَيْت الخُبْزة فِي النَّارِ أَنضجتها. ولَبَّيْتُ بِالْحَجِّ تَلْبِيَة. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا قَالُوا لبَّأْت، بِالْهَمْزِ، وأَصله غَيْرُ الْهَمْزِ. ولَبَّيت الرَّجُلَ إِذا قُلْتَ لَهُ لَبَّيْك. قَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ الضَّبِّيُّ: لَبَّيك لَيْسَ بِمُثَنًّى وإِنما هُوَ مِثَالُ عَلَيك وإِليك، وَحَكَى أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الْخَلِيلِ أَن أَصل التَّلْبِيَة الإِقامة بِالْمَكَانِ، يُقَالُ: أَلْبَبْت بِالْمَكَانِ ولَبَّبْت لُغَتَانِ إِذا أَقمت بِهِ، قَالَ: ثُمَّ قلبوا

(3). قوله [إلى لَأْي] هذا ما في الأصل، وفي معجم ياقوت: ببطن لَأَى بوزن اللعا، ولم يذكر لَأْي بفتح فسكون.

ص: 238

الْبَاءُ الثَّانِيَةُ إِلى الْيَاءِ اسْتِثْقَالًا كَمَا قَالُوا تَظَنَّيْت، وإِنما أَصلها تَظَنَّنْت. قَالَ: وَقَوْلُهُمْ لبَّيْك مُثَنًّى عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْبَاءِ؛ وأَنشد للأَسدي:

دَعَوْتُ لِما نابَني مِسْوَراً

فَلَبَّى، فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ

قَالَ: وَلَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ عَلَى لَقَالَ فَلَبَّى يَدَيْ مُسْوَرٍ لأَنك تَقُولُ عَلَى زَيْدٍ إِذا أَظهرت الِاسْمَ، وإِذا لَمْ تُظْهِرْ تَقُولُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ الأَسدي أَيضاً:

دَعَوْتُ فَتًى، أَجابَ فَتًى دَعاه

بَلَبَّيْهِ أَشَمُّ شَمَرْدَلِيُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ فَلَبَّيْ يَديْ مِسْورِ: يَقُولُ لَبَّيْ يَدَيْ مِسور إِذا دَعَانِي أَي أُجيبه كَمَا يُجيبني. الأَحمر: يُقَالُ بَيْنَهُمُ المُلْتَبِية غَيْرَ مَهْمُوزٍ أَي مُتَفاوِضون لَا يَكْتُمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِنكاراً، وأَكثر هَذَا الْكَلَامِ مَذْكُورٌ فِي لَبَّبَ، وإِنما الْجَوْهَرِيُّ أَعاد ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ أَيضاً فَذَكَرْنَاهُ كَمَا ذكره. واللَّبْوُ: قَبِيلَةٌ مِنَ الْعَرَبِ، النَّسَبُ إِليه لَبَوِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ.

لتا: ابْنُ الأَعرابي: لَتَا إِذا نَقص. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنه مَقْلُوبٌ مِنْ لاتَ أَو مِنْ أَلَتَ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: اللَّتِيُّ اللَّازِمُ لِلْمَوْضِعِ. والَّتي: اسْمٌ مُبْهَمٌ لِلْمُؤَنَّثِ، وَهِيَ مَعْرِفَةٌ وَلَا تَتِمُّ إِلا بِصِلَةٍ، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الَّتي واللَّاتي تأْنيث الَّذِي وَالَّذِينَ عَلَى غَيْرِ صِيغَتِهِ، وَلَكِنَّهَا مِنْهُ كَبِنْتٍ مِنَ ابْنٍ، غَيْرَ أَن التَّاءَ لَيْسَتْ مُلْحِقة كَمَا تُلْحِقُ تاءُ بِنْتٍ بِبِنَاءِ عَدْلٍ، وإِنما هِيَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى التأْنيث، وَلِذَلِكَ اسْتَجَازَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أَن يَجْعَلَهَا تَاءَ تأْنيث، والأَلف وَاللَّامُ فِي الَّتِي واللَّاتِي زَائِدَةٌ لَازِمَةٌ دَاخِلَةٌ لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ، وإِنما هُنَّ مُتَعَرِّفَاتٌ بِصِلَاتِهِنَّ كَالَّذِي واللَّاتِي بِوَزْنِ الْقَاضِي وَالدَّاعِي، وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: الَّتِي واللَّتِ فَعَلَتْ ذَلِكَ، بِكَسْرِ التَّاءِ، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ اللَّتِ فَعَلَتْ ذَلِكَ، وَهِيَ اللَّتْ فعَلتْ ذَلِكَ بإِسكانها؛ وأَنشد لأُقَيْشِ بْنِ ذُهيْل العُكْلِي:

وأَمْنَحُه اللَّتْ لَا يُغَيَّبُ مِثْلُها،

إِذا كانَ نِيرانُ الشِّتاء نَوائما

وَفِي تَثْنِيَتِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَيضاً: هُمَا اللَّتانِ فَعَلتا، وَهَمَا اللَّتَا فَعَلَتا، بِحَذْفِ النُّونِ، واللَّتَانِّ، بِتَشْدِيدِ النُّونِ، وَفِي جَمْعِهَا لُغَاتٌ: اللَّاتِي واللَّاتِ، بِكَسْرِ التَّاءِ بِلَا يَاءٍ؛ وَقَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:

اللَّاتِ، كالبَيْضِ لَمّا تَعْدُ أَنْ دَرَسَتْ

صُفْرُ الأَنامِلِ مِنْ قَرْعِ القَوارِيرِ

وَيُرْوَى: اللَّاء كَالْبِيضِ، واللَّوَاتي واللَّواتِ بِلَا يَاءٍ؛ قَالَ:

إِلَّا انْتِياءته البَيْضَ اللَّواتِ لَه،

مَا إِنْ لَهُنَّ طُوالَ الدَّهْرِ أَبْدالُ

وأَنشد أَبو عَمْرٍو:

مِنَ اللَّوَاتِي واللَّتي واللَّاتي

زَعَمْنَ أَنْ قَدْ كَبِرَتْ لِداتي

وَهُنَّ اللَّاءِ واللَّائي واللَّا فَعَلْن ذَلِكَ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

وكانَتْ مِن اللَّا لَا يُغَيِّرُها ابْنُها،

إِذا مَا الغُلامُ الأَحْمَقُ الأُمَّ غَيَّرا

قَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ قَالَ اللَّاء فَهُوَ عِنْدَهُ كَالْبَابِ، وَمَنْ قَالَ اللَّائي فَهُوَ عِنْدَهُ كَالْقَاضِي؛ قَالَ: ورأَيت كَثِيرًا قَدِ اسْتَعْمَلَ اللَّائي لِجَمَاعَةِ الرِّجَالِ فَقَالَ:

أَبى لَكُمُ أَنْ تَقْصُرُوا أَو يَفُوتَكُمْ،

بتَبْلٍ مِنَ اللَّائي تُعادُونَ، تابَلُ

وهُنَّ اللَّوا فَعَلْنَ ذَلِكَ، بإِسقاط التَّاءِ؛ قَالَ:

ص: 239

جَمَعْتُها مِنْ أَنْوُقٍ خِيارِ،

مِن اللِّوا شُرِّفْن بالصِّرارِ

وهنَّ اللَّاتِ «1» فَعَلْنَ ذَلِكَ، قَالَ: هُوَ جَمْعُ اللَّاتي، قَالَ:

أُولئكَ إِخواني وأَخْلالُ شِيمَتي،

وأَخْدانُك اللَّاتي تَزَيَّنَّ بالكَتَمْ

وأَورد ابْنُ بَرِّيٍّ هَذَا الْبَيْتُ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى جَمْعٍ آخَرَ فَقَالَ: وَيُقَالُ اللاءَات أَيضاً؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أُولئك أَخْداني الذينَ أَلِفْتُهمْ،

وأَخْدانُكَ اللاءَاتِ زُيِّنَّ بِالْكَتَمِ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَكُلُّ ذَلِكَ جَمْعُ الَّتِي عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَتَصْغِيرُ اللَّاء واللَّائي اللُّؤَيَّا واللُّوَيَّا، وَتَصْغِيرُ الَّتِي واللَّاتي واللَّاتِ اللُّتَيّا واللَّتَيَّا، بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

دافَعَ عَنَّيْ بنَقِيرٍ مَوْتَتي،

بَعْدَ اللُّتَيَّا واللَّتَيَّا والَّتي،

إِذا عَلَتْها نَفَسٌ تَرَدَّتِ

وَقِيلَ: أَراد الْعَجَّاجُ باللُّتَيَّا تَصْغِيرَ الَّتِي، وَهِيَ الداهِية الصَّغِيرَةُ، والَّتِي الدَّاهِيَةُ الْكَبِيرَةُ، وَتَصْغِيرُ اللَّوَاتي اللُّتَيَّات واللُّوَيّات. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ أَدخل بَعْضُ الشُّعَرَاءِ حَرْفَ النِّدَاءِ عَلَى الَّتِي، قَالَ: وَحُرُوفُ النِّدَاءِ لَا تَدْخُلُ عَلَى مَا فِيهِ الأَلف وَاللَّامُ إِلا فِي قَوْلِنَا يَا اللَّه وَحْدَهُ، فكأَنه فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ الأَلف وَاللَّامُ غَيْرَ مُفَارِقَتَيْنِ لَهَا؛ وَقَالَ:

مِن اجْلِكِ يَا الَّتِي تَيَّمْتِ قَلْبي،

وأَنْت بَخِيلةٌ بالوُدِّ عَنِّي

وَيُقَالُ: وَقَعَ فُلَانٌ فِي اللَّتَيَّا والَّتِي، وَهُمَا اسْمَانِ مِنْ أَسماء الداهية:

لثي: اللَّثَى: شَيْءٌ يَسْقُطُ مِنَ السَّمُر، وَهُوَ شَجَرٌ؛ قَالَ:

نَحنُ بَنُو سُواءةَ بنِ عامِرِ،

أَهلُ اللَّثَى والمَغْدِ والمَغافِرِ

وَقِيلَ: اللَّثَى شَيْءٌ يَنْضَحُه ساقُ الشَّجَرَةِ أَبيض خَاثِرٌ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: اللَّثَى مَا رَقَّ مِنَ العُلوك حَتَّى يَسِيل فَيَجْرِي ويَقطُر. اللَّيْثُ: اللَّثَى مَا سَالَ مِنْ مَاءِ الشَّجَرِ مِنْ سَاقِهَا خَاثِرًا. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: اللَّثَى شَيْءٌ يَنْضَحُهُ الثُّمَامُ حُلو، فَمَا سَقَطَ مِنْهُ عَلَى الأَرض أُخذ وَجُعِلَ فِي ثَوْبٍ وصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ، فإِذا سَالَ مِنَ الثَّوْبِ شُرِب حُلْوًا، وَرُبَّمَا أَعْقَد. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: اللَّثَى يَسِيلُ مِنَ الثُّمَامِ وَغَيْرِهِ، وَفِي جِبَالِ هَراةَ شَجَرٌ يُقَالُ لَهُ سِيرُو، لَهُ لَثًى حُلْوٌ يُداوى بِهِ المَصْدُور، وَهُوَ جَيِّدٌ لِلسُّعَالِ الْيَابِسِ، وللعُرْفُط لَثًى حُلْوٌ يُقَالُ لَهُ المَغافير. وَحَكَى سَلَمة عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه قَالَ: اللَّثَأُ، بِالْهَمْزِ، لِمَا يَسِيلُ مِنَ الشَّجَرِ. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ أَبو عَمْرٍو اللَّثَى مَاءٌ يَسِيلُ مِنَ الشَّجَرِ كَالصَّمْغِ، فإِذا جَمد فَهُوَ صُعْرُور. وأَلْثَتِ الشَّجَرَةُ مَا حَوْلَهَا إِذا كَانَتْ يَقْطُرُ مِنْهَا مَاءٌ. ولَثِيَت الشَّجَرَةُ لَثًى فَهِيَ لَثِيَةٌ وأَلْثَت: خَرَجَ مِنْهَا اللَّثَى وَسَالَ. وأَلْثَيْتُ الرجلَ: أَطعمته اللَّثى. وَخَرَجْنَا نَلْتَثِي ونَتَلَثَّى أَي نأْخذ اللَّثَى. واللَّثَى أَيضاً: شَبِيهٌ بالنَّدى، وَقِيلَ: هُوَ النَّدى نَفْسه. ولَثِيت الشجرةُ: نَدِيَت. وأَلْثَت الشَّجَرَةُ مَا حَوْلَهَا لَثًى شَدِيدًا: نَدَّتْه. الْجَوْهَرِيُّ: لَثِيَ الشيءُ، بِالْكَسْرِ، يَلْثَى لَثًى أَي نَدِيَ. وَهَذَا ثَوْبٌ لَثٍ، عَلَى فَعِلٍ، إِذا ابتلَّ مِنَ العَرَق واتَّسخ. ولَثَى الثوبِ: وسخُه. واللَّثَى: الصَّمَغُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابن

(1). قوله [وهن اللات إلخ] كذا بالأصل، وبيت الشاهد تقدم في خلل بوجه آخر.

ص: 240

الأَعرابي:

عَذْبَ اللَّثَى تَجرِي عَلَيْهِ البَرْهَما

يَعْنِي باللَّثَى ريقَها، وَيُرْوَى اللِّثى جَمْعُ لِثَةٍ. وامرأَة لَثِيَةٌ ولثْياءُ: يَعْرَقُ قُبُلُها وَجَسَدُهَا. وامرأَة لَثِيَةٌ إِذا كَانَتْ رَطْبة الْمَكَانِ، وَنِسَاءُ الْعَرَبِ يتسابَبْن بِذَلِكَ، وإِذا كَانَتْ يَابِسَةَ الْمَكَانِ فَهِيَ الرَّشُوف، ويُحمد ذَلِكَ مِنْهَا. ابْنُ السِّكِّيتِ: هَذَا ثَوْبٌ لَثٍ إِذا ابتلَّ مِنَ العَرَق والوسَخ. وَيُقَالُ: لَثِيَتْ رِجْلي مِنَ الطِّينِ تَلْثَى لَثًى إِذا تلطَّخت بِهِ. ابْنُ الأَعرابي: لَثَا إِذا شَرِبَ «2» الْمَاءَ قَلِيلًا، ولَثَا إِذا لَحِسَ القِدْر. واللَّثِيُّ: المُولَع بأَكل الصَّمْغِ؛ وَحَكَى هَذَا سَلَمَةَ عَنِ الْفَرَّاءِ عَنِ الدُّبَيْرية قَالَتْ: لَثَا الْكَلْبُ ولَجَذَ ولَجِذَ ولَجَنَ واحْتَفَى إِذا وَلِغَ فِي الإِناء. واللَّثَا: وَطْءُ الأَخفاف إِذا كَانَ مَعَ ذَلِكَ نَدًى مِنْ مَاءٍ أَو دَمٍ؛ قَالَ:

بهِ مِن لَثا أَخْفافِهنَّ نَجِيعُ

ولَثِيَ الوَطْب لَثًى: اتَّسَخَ. واللَّثَى: اللَّزِج مِنْ دَسَم اللَّبَنِ؛ عَنْ كُرَاعٍ. واللَّثَاةُ: اللَّهاةُ. واللِّثَةُ تُجمع لِثَاتٍ ولِثِينَ ولِثًى. أَبو زَيْدٍ: اللِّثَةُ مَراكز الأَسنان، وَفِي اللِّثَة الدُّرْدُرُ، وَهِيَ مخارِجُ الأَسنان، وَفِيهَا العُمور، وَهُوَ مَا تَصعَّد بَيْنَ الأَسنان مِنَ اللِّثة. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَصل اللِّثَة اللِّثْية فَنَقَصَ. واللِّثَةُ: مَغْرِز الأَسنان. وَالْحُرُوفُ اللّثَوِية: الثَّاءُ وَالذَّالُ وَالظَّاءُ لأَن مبدأَها مِنَ اللِّثة. واللَّثَاةُ واللِّثَةُ: شَجَرَةٌ مِثْلُ السِّدْر، وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ. الْجَوْهَرِيُّ: اللِّثَة، بِالتَّخْفِيفِ، مَا حَوْلَ الأَسنان، وأَصلها لِثَيٌ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ جِنِّي اللّثَة مَحْذُوفَةُ الْعَيْنِ مِنْ لُثْت العِمامة أَيْ أَدرتها عَلَى رأْسي، واللِّثةُ مُحِيطة بالأَسنان. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ: لُعِنَ الواشِمةُ

، قَالَ نَافِعٌ: الوَشْمُ فِي اللِّثَةِ. واللِّثَةُ، بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ: عُمور الأَسنان، وَهِيَ مَغارِزها؛ الأَزهري: وأَما قَوْلُ الْعَجَّاجِ:

لاثٍ بِهَا الأَشاءُ والعُبْرِيُ

فإِنما هُوَ لائثٌ مِنْ لاثَ يَلُوثُ فَهُوَ لَائِثٌ، فَجَعَلَهُ مِنْ لَثَا يَلْثُو فَهُوَ لاثٍ، وَمِثْلُهُ: جُرفٌ هارٍ، وهائرٌ عَلَى الْقَلْبِ، قَالَ: وَمِثْلُهُ عاثَ وعَثا وقافَ وقَفا.

لجا: اللَّجَا: الضِّفْدَع، والأُنثى لَجَاة، وَالْجَمْعُ لَجَواتٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما جِئْنَا بِهَذَا الْجَمْعِ وإِن كَانَ جَمْعُ سَلَامَةٍ لِيَتَبَيَّنَ لَكَ بِذَلِكَ أَن أَلف اللَّجَاة مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، وإِلا فَجَمْعُ السَّلَامَةِ فِي هَذَا مطَّرد، والله أَعلم.

لحا: لَحا الشجرةَ يَلْحُوها لَحواً: قَشَرها؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:

واعْوَجَّ عُودُكَ مِنْ لَحْيٍ ومِنْ قِدَمٍ،

لَا يَنْعَمُ الغُصْنُ حَتَّى يَنْعَمَ الورَقُ «3»

وَفِي الْحَدِيثِ:

فإِذا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ سلَّط اللَّهُ عَلَيْكُمْ شرارَ خَلقه فالتَحَوْكم كَمَا يُلْتَحَى القَضِيبُ

؛ هُوَ مِنْ لَحَوْت الشَّجَرَةَ إِذا أَخذت لِحاءها، وَهُوَ قِشْرُهَا، وَيُرْوَى:

فَلَحَتُوكُمْ

، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

فإِن لَمْ يَجِد أَحدُكم إِلَّا لحاءَ عِنبة أَو عُودَ شَجَرَةٍ فلْيَمْضَغْه

؛ أَراد قِشر الْعِنَبَةِ، اسْتَعَارَهُ مِنْ قِشر الْعُودِ. وَفِي

خُطْبَةِ الْحَجَّاجِ: لأَلْحُوَنَّكُم

(2). قوله [لَثَا إذا شرب إلخ] كذا هو في الأصل والتكملة أيضاً مضبوطاً مجوداً، وضبط في القاموس كرَضِيَ خطأ، وإطلاقه قاض بالفتح.

(3)

. قوله [من لحي] كذا في الأصل بالياء ولا يطابق ما قبله، والذي تقدم في نعم: من لحو بالواو.

ص: 241

لَحْوَ العَصا

؛ واللِّحَاء: مَا عَلَى العَصا مِنْ قِشرها، يَمُدُّ وَيَقْصُرُ؛ وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الْمَعْرُوفُ فِيهِ الْمَدُّ. ولِحَاء كُلِّ شَجَرَةٍ: قِشْرُهَا، مَمْدُودٌ، وَالْجَمْعُ أَلْحِيَةٌ ولُحِيٌّ ولِحِيٌّ. ولَحَاها يَلْحَاها لَحْياً والْتَحَاها: أَخذ لِحاءها. وأَلْحَى العُودُ إِذا أَنَى لَهُ أَن يُلْحَى قِشرُه عَنْهُ. واللِّحَاء: قِشرُ كُلِّ شَيْءٍ. ولَحَوْت العُود أَلْحُوه وأَلْحَاه إِذا قَشرته. والتَحَيْت الْعَصَا وَلَحَيْتها الْتِحَاء ولَحْياً إِذا قَشَرْتَهَا. الْكِسَائِيُّ: لَحَوْتُ العَصا ولَحَيْتُها، فأَما لَحَيْتُ الرَّجُلَ مِنَ اللَّوْم فَبِالْيَاءِ لَا غَيْرَ. وَفِي الْمَثَلِ: لَا تَدْخُلْ بَيْنَ العَصا ولِحَائها أَي قِشرتها؛ وأَنشد:

لَحَوْتُ شَمّاساً كما تُلْحَى العَصا

سَبّاً، لَوَ انَّ السَّبَّ يُدْمِي لَدَمِي

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: إِذا أَرادوا أَن صَاحِبَ الرَّجُلِ مُوَافِقٌ لَهُ لَا يُخَالِفُهُ فِي شَيْءٍ قَالُوا بينَ العَصا ولِحَائها، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: هُوَ عَلَى حَبْلِ ذِراعِك، والحَبْلُ عِرْق فِي الذِّرَاعِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ لِلتَّمْرَةِ إِنها لِكَثِيرَةِ اللِّحَاء، وَهُوَ مَا كَسا النَّواةَ. الْجَوْهَرِيُّ: اللِّحَاء، مَمْدُودٌ، قِشْرُ الشَّجَرِ. وَفِي الْمَثَلِ: بَيْنَ العَصا ولِحَائها. ولَحَوْت العَصا أَلْحُوها لَحْواً: قَشَرْتُهَا، وَكَذَلِكَ لَحَيْت العَصا لَحْياً؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:

لَحَيْنَهُم لَحْيَ العَصا، فَطَرَدْنَهم

إِلى سَنَةٍ، قِردانُها لَمْ تَحَلَّمِ

يَقُولُ: إِذا كَانَتْ جِرْذانُها «1» لَمْ تَحَلَّمْ فَكَيْفَ غَيْرُهَا، وتَحَلَّمَ: سَمِنَ. ولَحَا الرجلَ لَحْواً: شَتَمَه، وَحَكَى أَبو عُبَيْدٍ: لَحَيْته أَلْحَاه لَحْواً، وَهِيَ نَادِرَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

نُهِيتُ عَنْ مُلاحَاةِ الرِّجال

أَي مُقاوَلَتِهم وَمُخَاصَمَتِهِمْ، هُوَ مِنْ لَحَيْت الرَّجُلَ أَلْحَاه لَحْياً إِذا لُمْتَه وعَذَلته. ولاحَيْتُه مُلاحَاةً ولِحَاء إِذا نازَعْته. وَفِي حَدِيثِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ:

تلاحَى رَجُلَانِ فرُفِعَت.

وَفِي حَدِيثِ

لُقْمان: فلَحْياً لصاحِبنا لَحْياً

أَي لَوْماً وعَذْلًا، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ كسَقْياً ورَعْياً. ولَحَا الرجلَ يَلْحَاه لَحْياً: لَامَهُ وَشَتَمَهُ وعَنَّفه، وَهُوَ مَلْحِيٌّ. ولاحَيْته مُلاحَاةً ولِحَاء إِذا نَازَعْتَهُ، وتَلاحَوْا: تَنَازَعُوا. ولَحَاه اللَّهُ لَحْياً أَي قَبَّحه ولَعَنه. ابْنُ سِيدَهْ: لَحَاه اللَّهُ لَحْياً قَشَرَهُ وأَهلكه ولَعنه مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُ: لَحَوْت العُود لَحْواً إِذا قَشَرْتَهُ؛ وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:

قالَتْ، وَلَمْ تُلْحِ وَكَانَتْ تُلْحِي:

عَلَيْكَ سَيْبَ الخُلَفاء البُجْحِ

مَعْنَاهُ لَمْ تأْت بِمَا تُلْحى عَلَيْهِ حِينَ قَالَتْ عَلَيْكَ سَيْبَ الْخُلَفَاءِ، وَكَانَتْ تُلْحِي قَبْلَ الْيَوْمِ، قِيلَ: كَانَتْ تَقُولُ لِي اطْلُبْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ فتأْتي بِمَا تُلامُ عَلَيْهِ. واللِّحَاء، مَمْدُودٌ: المُلاحاةُ كالسِّبابِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذا مَا كَانَ مَغْثٌ أَو لِحاء

ولاحَى الرجلَ مُلاحاةً ولِحَاء: شاتَمه. وَفِي الْمَثَلِ: مَن لَاحَاكَ فَقَدْ عاداكَ؛ قَالَ:

وَلَوْلَا أَن يَنالَ أَبا طَريفٍ

إِسارٌ مِنْ مَلِيك، أَو لِحاءُ

وتَلاحَى الرَّجُلَانِ: تشاتَما. ولاحَى فُلَانٌ فُلَانًا مُلاحاة ولِحاء إِذا اسْتَقْصَى عَلَيْهِ. وَيُحْكَى عَنِ الأَصمعي أَنه قَالَ: المُلاحَاة المُلاوَمة والمُباغضة، ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى جُعِلَتْ كُلُّ مُمانعة ومُدافعة مُلاحاة؛ وأَنشد:

ولاحَتِ الرَّاعِيَ مِنْ دُرُورِها

مَخاضُها، إِلَّا صَفايا خُورِها

(1). قوله [إذا كانت جرذانها] كذا بالأصل هنا، والبيت يروى بوجهين كما في مادة حلم.

ص: 242

واللِّحَاء: اللَّعْنُ. واللِّحَاء: العَذْل. واللَّوَاحِي: العَواذِل. واللَّحْيُ: مَنْبِت اللِّحْية مِنَ الإِنسان وَغَيْرِهِ، وَهُمَا لَحْيانِ وَثَلَاثَةُ أَلْحٍ، عَلَى أَفْعُلٍ، إِلا أَنهم كَسَرُوا الْحَاءَ لِتَسْلَمَ الْيَاءُ، وَالْكَثِيرُ لُحِيٌّ ولِحِيٌّ، عَلَى فُعُول، مِثْلَ ثُدِيّ وظُبيٍّ ودُلِيٍّ فَهُوَ فُعول. ابْنُ سِيدَهْ: اللِّحْية اسْمُ يَجْمَعُ مِنَ الشَّعَرِ مَا نَبَتَ عَلَى الْخَدَّيْنِ والذقَن، وَالْجَمْعُ لِحًى ولُحًى، بِالضَّمِّ، مِثْلُ ذِرْوةٍ وذُرًى؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَالنَّسَبُ إِليه «1» لَحَوِيّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْقِيَاسُ لَحْيِيٌّ. وَرَجُلٌ أَلْحَى ولِحْيَانِيٌّ: طَوِيلُ اللِّحْية، وأَبو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ خَازِمٍ يُلَقَّبُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ نَادِرِ مَعْدُولِ النَّسَبِ، فإِن سَمَّيْتَ رَجُلًا بِلِحْيَةٍ ثُمَّ أَضفت إِليه فَعَلَى الْقِيَاسِ. والْتَحَى الرجلُ: صَارَ ذَا لِحْية، وكَرِهَها بَعْضُهُمْ. واللَّحْي: الَّذِي يَنْبُت عَلَيْهِ الْعَارِضُ، وَالْجَمْعُ أَلْحٍ ولُحِيٌّ ولِحَاء؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

تَعَرَّضُ تَصْرِفُ أَنْيابُها،

ويَقْذِفْنَ فوقَ اللِّحَا التُّفالا

واللِّحْيَانِ: حَائِطَا الْفَمِ، وَهُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ فِيهِمَا الأَسنان مِنْ دَاخِلِ الْفَمِ مِنْ كُلِّ ذِي لَحْي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَكُونُ للإِنسان وَالدَّابَّةِ، وَالنَّسَبُ إِليه لَحَوِيٌّ، وَالْجُمَعُ الأَلْحِي. يُقَالُ: رَجُلٌ لَحْيَانٌ «2» إِذا كَانَ طَوِيلَ اللِّحية، يُجْرى فِي النَّكِرَةِ لأَنه يُقَالُ للأُنثى لَحْيَانَةٌ. وتَلَحَّى الرَّجُلُ: تَعَمَّمَ تَحْتَ حَلْقه؛ هَذَا تَعْبِيرُ ثَعْلَبٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالصَّوَابُ تَعَمَّمَ تَحْتَ لَحْيَيه لِيَصِحَّ الِاشْتِقَاقُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

نَهى عَنْ الاقْتِعاطِ وأَمرَ بالتَّلَحِّي

؛ هُوَ جَعْلُ بَعْضِ الْعِمَامَةِ تَحْتَ الْحَنَكِ، والاقْتِعاطُ أَن لَا يُجْعَلَ تَحْتَ حَنَكِهِ مِنْهَا شَيْئًا، والتَّلَحِّي بالعمامةِ إِدارةُ كَوْر مِنْهَا تَحْتَ الْحَنَكِ. الْجَوْهَرِيُّ: التَّلَحِّي تَطْوِيقُ الْعِمَامَةِ تَحْتَ الْحَنَكِ. ولَحْيَا الغَديرِ: جَانِبَاهُ تَشْبِيهًا باللَّحْيَيْنِ اللَّذين هَمَّا جَانِبَا الْفَمِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

وصَبَّحْنَ للصَّقْرَيْنِ صَوْبَ غَمامةٍ،

تضَمَّنَها لَحْيا غَديرٍ وخانِقُهْ «3»

واللِّحْيانُ: خُدود فِي الأَرض مِمَّا خدَّها السَّيْلُ، الْوَاحِدَةُ لِحْيانةٌ. واللِّحيان: الوَشَل والصَّديعُ فِي الأَرض يَخِرّ فِيهِ الْمَاءُ، وَبِهِ سُمِّيَتْ بَنُو لِحْيان، وَلَيْسَتْ تَثْنِيَةَ اللَّحْي. وَيُقَالُ: أَلْحَى الرجلُ إِذا أَتى مَا يُلْحَى عَلَيْهِ أَي يُلامُ، وأَلْحَت المرأَة؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

فابْتَكَرَتْ عَاذِلَةً لَا تُلْحِي

وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما: أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، احْتَجَمَ بلَحْيَيْ جَمَلٍ

، وَفِي رِوَايَةٍ:

بلَحْي جَمَلٍ

؛ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهُوَ مَكَانٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: عَقَبَةُ، وَقِيلَ: مَاءٌ. وَقَدْ سَمَّتْ لَحْياً ولُحَيّاً ولِحْيانَ، وَهُوَ أَبو بَطْنٍ. وَبَنُو لِحْيَان: حَيٌّ مِنْ هُذَيْلٍ، وَهُوَ لِحْيان بْنِ هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكة. وَبَنُو لِحْيَةَ: بَطْنٌ، النَّسَبُ إِليهم لِحَويٌّ عَلَى حَدِّ النَّسَبِ إِلى اللِّحْية. ولِحْيَة التَّيْسِ: نَبْتة.

لخا: اللَّخَا: كَثْرَةُ الْكَلَامِ فِي الْبَاطِلِ، وَرَجُلٌ أَلْخَى وامرأَة لَخْوَاء، وَقَدْ لَخِيَ، بالكسر، لَخاً.

(1). قوله [والنسب إليه] أي لَحَى الإنسان بالفتح لَحَوِيّ بالتحريك كما ضبط في الأصل وغيره، ووقع في القاموس خلافه.

(2)

. قوله [لَحْيَان] كذا في الأصل، وعبارة القاموس: واللِّحْيان أي بالكسر اللِّحْيَانِي. قال الشارح: الصواب لَحْيَان بالفتح لكن الذي في التكملة هو ما في القاموس.

(3)

. قوله [وصبحن إلخ] في معجم ياقوت:

جعلن أريطاً باليمين ورملة

وزال لغاط بالشمال وخانقه

وصادفن بالصقرين صوب سحابة

تضمنها جنبا غدير وخافقه

ص: 243

واللَّخا: أَن تَكُونَ إِحدى رُكْبَتَيِ الْبَعِيرِ أَعظم مِنَ الأُخرى مِثْلَ الأَرْكَب، تَقُولُ مِنْهُ: بَعِيرٌ لَخٍ وأَلْخَى وَنَاقَةٌ لَخْوَاء. والأَلْخَى: المُعْوَجُّ. واللَّخا: مَيَلٌ فِي العُلْبة والجَفْنة. واللَّخا: مَيَل فِي أَحد شِقَّي الْفَمِ، فَمٌ أَلْخَى وَرَجُلٌ أَلْخَى وامرأَة لَخْوَاء، وَقِيلَ: اللَّخَا اعْوِجَاجٌ فِي اللَّحْيِ، وعُقاب لَخْوَاء مِنْهُ لأَن مِنقارها الأَعلى أَطول مِنَ الأَسفل. وامرأَة لَخْوَاء بَيِّنَةٌ اللَّخَا: فِي فَرْجِهَا ميَل. واللَّخْو: الفَرْج المُضْطَرِبُ الْكَثِيرُ الْمَاءِ. قَالَ اللَّيْثُ: اللَّخْوُ لَخْوُ القُبُل الْمُضْطَرِبِ الْكَثِيرِ الْمَاءِ. الصِّحَاحُ: اللَّخَا نَعْت القُبُل الْمُضْطَرِبِ الْكَثِيرِ الْمَاءِ. الأَصمعي: اللَّخْوَاء المرأَة الْوَاسِعَةُ الجَهاز، واللَّخَا غارُ الفَم، واللَّخَا اسْتِرْخَاءٌ فِي أَسفل البطنِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن تَكُونَ إِحدى الْخَاصِرَتَيْنِ أَعظم مِنَ الأُخرى، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَالصِّفَةُ كَالصِّفَةِ. قَالَ شَمِرٌ: سَمِعْتُ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ اللَّخَا، مَقْصُورٌ، أَن يَميل بَطن الرَّجُلِ فِي أَحد جَانِبَيْهِ. قَالَ: واللَّخَا المُسْعُط، وَصَرَّحَ اللِّحْيَانِيُّ فِيهِ المدَّ فَقَالَ: اللَّخَاء، مَمْدُودٌ، المُسْعُط، وَقَدْ لَخَاه لَخْواً. التَّهْذِيبُ: واللَّخَا شَيْءٌ مِثْلُ الصَّدف يُتَّخَذُ مُسْعُطاً. أَبو عَمْرٍو: اللَّخَا إِعطاء الرَّجُلِ مَالَهُ صَاحِبَهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

لخَيْتُكَ مَالِي ثُمَّ لَمْ تُلْفَ شاكِراً،

فعَشِّ رُوَيْداً، لستُ عَنْكَ بغافلِ

ابْنُ سِيدَهْ: اللَّخَا، مَقْصُور، المُسْعُط، والمِلْخَى مِثْلُهُ، وَقِيلَ: هُوَ ضَرْبٌ مِنَ جُلود دَوَابِّ الْبَحْرِ يُسْتَعَطُ بِهِ. ولَخَيْتُه وأَلْخَيْتُه ولَخَوْتُه كلُّ هَذَا: سَعَطْته، وَقِيلَ: أَوْجَرْته الدَّوَاءَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ الْتَخَتْ باللَّخَا أَي شَرِبَتْ بالمُسْعُط؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

وَمَا الْتَخَتْ مِنْ سُوءِ جسْمٍ بلَخَا

وَقَالَ ابْنُ مَيَّادَةَ:

فَهُنَّ مِثْل الأُمَّهاتِ يُلْخِينْ،

يُطْعِمْنَ أَحْياناً، وحِيناً يَسْقِينْ

وأَلْخَيتُه مَالًا أَي أَعْطَيْتُه. واللِّخَاء: الغِذاء لِلصَّبِيِّ سِوى الرَّضاع. والتَخَى: أَكل الخُبز المَبلول، وَالِاسْمُ اللِّخَاءُ مِثْلُ الغِذاءِ، تَقُولُ: الصَّبِيُّ يَلْتَخِي الْتِخَاء أَي يأْكل خُبزاً مَبْلُولًا؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَنِي أَسد:

فَهُنَّ مِثْلُ الأُمَّهاتِ يُلْخِينْ،

يُطْعِمْنَ أَحْياناً، وحِيناً يَسْقِينْ

كأَنها مِنْ شَجَرِ البَساتِينْ:

العِنَباء المُنْتَقى والتِّينْ

لَا عَيْبَ إِلا أَنهُنَّ يُلْهِينْ

عَنْ لَذّة الدُّنيا، وَعَنْ بَعْضِ الدِّينْ

والْتَخَى صدْرَ الْبَعِيرِ أَو جِرانه: قَدَّ مِنْهُ سَيْرًا لِلسَّوْطِ وَنَحْوِهِ؛ قَالَ جِرانُ العَود يُذَكِّرُ أَنه اتَّخَذَ سَيْراً مِنْ صَدْرِ بَعِيرٍ لتأْديب نِسَائِهِ:

خُذا حَذَراً يَا خُلَّتيَّ، فإِنَّني

رأَيتُ جِرانَ العَوْدِ قَدْ كَادَ يُصْلَحُ

عَمَدْتُ لعَوْدٍ فالتَخَيْتُ جِرانَه،

ولَلْكَيْسُ أَمْضى فِي الأُمور وأَنْجَحُ

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: التَحَيْتُ جِران الْبَعِيرِ بِالْحَاءِ، وَالْعَرَبُ تُسوّي السِّيَاطَ مِنَ الجِران لأَنَّ جِلده أَصلب وأَمتن، قَالَ: وأَظنه مِنْ قَوْلِكَ لَحَوْت العُود ولَحَيْته إِذا قَشرته، وَكَذَلِكَ اللِّخَاء والمُلاخَاة، بِالْخَاءِ، بِمَعْنَى التَّحْمِيلِ والتَّحريش، يُقَالُ: لاخَيْتَ بِي عِنْدَ فُلَانٍ أَي أَثَيْتَ بِي عِنْدَهُ مُلاخاةً ولِخاء، وَقَالَ: واللِّخاءُ بالخاءِ بِهَذَا الْمَعْنَى تَصْحِيفٌ عِنْدِي. ولاخَى بِهِ: وَشَى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا عَلَى هَذَا بِالْيَاءِ

ص: 244

لأَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا. أَبو عَمْرٍو: المُلاخَاةُ المُخالفة وأَيضاً المُصانعة؛ وأَنشد:

ولاخَيْتَ الرِّجال بِذَاتِ بَيْني

وبَيْنِكَ، حِين أَمْكَنَكَ اللِّخاءُ

قَالَ: لاخَيْتَ وافَقْتَ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

فَلَمْ نَجْزَعْ لمَن لاخَى عَليْنا،

وَلِمَ نَذَرِ العشيرةَ للجُناةِ

لدي: اللَّيْثُ: لَدَى مَعْنَاهَا مَعْنَى عِنْدَ، يُقَالُ: رأَيته لَدَى بَابِ الأَمير، وَجَاءَنِي أَمرٌ مِنْ لَدَيْكَ أَي مِنْ عِنْدِكَ، وَقَدْ يَحْسُنُ مِنْ لَدَيْك بِهَذَا الْمَعْنَى، وَيُقَالُ فِي الإِغْراء: لَدَيْك فُلَانًا كَقَوْلِكَ عليكَ فُلَانًا؛ وأَنشد:

لَدَيْكَ لَدَيْك ضاقَ بِهَا ذِراعا

وَيُرْوَى: إِلَيْكَ إِليكَ عَلَى الإِغراء. ابْنُ الأَعرابي: أَلْدَى فُلَانٌ إِذا كَثُرَتْ لِداتُه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ

؛ يَقُولُهُ الْمَلَكُ يَعْنِي مَا كُتب مِنْ عَمَلِ الْعَبْدِ حاضرٌ عِنْدِي. الْجَوْهَرِيُّ: لَدَى لُغَةٌ فِي لَدُنْ، قَالَ تَعَالَى: وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ

؛ واتِّصالُه بِالْمُضْمَرَاتِ كَاتِّصَالِ عَلَيْكَ؛ وَقَدْ أَغرى بِهِ الشَّاعِرُ فِي قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:

فَدَعْ عَنْكَ الصِّبا ولَدَيْك هَمّاً،

تَوَقَّشَ فِي فُؤادِكَ، واخْتِبالا

وَيُرْوَى:

فَعَدِّ عَنِ الصِّبا وَعَلَيْكَ هَمّاً

لذا: الَّذِي: اسْمٌ مُبْهَمٌ، وَهُوَ مبنيٌّ مَعْرِفَةٌ وَلَا يَتِمُّ إِلَّا بِصِلَةٍ، وأَصله لَذِي فأُدخل عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامَ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن يُنْزَعا مِنْهُ. ابْنُ سِيدَهْ: الَّذِي مِنَ الأَسماء الْمَوْصُولَةِ لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إِلى وَصْفِ الْمَعَارِفِ بِالْجُمَلِ، وَفِيهِ لُغَاتٌ: الَّذِي، والَّذِ بِكَسْرِ الذَّالِ، والَّذْ بإِسكانها، والَّذِيّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ؛ قَالَ:

وليسَ المالُ، فاعْلَمْه، بمالٍ

مِنَ الأَقْوامِ إِلَّا للَّذِيّ

يُرِيدُ بِهِ العَلاءَ ويَمْتَهِنْه

لأَقْرَبِ أَقْرَبِيه، وللقَصِيّ

وَالتَّثْنِيَةُ اللَّذانِّ، بِتَشْدِيدِ النُّونِ، واللَّذانِ النُّونُ عِوَضٌ مِنْ يَاءِ الَّذِي، واللَّذا، بِحَذْفِ النُّونِ، فَعَلى ذَلِكَ قَالَ الأَخطل:

أَبَني كُلَيْبٍ، إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذا

قَتَلا الملُوكَ، وفَكَّكا الأَغْلالا

قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَراد اللَّذانِ فَحَذَفَ النُّونَ ضَرُورَةً. قَالَ ابْنُ جِنِّي: الأَسماء الْمَوْصُولَةُ نَحْوُ الَّذِي والَّتي لَا يَصِحُّ تَثْنِيَةُ شَيْءٍ مِنْهَا مِنْ قِبَل أَن التَّثْنِيَةَ لَا تَلحق إِلا النَّكِرَةَ، فَمَا لَا يَجُوزُ تَنْكِيرُهُ فَهُوَ بأَن لَا تَصِحَّ تَثْنِيَتُهُ أَجدر، فالأَسماء الْمَوْصُولَةُ لَا يَجُوزُ أَن تُنَكَّرَ فَلَا يَجُوزُ أَن يُثَنَّى شَيْءٌ مِنْهَا، أَلا تَرَاهَا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ عَلَى حَدِّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّثْنِيَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُكَ ضَرَبْتُ اللَّذَيْنِ قَامَا، إِنما يتعرَّفان بِالصِّلَةِ كَمَا يتعرَّف بِهَا الْوَاحِدُ فِي قَوْلِكَ ضَرَبْتُ الَّذِي قَامَ، والأَمر فِي هَذِهِ الأَشياء بَعْدَ التَّثْنِيَةِ هُوَ الأَمر فِيهَا قَبْلَ التَّثْنِيَةِ، وَهَذِهِ أَسماء لَا تُنَكَّرُ أَبداً لأَنها كِنايات وَجَارِيَةٌ مَجرى الْمُضْمَرَةِ، فإِنما هِيَ أَسماء لَا تُنَكَّرُ أَبداً مَصُوغَةٌ لِلتَّثْنِيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الأَسماء الْمُثَنَّاةِ نَحْوَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، أَلا تَرَى أَن تَعْرِيفَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو إِنما هُوَ بِالْوَضْعِ وَالْعَلَمِيَّةِ؟ فإِذا ثَنَّيْتَهُمَا تَنَكَّرَا فَقُلْتَ رأَيت زَيْدَيْنِ كَرِيمين، وَعِنْدِي عَمْران عَاقِلَانِ، فإِن آثَرْتَ التَّعْلِيمَ بالإِضافة أَو بِاللَّامِ قُلْتَ الزيدانِ والعَمْران وزَيْداك وعَمْراك، فَقَدْ تعرَّفا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ تَعْرّفهما قَبْلَهَا، ولَحِقا بالأَجناس وَفَارَقَا مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَلَمِيَّةِ وَالْوَضْعِ، فإِذا صَحَّ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَن تَعْلَمَ أَن

ص: 245

اللَّذَان وَاللَّتَانِ وَمَا أَشبههما إِنما هِيَ أَسماء مَوْضُوعَةٌ لِلتَّثْنِيَةِ مُخْتَرَعَةٌ لَهَا، وَلَيْسَتْ تَثْنِيَةُ الْوَاحِدِ عَلَى حَدِّ زَيْدٍ وَزَيْدَانِ، إِلا أَنها صِيغَتْ عَلَى صُورَةِ مَا هُوَ مُثَنًّى عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقِيلَ اللَّذَانِ واللتانِ واللَّذَيْنِ واللَّتَيْنِ لِئَلَّا تَخْتَلِفَ التَّثْنِيَةُ، وَذَلِكَ أَنهم يُحَافِظُونَ عَلَيْهَا مَا لَا يُحَافِظُونَ عَلَى الْجَمْعِ، وَهَذَا الْقَوْلُ كُلُّهُ مَذْكُورٌ فِي ذَا وَذِي، وَفِي الْجَمْعِ هُمُ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَاكَ واللَّذُو فَعَلُوا ذَاكَ، قَالَ: أَكثر هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ وأَنشد فِي الَّذي يَعْنِي بِهِ الْجَمْعَ للأَشهب بْنُ رُميلة:

وإِنَّ الَّذِي حانَت بِفَلْجٍ دِماؤُهُمْ

هُمُ القَوْم كلُّ القَوْمِ، يَا أُمَّ خالِدِ

وَقِيلَ: إِنما أَراد الَّذِينَ فَحَذَفَ النُّونَ تَخْفِيفًا؛ الْجَوْهَرِيُّ: فِي جَمْعِهِ لُغَتَانِ الَّذِينَ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، والَّذِي بِحَذْفِ النُّونِ، وأَنشد بَيْتَ الأَشهب بْنِ رُمَيْلَةَ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِي الرَّفْعِ اللَّذُون، قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَن أَصله ذَا لأَنك تَقُولُ مَاذَا رأَيْتَ بِمَعْنَى مَا الَّذِي رأَيت، قَالَ: وَهَذَا بَعِيدٌ لأَن الْكَلِمَةَ ثُلَاثِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَصلها حَرْفًا وَاحِدًا، وَتَصْغِيرُ الَّذِي اللُّذَيَّا واللِّذَيَّا، بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، فإِذا ثَنَّيْت الْمُصَغَّرَ أَو جَمَعْتَهُ حَذَفْتَ الأَلف فَقُلْتَ اللَّذَيَّانِ واللَّذَيُّونَ، وإِذا سَمَّيْتَ بِهَا قُلْتَ لَذٍ، وَمَنْ قَالَ الْحَرْثَ وَالْعَبَّاسَ أَثبت الصِّلَةَ فِي التَّسْمِيَةِ مَعَ اللَّامِ فَقَالَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ، والأَلف وَاللَّامُ فِي الَّذِي زَائِدَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، وإِنما هنَّ مُتَعَرَّفَاتٌ بِصَلَاتِهِنَّ وَهُمَا لَازِمَتَانِ لَا يُمْكِنُ حَذْفُهُمَا، فَرُبَّ زَائِدٍ يَلْزَمُ فَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى زِيَادَتِهِمَا وَجُودُكَ أَسماء مَوْصُولَةً مِثلَها معرَّاة مِنَ الأَلف وَاللَّامِ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مَعْرِفَةٌ، وَتِلْكَ الأَسماء مَن وَمَا وأَيّ فِي نَحْوِ قَوْلِكَ: ضَرَبْتُ مَن عِنْدَكَ، وأَكلت مَا أَطعمتني، ولأَضربن أَيُّهم قَامَ، فتعرّفُ هَذِهِ الأَسماء الَّتِي هِيَ أَخوات الَّذِي وَالَّتِي بِغَيْرِ لَامٍ وَحُصُولُ ذَلِكَ لَهَا بِمَا تَبِعَهَا مِنْ صَلَاتِهَا دُونَ اللَّامِ يَدُلُّ عَلَى أَن الَّذِي إِنما تَعَرُّفُهُ بِصِلَتِهِ دُونَ اللَّامِ الَّتِي هِيَ فِيهِ، وأَن اللَّامَ فِيهِ زَائِدَةٌ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

فإِنْ أَدَعِ اللَّواتي مِنْ أُناسٍ

أَضاعُوهُنَّ، لَا أَدَعِ الَّذِينا

فإِنما تَرَكَهُ بِلَا صِلَةٍ لأَنه جَعَلَهُ مَجْهُولًا. ابْنُ سِيدَهْ: اللَّذْوَى اللَّذّةُ. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها، أَنها ذَكَرَتْ الدُّنْيَا فَقَالَتْ: قَدْ مَضَتْ لَذْواها وبَقِيَتْ بَلْواها

أَي لَذَّتُها، وَهِيَ فَعْلى مِنَ اللَّذَّةِ، فَقُلِبَتْ إِحدى الذَّالَيْنِ يَاءً كالتَّقَضِّي والتَّظَنِّي؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: اللَّذْوَى واللَّذَّة واللَّذاذةُ كُلُّهُ الأَكل وَالشُّرْبُ بنَعْمة وكِفاية، كأَنها أَرادت بِذَهَابِ لَذْواها حياةَ النبي، صلى الله عليه وسلم، وبالبَلْوَى مَا امْتُحِن بِهِ أُمته مِنَ الخِلاف والقِتال عَلَى الدُّنْيَا وَمَا حَدَثَ بَعْدَهُ مِنَ الْمِحَنِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَقول إِن اللَّذْوَى، وإِن كَانَ مَعْنَاهُ اللَّذة واللَّذاذة، فَلَيْسَ مِنْ مَادَّةِ لَفْظِهِ وإِنما هُوَ مِنْ بَابِ سِبَطرْ ولأْآلٍ وَمَا أَشبهه، اللَّهُمَّ إِلا أَن يَكُونَ اعْتَقَدَ الْبَدَلَ لِلتَّضْعِيفِ كَبَابِ تَقَضَّيْت وتَظَنَّيْت، فَاعْتَقَدَ فِي لَذِذتُ لَذِيتُ كَمَا تَقُولُ فِي حَسِسْتُ حَسِيتُ فيُبنى مِنْهُ مِثَالُ فَعْلى اسْمًا فَتَنْقَلِبُ يَاؤُهُ وَاوًا انْقِلَابَهَا فِي تَقْوى ورَعْوى، فَالْمَادَّةُ إِذاً واحدة.

لسا: ابْنُ الأَعرابي: اللَّسَا الكَثيرُ «4» الأَكل مِنَ الْحَيَوَانِ، وَقَالَ: لَسَا إِذا أَكل أَكلًا يَسيراً، أَصله مِنَ اللِّسِّ وَهُوَ الأَكل، وَاللَّهُ أَعلم.

لشا: التَّهْذِيبُ: أَهمله اللَّيْثُ فِي كِتَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ

(4). قوله [اللَّسَا الكثير إلخ] كذا في التهذيب أيضاً، وعبارة التكملة: لَسَا أكل أكلًا كثيراً، وهو لَسِيّ أي كغنيّ.

ص: 246

الأَعرابي: لَشا إِذا خَسَّ بَعْدَ رِفْعة، قَالَ: واللَّشِيُّ الْكَثِيرُ الحَلَب، وَاللَّهُ أَعلم.

لصا: لَصاه يَلْصوه ويَلْصاه؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ، لَصْواً: عَابَهُ، وَالِاسْمُ اللَّصَاةُ، وَقِيلَ: اللَّصَاةُ أَن تَرْمِيَهُ بِمَا فِيهِ وَبِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ قَذْفَ المرأَة بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ. وإِنه لَيَلْصُو إِلى رِيبة أَي يَميل. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مُعْتَلِّ الْيَاءِ: لَصَاه لَصْياً عابَه وقَذَفه، وَشَاهِدُ لَصَيْت بِمَعْنَى قَذَفْتُ وشَتَمْت قَوْلُ الْعَجَّاجِ:

إِني امْرُؤٌ، عَنْ جَارَتِي، كَفِيُّ

عَفٌّ، فَلا لاصٍ وَلَا مَلْصِيُ

أَي لَا يُلْصى إِليه، يَقُولُ: لَا قاذِفٌ وَلَا مَقْذُوف، وَالِاسْمُ اللَّصاة. ولَصَا فُلَانٌ فُلَانًا يَلْصُوهُ ويَلْصُو إِليه إِذا انْضَمَّ إِليه لِرِيبَةٍ، ويَلْصِي أَعربهما. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن لَصَا مُسْلِمًا

أَي قَذَفه. واللَّاصِي: القاذفُ، وَقِيلَ: اللَّصْوُ والقَفْوُ القَذْفُ للإِنسان برِيبة يَنسُبه إِليها، يُقَالُ: لَصَاه يَلْصُوه ويَلْصِيه إِذا قذفَه، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُرْوِي عَنِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ أَنها قِيلَ لَهَا إِن فُلَانًا قَدْ هَجَاكِ، فَقَالَتْ: مَا قَفا وَلَا لَصا، تَقُولُ: لَمْ يَقْذِفْني، قَالَ: وَقَوْلُهَا لَصَا مِثْلُ قَفا، يقال مه: قافٍ لاصٍ. ولَصَى أَيضاً: أَتَى مُسْتَتِرَ الرِّيبة. ولَصِيَ أَيضاً: أَثِمَ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو شَاهِدًا عَلَى لَصَيْت بِمَعْنَى أَثِمْت قَوْلَ الرَّاجِزِ الْقُشَيْرِيِّ:

تُوبي مِنَ الخِطْء فَقد لَصِيتِ،

ثُمَّ اذْكُري اللهَ إِذَا نَسِيتِ «1»

وَفِي رِوَايَةٍ: إِذا لَبَّيْتِ. واللَّاصي: العَسَلُ، وَجَمْعُهُ لَواصٍ؛ قَالَ أُمية بْنُ أَبي عائذ الْهُذَلِيُّ:

أَيّامَ أَسْأَلُها النَّوالَ، ووَعْدُها

كالرَّاحِ مَخْلُوطاً بِطَعْمِ لَوَاصِي

قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَامُ اللَّاصي يَاءٌ لِقَوْلِهِمْ لَصَاه إِذا عَابَهُ، وكأَنهم سَمَّوْهُ بِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِالشَّيْءِ وتَدْنيسه لَهُ كَمَا قَالُوا فِيهِ نَطَفٌ، وَهُوَ فَعَلٌ مِنَ الناطِف، لِسَيلانه وتَدَبُّقه، وَقَالَ مَخْلُوطًا ذَهَبَ بِهِ إِلى الشراب، وَقِيلَ: اللَّصَى واللَّصَاة أَن تَرْمِيَهُ بِمَا فِيهِ وَبِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعلم.

لضا: التَّهْذِيبُ: لَضا إِذا حَذِقَ بالدَّلالة.

لطا: أَلقى عَلَيْهِ لَطاتَه أَي ثِقَلَه ونَفْسَه. واللَّطَاةُ: الأَرض وَالْمَوْضِعُ. وَيُقَالُ: أَلْقى بلَطَاتِه أَي بثِقَله، وَقَالَ ابْنُ أَحمر:

وكُنَّا وهُمْ كابْنَي سُباتٍ تَفَرَّقا

سِوًى، ثُمَّ كَانَا مُنْجِداً وتِهامِيا

فأَلقى التِّهامي مِنْهُما بِلَطاتِه،

وأَحْلَطَ هَذَا، لَا أَرِيمُ مَكانِيا

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ بلَطَاتِه: أَرضِه وَمَوْضِعِهِ، وَقَالَ شَمِرٌ: لَمْ يُجِد أَبو عُبَيْدٍ فِي لَطَاته. وَيُقَالُ: أَلقى لَطَاتَه طَرَحَ نَفْسَهُ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: لَطَاتَه مَتَاعه وَمَا مَعَهُ. قَالَ ابْنُ حَمْزَةَ فِي قَوْلِ ابْنِ أَحمر أَلقى بِلَطَاتِهِ: مَعْنَاهُ أَقام، كَقَوْلِهِ فأَلْقَتْ عَصاها. واللَّطَاةُ: الثِّقَلُ. يُقَالُ: أَلقى عَلَيْهِ لَطاتَه. ولَطأْتُ بالأَرض ولطِئْتُ أَي لَزِقْتُ؛ وَقَالَ الشَّمَّاخُ فَتَرَكَ الْهَمْزَ:

فَوافَقَهنّ أَطْلَسُ عامِرِيٌّ،

لَطا بصَفائِحٍ مُتَسانِداتِ

أَراد لَطأَ يَعْنِي الصَّيَّادَ أَي لَزِقَ بالأَرض، فَتَرَكَ

(1). قوله [فقد لَصِيت] كذا ضبط في الأصل بكسر الصاد مع ضبطه السابق بما ترى، ولعل الشاعر نطق به هكذا لمشاكلة نسيت.

ص: 247

الْهَمْزَ. وَدَائِرَةُ اللَّطاةِ: الَّتِي فِي وسَط جَبْهة الدابَّة. ولَطاةُ الْفَرَسِ: وسَطُ جَبْهَتِهِ، وَرُبَّمَا اسْتَعْمَلَ فِي الإِنسان. ابْنُ الأَعرابي: بَيَّضَ اللهُ لَطاتَك أَي جَبْهَتك. واللَّطاةُ: الْجَبْهَةُ. وَقَالُوا: فُلَانٌ مِنْ رَطاتِه لَا يَعرِفُ قَطاتَه مِنْ لَطاتِه، قَصَرَ الرَّطَاةَ إِتباعاً للقَطاة. وَفِي التَّهْذِيبِ: فُلَانٌ مِنْ ثَطاتِه لَا يَعْرِفُ قَطاتَه مِنْ لَطَاتِه أَي لَا يَعْرِفُ مُقدِّمه مِنْ مُؤَخَّره. واللَّطَاةُ واللُّطَاة: اللُّصُوص، وَقِيلَ: اللُّصُوص يَكُونُونَ قَرِيبًا منكَ، يُقَالُ: كَانَ حوْلي لَطاةُ سُوءٍ وَقَوْمٌ لَطاة. ولَطا يَلْطا، بِغَيْرِ هَمْزٍ: لَزِقَ بالأَرض وَلَمْ يَكَدْ يَبْرَحُ، ولَطأَ يَلْطأُ، بِالْهَمْزِ. والمِلْطاء، عَلَى مِفْعال: السِّمْحاقُ مِنَ الشِّجاج، وَهِيَ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ القِشرة الرَّقِيقَةُ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَخبرني الْوَاقِدِيُّ أَن السِّمحاق فِي لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ المِلْطا، بِالْقَصْرِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَيُقَالُ لَهَا المِلْطاةُ، بِالْهَاءِ، قَالَ: فإِذا كَانَتْ عَلَى هَذَا فَهِيَ فِي التَّقْدِيرِ مَقْصُورَةٌ؛ قَالَ: وَتَفْسِيرُ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ أَن المِلْطى بدمِها؛ يَقُولُ: مَعْنَاهُ أَنه حِينَ يُشَجُّ صاحِبُها يُؤْخَذُ مِقْدَارُهَا تِلْكَ الساعةَ ثُمَّ يُقْضى فِيهَا بِالْقِصَاصِ أَو الأَرش لَا يُنظَر إِلى مَا يَحدُث فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةٍ أَو نُقْصَانٍ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُهُمْ وَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ أَهل الْعِرَاقِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه بالَ فمَسَح ذَكَرَهُ بلِطًى ثُمَّ توضأَ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ قَلْبُ لِيَطٍ جَمُعُ لِيطةٍ كَمَا قِيلَ فِي جَمْعِ فُوقةٍ فُوَقٌ، ثُمَّ قُلِبت فَقِيلَ فُقاً، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا قُشِرَ مِنْ وَجْهِ الأَرض مِنَ الْمَدَرِ.

لظي: اللَّظَى: النَّارُ، وَقِيلَ: اللَّهَبُ الْخَالِصُ؛ قَالَ الأَفوه:

فِي مَوقِفٍ ذَرِب الشَّبا، وكأَنما

فِيهِ الرّجالُ عَلَى الأَطائم واللَّظَى

وَيُرْوَى: فِي مَوْطِنٍ. ولَظَى: اسْمُ جَهَنَّمَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا، غَيْرُ مَصْرُوفٍ، وَهِيَ مَعْرِفَةٌ لَا تُنَوَّنُ وَلَا تَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ والتأْنيث، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها أَشد النِّيرَانِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى

. والْتِظَاءُ النَّارِ: التِهابُها، وتَلَظِّيها: تَلَهبُها، وَقَدْ لَظِيَت النَّارُ لَظًى والْتَظَتْ؛ أَنشد ابْنُ جِنِّي:

وبَيَّنَ للوُشاةِ، غداةَ بانَتْ

سُلَيْمى، حَرّ وجْدِي والْتِظايَهْ

أَرَادَ: والتِظَائِيَهْ، فقَصر لِلضَّرُورَةِ. وتَلَظَّتْ: كالْتَظَتْ. وَقَدْ تَلَظَّت تَلَظِّياً إِذا تَلَهَّبت، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى

؛ أَراد تَتَلَظَّى أَي تَتَوَهَّج وتَتَوَقَّدُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَتَلَظَّى عَلَى فُلَانٍ تَلَظِّياً إِذا تَوَقَّد عَلَيْهِ مِنْ شدَّة الْغَضَبِ؛ وَجَعَلَ ذُو الرُّمَّةِ اللَّظَى شِدَّةَ الْحَرِّ فَقَالَ:

وحتَّى أَتى يَوْمٌ يَكادُ مِنَ اللَّظَى

تَرى التُّومَ، فِي أُفْحُوصِه، يَتَصَيَّحُ

أَي يَتشَقَّقُ، وَفِي حَدِيثِ

خَيْفانَ لَمَّا قَدِم عَلَى عُثْمَانَ: أَما هَذَا الحيُّ مِنْ بَلْحَرِث بْنِ كَعْبٍ فحَسَكٌ أَمْراسٌ تَتَلَظَّى المنِيَّةُ فِي رِماحهم

أَي تَلْتَهِبُ وتَضْطرم، مِنْ لَظَى وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسماء النَّارِ. والتَظَتِ الحِراب: اتَّقَدَت، عَلَى الْمَثَلُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

وهْوَ، إِذا الحَرْبُ هَفا عُقابُه،

كَرْهُ اللِّقاء تَلْتَظِي حِرابُه

وتَلَظَّتِ المَفازةُ: اشْتدَّ لَهَبُهَا. وتَلَظَّى غَضَباً والْتَظَى: اتَّقَد، وأَلفها يَاءٌ لأَنها لَامٌ. الأَزهري فِي

ص: 248

تَرْجَمَةِ لَظَظَ: وَجْنة تَتَلَظَّى مِنْ تَوقُّدها وحُسْنها، كَانَ الأَصل تَتَلَظَّظُ. وأَما قولهم فِي الْحَرِّ: يَتَلَظَّى فكأَنه يَلْتَهِب كَالنَّارِ مِنَ اللَّظى.

لعا: قَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ كَلْبَةٌ لَعْوَةٌ وذِئبة لَعْوَةٌ وامرأَة لَعْوَة يَعْنِي بِكُلِّ ذَلِكَ الْحَرِيصَةَ الَّتِي تُقَاتِلُ عَلَى مَا يُؤْكَلُ، وَالْجَمْعُ اللَّعَوَاتُ. واللِّعَاء واللَّعْوَةُ واللَّعَاةُ: الْكَلْبَةُ، وَجَمْعُهَا لَعاً؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَقِيلَ: اللَّعْوَةُ واللَّعَاةُ الْكَلْبَةُ مِنْ غَيْرِ أَن يَخُصُّوا بِهَا الشَّرهة الْحَرِيصَةَ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. وَيُقَالُ فِي الْمَثَلِ: أَجْوَعُ مِنْ لَعْوَة أَي كلبة. واللَّعْو: السيء الخُلُق، واللَّعْوُ الفَسْلُ، واللَّعْوُ واللَّعَا الشَّرِه الحَريص، رَجُلٌ لَعْوٌ ولَعاً، مَنْقُوصٌ، وَهُوَ الشَّرِهُ الْحَرِيصُ، والأُنثى بِالْهَاءِ وَكَذَلِكَ هُمَا مِنَ الْكِلَابِ وَالذِّئَابِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

لَوْ كُنتَ كلبَ قَنيصٍ كُنتَ ذَا جُدَدٍ،

تَكونُ أُرْبَتُهُ فِي آخِرِ المَرَسِ

لَعْواً حَريصاً يَقولُ القانِصانِ لَهُ:

قُبِّحْتَ ذا أَنْفِ وَجْهٍ حَقّ مُبْتَئِسِ

اللَّفْظُ لِلْكَلْبِ وَالْمَعْنَى لِرَجُلٍ هَجَاهُ، وَإِنَّمَا دَعا عَلَيْهِ القانِصان فَقَالَا له قُبِّحت ذا أَنف وَجْهٍ لأَنه لَا يَصيد؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ اللَّعْوِ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

فَلا تَكُونَنَّ رَكِيكاً ثَيْتَلا

لَعْواً، مَتَى رأَيته تَقَهَّلا

وَقَالَ آخَرُ:

كلْبٍ عَلَى الزَّادِ يُبْدي البَهْلَ مَصْدَقُه،

لَعْوٍ يُعاديكَ فِي شَدٍّ وتَبْسِيل «1»

واللَّعْوَة واللُّعْوَةُ: السَّوَادُ حَوْلَ حَلَمَةِ الثَّدْيِ؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ، وَبِهَا سُمِّيَ ذُو لَعْوَةَ: قَيْلٌ مِنْ أَقيال حِمْيَر، أُراه للَعْوَة كَانَتْ فِي ثَدْيِهِ. ابْنُ الأَعرابي: اللَّوْلَع الرُّغَثاء وَهُوَ السَّوَادُ الَّذِي عَلَى الثَّدْيِ، وَهُوَ اللَّطْخَةُ. وتَلَعَّى العسَلُ وَنَحْوُهُ: تَعَقَّد. وَاللَّاعِي: الَّذِي يُفزعه أَدنى شَيْءٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد، أُراه لأَبي وَجْزَةَ:

لاعٍ يَكادُ خَفِيُّ الزَّجْرِ يُفْرِطُه،

مُسْتَرْيِعٍ لسُرى المَوْماةِ هَيَّاجِ

يُفْرِطُه: يَملؤه رَوْعاً حَتَّى يَذْهَبَ بِهِ. وَمَا بِالدَّارِ [لاعِي] قَرْوٍ أَي مَا بِهَا أَحد، والقَرْوُ: الإِناء الصَّغِيرُ، أَي مَا بِهَا مَن يَلحَس عُسّاً، مَعْنَاهُ مَا بِهَا أَحد، وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ أَبي عُمر الزاهِد أَن القَرْو مِيلَغَةُ الْكَلْبِ. وَيُقَالُ: خَرَجْنَا نَتَلَعَّى أَي نأْخذ اللُّعاع، وَهُوَ أَول النَّبت، وَفِي التَّهْذِيبِ: أَي نُصيب اللُّعاعة مِنْ بُقول الرَّبِيعِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَصله نَتَلَعَّع، فَكَرِهُوا ثَلَاثَ عَيْنَاتٍ فأَبدلوا يَاءً. وأَلَعَّتِ الأَرض: أَخرجت اللُّعاع. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ أَلَعَّت الأَرض وأَلْعَتْ، عَلَى إِبدال الْعَيْنِ الأَخيرة يَاءً. وَاللَّاعِي: الخاشِي؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

داوِيَة شَتَّتْ عَلَى اللَّاعِي السَّلِعْ،

وإِنما النَّوْمُ بِهَا مِثْلُ الرَّضع

قَالَ الأَصمعي: اللَّاعِي مِنَ اللَّوْعةِ. قَالَ الأَزهري: كأَنه أَراد اللَّائع فَقَلَبَ، وَهُوَ ذُو اللَّوْعَةِ، والرَّضع: مصة بعد مصة. أَبو سعيد: يُقَالُ هُوَ يَلْعَى بِهِ ويَلْغَى بِهِ أَي يَتَوَلَّعُ بِهِ. ابْنُ الأَعرابي: الأَلْعَاء السُّلامَياتُ. قَالَ الأَزهري فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ: وأَعْلاء الناسِ الطِّوال من الناس.

(1). قوله [كلب إلخ] ضبط بالجر في الأصل هنا، ووقع ضبطه بالرفع في بهل.

ص: 249

ولَعاً: كَلِمَةٌ يُدعَى بِهَا لِلْعَاثِرِ مَعْنَاهَا الِارْتِفَاعُ؛ قَالَ الأَعشى:

بِذاتِ لَوْثٍ عَفَرْناةٍ، إِذا عَثَرَتْ

فالتَّعْسُ أَدْنى لَها مِن أَنْ أَقُولَ لَعا

أَبو زَيْدٍ: إِذا دُعي لِلْعَاثِرِ بأَن يَنْتَعِشَ قِيلَ لَعاً لَكَ عَالِيًا، وَمِثْلُهُ: دَعْ دَعْ. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مِنْ دُعَائِهِمْ لَا لَعاً لِفُلَانٍ أَي لَا أَقامه اللَّهُ وَالْعَرَبُ تَدْعُو عَلَى الْعَاثِرِ مِنَ الدَّوَابِّ إِذا كَانَ جَوَادًا بالتَّعْس فَتَقُولُ: تَعْساً لَهُ وإِن كَانَ بَلِيداً كَانَ دُعَاؤُهُمْ لَهُ إِذا عَثَرَ: لَعاً لَكَ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الأَعشى:

فَالتَّعْسُ أَدنى لَهَا مِنْ أَن أَقول لَعًا

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما حَمَلْنَا هَذَيْنِ «2» عَلَى الْوَاوِ لأَنا قَدْ وَجَدْنَا فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لَعُو وَلَمْ نَجِدْ لَعِي. ولَعْوةُ: قومٌ مِنَ الْعَرَبِ. ولَعْوةُ الجوع: حِدَّته.

لغا: اللَّغْو واللَّغا: السَّقَط وَمَا لَا يُعتدّ بِهِ مِنْ كَلَامٍ وَغَيْرِهِ وَلَا يُحصَل مِنْهُ عَلَى فَائِدَةٍ ولا نَفْعٍ. التَّهْذِيبُ: اللَّغْو واللَّغا واللَّغْوَى مَا كَانَ مِنَ الْكَلَامِ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ. الْفَرَّاءُ: وَقَالُوا كلُّ الأَولاد لَغاً أَي لَغْو إِلا أَوْلَادَ الإِبل فإِنها لَا تُلْغى، قَالَ: قُلْتُ وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لأَنك إِذا اشْتَرَيْتَ شَاةً أَو وَلِيدَةً مَعَهَا وَلَدٌ فَهُوَ تَبَعٌ لَهَا لَا ثَمَنَ لَهُ مُسَمًّى إِلا أَولاد الإِبل، وَقَالَ الأَصمعي: ذَلِكَ الشَّيْءُ لَكَ لَغْوٌ ولَغاً ولَغْوَى، وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يُعتدّ بِهِ. قَالَ الأَزهري: واللُّغَة مِنَ الأَسماء النَّاقِصَةِ، وأَصلها لُغْوة مِنْ لَغا إِذا تَكَلَّمَ. واللَّغا: مَا لَا يُعدّ مِنْ أَولاد الإِبل فِي دِيَةٍ أَو غَيْرِهَا لِصِغَرِهَا. وَشَاةٌ لَغْو ولَغاً: لَا يُعتدّ بِهَا فِي الْمُعَامَلَةِ، وَقَدْ أَلْغَى لَهُ شَاةً، وكلُّ مَا أُسْقِطَ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ مُلْغًى؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَهْجُو هِشَامَ بْنَ قَيْسٍ المَرَئي أَحد بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ:

ويَهْلِكُ وَسْطَها المَرئيُّ لَغْواً،

كَمَا أَلغَيْتَ فِي الدِّيةِ الحُوارا

عَمِله لَهُ جَرِيرٌ، ثُمَّ لَقِيَ الفَرَزْدَقُ ذَا الرُّمَّةِ فَقَالَ: أَنشِدني شِعْرَكَ فِي المَرَئِيِّ، فأَنشده، فَلَمَّا بَلَغَ هَذَا الْبَيْتَ قَالَ لَهُ الْفَرَزْدَقُ: حَسِّ أَعِدْ عليَّ، فأَعاد، فَقَالَ: لاكَها وَاللَّهِ مَنْ هُوَ أَشدُّ فكَّين مِنْكَ. وَقَوْلُهُ عز وجل: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ*

؛ اللَّغوُ فِي الأَيمان: مَا لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ مِثْلُ قَوْلِكَ لَا واللهِ وَبَلَى واللهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كأَن قَوْلَ

عَائِشَةَ إِنَّ اللَّغْوَ مَا يَجْرِي فِي الْكَلَامِ عَلَى غَيْرِ عَقْدٍ،

قَالَ: وَهُوَ أَشبه مَا قِيلَ فِيهِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: اللَّغْوُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الْكَلَامُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وجِماعُ اللَّغْو هُوَ الخطأُ إِذا كَانَ اللَّجاجُ وَالْغَضَبُ وَالْعَجَلَةُ، وعَقْدُ الْيَمِينِ أَن تُثَبِّتَهَا عَلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ أَن لَا تَفْعَلَهُ فَتَفْعَلَهُ، أَو لَتَفْعَلَنَّهُ فَلَا تَفْعَلُهُ، أَو لَقَدْ كَانَ وَمَا كَانَ، فَهَذَا آثِمٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. قَالَ الأَصمعي: لَغا يَلْغُو إِذا حَلَفَ بِيَمِينٍ بِلَا اعْتِقَادٍ، وَقِيلَ: مَعْنَى اللَّغْوِ الإِثم، وَالْمَعْنَى لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بالإِثم فِي الحَلِف إِذا كفَّرتم. يُقَالُ: لَغَوْتُ بِالْيَمِينِ. ولَغا فِي الْقَوْلِ يَلْغُو ويَلْغَى لَغْواً ولَغِيَ، بِالْكَسْرِ، يَلْغَى لَغاً ومَلْغاةً: أَخطأَ وَقَالَ بَاطِلًا؛ قَالَ رُؤْبَةُ وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْعَجَّاجِ:

ورَبّ أَسْرابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ

عَنِ اللَّغا، ورَفَثِ التَّكَلُّمِ

وَهُوَ اللَّغْو واللَّغا، وَمِنْهُ النَّجْوُ والنَّجا لِنَجا الجِلد؛

(2). قوله [وإِنما حملنا هذين إلخ] اسم الإشارة في كلام ابن سيدة راجع إلى لاعي قرو وإلى لعاً لك كما يعلم بمراجعته.

ص: 250

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعَبْدِ الْمَسِيحِ بْنِ عَسَلَةَ قَالَ:

باكَرْتُه، قَبْلَ أَن تَلْغَى عَصافِرُه،

مُسْتَحْفِياً صَاحِبِي وَغَيْرُهُ الْحَافِي «1»

قَالَ: هَكَذَا رُوِيَ تَلْغَى عَصافِرُه، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن فِعْلَهُ لَغِيَ، إِلا أَن يُقَالَ إِنه فُتح لِحَرْفِ الْحَلْقِ فَيَكُونُ مَاضِيهِ لَغا وَمُضَارِعُهُ يَلْغُو ويَلْغَى، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مثل اللَّغْو واللَّغَى إِلا قَوْلَهُمُ الأَسْوُ والأَسا، أَسَوْتُه أَسْواً وأَساً أَصلحته. واللَّغْو: مَا لَا يُعْتَدّ بِهِ لِقِلَّتِهِ أَو لِخُرُوجِهِ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ الِاعْتِمَادِ مِنْ فَاعِلَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ*

؛ وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ لَغْوِ الْيَمِينِ، وَهُوَ أَن يقولَ لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ وَلَا يَعْقِد عَلَيْهِ قَلْبه، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يَحْلِفُهَا الإِنسان سَاهِيًا أَو نَاسِيًا، وَقِيلَ: هُوَ الْيَمِينُ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَقِيلَ: فِي الْغَضَبِ، وَقِيلَ: فِي المِراء، وَقِيلَ: فِي الهَزْل، وَقِيلَ: اللَّغْو سُقوط الإِثم عَنِ الْحَالِفِ إِذا كفَّر يَمِينَهُ يُقَالُ: لَغا إِذا تَكَلَّمَ بالمُطَّرَحِ مِنَ الْقَوْلِ وَمَا لَا يَعْني، وأَلغى إِذا أَسقط. وَفِي الْحَدِيثِ:

والحَمُولةُ المائرةُ لَهُمْ لاغيةٌ

أَي مُلغاة لَا تُعَدُّ عَلَيْهِمْ وَلَا يُلْزَمُون لَهَا صَدَقَةً، فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مُفَعْوِلَةٍ، والمائرةُ مِنَ الإِبل الَّتِي تَحمِل المِيرة. واللَّاغِيةُ: اللَّغْو. وَفِي حَدِيثِ

سَلْمَانَ: إِيّاكُم ومَلْغاةَ أَوَّلِ الليلِ

، يُرِيدُ بِهِ اللَّغْوَ؛ المَلْغاة: مَفْعلة مِن اللَّغْو وَالْبَاطِلِ، يُرِيدُ السَّهَر فِيهِ فإِنه يَمْنَعُ مِنْ قِيام اللَّيْلِ. وَكَلِمَةٌ لاغِيةٌ: فَاحِشَةٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً

؛ هُوَ عَلَى النَّسَبِ أَي كَلِمَةً ذَاتَ لَغْو، وَقِيلَ أَي كَلِمَةً قَبِيحَةً أَو فَاحِشَةً، وَقَالَ قَتَادَةُ أَي بَاطِلًا ومَأْثماً، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَتْماً، وَهُوَ مِثْلُ تامِر ولابِن لِصَاحِبِ التَّمْرِ وَاللَّبَنِ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا: اللَّاغِية واللَّواغِي بِمَعْنَى اللَّغْوِ مِثْلَ راغِيةِ الإِبل ورَواغِيها بِمَعْنَى رُغائها، ونُباحُ الْكَلْبِ «2» لَغْوٌ أَيضاً؛ وَقَالَ:

وقُلنْا لِلدَّلِيلِ: أَقِمْ إِليهِمْ،

فَلَا تُلْغَى لِغَيْرِهِمِ كلابُ

أَي لَا تُقْتَنَى كِلَابُ غَيْرِهِمْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَفِي الأَفعال:

فَلا تَلْغَى بِغَيرِهِم الرِّكابُ

أَتَى بِهِ شَاهِدًا عَلَى لَغِيَ بِالشَّيْءِ أُولِع بِهِ. واللَّغَا: الصَّوْتُ مِثْلَ الوَغَى. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ

، قَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: إِذا تَلا مُحَمَّدٌ الْقُرْآنَ فالغَوْا فِيهِ أَي الغطُوا فِيهِ، يُبَدَّل أَو يَنسى فَتَغْلِبوه. قَالَ الْكِسَائِيُّ: لَغا فِي الْقَوْلِ يَلْغَى، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَلْغُو، ولَغِيَ يَلغَى، لُغةٌ، ولَغا يَلْغُو لَغْواً: تَكَلَّمَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن قَالَ يَوْمَ الجُمعة والإِمامُ يَخْطُبُ لِصَاحِبِهِ صَهْ فَقَدْ لَغا

أَي تَكلَّم، وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: فَقَدْ لَغَا أَي فَقَدْ خابَ. وأَلغَيْتُه أَي خَيَّبْتُه. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن مَسَّ الحَصى فَقَدْ لَغا

أَي تَكَلَّمَ، وَقِيلَ: عَدَلَ عَنِ الصَّوَابِ، وَقِيلَ: خابَ، والأَصل الأَوَّل. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ

؛ أَي مَرُّوا بِالْبَاطِلِ. وَيُقَالُ: أَلْغَيْت هَذِهِ الْكَلِمَةَ أَي رأَيتها بَاطِلًا أَو فَضْلًا، وَكَذَلِكَ مَا يُلْغَى مِنَ الحِساب. وأَلغَيْتُ الشَّيْءَ: أَبطلته. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، يُلْغِي طَلاقَ المُكْرَه أَي يُبْطِله. وأَلغاه مِنَ الْعَدَدِ: أَلقاه مِنْهُ. واللُّغَة: اللِّسْنُ، وحَدُّها أَنها أَصوات يُعبِّر بها كل

(1). قوله [مستحفياً إلخ] كذا بالأصل ولعله مستخفياً، والخافي، بالخاء المعجمة فيهما أو بالجيم فيهما.

(2)

. قوله [ونباح الكلب إلى قوله قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ] هَذَا لفظ الجوهري، وقال في التكملة: واستشهاده بالبيت على نباح الكلب باطل، وذلك أن كلاباً في البيت هو كلاب بن ربيعة لا جمع كلب، والرواية تَلْغَى بفتح التاء بمعنى تولع.

ص: 251

قَوْمٍ عَنْ أَغراضِهم، وَهِيَ فُعْلةٌ مِنْ لَغَوْت أَي تكلَّمت، أَصلها لُغْوة ككُرةٍ وقُلةٍ وثُبةٍ، كُلُّهَا لَامَاتُهَا وَاوَاتٌ، وَقِيلَ: أَصلها لُغَيٌ أَو لُغَوٌ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ، وَجَمْعُهَا لُغًى مِثْلَ بُرة وبُرًى، وَفِي الْمُحْكَمِ: الْجَمْعُ لُغات ولُغونَ. قَالَ ثَعْلَبٌ: قَالَ أَبو عَمْرٍو لأَبي خيرة يَا أَبا خيرةَ سمعتَ لُغاتِهم، فَقَالَ أَبو خَيْرَةَ: وَسَمِعْتُ لُغاتَهم، فَقَالَ أَبو عَمْرٍو: يَا أَبا خِيرَةَ أُريد أَكثَفَ مِنْكَ جِلداً جِلْدُك قَدْ رقَّ، وَلَمْ يَكُنْ أَبو عَمْرٍو سَمِعَهَا، وَمَنْ قَالَ لُغاتَهم، بِفَتْحِ التَّاءِ، شبَّهها بِالتَّاءِ الَّتِي يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ، وَالنِّسْبَةُ إِليها لُغَوِيّ وَلَا تَقُلْ لَغَوِيٌّ. قَالَ أَبو سعيد: إِذا أَردت أَن تَنْتَفِعَ بالإِعراب فاسْتَلْغِهم أَي اسْمَعْ مِنْ لُغاتِهم مِنْ غَيْرِ مسأَلة؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وإِني، إِذا اسْتَلْغانيَ القَوْمُ فِي السُّرَى،

بَرِمْتُ فأَلفَوْني بسِرِّك أَعْجَما

اسْتَلْغَوْني: أَرادوني عَلَى اللَّغْو. التَّهْذِيبُ: لَغا فُلَانٌ عَنِ الصَّوَابِ وَعَنِ الطَّرِيقِ إِذا مالَ عَنْهُ؛ قَالَهُ ابْنُ الأَعرابي، قَالَ: واللُّغَةُ أُخِذَت مِنْ هَذَا لأَن هَؤُلَاءِ تَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ مالُوا فِيهِ عَنْ لُغةِ هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ. واللَّغْو: النُّطق. يُقَالُ: هَذِهِ لُغَتهم الَّتِي يَلْغُون بِهَا أَي يَنْطِقُون. ولَغْوى الطيرِ: أَصواتُها. والطيرُ تَلْغَى بأَصْواتِها أَي تَنْغَم. واللَّغْوَى: لَغَط القَطا؛ قَالَ الرَّاعِي:

صُفْرُ المَحاجِرِ لَغْواها مُبَيَّنَةٌ،

فِي لُجَّةِ اللَّيْلِ، لَمَّا راعَها الفَزَعُ «1»

وأَنشد الأَزهري صَدْرَ هَذَا الْبَيْتِ:

قَوارِبُ الْمَاءِ لَغْواها مُبِينَةٌ

فإِما أَن يَكُونَ هُوَ أَو غَيْرَهُ. وَيُقَالُ: سَمِعْتُ لَغْو الطَّائِرِ ولَحْنه، وَقَدْ لَغا يَلْغُو؛ وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ صُعير:

باكَرْتُهم بِسِبَاءِ جَوْنٍ ذارِعٍ،

قَبْلَ الصَّباح، وقبْلَ لَغْو الطَّائِرِ

ولَغِيَ بِالشَّيْءِ يَلْغَى لَغاً: لهِجَ. ولَغِيَ بِالشَّرَابِ: أَكثر مِنْهُ، ولَغِيَ بِالْمَاءِ يَلغَى بِهِ لَغاً: أَكثر مِنْهُ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَرْوَى. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَحَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى الْوَاوِ لِوُجُودِ ل غ وو عدم ل غ ي. ولَغِيَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ يَلْغَى إِذا أُولِعَ بِهِ. وَيُقَالُ: إِنَّ فرَسَكَ لمُلاغِي الجَرْيِ إِذا كَانَ جَرْيُه غيرَ جَرْيٍ جِدٍّ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو:

جَدَّ فَما يَلْهُو وَلَا يُلاغِي

لفا: لَفا اللحمَ عَنِ الْعَظْمِ لَفْواً: قَشَرَهُ كَلَفَأَه. واللَّفَاةُ: الأَحْمَقُ، فَعَلةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَفَوْت اللحمَ، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، زَعَمُوا. وأَلْفَى الشيءَ: وَجَدَه. وتَلافاه: افْتَقَدَه وتَدارَكه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

يُخَبِّرُني أَني بِهِ ذُو قَرابةٍ،

وأَنْبَأْتُه أَنِّي بِهِ مُتَلافي

فَسَّرَهُ فَقَالَ: مَعْنَاهُ أَني لأُدْرِكُ بِهِ ثأْرِي. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا أُلفِيَنَّ أَحدَكم مُتَّكِئاً عَلَى أَرِيكَتِه

أَي لَا أَجد وأَلقَى. يُقَالُ: أَلفَيْتُ الشيءَ أُلفِيه إِلفَاء إِذا وَجَدْتُهُ وصادَفْته ولَقِيته. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها: مَا أَلْفَاه السَّحَرُ عِنْدِي إِلا نَائِمًا

أَيْ مَا أَتى عَلَيْهِ السَّحَرُ إِلا وَهُوَ نَائِمٌ، تَعْنِي بَعْدَ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالْفِعْلُ فِيهِ لِلسَّحَرِ. واللَّفَى: الشَّيْءُ المَطْرُوح كأَنه مِنْ أَلفَيْتُ أَو تَلافَيْت، وَالْجَمْعُ أَلْفَاء، وأَلفه يَاءٌ لأَنها لَامٌ. الجوهَرِي: اللَّفاء الخَسِيس من

(1). قوله [المحاجر] في التكملة: المناخر.

ص: 252

كُلِّ شَيْءٍ، وكلُّ شَيْءٍ يَسيرٍ حَقِيرٍ فَهُوَ لَفاءٌ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ:

وَمَا أَنا بالضَّعيف فَتَظْلِموني،

وَلَا حَظِّي اللَّفاء وَلَا الخَسِيسُ

وَيُقَالُ: رَضِيَ فلانٌ مِنَ الوَفاء باللَّفاء أَي مِنْ حَقِّهِ الْوَافِي بِالْقَلِيلِ. وَيُقَالُ: لَفَّاه حقَّه أَي بَخَسَه، وَذَكَرَهُ ابْنُ الأَثير فِي لفأَ، بِالْهَمْزِ، وَقَالَ: إِنه مُشْتَقٌّ مِنْ لفَأْت الْعَظْمَ إِذا أَخذت بعضَ لَحْمِهِ عنه.

لقا: اللَّقْوة: دَاءٌ يَكُونُ فِي الْوَجْهِ يَعْوَجُّ مِنْهُ الشِّدق، وَقَدْ لُقِيَ فَهُوَ مَلْقُوٌّ. ولَقَوْتُه أَنا: أَجْرَيْت عَلَيْهِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْمُهَلَّبِيُّ واللُّقاء، بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ، مِنْ قَوْلِكَ رَجُلٌ مَلْقُوٌّ إِذا أَصابته اللَّقْوة. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ: أَنه اكْتَوَى مِنَ اللَّقْوَة

، هُوَ مَرَضٌ يَعْرِضُ لِلْوَجْهِ فيُميلُه إِلى أَحد جَانِبَيْهِ. ابْنُ الأَعرابي: اللُّقَى الطُّيور، واللُّقَى الأَوْجاع، واللُّقَى السَّريعاتُ اللَّقَح مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ. واللَّقْوَةُ واللِّقْوة: المرأَة السَّريعةُ اللَّقاحِ وَالنَّاقَةُ السَّرِيعَةُ اللَّقَاحِ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ فِي فَتْحِ اللَّامِ:

حَمَلْتِ ثَلاثةً فَوَلَدتِ تِمّاً،

فأُمٌّ لَقْوةٌ وأَبٌ قَبِيسُ

وَكَذَلِكَ الفرسُ. وَنَاقَةٌ لِقْوَةٌ ولَقْوَةٌ: تَلْقَح لأَول قَرْعةٍ. قَالَ الأَزهري: واللَّقْوَة فِي المرأَة وَالنَّاقَةِ، بِفَتْحِ اللَّامِ، أَفصح مِنَ اللِّقْوَة، وَكَانَ شَمِرٌ وأَبو الْهَيْثَمِ يَقُولَانِ لِقْوَة فِيهِمَا. أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ سُرْعَةِ اتِّفَاقِ الأَخوين فِي التَّحَابِّ والمودَّة: قَالَ أَبو زَيْدٍ مِنْ أَمثالهم فِي هَذَا كَانَتْ لَقْوَةٌ صادَفَتْ قَبِيساً؛ قَالَ: اللَّقْوَةُ هِيَ السَّرِيعَةُ اللَّقَح والحَمْل، والقَبِيسُ هُوَ الفَحْل السَّرِيعُ الإِلقاح أَي لَا إبْطاء عِنْدَهُمَا فِي النِّتاج، يُضْرَبُ لِلرَّجُلَيْنِ يَكُونَانِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى رأْي وَمَذْهَبٍ، فَلَا يَلْبَثان أَن يَتَصَاحَبَا ويتَصافَيا عَلَى ذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي هَذَا الْمَثَلِ: لَقْوَةٌ بِالْفَتْحِ مَذْهَبُ أَبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، وَذَكَرَ أَبو عُبَيْدٍ فِي الأَمثال لِقْوَة، بِكَسْرِ اللَّامِ، وَكَذَا قَالَ اللَّيْثُ لِقْوَة، بِالْكَسْرِ. واللَّقْوَة واللِّقْوَة: العُقاب الخَفِيفة السَّريعةُ الاخْتِطاف. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: سُمِّيَتِ الْعِقَابُ لَقْوَة لسَعة أَشْداقها، وَجَمْعُهَا لِقاءٌ وأَلْقَاءٌ، كأَنَّ أَلْقَاءً عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ. ودَلْو لَقْوَةٌ: لَيِّنة لَا تَنْبَسِطُ سَرِيعًا لِلِينها؛ عَنِ الهَجَريّ؛ وأَنشد:

شَرُّ الدِّلاءِ اللَّقْوَةُ المُلازِمه،

والبَكَراتُ شَرُّهُنَّ الصائِمهْ

وَالصَّحِيحُ: الوَلْغَةُ المُلازِمَهْ. ولَقِيَ فُلَانٌ فُلَانًا لِقاءً ولِقاءةً، بِالْمَدِّ، ولُقِيّاً ولِقِيّاً، بِالتَّشْدِيدِ، ولُقْياناً ولِقْياناً ولِقْيانة وَاحِدَةً ولُقْيةً وَاحِدَةً ولُقًى، بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ، ولَقاةً؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ جِنِّي، وَاسْتَضْعَفَهَا ودَفَعها يَعْقُوبُ فَقَالَ: هِيَ مولَّدة لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْمَصَادِرُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَصْدَرًا، تَقُولُ لَقِيته لِقاءً ولِقاءَةً وتِلقاءً ولُقِيّاً ولِقِيّاً ولِقْياناً ولُقْياناً ولِقْيانَةً ولَقْيةً ولَقْياً ولُقًى ولَقًى، فِيمَا حَكَاهُ ابن الأَعرابي، ولَقاةً؛ قال: وَشَاهِدُ لُقًى قَوْلُ قِيسِ بْنِ المُلَوّح:

فإِن كَانَ مَقْدُوراً لُقاها لَقِيتُها،

وَلَمْ أَخْشَ فِيهَا الكاشِحِينَ الأَعادِيا

وَقَالَ آخَرُ:

فإِنَّ لُقَاها فِي المَنامِ وَغَيْرِهِ،

وإِنْ لَمْ تَجُدْ بالبَذْل عِنْدِي، لرابِحُ

وَقَالَ آخَرُ:

فلوْلا اتِّقاءُ اللَّهِ، مَا قلتُ مَرْحَباً

لأَوَّلِ شيباتٍ طَلَعْنَ، وَلَا سَهْلا

ص: 253

وَقَدْ زَعَمُوا حُلْماً لُقاك، فَلَمْ يَزِدْ،

بِحَمْدِ الَّذِي أَعْطاك، حِلْماً وَلَا عَقْلا

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ولَقَاه طَائِيَّةٌ؛ أَنشد اللِّحْيَانِيُّ:

لمْ تَلْقَ خَيْلٌ قبْلَها مَا قَدْ لَقَتْ

مِنْ غِبِّ هاجِرةٍ، وسَيْرٍ مُسْأَدِ

اللَّيْثُ: ولَقِيه لَقْيَةً وَاحِدَةً ولَقاةً وَاحِدَةً، وَهِيَ أَقبحها عَلَى جَوَازِهَا، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: ولِقيانةً واحدة ولَقْيةً واحدة، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَلَا يُقَالُ لَقاة فإِنها مُوَلَّدَةٌ لَيْسَتْ بِفَصِيحَةٍ عَرَبِيَّةٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما لَا يُقَالُ لَقاة لأَن الفَعْلة لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ إِنما تَكُونُ سَاكِنَةَ الْعَيْنِ ولَقاةٌ مُحَرَّكَةُ الْعَيْنِ. وَحَكَى ابْنُ دَرَسْتَوَيْهِ: لَقًى ولَقَاة مِثْلَ قَذًى وقَذاةٍ، مَصْدَرُ قَذِيت تَقْذَى. واللِّقَاء: نَقِيضُ الحِجاب؛ ابْنُ سِيدَهْ: وَالِاسْمُ التِّلقَاء؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ عَلَى الْفِعْلِ، إِذ لَوْ كَانَ عَلَى الْفِعْلِ لَفُتِحَتِ التَّاءُ؛ وَقَالَ كُرَاعٌ: هُوَ مَصْدَرٌ نَادِرٌ وَلَا نَظِيرَ لَهُ إِلا التِّبْيان. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والتِّلْقَاء أَيضاً مَصْدَرٌ مِثْلُ اللِّقَاء؛ وَقَالَ الرَّاعِي:

أَمَّلْتُ خَيْرَكَ هَلْ تَأْتي مَواعِدُه،

فالْيَوْمَ قَصَّرَ عَنْ تِلْقائِه الأَمَلُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَمَّلت خيركِ، بِكَسْرِ الْكَافِ، لأَنه يُخَاطِبُ مَحْبُوبَتَهُ، قَالَ: وَكَذَا فِي شِعْرِهِ وَفِيهِ عَنْ تِلْقائِك بِكَافِ الْخِطَابِ؛ وَقَبْلَهُ:

وَمَا صَرَمْتُك حَتَّى قُلْتِ مُعْلِنةً:

لَا ناقةٌ لِي فِي هَذَا، وَلَا جَملُ

وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ أَحبَّ لِقاء اللهِ أَحبَّ اللهُ لِقَاءَهُ ومَن كَرِه لِقَاءَ اللهِ كرهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ والموتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهُ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الْمُرَادُ بِلِقَاءِ اللَّهِ المصيرُ إِلى الدَّارِ الْآخِرَةِ وطلبُ مَا عِنْدَ اللَّهِ، وَلَيْسَ الْغَرَضُ بِهِ الْمَوْتَ لأَن كُلًّا يَكْرَهُهُ، فَمَنْ تَرك الدُّنْيَا وأَبغضها أَحبَّ لِقاء اللهِ، ومَن آثَرَها ورَكِنَ إِليها كَرِهَ لِقاء اللَّهِ لأَنه إِنما يَصِلُ إِليه بِالْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ:

والموتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ

، يُبَيِّنُ أَن الموتَ غيرُ اللِّقَاءِ، وَلَكِنَّهُ مُعْتَرِضٌ دُونَ الغَرَض الْمَطْلُوبِ، فَيَجِبُ أَن يَصْبر عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلَ مشاقَّه حَتَّى يَصِلَ إِلى الفَوْز باللِّقاء. ابْنُ سِيدَهْ: وتَلَقَّاه والتَقاه والتَقَيْنا وتَلاقَيْنا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ

؛ وإِنما سُمِّيَ يومَ التَّلاقِي لتَلاقي أَهل الأَرضِ وأَهل السَّمَاءِ فِيهِ. والتَقَوْا وتَلاقَوْا بِمَعْنًى. وَجَلَسَ تِلْقَاءه أَي حِذاءه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:

أَلا حَبَّذا مِنْ حُبِّ عَفْراء مُلْتَقَى،

نَعَمْ، وأَلا لَا حيثُ يَلْتَقِيانِ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: أَراد مُلْتَقَى شَفَتَيْهَا لأَن التِقاء نَعمْ وَلَا إِنما يَكُونُ هُنَالِكَ، وَقِيلَ: أَراد حَبَّذا هِيَ مُتكلِّمةً وَسَاكِتَةً، يُرِيدُ بمُلْتَقَى نَعَمْ شَفَتَيْهَا، وبأَلا لَا تَكلُّمَها، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَجَاوِرَانِ. واللَّقِيَانِ «2»: المُلتَقِيانِ. وَرَجُلٌ لَقِيٌّ ومَلْقِيٌّ ومُلَقًّى ولَقَّاء يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهُوَ فِي الشَّرِّ أَكثر. اللَّيْثُ: رَجُلٌ شَقِيٌّ لَقِيٌّ لَا يَزَالُ يَلْقى شَرّاً، وَهُوَ إِتباع لَهُ. وَتَقُولُ: لاقَيْتُ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ. ولاقَيْتُ بَيْنَ طَرَفَيْ قَضِيبٍ أَي حَنَيْته حَتَّى تَلَاقَيَا والتَقَيَا. وكلُّ شيءٍ اسْتَقْبَلَ شَيْئًا أَو صَادَفَهُ فَقَدْ لقِيَه مِنَ الأَشياء كُلِّهَا. واللَّقِيَّان: كُلُّ شَيْئَيْنِ يَلْقى أَحدهما صَاحِبَهُ فَهُمَا لَقِيَّانِ. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها: أَنها قَالَتْ إِذا الْتَقَى الخِتانان فَقَدْ وجَب الغُسْلُ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي حَاذَى أَحدهما الْآخَرَ وسَواء تَلامَسا أَو لَمْ يتَلامَسا، يُقَالُ: الْتَقَى الْفَارِسَانِ إِذا

(2). قوله [اللَّقِيان] كذا في الأصل والمحكم بتخفيف الياء، والذي في القاموس وتكملة الصاغاني بشدها وهو الأشبه

ص: 254

تَحاذَيا وتَقابلا، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا إِذا لَفَّ عَلَى عُضوه خِرْقَةً ثُمَّ جامَع فإِن الْغُسْلَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَلْمَسِ الخِتانُ الخِتانَ. وَفِي حَدِيثِ

النَّخَعِيِّ: إِذا الْتَقَى الماءَانِ فَقَدْ تَمَّ الطُّهورُ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُرِيدُ إِذا طَهَّرْتَ العُضْوَين مِنْ أَعْضائك فِي الوضُوءِ فَاجْتَمَعَ الماءَانِ فِي الطُّهور لَهُمَا فَقَدْ تَمَّ طُهُورهُما لِلصَّلَاةِ وَلَا يُبالي أَيُّهما قدَّم، قل: وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يُوجِبُ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ أَو يُرِيدُ بِالْعُضْوَيْنِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي تَقْدِيمِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَو الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى، وَهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ أَحد. والأُلْقِيَّةُ: وَاحِدٌ مِنْ قَوْلِكَ لَقِيَ فلانٌ الأَلاقيَّ مِنْ شَرٍّ وعُسْر. وَرَجُلٌ مُلَقًّى: لَا يزالُ يَلْقَاهُ مَكْرُوهٌ. ولَقِيتُ مِنْهُ الأَلاقِيَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، أَي الشَّدائد، كَذَلِكَ حَكَاهُ بِالتَّخْفِيفِ. والمَلاقِي: أَشْراف نَواحي أَعْلى الْجَبَلِ لَا يَزَالُ يَمْثُل عَلَيْهَا الْوَعْلُ يَعْتَصِمُ بِهَا مِنَ الصَّيَّادِ؛ وأَنشد:

إِذا سامَتْ عَلَى المَلْقاةِ سَامَا

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الرُّوَاةُ رَوَوْا:

إِذا سَامَتْ عَلَى المَلَقاتِ سَامَا

وَاحِدَتُهَا مَلَقةٌ، وَهِيَ الصَّفاة المَلْساء، وَالْمِيمُ فِيهَا أَصلية، كَذَا رَوَى عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ، وَالَّذِي رَوَاهُ اللَّيْثُ، إِن صَحَّ، فَهُوَ مُلْتَقى مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. والمَلاقِي أَيضاً: شُعَبُ رأْس الرَّحِم وشُعَبٌ دونَ ذَلِكَ، وَاحِدُهَا مَلْقًى ومَلْقَاةٌ، وَقِيلَ: هِيَ أَدنى الرَّحِمِ مِنْ مَوْضِعِ الْوَلَدِ، وَقِيلَ: هِيَ الإِسَكُ؛ قَالَ الأَعشى يَذْكُرُ أُم عَلْقمةَ:

وكُنَّ قَدْ أَبْقَيْنَ مِنْهُ أَذًى،

عِنْدَ المَلاقِي، وافيَ الشَّافِرِ

الأَصمعي: المُتَلاحِمةُ الضيِّقة المَلاقِي، وَهُوَ مَأْزِمُ الفَرْجِ ومَضايِقُه. وتلقَّت المرأَة، وَهِيَ مُتَلَقٍّ: عَلِقَتْ، وَقَلَّ مَا أَتى هَذَا الْبِنَاءُ لِلْمُؤَنَّثِ بِغَيْرِ هَاءٍ. الأَصمعي: تَلَقَّتِ الرحمُ مَاءَ الْفَحْلِ إِذا قَبِلَتْه وأَرتَجَتْ عَلَيْهِ. والمَلاقِي مِنَ النَّاقَةِ: لَحْمُ بَاطِنِ حيَائها، وَمِنَ الْفَرَسِ لَحْمُ بَاطِنِ ظَبْيَتها. وأَلْقَى الشَّيْءَ: طَرَحَه. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوي بِهَا فِي النَّارِ

أَي مَا يُحْضِرُ قلبَه لِمَا يَقولُه مِنْهَا، والبالُ: القَلبُ. وَفِي حَدِيثِ

الأَحنف: أَنه نُعِيَ إِليه رَجلٌ فَمَا أَلْقَى لِذَلِكَ بَالًا

أَي مَا اسْتَمع لَهُ وَلَا اكْتَرَثَ بِهِ؛ وَقَوْلُهُ:

يَمْتَسِكُونَ، مِن حِذارِ الإِلْقَاءِ،

بتَلِعاتٍ كَجُذُوعِ الصِّيصاء

إِنما أَراد أَنهم يَمْتسكون بخَيْزُران السَّفينة خَشْيَةَ أَن تُلقِيَهم فِي الْبَحْرِ، ولَقَّاه الشيءَ وأَلْقَاه إِليه وَبِهِ. فَسَّرَ الزَّجَّاجُ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ

؛ أَي يُلْقى إِليك وحْياً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. واللَّقَى: الشَّيْءُ المُلْقى، وَالْجَمْعُ أَلْقَاء؛ قَالَ الْحَرِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:

فتَأَوَّتْ لَهُمْ قَراضِبةٌ مِن

كلِّ حَيٍّ، كأَنهم أَلْقَاءُ

وَفِي حَدِيثِ

أَبي ذَرٍّ: مَا لِي أَراك لَقًى بَقًى؟

هَكَذَا جاءَا مُخَفَّفَيْنِ فِي رِوَايَةٍ بِوَزْنِ عَصاً. واللَّقَى: المُلْقى عَلَى الأَرض، والبَقى إِتباع لَهُ. وَفِي حَدِيثِ

حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: وأُخِذَتْ ثِيابُها فجُعِلتْ لَقًى

أَي مُرْماةً مُلْقاةً. قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ أَصل اللَّقَى أَنهم كَانُوا إِذا طافُوا خَلَعُوا ثيابَهم وَقَالُوا لَا نَطُوف فِي ثِيَابٍ عَصَيْنا اللهَ فِيهَا، فيُلقُونها عَنْهُمْ ويُسمّون ذَلِكَ الثَّوْبَ لَقًى، فإِذا قَضَوْا نُسُكَهم لَمْ يأْخُذوها وَتَرَكُوهَا بِحَالِهَا مُلْقاةً. أَبو

ص: 255

الْهَيْثَمِ: اللَّقَى ثوبُ المُحْرِمِ يُلْقِيه إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَجَمْعُهُ أَلْقَاء. واللَّقَى: كُلُّ شَيْءٍ مَطْرُوحٍ مَتْرُوكٍ كاللُّقَطة. والأُلْقِيَّةُ: مَا أُلقِيَ. وَقَدْ تَلاقَوْا بِهَا: كتَحاجَوْا؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. أَبو زَيْدٍ: أَلْقَيت عَلَيْهِ أُلْقِيَّةً كَقَوْلِكَ أَلْقَيْت عَلَيْهِ أُحْجِيَّةً، كُلُّ ذَلِكَ يُقَالُ؛ قَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ كَلِمَةُ مُعاياةٍ يُلقِيها عَلَيْهِ لِيَسْتَخْرِجَهَا. وَيُقَالُ: هُمْ يَتَلاقَوْن بأُلْقِيَّةٍ لَهُمْ. ولَقاةُ الطَّرِيقِ: وسَطُه؛ عَنْ كُرَاعٍ.

وَنَهَى النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، عن تَلَقِّي الرُّكْبان

؛ وَرَوَى

أَبو هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لَا تَتَلقَّوُا الرُّكْبانَ أَو الأَجْلابَ فَمَن تَلقَّاه فاشتَرى مِنْهُ شَيْئًا فصاحِبُه بالخِيار إِذَا أَتى السُّوقَ

؛ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا آخُذُ إِنْ كَانَ ثَابِتًا، قَالَ: وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَن الْبَيْعَ جائِز غيرَ أَن لِصَاحِبِهَا الْخِيَارَ بَعْدَ قُدوم السُّوقِ، لأَنَّ شراءَها مِنَ البَدوِيّ قَبْلَ أَن يَصِيرَ إِلَى مَوْضِعِ المُتساومَيْنِ مِنَ الْغُرُورِ بِوَجْهِ النَّقْصِ مِنَ الثَّمَنِ فَلَهُ الْخِيَارُ؛ وتَلَقِّي الرُّكبان: هُوَ أَن يَسْتَقْبِلَ الحضَريُّ البدويَّ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى الْبَلَدِ وَيُخْبِرَهُ بكَسادِ مَا مَعَهُ كَذِباً لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلْعَته بالوَكْس وأَقلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَذَلِكَ تَغْرير مُحرَّم وَلَكِنَّ الشِّرَاءَ مُنْعَقِدٌ، ثُمَّ إِذَا كَذَبَ وَظَهَرَ الغَبْنُ ثَبَتَ الخِيار لِلْبَائِعِ، وَإِنْ صدَق فَفِيهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ خِلَافٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

دخَل أَبو قارظٍ مكةَ فَقَالَتْ قُريش حَلِيفُنا وعَضُدُنا ومُلْتَقَى أَكُفِّنا

أَي أَيدينا تَلتَقي مَعَ يَدِهِ وَتَجْتَمِعُ، وأَراد بِهِ الحِلْفَ الَّذِي كَانَ بيْنه وَبَيْنَهُمْ. قَالَ الأَزهري: والتَّلَقِّي هُوَ الِاسْتِقْبَالُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: يُرِيدُ مَا يُلَقَّى دفعَ السَّيِّئَةِ بالحَسَنة إِلَّا مَنْ هُوَ صَابِرٌ أَو ذُو حظٍّ عَظِيمٍ، فأَنثها لتأْنيث إِرَادَةِ الْكَلِمَةِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ وَما يُلَقَّاها*

أَيْ مَا يُعَلَّمها ويُوَفَّقُ لَهَا إِلَّا الصَّابِرُ. وتَلَقَّاه أَي اسْتَقْبَلَهُ. وَفُلَانٌ يَتَلَقَّى فُلَانًا أَي يَسْتَقْبِله. وَالرَّجُلُ يُلَقَّى الْكَلَامَ أَي يُلَقَّنه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ

؛ أَي يأْخذ بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ. وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ

؛ فَمَعْنَاهُ أَنه أَخذها عَنْهُ، وَمِثْلُهُ لَقِنَها وتَلَقَّنَها، وَقِيلَ: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ

، أَي تَعلَّمها وَدَعَا بِهَا. وَفِي حَدِيثِ أَشراط السَّاعَةِ:

ويُلْقَى الشُّحُ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ لَمْ يَضْبِط الرواةُ هَذَا الْحَرْفَ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ يُلَقَّى بِمَعْنَى يُتَلَقَّى ويُتَعَلَّم ويُتَواصى بِهِ ويُدعى إِلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ

؛ أَي مَا يُعَلَّمُها ويُنَبَّه عَلَيْهَا، وَلَوْ قِيلَ يُلْقَى، مُخَفَّفَةَ الْقَافِ، لَكَانَ أَبعد، لأَنه لَوْ أُلقِيَ لَتُرِكَ وَلَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَكَانَ يَكُونُ مَدْحًا، وَالْحَدِيثُ مَبْنِيٌّ عَلَى الذَّمِّ، وَلَوْ قِيلَ يُلْفى، بِالْفَاءِ، بِمَعْنَى يُوجَدُ لَمْ يَستَقِم لأَن الشُّحَّ مَا زَالَ مَوْجُودًا. اللَّيْثُ: الاسْتِلْقَاءُ عَلَى الْقَفَا، وكلُّ شَيْءٍ كَانَ فِيهِ كالانْبِطاح فَفِيهِ اسْتِلْقَاء، واسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ جَرِيرٍ:

لَقًى حَمَلَتْه أُمُّه وَهِيَ ضَيْفةٌ

جعله الْبَعِيثَ لَقًى لَا يُدْرى لِمَنْ هُوَ وابْنُ مَن هُوَ، قَالَ الأَزهري: كأَنه أَراد أَنه مَنْبُوذٌ لَا يُدرى ابْنُ مَن هُوَ. الْجَوْهَرِيُّ: واللَّقَى، بِالْفَتْحِ، الشَّيْءُ المُلْقى لهَوانه، وَجَمْعُهُ أَلْقَاء؛ قَالَ:

فلَيْتَكَ حالَ البحرُ دُونَكَ كلُّه،

وَكُنْتَ لَقًى تَجْري عليْكَ السَّوائِلُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ جِنِّي قَدْ يُجْمَعُ الْمَصْدَرُ جَمْعَ اسْمِ

ص: 256

الْفَاعِلِ لِمُشَابَهَتِهِ لَهُ، وأَنشد هَذَا الْبَيْتَ، وَقَالَ: السَّوائلُ جَمْعُ سَيْل فجَمَعه جَمع سَائِلٍ؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ:

فإِنَّكَ، يَا عامِ ابنَ فارِسِ قُرْزُلٍ،

مُعِيدٌ عَلَى قِيلِ الخَنا والهَواجِرِ

فالهَواجِرُ جَمْعُ هُجْر؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ:

مَن يفْعَلِ الخَيْرَ لَا يَعْدَمْ جَوازِيَهُ

فِيمَنْ جَعَلَهُ جَمْعَ جزاء؛ قال: قَالَ ابْنُ أَحمر فِي اللَّقَى أَيضاً:

تَرْوي لَقًى أَلْقِيَ فِي صَفْصَفٍ،

تَصْهَرُه الشَّمْسُ فَمَا يَنْصَهِر

وأَلْقَيْتُه أَي طَرحته. تَقُولُ: أُلقِه مِن يدِك وأَلقِ بِهِ مِنْ يَدِكَ، وأَلقَيْتُ إِلَيْهِ الْمَوَدَّةَ وبالمودّةِ.

لكي: لَكِيَ بِهِ لَكًى، مَقْصُورٌ، فَهُوَ لَكٍ بِهِ إِذَا لَزِمَهُ وأُولِعَ بِهِ. ولَكِيَ بِالْمَكَانِ: أَقام؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

أَوْهى أَدِيماً حَلِماً لَمْ يُدْبَغِ،

والمِلْغُ يَلْكَى بِالْكَلَامِ الأَمْلَغِ

ولَكِيتُ بِفُلَانٍ: لازَمْته.

لما: لمَا لَمْواً: أَخذ الشيءَ بأَجمعه. وأَلْمَى عَلَى الشَّيْءِ: ذهَب بِهِ؛ قَالَ:

سامَرَني أَصْواتُ صَنْجٍ مُلْمِيَهْ،

وصَوْتُ صَحْنَيْ قَيْنةٍ مُغَنِّيَهْ

واللُّمَةُ: الجَماعة مِنَ النَّاسِ. وَرُوِيَ عَنْ

فَاطِمَةَ البَتُول، عليها السلام والرَّحْمةُ، أَنها خَرَجَتْ فِي لُمةٍ مِنْ نِسَائِهَا تَتَوَطَّأُ ذيْلَها حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رضي الله عنه، فعاتَبَتْه

، أَي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ نِسَائِهَا؛ وَقِيلَ اللُّمَةُ مِنَ الرِّجَالِ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ. الْجَوْهَرِيُّ: واللُّمَة الأَصْحاب بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ. واللُّمَة: الأُسْوة. وَيُقَالُ: لَكَ فِيهِ لُمَةٌ أَي أُسْوة. واللُّمَةُ: الْمَثَلُ يَكُونُ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، يُقَالُ: تَزَوَّجَ فُلَانٌ لُمَتَه مِنَ النِّسَاءِ أَي مِثْلَهُ. ولُمَةُ الرجلِ: تِرْبُه وشَكْلُه، يُقَالُ: هُوَ لُمَتِي أَي مِثلِي. قَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ: مَا هَمَمْت بأَمة وَلَا نادَمت إِلَّا لُمَة. وَرُوِيَ

أَن رَجُلًا تَزَوَّجَ جَارِيَةً شابَة زَمَنَ عُمَرَ، رضي الله عنه، فَفَرِكَتْه فقَتَلَتْه، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ قَالَ: يَا أَيها النَّاسُ ليَتَزَوَّجْ كلُّ رجلٍ مِنْكُمْ لُمَتَه مِنَ النِّسَاءِ، ولْتَنْكِحِ المرأَةُ لُمَتَها مِنَ الرِّجَالِ

أَي شكلَه وتِرْبَه؛ أَراد لِيَتَزَوَّجْ كُلُّ رَجُلٍ امرأَة عَلَى قَدْرِ سِنِّهِ وَلَا يتزوَّجْ حَدَثةً يشقُّ عَلَيْهَا تَزَوُّجُهُ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

قَضاءُ اللهِ يَغْلِبُ كلَّ حيٍّ،

ويَنْزِلُ بالجَزُوعِ وبالصَّبُورِ

فإنْ نَغْبُرْ، فإنَّ لَنا لُمَاتٍ،

وإنْ نَغْبُرْ، فنحنُ عَلَى نُذورِ

يَقُولُ: إنْ نَغْبُر أَي نَمْض ونَمُتْ، وَلَنَا لُماتٍ أَي أَشْباهاً وأَمثالًا، وَإِنْ نَغْبُر أَي نَبْق فَنَحْنُ عَلَى نُذور، نُذورٌ جَمْعُ نَذْر، أَي كأَنا قَدْ نَذَرْنا أَن نَمُوتَ لَا بدَّ لَنَا مِنْ ذَلِكَ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

فَدَعْ ذِكْرَ اللُّمَاتِ فَقَدْ تَفانَوْا،

ونَفْسَكَ فابْكِها قبلَ المَماتِ

وَخَصَّ أَبو عُبَيْدٍ باللُّمَة المرأَة فَقَالَ: تَزَوَّجَ فُلَانٌ لُمَته مِنَ النساءِ أَي مِثْلَهُ. واللُّمَةُ: الشَّكْلُ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: لَا تُسافِرَنَّ حَتَّى تُصيب لُمَةً أَي شَكلًا. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا تُسافروا حَتَّى تُصيبوا لُمَةً

أَي رُفْقَةً. واللُّمَةُ: المِثل فِي السنِّ والتِّرْب. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْهَمْزَةِ الذَّاهِبَةِ مِنْ وَسَطِهِ، قَالَ: وَهُوَ مِمَّا أُخذت عينُه كسَهٍ ومُذْ، وأَصلها فُعْلةٌ مِنَ

ص: 257

المُلاءمة وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رضي الله عنه: أَلا وإنَّ مُعاويةَ قادَ لُمَةً من الغُواةِ

أَي جَمَاعَةً. واللُّماتُ: المُتَوافِقُون مِنَ الرِّجَالِ. يُقَالُ: أَنتَ لِي لُمَةٌ وأَنا لَكَ لُمَةٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: اللُّمَى الأَتْراب. قَالَ الأَزهري: جُعِلَ النَّاقِصُ مِنَ اللُّمَة وَاوًا أَو يَاءً فَجَمَعَهَا عَلَى اللُّمَى، قَالَ: واللُّمْيُ، عَلَى فُعْلٍ جَمَاعَةٌ لَمْياء، مِثْلُ العُمْي جَمْعُ عَمْياء: الشِّفاهُ السُّودُ. واللَّمَى، مَقْصُورٌ: سُمْرة الشفَتين واللِّثاتِ يُسْتحسن، وَقِيلَ: شَرْبة سَوادٍ، وَقَدْ لَمِيَ لَمًى. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: يَلْمِي لُمِيّاً إِذا اسودَّت شَفَتُهُ. واللُّمَى، بِالضَّمِّ: لُغَةٌ فِي اللَّمَى؛ عَنِ الْهَجَرِيِّ، وَزَعَمَ أَنها لُغَةُ أَهل الْحِجَازِ، وَرَجُلٌ أَلْمَى وامرأَة لَمْيَاء وشَفَةٌ لَمْيَاء بَيِّنَةُ اللَّمَى، وَقِيلَ: اللَّمْيَاء مِنَ الشِّفاهِ اللطِيفةُ القليلةُ الدَّمِ، وَكَذَلِكَ اللِّثةُ اللَّمْياء الْقَلِيلَةُ اللَّحْمِ. قَالَ أَبو نَصْرٍ: سأَلت الأَصمعي عَنِ اللَّمَى مَرَّةً فَقَالَ هِيَ سُمرة فِي الشَّفَةِ، ثُمَّ سأَلته ثَانِيَةً فَقَالَ هُوَ سَواد يَكُونُ فِي الشَّفَتَيْنِ؛ وأَنشد:

يَضْحَكْنَ عَنْ مَثْلُوجةِ الأَثْلاجْ،

فِيهَا لَمًى مِن لُعْسةِ الأَدْعاجْ

قَالَ أَبو الْجَرَّاحِ: إِنَّ فُلَانَةً لَتُلَمِّي شَفَتَيْهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الأَلْمَى الْبَارِدُ الرِّيق، وَجَعَلَ ابْنُ الأَعرابي اللَّمَى سَوَادًا. والْتُمِيَ لونُه: مِثْلُ التُمِعَ، قَالَ: وَرُبَّمَا هُمِز. وظِلٌّ أَلْمَى: كثيفٌ أَسودُ؛ قَالَ طَرفة:

وتَبْسِمُ عَنْ أَلْمَى، كأَنَّ مُنَوِّراً

تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٌ لَهُ نَدِي

أَراد تَبْسِم عَنْ ثَغْرٍ أَلْمَى اللِّثات، فَاكْتَفَى بِالنَّعْتِ عَنِ الْمَنْعُوتِ. وَشَجَرَةٌ لَمْيَاء الظِّلِّ: سَوْدَاءُ كَثِيفَةُ الْوَرَقِ؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:

إِلى شَجَرٍ أَلْمَى الظِّلالِ، كأَنه

رَواهبُ أَحْرَمْنَ الشرابَ، عُذُوبُ

قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: اخْتَارَ الرَّوَاهِبَ فِي التَّشْبِيهِ لِسَوَادِ ثِيَابِهِنَّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ كأَنها رَواهِبُ لأَنه يَصِفُ رِكاباً؛ وَقَبْلَهُ.

ظَلَلْنا إِلى كَهْفٍ، وظَلَّتْ رِكابُنا

إِلى مُسْتَكِفّاتٍ لهُنَّ غُرُوبُ

وَقَوْلُهُ: أَحْرَمْن الشَّرابَ جَعلْنه حَراماً، وعُذُوب: جَمْعُ عاذِب وَهُوَ الرَّافِعُ رأْسه إِلى السَّمَاءِ. وَشَجَرٌ أَلْمَى الظِّلال: مِنَ الخُضرة. وَفِي الْحَدِيثِ:

ظِلٌّ أَلْمَى

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الشَّدِيدُ الخُضرة الْمَائِلُ إِلى السَّوَادِ تَشْبِيهًا باللَّمَى الَّذِي يُعمل فِي الشَّفَةِ واللِّثة مِنْ خُضرة أَو زُرْقة أَو سَوَادٍ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ المكرَّم: قَوْلُهُ تَشْبِيهًا بِاللَّمَى الَّذِي يُعمل فِي الشَّفَةِ واللِّثة يَدُلُّ عَلَى أَنه عِنْدَهُ مَصْنُوعٌ وإِنما هُوَ خِلْقَةٌ انتهى. وظِلٌّ أَلْمَى: بَارِدٌ. ورُمْح أَلْمَى: شَدِيدُ سُمْرة اللِّيط صُلْب، ولَمَاهُ شِدَّةُ لِيطِه وصَلابَته. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: اللُّمَةُ فِي المِحْراث مَا يَجرُّ بِهِ الثَّوْرُ يُثير بِهِ الأَرض، وَهِيَ اللُّومةُ والنَّوْرَجُ. وَمَا يَلْمُو فَمُ فُلَانٍ بِكَلِمَةٍ؛ مَعْنَاهُ أَنه لَا يَسْتَعْظِمُ شَيْئًا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ قَبِيحٍ، وَمَا يَلْمَأْ فمُهُ بِكَلِمَةٍ: مَذْكُورٌ في لمأَ بالهمز.

لنا: ابْنُ بَرِّيٍّ: اللُّنَةُ جُمادى الْآخِرَةِ؛ قَالَ:

مِنْ لُنَةٍ حَتَّى تُوافيها لُنَهْ

لها: اللَّهْو: مَا لَهَوْت بِهِ ولَعِبْتَ بِهِ وشغَلَك مِنْ هَوًى وطَربٍ وَنَحْوِهُمَا. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ اللَّهْوِ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ أَي لَيْسَ مِنْهُ مُبَاحٌ إِلَّا هَذِهِ،

ص: 258

لأَنَّ كلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا إِذا تأَملتها وَجَدْتَهَا مُعِينة عَلَى حَق أَو ذَرِيعة إِليه.

واللَّهْوُ: اللَّعِب. يُقَالُ: لهَوْتُ بِالشَّيْءِ أَلهُو بِهِ لَهْواً وتَلَهَّيْتُ بِهِ إِذا لَعِبتَ بِهِ وتَشاغَلْت وغَفَلْتَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ. ولَهِيتُ عَنِ الشَّيْءِ، بِالْكَسْرِ، أَلْهَى، بِالْفَتْحِ، لُهِيّاً ولِهْيَاناً إِذا سَلَوْتَ عَنْهُ وتَرَكْتَ ذِكْرَهُ وإِذا غَفَلْتَ عَنْهُ وَاشْتَغَلْتَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً

؛ قِيلَ: اللَّهْوُ الطَّبْل، وَقِيلَ: اللَّهْوُ كلُّ مَا تُلُهِّيَ بِهِ، لَهَا يَلْهُو لَهْواً والْتَهَى وأَلْهَاه ذَلِكَ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جؤيَّة:

فَأَلْهَاهُمُ باثْنَيْنِ منْهمْ كِلاهُما

بِهِ قارتٌ، مِنَ النَّجِيعِ، دَمِيمُ

والمَلاهِي: آلاتُ اللَّهْو، وَقَدْ تَلاهَى بِذَلِكَ. والأُلْهُوَّةُ والأُلْهِيَّةُ والتَّلْهِيَة: مَا تَلاهَى بِهِ. وَيُقَالُ: بَيْنَهُمْ أُلْهِيَّةٌ كَمَا يُقَالُ أُحْجِيَّةٌ، وَتَقْدِيرُهَا أُفْعُولةٌ. والتَّلْهِيَةُ: حَدِيثٌ يُتَلَهَّى بِهِ؛ قَالَ الشاعر:

بِتَلهِيَةٍ أَرِيشُ بِهَا سِهامي،

تَبُذُّ المُرْشِياتِ مِنَ القَطِينِ

ولَهَتِ المرأَةُ إِلى حَدِيثِ المرأَة تَلْهُو لُهُوًّا ولَهْواً: أَنِسَت بِهِ وأَعْجَبها؛ قَالَ «3» :

كَبِرتُ، وأَن لَا يُحْسِنَ اللَّهْوَ أَمثالي

وَقَدْ يُكَنَّى باللَّهْوِ عَنِ الْجِمَاعِ. وَفِي سَجْع لِلْعَرَبِ: إِذا طلَع الدَّلْوُ أَنْسَلَ العِفْوُ وطلَب اللَّهْوَ الخِلْوُ أَي طلَب الخِلْوُ التزويجَ. واللَّهْوُ: النِّكَاحُ، وَيُقَالُ المرأَة. ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ

؛ أَي مُتشاغِلةً عَمَّا يُدْعَوْن إِليه، وَهَذَا مِنْ لَها عَنِ الشَّيْءِ إِذا تَشاغل بِغَيْرِهِ يَلْهَى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى

أَي تَتَشَاغَلُ.

وَالنَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، لَا يَلْهُو لأَنه، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَا أَنا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي.

والْتَهَى بامرأَة، فَهِيَ لَهْوَته. واللَّهْوُ واللَّهْوَةُ: المرأَة المَلْهُوّ بِهَا وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا

؛ أَي امرأَةً، وَيُقَالُ: وَلَدًا، تَعَالَى اللَّهُ عز وجل؛ وَقَالَ الْعَجَّاجُ:

ولَهْوَةُ اللَّاهِي وَلَوْ تَنَطَّسا

أَي وَلَوْ تعمَّقَ فِي طلَب الحُسْن وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَهل التَّفْسِيرِ: اللَّهْوُ فِي لُغَةِ أَهل حَضْرَمَوْتَ الْوَلَدُ، وَقِيلَ: اللَّهْوُ المرأَة، قَالَ: وتأْويله فِي اللُّغَةِ أَن الْوَلَدَ لَهْوُ الدُّنْيَا أَي لَوْ أَردنا أَن نَتَّخِذَ وَلَدًا ذَا لَهْوٍ نَلهَى بِهِ، وَمَعْنَى لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا أَي لاصْطفَيْناه مِمَّا نخلُق. ولَهِيَ بِهِ: أَحبَّه، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ الأَول لأَن حُبَّكَ الشَّيْءَ ضَرْب مِنَ اللَّهْوِ بِهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ

؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَن لَهْوَ الحديث هنا الغِناء لأَنه يُلْهى بِهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهُ عز وجل، وكلُّ لَعِب لَهْوٌ؛ وَقَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَما وَاللَّهِ لَعَلَّهُ أَن لَا يَكُونَ أَنفق مَالًا، وبحَسْب المَرء مِنَ الضَّلَالَةِ أَن يَخْتَارَ حَدِيثَ الْبَاطِلِ عَلَى حَدِيثِ الْحَقِّ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: أَنه حَرَّم بيعَ المُغنِّية وشِراءها

، وَقِيلَ: إِن لَهْوَ الْحَدِيثِ هُنَا الشِّرْكُ، وَاللَّهُ أَعلم. ولَهِيَ عَنْهُ وَمِنْهُ ولَها لُهِيّاً ولِهْيَاناً وتَلَهَّى عَنِ الشَّيْءِ، كلُّه: غَفَل عَنْهُ ونَسِيَهُ وَتَرَكَ ذِكْرَهُ وأَضرب عَنْهُ. وأَلْهَاهُ أَي شَغَلَه. ولَهِيَ عَنْهُ وَبِهِ: كَرِهَه، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ لأَن نِسْيَانَكَ لَهُ وغَفْلَتك عَنْهُ ضَرْبٌ مِنَ الكُرْه. ولَهَّاه بِهِ تَلْهِيَةً أَي عَلَّله. وتَلاهَوْا أَي لَها بعضُهم بِبَعْضٍ. الأَزهري: وَرُوِيَ

عَنْ عُمر، رضي الله عنه، أَنه أَخذ أَربعمائة دينار

(3). البيت لإمرئ القيس وصدره:

أَلا زعمت بَسبَاسة، اليومَ، أنني

ص: 259

فَجَعَلَهَا فِي صُرة ثُمَّ قَالَ لِلْغُلَامِ: اذْهَبْ بِهَا إِلى أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، ثُمَّ تَلَهَّ سَاعَةً فِي الْبَيْتِ، ثُمَّ انْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ، قَالَ: ففرَّقها

؛ تَلَهَّ سَاعَةً أَي تَشاغَلْ وتَعَلَّلْ والتَّلَهِّي بِالشَّيْءِ: التَّعَلُّلُ بِهِ والتَّمكُّثُ. يُقَالُ: تَلَهَّيْت بِكَذَا أَي تَعَلَّلْتُ بِهِ وأَقَمْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أُفارقُه؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ:

وَقَالَ كلُّ صَديق كُنْتُ آمُلُهُ:

ولا أُلْهِيَنّكَ، إِني عنكَ مَشْغُول

أَي لَا أَشغَلُك عَنْ أَمرك فإِني مَشْغُول عَنْكَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا أَنفعك وَلَا أُعَلِّلُك فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ. وَتَقُولُ: الْهَ عَنِ الشَّيْءِ أَي اتْرُكْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ فِي البَلَل بَعْدَ الوُضوء:

الْهَ عَنْهُ

، وَفِي خَبَرِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنه كَانَ إِذا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ لَهِيَ عَنْ حَدِيثِهِ أَي تَركه وأَعْرَضَ عَنْهُ. وكلُّ شَيْءٍ تَركْتَه فَقَدَ لَهِيتَ عَنْهُ؛ وأَنشد الْكِسَائِيُّ:

الْهَ عَنْهَا فَقَدْ أَصابَك مِنْها

والْهَ عَنْهُ وَمِنْهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. الأَصمعي: لَهِيتُ مِنْ فُلَانٍ وَعَنْهُ فأَنا أَلْهَى. الْكِسَائِيُّ: لَهِيتُ عَنْهُ لَا غَيْرُ، قَالَ: وَكَلَامُ الْعَرَبِ لَهَوْتُ عَنْهُ ولَهَوْتُ مِنْهُ، وَهُوَ أَن تَدَعَهُ وتَرْفُضَه. وفُلانٌ لَهُوٌّ عَنِ الْخَيْرِ، عَلَى فَعُولٍ. الأَزهري: اللَّهْو الصُّدُوفُ. يُقَالُ: لَهَوْتُ عَنِ الشَّيْءِ أَلْهُو لَهاً، قَالَ: وَقَوْلُ الْعَامَّةِ تَلَهَّيْتُ، وَتَقُولُ: أَلْهَانِي فُلَانٌ عَنْ كَذَا أَي شَغَلني وأَنساني؛ قَالَ الأَزهري: وَكَلَامُ الْعَرَبِ جَاءَ بِخِلَافِ مَا قَالَ اللَّيْثُ، يَقُولُونَ لَهَوْتُ بالمرأَة وَبِالشَّيْءِ أَلْهُو لَهْواً لَا غَيْرَ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لَهاً. وَيَقُولُونَ: لَهِيتُ عَنِ الشَّيْءِ أَلْهَى لُهِيّاً. ابْنُ بُزْرُجٍ: لَهَوْتُ «1» ولَهِيتُ بِالشَّيْءِ أَلْهو لَهْواً إِذا لَعِبْتُ بِهِ؛ وأَنشد:

خَلَعْتُ عِذارَها ولَهِيتُ عَنْهَا

كَمَا خُلِعَ العِذارُ عَنِ الجَوادِ

وَفِي الْحَدِيثِ:

إِذا اسْتأْثَر اللهُ بِشَيْءٍ فالْهَ عَنْهُ

أَي اتْرُكْه وأَعْرِضْ عَنْهُ وَلَا تَتعرَّضْ لَهُ. وَفِي حَدِيثِ

سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: فَلَهِيَ رسولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، بشيءٍ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ

أَي اشْتَغَلَ. ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: لَهِيتُ بِهِ وَعَنْهُ كَرهته، ولَهَوْت بِهِ أَحببته؛ وأَنشد:

صَرَمَتْ حِبالَكَ، فالْهَ عَنْهَا، زَيْنَبُ،

ولقَدْ أَطَلْتَ عِتابَها، لَوْ تُعْتِبُ

لَوْ تُعْتِبُ: لَوْ تُرْضِيك؛ وَقَالَ الْعَجَّاجُ:

دارَ لُهَيَّا قَلْبِكَ المُتَيَّمِ

يَعْنِي لَهْو قَلْبِهِ، وتَلَهَّيْتُ بِهِ مِثْلُهُ. ولُهَيَّا: تَصْغِيرُ لَهْوَى، فَعْلى مِنَ اللَّهْوِ:

أَزَمان لَيْلى عامَ لَيْلى وحَمِي

أَي هَمِّي وسَدَمي وشَهْوَتي؛ وَقَالَ:

صَدَقَتْ لُهَيَّا قَلْبيَ المُسْتَهْتَرِ

قَالَ الْعَجَّاجُ:

دارٌ لِلَهْوٍ للمُلَهِّي مِكْسالْ

جَعَلَ الْجَارِيَةَ لَهْواً للمُلَهِّي لِرَجُلٍ يُعَلِّلُ بِهَا أَيْ لِمَنْ يُلَهِّي بِهَا.

الأَزهري بإِسناده عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: سأَلت رَبِّي أَن لَا يُعَذِّبَ اللَّاهِينَ مِنْ ذُرِّيَّة الْبَشَرِ فأَعْطانِيهم

؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِ اللَّاهِينَ: إِنهم الأَطفال الَّذِينَ لَمْ يَقْتَرفُوا ذَنْبًا، وَقِيلَ: هُمُ البُلْه الغافِلُون، وَقِيلَ: اللَّاهُون الَّذِينَ لَمْ يَتَعَمَّدوا الذَّنْبَ إِنما أَتَوْهُ غَفْلة ونِسياناً وخَطأً، وَهُمُ الَّذِينَ

(1). قوله [ابن بزرج لَهَوْت إلخ] هذه عبارة الأَزهري وليس فيها أَلْهُو لَهْواً.

ص: 260

يَدْعُون اللَّهَ فَيَقُولُونَ: رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا، كَمَا عَلِمَهُمُ اللَّهُ عز وجل. وتَلَهَّتِ الإِبل بالمَرْعى إِذا تَعَلَّلَتْ بِهِ؛ وأَنشد:

لَنا هَضَباتٌ قَدْ ثَنيْنَ أَكارِعاً

تَلَهَّى ببَعْضِ النَّجْمِ، واللَّيْلُ أَبْلَقُ

يُرِيدُ: ترْعى فِي الْقَمَرِ، والنَّجْمُ: نَبَتَ، وأَراد بهَضَباتٍ هَاهُنَا إِبلًا؛ وأَنشد شَمِرٌ لِبَعْضِ بَنِي كِلَابٍ:

وساجِيةٍ حَوْراءَ يَلْهُو إِزارُها

إِلى كَفَلٍ رابٍ، وخَصْرٍ مُخَصَّرِ

قَالَ: يَلْهُو إِزارُها إِلى الكَفَلِ فلا يُفارِقُه، قَالَ: والإِنسانُ اللَّاهِي إِلى الشيءِ إِذا لَمْ يُفارِقْه. وَيُقَالُ: قَدْ لَاهَى الشيءَ إِذا داناهُ وقارَبَه. ولَاهَى الغُلامُ الفِطامَ إِذا دَنَا مِنْهُ؛ وأَنشد قَوْلَ ابْنِ حِلِّزَةَ:

أَتَلَهَّى بها الهَواجِزَ، إِذْ كُلُّ

ابْنِ هَمٍّ بَلِيّةٌ عَمْياء

قَالَ: تَلَهِّيه بِهَا رُكُوبه إِياها وتَعَلُّله بِسَيْرِهَا؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

أَلا إِنَّما أَفْنى شَبابيَ، وانْقَضَى

عَلَى مَرِّ لَيْلٍ دائبٍ ونهَارِ

يُعِيدانِ لِي مَا أَمْضَيا، وهُما مَعاً

طَريدانِ لَا يَسْتَلْهِيانِ قَراري

قَالَ: مَعْنَاهُ لَا يَنْتَظِرَانِ قَرَارِي وَلَا يَسْتَوْقِفاني، والأَصل فِي الاسْتِلْهَاء بِمَعْنَى التَّوَقُّفِ أَن الطاحِنَ إِذا أَراد أَن يُلقِيَ فِي فَمِ الرَّحَى لَهْوة وقَفَ عَنِ الإِدارة وقْفة، ثُمَّ اسْتُعِيرَ ذَلِكَ وَوُضِعَ مَوْضِعَ الاسْتِيقاف وَالِانْتِظَارِ. واللُّهْوَةُ واللَّهْوَةُ: مَا أَلقَيْتَ فِي فَمِ الرَّحى مِنَ الحُبوب للطَّحْن؛ قَالَ ابْنُ كُلْثُومٍ:

ولَهْوَتُها قُضاعةَ أَجْمَعِينا

وأَلْهَى الرَّحى وللرَّحى وَفِي الرَّحى: أَلقى فِيهَا اللَّهْوَة، وَهُوَ مَا يُلقِيه الطَّاحِنُ فِي فَمِ الرَّحى بِيَدِهِ، وَالْجَمْعُ لُهاً. واللُّهْوَةُ واللُّهْيَةُ؛ الأَخيرة عَلَى المُعاقبة: العَطِيَّةُ، وَقِيلَ: أَفضل الْعَطَايَا وأَجْزلُها. وَيُقَالُ: إِنه لمِعْطاء لِلُّها إِذا كَانَ جَواداً يُعطي الشَّيْءَ الْكَثِيرَ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

إِذا مَا باللُّهَا ضَنَّ الكِرامُ

وَقَالَ النَّابِغَةُ:

عِظامُ اللُّهَا أَبْناءُ أَبْناءِ عُذْرَةٍ،

لَهامِيمُ يَسْتَلْهُونَها بالجراجِرِ

يُقَالُ: أَراد بِقَوْلِهِ عِظام اللُّهَا أَي عِظَامُ العَطايا. يُقَالُ: أَلْهَيْت لَهُ لُهْوَةً مِنَ الْمَالِ كَمَا يُلْهَى فِي خُرْتَي الطَّاحُونة، ثُمَّ قَالَ يَسْتَلْهُونَها، الْهَاءُ للمَكارم وَهِيَ الْعَطَايَا الَّتِي وصَفها، والجَراجِرُ الحَلاقِيم، وَيُقَالُ: أَراد باللُّها الأَمْوال، أَراد أَن أَموالهم كَثِيرَةٌ، وَقَدِ اسْتَلْهَوْها أَي اسْتَكْثَرُوا مِنْهَا. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ: مِنْهُمُ الفاتِحُ فَاهُ لِلُهْوَةٍ مِنَ الدُّنْيَا

؛ اللُّهْوَةُ، بِالضَّمِّ: العطِيَّة، وَقِيلَ: هِيَ أَفضل العَطاء وأَجزله. واللُّهْوَة: العَطِيَّة، دَراهِمَ كَانَتْ أَو غَيْرَهَا. وَاشْتَرَاهُ بِلُهْوَةٍ مِنْ مَالٍ أَي حَفْنَةٍ. واللُّهْوَةُ: الأَلف مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَلَا يُقَالُ لِغَيْرِهَا؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ. وهُمْ لُهَاء مائةٍ أَي قَدْرُها كَقَوْلِكَ زُهاء مِائَةٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْعَجَّاجِ:

كأَنَّما لُهاؤه لِمَنْ جَهَر

لَيْلٌ، ورِزُّ وَغْرِه إِذا وَغَر

واللَّهَاةُ: لَحمة حَمْراء فِي الحَنك مُعَلَّقَةٌ عَلَى عَكَدَةِ اللِّسَانِ، وَالْجَمْعُ لَهَياتٌ. غَيْرُهُ: اللَّهَاةُ الهَنةُ المُطْبِقة فِي أَقصَى سَقْف الْفَمِ. ابْنُ سِيدَهْ:

ص: 261

واللَّهَاةُ مِنْ كُلِّ ذِي حَلق اللَّحْمَةُ المُشْرِفة عَلَى الحَلق، وَقِيلَ: هِيَ مَا بَيْنَ مُنْقَطَع أَصل اللِّسَانِ إِلى منقطَع الْقَلْبِ مِنْ أَعلى الْفَمِ، وَالْجَمْعُ لَهَواتٌ ولَهَيَاتٌ ولُهِيٌّ ولِهِيٌّ ولَهاً ولِهَاء؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ اللَّها قَوْلُ الرَّاجِزِ:

تُلْقِيه، فِي طُرْقٍ أَتَتْها مِنْ عَلِ،

قَذْف لَهاً جُوفٍ وشِدْقٍ أَهْدَلِ

قال: وَشَاهِدُ اللَّهَواتِ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

ذُبابٌ طارَ فِي لَهَواتِ لَيْثٍ،

كَذاكَ اللَّيْثُ يَلْتَهِمُ الذُّبابا

وَفِي حَدِيثِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ:

فما زلْتُ أَعْرِفُها فِي لَهَوات رسولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم.

واللَّهَاةُ: أَقْصى الْفَمِ، وَهِيَ مِنَ الْبَعِيرِ الْعَرَبِيِّ الشِّقْشِقةُ. وَلِكُلِّ ذِي حَلْقٍ لهَاة؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:

يَا لكَ مِنْ تَمْرٍ وَمِنْ شِيشاءِ،

يَنْشَبُ فِي المَسْعَلِ واللَّهاءِ

فَقَدْ رُوِيَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا، فَمَنْ فَتَحَهَا ثُمَّ مدَّ فَعَلَى اعْتِقَادِ الضَّرُورَةِ، وَقَدْ رَآهُ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ، وَالْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عَكْسُهُ، وَزَعَمَ أَبو عُبَيْدٍ أَنه جَمَعَ لَهاً عَلَى لِهاء. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا قول لا يُعرج عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ جَمْعُ لَهاةٍ كَمَا بينَّا، لأَن فَعَلَة يكسَّر عَلَى فِعالٍ، وَنَظِيرُهُ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَضاةٌ وإِضاءٌ، وَمِثْلُهُ مِنَ السَّالِمِ رَحَبةٌ ورِحابٌ ورَقَبةٌ ورِقابٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَشَرَحْنَا هَذِهِ المسأَلة هَاهُنَا لِذَهَابِهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النُّظَّار. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما مَدَّ قَوْلَهُ فِي المَسْعَل واللَّهاء لِلضَّرُورَةِ، قَالَ: هَذِهِ الضَّرُورَةُ عَلَى مَنْ رَوَاهُ بِفَتْحِ اللَّامِ لأَنه مَدَّ الْمَقْصُورَ، وَذَلِكَ مِمَّا يُنْكِرُهُ الْبَصْرِيُّونَ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ:

قَدْ عَلِمَتْ أُمُّ أَبي السِّعْلاء

أَنْ نِعْمَ مأْكُولًا عَلَى الخَواء

فمدَّ السِّعْلاء والخَواء ضَرُورَةً. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: لَهِيَ أَبُوك مَقْلُوبٌ عَنْ لاهِ أَبوك، وإِن كَانَ وَزْنُ لَهِيَ فَعِلَ ولاهِ فَعَلٌ فَلَهُ نَظِيرٌ، قَالُوا: لَهُ جاهٌ عِنْدَ السُّلْطَانِ مَقْلُوبٌ عَنْ وجْهٍ. ابْنُ الأَعرابي: لاهاهُ إِذا دَنَا مِنْهُ وهالاهُ إِذا فَازَعَهُ. النَّضْرُ: يُقَالُ لاهِ أَخاك يَا فُلَانُ أَي افْعَلْ بِهِ نَحْوَ مَا فَعَل بِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ والْهِهِ سَوَاءٌ. وتَلَهْلَأْتُ أَي نَكَصْتُ. واللَّهْوَاء، مَمْدُودٌ: مَوْضِعٌ. ولَهْوَةُ: اسْمُ امرأَة؛ قَالَ:

أَصدُّ وَمَا بِي مِنْ صُدُودٍ وَلَا غِنًى،

وَلَا لاقَ قَلْبي بَعْدَ لَهْوَةَ لائقُ

لوي: لَوَيْتُ الحَبْلَ أَلْوِيه لَيّاً: فَتَلْتُه. ابْنُ سِيدَهْ: اللَّيُّ الجَدْلُ والتَّثَنِّي، لَواهُ لَيّاً، والمرَّةُ مِنْهُ لَيَّةٌ، وَجَمْعُهُ لِوًى ككَوَّةٍ وكِوًى؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ، ولَواهُ فالتَوَى وتَلَوَّى. ولَوَى يَده لَيّاً ولَوْياً نَادِرٌ عَلَى الأَصل: ثَناها، وَلَمْ يَحْكِ سِيبَوَيْهِ لَوْياً فِيمَا شذَّ، ولَوَى الغلامُ بَلَغَ عِشْرِينَ وقَوِيَتْ يدُه فلوَى يدَ غَيْرِهِ. ولَوِيَ القِدْحُ لَوًى فَهُوَ لَوٍ والتَوى، كِلاهما: اعْوجَّ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. واللِّوَى: مَا التَوى مِنَ الرَّمْلِ، وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَرَقُّه، وَهُمَا لِوَيانِ، وَالْجَمْعُ أَلْوَاء، وكسَّره يَعْقُوبُ عَلَى أَلْوِيَةٍ فَقَالَ يَصِفُ الظِّمَخ: يَنْبُتُ فِي أَلْوِيَةِ الرَّمل ودَكادِكِه، وفِعَلٌ لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعِلةٍ. وأَلْوَيْنا: صِرْنا إِلى لِوَى الرملِ، وَقِيلَ: لَوِيَ الرمْلُ لَوًى، فَهُوَ لَوٍ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

ص: 262

يَا ثُجْرةَ الثَّوْرِ وظَرْبانَ اللَّوِي

وَالِاسْمُ اللِّوى، مَقْصُورٌ. الأَصمعي: اللِّوى مُنْقَطَعُ الرَّملة؛ يُقَالُ: قَدْ أَلْوَيْتُم فانزِلوا، وَذَلِكَ إِذا بَلَغُوا لِوَى الرَّمْلِ. الْجَوْهَرِيُّ: لِوَى الرملِ، مَقْصُورٌ، مُنْقَطَعُه، وَهُوَ الجَدَدُ بعدَ الرَّمْلَةِ، ولِوَى الْحَيَّةِ حِواها، وَهُوَ انْطِواؤها؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. ولاوَتِ الحَيَّةُ الحَيَّةَ لِواءً: التَوَت عَلَيْهَا. والْتَوَى الماءُ فِي مَجْراه وتَلَوَّى: انْعَطَفَ وَلَمْ يَجْرِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ، وتَلَوَّتِ الحيةُ كَذَلِكَ. وتَلَوَّى البَرْقُ فِي السَّحَابِ: اضطَرب عَلَى غَيْرِ جِهَةٍ. وقَرْنٌ أَلْوَى: مُعْوَجٌّ، وَالْجَمْعُ لُيٌّ، بِضَمِّ اللَّامِ؛ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ سَمِعْنَاهَا مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ: وَلَمْ يَكسِروا، وإِن كَانَ ذَلِكَ الْقِيَاسَ، وَخَالَفُوا بَابَ بِيض لأَنه لَمَّا وَقَعَ الإِدغام فِي الْحَرْفِ ذَهَبَ الْمَدُّ وَصَارَ كَأَنَّهُ حَرْفٌ مُتَحَرِّكٌ، أَلا تَرَى لَوْ جَاءَ مَعَ عُمْيٍ فِي قَافِيَةٍ جَازَ؟ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَن الْمُدْغَمَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ، والأَقيسُ الْكَسْرُ لِمُجَاوَرَتِهَا الْيَاءَ. ولَوَاه دَيْنَه وبِدَيْنِه لَيّاً ولِيّاً ولَيَّاناً ولِيَّاناً: مَطَله؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ فِي اللَّيَّانِ:

تُطِيلِينَ لَيَّاني، وأَنت مَلِيَّةٌ،

وأُحْسِنُ، يَا ذاتَ الوِشاحِ، التَّقاضِيا

قَالَ أَبو الهيثم: لم يجيء مِنَ الْمَصَادِرِ عَلَى فَعْلان إِلا لَيَّانَ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ أَبي زَيْدٍ قَالَ: لِيَّان، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ لُغَيَّة، قال: وَقَدْ يَجِيءُ اللَّيَّان بِمَعْنَى الْحَبْسِ وَضِدَّ التَّسْرِيحِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ «2» :

يَلْقَى غَريمُكُمُ مِنْ غَيْرِ عُسْرَتِكمْ

بالبَذْلِ مَطْلًا، وبالتَّسْريحِ لَيّانا

وأَلْوى بحقِّي ولَوَانِي: جَحَدَني إِيّاه، ولَوَيْتُ الدَّيْنَ. وَفِي حَدِيثِ المَطْلِ: لَيُّ الواجِدِ يُحِلُّ عِرْضَه وعُقوبَتَه. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: اللَّيُّ هُوَ المَطْل؛ وأَنشد قَوْلَ الأَعشى:

يَلْوِينَنِي دَيْني، النَّهارَ، وأَقْتَضِي

دَيْني إِذا وَقَذَ النُّعاسُ الرُّقَّدا

لَواه غريمُه بدَيْنِه يَلْوِيه لَيّاً، وأَصله لَوْياً فأُدغمت الْوَاوُ فِي الْيَاءِ. وأَلْوَى بِالشَّيْءِ: ذهَب بِهِ. وأَلْوَى بِمَا فِي الإِناء مِنَ الشَّرَابِ: استأْثر بِهِ وغَلَب عَلَيْهِ غيرَه، وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةَ بْنِ جؤيَّة:

سادٍ تَجَرَّمَ فِي البَضِيع ثَمانِياً،

يُلْوِي بِعَيْقاتِ البِحارِ ويُجْنَبُ

يُلْوِي بِعَيْقَاتِ الْبِحَارِ أَي يَشْرَبُ مَاءَهَا فَيَذْهَبُ بِهِ. وأَلْوَتْ بِهِ العُقاب: أَخذته فَطَارَتْ بِهِ. الأَصمعي: وَمِنْ أَمثالهم أَيْهاتَ أَلْوَتْ بِهِ العَنْقاءُ المُغْرِبُ كأَنها داهيةٌ، وَلَمْ يُفَسِّرْ أَصله. وَفِي الصِّحَاحِ: أَلْوَتْ بِهِ عَنْقاء مُغْرِب أَي ذهَبَت بِهِ. وَفِي حَدِيثِ

حُذَيْفَة: أَنَّ جِبريلَ رَفَع أَرضَ قَوْم لُوطٍ، عليه السلام، ثمَّ أَلْوَى بِهَا حَتَّى سَمِعَ أَهلُ السَّمَاءِ ضُغاء كِلابهم

أَي ذَهَبَ بِهَا، كَمَا يُقَالُ أَلْوَتْ بِهِ العَنْقاء أَي أَطارَتْه، وَعَنْ قَتَادَةَ مِثْلُهُ، وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ أَلْوَى بِهَا فِي جَوّ السَّمَاءِ، وأَلْوَى بِثَوْبِهِ فَهُوَ يُلوِي بِهِ إِلْوَاء. وأَلْوَى بِهم الدَّهْرُ: أَهلكهم؛ قَالَ:

أَصْبَحَ الدَّهْرُ، وَقَدْ أَلْوَى بِهِم،

غَيرَ تَقْوالِك مِنْ قيلٍ وَقَالَ

وأَلْوَى بِثَوْبِهِ إِذا لَمَع وأَشارَ. وأَلْوَى بِالْكَلَامِ: خالَفَ بِهِ عَنْ جِهته. ولَوَى عَنِ الأَمر والْتَوى: تثاقَل. ولَوَيْت أَمْري عَنْهُ لَيّاً ولَيّاناً: طَوَيْتُه. ولَوَيْتُ عَنْهُ الخَبَرَ: أَخبرته بِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ. ولَوَى فُلَانٌ خَبَرَهُ إِذا كَتَمه. والإِلْوَاء: أَن تُخالف

(2). أي جرير

ص: 263

بِالْكَلَامِ عَنْ جِهَتِهِ؛ يُقَالُ: أَلْوَى يُلوِي إِلْواءً ولَوِيَّةً. وَالْإِخْلَافُ الِاسْتِقَاءُ «1» ولَوَيْتُ عَلَيْهِ: عطَفت. ولَوَيْتُ عَلَيْهِ: انْتَظَرْتُ. الأَصمعي: لَوَى الأَمْرَ عَنْهُ فَهُوَ يَلْوِيه لَيّاً، وَيُقَالُ أَلْوَى بِذَلِكَ الأَمر إِذا ذَهَب بِهِ، ولَوَى عَلَيْهِمْ يَلوِي إِذا عطَف عَلَيْهِمْ وتَحَبَّس؛ ويقال: ما تَلْوِي عَلَى أَحد. وَفِي حَدِيثِ

أَبي قَتَادَةَ: فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحد عَلَى أَحد

أَي لَا يَلتَفِت وَلَا يَعْطف عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

وجَعَلَتْ خَيلُنا تَلَوَّى خَلفَ ظُهُورِنَا

أَي تَتَلَوَّى. يُقَالُ: لَوَّى عَلَيْهِ إِذا عَطَف وعَرَّج، وَيُرْوَى بِالتَّخْفِيفِ، وَيُرْوَى

تَلُوذ

، بِالذَّالِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ. وأَلْوَى: عطَف عَلَى مُسْتَغِيث، وأَلْوَى بِثَوْبِهِ للصَّريخِ وأَلْوَتِ المرأَةُ بِيَدِهَا. وأَلْوَتِ الحَرْبُ بالسَّوامِ إِذا ذهَبَت بِهَا وصاحِبُها يَنْظُر إِليها وأَلْوَى إِذا جَفَّ زرعُه. واللَّوِيُّ، عَلَى فَعِيل: مَا ذَبُل وجَفَّ مِنَ البَقل؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

حَتَّى إِذا تَجَلَّتِ اللَّوِيَّا،

وطَرَدَ الهَيْفُ السَّفا الصَّيْفِيَّا

وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وَحَتَّى سَرَى بعدَ الكَرَى فِي لَوِيِّهِ

أَساريعُ مَعْرُوفٍ، وصَرَّت جَنادِبُه

وَقَدْ أَلْوَى البَقْلُ إِلواءً أَي ذَبُلَ. ابْنُ سِيدَهْ: واللَّوِيُّ يَبِيس الكَلإِ والبَقْل، وَقِيلَ: هُوَ مَا كَانَ مِنْهُ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ. وَقَدْ لَوِيَ لَوًى وأَلْوَى صَارَ لَوِيّاً. وأَلْوَتِ الأَرضُ: صَارَ بَقْلُهَا لَوِيّاً. والأَلْوَى واللُّوَيُّ، عَلَى لَفْظِ التَّصْغِيرِ: شَجَرَةٌ تُنْبِت حِبَالًا تَعَلَّقُ بِالشَّجَرِ وتَتَلَوَّى عَلَيْهَا، وَلَهَا فِي أَطرافها وَرَقٌ مُدوَّر فِي طَرَفِهِ تَحْدِيدٌ. واللَّوَى، وَجَمْعُهُ أَلْوَاء: مَكْرُمة للنَّبات؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وَلَمْ تُبْقِ أَلْوَاءُ اليَماني بَقِيَّةً،

مِنَ النَّبتِ، إِلا بَطْنَ وَادٍ رَحَاحِمِ «2»

والأَلْوَى: الشَّدِيدُ الخُصومة، الجَدِلُ السَّلِيطُ، وَهُوَ أَيضاً المُتَفَرِّدُ المُعْتَزِلُ، وَقَدْ لَوِيَ لَوًى. والأَلْوَى: الرَّجُلُ المجتَنب المُنْفَرِد لَا يَزَالُ كَذَلِكَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ امرأَة:

حَصانٌ تُقْصِدُ الأَلْوَى

بِعَيْنَيْها وبالجِيدِ

والأُنثى لَيَّاء، وَنِسْوَةٌ لِيَّانٌ،، وإِن شِئْتَ بِالتَّاءِ لَيَّاواتٍ، وَالرِّجَالِ أَلْوُون، وَالتَّاءُ وَالنُّونُ فِي الْجَمَاعَاتِ لَا يمتَنع مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ أَسماء الرِّجَالِ وَنُعُوتِهَا، وإِن فَعَلَ «3» فَهُوَ يَلْوِي لَوًى، وَلَكِنِ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ لَوَى رأْسه، وَمَنْ جَعَلَ تأْليفه مِنْ لَامٍ وَوَاوٍ قَالُوا لَوَى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ فِي ذكر المنافقين: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ

، ولَوَوْا، قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ. ولَوَّيْت أَعْناقَ الرِّجَالِ فِي الخُصومة، شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ وَالْمُبَالَغَةِ. قَالَ اللَّهُ عز وجل: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ. وأَلْوَى الرجلُ برأْسِه ولَوَى رَأْسه: أَمالَ وأَعْرضَ. وأَلْوَى رأْسه ولَوَى برأْسِه: أَمالَه مِنْ جَانِبٍ إِلى جَانِبٍ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ ابْنِ الزُّبَيْرِ، رضي الله عنهم، لَوَى ذَنَبه

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ لَوَى رأْسه وذَنَبه وعطْفَه عَنْكَ إِذا ثَنَاهُ وصَرَفه، وَيُرْوَى بِالتَّشْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَهُوَ مَثَلٌ لِتَرْكِ المَكارِم والرَّوَغانِ عَنِ المعْرُوف وإِيلاء الجمِيل، قَالَ وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ التأَخر وَالتَّخَلُّفِ لأَنه قَالَ فِي مُقَابَلَتِهِ: وإِنَّ ابنَ العاصِ مَشَى اليَقْدُمِيَّةَ. وقوله تعالى:

(1). قوله [ولوية والإخلاف الاستقاء] كذا بالأصل.

(2)

. قوله [رحاحم] كذا بالأصل.

(3)

. قوله [وإن فعل إلخ] كذا بالأصل وشرح القاموس

ص: 264

وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا

، بِوَاوَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما: هُوَ الْقَاضِي يَكُونُ لَيُّه وإِعْراضُه لأَحد الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَي تَشدّده وصَلابَتُه، وَقَدْ قُرِئَ بِوَاوٍ وَاحِدَةٍ مَضْمُومَةِ اللَّامِ مِنْ وَلَيْتُ؛ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَي أَن تَلُوا الشَّهَادَةَ فتُقِيموها أَو تُعْرِضُوا عَنْهَا فَتَتْرُكُوها؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ فُرْعانَ بْنِ الأَعْرَفِ.

تَغَمَّدَ حَقِّي ظَالِمًا، ولَوَى يَدِي،

لَوَى يَدَه اللهُ الَّذِي هُوَ غالِبُهْ

والْتَوَى وتَلَوَّى بِمَعْنًى. اللَّيْثُ: لَوِيتُ عَنْ هَذَا الأَمر إِذا التَوَيْت عَنْهُ؛ وأَنشد:

إِذا الْتَوَى بِي الأَمْرُ أَو لَوِيتُ،

مِن أَيْنَ آتِي الأَمرَ إِذْ أُتِيتُ؟

الْيَزِيدِيُّ: لَوَى فُلَانٌ الشَّهَادَةَ وَهُوَ يَلْوِيها لَيّاً ولَوَى كَفَّه ولَوَى يَده ولَوَى عَلَى أَصحابه لَوْياً ولَيّاً وأَلْوَى إِليَّ بِيَدِه إِلْوَاءً أَي أَشار بِيَدِهِ لَا غَيْرُ. ولَوَيْتُه عَلَيْهِ أَي آثَرْتُه عَلَيْهِ؛ وَقَالَ:

وَلَمْ يَكُنْ مَلَكٌ لِلقَومِ يُنْزِلُهم،

إِلَّا صَلاصِلُ لَا تُلْوَى عَلَى حَسَب

أَي لَا يُؤْثَرُ بِهَا أَحد لحسَبه للشدَّة الَّتِي هُمْ فِيهَا، وَيُرْوَى: لَا تَلْوي أَي لَا تَعْطِفُ أَصحابُها عَلَى ذَوِي الأَحساب، مِنْ قَوْلِهِمْ لَوى عَلَيْهِ أَي عَطَف، بَلْ تُقْسَم بالمُصافَنة عَلَى السَّوية؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِمَجْنُونِ بَنِي عَامِرٍ:

فَلَوْ كَانَ فِي لَيْلى سَدًى مِنْ خُصومةٍ،

لَلَوَّيْتُ أَعْناقَ المَطِيِّ المَلاوِيا

وَطَرِيقٌ أَلْوى: بعيد مجهول. واللَّوِيَّةُ: مَا خَبَأْته عَنْ غَيْرِكَ وأَخْفَيْتَه؛ قَالَ:

الآكِلين اللَّوَايا دُونَ ضَيْفِهِمِ،

والقدْرُ مَخْبوءةٌ مِنْهَا أَثافِيها

وَقِيلَ: هِيَ الشَّيْءُ يُخْبَأُ لِلضَّيْفِ، وَقِيلَ: هِيَ مَا أَتحَفَتْ بِهِ المرأَةُ زائرَها أَو ضَيْفَها، وَقَدْ لَوَى لَوِيَّةً والْتَوَاها. وأَلْوَى: أَكل اللَّوِيَّةَ. التَّهْذِيبُ: اللَّوِيَّةُ مَا يُخْبَأُ لِلضَّيْفِ أَو يَدَّخِره الرَّجلُ لنفْسِه، وأَنشد:

آثَرْت ضَيْفَكَ باللَّوِيَّة وَالَّذِي

كانتْ لَه ولمِثْلِه الأَذْخارُ

قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ أَعرابيّاً مِنْ بَنِي كِلَابٍ يَقُولُ لقَعِيدةٍ لَهُ أَيْنَ لَوَايَاكِ وحَواياكِ، أَلا تُقَدِّمينَها إِلينا؟ أَراد: أَين مَا خَبَأْتِ مِنْ شُحَيْمةٍ وقَديدةٍ وَتَمْرَةٍ وَمَا أَشبهها مِنْ شيءٍ يُدَّخَر لِلْحُقُوقِ. الْجَوْهَرِيُّ: اللَّوِيَّةُ مَا خبأْته لِغَيْرِكَ مِنَ الطَّعَامِ؛ قَالَ أَبو جُهَيْمَةَ الذُّهَلِيُّ:

قُلْتُ لِذاتِ النُّقْبةِ النَّقِيَّهْ:

قُومي فَغَدِّينا مِنَ اللَّوِيَّهْ

وَقَدِ التَوَتِ المرأَة لَوِيَّةً. والْوَلِيَّة: لُغَةٌ فِي اللَّوِيَّةِ، مَقْلُوبَةٌ عَنْهُ؛ حَكَاهَا كُرَاعٌ، قَالَ: وَالْجَمْعُ الْوَلَايَا كاللَّوَايَا، ثَبَتَ الْقَلْبُ فِي الْجَمْعِ. واللَّوَى: وَجَعٌ فِي الْمَعِدَةِ، وَقِيلَ: وَجَعٌ فِي الجَوْف، لَوِيَ، بِالْكَسْرِ، يَلْوَى لَوًى، مَقْصُورٌ، فَهُوَ لَوٍ. واللَّوَى: اعْوِجاج فِي ظَهْرِ الْفَرَسِ، وَقَدْ لَوِيَ لَوًى. وعُود لَوٍ: مُلْتَوٍ. وذَنَبٌ أَلْوَى: مَعْطُوفٌ خِلْقةً مِثْلَ ذَنَبِ الْعَنْزِ. وَيُقَالُ: لَوِيَ ذنَبُ الفرَس فَهُوَ يَلْوَى لَوًى، وَذَلِكَ إِذا مَا اعْوَجَّ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

ص: 265

كالكَرِّ لَا شَخْتٌ وَلَا فِيهِ لَوَى «1»

يُقَالُ مِنْهُ: فَرَسٌ مَا بِهِ لَوًى وَلَا عَصَلٌ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: كَبْشٌ أَلْوَى وَنَعْجَةٌ لَيَّاء، مَمْدُودٌ، مِنْ شاءٍ لِيٍّ. الْيَزِيدِيُّ: أَلْوَتِ النَّاقَةُ بذنَبها ولَوَّتْ ذنَبها إِذا حرَّكته، الْبَاءُ مَعَ الأَلف فِيهَا، وأَصَرَّ الفرسُ بأُذنه وصَرَّ أُذنَه، وَاللَّهُ أَعلم. واللِّوَاء: لِواء الأَمير، مَمْدُودٌ. واللِّوَاء: العَلَم، وَالْجَمْعُ أَلْوِيَة وأَلْوِياتٌ، الأَخيرة جَمْعُ الْجَمْعُ؛ قَالَ:

جُنْحُ النَّواصِي نحوُ أَلْوِياتِها

وَفِي الْحَدِيثِ:

لِواءُ الحَمْدِ بِيَدِي يومَ القيامةِ

؛ اللِّوَاء: الرايةُ وَلَا يُمْسِكُهَا إِلا صاحبُ الجَيْش؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

غَداةَ تَسايَلَتْ مِنْ كلِّ أَوْب،

كَتائبُ عاقِدينَ لَهُمْ لِوَايا

قَالَ: وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، تَقُولُ: احْتَمَيْتُ احْتِمايا. والأَلْوِية: المَطارِد، وَهِيَ دُونَ الأَعْلام والبُنود. وَفِي الْحَدِيثِ:

لكلِّ غادِرٍ لِوَاء يَوْمَ الْقِيَامَةِ

أَي عَلَامَةٌ يشْهَرُ بِهَا فِي النَّاسِ، لأَنَّ مَوْضُوعَ اللِّواء شُهْرةُ مَكَانِ الرَّئِيسِ. وأَلْوَى اللِّوَاءَ: عَمِلَهُ أَو رفعَه؛ عَنِ ابْنُ الأَعرابي، وَلَا يُقَالُ لَوَاه. وأَلْوَى: خاطَ لِواء الأَمير. وأَلْوَى إِذا أَكثر التَّمَنِّيَ. أَبو عُبَيْدَةَ: مِنْ أَمثالهم فِي الرَّجُلِ الصَّعْبِ الْخُلُقِ الشَّدِيدِ اللَّجَاجَةِ: لتَجِدَنَّ فلانا أَلوَى بَعِيدَ المستمَر؛ وأَنشد فِيهِ:

وجَدْتَني أَلْوَى بَعِيدَ المُسْتَمَرْ،

أَحْمِلُ مَا حُمِّلْتُ مِنْ خَيْرٍ وشَرِّ

أَبو الْهَيْثَمِ: الأَلْوَى الْكَثِيرُ الْمُلَاوِي. يُقَالُ: رَجُلٌ أَلْوَى شَدِيدُ الخُصومة يَلْتَوي عَلَى خَصْمِهِ بِالْحُجَّةِ وَلَا يُقِرّ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. والأَلْوَى: الشَّدِيدُ الالْتِواء، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ سَحَّابِينُ. ولَوَيْت الثوبَ أَلْوِيه لَيّاً إِذا عَصَرْتَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَاءِ. وَفِي حَدِيثِ الاخْتمار:

لَيَّةً لَا لَيَّتَيْنِ

أَي تَلْوي خِمارَها عَلَى رأْسها مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَا تُدِيرُهُ مَرَّتَيْنِ، لِئَلَّا تُشْتَبَهُ بِالرِّجَالِ إِذا اعتمُّوا. واللَّوَّاء: طَائِرٌ. واللَاوِيا: ضَرْبٌ مِنَ النَّبْت «2» واللاوِيَاء: ميسم يُكْوى بِهِ. ولِيَّةُ: مَكَانٌ بِوَادِي عُمانَ. واللَّوَى: فِي مَعْنَى اللَّائِي الَّذِي هُوَ جَمْعُ الَّتِي؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، يُقَالُ: هُنَّ اللَّوَى فَعَلْنَ؛ وأَنشد:

جَمَعْتُها مِنْ أَيْنُقٍ غِزارِ،

مِنَ اللَّوَى شُرِّفْن بالصِّرارِ

واللَّاؤُون: جَمْعُ الَّذِي مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ بِمَعْنَى الَّذِينَ، فِيهِ ثلاث لغات: اللَّاؤون فِي الرَّفْعِ، واللَّائِينَ فِي الخفض والنصب، واللَّاؤُو بِلَا نُونٍ، واللَّائِي بإِثبات الْيَاءِ فِي كُلِّ حَالٍ يَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَلَا يُصَغَّرُ لأَنهم اسْتَغْنَوْا عَنْهُ باللَّتيَّات لِلنِّسَاءِ وباللَّذَيُّون لِلرِّجَالِ، قَالَ: وإِن شِئْتَ قُلْتَ لِلنِّسَاءِ اللَّا، بِالْقَصْرِ بِلَا يَاءٍ وَلَا مَدٍّ وَلَا هَمْزٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْمِزُ؛ وَشَاهِدُهُ بِلَا يَاءٍ وَلَا مَدٍّ وَلَا هَمْزٍ قَوْلُ الْكُمَيْتُ:

وكانَتْ مِنَ اللَّا لَا يُغَيِّرُها ابْنُها؛

إِذا مَا الغُلامُ الأَحْمَقُ الأُمَّ غَيَّرا

قَالَ: وَمِثْلُهُ قول الراجز:

(1). قوله [شخت] بشين معجمة كما في مادة كرر من التهذيب، وتصحف في اللسان هناك.

(2)

. قوله [واللَاوِيا ضرب إلخ] وقع في القاموس مقصوراً كالأصل، وقال شارحه: وهو في المحكم وكتاب القالي ممدود.

ص: 266

فدُومي عَلَى العَهْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَنا،

أَمَ انْتِ مِنَ اللَّا مَا لَهُنَّ عُهودُ؟

وأَما قَوْلُ أَبي الرُّبَيْس عِبَادَةِ بْنِ طَهْفَة «1» الْمَازِنِيِّ، وَقِيلَ اسْمُهُ عَبَّاد بْنُ طَهفة، وَقِيلَ عَبَّاد بْنُ عَبَّاسٍ:

مِنَ النَّفَرِ اللَّائي الذينَ، إِذا هُمُ،

يَهابُ اللِّئامُ حَلْقةَ الْبَابِ، قَعْقَعُوا

فإِنما جَازَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ أَو عَلَى إِلغاء أَحدهما. ولُوَيُّ بنُ غَالِبٍ: أَبو قُرَيْشٍ، وأَهل الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُونَهُ بِالْهَمْزِ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ لُوَيٌّ؛ قَالَ الأَزهري: قَالَ ذَلِكَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ. يُقَالُ: لَوَى عَلَيْهِ الأَمْرَ إِذا عَوَّصَه. وَيُقَالُ: لَوَّأَ اللَّهُ بِكَ، بِالْهَمْزِ، تَلْوِيَةً أَي شوَّه بِهِ. وَيُقَالُ: هَذِهِ وَاللَّهِ الشَّوْهةُ واللَّوْأَةُ، وَيُقَالُ اللَّوَّةُ، بِغَيْرِ هَمْزٍ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الشَّدِيدِ: مَا يُلْوَى ظَهرُه أَي لَا يَصْرَعُه أَحد. والمَلاوي: الثَّنايا الْمُلْتَوِيَةُ الَّتِي لَا تَسْتَقِيمُ. واللُّوَّةُ: الْعُودُ الَّذِي يُتبخَّر بِهِ، لُغَةٌ فِي الأَلُوَّة، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ كاللِّيَّة. وَفِي صِفَةِ أَهل الْجَنَّةِ:

مَجامِرُهم الأَلُوَّةُ

أَي بَخُورهم العُود، وَهُوَ اسْمٌ لَهُ مُرْتَجل، وَقِيلَ: هُوَ ضَرْبٌ مِنَ خِيَارِ الْعُودِ وأَجوده، وَتُفْتَحُ هَمْزَتُهُ وَتُضَمُّ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَصليتها وَزِيَادَتِهَا. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يَسْتَجْمِرُ بالأَلُوَّة غيرَ مُطَرَّاة.

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:

مَن حافَ فِي وَصِيَّته أُلْقِيَ فِي اللَّوَى

«2» ؛ قِيلَ: إِنه وادٍ فِي جَهَنَّمَ، نَعُوذُ بِعَفْوِ اللَّهِ مِنْهَا. ابْنُ الأَعرابي: اللَّوَّة السّوْأَة، تَقُولُ: لَوَّةً لِفُلَانٍ بِمَا صَنَعَ أَي سَوْأَةً. قَالَ: والتَّوَّةُ السَّاعَةُ مِنَ الزَّمَانِ، والحَوَّة كَلِمَةُ الْحَقِّ، وَقَالَ: اللَّيُّ واللَّوُّ الْبَاطِلُ والحَوُّ والحَيُّ الْحَقُّ. يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَعْرِفُ الحَوَّ مِنَ اللَّوِّ أَي لَا يَعْرِفُ الكلامَ البَيِّنَ مِنَ الخَفِيّ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. واللَّوْلاء: الشدَّة وَالضُّرُّ كاللأْواء. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:

إيَّاك واللَّوَّ فإِن اللَّوّ مِنَ الشَّيْطَانِ

؛ يُرِيدُ قَوْلَ الْمُتَنَدِّمِ عَلَى الْفَائِتِ لَوْ كَانَ كَذَا لَقُلْتَ وَلَفَعَلْتَ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي لَا مِنْ حَرْفِ الأَلف الْخَفِيفَةِ. واللّاتُ: صَنَمٌ لثَقِيف كَانُوا يَعْبُدُونَهُ، هِيَ عِنْدَ أَبي عَلِيٍّ فَعَلة مِنْ لَوَيْت عَلَيْهِ أَي عَطَفْت وأَقَمْت، يَدُلك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَما الإِضافة إِلى لَاتَ مِنَ اللَّاتِ والعُزّى فإِنك تَمُدّها كَمَا تَمُدُّ لَا إِذا كَانَتِ اسْمًا، وَكَمَا تُثَقِّل لَوْ وَكَيْ إِذا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمًا، فَهَذِهِ الْحُرُوفُ وأَشباهها الَّتِي لَيْسَ لَهَا دَلِيلٌ بِتَحْقِيرٍ وَلَا جَمْعٍ وَلَا فِعْلٍ وَلَا تَثْنِيَةٍ إِنما يُجْعَلُ مَا ذَهَبَ مِنْهُ مِثْلَ مَا هُوَ فِيهِ وَيُضَاعَفُ، فَالْحَرْفُ الأَوسط سَاكِنٌ عَلَى ذَلِكَ يُبْنَى إِلا أَن يُسْتَدَلَّ عَلَى حَرَكَتِهِ بِشَيْءٍ، قَالَ: وَصَارَ الإِسكان أَولى لأَن الْحَرَكَةَ زَائِدَةٌ فَلَمْ يَكُونُوا لِيُحَرِّكُوا إِلا بثبَت، كَمَا أَنهم لَمْ يَكُونُوا لِيَجْعَلُوا الذَّاهِبَ مِنْ لَوْ غَيْرَ الْوَاوِ إِلا بثَبَت، فجَرَت هَذِهِ الْحُرُوفُ عَلَى فَعْل أَو فُعْل أَو فِعْل؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: انْتَهَى كَلَامُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ أَما اللَّاتُ والعُزَّى فَقَدْ قَالَ أَبو الْحَسَنِ إِن اللَّامَ فِيهَا زَائِدَةٌ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِ أَن اللَّاتَ والعُزّى عَلَمان بِمَنْزِلَةِ يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْرٍ ومَناةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسماء الأَصنام، فهذه كلها

(1). قوله [طهفة] الذي في القاموس: طهمة

(2)

. قوله [ألقي في اللَّوَى] ضبط اللوى في الأَصل وغير نُسْخَةً مِنْ نُسَخِ النِّهَايَةِ التي يوثق بها بالفتح كما ترى، وأما قول شارح القاموس فبالكسر.

ص: 267

أَعلام وَغَيْرُ مُحْتَاجَةٍ فِي تَعْرِيفِهَا إِلى الأَلف وَاللَّامِ، وليست من باب الحَرِث والعَبَّاس وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي تَغْلِبُ غَلبَة الأَسماء، فَصَارَتْ أَعلاماً وأُقِرَّت فِيهَا لَامُ التَّعْرِيفِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ تَنَسُّم رَوَائِحِ الصِّفَةِ فِيهَا فيُحْمل عَلَى ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَن تَكُونَ اللَّامُ فِيهَا زَائِدَةً، ويؤكِّدُ زِيَادَتَهَا فِيهَا لزومُها إِياها كَلُزُومِ لَامِ الَّذِي وَالْآنَ وَبَابِهِ، فإِن قُلْتَ فَقَدْ حَكَى أَبو زَيْدٍ لَقِيتُه فَيْنَة والفَيْنةَ وإِلاهةَ والإِلاهةَ، وَلَيْسَتْ فَيْنةُ وإِلاهةُ بِصِفَتَيْنِ فَيَجُوزُ تَعْرِيفُهُمَا وَفِيهِمَا اللَّامُ كالعَبَّاس والحَرِث؟ فَالْجَوَابُ أَن فَيْنةَ والفَيْنةَ وإِلاهةَ والإِلاهةَ مِمَّا اعْتَقَبَ عَلَيْهِ تَعْرِيفَانِ: أَحدهما بالأَلف وَاللَّامِ، وَالْآخَرُ بِالْوَضْعِ وَالْغَلَبَةِ، وَلَمْ نَسْمَعْهُمْ يَقُولُونَ لاتَ وَلَا عُزَّى، بِغَيْرِ لَامٍ، فدَلَّ لزومُ اللَّامِ عَلَى زِيَادَتِهَا، وأَنَّ مَا هِيَ فِيهِ مِمَّا اعْتَقَبَ عَلَيْهِ تَعْرِيفَانِ؛ وأَنشد أَبو عَلِيٍّ:

أَمَا ودِماءٍ لَا تَزالُ، كأَنها

عَلَى قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَما

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا أَنشده أَبو عَلِيٍّ بِنَصْبِ عَنْدَما، وَهُوَ كَمَا قَالَ لأَن نَسْراً بِمَنْزِلَةِ عَمْرٍو، وَقِيلَ: أَصلها لاهةٌ سُمِّيَتْ بِاللَّاهَةِ الَّتِي هِيَ الحَية. ولاوَى: اسْمُ رَجُلٍ عَجَمِيٌّ، قِيلَ: هُوَ مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ، عليه السلام، وموسى، عليه السلام، مِنْ سِبْطه.

ليا: اللَّيَّة: الْعُودُ الَّذِي يُتَبَخَّر بِهِ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. وَفِي حَدِيثِ

الزُّبَيْرِ، رضي الله عنه: أَقبلتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، مِنْ لِيَّةَ

؛ هِيَ اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْحِجَازِ. التَّهْذِيبُ: الْفَرَّاءُ اللِّياءُ شَيْءٌ يُؤْكَلُ مِثْلُ الحِمَّص وَنَحْوِهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْبَيَاضِ، وَفِي الصِّحَاحِ: يَكُونُ بِالْحِجَازِ يُؤْكَلُ؛ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ. وَيُقَالُ للمرأَة إِذا وُصِفَتْ بِالْبَيَاضِ: كأَنها اللِّياء، وَفِي الصِّحَاحِ: كأَنها لِياءَةٌ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَن يُقَالَ كأَنها لِياءَةٌ مقْشُوَّةٌ. وَرَوَى عَنْ

مُعَاوِيَةُ، رضي الله عنه، أَنه أَكَل لِياءً مُقَشًّى.

وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن فُلَانًا أَهدى لِرَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، بِوَدَّانَ لِياءً مُقَشًّى

؛ وَفِيهِ:

أَن رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، أَكل لِياءً ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ

؛ اللِّياءُ، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ: اللُّوبياء، وَقِيلَ: هُوَ شَيْءٌ كالحِمَّص شَدِيدُ الْبَيَاضِ بِالْحِجَازِ. واللِّياءُ أَيضاً: سَمَكة فِي الْبَحْرِ تُتَّخَذُ مِنْ جِلْدِهَا التِّرَسَةُ فَلَا يَحِيكُ فِيهَا شَيْءٌ، قَالَ: وَالْمُرَادُ الأَوّل. ابْنُ الأَعرابي: اللِّياءُ اللُّوبياء، وَاحِدَتُهُ لِياءَةٌ. وَيُقَالُ للصبيَّة الْمَلِيحَةِ: كأَنها لِياءَةٌ مَقْشُوَّة أَي مَقْشُورَةٌ، قَالَ: والمُقَشَّى المُقَشَّر، وَقِيلَ: اللِّياء مِنْ نَبَاتِ الْيَمَنِ وَرُبَّمَا نَبَتَ بِالْحِجَازِ، وَهُوَ فِي خِلْقة الْبَصَلِ وَقَدْرِ الحِمَّص، وَعَلَيْهِ قُشُورٌ رِقاقٌ إِلى السَّوَادِ مَا هُوَ، يُقْلى ثُمَّ يُدْلَك بشيءٍ خَشِنٍ كالمِسْح وَنَحْوِهِ فَيُخْرَجُ مِنْ قِشْرِهِ فَيُؤْكَلُ، وَرُبَّمَا أُكل بِالْعَسَلِ، وَهُوَ أَبيض، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْلِيه. أَبُو الْعَبَّاسِ: اللِّيَا، مَقْصُورٌ «3» ، الأَرض الَّتِي بَعُدَ مَاؤُهَا وَاشْتَدَّ السَّيْرُ فِيهَا، قَالَ الْعَجَّاجُ:

نازِحةُ المِياهِ والمُسْتافِ،

لَيَّاءُ عَنْ مُلْتَمِسِ الإِخْلافِ

الَّذِي يَنْظُرُ ما بُعْدُها «4»

(3). قوله [أَبُو الْعَبَّاسِ اللِّيَا مَقْصُورٌ] عبارة التكملة في لوي: قال أبو العباس اللَّيَّاء بالفتح والتشديد والمد الأَرض الَّتِي بعُد مَاؤُهَا وَاشْتَدَّ السَّيْرُ فِيهَا، قَالَ:

نازحةُ الْمِيَاهِ وَالْمُسْتَافِ

لَيَّاء عن ملتمس الإخلاف

ذات فياف بينها فيافي

وذكره الجوهري مكسوراً مقصوراً.

(4)

. قوله [الذي ينظر إلخ] هكذا في الأصل هنا، ولعل فيه سقطاً من الناسخ. وأَصل الكلام: والمستاف الَّذِي يَنْظُرُ مَا بُعْدُهَا.

ص: 268

‌فصل الميم

مأي: مَأَيْتُ فِي الشَّيْءِ أَمْأَى مَأْياً: بالغتُ. ومأَى الشجرُ مَأْياً: طَلَع، وَقِيلَ: أَوْرَقَ. ومأو

مَأَوْتُ الجلْدَ والدَّلوَ والسِّقاءَ مأو

مَأْواً ومَأَيْتُ السقاءَ مَأْياً إِذا وَسَّعْتَه وَمَدَدْتَهُ حَتَّى يَتَّسِعَ. وتَمَأّى الجلدُ يَتَمَأّى تَمَئِّياً تَوَسَّع، وتَمَأَّتِ الدلوُ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: تَمَئِّيها امْتِدَادُهَا، وَكَذَلِكَ الْوِعَاءُ، تَقُولُ: تَمَأَّى السِّقاءُ والجِلدُ فَهُوَ يَتَمأَّى تَمَئِّياً ومأو

تَمَؤُّواً، وإِذا مددتَه فاتَّسع، وَهُوَ تَفَعُّل؛ وَقَالَ:

دَلْوٌ تَمَأَّى دُبِغَتْ بالحُلَّبِ،

أَو بأَعالي السَّلَمِ المُضَرَّبِ،

بُلَّتْ بِكَفَّيْ عَزَبٍ مُشَذَّبِ،

إِذا اتَّقَتْكَ بالنَّفِيِّ الأَشْهَبِ،

فَلَا تُقَعْسِرْها ولكِنْ صَوِّبِ

وَقَالَ اللَّيْثُ: المَأْيُ النَّمِيمة بَيْنَ الْقَوْمِ. مَأَيْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ: أَفسدت. وَقَالَ الليث: مأو

مَأَوْتُ بَيْنَهُمْ إِذا ضَرَبْتَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، ومَأَيتُ إِذا دَبَبْتَ بَيْنَهُمْ بِالنَّمِيمَةِ؛ وأَنشد:

ومَأَى بَيْنَهُمْ أَخُو نُكُراتٍ

لمْ يَزَلْ ذَا نَمِيمَةٍ مَأْآءَا

وامرأَة مَأْآءَةٌ: نَمَّامةٌ مِثْلُ مَعَّاعةٍ، ومُسْتَقْبِلُه يَمْأَى. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ومَأَى بَيْنَ الْقَوْمِ مَأْياً أَفسَدَ ونَمَّ. الْجَوْهَرِيُّ: مَأَى مَا بَيْنَهُمْ مَأْياً أَي أَفسد؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

ويَعْتِلُونَ مَن مَأَى فِي الدَّحْسِ،

بالمأْسِ يَرْقَى فوقَ كلِّ مَأْسِ

والدَّحْسُ والمَأْسُ: الْفَسَادُ. وَقَدْ تَمَأّى مَا بَيْنَهُمْ أَي فَسَدَ. وتَمَأَّى فِيهِمُ الشَّر: فَشا واتَّسع. وامرأَة مَاءَةٌ، عَلَى مِثْلِ ماعةٍ: نَمَّامَةٌ مَقْلُوبٌ، وَقِيَاسُهُ مآةٌ عَلَى مِثال مَعاةٍ. وماءَ السِّنَّوْرُ يَمُوءُ مُواءً «1» ومأَتِ السنورُ كَذَلِكَ إِذا صَاحَتْ، مِثْلَ أَمَتْ تَأْمُو أُماء؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاءَ السنورُ يَمُوءُ كَمَأَى. أَبو عَمْرٍو: أَمْوَى إِذا صَاحَ صِياحَ السنورِ. والمِائةُ: عَدَدٌ مَعْرُوفٌ، وَهِيَ مِنَ الأَسماء الْمَوْصُوفِ بِهَا، حَكَى سِيبَوَيْهِ: مَرَرْتُ برجُلٍ مائةٍ إِبلُه، قَالَ: وَالرَّفْعُ الْوَجْهُ، وَالْجَمْعُ مِئاتٌ ومِئُونَ عَلَى وَزْنِ مِعُونَ، ومِئٌ مِثَالُ مِعٍ، وأَنكر سِيبَوَيْهِ هَذِهِ الأَخيرة، قَالَ: لأَن بَنَاتَ الْحَرْفَيْنِ لَا يُفعل بِهَا كَذَا، يَعْنِي أَنهم لَا يَجْمَعُونَ عَلَيْهَا مَا قَدْ ذَهَبَ مِنْهَا فِي الإِفراد ثُمَّ حذفَ الْهَاءِ فِي الْجَمْعِ، لأَن ذَلِكَ إِجحاف فِي الِاسْمِ وإِنما هُوَ عِنْدَ أَبي عَلِيٍّ المِئِيُّ. الْجَوْهَرِيُّ فِي المِائَة مِنَ الْعَدَدِ: أَصلها مِئًى مِثْلَ مِعًى، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ، وإِذا جُمِعَتْ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ قُلْتَ مِئُون، بِكَسْرِ الميم، وبعضهم يقول مُؤُونَ، بِالضَّمِّ؛ قَالَ الأَخفش: وَلَوْ قُلْتَ مِئَاتٌ مِثْلَ مِعاتٍ لَكَانَ جَائِزًا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَصلها مِئْيٌ. قَالَ أَبو الْحَسَنِ: سَمِعْتُ مِئْياً فِي مَعْنَى مِائةٍ عَنِ الْعَرَبِ، ورأَيت هُنَا حَاشِيَةً بِخَطِّ الشَّيْخِ رضِيّ الدِّين الشَّاطِبِيِّ اللُّغَوِيِّ رحمه الله قَالَ: أَصلها مِئْيةٌ، قَالَ أَبو الْحَسَنِ: سَمِعْتُ مِئْيَةً فِي مَعْنَى مِائةٍ، قَالَ: كَذَا حَكَاهُ الثَّمَانِينِيُّ فِي التَّصْرِيفِ، قَالَ: وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ مِائَة دِرْهَمٍ، يُشِمُّونَ شَيْئًا مِنَ الرَّفْعِ فِي الدَّالِ وَلَا يُبَيِّنُونَ، وَذَلِكَ الإِخفاء، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُرِيدُ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الدَّالِ مِنْ دِرْهَمٍ وَيَبْقَى الإِشمام عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا؛ وَقَوْلِ امرأَة مِنْ بَنِي عُقَيْل تَفْخَرُ

(1). قوله [ومَاءَ السِّنَّوْرُ يَمُوءُ مُوَاءً] كذا في الأَصل وهو من المهموز، وعبارة القاموس: مُؤَاء بهمزتين.

ص: 269

بأَخوالها مِنَ الْيَمَنِ، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ إِنه للعامرِيَّة:

حَيْدَةُ خَالِي ولَقِيطٌ وعَلي،

وحاتِمُ الطائيُّ وهَّابُ المِئِي،

ولمْ يكنْ كخالِك العَبْدِ الدَّعِي

يَأْكلُ أَزْمانَ الهُزالِ والسِّني

هَناتِ عَيْرٍ مَيِّتٍ غيرِ ذَكي

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَراد المِئِيَّ فَخَفَّفَ كَمَا قَالَ الْآخَرُ:

أَلَمْ تكنْ تَحْلِفُ باللهِ العَلي

إِنَّ مَطاياكَ لَمِنْ خَيرِ المَطِي

وَمِثْلُهُ قَوْلُ مُزَرِّد:

وَمَا زَوّدُوني غَيْرَ سَحْقِ عَباءةٍ،

وخَمْسِمِئٍ مِنْهَا قَسِيٌّ وزائفُ «1»

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُمَا عِنْدَ الأَخفش مَحْذُوفَانِ مُرَخَّمَانِ. وَحُكِيَ عَنْ يُونُسَ: أَنه جَمْعٌ بِطَرْحِ الْهَاءِ مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ، قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لأَنه لَوْ أَراد ذَلِكَ لَقَالَ مِئًى مِثْلَ مِعًى، كَمَا قَالُوا فِي جَمْعِ لِثةٍ لِثًى، وَفِي جَمْعِ ثُبةٍ ثُباً؛ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ فِي بَيْتِ مُزَرِّد: أَرادَ مُئِيٍّ فُعُول كحِلْيةٍ وحُلِيٍّ فَحَذَفَ، وَلَا يَجُوزُ أَن يُرِيدَ مِئِين فَيَحْذِفُ النُّونَ، لَوْ أَراد ذَلِكَ لَكَانَ مئِي بِيَاءٍ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ فمِئٍ مِنْ خَمْسِمِئٍ جَمْعُ مِائَة كسِدْرة وسِدْرٍ، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ لأَنه لَا يُقَالُ خَمْسُ تَمْرٍ، يُرَادُ بِهِ خَمْس تَمْرات، وأَيضاً فإِنَّ بَنَاتِ الْحَرْفَيْنِ لَا تُجْمَعُ هَذَا الْجَمْعَ، أَعني الْجَمْعِ الَّذِي لَا يُفَارِقُ وَاحِدَهُ إِلا بِالْهَاءِ؛ وَقَوْلُهُ:

مَا كانَ حامِلُكُمْ مِنَّا ورافِدُكُمْ

وحامِلُ المِينَ بَعْدَ المِينَ والأَلَفِ «2»

إِنَّمَا أَراد الْمِئِينَ فَحَذَفَ الْهَمْزَةَ، وأَراد الْآلَافَ فَحَذَفَ ضَرُورَةً. وَحَكَى أَبو الْحَسَنِ: رأَيت مِئْياً فِي مَعْنَى مِائَةٍ؛ حَكَاهُ ابْنُ جِنِّي، قَالَ: وهذه دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى كَوْنِ اللَّامِ يَاءً، قَالَ: ورأَيت ابْنَ الأَعرابي قَدْ ذَهَبَ إِلى ذَلِكَ فَقَالَ فِي بَعْضِ أَماليه: إِنَّ أَصل مِائَةٍ مِئْيَةٌ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبي عَلِيٍّ فَعَجِبَ مِنْهُ أَن يَكُونَ ابْنُ الأَعرابي يَنْظُرُ مِنْ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ في مثله، وقالوا ثلاثمائةٍ فأَضافوا أَدنى الْعَدَدِ إِلى الْوَاحِدِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْجَمْعِ كَمَا قَالَ:

فِي حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وقَدْ شَجِينا

وَقَدْ يُقَالُ ثَلَاثُ مِئَاتٍ ومِئِينَ، والإِفراد أَكثر عَلَى شُذُوذِهِ، والإِضافة إِلى مِائَة فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ وَيُونُسَ جَمِيعًا فِيمَنْ ردَّ اللَّامَ مِئَوِيٌّ كمِعَوِيٍّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِائَة أَصلها عِنْدَ الْجَمَاعَةِ مِئْية سَاكِنَةُ الْعَيْنِ، فَلَمَّا حُذِفَتِ اللَّامُ تَخْفِيفًا جَاوَرَتِ الْعَيْنُ تَاءَ التأْنيث فَانْفَتَحَتْ عَلَى الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَقِيلَ مِائَةٌ، فإِذا رَدَدْتَ اللَّامَ فَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَن تقرأَ الْعَيْنَ بِحَالِهَا مُتَحَرِّكَةً، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ الرَّدِّ مَفْتُوحَةً فَتُقْلَبُ لَهَا اللَّامُ أَلفاً فَيَصِيرُ تَقْدِيرُهَا مِئاً كَثِنًى، فإِذا أَضفت إِليها أَبدلت الأَلف وَاوًا فَقُلْتَ مِئَوِيٌّ كَثِنَوِيٍّ، وأَما مَذْهَبُ يُونُسَ فإِنه كَانَ إِذا نَسَبَ إِلى فَعْلة أَو فِعْلة مِمَّا لَامُهُ يَاءٌ أَجراهُ مجْرى مَا أَصله فَعِلة أَو فِعِلة، فَيَقُولُونَ فِي الإِضافة إِلى ظَبْيَة ظَبَوِيٌّ، وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ الْعَرَبِ فِي النِّسْبَةِ إِلى بِطْيَة بِطَوِيّ وإِلى زِنْيَة زِنَوِيّ، فَقِيَاسُ هَذَا أَن تُجْرِيَ مِائَةً وإِن كَانَتْ فِعْلة مَجْرَى فِعَلة فَتَقُولَ فِيهَا مِئَوِيٌّ فَيَتَّفِقُ اللَّفْظَانِ مِنْ أَصلين مُخْتَلِفَيْنِ. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ سِيبَوَيْهِ يقال ثَلَاثمائةٍ، وَكَانَ حَقُّهُ أَن يَقُولُوا مِئِينَ أَو مِئاتٍ كَمَا تَقُولُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، لأَن مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلى الْعَشَرَةِ يَكُونُ جَمَاعَةً نَحْوَ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ وَعَشَرَةِ رِجَالٍ، ولكنهم شبهوه بأَحد

(1). قوله [عباءة] في الصحاح: عمامة.

(2)

. قوله [ما كان حاملكم إلخ] تقدم في أل ف: وكان.

ص: 270

عَشَرَ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَمَنْ قَالَ مِئِينٌ ورَفَع النونَ بِالتَّنْوِينِ فَفِي تَقْدِيرِهِ قَوْلَانِ: أَحدهما فِعْلِينٌ مِثْلُ غِسْلِينٍ وَهُوَ قَوْلُ الأَخفش وَهُوَ شَاذٌّ، وَالْآخَرُ فِعِيل، كَسَرُوا لِكَسْرَةِ مَا بَعْدَهُ وأَصله مِئِيٌّ ومُئِيٌّ مِثَالُ عِصِيّ وعُصِيّ، فأَبدلوا مِنَ الْيَاءِ نُونًا. وأَمْأَى القومُ: صَارُوا مِائَةً وأَمْأَيْتُهُمْ أَنا، وإِذا أَتممت القومَ بِنَفْسِكَ مِائَةً فَقَدْ مَأَيْتَهم، وَهُمْ مَمْئِيُّون، وأَمْأَوْا هم فهم مُمْؤُون. وإِن أَتممتهم بِغَيْرِكَ فَقَدَ أَمْأَيْتَهُمْ وَهُمْ مُمْأَوْنَ. الْكِسَائِيُّ: كَانَ الْقَوْمُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ فأَمْأَيْتُهم، بالأَلف، مِثْلَ أَفعَلْتُهم، وَكَذَلِكَ فِي الأَلف آلَفْتُهم، وَكَذَلِكَ إِذا صَارُوا هُمْ كَذَلِكَ قُلْتَ: قَدْ أَمْأَوْا وآلَفُوا إِذا صَارُوا مِائَةً أَو أَلْفاً. الْجَوْهَرِيُّ: وأَمْأَيْتُها لَكَ جَعَلْتُهَا مِائَةً. وأَمْأَتِ الدراهمُ والإِبلُ والغنمُ وَسَائِرُ الأَنواع: صَارَتْ مِائَةً، وأَمْأَيْتها مِائةً. وشارطْتُه مُمَاآةً أَي عَلَى مائةٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، كَقَوْلِكَ شَارَطْتُهُ مُؤالفةً. التَّهْذِيبِ: قَالَ اللَّيْثُ المِائَةُ حُذِفَتْ مِنْ آخِرِهَا وَاوٌ، وَقِيلَ: حَرْفُ لِينٍ لَا يُدْرَى أَواو هُوَ أَو يَاءٌ، وأَصل مِائَة عَلَى وَزْنِ مِعْية، فَحُوِّلَتْ حَرَكَةُ الْيَاءِ إِلى الْهَمْزَةِ، وَجَمْعُهَا مِأَيات عَلَى وَزْنِ مِعَيات، وَقَالَ فِي الْجَمْعِ: وَلَوْ قُلْتَ مِئات بِوَزْنِ مِعات لَجَازَ. ومأو

المَأْوة: أَرض مُنْخَفِضَةٌ، وَالْجَمْعُ مَأْوٌ

مَأْوٌ.

متا: مَتَوْت فِي الأَرض كمَطَوْت. ومَتَوْت الحبلَ وغيرَه مَتْواً ومَتَيْتُه: مَدَدْتُه؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

فأَتَتْه الوَحْشُ وارِدةً،

فتَمَتَّى النَّزْعَ مِنْ يَسَرِهْ

فكأَنه فِي الأَصل فَتَمَتَّتَ فَقُلِبَتْ إِحدى التاءَات يَاءً، والأَصل فِيهِ مَتَّ بِمَعْنَى مَطَّ وَمَدَّ بِالدَّالِ. والتَّمَتِّي فِي نَزْع الْقَوْسِ: مَدُّ الصُّلْب. ابْنُ الأَعرابي: أَمْتَى الرجلُ إِذا امتدَّ رزقُه وَكَثُرَ. وَيُقَالُ: أَمْتَى إِذا طَالَ عمرُه، وأَمْتَى إِذا مشَى مِشْية قَبِيحَةً، والله أَعلم.

مَحَا: مَحَا الشيءَ يَمْحُوه ويَمْحَاه مَحْواً ومَحْياً: أَذْهَبَ أَثَرَه. الأَزهري: المَحْوُ لِكُلِّ شَيْءٍ يَذْهَبُ أَثرُه، تَقُولُ: أَنا أَمْحُوه وأَمْحاه، وطيِء تَقُولُ مَحَيْتُه مَحْياً ومَحْواً. وامَّحَى الشيءُ يَمَّحِي امِّحاءً، انْفَعَلَ، وَكَذَلِكَ امْتَحَى إِذا ذَهَبَ أَثرُه، وَكَرِهَ بَعْضُهُمُ امْتَحَى، والأَجود امَّحَى، والأَصل فِيهِ انْمَحَى، وأَما امْتَحَى فَلُغَةٌ رَدِيئَةٌ. ومَحَا لَوْحَه يَمْحُوه مَحْواً ويَمْحِيه مَحْياً، فَهُوَ مَمْحُوٌّ ومَمْحِيٌّ، صَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قلبها فأُدغمت فِي الْيَاءِ الَّتِي هِيَ لَامٌ الْفِعْلِ؛ وأَنشد الأَصمعي:

كَمَا رأَيتَ الوَرَقَ المَمْحِيَّا

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وامْتَحَى لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ. والمَاحِي: مِنْ أَسماء سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، مَحَا اللَّهُ بِهِ الكفرَ وآثارَه، وَقِيلَ: لأَنه يَمحُو الكفرَ ويُعَفِّي آثارَه بإِذن اللَّهِ. والمَحْوُ: السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ كأَن ذَلِكَ كَانَ نَيِّراً فمُحِي. والمَحْوَة: المَطْرة تمحُو الجَدْبَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وأَصبحت الأَرض مَحْوَةً وَاحِدَةً إِذا تَغَطَّى وجْهُها بِالْمَاءِ حَتَّى كأَنها مُحِيَتْ. وتركتُ الأَرضَ مَحْوَةً وَاحِدَةً إِذا طَبَّقَها المطرُ، وَفِي الْمُحْكَمِ: إِذا جِيدَتْ كلُّها، كَانَتْ فِيهَا غُدْرانٌ أَو لَمْ تَكُنْ. أَبو زَيْدٍ: تَرَكَتِ السماءُ الأَرضَ مَحْوَةً وَاحِدَةً إِذا طَبَّقَها المطرُ. ومَحوَة: الدَّبُورُ لأَنها تَمْحُو السحابَ مَعْرِفَةٌ، فإِن قُلْتَ: إِنَّ الأَعلام أَكثر وُقُوعِهَا فِي كَلَامِهِمْ إِنما هُوَ عَلَى الأَعيان المرئِيَّاتِ، فَالرِّيحُ وإِن لَمْ تَكُنْ مَرْئِيَّةً فإِنها عَلَى كُلِّ حَالٍ جِسْمٌ،

ص: 271

أَلا تَرَى أَنها تُصادِمُ الأَجرام، وكلُّ مَا صادَمَ الجِرْم جِرْمٌ لَا مَحالة، فإِن قِيلَ: وَلِمَ قَلَّتِ الأَعلام فِي الْمَعَانِي وَكَثُرَتْ فِي الأَعيان نَحْوَ زَيْدٍ وَجَعْفَرٍ وَجَمِيعِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ عَلَمٌ وَهُوَ شَخْصٌ؟ قِيلَ: لأَن الأَعيان أَظهر لِلْحَاسَّةِ وأَبدى إِلى الْمُشَاهَدَةِ فَكَانَتْ أَشبه بالعَلَمِية مِمَّا لَا يُرى وَلَا يُشَاهَدُ حِسًّا، وإِنما يُعْلَمُ تأَمُّلًا وَاسْتِدْلَالًا، وَلَيْسَتْ مِنْ مَعْلُومِ الضَّرُورَةِ لِلْمُشَاهَدَةِ، وَقِيلَ: مَحْوةُ اسْمٌ للدَّبُور لأَنها تَمْحُو الأَثَرَ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

سَحابات مَحَتْهُنَّ الدَّبُورُ

وَقِيلَ: هِيَ الشَّمال. قَالَ الأَصمعي وَغَيْرُهُ: مِنْ أَسماء الشَّمال مَحْوةُ، غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هَبَّتْ مَحْوَةُ اسمُ الشَّمال مَعْرِفة؛ وأَنشد:

قَدْ بكَرَتْ مَحْوَةُ بالعَجَاجِ،

فَدَمَّرَتْ بَقِيَّةَ الرَّجَاجِ

وَقِيلَ: هُوَ الجَنوب، وَقَالَ غَيْرُهُ: سُمِّيت الشَّمالُ مَحْوةَ لأَنها تَمْحُو السحابَ وتَذْهَبُ بِهَا. ومَحْوَة: رِيحُ الشَّمَال لأَنها تَذْهَبُ بِالسَّحَابِ، وَهِيَ مَعْرِفَةٌ لَا تَنْصَرِفُ وَلَا تَدْخُلُهَا أَلف وَلَامٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَنكر عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ اخْتِصَاصَ مَحْوَة بالشَّمال لِكَوْنِهَا تَقْشَعُ السحابَ وتَذْهَب بِهِ، قَالَ: وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الجَنوب؛ وأَنشد للأَعشى:

ثمَّ فاؤوا على الكَريهَةِ والصَّبْرِ،

كَمَا تَقْشَعُ الجَنُوبُ الجَهاما

ومَحْوٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ بِغَيْرِ أَلف وَلَامٍ. وَفِي الْمُحْكَمِ: والمَحْوُ اسْمُ بَلَدٍ؛ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:

لِتَجْرِ الحَوادِثُ بَعْدَ الفَتَى

الْمُغَادَرِ، بالمَحْو، أَذْلالَها

والأَذْلالُ: جَمْعُ ذِلّ، وَهِيَ الْمَسَالِكُ والطُّرُق. يُقَالُ: أُمورُ اللَّهِ تَجْري عَلَى أَذْلالها أَي عَلَى مجَاريها وطُرُقِها. والمِمْحَاةُ: خِرْقة يُزَالُ بِهَا المَنيُّ وَنَحْوُهُ.

مخا: التَّهْذِيبُ عَنِ ابْنُ بُزُرْجَ فِي نَوَادِرِهِ: تَمَخَّيْتُ إِليه أَي اعْتَذَرْتَ، وَيُقَالُ: امَّخَيتُ إِليه؛ وأَنشد الأَصمعي:

قَالَتْ وَلَمْ تَقْصِدْ لَهُ وَلَمْ تَخِهْ،

وَلَمْ تُراقِبْ مَأْثَماً فتَمَّخِهْ

مِنْ ظُلْمِ شَيْخٍ آضَ منْ تَشَيُّخِهْ،

أَشْهَبَ مثْلَ النَّسْرِ بَيْنَ أَفْرُخِهْ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده:

مَا بالُ شَيْخِي آضَ مِن تَشَيُّخِهْ،

أَزْعَرَ مِثْلَ النَّسْرِ عِنْدَ مَسْلَخِهْ

وَقَالَ الأَصمعي: امَّخَى مِنْ ذَلِكَ الأَمر امِّخَاءً إِذا حَرِجَ مِنْهُ تَأَثُّماً، والأَصل انْمَخَى. الْجَوْهَرِيُّ: تَمَخَّيتُ مِنَ الشيءِ وامَّخَيْتُ مِنْهُ إِذا تبرّأْت مِنْهُ وتَحَرّجت.

مدى: أَمْدَى الرجلُ إِذا أَسَنّ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُوَ مِنْ مَدَى الْغَايَةِ. ومَدَى الأَجَل: مُنْتَهَاهُ. والمَدَى: الْغَايَةُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

مُشْتَبِه مُتَيِّه تَيْهاؤهُ،

إِذا المَدَى لم يُدْرَ ما مِيداؤُه

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: المِيداءُ مِفْعال مِنَ المَدَى، وَهُوَ الْغَايَةُ والقَدْر. وَيُقَالُ: مَا أَدري مَا مِيْدَاءُ هَذَا الأَمر يَعْنِي قَدْرُهُ وَغَايَتُهُ. وَهَذَا بِمِيداء أَرضِ كَذَا إِذا كَانَ بحِذائها، يَقُولُ: إِذا سَارَ لَمْ يدرِ أَما مَضَى أَكثر أَم مَا بَقِيَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُ ابْنِ الأَعرابي

ص: 272

المِيدَاء مِفْعَالٌ مِنَ المَدَى غَلَطٌ، لأَن الْمِيمَ أَصلية وَهُوَ فِيعالٌ مِنَ المَدَى، كأَنه مَصْدَرُ مَادَى مِيدَاءً، عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ فاعَلْتُ فِيعالًا. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، كَتَبَ لِيَهُودِ تَيْماءَ: أَن لَهُمُ الذمَّةَ وَعَلَيْهِمِ الجِزْيَة بِلَا عَداءٍ النهارَ مَدًى والليلَ سُدًى

أَي ذَلِكَ لَهُمْ أَبداً مَا دَامَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. يُقَالُ: لَا أَفعله مَدَى الدهرِ أَي طُولَه، والسُّدى: المُخَلَّى؛ وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ: المَدَى الْغَايَةُ أَي ذَلِكَ لَهُمْ أَبداً مَا كَانَ النهارُ والليلُ سُدًى أَي مُخَلًّى، أَراد مَا تُرك الليلُ وَالنَّهَارُ عَلَى حَالِهِمَا، وَذَلِكَ أَبداً إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَيُقَالُ: قطْعة أَرض قَدْر مَدَى الْبَصَرِ، وَقَدْرُ مَدِّ الْبَصَرِ أَيضاً؛ عَنْ يَعْقُوبَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

المؤذِّن يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِه

؛ المَدَى: الْغَايَةُ أَي يَسْتكمل مغفرةَ اللَّهِ إِذا اسْتَنْفَد وُسْعَه فِي رَفْعِ صَوْتِهِ فَيَبْلُغُ الْغَايَةَ فِي الْمَغْفِرَةِ إِذا بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الصَّوْتِ، قِيلَ: هُوَ تَمْثِيلٌ أَي أَن الْمَكَانَ الَّذِي يَنْتَهِي إِليه الصَّوْتُ لَوْ قُدّر أَن يَكُونَ مَا بَيْنَ أَقصاه وَبَيْنَ مَقام الْمُؤَذِّنِ ذنوبٌ تملأُ تلك الْمَسَافَةَ لَغَفَرَها اللَّهُ لَهُ؛ وَهُوَ مِني مَدَى البصرِ، وَلَا يُقَالُ مَدّ الْبَصَرِ. وَفُلَانٌ أَمْدَى الْعَرَبِ أَي أَبْعَدُهم غَايَةً فِي الْغَزْوِ؛ عَنِ الْهَجَرِيِّ؛ قَالَ عُقَيْلٌ تَقَوَّلَهُ، وإِذا صَحَّ مَا حَكَاهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ أَحْنَكِ الشَّاتَيْنِ. وَيُقَالُ: تَمَادَى فُلَانٌ فِي غَيِّه إِذا لَجَّ فِيهِ، وأَطال مَدَى غَيِّه أَي غَايَتَهُ. وَفِي حَدِيثِ

كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتمادى بِي

أَي يَتطاول ويتأَخر، وَهُوَ يَتَفَاعَلُ مِنَ المَدى. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:

لَوْ تَمادى بِيَ الشهرُ لَواصَلْتُ.

وأَمْدى الرجلُ إِذا سُقي لَبَناً فأَكثر. والمُدْيةُ والمِدْية: الشَّفْرة، وَالْجَمْعُ مِدًى ومُدًى ومُدْيات، وَقَوْمٌ يَقُولُونَ مُدْية فإِذا جَمَعُوا كسَروا، وآخرُون يقولون مِدْية فإِذا جمعوا ضَمُّوا، قَالَ: وَهَذَا مُطَّرِدٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لِدُخُولِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الأُخرى. والمَدْية، بِفَتْحِ الْمِيمِ، لُغَةٌ فِيهَا ثَالِثَةٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. قَالَ الْفَارِسِيُّ: قَالَ أَبو إِسحق سُمِّيَتْ مُدْية لأَن بِهَا انْقِضَاءَ المَدَى، قَالَ: وَلَا يُعْجِبُنِي. وَفِي الْحَدِيثِ:

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لاقُو العدوِّ غَدًا وَلَيْسَتْ مَعَنا مُدًى

؛ هِيَ جَمْعُ مُدْية، وَهِيَ السِّكِّينُ والشَّفْرة. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَوْفٍ: وَلَا تَفُلُّوا المَدى بِالِاخْتِلَافِ بَيْنَكُمْ

، أَراد لَا تَخْتَلِفُوا فَتَقَعَ الْفِتْنَةُ بَيْنَكُمْ فَيَنْثَلِمَ حَدُّكم، فَاسْتَعَارَهُ لِذَلِكَ. ومَدْيةُ القَوس «3» كَبِدُها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

أَرْمِي وإِحْدى سِيَتَيْها مَدْيَهْ،

إِنْ لَمْ تُصِبْ قَلْباً أَصابَتْ كُلْيَهْ

والمَدِيُّ، عَلَى فَعِيل: الْحَوْضُ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ نَصائبُ، وَهِيَ حِجَارَةٌ تُنْصَب حولَه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذا أُمِيلَ فِي المَدِيّ فَاضَا

وَقَالَ الرَّاعِي يَصِفُ مَاءً ورَدَهُ:

أَثَرْتُ مَدِيَّهُ، وأَثَرْتُ عَنْهُ

سَواكِنَ قَدْ تَبَوَّأْن الحُصونا

وَالْجَمْعُ أَمْدِيةٌ. والمَدِيُّ أَيضاً: جَدْوَلٌ صَغِيرٌ يَسِيلُ فِيهِ مَا هُريقَ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ. والمَدِيُّ والمَدْيُ: مَا سَالَ «4» مِنْ فُرُوغِ الدَّلْوِ يُسَمَّى مَدِيّاً مَا دَامَ يُمَدُّ، فإِذا استقَرَّ وأَنْتَنَ فهو غَرَب.

(3). قوله [ومَدْيَة القوس إِلى قوله في الشاهد وإحدى سيتيها مَدْيَة] ضبط في الأصل بفتح الميم من مَدْيَة في الموضعين وتبعه شارح القاموس فقال: والمَدْيَة، بالفتح، كبد القوس: وأَنشد البيت. وعبارة الصاغاني في التكملة: والمُدْيَة بالضم كبد القوس؛ وأنشد البيت.

(4)

. قوله [والمَدِيّ والمَدْي مَا سَالَ إلخ] كذا في الأصل مضبوطاً.

ص: 273

قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: المَدِيُّ الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنَ الْحَوْضِ ويَخْبُثُ فَلَا يُقْرَبُ. والمُدْيُ: مِنَ الْمَكَايِيلِ مَعْرُوفٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ مِكْيَالٌ ضَخْم لأَهل الشَّامِ وأَهل مِصْرَ، وَالْجَمْعُ أَمْداءٌ. التَّهْذِيبِ: والمُدْيُ مِكْيَالٌ يأْخذ جَريباً. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن عَلِيًّا، رضي الله عنه، أَجْرَى لِلنَّاسِ المُدْيَيْنِ والقِسْطَيْنِ

؛ فالمُدْيانِ الجَريبانِ، والقِسْطانِ قِسطانِ مِنْ زَيْتٍ كُلٌّ يَرْزُقهما الناسَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُرِيدُ مُدْيَيْنِ مِنَ الطَّعَامِ وقِسْطَيْن مِنَ الزَّيْتِ، والقِسْط نِصْفُ صَاعٍ. الْجَوْهَرِيُّ: المُدْيُ القَفيز الشَّامِيُّ وَهُوَ غَيْرُ المُدِّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المُدْيُ مِكْيَالٌ لأَهل الشَّامِ يُقَالُ لَهُ الجَريب، يَسَعُ خَمْسَةً وأَربعين رِطْلًا، والقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكاكِيكَ، والمَكُّوك صَاعٌ وَنِصْفٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

البُرُّ بالبُرِّ مُدْيٌ بِمُدْيٍ

أَي مِكْيَالٌ بِمِكْيَالٍ. قَالَ ابْنُ الأَثير: والمُدْيُ مِكْيَالٌ لأَهل الشَّامِ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ مَكُّوكاً، والمَكُّوك صَاعٌ وَنِصْفٌ، وَقِيلَ: أَكثر مِنْ ذَلِكَ.

مذي: المَذْيُ، بِالتَّسْكِينِ: مَا يَخْرُجُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالتَّقْبِيلِ، وَفِيهِ الْوُضُوءُ. مَذَى الرجلُ والفَحْلُ، بِالْفَتْحِ، مَذْياً وأَمْذَى، بالأَلف، مِثْلُهُ وَهُوَ أَرَقُّ مَا يَكُونُ مِنَ النُّطْفَةِ، وَالِاسْمُ المَذْيُ والمَذِيُّ، وَالتَّخْفِيفُ أَعلى. التهذيب: وهو المذا وَالْمَذَى مِثْلُ الْعَمَى «1» . وَيُقَالُ: مَذَى وأَمْذَى ومَذَّى، قَالَ: والأَول أَفصحها. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، عليه السلام: كنتُ رَجُلًا مَذَّاءً فاستحيتُ أَن أَسأَل النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، فأَمرتُ المِقْداد فسأَله فَقَالَ فِيهِ الْوُضُوءُ

؛ مَذَّاء أَي كَثِيرُ المَذْي. قَالَ ابْنُ الأَثير: المَذْيُ، بِسُكُونِ الذَّالِ مُخَفَّفُ الْيَاءِ، الْبَلَلُ اللَّزِج الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الذَّكَرِ عِنْدَ مُلاعبة النساءِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ الغُسْل، وَهُوَ نَجِسٌ يَجِبُ غَسْله وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ، والمَذَّاءُ فَعَّالٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي كَثْرَةِ المَذْي، مَنْ مَذَى يَمْذِي لَا مِنْ أَمْذى، وَهُوَ الَّذِي يَكْثُرُ مَذْيُه. الأُمَوِيّ: هُوَ المَذِيُّ، مُشَدَّدٌ، وبعضٌ يُخَفِّف. وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنِ الأَصمعي: المَذِيُّ والوَدِيُّ والمَنِيُّ مُشَدَّدَاتٌ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: المَنِيُّ وَحْدَهُ مُشَدَّدٌ، والمَذْيُ والوَدْيُ مُخَفَّفَانِ، والمَذْيُ أَرق مَا يَكُونُ مِنَ النُّطْفَةِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: المَذِيُّ، مُشَدَّدٌ، اسْمُ الماءِ، وَالتَّخْفِيفُ مَصْدَرُ مَذَى. يُقَالُ: كلُّ ذَكَرٍ يَمْذِي وَكُلُّ أُنثى تَقْذي؛ وأَنشد ابْنَ بَرِّيٍّ للأَخطل:

تَمْذِي إِذا سَخَنَتْ فِي قُبْلِ أَذرُعِها،

وتَدْرَئِمُّ إِذا مَا بَلَّها المَطَرُ

والمَذْيُ: الماءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ صُنْبُور الْحَوْضِ. ابْنُ بَرِّيٍّ: المَذِيُّ أَيضاً مَسِيل الْمَاءِ مِنَ الْحَوْضِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

لَمَّا رَآهَا تَرْشُفُ المَذِيَّا،

ضَجَّ العَسِيفُ واشْتَكى الْوُنِيّا

والمَذِيَّةُ: أُم بَعْضِ شُعَرَاءِ الْعَرَبِ يُعَيَّرُ بِهَا. وأَمْذَى شَرَابَهُ: زَادَ فِي مِزاجه حَتَّى رَقَّ جِدًّا. ومَذَيْتُ فَرَسِي وأَمْذَيْته ومَذَّيْته: أَرسلته يَرْعَى. والمِذَاء: أَن تَجْمع بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَتَتْرُكَهُمْ يُلَاعِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. والمِذَاء: الْمُمَاذَاةُ. وَفِي حَدِيثِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: الغَيْرَةُ مِنَ الإِيمان والمِذَاءُ مِنَ النِّفَاقِ

«2» ؛ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّجَالِ والنساء للزنا، سُمِّيَ مِذَاءً لأَنَّ بَعْضَهُمْ يُماذِي بعضاً مِذاءً.

(1). قوله [وهو المذا والمذى مثل العمى] كذا في الأصل بلا ضبط.

(2)

. قوله [

والمِذَاء من النفاق

إلخ] كذا هو في الأصل مضبوطاً بالكسر كالصحاح، وفي القاموس: والمَذَاء كسماء، وكذلك ضبط في التكملة مصرحاً بالفتح، وَقَدْ رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْحَدِيثَ.

ص: 274

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المِذاءُ أَن يُدخِل الرجلُ الرجالَ عَلَى أَهله ثُمَّ يُخَلِّيَهم يُماذِي بعضُهم بَعْضًا، وَهُوَ مأْخوذ مِنَ المَذْي، يَعْنِي يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ثم يخليهم يُماذِي بعضهم بَعْضًا مِذاءً. ابْنُ الأَعرابي: أَمْذَى الرجلُ ومَاذَى إِذا قَادَ عَلَى أَهله، مأْخوذ مِنَ المَذْي، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ أَمْذَيْت فَرَسِي ومَذَيته إِذا أَرسلته يَرْعَى، وأَمْذَى إِذا أَشهد. قَالَ أَبو سَعِيدٍ فِيمَا جاءَ فِي الْحَدِيثِ:

هُوَ المَذاءُ

، بِفَتْحِ الْمِيمِ، كأَنه مِنَ اللِّين وَالرَّخَاوَةِ، مِنْ أَمْذَيْت الشرابَ إِذا أَكثرت مِزاجَه فذهبتْ شِدَّتُه وحِدَّتُه، وَيُرْوَى المِذال، بِاللَّامِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والمَذَاء: الدِّياثة، والدَّيُّوث: الَّذِي يُدَيِّث نفسَه عَلَى أَهله فَلَا يُبَالِي مَا يُنال مِنْهُمْ، يُقَالُ: دَاثَ يَدِيث إِذا فَعَلَ ذَلِكَ، يُقَالُ: إِنه لَدَيُّوثٌ بَيِّن المَذاءِ، قَالَ: وَلَيْسَ مِنَ المَذْي الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الذَّكَرِ عِنْدَ الشَّهْوَةِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنه مِنْ مَذَيْت فَرَسِي. ابْنُ الأَنباري: الوَدْي الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ بَعْدَ الْبَوْلِ إِذا كَانَ قَدْ جَامَعَ قَبْلَ ذَلِكَ أَو نَظَرَ، يُقَالُ: وَدَى يَدِي وأَوْدَى يُودِي، والأَول أَجود. والمَذْي: مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ عِنْدَ النَّظَرِ. يُقَالُ: مَذَى يَمْذِي وأَمْذَى يُمْذِي، والأَول أَجود. والمَاذِيُّ: العسَل الأَبيض. والماذِيَّةُ: الخَمْرة السَّهْلَةُ السَّلِسة، شُبِّهَتْ بِالْعَسَلِ، وَيُقَالُ: سُمِّيت ماذِيَّةً لِلِينِها. يُقَالُ: عَسَلٌ مَاذِيٌّ إِذا كَانَ لَيِّناً، وَسُمِّيَتِ الْخَمْرُ سُخامِيَّةً لِلينها أَيضاً. وَيُقَالُ: شَعْرٌ سُخامٌ إِذا كَانَ ليِّناً. الأَصمعي: المَاذِيَّةُ السَّهْلَةُ اللَّيِّنة، وَتُسَمَّى الْخَمْرُ ماذِيَّةً لِسُهُولَتِهَا فِي الْحَلْقِ. والمِذَى: المَرايا، وَاحِدَتُهَا مَذْيَةٌ، وَتُجْمَعُ مَذْياً ومَذَيات ومِذًى ومِذاء؛ وَقَالَ أَبو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ فِي المَذِيَّة فَجَعَلَهَا عَلَى فَعِيلة:

وبَياضُ وجْهكَ لَمْ تَحُلْ أَسْرارُه

مِثْلُ المَذِيَّةِ، أَو كشَنْفِ الأَنْضُرِ

قَالَ فِي تَفْسِيرِ المَذِيَّة: المِرآة، وَيُرْوَى: مِثْلُ الوَذِيلة. وأَمْذَى الرجلُ إِذ تَجَرَ فِي المِذَاء، وَهِيَ المَرائي. والمَذِيَّةُ: المِرآةُ المَجْلُوَّة. والماذِيَّةُ مِنَ الدُّرُوعِ: الْبَيْضَاءُ. ودِرْعٌ ماذِيَّة: سَهْلَةٌ ليِّنة، وَقِيلَ: بَيْضَاءُ. والماذِيُّ: السِّلَاحُ كُلُّهُ مِنَ الْحَدِيدِ. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ وأَبو خَيْرَةَ: الماذِيُّ الْحَدِيدُ كُلُّهُ الدِّرْع والمِغْفَر وَالسِّلَاحُ أَجمع، مَا كَانَ مِنْ حَدِيدٍ فَهُوَ مَاذِيٌّ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:

يَمْشُونَ، والمَاذِيُّ فوقَ رؤوسهِمْ،

يَتَوَقَّدُونَ تَوَقُّدَ النَّجْم

وَيُقَالُ: المَاذِيُّ خَالِصُ الْحَدِيدِ وجَيِّدُه. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وقَضَيْنا عَلَى مَا لَمْ تَظْهَرْ ياؤُه مِنْ هَذَا الْبَابِ بِالْيَاءِ لِكَوْنِهَا لَامًا مَعَ عَدَمِ م ذ و، والله أَعلم.

مرا: المَرْوُ: حِجَارَةٌ بيضٌ بَرَّاقة تَكُونُ فِيهَا النَّارُ وتُقْدَح مِنْهَا النَّارُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

الواهِبُ الأُدْمَ كالمَرْوِ الصِّلاب، إِذا

مَا حارَدَ الخُورُ، واجْتُثَّ المَجاليحُ «1»

وَاحِدَتُهَا مَرْوَةٌ، وَبِهَا سُمِّيَتِ المَرْوَة بِمَكَّةَ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى. ابْنُ شُمَيْلٍ: المَرْوُ حَجَرٌ أَبيض رَقِيقٌ يُجْعَلُ منها المَطارُّ، يُذْبَحُ بِهَا، يَكُونُ المَرْوُ مِنْهَا كأَنه البَرَدُ، وَلَا يَكُونُ أَسود وَلَا أَحمر، وَقَدْ يُقْدَح بِالْحَجَرِ الأَحمر فَلَا يُسَمَّى مَرْواً، قَالَ: وَتَكُونُ المَرْوَة مِثْلَ جُمْعِ الإِنسان وأَعظم وأَصغر. قَالَ شَمِرٌ: وسأَلت عَنْهَا أَعرابيّاً مِنْ بَنِي أَسد فَقَالَ: هِيَ هَذِهِ القدَّاحات الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا النَّارُ. وَقَالَ أَبو

(1). قوله [الواهب الأدم] وقع البيت في مادة جلح محرفاً فيه لفظ الصلاب بالهلاب واجتث مبنياً للفاعل، والصواب ما هنا.

ص: 275

خَيْرَة: المَرْوَة الْحَجَرُ الأَبيض الهَشُّ يَكُونُ فِيهِ النَّارُ. أَبو حَنِيفَةَ: المَرْوُ أَصلب الْحِجَارَةِ، وَزَعَمَ أَن النَّعام تبتلعُه وَذَكَرَ أَن بَعْضَ الْمُلُوكِ عَجِب مِنْ ذَلِكَ ودَفَعَه حَتَّى أَشهده إِياه المُدَّعِي. وَفِي الْحَدِيثِ:

قَالَ لَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ إِذا أَصاب أَحدُنا صَيْدًا وَلَيْسَ مَعَهُ سِكِّين أَيَذْبَحُ بالمَرْوة وشِقَّةِ العَصا؟

المَرْوَة: حَجَرٌ أَبيض بَرَّاق، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يُقْدَح مِنْهَا النَّارُ، ومَرْوَةُ المَسْعَى الَّتِي تُذكرُ مَعَ الصَّفا وَهِيَ أَحد رأْسَيْه اللذَيْنِ ينتهِي السعيُ إِليهما سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، وَالْمُرَادُ فِي الذَّبْحِ جِنْسُ الأَحجار لَا المَرْوةُ نفسُها. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما: إِذا رَجُلٌ مِنْ خَلْفي قَدْ وَضَعَ مَرْوَتَه عَلَى مَنْكِبي فإِذا هُوَ عليٌ

، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن جِبْرِيلَ، عليه السلام، لَقِيَه عِنْدَ أَحجار المِرَاء

؛ قِيلَ: هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ قُباء، فأَما المُراء، بِضَمِّ الْمِيمِ، فَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ النَّخْلَ. والمَرْوَةُ: جَبَلُ مَكَّةُ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ

. والمَرْوُ: شَجَرٌ طَيِّبُ الرِّيحِ. والمَرْوُ: ضَرْبٌ مِنَ الرَّيَاحِينِ؛ قَالَ الأَعشى:

وآسٌ وَخِيرِيٌّ ومَرْوٌ وسَمْسَقٌ،

إِذا كَانَ هِنْزَمْنٌ، ورُحْتُ مُخَشَّما «1»

وَيُرْوَى: وسَوْسَنٌ، وسَمْسقٌ هُوَ المَرْزَجُوش، وهِنْزَمْنٌ: عيدٌ لَهُمْ. والمُخَشَّمُ: السَّكْرَانُ. ومَرْو: مَدِينَةٌ بِفَارِسَ، النَّسَبُ إِليها مَرْوِيٌّ ومَرَوِيٌّ ومَرْوَزيٌّ؛ الأَخيرتان مِنْ نَادِرِ مَعْدُولِ النَّسَبِ؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: النِّسْبَةُ إِليها مَرْوَزِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، والثَّوْبُ مَرْوِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ. ومَروان: اسْمُ رَجُلٍ: ومَرْوان: جَبَلٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَحسب ذَلِكَ. والمَرَوراةُ: الأَرض أَو الْمَفَازَةُ الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا. وَهِيَ فَعَوْعَلةٌ، وَالْجَمْعُ المَرَوْرَى والمَرَوْرَيات والمَرارِيُّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْجَمْعُ مَرَوْرَى، قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ صَمَحْمَح وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ عَثَوْثل لأَن بَابَ صَمَحْمَح أَكثر مِنْ بَابِ عَثَوْثَل. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَرَوْراةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ فَعَلْعَلَةٌ، قَالَ فِي بَابِ مَا تُقْلب فِيهِ الْوَاوُ يَاءً نَحْوَ أَغْزَيْتُ وغازَيْتُ: وأَما المَرَوْراةُ فَبِمَنْزِلَةِ الشَّجَوْجاة وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ صَمَحْمَح، وَلَا تَجْعَلْهُما عَلَى عَثَوْثَل، لأَن فَعَلْعَلًا أَكثر. ومَرَوْراةُ: اسْمُ أَرض بِعَيْنِهَا؛ قَالَ أَبو حيَّة النُّميري:

وَمَا مُغْزِلٌ تحْنو لأَكْحَلَ، أَيْنَعَتْ

لَهَا بِمَرَوْراةَ الشروجُ الدَّوافِعُ

التَّهْذِيبِ: المَرَوْرَاةُ الأَرض الَّتِي لَا يَهْتَدِي فِيهَا إِلا الخِرِّيت. وَقَالَ الأَصمعي: المَروْرَاةُ قَفْرٌ مُسْتو، وَيُجْمَعُ مَرَوْرَياتٍ ومَرارِيَّ. والمَرْيُ: مَسْح ضَرْع النَّاقَةِ لتَدِرَّ. مَرَى الناقةَ مَرْياً: مَسَحَ ضَرْعَها لِلدِّرَّةِ، وَالِاسْمُ المِرْيَة، وأَمرَتْ هِيَ دَرَّ لبنُها، وَهِيَ المِرْيَة والمُرْيَة، وَالضَّمُّ أَعلى. سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا حَلَبتها مِرْيَةً، لَا تُرِيدُ فِعْلًا وَلَكِنَّكَ تُرِيدُ نَحْواً مِنَ الدِّرَّة. الْكِسَائِيُّ: المَرِيُّ النَّاقَةُ الَّتِي تَدِرُّ عَلَى مَنْ يَمْسَحُ ضُروعها، وَقِيلَ: هِيَ النَّاقَةُ الْكَثِيرَةُ اللَّبَنِ، وَقَدْ أَمْرَتْ، وَجَمْعُهَا مَرايا. ابْنُ الأَنباري: فِي قَوْلِهِمْ مَارَى فُلَانٌ فُلَانًا مَعْنَاهُ قَدِ اسْتَخْرَجَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْكَلَامِ والحُجَّة، مأْخوذ مِنْ قَوْلِهِمْ مَرَيْت الناقةَ إِذا مسحتَ ضَرْعَها لِتَدِرَّ. أَبو زَيْدٍ: المَرِيُّ النَّاقَةُ تُحْلَب عَلَى غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا

(1). قوله [وخيري] هو بكسر الخاء كما ترى، صرح بذلك المصباح وغيره، وضبط في مادة خير من اللسان بالفتح خطأ.

ص: 276

تَكُونُ مَرِيّاً وَمَعَهَا وَلَدُهَا، وَهُوَ غَيْرُ مَهْمُوزٍ، وَجَمْعُهَا مَرايا. وَفِي حَدِيثِ

عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، رضي الله عنه: أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ له امْرِ الدمَ بِمَا شِئْتَ

، مَنْ رَوَاهُ أَمِرْه فَمَعْنَاهُ سَيِّلْه وأَجْرِه وَاسْتَخْرِجْهُ بِمَا شِئْتَ، يُرِيدُ الذَّبْحَ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مور، وَمَنْ رَوَاهُ امْرِهِ أَي سَيِّلْه وَاسْتَخْرِجْهُ، فَمِنْ مَرَيْتُ الناقةَ إِذا مَسَحْتَ ضَرعَها لِتَدِرَّ؛ وَرَوَى ابْنُ الأَعرابي: مَرَى الدمَ وأَمْراه إِذا اسْتَخْرَجَهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير، وَيُرْوَى: أَمِر الدمَ مَنْ مارَ يَمُور إِذا جَرَى، وأَماره غَيْرُهُ؛ قَالَ: وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصحاب الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ مشدَّد الرَّاءِ وَهُوَ غَلط، وَقَدْ جاءَ فِي سُنَنِ أَبي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ أَمْرِرْ، بِرَاءَيْنِ مُظْهَرَتَيْنِ، وَمَعْنَاهُ اجْعَلِ الدمَ يمُرّ أَي يَذْهَبُ، قَالَ: فَعَلَى هَذَا مَنْ رَوَاهُ مُشَدَّدَ الرَّاءِ يَكُونُ قَدْ أَدغم، قَالَ: وَلَيْسَ بِغَلَطٍ؛ قَالَ: وَمِنَ الأَول حَدِيثُ

عَاتِكَةَ:

مَرَوْا بالسُّيوفِ المُرْهَفاتِ دِماءهُمْ

أَي اسْتَخْرَجُوهَا واستدرُّوها. ابْنُ سِيدَهْ: مَرَى الشيءَ وامْتَرَاه اسْتَخْرَجَهُ. وَالرِّيحُ تَمْرِي السَّحَابَ وتَمْتَرِيه: تَسْتَخْرِجُهُ وتَسْتَدِرُّه. ومَرَت الريحُ السحابَ إِذا أَنزلت مِنْهُ الْمَطَرَ. وَنَاقَةٌ مَرِيٌّ: غَزِيرَةُ اللَّبَنِ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَهُوَ عِنْدَهُ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ وَلَا فِعْلَ لَهَا، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ فَهِيَ تَدُرّ بالمَرْيِ عَلَى يَدِ الْحَالِبِ، وَقَدْ أَمْرَتْ وَهِيَ مُمْرٍ. والمُمْري: الَّتِي جَمَعَت ماءَ الْفَحْلِ فِي رَحِمِهَا. وَفِي حَدِيثِ

نَضْلة بْنِ عَمْرٍو: أَنه لَقِيَ النبيِّ، صلى الله عليه وسلم، بمَرِيَّيْن

؛ هِيَ تَثْنِيَةُ مَرِيٍّ بِوَزْنِ صَبيّ، وَيُرْوَى:

مَرِيَّتَيْنِ

، تَثْنِيَةُ مَرِيَّة، والمَرِيُّ والمَرِيَّة: النَّاقَةُ الْغَزِيرَةُ الدَّرِّ، مِنَ المَرْي، وَوَزْنُهَا فَعِيلٌ أَو فَعُول. وَفِي حَدِيثِ

الأَحنف: وَسَاقَ مَعَهُ نَاقَةً مَرِيّاً.

ومِرْيَةُ الفَرَس: مَا استُخْرج مِنْ جَرْيه فدَرَّ لِذَلِكَ عَرَقُه، وَقَدْ مَراهُ مَرْياً. ومَرَى الفرسُ مَرْياً إِذا جَعَلَ يَمْسَحُ الأَرض بِيَدِهِ أَو رِجْلِهِ ويَجُرُّها مِنْ كَسْر أَو ظَلَع. التَّهْذِيبِ: وَيُقَالُ مَرَى الفرسُ والناقةُ إِذا قَامَ أَحدهما عَلَى ثَلَاثٍ ثُمَّ بحَثَ الأَرض بِالْيَدِ الأُخرى، وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ؛ وأَنشد:

إِذا حُطَّ عَنْهَا الرَّحْلُ أَلْقَتْ برأْسِها

إِلى شَذَبِ العِيدانِ، أَو صَفَنَتْ تَمْرِي

الْجَوْهَرِيُّ: مَرَيْتُ الفرسَ إِذا استخرجتَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الجَرْيِ بِسَوْطٍ أَو غَيْرِهِ، وَالِاسْمُ المِرْيَة، بِالْكَسْرِ، وَقَدْ يُضَمُّ. ومَرَى الفرسُ بِيَدَيْهِ إِذا حَرَّكهما عَلَى الأَرض كَالْعَابِثِ. ومَرَاه حَقَّهُ أَي جَحَده؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

مَا خَلَفٌ مِنْكِ يَا أَسماءُ فاعْتَرِفي،

مِعَنَّة البَيْتِ تَمْري نِعْمةَ البَعَلِ

أَي تَجْحَدُهَا، وَقَالَ عُرْفُطة بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدي:

أَكُلَّ عِشاءٍ مِنْ أُمَيْمةَ طائفُ،

كَذِي الدَّيْنِ لَا يَمْري، وَلَا هُوَ عارِفُ؟

أَي لَا يَجْحَد وَلَا يَعْترف. ومَارَيْتُ الرجلَ أُمَارِيه مِراءً إِذا جَادَلْتَهُ. والمِرْيةُ والمُرْيَةُ: الشَّكُّ والجدَل، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، وقرئَ بِهِمَا قَوْلِهِ عز وجل: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ

؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: هُمَا لُغَتَانِ، قَالَ: وأَما مِرْيَةُ النَّاقَةِ فَلَيْسَ فِيهِ إِلا الْكَسْرُ، وَالضَّمُّ غَلَطٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَعْنِي مَسْحَ الضَّرْعِ لتَدُرَّ الناقةُ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ مُرْيَة الناقةِ، بِالضَّمِّ، وَهِيَ اللُّغَةُ الْعَالِيَةُ؛ وأَنشد:

شامِذاً تَتَّقي المُبِسَّ عَلَى المُرْيَةِ،

كَرْهاً، بالصِّرْفِ ذِي الطُّلَّاء

ص: 277

شَبَّهَ» بِنَاقَةٍ قَدْ شَمَذَتْ بذَنَبها أَي رَفَعَتْهُ، والصِّرْف: صِبْغٌ أَحمر، والطُّلَّاء: الدَّمُ. والامْتِرَاءُ فِي الشيءِ: الشَّكُّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ التَّماري. والمِراءُ: المُماراةُ والجدَل، والمِراءُ أَيضاً: مِنَ الامْتِراءِ والشكِّ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً

؛ قَالَ: وأَصله فِي اللُّغَةِ الجِدال وأَن يَستخرج الرجلُ مِنْ مُناظره كَلَامًا وَمَعَانِي الْخُصُومَةِ وَغَيْرِهَا منْ مَرَيْتُ الشاةَ إِذا حَلَبْتَهَا وَاسْتَخْرَجْتَ لَبَنَهَا، وَقَدْ مَارَاهُ مُمَاراةً ومِيراءً. وامْتَرَى فِيهِ وتَمَارَى: شَكَّ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَهَذَا مِنَ الأَفعال الَّتِي تَكُونُ لِلْوَاحِدِ. وَقَوْلُهُ فِي

صِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: لَا يُشاري وَلَا يُمَارِي

؛ يُشاري: يَسْتَشْري بِالشَّرِّ، وَلَا يُمَارِي: لَا يُدافع عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُرَدِّدُ الْكَلَامَ. وَقَوْلُهُ عز وجل: أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى

، وقرئَ:

أَفتَمْرُونَه عَلَى مَا يَرَى

؛ فَمَنْ قرأَ أَفَتُمارُونَهُ

فَمَعْنَاهُ أَفتجادلونه فِي أَنه رأَى اللَّهَ عز وجل بِقَلْبِهِ وأَنه رأَى الكُبْرى مِنْ آيَاتِهِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَوَّامِ، وَمَنْ قرأَ

أَفتَمرونه

فَمَعْنَاهُ أَفتجحدونه، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ فِي قَوْلِهِ

أَفَتَمْرُونه عَلَى مَا يَرَى

أَي تَدْفَعُونَهُ عَمَّا يَرَى، قَالَ: وَعَلَى فِي مَوْضِعِ عَنْ. ومارَيْتُ الرجلَ ومارَرْتُه إِذا خَالَفْتَهُ وتَلَوَّيْتَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مأْخوذ مِنْ مِرار الفَتْل ومِرارِ السِّلسِلة تَلَوِّي حَلَقِها إِذا جُرَّتْ عَلَى الصَّفا. وَفِي الْحَدِيثِ:

سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةَ مثلَ مِرار السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا.

وَفِي حَدِيثِ

الأَسود «3» : أَنه سأَل عَنْ رَجُلٍ فَقَالَ مَا فَعَلَ الَّذِي كَانَتِ امرأَتُه تُشارُّه وتُماريه؟

وَرُوِيَ عَنِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: لَا تُماروا فِي الْقُرْآنِ فإِنَّ مِراءً فِيهِ كُفْرٌ

؛ المِراءُ: الْجِدَالُ. والتَّماري والمُمَارَاة: الْمُجَادَلَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّكِّ والرِّيبة، وَيُقَالُ لِلْمُنَاظَرَةِ مُمَارَاة لأَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَخْرِجُ مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ ويَمْتَريه به كَمَا يَمْتري الحالبُ اللبنَ مِنَ الضَّرْع؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَيْسَ وَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدَنَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي التأْويل، وَلَكِنَّهُ عِنْدَنَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ أَن يقرأَ الرَّجُلُ عَلَى حَرْفٍ فَيَقُولَ لَهُ الْآخَرُ لَيْسَ هُوَ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ أَنزلهما اللَّهُ عز وجل كِلَيْهِمَا، وَكِلَاهُمَا مُنَزَّلٌ مقروءٌ بِهِ، يُعلم ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا

رسول الله، صلى الله عليه وسلم: نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحرف

، فإِذا جَحَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قراءَة صَاحِبِهِ لَمْ يُؤْمَنْ أَن يَكونَ ذَلِكَ قَدْ أَخْرَجه إِلى الكُفر لأَنه نَفى حَرفاً أَنزله اللَّهُ عَلَى نَبِيَّهُ، صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالتَّنْكِيرُ فِي المِراء إِيذاناً بأَن شَيْئًا مِنْهُ كُفْرٌ فَضلًا عمَّا زَادَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَقِيلَ إِنما جَاءَ هَذَا فِي الجِدال والمِراء فِي الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ القَدَر وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَعَانِي، عَلَى مَذْهَبِ أَهل الْكَلَامِ وأَصحاب الأَهْواءِ والآراءِ، دُونَ مَا تَضمَّنته مِنَ الأَحكام وأَبواب الحَلال وَالْحَرَامِ، فإِن ذَلِكَ قَدْ جَرى بَيْنَ الصَّحَابَةِ فمَن بَعْدَهُمْ مِن الْعُلَمَاءِ، رضي الله عنهم أَجمعين، وَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ الغَرَضُ مِنْهُ والباعِثُ عَلَيْهِ ظُهورَ الْحَقِّ ليُتَّبَع دُونَ الغَلَبة والتَّعْجِيز. اللَّيْثُ: المِرْيةُ الشَّكُّ، وَمِنْهُ الامْتراء والتَّماري فِي القُرآن، يُقَالُ: تَمارى يَتَمارى تَمارِياً، وامْتَرَى امْتِراءً إِذا شكَّ. وَقَالَ الفراءُ فِي قَوْلِهِ عز وجل: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى

؛ يَقُولُ: بأَيِّ نِعْمةِ رَبِّك تُكَذِّبُ أَنها لَيْسَتْ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل: فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ

؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى أَيها الإِنسان بأَيِّ نِعْمَةِ رَبِّكَ الَّتِي تَدُلُّكَ عَلَى أَنه واحد تتشكك.

(2). قوله [شبه] أي الشاعر الحرباء بناقة إلخ كما يؤخذ من مادة ش م ذ.

(3)

. قوله [وفي حديث الأسود] كذا في الأصل، ولم نجده إلا في مادة مرر من النهاية بلفظ تمارّه وتشارّه.

ص: 278

الأَصمعي: القَطاةُ المارِيَّةُ، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، هِيَ المَلْساءُ المُكْتنزة اللَّحْمِ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: القَطاة المارِيةُ، بِالتَّخْفِيفِ، وَهِيَ لُؤْلُؤيَّة اللَّوْنِ. ابْنُ سِيدَهْ: الماريَّة، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، مِنَ القَطا المَلْساء. وامرأَة مارِيَّةٌ: بَيْضَاءُ بَرَّاقَةٌ. قَالَ الأَصمعي: لَا أَعلم أَحداً أَتى بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ إِلَّا ابْنَ أَحمر، وَلَهَا أَخوات مَذْكُورَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا. والمَريء: رأْس المَعِدة والكَرِش اللَّازِقُ بالحلْقُوم وَمِنْهُ يَدْخُلُ الطَّعَامُ فِي الْبَطْنِ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَقرأَني أَبو بكر الإِياديُّ المَريءَ لأَبي عُبَيْدٍ فَهَمَزَهُ بِلَا تَشْدِيدٍ، قَالَ: وأَقرأَنيه الْمُنْذِرِيُّ المَرِيُّ لأَبي الْهَيْثَمِ فَلَمْ يَهْمِزْهُ وَشَدَّدَ الياءَ. والمارِيُّ: وَلَدُ الْبَقَرَةِ الأَبيضُ الأَمْلَس. والمُمْرِيةُ مِنَ الْبَقَرِ: الَّتِي لَهَا وَلَدٌ ماريٌّ أَي بَرَّاقٌ. والمارِيَّةُ: الْبَرَّاقَةُ اللَّونِ. والمارِيَّةُ: الْبَقَرَةُ الْوَحْشِيَّةُ؛ أَنشد أَبو زَيْدٍ لِابْنِ أَحمر.

مارِيَّةٌ لُؤْلُؤانُ اللَّوْنِ أَوْرَدَها

طَلٌّ، وبَنَّس عَنْها فَرْقَدٌ خَصِرُ «1»

وَقَالَ الْجَعْدِيُّ:

كَمُمْرِيةٍ فَرْدٍ مِنَ الوَحْشِ حُرَّةٍ

أَنامَتْ بِذي الدَّنَّيْنِ، بالصَّيْفِ، جُؤْذَرا

ابْنُ الأَعرابي: المارِيَّةُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ. ابْنُ بُزُرْجَ: المارِيُّ الثَّوْبُ الخَلَقُ؛ وأَنشد:

قُولا لِذاتِ الخَلَقِ المَارِيِ

وَيُقَالُ: مَراهُ مائةَ سوْطٍ ومَراهُ مائةَ دِرْهم إِذا نَقَده إِيّاها. ومارِيةُ: اسْمُ امرأَة، وَهِيَ مارِيةُ بِنْتُ أَرْقَمَ بْنَ ثَعْلبةَ بْنِ عَمرو بْنِ جَفْنَة بْنِ عَوْف بْنِ عَمرو بْنِ رَبيعة بْنُ حارِثة بْنِ عَمروٍ مُزَيْقِياء بْنِ عَامِرٍ، وابنها الحرث الأَعرج الَّذِي عَنَاهُ حَسَّانُ بِقَوْلِهِ:

أَوْلادُ جَفْنةَ حَوْلَ قَبْرِ أَبِيهِمِ،

قَبْرِ ابنِ مارِيةَ الكَريمِ المُفْضِلِ

وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هِيَ مارِيةُ بنتُ الأَرقم بْنَ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَفْنة بْنِ عَمْرِو، وَهُوَ مُزَيقياء بْنُ عَامِرٍ، وَهُوَ ماءُ السَّمَاءِ بْنِ حَارِثَةَ، وَهُوَ الغِطْريفُ بْنِ إمْرئ الْقَيْسِ، وَهُوَ البِطْريقُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَهُوَ البُهْلُول بْنُ مَازِنٍ، وَهُوَ الشَّدَّاخُ، وإِليه جِماعُ نَسَب غَسَّان بْنِ الأَزْد، وَهِيَ الْقَبِيلَةُ الْمَشْهُورَةُ، فأَما العَنْقاء فَهُوَ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرٍو مُزَيْقِيَاءَ. وَفِي الْمَثَلِ: خُذْه وَلَوْ بقُرْطَيْ مارِيةَ؛ يُضْرَبُ ذَلِكَ مَثَلًا فِي الشَّيْءِ يُؤمَر بأَخْذه عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَانَ فِي قُرْطَيْها مِائَتَا دِينَارٍ. والمُرِيُّ: مَعْرُوفٌ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَا أَدري أَعربي أَم دَخِيلٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَاشْتَقَّهُ أَبو عَلِيٍّ مِنَ المَريء، فإِن كَانَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مرر، وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ هُنَاكَ. ابْنُ الأَعرابي: المَريءُ الطَّعَامُ «2» الْخَفِيفُ، والمَري الرَّجُلُ الْمَقْبُولُ فِي خَلْقه وخُلُقه. التَّهْذِيبِ: وَجَمْعُ المِرْآةِ مَراءٍ مِثْلَ مَراعٍ، وَالْعَوَامُّ يَقُولُونَ فِي جَمْعِهَا مَرايا، وَهُوَ خطأٌ، وَاللَّهُ أَعلم.

مزا: مَزا مَزْواً: تَكَبَّرَ. والمَزْو والمَزْيُ والمَزيَّة فِي كُلِّ شَيْءٍ: التَّمام والكمَال. وتَمازَى القومُ: تَفاضَلُوا. وأَمْزَيْته عَلَيْهِ: فَضَّلته؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وأَباها ثَعْلَبُ. والمَزِيَّةُ: الفَضِيلة. يقال:

(1). قوله [أوردها] كذا بالأصل هنا، وتقدم في ب ن س أوّدها وكذلك هو في المحكم هناك غير أنه تحرف في تلك المادة من اللسان مارية بماوية.

(2)

. قوله [المريء الطعام] كذا بالأصل مهموزاً وَلَيْسَ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وقوله [المري الرجل] كذا في الأصل بلا ضبط ولعله بوزن ما قبله.

ص: 279

لَهُ عَلَيْهِ مَزِيَّةٌ، قَالَ: وَلَا يُبْنى مِنْهُ فِعْلٌ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لَهُ عِنْدِي قَفِيَّةٌ ومَزِيَّةٌ إِذا كَانَتْ لَهُ مُنْزِلَةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ. وَيُقَالُ: أَقْفَيْتُه، وَلَا يُقَالُ أَمزَيْتُه. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: يُقَالُ هَذَا سِرْبُ خَيْلِ غارةٍ قَدْ وقَعَت عَلَى مَزاياها أَي عَلَى مَواقِعِها الَّتِي يَنْصَبُّ عَلَيْهَا مُتقدِّم ومُتأَخِّر. وَيُقَالُ: لِفُلانٍ عَلَى فُلَانٍ مازِيةٌ أَي فَضْلٌ، وَكَانَ فُلَانٌ عَنِّي مازِيةً العامَ وقاصِيةً وكالِيةً وزاكِيةً. وقَعَد فُلَانٌ عَنِّي مازِياً ومُتَمازِياً أَي مُخَالِفًا بَعِيدًا. والمَزِيَّةُ: الطَّعَامُ يُخص بِهِ الرَّجُلُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ.

مسا: مَسَوْتُ عَلَى النَّاقَةِ ومَسَوْتُ رَحِمَها أَمْسُوها مَسْواً كِلَاهُمَا إِذا أَدخَلْتَ يَدَكَ فِي حَيَائِهَا فَنَقَّيْته. الْجَوْهَرِيُّ: المَسْيُ إِخْراج النُّطْفة مِنَ الرَّحِم عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسَط، يُقَالُ: مَساه يَمْسِيه؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

يَسطُو عَلَى أُمِّك سَطْوَ الماسِي

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ فاسْطُ عَلَى أُمك لأَن قَبْلَهُ:

إِنْ كُنْتَ مِنْ أَمْرِك فِي مَسْماسِ «1»

والمسْماسُ: اخْتِلاطُ الأَمْر والتِباسُه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

مَسَتْهُنَّ أَيامُ العُبورِ، وطُولُ مَا

خَبَطْن الصُّوَى، بالمُنْعَلاتِ الرَّواعِفِ

ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ مَسَى يَمْسِي مَسْياً إِذا ساءَ خُلُقُه بَعْدَ حُسْن. ومَسا وأَمْسى ومَسَّى كُلُّهُ إِذا وعَدَك بأَمر ثُمَّ أَبْطَأَ عَنْكَ. ومَسَيْتُ الناقةَ إِذا سَطَوْتَ عَلَيْهَا وأَخرجت وَلَدَهَا. والمَسْيُ: لُغَةٌ فِي المَسْو إِذا مَسَطَ النَّاقَةَ، يُقَالُ: مَسَيْتُها ومَسَوْتُها. ومَسَيْتُ الناقَة والفَرس ومَسَيْتُ عَلَيْهِمَا مَسْياً فِيهِمَا إِذا سَطَوْت عَلَيْهِمَا، وَهُوَ إِذا أَدْخَلْت يَدَكَ فِي رَحِمِهَا فَاسْتَخْرَجْتَ مَاءَ الْفَحْلِ وَالْوَلَدِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: اسْتِلآماً لِلْفَحْلِ كَراهةَ أَن تَحْمِل له؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ إِذا أَدخلت يَدَكَ فِي رَحِمِهَا فنقَّيْتَها لَا أَدري أَمن نُطفة أَم مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَكُلُّ اسْتِلالٍ مَسْيٌ. والمَساء: ضِدُّ الصَّباح. والإِمْساء: نَقِيض الإِصْباح. قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَالُوا الصَّباح والمَساء كَمَا قَالُوا الْبَيَاضُ وَالسَّوَادُ. وَلَقَيْتُهُ صباحَ مَساءَ: مَبْنِيٌّ، وصَباحَ مَساءٍ: مُضَافٌ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَالْجَمْعُ أَمْسِية؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَقَالَ اللِّحْيَانِي: يَقُولُونَ إِذا تَطَيَّروا مِنَ الإِنسان وَغَيْرِهِ مَساءُ اللَّهِ لَا مَسَاؤُكَ، وَإِنْ شِئْتَ نَصَبْتَ. والمُسْيُ والمِسْيُ: كالمَساء. والمُسْيُ: مِنَ المَساء كالصُّبْح مِنَ الصَّباحِ. والمُمْسى: كالمُصْبَح، وأَمْسَينا مُمْسًى؛ قَالَ أُمية بْنُ أَبي الصَّلْتِ:

الحمدُ لِلَّهِ مُمْسانا ومُصْبَحَنا،

بالخَيْرِ صَبَّحَنا رَبي ومَسَّانا

وَهُمَا مَصْدَرَانِ وَمَوْضِعَانِ أَيضاً؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ جَارِيَةً:

تُضيءُ الظَّلامَ بالعِشاءِ، كأَنها

مَنارةُ مُمْسى راهِبٍ مُتَبَتِّلِ

يُرِيدُ صَوْمَعَتَهُ حَيْثُ يُمسي فِيهَا، وَالِاسْمُ المُسْيُ والصُّبْح؛ قَالَ الأَضبط بْنُ قُرَيْعٍ السَّعْدِيُّ:

لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الأُمُورِ سَعَهْ،

والمُسْيُ والصُّبْحُ لَا فَلاحَ مَعَهْ

وَيُقَالُ: أَتيته لِمُسْيِ خامسةٍ، بِالضَّمِّ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ. وأَتَيته مُسَيّاناً، وَهُوَ تَصْغِيرُ مَساء، وأَتيته أُصْبوحة كُلِّ يَوْمٍ وأُمْسِيَّةَ كُلِّ يَوْمٍ. وأَتيته مُسِيَّ أَمْسِ «2» أَي

(1). قوله [في مسماس] ضبط في الأصل والصحاح هنا وفي مادة م س س بفتح الميم كما ترى، ونقله الصاغاني هناك عن الجوهري مضبوطاً بالفتح وأنشده هنا بكسر الميم. وعبارة القاموس هناك: والمسماس، بالكسر، والمسمسة اختلاط إلخ ولم يتعرض الشارح له.

(2)

. قوله [أتيته مسي أمس] كذا ضبط في الأصل.

ص: 280

أَمْسِ عِنْدَ المَساء. ابْنُ سِيدَهْ: أَتيتُه مَساء أَمْسِ ومُسْيَه ومِسْيَه وأَمْسِيَّتَه، وَجِئْتُهُ مُسَيَّاناتٍ كَقَوْلِكَ مُغَيْرِباناتٍ نَادِرٌ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلا ظَرْفًا. والمَساء: بَعْدَ الظُّهْرِ إِلى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِلى نِصْفِ اللَّيْلِ. وَقَوْلُ النَّاسِ كَيْفَ أَمْسَيتَ أَي كَيْفَ أَنت فِي وَقْتِ المَساء. ومَسَّيْتُ فُلَانًا: قُلْتَ لَهُ كَيْفَ أَمْسَيْتَ. وأَمْسَيْنا نَحْنُ: صِرْنا فِي وَقْتِ المَساءِ؛ وَقَوْلُهُ:

حَتَّى إِذا مَا أَمْسَجَتْ وأَمْسَجا

إِنما أَراد حَتَّى إِذا أَمْسَتْ وأَمْسى، فأَبدل مَكَانَ الْيَاءِ حَرْفًا جَلْداً شَبِيهًا بِهَا لِتَصِحَّ لَهُ الْقَافِيَةُ وَالْوَزْنُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَهَذَا أَحد مَا يدلُّ عَلَى أَن مَا يُدَّعى مِنْ أَن أَصل رَمَت وغَزَت رَمَيَت وغَزَوَتْ وأَعْطَتْ أَعْطَيَتْ واسْتَقْصَت اسْتَقْصَيَت وأَمْسَتْ أَمْسَيَتْ، أَلا تَرَى أَنه لَمَّا أَبدل الْيَاءَ مِنْ أَمْسَيَتْ جِيمًا، وَالْجِيمُ حَرْفٌ صَحِيحٌ يَحْتَمِلُ الْحَرَكَاتِ وَلَا يَلْحَقُهُ الِانْقِلَابُ الَّذِي يَلْحَقُ الياءَ وَالْوَاوَ، صحَّحها كَمَا يَجِبُ فِي الْجِيمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ أَمْسَجا فَدَلَّ عَلَى أَن أَصل غَزا غَزَوَ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: لَقِيتُ مِنْ فُلَانٍ التَّماسِي أَي الدَّواهي، لَا يُعْرَفُ وَاحِدُهُ وأَنشد لِمِرْدَاسٍ:

أُداوِرُها كيْما تَلِينَ، وإِنَّني

لأَلْقى، عَلَى العِلَّاتِ مِنْهَا، التَّماسِيا

وَيُقَالُ: مَسَيْتُ الشيءَ مَسْياً إِذا انْتَزَعْتُهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

يَكادُ المِراحُ العَرْبُ يَمْسِي غُروضَها،

وَقَدْ جَرَّدَ الأَكْتافَ مَوْرُ المَوارِكِ

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَمْسى فلانٌ فُلَانًا إِذا أَعانَه بِشَيْءٍ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: رَكِبَ فُلَانٌ مَساء الطَّرِيقَ إِذا رَكِبَ وسَط الطَّرِيقِ. وَمَاسَى فُلَانٌ فُلَانًا إِذا سَخِرَ مِنْهُ، وساماهُ إِذا فاخَره. وَرَجُلٌ ماسٍ، عَلَى مِثَالِ ماشٍ: لَا يَلْتَفِتُ إِلى مَوْعِظَةِ أَحد وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: رَجُلٌ ماسٌ عَلَى مِثَالِ مالٍ، وَهُوَ خطأٌ. وَيُقَالُ: مَا أَمْساهُ، قَالَ الأَزهري: كأَنه مَقْلُوبٌ كما قالوا هارٍ وهارٌ وهائرٌ، وَمِثْلُهُ رَجُلٌ شَاكِي السِّلاحِ وشاكٌ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ الماسُ فِي الأَصل ماسِياً، وَهُوَ مَهْمُوزٌ فِي الأَصل. وَيُقَالُ: رَجُلٌ ماسٌ أَي خفيفٌ، وَمَا أَمْساه أَي مَا أَخَفَّه، وَاللَّهُ أَعلم.

مشي: المَشي: مَعْرُوفٌ، مَشى يَمْشي مَشْياً، وَالِاسْمُ المِشْيَة؛ عَنِ اللِّحْيَانِي، وتَمَشَّى ومَشَّى تَمْشِيَةً؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

عَفا مُسْحُلانٌ مِنْ سُلَيْمى فحامِرُهْ،

تَمَشَّى بِهِ ظِلْمانُه وجَآذِرُهْ

وأَنشد الأَخفش لِلشَّمَّاخِ:

ودَوِّيَّةٍ قَفْرٍ تَمَشَّى نَعامُها،

كمَشْيِ النَّصارى فِي خِفافِ الأَرَنْدَجِ

وَقَالَ آخَرُ:

وَلَا تَمَشَّى فِي فضاءٍ بُعْداً

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:

تَمَشَّى بِهَا الدَّرْماءُ تَسْحَبُ قُصْبَها،

كأَنْ بَطْنُ حُبْلى ذاتِ أَوْنَين مُتْئِمِ

وأَمْشاهُ هُوَ ومَشَّاهُ، وتَمَشَّتْ فِيهِ حُمَيَّا الكأْس. والمِشْيَةُ: ضَرْب مِنَ المَشْي إِذا مَشى. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أَتيته مَشْياً، جاؤوا بِالْمَصْدَرِ عَلَى غَيْرِ فِعْله، وَلَيْسَ فِي كُلِّ شيءٍ يُقَالُ ذَلِكَ، إِنما يُحْكَى مِنْهُ مَا سُمع. وَحَكَى اللِّحْيَانِي أَن نساءَ الأَعراب يَقُلْنَ فِي

ص: 281

الأُخَذ: أَخَّذْته بدُبَّاءِ مُمَلإٍ مِنَ الماءِ مُعَلَّقٍ بتِرْشاءٍ فَلَا يَزَالُ فِي تِمْشاءٍ، ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: التِّمْشاءُ المَشي. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه لَا يُسْتَعْمَلُ إِلا فِي الأُخْذة. وَكَّلُّ مستمرٍّ ماشٍ وإِن لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَيَوَانِ فَيُقَالُ: قَدْ مَشَى هَذَا الأَمر. وَفِي حَدِيثِ

الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ نَذَرَ أَن يَحُجَّ ماشِياً فأَعْيا قَالَ: يَمْشِي مَا رَكِب ويركَبُ مَا مَشى

أَي أَنه يَنْفُذُ لِوَجْهِهِ ثُمَّ يعُود مِنْ قَابِلٍ فَيَرْكَبُ إِلى الْمَوْضِعِ الَّذِي عَجَز فِيهِ عَنِ المَشْي ثُمَّ يَمْشي مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كلَّ مَا ركِب فِيهِ مِنْ طَرِيقِهِ. والمَشَّاءُ: الَّذِي يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ بالنَّمِيمة. والمُشَاةُ: الوُشاة. والمَاشِيَةُ: الإِبل وَالْغَنَمُ مَعْرُوفَةٌ، وَالْجَمْعُ المَوَاشِي اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الإِبل وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وأَكثر مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْغَنَمِ. ومَشَتْ مَشَاء: كثُرت أَولادُها. وَيُقَالُ: مَشَتْ إِبل بَنِي فُلَانٍ تَمْشي مَشَاء إِذا كَثُرَتْ. والمَشَاء: النَّماء، وَمِنْهُ قِيلُ المَاشِيَةُ. وكلُّ مَا يَكُونُ سَائِمَةً لِلنَّسْلِ والقِنْية مِنْ إِبل وشاءٍ وَبَقَرٍ فَهِيَ مَاشِيَةٌ. وأَصل المَشَاء النَّماء وَالْكَثْرَةُ والتَّناسُل؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:

مِثْلِيَ لَا يُحْسِنُ قَوْلًا فَعْفَعِي،

العَيْرُ لَا يَمْشِي مَعَ الهَمَلَّعِ،

لَا تأْمُرِيني ببناتِ أَسْفَعِ

يَعْنِي الْغَنَمَ. وأَسْفَع: اسْمُ كَبْش. ابْنُ السِّكِّيتِ: المَاشِيةُ تَكُونُ مِنَ الإِبل وَالْغَنَمِ. يُقَالُ: قَدْ أَمْشَى الرَّجُلُ إِذا كثرَت ماشِيَتُه. ومَشَت الماشِيةُ إِذا كَثُرَتْ أَولادُها؛ قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ:

فكُلُّ قَرينةٍ ومَقَرِّ إِلْفٍ

مُفارِقُه إِلى الشَّحَطِ، القَرِينُ

وكلُّ فَتًى، وإِن أَثْرَى وأَمْشَى،

ستَخْلِجُه، عَنِ الدُّنْيا، مَنُونُ

وكلُّ فَتًى، بِمَا عَمِلتْ يَداهُ،

وَمَا أَجْرَتْ عَوامِلُه، رَهِينُ

وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن إِسمعيلَ أَتى إِسحقَ، عليهما السلام، فَقَالَ لَهُ إِنَّا لَمْ نَرِثْ مِنْ أَبينا مَالًا وَقَدْ أَثْريْتَ وأَمْشَيْتَ فأَفِئْ عليَّ مِمَّا أَفاء اللهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: أَلم تَرْضَ أَني لَمْ أَسْتَعْبِدْك حَتَّى تَجِيئني فتَسأَلني المالَ؟

قَوْلُهُ: أَثْرَيْتَ وأَمْشَيْتَ أَي كثُر ثَراكَ أَي مالُك وكثُرت ماشيتُك، وَقَوْلُهُ: لَمْ أَسْتَعْبِدْك أَي لَمْ أَتَّخِذْكَ عَبْدًا، قِيلَ: كَانُوا يَسْتَعْبدون أَولادَ الإِماء؛ وَكَانَتْ أُمُّ إِسمعيل أَمة، وَهِيَ هاجَر، وأُمُّ إِسحق حُرَّة، وَهِيَ سارةُ. وناقةٌ مَاشِيَةٌ: كَثِيرَةُ الأَولاد. والمَشَاء: تَناسُل المالِ وَكَثْرَتُهُ، وَقَدْ أَمْشَى القَوْمُ وامْتَشَوْا؛ قَالَ طُرَيْحٌ:

فأَنْتَ غَيْثُهُمُ نفْعاً وطَوْدُهُمُ

دَفْعاً، إِذا مَا مَرادُ المُمْتَشِي جَدَبا

وأَفْشَى الرجلُ وأَمْشَى وأَوْشَى إِذا كَثُرَ مَالُهُ، وَهُوَ الفَشاء والمَشَاء، مَمْدُودٌ. اللَّيْثُ: المَشَاء، مَمْدُودٌ، فِعْلُ الْمَاشِيَةِ، تَقُولُ: إِن فُلَانًا لَذُو مَشَاءٍ وماشِيةٍ. وأَمْشَى فُلَانٌ: كَثُرَتْ ماشيتُه؛ وأَنشد لِلْحُطَيَئَةِ:

فَيَبْني مَجْدَها ويُقِيمُ فِيهَا،

ويَمْشِي، إِن أُرِيدَ بِهِ المَشاءُ

قَالَ أَبو الهَيثَم: يَمْشِي يكثُر. ومَشَى عَلَى آلِ فُلَانٍ مالٌ: تَناتَجَ وكثُر. ومالٌ ذُو مَشَاء أَي نَماء يَتَناسَلُ. وامرأَة ماشِيَةٌ: كَثِيرَةُ الْوَلَدِ. وَقَدْ مَشَتِ المرأَةُ تَمْشِي مَشَاء، مَمْدُودٌ، إِذا كَثُرَ وَلَدُهَا، وَكَذَلِكَ المَاشِيَةُ إِذا كَثُرَ نَسْلُهَا؛ وَقَوْلُ كُثَيِّرٌ:

ص: 282

يَمُجُّ النَّدَى لَا يذكرُ السَّيرَ أَهْلُه،

وَلَا يَرْجِعُ المَاشِي بِهِ، وهْوَ جادِبُ

يَعْنِي بالمَاشِي الَّذِي يَسْتَقْرِيه؛ التَّفْسِيرُ لأَبي حَنِيفَةَ. ومَشَى بطنُه مَشْياً: اسْتَطْلَق. والمَشِيُّ والمَشِيَّة: اسْمُ الدَّوَاءِ. وَشَرِبَتْ مَشِيّاً ومَشُوًّا ومَشْواً، الأَخيرتان نَادِرَتَانِ، فأَما مَشُوٌّ فإِنهم أَبدلوا فِيهِ الْيَاءَ وَاوًا لأَنهم أَرادوا بِنَاءَ فَعُول فَكَرِهُوا أَن يَلْتَبِسَ بفَعِيل، وأَمَّا مَشْوٌ فإِنَّ مِثْلَ هَذَا إِنما يأْتي عَلَى فَعُول كالقَيُوء. التَّهْذِيبُ: والمَشَاء، مَمْدُودٌ، وَهُوَ المَشُوُّ والمَشِيُّ، يُقَالُ: شَرِبت مَشُوًّا ومَشِيًّا ومَشَاء؛ أَو استطلاقُ الْبَطْنِ، وَالْفِعْلُ اسْتَمْشَى إِذا شَرِبَ المَشِيَّ، والدَّواء يُمْشِيه. وَفِي حَدِيثِ

أَسماء: قَالَ لَهَا بِم تَسْتَمْشِينَ

أَي بمَ تُسْهِلِينَ بَطْنَكِ؟ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد المَشْي الَّذِي يَعْرِض عِنْدَ شُرْب الدَّوَاءِ إِلى المَخْرج. ابْنُ السِّكِّيتِ: شَرِبْتُ مَشُوًّا ومَشاء ومَشِيّاً، وَهُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي يُسهل مِثْلَ الحَسُوِّ والحَساء؛ قَالَهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَذَكَرَ المَشِيَّ أَيضاً، وَهُوَ صَحِيحٌ، وسُمي بِذَلِكَ لأَنه يَحْمِلُ شَارِبَهُ عَلَى المَشْي والتَّرَدُّد إِلى الْخَلَاءِ، وَلَا تَقُلْ شَرِبْتُ دَوَاءَ المَشْيِ. وَيُقَالُ: اسْتَمْشَيْتُ وأَمْشَانِي الدَّواء. وَفِي الْحَدِيثِ:

خَيْرُ مَا تداوَيْتم بِهِ المَشِيُّ.

ابْنُ سِيدَهْ: المَشْوُ والمَشُوُّ الدَّواء المُسْهِل؛ قَالَ:

شَرِبْتُ مَشْواً طَعْمه كالشَّرْيِ

قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: والمَشْيُ خطأٌ، قَالَ: وَقَدْ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْوَاوُ عِنْدِي فِي المَشُوِّ مُعَاقَبَةٌ فَبَابُهُ الْيَاءُ. أَبو زَيْدٍ: شَرِبْتُ مَشِيّاً فَمَشَيْت عَنْهُ مَشْياً كَثِيرًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المَشِيُّ، بِيَاءٍ مشدَّدة، الدَّوَاءُ، والمَشْيُ، بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ: اسْمٌ لِمَا يَجِيءُ مِنْ شَارِبِهِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

شَرِبْتُ مُرًّا مِن دواءِ المَشْيِ،

مِنْ وَجَعٍ بِخَثْلَتي وحَقْوِي

ابْنُ الأَعرابي: أَمْشَى الرجلُ يُمْشِي إِذا أَنْجَى دَواؤه «3» ، ومَشَى يَمْشِي بالنَّمائم. والمَشا: نَبْتٌ يُشْبِهُ الجَزَر، وَاحِدَتُهُ مَشاةٌ. ابْنُ الأَعرابي: المَشا الجَزَرُ الَّذِي يُؤكل، وَهُوَ الإِصْطَفْلِينُ: وَذَاتُ المَشا: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الأَخطل:

أَجَدُّوا نَجاءً غَيَّبَتْهُمْ، عَشِيَّةً،

خَمائِلُ مِنْ ذاتِ المَشا وهُجُولُ

مصا: أَبو عَمْرٍو: المَصْواء مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي لَا لَحْمَ عَلَى فَخِذيها. الْفَرَّاءُ: المَصْواء الدُّبُر؛ وأَنشد:

وبَلَّ حِنْوَ السَّرْجِ مِنْ مَصْوائِه

أَبو عُبَيْدَةَ والأَصمعي: المَصْواء الرَّسْحاء. والمُصايةُ: القارُورةُ الصَّغِيرَةُ والحَوْجَلةُ الكبيرة.

مضي: مَضَى الشيءُ يَمْضِي مُضِيّاً ومَضاء ومُضُوًّا: خَلَا وَذَهَبَ؛ الأَخيرة عَلَى الْبَدَلِ. ومَضَى فِي الأَمر وَعَلَى الأَمر مُضوًّا، وأَمْرٌ مَمْضُوٌّ عَلَيْهِ، نَادِرٌ جِيء بِهِ فِي بَابِ فَعُول بِفَتْحِ الْفَاءِ. ومَضَى بِسَبيله: مَاتَ. ومَضَى فِي الأَمر مَضاء: نَفَذَ. وأَمْضَى الأَمرَ: أَنفذه. وأَمِضَيت الأَمرَ: أَنفذته. وَفِي الْحَدِيثِ:

ليسَ لَك مِنْ مالِكَ إِلا مَا تَصَدَّقْت فأَمْضَيْت

أَي أَنْفَذْتَ فِيهِ عَطاءَك وَلَمْ تَتَوَقَّفْ فِيهِ. ومَضَى السيفُ مَضاءً: قَطَعَ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُ جَرير:

فَيَوْماً يُجازِينَ الهَوى غَيْرَ ماضِيٍ،

ويَوْماً تُرَى مِنْهُنَّ غُولٌ تُغَوَّلُ

(3). قوله [أنجى دواؤه] في القاموس والتكملة: ارتجى دواؤه.

ص: 283

قَالَ: فإِنما ردَّه إِلى أَصله لِلضَّرُورَةِ لأَنه يَجُوزُ فِي الشِّعْرِ أَن يُجرى الحرفُ المُعتلُّ مُجرى الْحَرْفِ الصَّحِيحِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ لأَنه الأَصل؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَرَوَى يُجارِينَ، بِالرَّاءِ ومُجاراتُهنَّ الهَوى يَعْنِي بأَلسِنَتِهنَّ أَي يُجاريِنَ الهَوى بأَلسنتهنَّ وَلَا يُمْضِينَه، قَالَ: وَيُرْوَى غيرَ مَا صِباً أَي مِنْ غَيْرِ صِباً مِنْهُنَّ إِليَّ؛ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: الصَّحِيحُ غَيْرَ مَا صِبًا، قَالَ: وَقَدْ صحَّفه جَمَاعَةٌ. ومَضَيْتُ عَلَى الأَمر مُضِيّاً ومَضَوْتُ عَلَى الأَمر مَضُوًّا ومُضُوًّا مِثْلَ الوَقُودِ والصعودِ، وَهَذَا أَمرٌ مَمْضُوٌّ عَلَيْهِ، والتَّمَضِّي تَفَعُّل مِنْهُ، قَالَ:

أَصْبَحَ جِيرانُكَ، بَعْدَ الخَفْضِ،

يُهْدِي السَّلامَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ

وقَرَّبوا، لِلْبَيْنِ والتَّمَضِّي،

جَوْلَ مَخاضٍ كالرَّدَى المُنْقَضِ

الجَوْلُ: ثَلَاثُونَ مِنَ الإِبل. والمُضَواء: التَّقدُّم؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ:

فإِذا خَنَسْنَ مَضَى عَلَى مُضَوائِه،

وإِذا لَحِقْنَ بِهِ أَصَبْنَ طِعانا

وَذَكَرَ أَبو عُبَيْدٍ مُضَواء فِي بَابِ فُعَلاء وأَنشد الْبَيْتَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصلها مُضَياء فأَبدلوه إِبدالًا شَاذًّا، أَرادوا أَن يُعَوِّضوا الْوَاوِ مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِ الْيَاءِ عَلَيْهَا. ومَضى وتَمَضَّى: تقدَّم؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ شَأْسٍ:

تَمَضَّتْ إِليْنا لَمْ يرِبْ عَيْنَها القَذى

بكَثْرةِ نِيرانٍ، وظَلْماءَ حِنْدِسِ

يُقَالُ: مَضَيْت بِالْمَكَانِ ومَضَيْتُ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: مَضَيْتُ بَيْعِي «1» أَجَزْتُه. والمَضَاءُ: اسْمُ رَجُلٍ، وَهُوَ المَضَاء بْنُ أَبي نُخَيْلةَ يَقُولُ فِيهِ أَبوه:

يَا رَبِّ مَنْ عابَ المَضَاءَ أَبَدا،

فاحْرِمْه أَمْثالَ المَضاءِ وَلَدَا

وَالْفَرَسُ يُكَنَّى أَبا المَضَاء.

مطا: المَطْوُ: الجِدُّ والنَّجاء فِي السَّيْرِ، وَقَدْ مَطا مَطْواً؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسَ:

مَطَوْتُ بِهِمْ حتَّى يَكِلَّ غَرِيُّهُمْ،

وحتَّى الجِيادُ مَا يُقَدْنَ بأَرْسانِ «2»

ومَطا إِذا فَتَحَ عَيْنَيْهِ، وأَصل المَطْو الْمَدُّ فِي هَذَا. ومَطا إِذا تَمَطَّى. ومَطا الشيءَ مَطْواً: مدَّه. ومَطا بِالْقَوْمِ مَطْواً: مدَّ بِهِمْ. وتَمَطَّى الرَّجُلُ: تَمدَّد. والتَّمَطِّي: التَّبَخْتُرُ ومَدُّ الْيَدَيْنِ فِي الْمَشْيِ، وَيُقَالُ التَّمَطِّي مأْخوذ مِنَ المَطِيطةِ وهو الماءُ الخاثر فِي أَسفل الْحَوْضِ لأَنه يَتَمَطَّطُ أَي يتمَدَّد، وَهُوَ مِثْلُ تَظَنَّيْتُ مِنَ الظَّنِّ وتَقَضَّيْتُ مِنَ التَّقَضُّض، والمُطَواءُ مِنَ التَّمَطِّي عَلَى وَزْنِ الغُلَواءِ، وَذَكَرَ ابْنُ بَرِّيٍّ المَطا التَّمَطِّي؛ قَالَ ذَرْوةُ بْنُ جُحْفةَ الصَّمُوتي:

شَمَمْتُها إِذْ كَرِهَتْ شَمِيمِي،

فَهْيَ تَمَطَّى كمَطا المَحْمُومِ

وإِذا تَمَطَّى عَلَى الحُمَّى فَذَلِكَ المُطَواءُ، وَقَدْ تقدَّم تَفْسِيرُ المَطِيطاء وَهُوَ الخُيَلاءُ والتَّبَخْتُر. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِذا مَشَتْ أُمَّتي المُطَيْطا

، بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ؛

(1). قوله [ويقال مضيت بيعي إلخ] كذا بالأصل. وعبارة التهذيب: ويقال أَمْضَيْت بيعي ومَضَيْت على بيعي أي إلخ.

(2)

. قوله [غريهم] كذا في الأصل. وعبارة القاموس: الغريّ كغني الحسن منا ومن غيرنا، وبعد هذا فالذي في الديوان: حتى تكل مطيهم.

ص: 284

هي مِشْية فِيهَا تَبَخْتُر ومَدُّ الْيَدَيْنِ. وَيُقَالُ: مَطَوْتُ ومَطَطْتُ بِمَعْنَى مدَدْت؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهِيَ مِنَ الْمُصَغَّرَاتِ الَّتِي لَمْ يُسْتَعْمَلْ لَهَا مُكَبَّرٌ، وَاللَّهُ أَعلم. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى

؛ أَي يَتَبَخْتَرُ، يَكُونُ مِنَ المَطِّ والمَطْوِ، وَهُمَا الْمَدُّ، وَيُقَالُ: مَطَوْتُ بِالْقَوْمِ مَطْواً إِذا مدَدْت بِهِمْ فِي السَّيْرِ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي بَكْرٍ، رضي الله عنه: أَنه مَرَّ عَلَى بلال وقد مُطِيَ فِي الشَّمْسِ يُعذَّبُ فَاشْتَرَاهُ وأَعْتَقه

؛ مَعْنَى مُطِيَ أَي مُدَّ وبُطحَ فِي الشَّمْسِ. وكلُّ شيءٍ مَدَدْتَه فَقَدْ مَطَوْتَه؛ وَمِنْهُ المَطْوُ فِي السَّيْر. ومَطا الرجلُ يَمْطو إِذا سارَ سَيْرًا حسَناً؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

بِهِ تَمَطَّت غَوْلَ كلِّ مِيلَهِ،

بِنَا حَراجِيجُ المَطِيِّ النُّفَّهِ

تَمَطَّتْ بِنَا أَي سارَتْ بِنَا سَيْراً طَويلًا مَمْدُودًا؛ وَيُرْوَى:

بِنَا حراجِيجُ المَهاري النُّفَّهِ

وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:

تَمَطَّتْ بِهِ أُمُّه فِي النِّفاس،

فليسَ بِيَتْنٍ وَلَا تَوْأَمِ

فسَّره فَقَالَ: يُرِيدُ أَنها زَادَتْ عَلَى تِسْعَةِ أَشهر حَتَّى نَضَّجَتْهُ وجرَّتْ حَمْلَه؛ وَقَالَ الْآخَرُ:

تَمَطَّتْ بِهِ بَيْضاءُ فَرْعٌ نَجِيبةٌ

هِجانٌ، وبَعْضُ الوالِداتِ غَرامُ

وتَمَتَّى: كَتَمَطَّى عَلَى الْبَدَلِ، وَقِيلَ لأَعرابي: مَا هَذَا الأَثر بِوَجْهِكَ؟ فَقَالَ: مِنْ شِدَّة التَّمَتِّي فِي السُّجُودِ. وتمَطَّى النهارُ: امتدَّ وَطَالَ، وَقِيلَ: كلُّ مَا امْتَدَّ وَطَالَ فَقَدْ تمَطَّى. وتمَطَّى بِهِمُ السَفرُ: امْتَدَّ وطالَ، وتمَطَّى بِكَ العهْدُ كَذَلِكَ، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ المُطَوَاءُ. والمَطاةُ والمَطا أَيضاً: التَّمَطِّي؛ عَنِ الزَّجَّاجِيِّ، حَكَاهُ فِي الجُمل قَرَنَهُ بالمَطا الَّذِي هُوَ الظَّهْر. والمَطِيَّةُ مِنَ الدَّوابِّ الَّتِي تَمُطُّ فِي سَيْرِهَا، وَهُوَ مأْخوذ مِنَ المَطْوِ أَي المَدّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: المَطِيَّة مِنَ الدَّوابِّ الَّتِي تَمْطُو فِي سَيْرِهَا، وَجَمْعُهَا مَطَايَا ومَطِيٌّ؛ وَمِنْ أَبيات الْكِتَابِ:

مَتَّى أَنامُ لَا يُؤَرِّقْني الكَرِي

ليْلًا، وَلَا أَسْمَعُ أَجْراسَ المَطِي

قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَراد لَا يُؤَرِّقْني الكَرِيُّ فاحتاجَ فأَشمَّ الساكنَ الضَّمَّةَ، وإِنما قَالَ سِيبَوَيْهِ ذَلِكَ لأَن بَعْدَهُ وَلَا أَسمعُ، وَهُوَ فِعْلٌ مَرْفُوعٌ، فحُكْمُ الأَول الَّذِي عُطف عَلَيْهِ هَذَا الْفِعْلُ أَن يَكُونَ مَرْفُوعًا، لَكِنْ لِمَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَن يُخلص الْحَرَكَةَ فِي يؤرِّقْني أَشمها وَحَمَلَ أَسمعُ عَلَيْهِ لأَنه وإِن كَانَتِ الْحَرَكَةُ مُشَمَّةً فإِنها فِي نِيَّةِ الإِشباع، وإِنما قُلْنَا فِي الإِشمام هُنَا إِنه ضَرُورَةٌ لأَنه لَوْ قَالَ لَا يُؤَرِّقُنِي فأَشبع لَخَرَجَ مِنَ الرَّجَزِ إِلى الْكَامِلِ، وَمُحَالٌ أَن يَجْمَعَ بَيْنَ عَرُوضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ وأَنشد الأَخفش:

أَلم تَكُنْ حَلَفْتَ باللهِ العَلي،

أَنَّ مَطاياكَ لَمِنْ خَيْرِ المَطي؟

جَعَلَ الَّتِي فِي مَوْضِعِ ياءٍ فَعِيلٍ الْقَافِيَةَ وأَلقى الْمُتَحَرِّكَةَ لَمَّا احْتَاجَ إِلى إِلقائها، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إِنما أَلقى الزَّائِدَ وَذَلِكَ لَيْسَ بِحَسَنٍ لأَنه مستخفٌّ للأَوَّل، وإِنما يَرْتَدِع عِنْدَ الثَّانِيَةِ، فَلَمَّا جاءَ لَفْظٌ لَا يَكُونُ مَعَ الأَول تَرْكَهُ كَمَا يَقِفُ عَلَى الثَّقِيلِ بِالْخِفَّةِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: ذَهَبَ الأَخفش فِي الْعَلِيِّ وَالْمَطِيِّ إِلى حَذْفِ الْحَرْفِ الأَخير الَّذِي هُوَ لَامٌ وَتَبْقِيَةُ يَاءِ فَعِيلٍ، وإِن كَانَتْ

ص: 285

زَائِدَةً، كَمَا ذَهَبَ فِي نَحْوِ مَقُول ومَبيع إِلى حَذْفِ الْعَيْنِ وإِقرار وَاوِ مَفْعُولٍ، وإِن كَانَتْ زَائِدَةً، إِلا أَن جِهَةَ الْحَذْفِ هُنَا وَهُنَاكَ مُخْتَلِفَتَانِ لأَن الْمَحْذُوفَ مَنِ المَطيّ وَالْعَلِيِّ الْحَرْفُ الْآخَرُ، وَالْمَحْذُوفُ فِي مَقُولٍ لِعِلَّةٍ لَيْسَتْ بِعِلَّةِ الْحَذْفِ فِي المطِيّ والعَليّ، وَالَّذِي رَآهُ فِي المَطِيّ حَسَنٌ لأَنك لَا تَتَنَاكَرُ الْيَاءَ الأُولى إِذا كَانَ الْوَزْنُ قَابِلًا لَهَا وَهِيَ مكلمة لَهُ، أَلا تَرَى أَنها بإِزاءِ نُونِ مستفْعلن؟ وإِنما اسْتَغْنَى الْوَزْنُ عَنِ الثَّانِيَةِ فإِياها فَاحْذِفْ، وَرَوَاهُ قُطْرُبٌ: أَنّ مَطَايَاكَ، بِفَتْحِ أَن مَعَ اللَّامِ، وَهَذَا طَرِيقٌ، وَالْوَجْهُ الصَّحِيحُ كَسْرُ إِن لِتَزُولَ الضَّرُورَةُ، إِلا أَنا سَمِعْنَاهَا مَفْتُوحَةَ الْهَمْزَةِ. وَقَدْ مَطَتْ مَطْواً. وامْتَطاها: اتَّخَذَهَا مَطِيَّةً. وامْتَطَاها وأَمْطَاها: جَعَلَهَا مَطِيَّتَه. والمَطِيَّةُ: النَّاقَةُ الَّتِي يُرْكب مَطاها. والمَطِيَّةُ: الْبَعِيرُ يُمْتَطى ظَهْرُهُ، وَجَمْعُهُ المَطَايا، يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ والأُنثى. الْجَوْهَرِيُّ: المَطِيَّةُ وَاحِدَةُ المَطِيِّ والمَطايا، والمَطِيُّ وَاحِدٌ وَجَمْعٌ، يُذَكَّرُ ويؤنث، والمَطايا فَعالى، أَصله فَعائلُ إِلا أَنه فُعِل بِهِ مَا فُعِلَ بخَطايا. قَالَ أَبو الْعُمَيْثِلِ: الْمَطِيَّةُ تذكر وتؤنث؛ وأَنشد أَبو زيد لِرَبِيعَةَ بْنِ مَقْرُوم الضَّبِّي جَاهِلِيٌّ:

ومَطِيّةٍ، مَلَثَ الظَّلامِ، بَعَثْتُه

يَشْكُو الكَلالَ إِليَّ دَامِي الأَظْلَل

قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ مِنْهُ امْتَطَيتها أَي اتَّخَذْتُهَا مَطِيَّةً. وَقَالَ الأُموي: امْتَطَيْنَاها أَي جَعَلْنَاهَا مَطايانا. وَفِي حَدِيثِ

خُزَيْمَةَ: تَرَكَتِ المُخَّ رَارًا والمَطِيَّ هَارًا

؛ المَطِيّ: جَمْعُ مَطِيَّةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي يُرْكَبُ مَطاها أَي ظهرها، ويقال: يُمْطِى بِهَا فِي السَّيْرِ أَي يُمَدُّ، والهارُ: الساقطُ الضَّعِيفُ. والمَطَا، مَقْصُورٌ: الظَّهر لِامْتِدَادِهِ، وَقِيلَ: هُوَ حَبْل الْمَتْنِ مِنْ عَصَب أَو عَقَب أَو لَحْمٍ، وَالْجَمْعُ أَمْطَاء. والمَطْوُ: جَرِيدَةٌ تُشَقُّ بشِقَّيْنِ ويُحْزَم بِهَا القَتُّ مِنَ الزَّرْعِ، وَذَلِكَ لِامْتِدَادِهَا. والمَطْوُ: الشِّمراخ، بلغة بَلْحَرثِ بْنِ كَعْبٍ، وَكَذَلِكَ التَّمطِيةُ، وَالْجَمْعُ مِطاء، والمَطا، مَقْصُورٌ: لُغَةٌ فِيهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: المَطْوُ والمِطْوُ، بِالْكَسْرِ، عِذْق النَّخْلَةِ، وَالْجَمْعُ مِطاء مِثْلَ جَرْو وجِراء؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ الْجَمْعِ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

تَخَدَّدَ عَنْ كَوافِرِه المِطاء

والمَطْوُ والمِطْوُ جَمِيعًا: الكُباسة وَالْعَاسِيُّ؛ وأَنشد أَبو زِيَادٍ:

وهَتَفُوا وصَرَّحُوا يَا أَجْلَحْ،

وَكَانَ هَمّي كلَّ مُطْوٍ أَمْلَحْ

كَذَا أَنشده مُطْو، بِالضَّمِّ، وَهَذَا الرَّجَزُ أَورده الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ بَرِّيٍّ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى المِطو، بِالْكَسْرِ، وأَورده بِالْكَسْرِ، ورأَيت حَاشِيَةً بِخَطِّ الشَّيْخِ رَضِيِّ الدِّينِ الشَّاطِبِيِّ، رحمه الله: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْبَصْرِيُّ وَقَدْ جاءَ عَنْ أَبي زِيَادٍ الْكِلَابِيِّ فِيهِ الضَّمُّ. ومَطا الرجلُ إِذا أَكل الرَّطْبَ مِنَ الكُباسة. والمِطْوُ: سَبَل الذُّرة. والأُمْطِيُّ: الَّذِي يُعمل مِنْهُ العِلْكُ، واللُّبايةُ شَجَرُ الأُمْطِيّ. ومِطْوُ الشَّيْءِ: نَظِيرُهُ وَصَاحِبُهُ؛ وَقَالَ:

نادَيْت مِطْوِي، وَقَدْ مالَ النهارُ بهمْ،

وعَبْرةُ الْعَيْنِ جارٍ دَمْعُها سَجمُ

ومَطا إِذا صاحبَ صَدِيقاً. ومِطْو الرَّجُلِ: صديقُه وَصَاحِبُهُ وَنَظِيرُهُ، سَرَوِيَّةٌ، وَقِيلَ: مِطْوه صَاحِبُهُ فِي السَّفَرِ لأَنه كَانَ إِذا قُويِس بِهِ فَقَدَ مُدَّ مَعَهُ؛ قَالَ يَصِفُ

ص: 286

سَحاباً، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ لِرَجُلٍ مِنْ أَزْد السَّراة يَصِفُ بَرْقًا، وَذَكَرَ الأَصبهاني أَنه لِيَعْلَى بْنِ الأَحول:

فَظَلْتُ، لَدَى البَيْتِ الحَرامِ، أُخِيلُه،

ومِطْوايَ مُشْتاقانِ لَهُ أَرِقانِ «3»

أَي صاحِبايَ، وَمَعْنَى أُخِيله أَنظر إِلى مَخِيلته، والهاءُ عَائِدَةٌ عَلَى الْبَرْقِ فِي بَيْتٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ:

أَرِقْتُ لِبَرْقٍ دُونه شَرَوانِ

يَمانٍ، وأَهْوَى البَرْقَ كلَّ يَمانِ

والمَطا أَيضاً: لُغَةٌ فِيهِ، وَالْجَمْعُ أَمْطاءٌ ومَطِيٌّ، الأَخيرة اسْمٌ لِلْجَمْعِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

لَقَدْ لاقَ المَطِيَّ بنَجْدِ عُفْرٍ

حديثٌ، إِنْ عَجِبْتَ لَهُ، عَجِيبُ

والأُمْطِيُّ: صَمْغٌ يُؤْكَلُ، سُمِّيَ بِهِ لِامْتِدَادِهِ، وَقِيلَ: هُوَ ضَرْبٌ مِنَ نَبَاتِ الرَّمْلِ يَمْتَدُّ وَيَنْفَرِشُ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الأُمْطِيُّ شَجَرٌ يَنْبُتُ فِي الرَّمْل قُضْباناً، وَلَهُ عِلْك يُمْضَغ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ وَوَصَفَ ثَوْرَ وَحْشٍ:

وبالفِرِنْدادِ لَهُ أُمطِيُ

وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ المَدِّ لأَن العلكَ يَمْتَدّ.

معي: ابْنُ سِيدَهْ: المَعَى والمِعَى مِنْ أَعْفاج الْبَطْنِ، مُذَكَّرٌ، قَالَ: ورَوى التأْنيث فِيهِ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ، وَالْجَمْعُ الأَمْعَاءُ، وَقَوْلُ الْقُطَامِيُّ:

كأَنَّ نُسُوعَ رَحْلي، حِينَ ضَمَّتْ

حَوالِبَ غُرَّزاً ومِعًى جِياعا

أَقام الْوَاحِدَ مَقَامَ الْجَمْعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا. قَالَ الأَزهري عَنِ الْفَرَّاءِ: والمِعَى أَكثر الْكَلَامِ عَلَى تَذْكِيرِهِ، يُقَالُ: هَذَا مِعًى وَثَلَاثَةُ أَمْعَاء، وَرُبَّمَا ذَهَبُوا بِهِ إِلى التأْنيث كأَنه وَاحِدٌ دلَّ عَلَى الْجَمْعِ، وأَنشد بَيْتَ الْقُطَامِيِّ: ومِعًى جِياعا. وَقَالَ اللَّيْثُ: وَاحِدُ الأَمْعَاءِ يُقَالُ مِعًى ومِعَيان وأَمْعاء، وَهُوَ المَصارين. قَالَ الأَزهري: وَهُوَ جَمِيعُ مَا فِي الْبَطْنِ مِمَّا يَتَرَدَّدُ فِيهِ مِنَ الحَوايا كُلِّهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:

المؤمنُ يأْكل فِي مِعًى واحد والكافر يأْكل فِي سَبْعَةِ أَمْعاءٍ

، وَهُوَ مَثَل لأَن الْمُؤْمِنَ لَا يأْكل إِلا مِنَ الْحَلَالِ وَيَتَوَقَّى الْحَرَامَ وَالشُّبْهَةَ، وَالْكَافِرُ لَا يُبَالِي مَا أَكل وَمِنْ أَين أَكل وَكَيْفَ أَكل، وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أُرى ذَلِكَ لتَسمية الْمُؤْمِنِ عِنْدَ طَعامه فَتَكُونُ فِيهِ الْبَرَكَةُ وَالْكَافِرُ لَا يَفعل ذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنه خَاصٌّ بِرَجُلٍ كَانَ يُكثر الأَكل قَبْلَ إِسلامه فَلَمَّا أَسلم نَقَصَ أَكله، وَيَرْوِي أَهل مِصْرَ أَنه أَبو بَصْرة الغِفاريّ، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَا نَعْلَمُ لِلْحَدِيثِ وَجْهًا غَيْرَهُ لأَنا نَرَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَكْثُر أَكله وَمِنَ الْكَافِرِينَ مَن يَقِلُّ أَكله، وَحَدِيثُ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، لَا خُلْفَ لَهُ فَلِهَذَا وُجِّه هَذَا الْوَجْهَ، قَالَ الأَزهري: وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَحسَبه الصَّوَابَ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، وَهُوَ أَن

قَوْلُ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: الْمُؤْمِنُ يأْكل فِي مِعًى واحد والكافر يأْكل فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ

، مَثَلٌ ضَرَبَهُ لِلْمُؤْمِنِ وزُهْدِه فِي الدُّنْيَا وقَناعَته بالبُلْغة مِنَ الْعَيْشِ وَمَا أُوتي مِنَ الكِفاية، وَلِلْكَافِرِ وَاتِّسَاعِ رَغبته فِي الدُّنْيَا وحِرْصِه عَلَى جَمْع حُطامها ومَنْعها مِنْ حَقِّهَا مَعَ مَا وصَف اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الكافرَ مِنْ حِرْصه عَلَى الْحَيَاةِ ورُكونه إِلى الدُّنْيَا واغْتِراره بزُخْرُفِها، فالزُّهد فِي الدُّنْيَا مَحْمُودٌ لأَنه مِنْ أَخلاق الْمُؤْمِنِينَ، والحِرْصُ عَلَيْهَا وجَمْعُ عَرَضِها مَذْمُومٌ لأَنه مِنْ أَخلاق الْكُفَّارِ، وَلِهَذَا قِيلَ: الرُّغْبُ شُؤْمٌ، لأَنه يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى اقْتِحَامِ النَّارِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَثْرَةَ الأَكل دُونَ اتِّسَاعِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا والحِرْص عَلَى جَمْعِهَا، فَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ فِي مِثْلِ الْكَافِرِ اسْتِكْثَارُهُ مِنَ الدنيا والزيادةُ

(3). عجز البيت مختلّ الوزن.

ص: 287

عَلَى الشَّبَعِ فِي الأَكل دَاخِلٌ فِيهِ، ومثَل الْمُؤْمِنِ زهدُه فِي الدُّنْيَا وَقِلَّةِ اكْتِرَاثُهُ بأَثاثِها واستعدادُه لِلْمَوْتِ، وَقِيلَ: هُوَ تَخْصِيصٌ لِلْمُؤْمِنِ وتَحامِي مَا يجرُّه الشَّبَعُ مِنَ القَسْوة وطاعةِ الشَّهْوَةِ، ووَصْفُ الْكَافِرِ بكَثرة الأَكل إِغلاظٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ وتأْكيد لِمَا رُسِمَ لَهُ، واللَّه أَعلم. قَالَ الأَزهري حِكَايَةً عَنِ الْفَرَّاءِ: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ

الْمُؤْمِنُ يأْكل فِي مِعًى واحدةٍ

، قَالَ: ومِعًى واحدٌ أَعْجَبُ إِليَّ. ومِعَى الفأْرة: ضَرْبٌ من رَدِيءِ تَمْرِ الْحِجَازِ. والمِعَى مِن مَذانِب الأَرض: كلُّ مِذْنَب بالحَضِيض يُناصِي مِذْنَباً بالسَّنَدِ وَالَّذِي فِي السَّفْح هُوَ الصُّلْبُ. قَالَ الأَزهري: وَقَدْ رأَيت بالصَّمَّان فِي قِيعانها مَساكاتٍ لِلْمَاءِ وإِخاذاً مُتَحَوِّية تُسَمَّى الأَمْعاء وَتُسَمَّى الحَوايا، وَهِيَ شِبْهُ الغُدْران، غَيْرَ أَنها مُتضايِقةٌ لَا عَرْضَ لَهَا، ورُبما ذَهَبَتْ فِي الْقَاعِ غَلْوَةً. وَقَالَ الأَزهري: الأَمْعَاء مَا لانَ مِنَ الأَرض وانْخَفض، قَالَ رُؤْبَةُ:

يَحْبُو إِلى أَصلابه أَمْعَاؤه

قَالَ: والأَصْلاب مَا صَلُبَ مِنَ الأَرض. قَالَ أَبو عَمْرٍو: ويَحْبُو أَي يَميلُ، وأَصْلابُه وَسَطُهُ، وأَمْعاؤه أَطْرافُه. وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ: المِعَى سَهْل بَيْنَ صُلْبَيْنِ، قَالَ ذُو الرمة:

بِصُلْبِ المِعَى أَو بُرْقةِ الثَّوْرِ لَمْ يَدَعْ

لَهَا جِدَّةً جَوْلُ الصَّبا والجَنائبِ «1»

قَالَ الأَزهري: المِعَى غَيْرُ مَمْدُودٍ الْوَاحِدَةُ أَظن مِعاةٌ سَهْلة بَيْنَ صُلْبَيْن، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

تراقِبُ بَيْنَ الصُّلْبِ مِنْ جانِبِ المِعَى،

مِعَى واحِفٍ، شَمْساً بَطِيئًا نُزُولُها «2»

وَقِيلَ: المِعَى مَسِيل الْمَاءِ بَيْنِ الحِرار. وَقَالَ الأَصمعي: الأَمْعاء مَسايلُ صِغَارٌ. والمُعَيُّ: اسْمُ مَكَانٍ أَو رَمْل، قَالَ الْعَجَّاجُ:

وخِلْتُ أَنْقاء المُعَيِّ رَبْرَبا

وقالوا: جاءا مَعاً وجاؤوا مَعاً أَي جَمِيعًا. قَالَ أَبو الْحَسَنِ: مَعًا عَلَى هَذَا اسْمِ وأَلفه مُنقلبة عَنْ يَاءٍ كرَحًى، لأَن انْقِلَابَ الأَلف فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَنِ الْيَاءِ أَكثر مِنِ انْقِلَابِهَا عَنِ الْوَاوِ، وَهُوَ قَوْلُ يُونُسَ، وَعَلَى هَذَا يَسْلَمُ قَوْلُ حَكِيم بْنِ مُعَيَّة التَّمِيمِي مِنَ الإِكْفاء وَهُوَ:

إِنْ شِئْتِ، يَا سَمْراء، أَشْرَفْنَا مَعَا،

دَعا كِلانا رَبَّه فأَسْمَعا

بالخَيْرِ خَيْراتٍ، وإِن شَرّاً فأَى،

وَلَا أُرِيدُ الشرَّ إِلا أَنْ تَأَى

قَالَ لُقمان بْنُ أَوْس بْنِ رَبِيعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ غَنَمٍ:

إِن شِئْتِ أَشرفْنا كِلانا، فدَعا

اللَّهَ جَهْداً رَبَّه، فأَسْمَعا

بالخَيرِ خَيراتٍ، وإِن شَرٌّ فأَى،

وَلَا أُريدُ الشرَّ إِلَّا أَن تَأَى

وَذَلِكَ أَن امرأَة قَالَتْ فأَجابها:

قَطَّعَكِ اللَّهُ الجَلِيلُ قِطَعَا،

فَوْقَ الثُّمامِ قِصَداً مُوَضَّعَا

تاللَّهِ مَا عَدَّيْتُ إِلَّا رُبَعا،

جَمَعْتُ فِيهِ مَهْرَ بِنْتي أَجْمعَا

والمَعْوُ: الرُّطب، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: وأَنشد:

تُعَلَّلُ بالنَّهِيدَةِ، حينَ تُمْسِي،

وبالمَعْوِ المُكَمَّمِ والقَمِيمِ

(1). قوله" جول" هو رواية المحكم، وفي معجم ياقوت: نسج.

(2)

. قوله" بين الصلب إلخ" كذا في الأصل والتهذيب، والذي في التكملة:

تراقب بين الصلب والهضب والمعى

مِعَى وَاحِفٍ شَمْسًا بَطِيئًا نزولها

ص: 288

النَّهِيدةُ: الزُّبْدة، وَقِيلَ: المَعْو الَّذِي عَمَّه الإِرْطابُ، وَقِيلَ: هُوَ التَّمْرُ الَّذِي أَدرَك كُلَّهُ، وَاحِدَتُهُ مَعْوةٌ، قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: هُوَ قِيَاسٌ وَلَمْ أَسمعه. قَالَ الأَصمعي: إِذا أَرطب النَّخْلُ كُلُّهُ فَذَلِكَ المَعْوُ، وَقَدْ أَمْعَتِ النَّخْلَةُ وأَمْعَى النَّخْلُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

رأَى عثمانُ رجُلًا يَقْطَعُ سَمُرَةً فَقَالَ أَلَسْتَ تَرْعَى مَعْوَتَها

أَي ثَمَرَتَها إِذا أَدْرَكَتْ، شبَّهها بالمَعْو وَهُوَ البُسْرُ إِذا أَرْطَب، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

يَا بِشْرُ يَا بشْرُ أَلا أَنتَ الوَلي،

إِنْ مُتُّ فادْفِنِّي بدارِ الزَّيْنَبي،

فِي رُطَبٍ مَعْوٍ وبِطِّيخٍ طَرِي

والمَعْوَة: الرُّطَبة إِذا دَخلها بَعْضُ الْيُبْسِ. الأَزهري: الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْقَوْمِ إِذا أَخصبوا وصَلَحت حالُهم هُمْ فِي مِثْلِ المِعَى والكَرِش، قَالَ الرَّاجِزُ:

يَا أَيُّهذا النائمُ المُفْتَرِشْ،

لستَ عَلَى شيءٍ، فَقُمْ وانْكَمِشْ

لستَ كقَوْمٍ أَصْلَحُوا أَمْرَهم،

فأَصْبَحُوا مِثْلَ المِعَى والكَرِشْ

وتَمَعَّى الشرُّ: فَشا. والمُعَاء، مَمْدُودٌ: أَصواتُ السَّنانير. يُقَالُ: مَعَا يَمْعُو ومَغا يَمْغُو، لَوْنَانِ أَحدهما يَقْرُبُ مِنَ الْآخَرِ وَهُوَ أَرفع مِنَ الصَّئِيِّ. والمَاعِي: اللَّيِّنُ من الطعام.

مغا: مَغا السِّنَّوْرُ مَغْواً ومُغُوّاً ومُغاء: صاحَ. الأَزهري: مَعا السنورُ يَمْعُو ومَغا يَمْغو، لَوْنَانِ أَحدهما يَقْرُبُ مِنَ الْآخَرِ، وَهُوَ أَرفع مِنَ الصَّئِيِّ. ابْنُ الأَعرابي: مَغَوْتُ أَمْغُو ومَغَيْتُ أَمْغِي بمعنى نَغَيْتُ.

مقا: مَقا الفَصيلُ أُمَّه مَقْواً: رَضِعَها رَضْعاً شَدِيدًا. ومَقَوْتُ الشيءَ مَقْواً: جَلَوْتُه، ومَقَيْتُ لُغَةٌ. وَمَقَوْتُ السيفَ: جَلَوْتُهُ. وَكَذَا الْمِرْآةَ والطَّسْت حَتَّى قَالُوا مَقا أَسنانه، ومَقْو الطَّسْتِ جَلاؤه، ومَقَوْتُه أَيضاً: غَسَلْتُهُ. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ وَذَكَرَتْ عُثْمَانَ، رضي الله عنهما، فَقَالَتْ: مَقَوْتُمُوه مَقْوَ الطَّسْتِ ثُمَّ قَتَلْتُمُوهُ

، أَرادت أَنهم عَتَبُوه عَلَى أَشياء فأَعتبهم وأَزال شَكْواهم وَخَرَجَ نقِيّاً مِنَ العَتْب ثُمَّ قَتَلُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ. ابْنُ سِيدَهْ: مَقَى الطسْتَ والمِرآة وَغَيْرَهُمَا مَقْياً جَلاها ويَمْقِيها، ومَقَوْت أَسناني ونَقَّيتها. وَقَالُوا: امْقِه مِقْيَتَك مَالَكَ «1» وامْقُه مَقْوَكَ مالَك ومُقاوَتَك مالَك أَي صُنْه صِيانَتَك مالَكَ. والمُقْيَةُ: المَأْقُ؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَاللَّهُ أَعلم.

مكا: المُكاء، مُخفف: الصَّفِير. مَكا الإِنسان يَمْكُو مَكْواً ومُكاءً: صَفَرَ بفِيه. قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَن يَجمع بَيْنَ أَصابع يَدَيْهِ ثُمَّ يُدخِلها فِي فِيهِ ثُمَّ يَصْفِر فِيهَا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً

. ابْنُ السِّكِّيتِ: المُكاءُ الصَّفير، قَالَ: والأَصوات مَضْمُومَةٌ إِلا النِّداء والغِناء؛ وأَنشد أَبو الْهَيْثَمِ لِحَسَّانَ:

صَلاتُهُمُ التَّصَدِّي والمُكاء

اللَّيْثُ: كَانُوا يطُوفون بِالْبَيْتِ عُراة يَصْفِرُون بأَفواههم ويُصفِّقُون بأَيديهم. ومَكَتِ اسْتُه تَمْكُو مُكاءً: نَفَخَتْ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلا وَهِيَ مَكْشُوفة مَفْتُوحَةٌ، وَخَصَّ بعضهم به

(1). قوله [مقيتك مالك] ضبط في الأصل مقيتك بالكسر كما ترى وفي المحكم أيضاً والتكملة بخط الصاغاني نفسه بالكسر، وقال السيد مرتضى بفتح الميم وسكون القاف وكأَنه اتكل على إطلاق المجد وقلده المصححون الأَول فضبطوه بالفتح.

ص: 289

اسْتَ الدّابَّة. والمَكْوةُ: الِاسْتُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لصَفِيرها؛ وَقَوْلُ عَنْتَرَةَ يَصِفُ رَجُلًا طَعَنَه:

تَمْكُو فَريصَتُه كشِدْقِ الأَعْلَمِ

يَعْنِي طَعْنةً تَنْفَحُ بِالدَّمِ. وَيُقَالُ لِلطَّعْنَةِ إِذا فَهَقَتْ فَاهَا «1» : مَكَتْ تَمْكُو. والمُكَّاء، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: طَائِرٌ فِي ضَرْبِ القُنْبُرةِ إِلا أَن فِي جَنَاحَيْهِ بَلَقاً، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه يَجْمَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَصْفِرُ فِيهِمَا صَفِيراً حَسَنًا؛ قَالَ:

إِذا غَرَّدَ المُكَّاءُ فِي غَيْرِ رَوْضةٍ،

فَوَيْلٌ لأَهْلِ الشَّاءِ والحُمُراتِ

التَّهْذِيبُ: والمُكَّاء طَائِرٌ يأْلَف الرِّيف، وَجَمْعُهُ المَكاكِيُّ، وَهُوَ فُعّالٌ مِنْ مَكا إِذا صَفَرَ. والمَكْوُ والمَكا، بِالْفَتْحِ مَقْصُورٌ: جُحْر الثَّعْلَبِ والأَرنب وَنَحْوُهُمَا، وَقِيلَ: مَجْثِمُهُما؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:

كَمْ بهِ مِنْ مَكْوِ وَحْشِيَّة

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

وكَمْ دُونَ بَيتِكَ مِنْ مَهْمَةٍ،

ومِنْ حَنَشٍ جاحِرٍ فِي مَكا

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ يُهْمَزُ، وَالْجَمْعُ أَمْكَاء، وَيُثَنَّى مَكاً مَكَوانِ؛ قَالَ الشَّاعِرَ:

بُنى مَكَوَيْنِ ثُلِّما بَعْدَ صَيْدَنِ

وَقَدْ يَكُونُ المَكْوُ لِلطَّائِرِ والحَيَّة. أَبو عَمْرٍو: تَمَكَّى الغلامُ إِذا تَطهَّر لِلصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ تَطَهَّرَ وتَكَرَّعَ؛ وأَنشد لِعَنْتَرَةَ الطَّائِيِّ:

إِنَّكَ، والجَوْرَ عَلَى سَبِيلِ،

كالمُتَمَكِّي بدَمِ القَتِيلِ

يُرِيدُ كالمُتَوَضِّئِ والمُتَمَسِّح. أَبو عُبَيْدَةَ: تَمَكَّى الْفَرَسُ تَمَكِّياً إِذا ابْتَلَّ بِالْعَرَقِ؛ وأَنشد:

والقُودُ بعْدَ القُودِ قَدْ تَمَكَّيْن

أَي ضَمَرْنَ لِمَا سالَ مِنْ عَرَقِهنَّ. وتَمَكَّى الفرسُ إِذا حَكَّ عَيْنَهُ برُكبته. وَيُقَالُ: مَكِيَتْ يَدُهُ تَمْكى مَكاً شَدِيدًا إِذا غَلُظت، وَفِي الصِّحَاحِ: أَي مَجِلَتْ مِنَ الْعَمَلِ؛ قَالَ يَعْقُوبُ: سَمِعْتُهَا مِنَ الْكِلَابِيِّ. الْجَوْهَرِيُّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ: مِيكائيلُ اسْمٌ، يُقَالُ هُوَ مِيكَا أُضيف إِلى إِيل، وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ مِيكائين، بِالنُّونِ لُغَةٌ، قَالَ الأَخفش: يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ، قَالَ: وَيُقَالُ مِيكالُ، وَهُوَ لُغَةٌ؛ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

ويَوْمَ بَدْرٍ لَقِيناكُمْ لَنَا مَدَدٌ،

فَيَرْفَعُ النَّصرَ مِيكالٌ وجِبْريلُ

ملا: المِلاوةُ والمُلاوةُ والمَلاوةُ والمَلا والمَلِيُّ، كُلُّهُ: مَدَّة الْعَيْشِ. وَقَدْ تَمَلَّى العَيْشَ ومُلِّيَه وأَمْلاه اللَّهُ إِياه ومَلَّاهُ وأَمْلى اللهُ لَهُ: أَمْهلَه وطوَّلَ لَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

إنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ

؛ الإِمْلاء: الإِمْهالُ والتأْخير وإِطالةُ العُمُر. وتَمَلَّى إِخْوانَه: مُتِّعَ بِهِمْ. يُقَالُ: مَلَّاك اللَّهُ حَبيبَك أَي مَتَّعَك بِهِ وأَعاشَك مَعَهُ طَوِيلًا؛ قَالَ التَّمِيمِيُّ فِي يَزِيدَ بْنِ مِزْيد الشَّيْباني:

وَقَدْ كنتُ أَرْجُو أَنْ أُمَلَّاك حِقْبةً،

فحالَ قَضاءُ اللهِ دُونَ رَجائِيا

أَلا فَلْيَمُتْ مَنْ شَاءَ بَعْدَكَ، إِنما

عَلَيْكَ، منَ الأَقْدارِ، كَانَ حِذارِيا

وتَمَلَّيْت عُمُري: اسْتَمْتَعْتُ بِهِ. وَيُقَالُ لِمَنْ لَبِس الجَديدَ: أَبْلَيْتَ جَديداً وتَمَلَّيْت حَبيباً أَي

(1). قوله [فهقت فاها] كذا ضبط في التهذيب.

ص: 290

عِشْتَ مَعَهُ مِلاوةً مِنْ دَهْرِكَ وتَمَتَّعْت بِهِ. وأَمْلَى لِلْبَعِيرِ فِي القَيْدِ: أَرْخى ووَسَّع فِيهِ. وأَمْلى لَهُ فِي غَيِّه: أَطالَ. ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً

؛ اشْتِقَاقُهُ مِنَ المَلْوة وَهِيَ الْمُدَّةُ مِنَ الزَّمَانِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: البَسْ جَدِيدًا وتَمَلَّ حَبِيبًا أَي لتَطُلْ أَيامُك مَعَهُ؛ وأَنشد:

بوِدِّيَ لَوْ أَني تَمَلَّيْتُ عُمْرَه

بِما ليَ مِنْ مالٍ طَريفٍ وتالِدِ

أَي طالَتْ أَيامي معَه؛ وأَنشد:

أَلا لَيْتَ شِعْري هَلْ تَرُودَنَّ ناقَتي

بِحزْمِ الرَّقاشِ مِنْ مَتالٍ هَوامِلِ؟

هُنالِكَ لَا أُمْلي لَهَا القَيْدَ بالضُّحى،

ولَسْتُ، إِذا راحَتْ عليَّ، بعاقِلِ

أَي لَا أُطِيلُ لَهَا الْقَيْدَ لأَنها صَارَتْ إِلى أُلَّافِها فتَقِرُّ وَتَسْكُنُ، أَخذ الإِمْلاءَ مِنَ المَلا، وَهُوَ مَا اتَّسَع مِنَ الأَرض. ومرَّ مَليٌّ مِنَ اللَّيْلِ ومَلًا: وَهُوَ مَا بَيْنَ أَوَّله إِلى ثُلُثِهِ، وَقِيلَ: هُوَ قِطْعة مِنْهُ لَمْ تُحَدَّ، وَالْجَمْعُ أَمْلاء، وَتَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ:

ومرَّ عَلَيْهِ مَلًا مِنَ الدَّهْرِ

أَي قطْعة. والمَلِيُّ: الهَوِيُّ مِنَ الدَّهْرِ. يُقَالُ: أَقامَ مَلِيّاً مِنَ الدَّهْرِ. وَمَضَى مَلِيٌّ مِنَ النَّهَارِ أَي ساعةٌ طَويلة. ابْنُ السِّكِّيتِ: تَمَلَّأْتُ مِنَ الطَّعَامِ تَمَلُّؤاً. وَقَدْ تَمَلَّيْت الْعَيْشَ تَمَلِّياً إِذا عِشْتَ مَلِيّاً أَي طَويلًا. وَفِي التَّنْزِيلِ العزيز: وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَي طَوِيلًا. والمَلَوانِ: الليلُ وَالنَّهَارُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

نَهارٌ ولَيْلٌ دائمٌ مَلَواهما،

عَلَى كلِّ حالِ المَرْءِ يَخْتَلِفانِ

وَقِيلَ: المَلَوانِ طَرفا النَّهَارِ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

أَلا يَا دِيارَ الحَيِّ بالسَّبُعانِ،

أَمَلَّ عَليها بالبِلى المَلَوانِ

وَاحِدُهُمَا مَلًا، مَقْصُورٌ. وَيُقَالُ: لَا أَفعله مَا اخْتَلَفَ المَلَوانِ. وأَقام عِنْدَهُ مَلْوَةً مِنَ الدَّهْرِ ومُلْوَةً ومِلْوَةً ومَلاوَةً ومُلاوَةً ومِلاوةً أَي حِينًا وبُرهة مِنَ الدَّهْرِ. اللَّيْثُ: إِنه لَفِي مِلَاوَةٍ مِنْ عَيْشٍ أَي قَدْ أُمْلِيَ لَهُ، وَاللَّهُ يُمْلي مَن يَشَاءُ فيؤجِّله فِي الخَفْض والسِّعة والأَمْن؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

مُلاوةً مُلِّيتُها، كأَني

ضارِبُ صَنْجِ نَشْوةٍ مُغَنِّي

الأَصمعي: أَمْلَى عَلَيْهِ الزَّمنُ أَي طَالَ عَلَيْهِ، وأَمْلَى لَهُ أَي طَوَّلَ لَهُ وأَمْهَلَه. ابْنُ الأَعرابي: المُلَى الرَّماد الحارُّ، والمُلَى الزَّمَانُ «2» مِنَ الدَّهْرِ. والإِمْلاء والإِمْلالُ عَلَى الْكَاتِبِ وَاحِدٌ. وأَمْلَيْتُ الْكِتَابَ أُمْلِي وأَمْلَلْتُه أُمِلُّه لُغَتَانِ جَيِّدتان جاءَ بِهِمَا الْقُرْآنُ. واسْتَمْلَيْته الْكِتَابَ: سأَلته أَن يُمْلِيَه عليَّ، وَاللَّهُ أَعلم. والمَلاةُ: فَلاة ذَاتَ حَرٍّ، وَالْجَمْعُ مَلًا؛ قَالَ تأَبَّط شَرًّا:

ولَكِنَّني أُرْوي مِنَ الخَمْرِ هامَتي،

وأَنْضُو المَلا بالشَّاحِبِ المُتشَلْشِل

وَهُوَ الَّذِي تَخَدَّدَ لَحْمُهُ وقلَّ، وَقِيلَ: المَلا وَاحِدٌ وَهُوَ الفَلاةُ. التهذيب في ترجمة ملأَ: وأَما المَلا المُتَّسَعُ مِنَ الأَرض فَغَيْرُ مَهْمُوزٍ، يُكْتَبُ بالأَلف وَالْيَاءِ وَالْبَصْرِيُّونَ يكتبونه بالأَلف؛ وأَنشد:

(2). وقوله [المُلَى الرماد والمُلَى الزمان] كذا ضبطا بالضم في الأصل.

ص: 291

أَلا غَنِّياني وارْفَعا الصَّوْتَ بالمَلا،

فإِنَّ المَلا عِنْدي يَزيدُ المَدى بُعْدا

الْجَوْهَرِيُّ: المَلا، مَقْصُورٌ، الصَّحراء؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ فِي المَلا المُتَّسعِ مِنَ الأَرض لِبِشْرٍ:

عَطَفْنا لَهُمْ عَطْفَ الضَّرُوسِ مِنَ المَلا

بِشَهْباء لَا يَمْشِي الضَّراءَ رَقِيبُها

والمَلا: مَوْضِعٌ؛ وَبِهِ فَسَّرَ ثَعْلَبٌ قَوْلَ قَيْسِ بْنِ ذَريح:

تبكِي عَلَى لُبْنى، وأَنْتَ تَرَكْتَها،

وكُنْتَ عَلَيْها بالمَلا أَنْتَ أَقْدَرُ

ومَلا الرجلُ يَمْلُو: عَدا؛ وَمِنْهُ حِكَايَةُ الْهُذَلِيِّ: فرأَيتُ الَّذِي ذَمى يَمْلُو أَي الَّذِي نَجا بذَمائه. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا عَلَى مَجْهُولِ هَذَا الْبَابِ بِالْوَاوِ لِوُجُودِ مَ ل وو عدم مَ لَ يَ. وَيُقَالُ: مَلا البعيرُ يَمْلُو مَلْواً أَي سارَ سَيْرًا شَدِيدًا؛ وَقَالَ مُلَيْح الْهُذَلِيُّ:

فأَلْقَوْا عَلَيْهِنَّ السِّياطَ، فَشَمَّرَتْ

سَعالى عَليْها المَيْسُ تَمْلُو وتَقْذِفُ

مني: المَنى، بالياءِ: القَدَر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

دَرَيْتُ وَلَا أَدْري مَنَى الحَدَثانِ

مَنَاهُ اللَّهُ يَمْنِيه: قدَّره. وَيُقَالُ: مَنى اللهُ لَكَ مَا يسُرُّك أَي قَدَّر اللَّهُ لَكَ مَا يَسُرُّك؛ وَقَوْلُ صَخْرِ الْغَيِّ:

لعَمرُ أَبي عَمْرٍو لقَدْ ساقَه المَنى

إِلى جَدَثٍ يُوزَى لهُ بالأَهاضِبِ

أَي ساقَه القَدَرُ. والمَنى والمَنِيَّةُ: الْمَوْتُ لأَنه قُدِّر عَلَيْنَا. وَقَدْ مَنى اللَّهُ لَهُ الْمَوْتَ يَمْنِي، ومُنِي لَهُ أَي قُدِّر؛ قَالَ أَبو قِلابة الْهُذَلِيُّ:

وَلَا تَقُولَنْ لشيءٍ: سَوْفَ أَفْعَلُه،

حَتَّى تُلاقِيَ مَا يَمْني لَكَ المَانِي

وَفِي التَّهْذِيبِ:

حَتَّى تبَيّنَ مَا يَمْنِي لَكَ المَانِي

أَي مَا يُقَدِّر لَكُ الْقَادِرُ؛ وأَورد الْجَوْهَرِيُّ عَجُزَ بَيْتٍ:

حَتَّى تُلاقيَ مَا يَمْنِي لَكَ المَانِي

وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِيهِ: الشِّعْرُ لسُوَيْد بْنِ عامرٍ المُصْطلِقي وَهُوَ:

لَا تَأْمَنِ المَوتَ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَمٍ،

إِنَّ المَنَايا تُوافي كلَّ إِنْسانِ

واسْلُكْ طَريقَكَ فِيها غَيْرَ مُحْتَشِمٍ،

حتَّى تُلاقيَ مَا يَمْني لَكَ المَانِي

وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن مُنْشِدًا أَنشد النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم:

لَا تَأْمَنَنَّ، وإِنْ أَمْسَيْتَ فِي حَرَمٍ،

حَتَّى تلاقيَ مَا يَمْنِي لَكَ المَانِي

فالخَيْرُ والشَّرُّ مَقْرونانِ فِي قَرَنٍ،

بكُلِّ ذلِكَ يأْتِيكَ الجَدِيدانِ

فَقَالَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَدرك هَذَا الإِسلام

؛ مَعْنَاهُ حَتَّى تُلاقيَ مَا يُقدِّر لكَ المُقَدِّرُ وَهُوَ اللَّهُ عز وجل. يقال: مَنَى اللَّهُ عَلَيْكَ خَيْرًا يَمْنِي مَنْياً، وَبِهِ سُمِّيَتِ المَنِيَّةُ، وَهِيَ الْمَوْتُ، وَجَمْعُهَا المَنَايا لأَنها مُقدَّرة بِوَقْتٍ مخصوص؛ وقال آخر:

مَنَتْ لَكَ أَن تُلاقِيَني المَنَايَا

أُحادَ أُحادَ فِي الشَّهْر الحَلالِ

أَي قدَّرت لك الأَقْدارُ. وقال الشَّرفي بْنُ الْقُطَامِيِّ: المَنَايا الأَحْداث، والحِمامُ الأَجَلُ، والحَتْفُ

ص: 292

القَدَرُ، والمَنُونُ الزَّمانُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المَنِيَّة قدَرُ الْمَوْتِ، أَلا تَرَى إِلى قَوْلِ أَبي ذُؤَيْبٍ:

مَنَايا يُقَرِّبْنَ الحُتُوفَ لأَهْلِها

جِهاراً، ويَسْتَمْتِعْنَ بالأَنَسِ الجُبْلِ

فَجَعَلَ الْمَنَايَا تُقرِّب الْمَوْتَ وَلَمْ يَجْعَلْهَا الْمَوْتَ. وامْتَنَيْت الشيءَ: اخْتَلقْته. ومُنِيتُ بِكَذَا وَكَذَا: ابْتُلِيت بِهِ. ومَنَاه اللهُ بحُبها يَمنِيه ويَمْنُوه أَي ابْتلاه بحُبِّها مَنْياً ومَنْواً. وَيُقَالُ: مُنِيَ ببَلِيَّة أَي ابْتُلي بِهَا كأَنما قُدِّرت لَهُ وقُدِّر لَهَا. الْجَوْهَرِيُّ: منَوْتُه ومَنَيْته إِذا ابْتَلَيْتَهُ، ومُنِينا لَهُ وُفِّقْنا. ودارِي مَنَى دارِك أَي إِزاءَها وقُبالَتها. وَدَارِي بمَنَى دارِه أَي بِحِذَائِهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشد ابْنُ خَالَوَيْهِ:

تَنَصَّيْتُ القِلاصَ إِلى حَكِيمٍ،

خَوارِجَ مِنْ تَبالَةَ أَو مَناها

فَمَا رَجَعَتْ بخائبةٍ رِكابٌ،

حَكِيمُ بنُ المُسَيَّبِ مُنتَهاها

وَفِي الْحَدِيثِ:

البيتُ المَعْمُور مَنَى مَكَّةَ

أَي بِحذائها فِي السَّمَاءِ. وَفِي حَدِيثِ

مُجَاهِدٍ: إِن الْحَرَمَ حَرَمٌ مَنَاه مِن السماواتِ السَّبْعِ والأَرَضِين السَّبْعِ

أَي حِذاءه وقَصْدَه. والمَنى: القَصْدُ؛ وَقَوْلُ الأَخطل:

أَمْسَتْ مَناها بأَرْضٍ مَا يُبَلِّغُها،

بصاحِبِ الهَمِّ، إِلَّا الجَسْرةُ الأُجُدُ

قِيلَ: أَراد قَصْدَها وأَنَّث عَلَى قَوْلِكَ ذهَبت بعضُ أَصابعه، وإِن شِئْتَ أَضمرت فِي أَمْسَتْ كَمَا أَنشده سِيبَوَيْهِ:

إِذا مَا المَرْءُ كَانَ أَبُوه عَبْسٌ،

فحَسْبُكَ مَا تُريدُ إِلى الكَلامِ

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الأَخطل أَرادَ مَنازِلها فَحَذَفَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ التَّهْذِيبُ: وأَما قَوْلُ لَبِيدٌ:

دَرَسَ المَنا بمُتالِعٍ فأَبانِ

قِيلَ: إِنه أَراد بالمَنَا المَنازِل فَرَخَّمَهَا كَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ:

قَواطِناً مكةَ منْ وُرْقِ الحَما

أَراد الحَمام. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَوْلُهُ دَرَس الْمَنَا أَراد الْمَنَازِلَ، وَلَكِنَّهُ حَذَفَ الْكَلِمَةَ اكْتِفاء بالصَّدْر، وَهُوَ ضَرُورَةٌ قَبِيحَةٌ. والمَنِيُّ، مشَدّد: مَاءُ الرَّجُلِ، والمَذْي والوَدْي مُخَفَّفَانِ؛ وأَنشد ابْنَ بَرِّيٍّ للأَخطل يَهْجُو جَرِيرًا:

مَنِيُّ العَبْدِ، عَبْدِ أَبي سُواجٍ،

أَحَقُّ مِنَ المُدامةِ أَنْ تَعيبا

قَالَ: وَقَدْ جَاءَ أَيضاً مُخَفَّفًا فِي الشِّعْرِ؛ قَالَ رُشَيْدُ بْنُ رُمَيْضٍ:

أَتَحْلِفُ لَا تَذُوقُ لَنا طَعاماً،

وتَشْرَبُ مَنْيَ عَبْدِ أَبي سُواجِ؟

وجمعهُ مُنْيٌ؛ حَكَاهُ ابْنُ جِني؛ وأَنشد:

أَسْلَمْتُموها فباتَتْ غيرَ طاهِرةٍ،

مُنْيُ الرِّجالِ عَلَى الفَخذَيْنِ كالمُومِ

وَقَدْ مَنَيْتُ مَنْياً وأَمْنَيْتُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى

؛ وَقُرِئَ بِالتَّاءِ عَلَى النُّطْفَةِ وَبِالْيَاءِ عَلَى المَنِيِّ، يُقَالُ: مَنَى الرَّجلُ وأَمْنَى مِنَ المَنِيِّ بِمَعْنًى، واسْتَمْنَى أَي اسْتَدْعَى خُرُوجَ الْمَنِّي. ومَنَى اللهُ الشَّيْءَ: قَدَّرَه، وَبِهِ سُمِّيَتْ مِنًى، ومِنًى بِمَكَّةَ، يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا يُمْنَى فِيهَا مِنَ الدِّمَاءِ أَي يُراق، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ مِن قَوْلِهِمْ مَنَى اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَوْتَ أَي قدَّره لأَن الهَدْيَ يُنحر هُنَالِكَ. وامْتَنَى الْقَوْمُ وأَمْنَوْا أَتوا مِنى؛ قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: سُمِّيَ مِنًى لأَن الْكَبْشَ مُنِيَ بِهِ أَي

ص: 293

ذُبح، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أُخذ مِنَ المَنايا. يُونُسُ: امْتَنَى الْقَوْمُ إِذا نَزَلُوا مِنًى. ابْنُ الأَعرابي: أَمْنَى القومُ إِذا نَزَلُوا مِنًى. الْجَوْهَرِيُّ: مِنًى، مَقْصُورٌ، مَوْضِعٌ بِمَكَّةَ، قَالَ: وَهُوَ مُذَكَّرٌ، يُصْرَفُ. ومِنًى: مَوْضِعٌ آخَرُ بِنَجْدٍ؛ قِيلَ إِياه عَنَى لَبِيدٌ بِقَوْلِهِ:

عَفَتِ الدِّيارُ محَلُّها فَمُقامُها

بمِنًى، تأَبَّدَ غَوْلُها فرِجامُها

والمُنَى، بِضَمِّ الْمِيمِ: جَمْعُ المُنْيَة، وَهُوَ مَا يَتَمَنَّى الرَّجُلُ. والمَنْوَةُ: الأُمْنِيَّةُ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراهم غَيَّرُوا الآخِر بالإِبدال كَمَا غَيَّرُوا الأَوَّل بِالْفَتْحِ. وَكَتَبَ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلى الْحَجَّاجِ: يَا ابنَ المُتَمَنِّيةِ، أَراد أُمَّه وَهِيَ الفُرَيْعَةُ بِنْتُ هَمَّام؛ وَهِيَ الْقَائِلَةُ:

هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلى خَمْرٍ فأَشْرَبَها،

أَمْ هَلْ سَبِيلٌ إِلى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ؟

وَكَانَ نَصْرٌ رَجُلًا جَمِيلًا مِنْ بَنِي سُلَيم يَفْتَتِنُ بِهِ النِّسَاءُ فَحَلَقَ عُمَرُ رأْسه وَنَفَاهُ إِلى الْبَصْرَةِ، فَهَذَا كَانَ تَمَنِّيهَا الَّذِي سَمَّاهَا بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبير لِلْحَجَّاجِ: إِن شِئْتَ أَخبرتك مَنْ لَا أُمَّ لَهُ يَا ابنَ المُتَمنِّية. والأُمْنِيّة: أُفْعولةٌ وَجَمْعُهَا الأَمَانِي، وَقَالَ اللَّيْثُ: رُبَّمَا طُرِحَتِ الأَلف فَقِيلَ مِنْيَةٌ عَلَى فعلة قوله [فَقِيلَ مِنْيَةٌ عَلَى فِعْلَةٍ] كذا بالأصل وشرح القاموس، ولعله على فعولة حتى يتأتى ردّ أَبي منصور عَلَيْهِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ.: وَهَذَا لَحْنٌ عِنْدَ الْفُصَحَاءِ، إِنما يُقَالُ مُنْيَة عَلَى فُعْلة وَجَمْعُهَا مُنًى، وَيُقَالُ أُمْنِيّةٌ عَلَى أُفْعولة وَالْجَمْعُ أَمَانِيُّ، مشدَّدة الْيَاءِ، وأَمانٍ مُخَفَّفَةٌ، كَمَا يُقَالُ أَثافٍ وأَثافيُّ وأَضاحٍ وأَضاحِيُّ لِجَمْعِ الأُثْفِيّةِ والأُضْحيَّة. أَبو الْعَبَّاسِ: أَحمد بْنُ يَحْيَى التَّمَنِّي حَدِيثُ النَّفْسِ بِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَا يَكُونُ، قَالَ: والتَّمَنِّي السُّؤَالُ لِلرَّبِّ فِي الْحَوَائِجِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِذا تَمَنَّى أَحدُكم فَلْيَسْتَكثِرْ فإِنَّما يسْأَل رَبَّه

، وَفِي رِوَايَةٍ:

فلْيُكْثِرْ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: التَّمَنِّي تَشَهِّي حُصُولِ الأَمر المَرْغوب فِيهِ وحديثُ النَّفْس بِمَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ، وَالْمَعْنَى إِذا سأَل اللهَ حَوائجَه وفَضْله فلْيُكْثِرْ فإِن فَضْلَ اللَّهِ كَثِيرٌ وَخَزَائِنَهُ وَاسِعَةٌ. أَبو بَكْرٍ: تَمَنَّيْتُ الشيءَ أَي قَدَّرته وأَحْبَبْتُ أَن يَصِيرَ إِليَّ مِن المَنَى وَهُوَ الْقَدْرُ. الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ تَمَنَّيْت الشيءَ ومَنَّيْتُ غَيْرِي تَمْنِيةً. وتَمَنَّى الشيءَ: أَراده، ومَنَّاه إِياه وَبِهِ، وَهِيَ المِنْيَةُ والمُنْيَةُ والأُمْنِيَّةُ. وتَمَنَّى الكتابَ: قرأَه وكَتَبَه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ

؛ أَي قَرَأَ وتَلا فأَلْقَى فِي تِلاوته مَا لَيْسَ فِيهِ؛ قَالَ فِي مَرْثِيَّةِ عُثْمَانَ، رضي الله عنه:

تَمَنَّى كتابَ اللهِ أَوَّلَ لَيْلِه،

وآخِرَه لاقَى حِمامَ المَقادِرِ «1»

والتَّمَنِّي: التِّلاوةُ. وتَمَنَّى إِذا تَلا الْقُرْآنَ؛ وَقَالَ آخَرُ:

تَمَنَّى كِتابَ اللهِ آخِرَ لَيْلِه،

تَمَنِّيَ داودَ الزَّبُورَ عَلَى رِسْلِ

أَي تَلَا كِتَابَ اللَّهِ مُتَرَسِّلًا فِيهِ كَمَا تَلَا داودُ الزَّبُورَ مترَسِّلًا فِيهِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والتِّلاوةُ سُمِّيَتْ أُمْنِيَّة لأَنَّ تَالِيَ القرآنِ إِذا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ تَمَنَّاها، وإِذا مرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ تَمَنَّى أَن يُوقَّاه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ

؛ قَالَ أَبو إِسحاق: مَعْنَاهُ الْكِتَابُ إِلا تِلاوة، وَقِيلَ: إِلَّا أَمانِيَ

إِلا أَكاذيبَ، والعربُ تَقُولُ: أَنت إِنما تَمْتَنِي هَذَا القولَ أَي تَخْتَلِقُه، قال:

(1). قوله [أول ليله وآخره] كذا بالأصل، والذي في نسخ النهاية: أول ليلة وآخرها.

ص: 294

وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَمَانِيَّ نُسِب إِلى أَنْ الْقَائِلَ إِذا قَالَ مَا لَا يَعْلَمُهُ فكأَنه إِنما يَتَمَنَّاه، وَهَذَا مستَعمل فِي كَلَامِ النَّاسِ، يَقُولُونَ لِلَّذِي يَقُولُ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَهُوَ يُحبه: هَذَا مُنًى وَهَذِهِ أُمْنِيَّة. وَفِي حَدِيثِ

الْحَسَنِ: لَيْسَ الإِيمانُ بالتَّحَلِّي وَلَا بالتَّمَنِّي وَلَكِنْ مَا وَقَر فِي الْقَلْبِ وصَدَّقَتْه الأَعْمال

أَي لَيْسَ هُوَ بِالْقَوْلِ الَّذِي تُظهره بِلِسَانِكَ فَقَطْ، وَلَكِنْ يَجِبُ أَن تَتْبَعَه معرِفةُ الْقَلْبِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ التَّمَنِّي الْقِرَاءَةُ والتِّلاوة. يُقَالُ: تَمَنَّى إِذا قرأَ. والتَّمَنِّي: الكَذِب. وَفُلَانٌ يَتَمَنَّى الأَحاديث أَي يَفْتَعِلها، وَهُوَ مَقْلُوبٌ مِنَ المَيْنِ، وَهُوَ الْكَذِبُ. وَفِي حَدِيثِ

عُثْمَانَ، رضي الله عنه: مَا تَغَنَّيْتُ وَلَا تَمَنَّيْتُ وَلَا شَرِبت خَمراً فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسلام

، وَفِي رِوَايَةٍ:

مَا تَمَنَّيْتُ مُنْذُ أَسلمت

أَي مَا كَذَبْت. والتَّمَنِّي: الكَذِب، تَفَعُّل مِن مَنَى يَمْنِي إِذا قَدَّر لأَن الْكَاذِبَ يُقدِّر فِي نَفْسِهِ الْحَدِيثَ ثُمَّ يَقُولُهُ، وَيُقَالُ للأَحاديث الَّتِي تُتَمَنَّى الأَمَانِيُّ، وَاحِدَتُهَا أُمْنِيّةٌ؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ:

فَلَا يغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وعَدَتْ،

إِنَّ الأَمَانِيَّ والأَحْلامَ تَضلِيلُ

وتَمَنَّى: كَذَبَ ووضَعَ حَدِيثًا لَا أَصل لَهُ. وتَمَنَّى الحَديث: اخْتَرَعَهُ. وَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ دَأْبٍ وَهُوَ يُحدِّث: أَهذا شَيْءٌ رَوَيْتَه أَم شَيْءٌ تَمَنَّيْته؟ مَعْنَاهُ افْتَعَلْتَه واخْتَلَقْته وَلَا أَصل لَهُ. وَيَقُولُ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ مَا تَمَنَّيْت هَذَا الْكَلَامَ وَلَا اخْتَلَقْته. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مُنْيةُ النَّاقَةِ الأَيام الَّتِي يُتعَرَّف فِيهَا أَلاقِحٌ هِيَ أَم لَا، وَهِيَ مَا بَيْنَ ضِرابِ الفَحْل إِياها وَبَيْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَهِيَ الأَيام الَّتِي يُسْتَبْرَأُ فِيهَا لَقاحُها مِنْ حِيالها. ابْنُ سِيدَه: المُنْيَةُ والمِنْيَة أَيّام النَّاقَةِ الَّتِي لَمْ يَسْتَبِنْ فِيهَا لَقاحُها مِنْ حِيالها، وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ فِي أَوَّل مَا تُضرب: هِيَ فِي مُنْيَتِها، وَذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمُوا أَبها حَمْلٌ أَم لَا، ومُنْيَةُ البِكْر الَّتِي لَمْ تَحْمِلْ قَبْلَ ذَلِكَ عشرُ لَيَالٍ، وَمُنْيَةُ الثِّنْي وَهُوَ الْبَطْنُ الثَّانِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، قِيلَ: وَهِيَ مُنْتَهَى الأَيام، فإِذا مَضَتْ عُرف أَلاقِح هِيَ أَم غَيْرُ لَاقِحٍ، وَقَدِ استَمْنَيْتُها. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: البِكْرُ مِنَ الإِبل تُسْتَمْنَى بَعْدَ أَربع عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ، والمُسِنَّةُ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيام، قَالَ: والاسْتِمْنَاء أَن يأْتي صَاحِبُهَا فَيَضْرِبَ بِيَدِهِ عَلَى صَلاها ويَنْقُرَ بِهَا، فإِن اكْتارَتْ بِذَنَبِهَا أَو عَقَدت رأْسها وَجَمَعَتْ بَيْنَ قُطْرَيها عُلِم أَنها لَاقِحٌ؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

قامَتْ تُريكَ لَقاحاً بعدَ سابِعةٍ،

والعَيْنُ شاحِبةٌ، والقَلْبُ مَسْتُورُ

قَالَ: مَسْتُورٌ إِذا لَقِحَت ذهَب نَشاطُها.

كأَنَّها بصَلاها، وهْي عاقِدةٌ،

كَوْرُ خِمارٍ عَلَى عَذْراءَ مَعْجُورُ

قَالَ شَمِرٌ: وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ مُنْيَةُ القِلاصِ والجِلَّةِ سَواء عَشْرُ لَيَالٍ: وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنه قَالَ: تُمْتَنَى القِلاصُ لِسَبْعِ لَيَالٍ إِلا أَن تَكُونَ قَلُوص عَسْراء الشَّوَلانِ طَويلة المُنية فتُمْتَنى عَشْرًا وَخَمْسَ عَشْرَةَ، والمُنْيَة الَّتِي هِيَ المُنْية سَبْعٌ، وَثَلَاثٌ للقِلاص وللجِلَّةِ عَشْر لَيالٍ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ تُمْتَنى القِلاصُ لِسَبْعٍ: إِنَّهُ خطأٌ، إِنما هُوَ تَمْتَني القِلاصُ، لَا يَجُوزُ أَن يُقَالَ امْتَنَيْتُ الناقةَ أَمْتَنِيها، فَهِيَ مُمْتَناةٌ، قَالَ: وَقُرِئَ عَلَى نُصَير وأَنا حَاضِرٌ. يُقَالُ: أَمْنَتِ الناقةُ فَهِيَ تُمْنِي إِمْنَاء، فَهِيَ مُمْنِيةٌ ومُمْنٍ، وامْتَنَتْ، فَهِيَ مُمْتَنِيَة إِذا كَانَتْ فِي مُنْيَتِها عَلَى أَن الفِعل لَهَا دُونَ راعِيها، وَقَدِ امْتُنيَ لِلْفَحْلِ؛ قَالَ: وأَنشد فِي ذَلِكَ لِذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ بَيْضَةً:

ص: 295

وبَيْضاء لَا تَنْحاشُ مِنَّا، وأُمُّها

إِذا مَا رأَتْنا زيِلَ مِنَّا زَويلُها

نَتُوجٍ، وَلَمْ تُقْرَفْ لِما يُمْتَنى لَهُ،

إِذا نُتِجَتْ ماتَتْ وحَيَّ سَلِيلُها

وَرَوَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنَ الرُّوَاةِ: لِمَا يُمْتَنَى، بِالْيَاءِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا رَوَى شَمِرُ لَكَانَتِ الرِّوَايَةُ لِمَا تَمْتَني لَهُ، وَقَوْلُهُ: لَمْ تُقْرَفْ لَمْ تُدانَ لِما يُمْتَنى لَهُ أَي يُنْظَرُ إِذا ضُربت أَلاقح أَم لَا أَي لَمْ تَحْمِلِ الْحَمْلَ الَّذِي يُمْتَنَى لَهُ؛ وأَنشد نُصَيْرٌ لِذِي الرُّمَّةِ أَيضاً:

وَحَتَّى اسْتَبانَ الفَحْلُ بَعْدَ امْتِنائِها،

مِنَ الصَّيْف، مَا اللَّاتي لَقِحْنَ وحُولها

فَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ امْتِنائه فَيَكُونُ الْفِعْلُ لَهُ إِنما قَالَ بَعْدَ امْتِنائها هِيَ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَالَ الْفَرَّاءُ مُنْية النَّاقَةِ ومِنْية النَّاقَةِ الأَيام الَّتِي يُستبرأُ فِيهَا لَقاحها مِنْ حِيالها، وَيُقَالُ: النَّاقَةُ فِي مُنْيَتِها. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: المُنْيَةُ اضْطِراب الْمَاءِ وامِّخاضه فِي الرَّحِم قَبْلَ أَن يَتَغَيَّرَ فَيَصِيرَ مَشِيجاً، وَقَوْلُهُ: لَمْ تُقْرَف لِمَا يُمْتَنى لَهُ يَصِفُ الْبَيْضَةَ أَنها لَمْ تُقْرَف أَي لَمْ تُجامَع لِمَا يُمْتنى لَهُ فيُحتاج إِلى مَعْرِفَةِ مُنْيتها؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يَقُولُ هِيَ حَامِلٌ بِالْفَرْخِ مِنْ غَيْرِ أَن يُقَارِفَهَا فَحْلٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي فِي شِعْرِهِ:

نَتُوجٍ وَلَمْ تُقْرِف لِمَا يُمْتَنى له

بِكَسْرِ الرَّاءِ، يُقَالُ: أَقْرَفَ الأَمرَ إِذا دَانَاهُ أَي لَمْ تُقْرِف هَذِهِ البيضةُ لِمَا لَهُ مُنيةٌ أَي هَذِهِ البيضةُ حَمَلت بالفَرْخ مِنْ جِهَةٍ غَيْرِ جِهَةِ حَمْلِ النَّاقَةِ، قَالَ: وَالَّذِي رَوَاهُ الْجَوْهَرِيُّ أَيضاً صَحِيحٌ أَي لَمْ تُقْرَف بِفَحْلٍ يُمْتَنَى لَهُ أَي لَمْ يُقارِفْها فَحْلٌ. والمُنُوَّةُ «2» : كالمُنْية، قُلِبَتِ الْيَاءُ وَاوًا لِلضَّمَّةِ؛ وأَنشد أَبو حَنِيفَةَ لِثَعْلَبَةَ بْنُ عُبَيْدٍ يَصِفُ النَّخْلَ:

تَنادَوْا بِجِدٍّ، واشْمَعَلَّتْ رِعاؤها

لِعِشْرينَ يَوماً مِنْ مُنُوَّتِها تَمْضِي

فَجَعَلَ المُنوَّة لِلنَّخْلِ ذَهَابًا إِلى التَّشْبِيهِ لَهَا بالإِبل، وأَراد لِعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ مُنوَّتها مَضَتْ فَوَضَعَ تَفعل مَوْضِعَ فَعلت، وَهُوَ وَاسِعٌ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ فَقَالَ: اعْلَمْ أَن أَفْعَلُ قَدْ يقع موضع فَعَلْت؛ وأَنشد:

ولَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّني،

فَمَضَيْتُ ثُمَّت قلتُ لَا يَعْنِيني

أَراد: وَلَقَدْ مَرَرْتُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مُنْيَة الحِجْر عِشْرُونَ يَوْمًا تُعْتَبَرُ بِالْفِعْلِ، فإِن مَنَعت فَقَدَ وسَقَتْ. ومَنَيْت الرَّجُلَ مَنْياً ومَنَوْتُه مَنْواً أَي اخْتَبَرْتُهُ، ومُنِيتُ بِهِ مَنْياً بُلِيت، ومُنِيتُ بِهِ مَنْواً بُلِيت، ومانَيْتُه جازَيْتُه. وَيُقَالُ: لأَمْنِينَّك مِناوَتَك أَي لأَجْزِيَنَّك جَزَاءَكَ. ومَانَيْته مُمَانَاة: كافأْته، غَيْرُ مَهْمُوزٍ. ومَانَيْتُك: كافأْتك؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لسَبْرة بْنِ عَمْرٍو:

نُمَانِي بِهَا أَكْفاءَنا ونُهينُها،

ونَشْرَبُ فِي أَثْمانِها ونُقامِرُ

وَقَالَ آخَرُ:

أُمَانِي بِهِ الأَكْفاء فِي كلِّ مَوْطِنٍ،

وأَقْضِي فُروضَ الصَّالِحينَ وأَقْتَري

ومانَيْتُه: لَزِمْته. ومانَيْتُه: انْتَظَرْتُه وطاوَلْتُه. والمُمَانَاة: المُطاولةُ. والمُمَاناةُ: الانْتِظار؛ وأَنشد يَعْقُوبُ:

عُلِّقْتُها قَبْلَ انْضِباحِ لَوْني،

وجُبْتُ لَمَّاعاً بَعِيدَ البَوْنِ،

مِنْ أَجْلِها بفِتْيةٍ مانَوْنِي

أَي انتَظَرُوني حَتَّى أُدْرِك بُغْيَتي. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:

(2). قَوْلُهُ [والمنوَّة] ضبطت فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الأصل بالضم، وقال في شرح القاموس: هي بفتح الميم.

ص: 296

هَذَا الرِّجْزُ بِمَعْنَى المُطاولة أَيضاً لَا بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ كَمَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ؛ وأَنشد لغَيْلان بْنِ حُريث:

فإِنْ لَا يَكُنْ فِيهَا هُرارٌ، فإِنَّني

بسِلٍّ يُمانِيها إِلى الحَوْلِ خائفُ

والهُرار: داءٌ يأْخذ الإِبل تَسْلَح عَنْهُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي صُخَيْرة:

إِيَّاكَ فِي أَمْركَ والمُهاواهْ،

وكَثْرةَ التَّسْويفِ والمُمَانَاهْ

والمُهاواةُ: المُلاجَّةُ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَنشدني أَبو عَمْرٍو:

صُلْبٍ عَصاه للمَطِيِّ مِنْهَمِ،

ليسَ يُمَانِي عُقَبَ التَّجَسُّمِ

قَالَ: يُقَالُ مانَيْتُك مُذُ اليومِ أَي انْتَظَرْتُكَ. وَقَالَ سَعِيدٌ: المُنَاوَة المُجازاة. يُقَالُ: لأَمْنُوَنَّكَ مِناوَتَك ولأَقْنُوَنَّك قِناوَتَكَ. وتَمَنٍّ: بَلَدٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:

كأَنَّ دُموعَ العَيْنِ، لِمَا تَحَلَّلَتْ

مَخارِمَ بِيضاً مِنْ تَمَنٍّ جِمالُها،

قَبَلْنَ غُروباً مِنْ سُمَيْحَةَ أَتْرَعَتْ

بِهِنَّ السَّواني، فاسْتدارَ مَحالُها

والمُمَانَاةُ: قِلَّة الغَيرةِ عَلَى الحُرَمِ. والمُمَانَاةُ: المُداراةُ. والمُمَانَاةُ: المُعاقَبةُ فِي الرُّكوب. والمُمَانَاةُ: المكافأَةُ. وَيُقَالُ للدَّيُّوث: المُماذِلُ والمُمَانِي والمُماذِي. والمَنَا: الكَيْلُ أَو المِيزانُ الَّذِي يُوزَنُ بِهِ، بِفَتْحِ الْمِيمِ مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بالأَلف، والمِكيال الَّذِي يَكِيلون بِهِ السَّمْن وَغَيْرَهُ، وَقَدْ يكون من الْحَدِيدِ أَوزاناً، وَتَثْنِيَتُهُ مَنَوانِ ومَنَيانِ، والأَوَّل أَعلى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى الْيَاءَ مُعَاقَبَةً لِطَلَبِ الْخِفَّةِ، وَهُوَ أَفصح مِنَ المَنِّ، وَالْجَمْعُ أَمْناء، وَبَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ هُوَ مَنٌّ ومَنَّانِ وأَمْنانٌ، وَهُوَ مِنِّي بِمَنَى مِيلٍ أَي بقَدْرِ مِيلٍ. قَالَ: ومَناةُ صَخْرَةٌ، وَفِي الصِّحَاحِ: صَنَمٌ كَانَ لهُذَيْل وخُزاعَة بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، يَعْبُدونها مِنْ دُونِ اللَّهِ، مِنْ قَوْلِكَ مَنَوتُ الشَّيْءَ، وَقِيلَ: مَنَاةُ اسْمُ صَنَم كَانَ لأَهل الْجَاهِلِيَّةِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى

؛ وَالْهَاءُ للتأْنيث ويُسكت عَلَيْهَا بالتاءِ، وَهُوَ لُغَةٌ، وَالنِّسْبَةُ إِليها مَنَوِيٌّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنهم كَانُوا يُهِلُّون لمَناة

؛ هُوَ هَذَا الصَّنَمُ الْمَذْكُورُ. وعبدُ مناةَ: ابْنُ أُدِّ بْنِ طابِخَة. وزيدُ مَناةَ: ابْنُ تَميم بْنِ مُرٍّ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ؛ قَالَ هَوْبَر الحارِثي:

أَلا هَلْ أَتَى التَّيْمَ بنَ عَبْدِ مَناءَةٍ

عَلَى الشِّنْءِ، فِيمَا بَيْنَنا، ابنُ تَمِيمِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْوَزِيرُ مَنْ قَالَ زيدُ مَناه بِالْهَاءِ فَقَدْ أَخطأَ؛ قَالَ: وَقَدْ غَلِطَ الطَّائِيُّ فِي قَوْلِهِ:

إِحْدَى بَني بَكْرِ بنِ عَبْدِ مَنَاه،

بَينَ الكئيبِ الفَرْدِ فالأَمْواه

وَمَنِ احْتَجَّ لَهُ قَالَ: إِنما قَالَ مَناةٍ وَلَمْ يُرِدِ التَّصْرِيعَ.

مها: المَهْوُ مِنَ السُّيُوفِ: الرَّقِيق؛ قَالَ صَخْرُ الْغَيِّ:

وصارِم أُخْلِصَتْ خَشِيبَتُه،

أَبْيَض مَهْو فِي مَتْنِهِ رُبَدُ

وَقِيلَ: هُوَ الْكَثِيرُ الفِرِنْد، وَزْنُهُ فَلْعٌ مَقْلُوبٌ مِنْ لَفْظِ مَاهٍ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَذَلِكَ لأَنه أُرِقَّ حَتَّى صَارَ كَالْمَاءِ. وَثَوْبٌ مَهْوٌ: رَقِيق، شُبِّهَ بِالْمَاءِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لأَبي عَطَاءٍ:

قَمِيصٌ مِنَ القُوهِيِّ مَهْوٌ بَنائِقُهْ

وَيُرْوَى: زَهْوٌ ورَخْفٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. الْفَرَّاءُ:

ص: 297

الأَمْهَاء السُّيوف الْحَادَّةُ. ومَهْوُ الذهَب: مَاؤُهُ والمَهْوُ: اللَّبَنُ الرَّقِيقُ الْكَثِيرُ الْمَاءِ، وَقَدْ مَهُوَ يَمْهُو مَهَاوَةً وأَمْهَيْتُه أَنا. والمُهَاة، بِضَمِّ الْمِيمِ: مَاءُ الْفَحْلِ فِي رَحِمِ النَّاقَةِ، مَقْلُوبٌ أَيضاً، وَالْجَمْعُ مُهْيٌ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ مَا لَا يُفارق واحدَه إِلا بِالْهَاءِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ بِتَكْسِيرٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنه سَمِعَ الْعَرَبَ تَقُولُ فِي جَمْعِهِ هُوَ المُها، فَلَوْ كَانَ مُكَسَّرًا لَمْ يَسُغْ فِيهِ التَّذْكِيرُ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ إِلا حُكاةٌ وحُكًى وطُلاةٌ وطُلًى، فإِنهم قَالُوا هُوَ الحُكَى وَهُوَ الطُّلَى، وَنَظِيرُهُ مِنَ الصَّحِيحِ رُطبَةٌ ورُطَب وعُشَرةٌ وعُشَرٌ. أَبو زَيْدٍ: المُهَى مَاءُ الْفَحْلِ، وَهُوَ المُهْيةُ. وَقَدْ أَمْهَى إِذا أَنزل الْمَاءَ عِنْدَ الضِّراب. وأَمْهَى السمْنَ: أَكثر مَاءَهُ، وأَمْهَى قِدْرَهُ إِذا أَكثر ماءَها، وأَمْهَى الشَّرابَ: أَكثر مَاءَهُ، وَقَدْ مَهُوَ هُوَ مَهَاوَةً فَهُوَ مَهْوٌ، وأَمْهَى الحَدِيدة: سَقاها الْمَاءَ وأَحَدَّها؛ قَالَ امْرُؤُ القَيس:

راشَه مِنْ رِيش ناهِضَةٍ،

ثُمَّ أَمْهَاهُ عَلَى حَجَرِهْ

وأَمْهَى النَّصْلَ عَلَى السِّنان إِذا أَحدَّه ورقَّقه. والمَهْيُ: تَرْقيق الشَّفْرة، وَقَدْ مَهَاها يَمْهِيها. وأَمْهَى الفَرَس: طَوَّلَ رَسَنَه، والاسمُ المَهْيُ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ. ومَهَا الشيءَ يَمْهاهُ ويَمْهِيه مَهْياً مُعَاقَبَةً أَيضاً: مَوَّهَه. وحَفَر الْبِئْرَ حَتَّى أَمْهَى أَي بَلَغَ الْمَاءَ، لُغَةٌ فِي أَماه عَلَى الْقَلْبِ، وحَفَرْنا حَتَّى أَمْهَيْنا. أَبو عُبَيْدٍ: حَفَرْتُ الْبِئْرَ حَتَّى أَمَهْتُ وأَمْوَهْتُ، وإِن شِئْتَ حَتَّى أَمْهَيْتُ، وَهِيَ أَبعد اللُّغَاتِ، كُلُّهَا إِذا انْتَهَيْتَ إِلى الْمَاءِ؛ قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ:

فإِنَّكَ كالقَرِيحةِ عامَ تُمْهَى،

شَرُوبَ الماءِ ثُمَّ تعُودُ ماجَا

ابْنُ بُزُرْج فِي حَفْرِ البِئرِ: أَمْهَى وأَماهَ، ومَهَتِ العَيْنُ تَمْهُو؛ وأَنشد:

تَقولُ أُمامةُ عندَ الفِراقِ،

والعَيْنُ تَمْهُو عَلَى المَحْجَرِ

قَالَ: وأَمْهَيْتها أَسَلْت دَمْعَها. ابْنُ الأَعرابي: أَمْهَى إِذا بَلَغ مِنْ حاجَته مَا أَراد، وأَصله أَن يبلُغَ الماءَ إِذا حَفَر بِئراً. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، أَنه قَالَ لعُتْبة بْنِ أَبي سُفْيَانَ وَقَدْ أَثنى عَلَيْهِ فأَحْسَن: أَمْهَيْتَ يَا أَبا الوليدِ أَمْهَيْت

أَي بالغْتَ فِي الثَّنَاءِ واسْتَقْصَيْت، مِنْ أَمْهَى حافِرُ البئرِ إِذا اسْتَقْصَى فِي الحَفْرِ وبَلَغَ الماءَ. وأَمْهَى الفَرسَ إِمْهَاءً: أَجْراه ليَعْرَقَ. أَبو زَيْدٍ: أَمْهَيْتُ الفَرَس أَرْخَيت لَهُ مِنْ عِنَانِهِ، وَمِثْلُهُ أَمَلْت بِهِ يَدِي إِمالَةً إِذا أَرْخَى لَهُ مِنْ عِنانه. واسْتَمْهَيت الفَرَس إِذا اسْتَخْرَجْت مَا عِنْدَه مِنَ الجَرْيِ؛ قَالَ عَدِيّ:

هُمْ يَسْتَجِيبُونَ للدَّاعِي ويُكْرِهُهمْ

حَدُّ الخَمِيس، ويَسْتَمْهُونَ فِي البُهَمِ

والمَهْوُ: شدَّةُ الجَرْيِ. وأَمْهَى الحَبْلَ: أَرْخاه. وأَمْهَى فِي الأَمرِ حَبْلًا طَويلًا عَلَى الْمَثَلِ. اللَّيْثُ: المَهْيُ إِرْخاءُ «1» الحَبل ونحوِه؛ وأَنشد لطرفَة:

لَكالطِّوَلِ المُمْهَى وثِنْياهُ فِي اليَدِ

الأُموي: أَمْهَيْت إِذا عَدَوْتَ، وأَمْهَيْت الفرسَ إِذا أَجْرَيْته وأَحْمَيْته. وأَمْهَيْت السَّيفَ: أَحْدَدْته. والمَهَاةُ: الشمسُ؛ قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبي الصلْت:

ثُمَّ يَجْلُو الظَّلامَ رَبٌّ رَحِيمٌ

بمَهَاةٍ، شُعاعُها مَنْشُور

وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِبَيْتٍ نَسَبَهُ إِلى أَبي

(1). قوله [المهي إلخ] هكذا في الأصل والتهذيب.

ص: 298

الصَّلْتِ الثَّقَفِي:

ثمَّ يَجْلُو الظَّلامَ رَبٌّ قَديرُ

بمَهَاةٍ، لهَا صَفاءٌ ونُورُ

وَيُقَالُ للكَواكب: مَهاً؛ قَالَ أُمية:

رَسَخَ المَهَا فِيهَا، فأَصْبَحَ لَوْنُها

فِي الوارِساتِ، كأَنَّهُنَّ الإِثْمِدُ

وَفِي النَّوَادِرِ: المَهْوُ البَرَدُ. والمَهْو: حَصًى أَبيض يُقَالُ لَهُ بُصاقُ القَمَر. والمَهْوُ: اللُّؤْلُؤُ. وَيُقَالُ لِلثَّغْرِ النَّقِيِّ إِذا ابيضَّ وَكَثُرَ مَاؤُهُ: مَهاً؛ قَالَ الأَعشى:

ومَهاً تَرِفُّ غُروبُه،

يَشْفِي المُتَيَّمَ ذَا الحَرارهْ

والمَهَاة: الحِجارة «1» الْبِيضُ الَّتِي تَبْرُق، وَهِيَ البلَّوْرُ. والمَهَاةُ: البلَّوْرة الَّتِي تَبِصُّ لشدَّة بَيَاضِهَا، وَقِيلَ: هِيَ الدُّرَّةُ، وَالْجَمْعُ مَهاً ومَهَواتٌ ومَهَياتٌ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ للأَعشى:

وتَبْسِمُ عَن مَهاً شَبِمٍ غَرِيٍّ،

إِذا تُعْطي المُقَبِّلَ يَسْتَزيدُ

وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَن رَجُلًا سأَل ربهُ أَن يُرِيَه مَوْقِع الشَّيْطَانِ مِنْ قَلْب ابنِ آدمَ فرأَى فِيمَا يَرى النائمُ جَسَدَ رجُلٍ مُمَهًّى يُرى داخِلُه مِنْ خَارِجِهِ؛ المَها: البِلَّوْرُ، ورَأَى الشيطانَ فِي صُورَةِ ضِفْدع لَهُ خُرطُوم كخُرطومِ البَعُوضة قَدْ أَدْخَله فِي مَنْكِبه الأَيسر، فإِذا ذكَر اللهَ عز وجل خَنَسَ.

وكلُّ شيءٍ صُفِّيَ فأَشبه الْمَهَا فَهُوَ مُمَهًّى. والمَهَاةُ: بَقرةُ الْوَحْشِ، سُمِّيت بِذَلِكَ لِبَيَاضِهَا عَلَى التَّشْبِيهِ بالبِلَّوْرة والدُّرَّة، فإِذا شُبِّهت المرأَة بالمَهاةِ فِي البَياض فإِنما يُعنى بِهَا البِلَّوْرة أَو الدُّرَّة، فإِذا شُبهت بِهَا فِي الْعَيْنَيْنِ فإِنما يُعنى بِهَا الْبَقَرَةُ، وَالْجَمْعُ مَهاً ومَهَوات، وَقَدْ مَهَتْ تَمْهُو مَهاً فِي بَيَاضِهَا. وناقةٌ مِمْهَاء: رَقِيقة اللَّبن. ونُطْفة مَهْوَةٌ: رَقِيقة. وسَلَحَ سَلْحاً مَهْواً أَي رقِيقاً. والمَهَاء، بِالْمَدِّ: عَيْبٌ أَو أَوَدٌ يَكُونُ فِي القِدْحِ؛ قَالَ:

يقِيمُ مَهاءهُنَّ بإِصْبَعَيْهِ

ومَهَوْت الشيءَ مَهْواً: مِثْلُ مَهَيْتُه مَهْياً. والمَهْوَةُ مِنَ التَّمْرِ: كالمَعْوةِ؛ عَنِ السِّيرَافِيِّ، وَالْجَمْعُ مَهْوٌ. وَبَنُو مَهْوٍ: بَطْن مِنْ عَبْدِ الْقَيْسَ. أَبو عُبَيْدٍ: مِنْ أَمثالهم فِي بَابِ أَفْعَل: إِنه لأَخْيَبُ مِن شَيْخٍ مَهْوٍ صَفْقةً؛ قَالَ: وَهُمْ حَيٌّ مِن عَبْدِ القَيْس كَانَتْ لَهُمْ فِي المَثَل قِصَّةٌ يَسْمُج ذِكرها. والمِمْهَى: اسْمُ مَوْضِعٌ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:

وباتَتْ لَيلةً وأَدِيمَ لَيْل،

عَلَى المِمْهَى، يُجَزُّ لها الثَّغامُ

موا: المَاوِيَّة: المِرْآةُ، كأَنها نُسِبت إِلى الماءِ لصَفائها وأَن الصُّورَ تُرى فِيهَا كَمَا تُرى فِي الْمَاءِ الصَّافِي، وَالْمِيمُ أَصلية فِيهَا، وَقِيلَ: المَاوِيَّة حَجر البِلَّوْرِ، وَثَلَاثُ مَاوِيَّاتٍ، وَلَوْ تُكُلِّف مِنْهُ فِعْلٌ لَقِيلَ مُمْواةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْجَمْعُ مَأْوٍ «2» نَادِرَةٌ حُكْمُهُ مَأَوٍ، وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي فِي جَمْعِهِ ماوِيٌّ؛ وأَنشد:

تَرَى فِي سَنى الماوِيِّ بالعَصْرِ والضُّحَى،

عَلَى غَفَلاتِ الزَّيْنِ والمُتَجَمَّلِ

وُجُوهاً لَوَ انَّ المُدْلِجينَ اعْتَشَوْا بِها،

صَدَعْنَ الدُّجى حتَّى تَرَى اللَّيْلَ يَنْجَلي

وَقَدْ يَكُونُ الماوِيُّ لُغَةً فِي الماوِيَّة. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ:

(1). قَوْلُهُ [والمَهَاة الحجارة] هي عبارة التهذيب.

(2)

. قوله [والجمع مأو إلخ] كذا بالأصل مضبوطاً.

ص: 299

ماوِيَّةٌ كَانَتْ فِي الأَصل مَائِيَّةً، فَقُلِبَتِ المدَّة وَاوًا فَقِيلَ مَاوِيَّةٌ، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ شاوِيٌّ. وماوِيَّة: اسْمُ امرأَة، وَهُوَ مِنْ أَسماء النِّسَاءِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

ماوِيّ، يَا رُبَّتَما غارةٍ

شَعْواء، كاللَّذْعةِ بالمِيسَمِ

أَراد يَا ماوِيَّة فَرخَّم. قَالَ الأَزهري: رأَيت فِي الْبَادِيَةِ عَلَى جادَّة الْبَصْرَةِ إِلى مَكَّةَ مَنْهلةً بَيْنَ حَفَرِ أَبي مُوسَى ويَنْسُوعةَ يُقَالُ لها ماوِيَّة.

مومي: الْجَوْهَرِيُّ: المَوْمَاةُ وَاحِدَةُ المَوَامي وَهِيَ المَفاوِزُ. وَقَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: الْمَوْمَاةُ أَصله مَوْمَوة، عَلَى فَعْلَلةٍ، وَهُوَ مُضَاعَفٌ قُلِبَتْ وَاوُهُ أَلفاً لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا.

ميا: مَيَّةُ: اسْمُ امرأَة، ومَيٌّ أَيضاً، وَقِيلَ: مَيَّةُ مِنْ أَسماء القِرَدةِ، وَبِهَا سُمِّيَتِ المرأَة. اللَّيْثُ: مَيَّةُ اسْمُ امرأَة، قَالَ: زَعَمُوا أَن القِرْدةَ الأُنثى تُسَمَّى مَيَّةَ، وَيُقَالُ منَّة. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المَيَّةُ القِرْدةُ؛ عَنِ ابْنِ خَالَوَيْهِ. وأَما قَوْلُهُمْ مَيَّ فَفِي الشِّعْرِ خَاصَّةً، فإِما أَن يَكُونَ اللَّفْظُ فِي أَصله هَكَذَا، وإِما أَن يَكُونَ مِنْ بَابِ أَمال. ابْنُ حَنْظَل: والمايِيَّةُ حِنْطة بَيْضَاءُ إِلى الصُّفْرَةِ وَحَبُّهَا دُونَ حَبِّ البُرْثجانِيَّة؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ.

‌فصل النون

نأي: النَّأْيُ: البُعدُ. نَأَى يَنْأَى: بَعُدَ، بِوَزْنِ نَعى يَنْعَى. ونَأَوْتُ: بَعُدْت، لُغَةٌ فِي نأَيْتُ. والنَّأْي: المُفارقة؛ وَقَوْلُ الْحُطَيْئَةِ:

وهِنْدٌ أَتى مِنْ دُونِها النَّأْيُ والبُعْدُ

إِنما أَراد المُفارقةَ، وَلَوْ أَراد البُعْدَ لَمَا جَمع بَيْنَهُمَا. نَأَى عَنْهُ، وَنَاءَ وَنَآهُ يَنْأَى نَأْياً وانْتَأَى، وأَنْأَيْتُه أَنا فانْتَأَى: أَبْعَدْتُه فبَعُد. الْجَوْهَرِيُّ: أَنأَيْته ونَأَيْتُ عَنْهُ نأْياً بِمَعْنًى أَي بَعُدْت. وتَنَاءَوا: تباعَدُوا. والمُنْتَأَى: الْمَوْضِعُ الْبَعِيدُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

فإِنَّك كاللَّيْل الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي،

وإِنْ خِلْتُ أَنَّ المُنْتَأَى عَنْكَ واسِعُ

الْكِسَائِيُّ: نَاءَيْتُ عَنْكَ الشرَّ عَلَى فاعَلْت أَي دَافَعْتُ؛ وأَنشد:

وأَطْفَأْتُ نِيرانَ الحُروبِ وَقَدْ عَلَتْ،

وناءَيْتُ عَنهمْ حَرْبَهُمْ فتَقَرَّبُوا

ويقال للرجل إِذا تَكَبَّرَ وأعْرِض بِوَجْهِهِ: نَأَى بِجَانِبِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنه نأَى جانِبَه مِنْ وَراء أَي نَحّاه. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ*

؛ أَي أَنْأَى جانِبَه عَنْ خالِقه مُتَغانياً مُعْرضاً عَنْ عِبَادَتِهِ وَدُعَائِهِ، وَقِيلَ: نأَى بِجَانِبِهِ أَي تباعَدَ عَنِ الْقَبُولِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وقرأَ ابْنُ عَامِرٍ

ناءَ بجانِبه

، عَلَى الْقَلْبِ؛ وأَنشد:

أَقولُ، وَقَدْ ناءتْ بِهَا غُرْبَةُ النَّوَى:

نَوًى خَيْتَعُورٌ لَا تَشِطُّ دِيارُكِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: أَنشدني الْمُبَرِّدُ:

أَعاذِل، إِنْ يُصْبِحْ صَدايَ بِقَفْرةٍ

بَعِيداً، نَآنِي زائِرِي وقَريبي

قَالَ الْمُبَرِّدُ: قَوْلُهُ نَآنِي فِيهِ وَجْهَانِ: أَحدهما أَنه بِمَعْنَى أَبعدني كَقَوْلِكَ زِدْته فَزَادَ وَنَقَصْتُهُ فَنَقَصَ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ فِي نَآنِي أَنه بِمَعْنَى نَأَى عَنِّي، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ الصَّحِيحُ. وَقَدْ قَالَ اللَّيْثُ: نَأَيتُ الدمعَ عَنْ خَدِّي بِإِصْبَعي نَأْياً؛ وأَنشد:

إِذا مَا التَقَيْنا سالَ مِنْ عَبَراتِنا

شآبِيبُ، يُنْأَى سَيْلُها بالأَصابِع

ص: 300

قَالَ: والانْتِيَاء بِوَزْنِ الابْتِغاء افْتِعَالٌ مِنَ النَّأْي. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: نَأَى فُلَانٌ عَنِّي يَنْأَى إِذا بَعُد، وَنَاءَ عَنِّي بِوَزْنِ بَاعَ، عَلَى الْقَلْبِ، وَمِثْلُهُ رَآنِي فُلَانٌ بِوَزْنِ رَعاني، وَرَاءَنِي بِوَزْنِ راعَني، وَمِنْهُمْ مَنْ يُميل أَوَّله فَيَقُولُ نَأَى ورَأَى. والنُّؤْي والنِّئْي والنَّأْيُ والنُّؤَى، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى مِثَالِ النُّفَى؛ الأَخيرة عَنْ ثَعْلَبٍ: الحَفِير حَوْلَ الخِباء أَو الخَيْمة يَدْفَع عَنْهَا السيلَ يَمِينًا وَشِمَالًا ويُبْعِدُه؛ قَالَ:

ومُوقَدُ فِتْيَةٍ ونُؤَى رَمادٍ،

وأَشْذابُ الخِيامِ وقَد بَلِينا

وَقَالَ:

عَليها مَوْقِدٌ ونُؤَى رَمادٍ

وَالْجُمَعُ أَنْآء، ثُمَّ يُقَدِّمُونَ الْهَمْزَةَ فَيَقُولُونَ آنَاء، عَلَى الْقَلْبِ، مِثْلُ أَبْآرٍ وآبارٍ، ونُؤُيٌّ عَلَى فُعُول ونِئِيٌّ تتبع الْكَسْرَةَ. التَّهْذِيبُ: النُّؤْي الْحَاجِزُ حَوْلَ الْخَيْمَةِ، وَفِي الصِّحَاحِ: النُّؤْي حُفرة حَوْلَ الخِباء لِئَلَّا يَدْخُلَهُ مَاءُ الْمَطَرِ. وأَنْأَيْتُ الخِباء: عَمِلْتُ لَهُ نُؤْياً. ونَأَيْتُ النُّؤْيَ أَنْآه وأَنْأَيْتُه: عَمِلْتُهُ. وانْتَأَى نُؤْياً: اتَّخَذَهُ، تَقُولُ مِنْهُ: نأَيْتُ نُؤْياً؛ وأَنشد الْخَلِيلُ:

شَآبيبُ يُنْأَى سيلُها بالأَصابع

قَالَ: وَكَذَلِكَ انْتَأَيْتُ نُؤْياً، والمُنْتَأَى مِثْلُهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

ذَكَرْتَ فاهْتاجَ السَّقامُ المُضْمَرُ

مَيّاً، وشاقَتْكَ الرُّسُومُ الدُّثَّرُ

آرِيُّها والمُنْتَأَى المُدَعْثَرُ

وَتَقُولُ إِذا أَمرت مِنْهُ: نَ نُؤْيَك أَي أَصْلِحْه، فإِذا وَقَفْتَ عَلَيْهِ قُلْتَ نَهْ، مِثْلُ رَ زَيْدًا، فإِذا وقَفت عَلَيْهِ قُلْتَ رَهْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا إِنما يَصِحُّ إِذا قدَّرت فعلَه نأَيتُه أَنْآه فَيَكُونَ الْمُسْتَقْبَلُ يَنْأَى، ثُمَّ تُخَفَّفُ الْهَمْزَةُ عَلَى حدِّ يَرى، فَتَقُولُ نَ نُؤْيَك، كَمَا تَقُولُ رَ زَيْدًا، وَيُقَالُ انْأَ نُؤيك، كَقَوْلِكَ انْعَ نُعْيَك إِذا أَمرته أَن يُسوِّي حولَ خِبائه نُؤياً مُطيفاً بِهِ كالطَّوْف يَصْرِفُ عَنْهُ مَاءَ الْمَطَرِ. والنُّهَيْر الَّذِي دُونَ النُّؤْي: هُوَ الأَتيُّ، وَمَنْ تَرَكَ الْهَمْزَ فِيهِ قَالَ نَ نُؤْيَك، وَلِلِاثْنَيْنِ نَيا نُؤْيكما، وَلِلْجَمَاعَةِ نَوْا نُؤْيَكم، وَيُجْمَعُ نُؤْي الخِباء نُؤًى، عَلَى فُعَلٍ. وَقَدْ تَنَأَّيْتُ نُؤياً، والمُنْتَأَى: مَوْضِعُهُ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

مُنْتَأًى كالقَرْوِ رَهْنَ انْثِلامِ

وَمَنْ قَالَ النُّؤي الأَتِيُّ الَّذِي هُوَ دُونَ الْحَاجِزِ فَقَدْ غَلِطَ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

ونُؤْيٌ كَجِذْمِ الحَوْضِ أَثْلَمُ خاشِعُ

فإِنما يَنْثَلِمُ الحاجزُ لَا الأَتِيُّ؛ وَكَذَلِكَ قوْله:

وسَفْع عَلَى آسٍ ونُؤْي مُعَثْلَب

والمُعَثْلَبُ: المَهْدُوم، وَلَا يَنْهَدِم إِلا مَا كَانَ شَاخِصًا. والمَنْأَى: لُغَةٌ فِي نُؤْيِ الدَّارِ، وَكَذَلِكَ النِّئْيُ مِثْلُ نِعْيٍ، وَيُجْمَعُ النُّؤْي نُؤْياناً بوزن نُعْياناً وأَنْآء.

نبا: نَبا بَصَرُهُ عَنِ الشَّيْءِ نُبُوًّا ونُبِيّاً؛ قَالَ أَبو نُخَيْلَةَ:

لمَّا نَبَا بِي صاحِبي نُبِيّا

ونَبْوة مَرَّةً وَاحِدَةً. وَفِي حَدِيثِ

الأَحنف: قَدِمْنا عَلَى عُمر معَ وفْد فَنَبَتْ عَيناه عَنْهُمْ ووقعَتا عليَ

؛ يُقَالُ: نَبا عَنْهُ بَصَرهُ يَنْبُو أَي تَجافَى وَلَمْ يَنْظُرْ إِليه، كأَنه حَقَرَهم وَلَمْ يَرْفَع بِهِمْ رأْساً. ونَبَا السيفُ عَنِ الضَّريبة نَبْواً ونَبْوة، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ لَا يُرَادُ بالنَّبْوة المرَّة الْوَاحِدَةُ: كَلَّ وَلَمْ يَحِكْ فِيهَا. ونَبا

ص: 301

حَدُّ السيفِ إِذا لَمْ يَقطع. ونَبَتْ صُورته: قَبُحَت فَلَمْ تَقبلها الْعَيْنُ. ونَبَا بهِ مَنْزِله: لَمْ يوافِقْه، وَكَذَلِكَ فِراشُه؛ قَالَ:

وإِذا نَبا بِكَ مَنْزِلٌ فَتَحَوَّلِ

ونَبَتْ بِي تِلْكَ الأَرضُ أَي لَمْ أَجد بِهَا قَراراً. ونَبا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ: لَمْ يَنْقَدْ لَهُ. وَفِي حَدِيثِ

طَلْحَةَ: قَالَ لِعُمَرَ أنتَ ولِيُّ مَا وَلِيتَ لَا نَنْبُو فِي يَدَيْكَ

أَي ننْقاد لَكَ وَلَا نَمْتَنع عَمَّا تُرِيدُ مِنَّا. ونَبَا جَنْبِي عَنِ الفِراش: لَمْ يَطْمئنّ عَلَيْهِ. التَّهْذِيبُ: نَبَا الشيءُ عَنِّي يَنْبُو أَي تَجافَى وتَباعَد. وأَنْبَيْتُه أَنا أَي دَفَعْتُهُ عَنْ نَفْسِي. وَفِي الْمَثَلِ:

الصِّدْقُ يُنْبِي عنكَ لَا الوعيدُ

أَي أَنَّ الصِّدقَ يَدفَع عَنْكَ الْغَائِلَةَ فِي الحَرب دُونَ التهْديد. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ يُنْبِي، بِغَيْرِ هَمْزٍ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة:

صَبَّ اللَّهِيفُ لهَا السُّبُوبَ بِطَغْيةٍ

تُنْبي العُقابَ، كَمَا يُلَطُّ المِجْنَبُ

وَيُقَالُ: أَصله الْهَمْزُ مِنَ الإِنْبَاء أَي أَن الفِعل يُخبر عَنْ حَقِيقتك لَا الْقَوْلَ. ونَبا السَّهم عَنِ الهَدَف نَبْواً: قَصَّر. ونَبَا عَنِ الشَّيْءِ نَبْواً ونَبْوةً: زايَلَه، وإِذا لَمْ يَسْتَمكِن السَّرْج أَو الرَّحْل مِنَ الظَّهْرِ قِيلَ نَبَا؛ وأَنشد:

عُذافِرُ يَنْبُو بأَحْنا القَتَب

ابْنُ بُزُرْجَ: أَكل الرَّجل أَكْلة إِنْ أَصْبَح مِنْهَا لَنابياً، وَلَقَدْ نَبَوْت مِنْ أَكلة أَكلْتُها بقول سَمِنت مِنْهَا، وأَكل أَكْلة ظَهَر مِنْهَا ظَهْرةً أَي سَمِنَ مِنْهَا. ونَبا بِي فُلَانٌ نَبْواً إِذا جَفاني. وَيُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَنْبُو فِي يَدَيْكَ إِن سأَلتَه أَي لَا يَمْنَعُك. ابْنُ الأَعرابي: والنَّابِيَةُ القَوْس الَّتِي نَبَتْ عَنْ وتَرها أَي تَجافَتْ. والنَّبْوَة: الجَفْوةُ. والنَّبْوَةُ: الإِقامة. والنَّبْوَةُ: الارْتِفاع. ابْنُ سِيدَهْ: النَّبْوُ العُلُوُّ والارْتِفاعُ، وَقَدْ نَبا. والنَّبْوَةُ والنَّبَاوَةُ والنبيُّ: مَا ارْتَفَع مِنَ الأَرض. وَفِي الْحَدِيثِ:

فأُتِي بِثَلَاثَةِ قِرَصةٍ فَوُضعت عَلَى نَبيّ

أَي عَلَى شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ مِنَ الأَرض، مِنَ النَّباوَة والنَّبْوةِ الشرَفِ المُرْتَفِع مِنَ الأَرض؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

لَا تُصلُّوا عَلَى النَّبيِ

أَي عَلَى الأَرض الْمُرْتَفِعَةِ المُحْدَوْدِبةِ. والنبيُّ: العَلَم مِنْ أَعْلام الأَرض الَّتِي يُهتَدَى بِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ النَبِيّ لأَنه أَرفع خَلْقِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لأَنه يُهْتَدَى بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ النَّبِيّ فِي الْهَمْزِ، وَهُمْ أَهل بَيْتِ النُّبُوَّة. ابْنُ السِّكِّيتِ: النَّبيّ هُوَ الَّذِي أَنْبأَ عَنِ اللَّهِ، فترك همزه، قال: وإِن أَخَذْتَ النَّبِيَّ مِنَ النَّبْوة والنَّبَاوَةِ، وَهِيَ الارتفاعُ مِنَ الأَرض، لارْتِفاع قَدْره ولأَنه شُرِّف عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ، فأَصله غَيْرُ الْهَمْزِ، وَهُوَ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعول، وَتَصْغِيرُهُ نُبَيٌّ، وَالْجَمْعُ أَنْبِيَاء؛ وأَما قَوْلُ أَوس ابْنِ حَجر يَرْثي فُضالةَ بْنَ كَلْدةَ الأَسَدِيّ:

عَلَى السَّيِّدِ الصَّعْب، لَو أَنَّه

يَقُومُ عَلَى ذِرْوةِ الصَّاقِبِ،

لأَصْبَح رَتْماً دُقاقَ الحَصى،

مَكانَ النَّبِيِّ مِنَ الكاثِبِ

قَالَ: النَّبِيُّ المكان المُرْتَفِعُ، والكاثِبُ: الرَّمْلُ الْمُجْتَمِعُ، وَقِيلَ: النَّبِيُّ مَا نَبا مِنَ الْحِجَارَةِ إِذا نَجَلَتْها الحَوافِرُ، وَيُقَالُ: الكاثِبُ جَبَلٌ وحَوله رَوابٍ يُقَالُ لَهَا النَّبيُّ، الْوَاحِدُ نابٍ مِثْلُ غازٍ وغَزيٍّ، يَقُولُ: لَوْ قَامَ فُضالةُ عَلَى الصاقِب، وَهُوَ جَبَل، لذَلَّلَه وتَسَهَّل لَهُ حَتَّى يَصِيرَ كالرَّمْلِ الَّذِي

ص: 302

فِي الْكَاثِبِ؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الصَّحِيحُ فِي النَّبِيّ هاهنا أَنه اسْمُ رَمْلٍ مَعْرُوفٌ، وَقِيلَ: الكاثِبُ اسْمُ قُنَّةٍ فِي الصاقِب، وَقِيلَ: يَقُومُ بِمَعْنَى يُقاوِمُ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي سَلَمَةَ التَّبُوذَكيّ قَالَ: قَالَ أَبو هِلال قَالَ قَتادة مَا كَانَ بالبَصْرة رَجُلٌ أَعْلَمُ مِنْ حُمَيْد بْنِ هِلال غَيْرَ أَنَّ النَّبَاوَةَ أَضَرَّتْ بِهِ

أَي طَلَبَ الشَّرَفِ والرِّياسةِ وحُرْمةَ التَّقَدُّم فِي العِلم أَضَرَّ بِهِ، وَيُرْوَى بِالتَّاءِ وَالنُّونِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: النَّبِيُّ الطَّريقُ، والأَنْبِياء طُرُق الهُدَى. قَالَ أَبو مُعاذ النَّحْوِيُّ: سَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ مَن يَدُلُّني عَلَى النَّبِيِّ أَي عَلَى الطَّريق. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْقِرَاءَةُ الْمُجْتَمِعُ عَلَيْهَا فِي النَّبِيِّينَ والأَنبياء طَرْحُ الْهَمْزِ، وَقَدْ هَمَزَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهل الْمَدِينَةِ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا، وَاشْتِقَاقُهُ من نَبَّأَ وأَنْبَأَ أَي أَخبر، قَالَ: والأَجود تَرْكُ الْهَمْزِ لأَن الِاسْتِعْمَالَ يُوجب أَنَّ مَا كَانَ مهمُوزاً مِنْ فَعِيل فَجَمْعُهُ فُعَلاء مِثْلُ ظَريف وظُرَفاء، فإِذا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ فَجَمْعُهُ أَفْعِلاء نَحْوُ غَنِيٍّ وأَغْنِياء ونَبيٍّ وأَنْبِياء، بِغَيْرِ هَمْزٍ، فإِذا هَمَزْت قُلْتَ نَبيء ونُبَآء كَمَا تَقُولُ فِي الصَّحِيحِ، قَالَ: وَقَدْ جاءَ أَفعلاء فِي الصَّحيح، وَهُوَ قَلِيلٌ، قَالُوا خَمِيسٌ وأَخْمِساء ونَصِيبٌ وأَنْصِباء، فَيَجُوزُ أَن يَكُونَ نَبِيّ مِنْ أَنبأْت مِمَّا تُرِكَ هَمَزُهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ نَبا يَنْبُو إِذا ارْتَفَعَ، فَيَكُونَ فَعِيلًا مِنَ الرِّفْعة. وتَنَبَّى الكَذَّابُ إِذا ادَّعى النُّبُوَّة وَلَيْسَ بنَبيٍّ، كَمَا تنَبَّى مُسيْلِمة الكَذَّاب وَغَيْرُهُ مِنَ الدَّجَّالِينَ المُتَنَبِّينَ. والنَّبَاوَةُ والنَبِيُّ: الرَّمْل. ونَبَاةُ، مَقْصُورٌ: مَوْضِعٌ؛ عَنِ الأَخفش؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:

فالسِّدْرُ مُخْتَلَجٌ وغُودِرَ طافِياً،

مَا بَيْنَ عَيْنَ إِلى نَبَاةَ، الأَثْأَبُ

وَرُوِيَ: نَباتى، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. ونُبَيٌّ: مَكَانٌ بِالشَّامِ «3» دُونَ السِّرِّ؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ:

لَمَّا وَرَدْنَ نُبَيّاً، واسْتَتَبَّ بِنا

مُسْحَنْفِرٌ، كخُطوطِ النَّسْجِ، مُنْسَحِلُ

والنَبِيُّ: مَوْضِعٌ بِعَيْنِهِ. والنَّبَوَانُ: مَاءٌ بِعَيْنِهِ؛ قَالَ:

شَرْجٌ رَواءٌ لَكُما وزُنْقُبُ،

والنَّبَوانُ قَصَبٌ مُثَقَّبُ

يَعْنِي بالقَصب مَخارجَ مَاءِ الْعُيُونِ، ومُثَقَّب: مَفْتُوحٌ بِالْمَاءِ. والنَّبَاوةُ: مَوْضِعٌ بِالطَّائِفِ مَعْرُوفٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

خَطَبَ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، يَوماً بالنَّبَاوَة مِنَ الطَّائِفِ

، وَاللَّهُ أَعلم.

نتا: نَتا الشيءُ نَتْواً ونُتُوًّا: وَرِمَ. ونَتا عُضْوٌ مِنْ أَعْضائه يَنْتُو نُتُوًّا، فَهُوَ ناتٍ إِذا وَرِمَ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَقَدْ تقدَّمَ أَيضاً فِي الْهَمْزِ. اللِّحْيَانِيُّ: تَحْقِرُه ويَنْتُو أَي تَسْتَصْغِره ويَعظم، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَحقِرُه ويَنْدَرِئُ عَلَيْكَ بِالْكَلَامِ، قَالَ: يُضْرب هَذَا لِلَّذِي لَيْسَ لَهُ ظَاهِرُ مَنْظَر وَلَهُ باطِن مَخْبَر، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ لأَنَّ هَذَا الْمَثَلَ يُقَالُ فِيهِ يَنْتُو ويَنْتَأُ، بِهَمْزٍ وَبِغَيْرِ هَمْزٍ. ابْنُ الأَعرابي: أَنْتَى إِذا تأَخر، وأَنْتَى إِذا كسَرَ أَنْفَ إِنسان فوَرَّمَه، وأَنْتَى إِذا وافَقَ شَكْلَه فِي الخَلْق والخُلُق، مأْخوذ مِنَ التِّنِّ. والنَّواتِي: المَلَّاحُون، وَاحِدُهُمْ نُوتِيٌّ.

نثا: نَثا الحَديثَ والخَبر نَثْواً: حَدَّث بِهِ وأَشاعَه وأَظْهَره؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْخَنْسَاءِ:

قامَ يَنْثُو رَجْعَ أَخْباري

(3). قوله [ونبي مكان بالشام] كذا ضبط بالأصل مصغراً، وفي ياقوت مكبراً وأورد الشاهد كذلك، وفيه أيضاً: كخطوط السيح منسحل.

ص: 303

وَفِي حَدِيثِ

أَبي ذَرٍّ: فجاءَ خالُنا فنَثا عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ

أَي أَظْهَرَه إِلينا وحَدَّثَنا بِهِ؛ وَفِي حَدِيثِ

مازِنٍ:

وكُلُّكُمْ حِينَ يُنْثَى عَيْبُنا فَطِن

وَفِي حَدِيثِ الدُّعاء:

يَا مَن تُنْثَى عِنْدَهُ بَواطِنُ الأَخبار.

والنَّثَا: مَا أَخْبَرْتَ بِهِ عَنِ الرَّجُلِ مِنْ حَسَن أَو سَيِء، وتَثْنِيتُه نَثَوانِ ونَثَيانِ، يُقَالُ: فُلَانٌ حَسَنُ النَّثَا وقَبيح النَّثا، وَلَا يَشْتَقُّ مِنَ النَّثَا فَعَلَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الَّذِي قَالَ إِنه لَا يشتق من النَّثا فعل لَمْ نَعْرِفْهُ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ أَبي هَالَةَ فِي صِفَةِ مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُه

أَي لا تُشاعُ ولا تُذاعُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ لَا يُتَحدَّث بِتِلْكَ الفَلَتات، يُقَالُ مِنْهُ: نَثَوْتُ الْحَدِيثَ أَنْثُوه نَثْواً، وَالِاسْمُ مِنْهُ النَّثا؛ وَقَالَ أَحمد بْنُ جَبَلة فِيمَا أَخبر عَنْهُ ابْنُ هاجَك: مَعْنَاهُ أَنه لَمْ يَكُنْ لِمَجْلِسِهِ فَلَتات فَتُنْثى؛ قَالَ: والفَلَتاتُ السَّقَطات والزَّلَّات. ونَثا عَلَيْهِ قَوْلًا: أَخْبَر بِهِ عَنْهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: نَثا يَنْثُو نَثاء ونَثاً كَمَا قَالُوا بَذَا يَبْذُو بَذَاءً وبَذاً، ونَثَوْتُ الْحَدِيثَ ونَثَيْتُه. والنَّثْوَة: الوَقِيعة فِي النَّاسِ. والنَّثَا فِي الْكَلَامِ يُطْلق عَلَى القَبيح والحَسن، يُقَالُ: مَا أَقبح نَثاه وَمَا أَحسن نَثاه ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ أَنْثَى إِذا قَالَ خَيْرًا أَو شَرًّا، وأَنثى إِذا اغْتاب. والنَّاثِي: المُغْتابُ، وَقَدْ نَثا يَنْثُو. قَالَ ابْنُ الأَنباري: سَمِعْتُ أَبا الْعَبَّاسِ يَقُولُ النَّثَا يَكُونُ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، يُقَالُ: هُوَ يَنْثو عَلَيْهِ ذُنُوبه، وَيُكْتَبُ بالأَلف؛ وأَنشد:

فاضِلٌ كامِلٌ جَمِيلٌ نَثَاهُ،

أَرْيَحِيٌّ مُهَذَّبٌ مَنْصُورُ

شَمِرٌ: يُقَالُ مَا أَقْبَح نَثاه؛ وَقَالَ: قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الأَعرابي. وَيُقَالُ: هُمْ يَتَنَاثَوْنَ الأَخبار أَي يُشِيعُونها ويَذْكُرونها. وَيُقَالُ: الْقَوْمُ يَتَنَاثَوْن أَيامهم الماضِيةَ أَي يَذْكُرُونَهَا. وتَنَاثَى القومُ قَبائحَهم أَي تَذاكَرُوها؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

بِمَا قَدْ أَرى لَيْلى، ولَيْلى مُقِيمَةٌ،

بهِ فِي جَمِيعٍ لَا تُنَاثَى جَرائرُهْ

الْجَوْهَرِيُّ: النَّثَا، مَقْصُورٌ، مِثْلُ الثَّنا إِلا أَنه فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ والثَّنا فِي الْخَيْرِ خَاصَّةً. وأَنْثَى الرجلُ إِذا أَنِفَ مِنَ الشَّيْءِ إِنْثَاءً. ونَثَا الشيءَ يَنْثُوه، فَهُوَ نَثِيٌّ ومَنْثِيٌّ: أَعادَه. والنَّثِيُّ والنَّفِيُّ: مَا نَثاه الرِّشاء مِنَ الْمَاءِ عِنْدَ الِاسْتِقَاءِ، وَلَيْسَ أَحدهما بَدَلًا عَنِ الْآخَرِ، بَلْ هُمَا أَصلان لأَنَّا نَجِد لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصلًا نَرُدُّهُ إِليه وَاشْتِقَاقًا نَحْمِلُهُ عَلَيْهِ، فأَما نَثِيٌّ فَفَعِيل مِنْ نَثا الشيءَ يَنْثُوه إِذا أَذاعَه وفَرَّقَه لأَن الرِّشاء يُفَرِّقه ويَنْشُره، قَالَ: وَلَامُ الْفِعْلِ وَاوٌ لأَنها لَامَ نَثَوْتُ بِمَنْزِلَةِ سَرِيٍّ وقَصِيٍّ، والنَّفِيُّ فَعِيل مِنْ نَفَيْتُ لأَنَّ الرِّشاء يَنْفِيه، وَلَامُهُ يَاءٌ بِمَنْزِلَةِ رَمِيٍّ وعَصِيٍّ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَقَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ الْفَاءُ بَدَلًا مِنَ الثَّاءِ؛ وَيُؤْنِسُكَ لِنَحْوِ ذَلِكَ إِجْماعُهم فِي بَيْتِ إمْرئ الْقَيْسِ:

ومَرَّ عَلَى القَنانِ منْ نَفَيانِه،

فأَنْزَلَ مِنْهُ العُصْمَ مِنْ كلِّ مَنْزِلِ

فإِنهم أَجمعوا عَلَى الفاءِ، قَالَ: وَلَمْ نَسْمَعْهُمْ قَالُوا نَثَيانِه. والنُّثَاءَة، مَمْدُودٌ: مَوْضِعٌ بِعَيْنِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَضَيْنَا بأَنها يَاءٌ لأَنها لَامٌ وَلَمْ نَجْعَلْهُ مِنَ الْهَمْزِ لِعَدَمِ نَ ثء، والله أَعلم.

نجا: النَّجَاءُ: الخَلاص مِنَ الشَّيْءِ، نَجا يَنْجُو نَجْواً ونَجاءً، مَمْدُودٌ، ونَجاةً، مَقْصُورٌ، ونَجَّى واسْتَنْجَى كنَجَا؛ قَالَ الرَّاعِي:

ص: 304

فإِلَّا تَنَلْني منْ يَزيدَ كَرامةٌ،

أُنَجِّ وأُصْبحْ مِنْ قُرى الشَّامِ خالِيا

وَقَالَ أَبو زُبيد الطَّائِيُّ:

أَمِ اللَّيْثُ فاسْتَنْجُوا، وأَينَ نَجاؤُكُمْ؟

فَهذا، ورَبِّ الرَّاقِصاتِ، المُزَعْفَرُ

ونَجَوْت مِنْ كَذَا. والصِّدْقُ مَنْجاةٌ. وأَنْجَيْتُ غَيْرِي ونجَّيْته، وقرئَ بِهِمَا قَوْلَهُ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ

؛ الْمَعْنَى نُنَجِّيك لَا بفِعْل بَلْ نُهْلِكُكَ، فأَضْمَر قَوْلَهُ لَا بفِعْل؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ لَا بِفِعْلٍ يُرِيدُ أَنه إِذا نَجَا الإِنسان بِبَدَنِهِ عَلَى الْمَاءِ بِلَا فِعْلٍ فإِنه هَالِكٌ، لأَنه لَمْ يَفعل طَفْوَه عَلَى الْمَاءِ، وإِنما يطفُو عَلَى الماءِ حَيًّا بِفِعْلِهِ إِذا كَانَ حَاذِقًا بالعَوْم، ونَجَّاهُ اللَّهُ وأَنْجَاه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ

، وأَما قراءَة مَنْ قرأَ: وَكَذَلِكَ نُجِّي المؤْمِنين، فَلَيْسَ عَلَى إِقامة الْمَصْدَرِ مَوْضِعَ الْفَاعِلِ وَنَصْبِ الْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ، لأَنه عَلَى حَذْفِ أَحد نُونَيْ نُنْجِي، كَمَا حُذِفَ مَا بَعْدَ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: تَذَكَّرُونَ*

، أَي تَتَذَكَّرون، وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ أَيضاً سُكُونُ لَامِ نُجِّي، وَلَوْ كَانَ مَاضِيًا لَانْفَتَحَتِ اللَّامُ إِلا فِي الضَّرُورَةِ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ المُثَقَّب:

لِمَنْ ظُعُنٌ تَطالَعُ مِن صُنَيْبٍ؟

فَمَا خَرَجتْ مِن الْوَادِي لِحِينِ «4»

أَي تتَطالَع، فَحَذَفَ الثَّانِيَةَ عَلَى مَا مَضَى، ونجَوْت بِهِ ونَجَوْتُه؛ وَقَوْلُ الْهُذَلِيِّ:

نَجا عامِرٌ والنَّفْسُ مِنه بشِدْقِه،

وَلَمْ يَنْجُ إِلَّا جَفْنَ سَيْفٍ ومِئْزَرا

أَراد: إِلَّا بجَفْنِ سَيفٍ، فَحَذَفَ وأَوْصل. أَبو الْعَبَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ

؛ أَي نُخَلِّصُك مِنَ الْعَذَابِ وأَهْلَك. واستَنْجَى مِنْهُ حَاجَتَهُ: تخَلَّصها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وانْتَجَى مَتاعَه: تَخلَّصه وسَلبَه؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وَمَعْنَى نجَوْت الشيءَ فِي اللُّغَةِ: خَلَّصته وأَلْقَيْته. والنَّجْوَةُ والنَّجَاةُ: مَا ارتفَع مِنَ الأَرض فَلَمْ يَعْلُه السَّيلُ فَظَنَنْتُهُ نَجاءَك، وَالْجَمْعُ نِجاءٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ

؛ أَي نَجْعَلُكَ فَوْقَ نَجْوةٍ مِنَ الأَرض فنُظْهِرك أَو نُلْقِيك عَلَيْهَا لتُعْرَفَ، لأَنه قَالَ بِبَدَنِكَ وَلَمْ يَقُلْ برُوحِك؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ نُلْقِيكَ عُرياناً لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك عِبْرَةً. أَبو زَيْدٍ: والنَّجْوةُ المَكان المُرْتَفِع الَّذِي تَظُنُّ أَنه نَجَاؤُكَ. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ للوادِي نَجْوة وَلِلْجَبَلِ نَجْوةٌ، فأَما نَجْوة الْوَادِي فسَنداه جَمِيعًا مُستَقِيماً ومُسْتَلْقِياً، كلُّ سَنَدٍ نَجْوةٌ، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الأَكَمةِ، وكلُّ سَنَدٍ مُشْرِفٍ لَا يَعْلُوهُ السَّيْلُ فَهُوَ نَجْوة لأَنه لَا يَكُونُ فِيهِ سَيْل أَبداً، ونَجْوَةُ الجبَل مَنْبِتُ البَقْل. والنَّجَاةُ: هِيَ النَّجْوَة مِنَ الأَرض لَا يَعلوها السَّيْلُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فأَصُونُ عِرْضِي أَنْ يُنالَ بنَجْوةٍ،

إِنَّ البَرِيَّ مِن الهَناةِ سَعِيدُ

وَقَالَ زُهَير بْنُ أَبي سُلْمى:

أَلم تَرَيا النُّعمانَ كَانَ بنَجْوةٍ،

مِنَ الشَّرِّ، لَوْ أَنَّ امْرَأً كَانَ ناجِيا؟

وَيُقَالُ: نَجَّى فُلَانٌ أَرضَه تَنْجِيةً إِذا كبَسها مَخَافَةَ الغَرَقِ. ابْنُ الأَعرابي: أَنْجى عَرِقَ، وأَنْجَى إِذا شَلَّح، يُقَالُ للِّصِّ مُشَلِّح لأَنه يُعَرِّي الإِنسانَ مِنْ ثِيَابِهِ. وأَنْجَى: كشَفَ الجُلَّ عَنْ ظَهْرِ فَرَسِهِ. أَبو حَنِيفَةَ: المَنْجَى المَوْضع الَّذِي لَا يَبْلُغه السيلُ. والنَّجَاء: السُّرْعةُ فِي السَّيْرِ، وَقَدْ نَجَا نَجَاءً، ممدود،

(4). قوله [صنيب] هو هكذا في الأصل والمحكم مضبوطاً

ص: 305

وَهُوَ يَنْجُو فِي السُّرْعة نَجَاءً، وَهُوَ نَاجٍ: سَريعٌ. ونَجَوْتُ نَجَاء أَي أَسرَعْتُ وسَبَقْتُ. وَقَالُوا: النَّجَاءَ النَّجَاءَ والنَّجَا النَّجا، فَمَدُّوا وقَصَرُوا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذا أَخَذْتَ النَّهْبَ فالنَّجَا النَّجَا

وَقَالُوا: النَّجَاكَ فأَدخلوا الْكَافَ لِلتَّخْصِيصِ بِالْخِطَابِ، وَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب لأَن الأَلف وَاللَّامَ مُعاقِبة للإِضافة، فَثَبَتَ أَنها كَكَافِ ذَلِكَ وأَرَيْتُك زَيْدًا أَبو مَنْ هُوَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

وأَنا النَّذِيرُ العُرْيان فالنَّجَاءَ النَّجاءَ

أَي انْجُوا بأَنفسكم، وَهُوَ مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أَي انْجُوا النَّجاء. والنَّجاءُ: السُّرعة. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِنما يأْخذ الذِّئْبُ القاصِيةَ والشاذَّة الناجِيةَ

أَي السَّرِيعَةَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رُوِيَ عَنِ الْحَرْبِيِّ بِالْجِيمِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَتَوْكَ عَلَى قُلُصٍ نَواجٍ

أَي مُسْرِعاتٍ. وَنَاقَةٌ نَاجِيةٌ ونَجَاة: سَرِيعَةٌ، وَقِيلَ: تَقطع الأَرض بِسَيْرِهَا، وَلَا يُوصف بِذَلِكَ الْبَعِيرُ. الْجَوْهَرِيُّ: الناجِيةُ والنَّجاة النَّاقَةُ السَّرِيعَةُ تَنْجُو بِمَنْ ركبها؛ قال: والبَعير ناجٍ؛ وَقَالَ:

أَيّ قَلُوصِ راكِبٍ تَراها

ناجِيةً وناجِياً أَباها

وَقَوْلُ الأَعشى:

تَقْطَعُ الأَمْعَزَ المُكَوْكِبَ وخْداً

بِنَواجٍ سَرِيعةِ الإِيغالِ

أَي بقوائمَ سِراعٍ. واسْتَنْجَى أَي أَسْرَعَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِذا سافَرْتُمْ فِي الجَدْب فاسْتَنْجُوا

؛ مَعْنَاهُ أَسْرِعُوا السيرَ وانْجُوا. وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ إِذا انْهَزَمُوا: قَدِ اسْتَنْجَوْا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لُقْمَانَ بْنِ عَادَ: أَوَّلُنا إِذا نَجَوْنا وآخِرُنا إِذا اسْتَنْجَيْنا أَي هُوَ حامِيَتُنا إِذا انْهَزَمْنا يَدفع عنَّا. والنَّجْوُ: السَّحاب الَّذِي قَدْ هَراقَ مَاءَهُ ثُمَّ مَضَى، وَقِيلَ: هُوَ السَّحَابُ أَوَّل مَا يَنشأُ، وَالْجَمْعُ نِجاء ونُجُوٌّ؛ قَالَ جَمِيلٌ:

أَليسَ مِنَ الشَّقاءِ وَجِيبُ قَلْبي،

وإِيضاعي الهُمُومَ مَعَ النُّجُوِّ

فأَحْزَنُ أَنْ تَكُونَ عَلَى صَدِيقٍ،

وأَفْرَحُ أَن تَكُونَ عَلَى عَدُوِّ

يَقُولُ: نَحْنُ نَنْتَجِعُ الغَيْثَ، فإِذا كَانَتْ عَلَى صدِيقٍ حَزِنْت لأَني لَا أُصيب ثَمَّ بُثَيْنَة، دَعَا لَهَا بالسُّقْيا. وأَنْجَتِ السحابةُ: وَلَّتْ. وَحُكِيَ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ: أَين أَنْجَتْكَ السَّمَاءُ أَي أَينَ أَمطَرَتْكَ. وأُنْجِيناها بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا أَي أُمْطِرْناها. ونَجْوُ السبُع: جَعْره. والنَّجْوُ: مَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَطْنِ مِنْ رِيحٍ وَغَائِطٍ، وَقَدْ نَجا الإِنسانُ والكلبُ نَجْواً. والاسْتِنْجاء: الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ مِنَ النَّجْوِ والتَّمَسُّحُ بِالْحِجَارَةِ مِنْهُ؛ وَقَالَ كُرَاعٌ: هُوَ قَطْعُ الأَذَى بأَيِّهما كَانَ. واسْتَنْجَيْتُ بالماءِ وَالْحِجَارَةِ أَي تَطَهَّرْت بِهَا. الْكِسَائِيُّ: جلَست عَلَى الْغَائِطِ فَمَا أَنْجَيْتُ. الزَّجَّاجُ: يُقَالُ مَا أَنْجَى فُلَانٌ شَيْئًا، وَمَا نَجَا مُنْذُ أَيام أَي لَمْ يأْتِ الغائطَ. والاسْتِنجاء: التَّنَظُّف بمدَر أَو مَاءٍ. واسْتَنجَى أَي مَسْحَ مَوْضِعَ النَّجْو أَو غَسَله. وَيُقَالُ: أَنْجَى أَي أَحدَث. وَشَرِبَ دَواء فَمَا أَنْجَاه أَي مَا أَقامه. الأَصمعي: أَنْجَى فُلَانٌ إِذا جَلَسَ عَلَى الْغَائِطِ يَتَغَوَّط. وَيُقَالُ: أَنْجَى الغائطُ نَفْسُه يَنجُو، وَفِي الصِّحَاحِ: نَجا الغائطُ نَفْسُه. وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ: أَقلُّ الطعامِ نَجْواً اللَّحم. والنَّجْوُ: العَذِرة نَفْسُه. واسْتَنْجَيْتُ النخلةَ إِذا أَلقَطْتَها؛ وَفِي الصِّحَاحِ: إِذا لقطتَ رُطبَها.

ص: 306

وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ سَلَامٍ: وإِني لَفِي عَذْقٍ أُنْجِي مِنْهُ رُطَباً

أَي أَلتَقِطُ، وَفِي رِوَايَةٍ:

أَسْتَنْجِي مِنْهُ

بِمَعْنَاهُ. وأَنْجَيْت قَضِيباً مِنَ الشَّجَرَةِ فَقَطَعْتُه، واسْتَنْجَيْت الشجرةَ: قَطَعْتُها مِنْ أَصلها. ونَجَا غُصونَ الشَّجَرَةِ نَجْواً واسْتَنْجَاها: قَطَعها. قَالَ شَمِرٌ: وأُرى الاسْتِنْجاءَ فِي الوُضوء مِنْ هَذَا لِقَطْعِه العَذِرةَ بالماءِ؛ وأَنْجَيت غَيْرِي. واسْتَنجَيت الشَّجَرَ: قَطَعْتُهُ مِنْ أُصوله. وأَنْجَيْتُ قَضِيبًا مِنَ الشَّجَرِ أَي قَطَعْتُ. وَشَجَرَةٌ جَيِّدة النَّجا أَي الْعُودِ. والنَّجا: الْعَصَا، وَكُلُّهُ مِنَ الْقَطْعِ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: النَّجا الغُصونُ، وَاحِدَتُهُ نَجاةٌ. وفُلان فِي أَرضِ نَجاةٍ: يَسْتَنجِي مِنْ شَجَرِهَا العِصِيَّ والقِسِيَّ. وأَنْجِنِي غُصناً مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَي اقْطَعْ لِي مِنْهَا غُصْناً. والنَّجا: عِيدانُ الهَوْدَج. ونَجَوْتُ الوَتَر واسْتَنجَيتُه إِذا خَلَّصته. واسْتَنْجَى الجازِرُ وتَرَ المَتْنِ: قَطَعه؛ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ:

فَتَبازَتْ فَتَبازَخْتُ لهَا،

جِلْسةَ الجازِرِ يَسْتَنْجِي الوَتَرْ

وَيُرْوَى: جِلْسةَ الأَعْسَرِ. الْجَوْهَرِيُّ: اسْتَنْجَى الوَتَر أَي مَدَّ الْقَوْسَ، وأَنشد بَيْتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: وأَصله الَّذِي يَتَّخذ أَوْتارَ القِسِيّ لأَنه يُخرج مَا فِي المَصارِين مِنَ النَّجْو. وَفِي حَدِيثِ بِئْرِ بُضاعةَ:

تُلقَى فِيهَا المَحايِضُ وَمَا يُنْجِي الناسُ

أَي يُلقُونه مِنَ الْعَذَرَةِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ مِنْهُ أَنْجَى يُنْجِي إِذا أَلقَى نَجْوه، ونَجا وأَنْجَى إِذا قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهُ. والاسْتِنجاءُ: اسْتِخْراج النَّجْو مِنَ الْبَطْنِ، وَقِيلَ: هُوَ إِزالته عَنْ بَدَنِهِ بالغَسْل والمَسْح، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ نَجَوْت الشَّجَرَةَ وأَنْجَيْتُها إِذا قَطَعْتَهَا، كأَنه قَطَعَ الأَذَى عَنْ نَفْسِهِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ النَّجْوَة، وَهُوَ مَا ارْتَفع مِنَ الأَرض كأَنه يَطلُبها لِيَجْلِسَ تَحْتَهَا. وَمِنْهُ حَدِيثُ

عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: قِيلَ لَهُ فِي مَرَضِهِ كيفَ تجِدُك؟ قَالَ: أَجِدُ نَجْوِي أَكثرَ مِن رُزْئي

أَي مَا يَخْرُجُ مِنِّي أَكثَرَ مِمَّا يَدْخُلُ. والنَّجَا، مَقْصُورٌ: مِنْ قَوْلِكَ نَجَوْتُ جِلدَ الْبَعِيرِ عَنْهُ وأَنْجَيْتُه إِذا سَلَخْتَه. ونَجا جِلدَ الْبَعِيرِ والناقةِ نَجْواً ونَجاً وأَنْجَاه: كشَطَه عَنْهُ. والنَّجْوُ والنَّجَا: اسْمُ المَنْجُوّ؛ قَالَ يُخَاطِبُ ضَيْفَينِ طَرَقاه:

فقُلْتُ: انْجُوَا عَنْهَا نَجا الجِلدِ، إِنَّه

سَيُرْضِيكما مِنها سَنامٌ وغارِبُهْ

قَالَ الْفَرَّاءُ: أَضافَ النَّجَا إِلى الجِلد لأَن الْعَرَبُ تُضيف الشَّيْءَ إِلى نَفْسِهِ إِذا اخْتَلَفَ اللَّفْظَانِ، كَقَوْلِهِ تعالى: لَحَقُّ الْيَقِينِ ولَدارُ الْآخِرَةِ. والجِلدُ نَجاً، مَقْصُورٌ أَيضاً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لِيَزِيدَ بْنِ الْحَكَمِ:

تُفاوضُ مَنْ أَطْوِي طَوَى الكَشْحِ دُونه،

ومِنْ دُونِ مَنْ صافَيْتُه أَنتَ مُنْطَوِي

قَالَ: ويُقَوِّي قَوْلَ الْفَرَّاءِ بَعْدَ الْبَيْتِ قَوْلُهُمْ عِرْقُ النَّسا وحَبْل الوَرِيد وَثَابِتُ قُطْنةَ وسعِيد كُرْزٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: يُقَالُ نَجَوْت جِلدَ الْبَعِيرِ، وَلَا يُقَالُ سَلَخته، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبو زَيْدٍ؛ قَالَ: وَلَا يُقَالُ سَلَخته إِلا فِي عُنُقه خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ جَسَدِهِ، وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي آخِرِ كِتَابِهِ إِصلاح الْمَنْطِقِ: جَلَّدَ جَزُوره وَلَا يُقَالُ سَلَخه. الزَّجَّاجِيُّ: النَّجا مَا سُلخ عَنِ الشَّاةِ أَو الْبَعِيرِ، والنَّجا أَيضاً مَا أُلقي عَنِ الرَّجل مِنَ اللِّبَاسِ. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ نَجَوْت الجِلد إِذا أَلقَيْته عَنِ الْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: أَصل هَذَا كُلِّهِ مِنَ النَّجْوة، وَهُوَ مَا ارْتَفع مِنَ الأَرض، وَقِيلَ: إِن الاستِنْجاء مِنَ الحَدث مأْخوذ مِنْ هَذَا لأَنه إِذا أَراد قَضَاءَ الْحَاجَةِ اسْتَتَرَ بنَجْوةٍ مِنَ الأَرض؛ قَالَ عَبِيدٌ:

ص: 307

فَمَنْ بِنَجْوَتِه كمَنْ بِعَقْوته،

والمُستَكِنُّ كمَنْ يَمْشِي بقِرواحِ

ابْنُ الأَعرابي: بَيْني وَبَيْنَ فُلَانٍ نَجَاوَةٌ مِنَ الأَرض أَي سَعة. الْفَرَّاءُ: نَجَوْتُ الدَّواءَ شَربته، وَقَالَ: إِنما كُنْتُ أَسمع مِنَ الدَّوَاءِ مَا أَنْجَيْته، ونَجَوْتُ الجِلد وأَنْجَيْتُه. ابْنُ الأَعرابي: أَنْجَانِي الدَّواءُ أَقْعدَني. ونَجَا فُلَانٌ يَنْجُو إِذا أَحْدَث ذَنْباً أَو غَيْرَ ذَلِكَ. ونَجَاهُ نَجْواً ونَجْوَى: سارَّه. والنَّجْوَى والنَّجِيُّ: السِّرُّ. والنَّجْوُ: السِّرُّ بَيْنَ اثْنَيْنِ، يُقَالُ: نَجَوْتُه نَجْواً أَي سارَرْته، وَكَذَلِكَ ناجَيْتُه، وَالِاسْمُ النَّجْوى؛ وَقَالَ:

فبِتُّ أَنْجُو بِهَا نَفْساً تُكَلِّفُني

مَا لَا يَهُمُّ بِهِ الجَثَّامةُ الوَرَعُ

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِذْ هُمْ نَجْوى

؛ فَجَعَلَهُمْ هُمُ النَّجْوى، وإِنما النَّجْوى فِعلهم، كَمَا تَقُولُ قَوْمٌ رِضاً، وإِنما رِضاً فِعْلهم. والنَّجِيُّ، عَلَى فَعِيل: الَّذِي تُسارُّه، وَالْجَمْعُ الأَنْجِيَة. قَالَ الأَخفش: وَقَدْ يَكُونُ النَّجِيُّ جَماعة مِثْلُ الصدِيق، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: خَلَصُوا نَجِيًّا

. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ يَكُونُ النَّجِيُّ والنَّجْوى اسْمًا وَمَصْدَرًا. وَفِي حَدِيثِ الدُّعاء:

اللَّهُمَّ بمُحمد نبيِّك وبمُوسى نَجِيِّك

؛ هُوَ المُناجِي المُخاطِب للإِنسان والمحدِّث لَهُ، وَقَدْ تنَاجَيا مُناجاة وانْتِجاء. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا يَتَنَاجى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ

، وَفِي رِوَايَةٍ:

لَا يَنْتَجِي اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا

أَي لَا يَتَسارَران مُنْفَردَيْن عَنْهُ لأَن ذَلِكَ يَسوءُه. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: دعاهُ رسولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يومَ الطَّائِفِ فانْتَجاه فَقَالَ الناسُ: لَقَدْ طالَ نَجْواهُ فَقَالَ: مَا انْتَجَيْتُه ولكنَّ اللهَ انْتَجَاه

أَي أَمَرَني أَن أُناجِيه. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما: قِيلَ لَهُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي النَّجْوَى؟

يُريد مناجاةَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَفِي حَدِيثٍ

الشَّعْبِيُّ: إِذا عَظُمت الحَلْقة فَهِيَ بِذاء ونِجاء

أَي مُناجاة، يَعْنِي يَكْثُرُ فِيهَا ذَلِكَ. والنَّجْوَى والنَّجِيُّ: المُتسارُّون. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِذْ هُمْ نَجْوى

؛ قَالَ: هَذَا فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ، وإِذْ هُمْ ذَوُو نَجْوى، والنَّجْوى اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ

؛ يَكُونُ عَلَى الصِّفَةِ والإِضافة. ونَاجَى الرجلَ مُنَاجَاةً ونِجَاءً: سارَّه. وانْتَجَى القومُ وتَناجَوْا: تَسارُّوا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

قَالَتْ جَواري الحَيِّ لَمَّا جِينا،

وهنَّ يَلْعَبْنَ ويَنْتَجِينا:

مَا لِمَطايا القَوْمِ قَدْ وَجِينا؟

والنَّجِيُّ: المُتناجون. وَفُلَانٌ نجِيُّ فُلَانٍ أَي يُنَاجِيهِ دُونَ مَنْ سِوَاهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا

؛ أَي اعْتَزَلُوا مُتَناجين، وَالْجَمْعُ أَنْجِيَةٌ؛ قَالَ:

وَمَا نَطَقُوا بأَنْجِيَةِ الخُصومِ

وَقَالَ سُحَيْم بْنُ وَثِيل اليَرْبُوعِي:

إِني إِذا مَا القَوْمُ كَانُوا أَنْجِيَهْ،

واضْطرب القَوْمُ اضْطرابَ الأَرْشِيَهْ،

هُناكِ أَوْصِيني وَلَا تُوصي بِيَهْ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَكَى الْقَاضِي الْجُرْجَانِيُّ عَنِ الأَصمعي وَغَيْرِهِ أَنه يَصِفُ قَوْمًا أَتعبهم السَّيْرُ وَالسَّفَرُ، فَرَقَدُوا عَلَى رِكابهم وَاضْطَرَبُوا عَلَيْهَا وشُدَّ بَعْضُهُمْ عَلَى نَاقَتِهِ حِذارَ سُقُوطِهِ مِنْ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: إِنما ضَرَبَهُ مَثَلًا لِنُزُولِ الأَمر الْمُهِمِّ، وَبِخَطِّ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ: هُناكِ، بِكَسْرِ

ص: 308

الْكَافِ، وَبِخَطِّهِ أَيضاً: أَوْصِيني وَلَا تُوصِي، بإِثبات الْيَاءِ، لأَنه يُخَاطِبُ مُؤَنَّثًا؛ وَرُوِيَ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ أَنه يَرْوِيهِ:

واخْتَلَفَ القومُ اخْتلافَ الأَرْشِيَهْ

قَالَ: وَهُوَ الأَشهر فِي الرِّوَايَةِ؛ وَرُوِيَ أَيضاً:

والْتَبَسَ القومُ الْتِباسَ الأَرشيه

وَرَوَاهُ الزَّجَّاجُ: وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِسُحَيْمٍ أَيضاً:

قالتْ نِساؤُهم، والقومُ أَنْجِيَةٌ

يُعْدَى عَلَيْهَا، كَمَا يُعْدى عَلَى النّعَمِ

قَالَ أَبو إِسحاق: نجِيٌّ لَفْظٌ وَاحِدٌ فِي مَعْنَى جَمِيعٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ هُمْ نَجْوى

؛ وَيَجُوزُ: قومٌ نَجِيٌّ وقومٌ أَنْجِيةٌ وقومٌ نَجْوى. وانْتَجاه إِذا اختصَّه بمُناجاته. ونَجَوْتُ الرَّجُلَ أَنْجُوه إِذا ناجَيْتَه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ

؛ قَالَ أَبو إِسحاق: مَعْنَى النَّجْوى فِي الْكَلَامِ مَا يَنْفَرِد بِهِ الْجَمَاعَةُ وَالِاثْنَانِ، سِرّاً كَانَ أَو ظَاهِرًا؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:

يَخْرُجْنَ منْ نَجِيِّه لِلشَّاطِي

فَسَّرَهُ فَقَالَ: نجِيُّه هُنَا صَوْتُهُ، وإِنما يَصِفُ حَادِيًا سَوَّاقاً مُصَوِّتاً. ونَجاه: نكَهه. ونَجَوْت فُلَانًا إِذا استَنْكَهْته؛ قَالَ:

نَجَوْتُ مُجالِداً، فوَجَدْتُ مِنْهُ

كَرِيحِ الْكَلْبِ ماتَ حَديثَ عَهْدِ

فقُلْتُ لَهُ: مَتى استَحْدَثْتَ هَذَا؟

فَقَالَ: أَصابَني فِي جَوْفِ مَهْدي

وَرَوَى الْفَرَّاءُ أَن الْكِسَائِيَّ أَنشده:

أَقولُ لِصاحِبَيَّ وَقَدْ بَدا لِي

مَعالمُ مِنْهُما، وهُما نَجِيَّا

أَراد نَجِيَّانِ فَحَذَفَ النُّونَ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَي هُمَا بِمَوْضِعِ نَجْوَى، فَنَصَبَ نَجِيّاً عَلَى مَذْهَبِ الصِّفَةِ. وأَنْجَت النَّخْلَةُ فأَجْنَتْ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ. واسْتَنْجَى الناسُ فِي كُلِّ وَجْهٍ: أَصابُوا الرُّطب، وَقِيلَ: أَكلوا الرُّطَبَ. قَالَ: وَقَالَ غَيْرُ الأَصمعي كُلُّ اجْتِنَاءٍ استِنْجاءٌ، يُقَالُ: نَجوْتُك إِياه؛ وأَنشد:

ولقَدْ نَجَوْتُك أَكْمُؤاً وعَساقِلًا،

وَلَقَدْ نَهَيْتُك عَنْ بَناتِ الأَوْبَرِ

وَالرِّوَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ جَنيْتُك، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والنُّجَوَاءُ: التَّمَطِّي مِثْلَ المُطَواء؛ وَقَالَ شَبِيبُ بْنُ البرْصاء:

وهَمٌّ تأْخُذُ النجَواء مِنه،

يُعَلُّ بصالِبٍ أَو بالمُلالِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ النُّحَواء، بِحَاءٍ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ، وَهِيَ الرِّعْدة، قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ عَنْ أَبي عَمْرٍو بْنِ الْعَلَاءِ وَابْنِ ولَّاد وأَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ وَغَيْرِهِ، والمُلالُ: حَرَارَةُ الحمَّى الَّتِي لَيْسَتْ بصالبٍ، وَقَالَ المُهَلَّبي: يُرْوَى يُعَكُّ بصالِبٍ. وناجِيةُ: اسْمٌ. وَبَنُو ناجيةَ: قَبِيلَةٌ؛ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ. الْجَوْهَرِيُّ: بَنُو ناجيةَ قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَالنِّسْبَةُ إِليهم ناجِيٌّ، حُذِفَ مِنْهُ الْهَاءُ وَالْيَاءُ، والله أَعلم.

نحا: الأَزهري: ثَبَتَ عَنْ أَهل يُونانَ، فِيمَا يَذْكُر المُتَرْجِمُون العارِفُون بِلِسَانِهِمْ وَلُغَتِهِمْ، أَنهم يُسَمُّونَ عِلْمَ الأَلفاظ والعِنايةَ بالبحثْ عَنْهُ نَحْواً، وَيَقُولُونَ كَانَ فُلَانٌ مِنَ النَّحْوِيينَ، وَلِذَلِكَ سُمي يُوحنَّا الإِسكَنْدَرانيُّ يَحْيَى النَّحْوِيَّ لِلَّذِي كَانَ حَصَلَ لَهُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِلُغَةِ اليُونانِيِّين. والنَّحْوُ: إِعراب الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ. والنَّحْوُ: القَصدُ والطَّرِيقُ، يَكُونُ ظَرْفًا وَيَكُونُ اسْمًا، نَحاه يَنْحُوه ويَنْحاه

ص: 309

نَحْواً وانْتَحاه، ونَحْوُ الْعَرَبِيَّةِ مِنْهُ، إِنما هُوَ انْتِحَاء سَمْتِ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي تَصَرُّفه مِنْ إِعراب وَغَيْرِهِ كَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَالتَّحْقِيرِ وَالتَّكْبِيرِ والإِضافة وَالنَّسَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ليَلْحَق مَن لَيْسَ مِنْ أَهل اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بأَهلها فِي الْفَصَاحَةِ فيَنطِق بِهَا وإِن لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ، أَو إِن شَذَّ بَعْضُهُمْ عَنْهَا رُدَّ بِهِ إِليها، وَهُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ شَائِعٌ أَي نَحَوْتُ نَحْواً كَقَوْلِكَ قَصَدْت قَصْداً، ثُمَّ خُص بِهِ انْتِحاء هَذَا القَبيل مِنَ الْعِلْمِ، كَمَا أَن الفِقه فِي الأَصل مَصْدَرُ فَقِهْت الشَّيْءَ أَي عَرَفته، ثُمَّ خُص بِهِ عِلْمُ الشَّرِيعَةِ مِنَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَكَمَا أَن بَيْتَ اللَّهِ عز وجل خُص بِهِ الْكَعْبَةُ، وَإِنْ كَانَتِ الْبُيُوتُ كُلُّهَا لِلَّهِ عز وجل؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَهُ نَظَائِرُ فِي قَصْرِ مَا كَانَ شَائِعًا فِي جِنْسِهِ عَلَى أَحد أَنواعه، وَقَدِ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ ظَرْفاً، وأَصله الْمَصْدَرُ؛ وأَنشد أَبو الْحَسَنِ:

تَرْمِي الأَماعِيزَ بمُجْمَراتِ،

بأَرْجُلٍ رُوحٍ مُجَنَّباتِ

يَحْدُو بِهَا كلُّ فَتًى هَيّاتٍ،

وهُنَّ نَحْوَ البيتِ عامِداتِ

وَالْجَمْعُ أَنْحاء ونُحُوٌّ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: شَبَّهُوهَا بعُتُوٍّ وَهَذَا قَلِيلٌ. وَفِي بَعْضِ كَلَامِ الْعَرَبِ: إِنَّكم لَتَنْظُرون فِي نُحُوٍّ كَثِيرَةٍ أَي فِي ضُروب مِنَ النَّحو، شَبَّهَهَا بعُتُوٍّ، وَالْوَجْهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاوَاتِ إِذا جَاءَتْ فِي جمعٍ الياءُ كَقَوْلِهِمْ فِي جَمْعِ ثَدْي ثُدِيٌّ وعُصِيٌّ وحُقِيٌّ. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ نَحَوْتُ نَحْوَك أَي قَصَدْتُ قَصْدَك. التَّهْذِيبُ: وبَلَغنا أَنّ أَبا الأَسود الدُّؤليَّ وَضَعَ وجُوه الْعَرَبِيَّةِ وَقَالَ لِلنَّاسِ انْحُوا نحْوه فَسُمِّيَ نَحْواً. ابْنُ السِّكِّيتِ: نَحا نَحْوَه إِذا قَصَدَهُ، ونَحا الشيءَ يَنْحاه ويَنْحُوه إِذا حَرَّفه، وَمِنْهُ سُمِّيَ النَّحْوِيُّ لأَنه يُحرّف الْكَلَامَ إِلى وُجُوهِ الإِعراب. ابْنُ بَزْرَجٍ: نَحَوْت الشَّيْءَ أَمَمْتُه أَنْحُوه وأَنْحاه. ونَحَّيْتُ الشيءَ «5» ونَحَوْته؛ وأَنشد:

فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَن تَرَى، فِي مَحَلِّه،

رَماداً نَحَتْ عَنْهُ السُّيولَ جَنادِلُهْ

وَرَجُلٌ ناحٍ مِنْ قَوْمٍ نُحاةٍ: نَحْوِيٌّ، وكأَنَّ هَذَا إِنما هُوَ عَلَى النَّسَبِ كَقَوْلِكَ تامرٌ ولابِنٌ. اللَّيْثُ: النَّحْوُ القَصْدُ نَحْوَ الشَّيْءِ. وأَنْحَىْ عَلَيْهِ وانْتَحَى عَلَيْهِ إِذا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ. ابْنُ الأَعرابي: أَنْحَى ونَحَى وانْتَحَى أَي اعْتَمَدَ عَلَى الشَّيْءِ. وانْتَحَى لَهُ وتَنَحَّى لَهُ: اعْتَمَدَ. وتَنَحَّى لَهُ بِمَعْنَى نَحا لَهُ وانْتَحَى؛ وأَنشد:

تَنحَّى لَهُ عَمْرٌو فَشَكَّ ضُلُوعَه

بِمُدْرَنْفِقِ الخَلْجاء، والنَّقْعُ ساطِعُ

وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما: أَنه رأْى رَجُلًا تَنَحَّى فِي سُجُوده فَقَالَ لَا تَشِينَنَّ صُورَتَكَ

؛ قَالَ شَمِرٌ: الانْتِحَاء فِي السُّجُودِ الاعْتِمادُ عَلَى الْجَبْهَةِ والأَنف حَتَّى يُؤثِّر فِيهِمَا ذَلِكَ. الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ تَرَحَ: ابْنُ مُناذر التَّرَحُ الهَبوط، «6»؛ وأَنشد:

كأَنَّ جَرْسَ القَتَبِ المُضَبَّبِ،

إِذا انْتَحَى بالتَّرَحِ المُصَوَّبِ

قَالَ: الانْتِحَاء أَن يَسْقُط هَكَذَا، وَقَالَ بِيَدِهِ، بعضُها فَوْقَ بَعْضٍ، وَهُوَ فِي السُّجُودِ أَن يُسْقِطَ جَبِينَهُ إِلى الأَرض ويشدَّه وَلَا يَعْتَمِدَ عَلَى رَاحَتَيْهِ وَلَكِنْ يَعْتَمِدُ عَلَى جَبِينِهِ، قَالَ الأَزهري: حَكَى شَمِرٌ هَذَا عَنْ عَبْدِ

(5). قوله [ونَحَّيْتُ الشيءَ] كذا في الأصل مضبوطاً، وفي التهذيب: نَحَّيْتُ عن الشيءِ، بشد الحاء وزيادة عن.

(6)

. قوله [الترح الهبوط إلخ] هذا الضبط هو الصواب كما ضبط في مادة ترح من التكملة، وتقدم ضبط الهبوط بالضم وانتحى بضم التاء في ترح من اللسان خطأ.

ص: 310

الصَّمَدِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ، قَالَ شَمِرٌ: وَكُنْتُ سأَلت ابْنَ مُنَاذِرٍ عَنِ الانْتِحَاء فِي السُّجُودِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، قَالَ: فَذَكَرْتُ لَهُ مَا سَمِعْتُ فدَعا بِدَوَاتِهِ فَكَتَبَهُ بِيَدِهِ. وانْتَحَيْت لِفُلَانٍ أَي عَرَضْت لَهُ. وَفِي حَدِيثِ

حَرَامِ بْنِ مِلْحان: فانْتَحَى لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيل فقَتَله

أَي عَرَضَ لَهُ وقَصَد. وَفِي الْحَدِيثِ:

فانْتَحَاه رَبيعَةُ

أَي اعْتَمَدَه بِالْكَلَامِ وقَصَده. وَفِي حَدِيثِ

الْخَضِرِ. عليه السلام: وتَنَحِّى لَهُ

أَي اعْتَمَد خَرْقَ السًّفينةِ. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها: فَلَمْ أَنْشَبْ حَتَّى أَنْحَيْتُ عليها.

وَقَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَشْهُورُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ. وَفِي حَدِيثِ

الْحَسَنِ: قَدْ تَنَحَّى فِي بُرْنُسِه وقامَ الليلَ فِي حِنْدِسِه

أَي تَعَمَّدَ العِبادة وتوجَّه لَهَا وَصَارَ فِي ناحِيتها وتَجَنَّب النَّاسَ وَصَارَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُمْ. وأَنْحَيْتُ عَلَى حَلقه السِّكين أَي عَرَضْتُ؛ وأَنشد ابْنَ بَرِّيٍّ:

أَنْحَى عَلَى وَدَجَيْ أُنْثَى مُرَهَّفةً

مَشْحُوذةً، وكذاكَ الإِثْمُ يُقْتَرَفُ

وأَنْحَى عَلَيْهِ ضَرْبًا: أَقبَلَ. وأَنْحَى لَهُ السِّلاح: ضَرَبه بِهَا أَو طَعَنَه أَو رَماه، وأَنْحَى لَهُ بِسَهْم أَو غَيْرِهِ مِنَ السِّلَاحِ. وتَنَحَّى وانْتَحَى: اعْتَمَدَ. يُقَالُ: انْتَحَى لَهُ بِسَهْمٍ ونَحا عَلَيْهِ بشُفْرته، ونَحَا لَهُ بِسَهْمٍ. ونَحَا الرَّجلُ وانْتَحَى: مالَ عَلَى أَحد شِقَّيْهِ أَو انْحَنى فِي قَوْسِه. وأَنْحَى فِي سَيره أَي اعْتَمَد عَلَى الْجَانِبِ الأَيسر. قَالَ الأَصمعي: الانْتِحَاء فِي السَّيْرِ الاعْتماد عَلَى الْجَانِبِ الأَيسر، ثُمَّ صَارَ الِاعْتِمَادُ فِي كُلِّ وَجْهٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

مُنْتَحِياً مِنْ نَحْوِه عَلَى وُفَقْ

ابْنُ سِيدَهْ: والانْتِحاءُ اعْتِمادُ الإِبل فِي سَيْرِهَا عَلَى الْجَانِبِ الأَيسر، ثُمَّ صَارَ الانْتِحَاء المَيلُ والاعْتماد فِي كُلِّ وَجْهٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِكَعْبِ بْنُ زُهَيْرٍ:

إِذَا مَا انْتَحَاهُنَّ شُؤْبُوبُه

أَي اعْتَمَدهن. ونَحَوْتُ بَصَرِي إِلَيْهِ أَي صرَفْت. ونَحَا إِلَيْهِ بصَره يَنْحُوه ويَنْحَاه: صرَفه. وأَنْحَيْتُ إِلَيْهِ بصَري: عَدَلْتُه؛ وَقَوْلُ طَرِيفٍ الْعَبْسِيِّ:

نَحاهُ لِلَحْدٍ زبْرِقانُ وحرِثٌ،

وَفِي الأَرض لِلأَقْوامِ بَعْدَكَ غُولُ

أَي صَيَّرا هَذَا الْمَيِّتَ فِي نَاحِيَةِ الْقَبْرِ. ونَحَيْتُ بَصَري إِلَيْهِ: صَرَفْته. التَّهْذِيبُ: شَمِرٌ انْتَحَى لِي ذَلِكَ الشيءُ إِذَا اعتَرَض لَهُ واعتمدَه؛ وأَنشد للأَخطل:

وأَهْجُرْكَ هِجْراناً جَمِيلًا ويَنْتَحِي

لَنَا، مِنْ لَيالِينا العَوارِمِ أَوَّلُ

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: يَنْتَحِي لَنَا يَعودُ لَنَا، والعَوارِمُ: القِباحُ. ونَحَى الرجلَ: صَرَفَه؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

لَقَدْ نَحَاهُم جَدُّنا وَالنَّاحِي

ابْنُ سِيدَهْ: والنُّحَواء الرِّعْدة، وَهِيَ أَيضاً التَّمَطِّي؛ قَالَ شَبِيب بْنُ البَرْصاء:

وهَمٌّ تأْخُذُ النُّحَواءُ مِنْهُ،

يُعَلُّ بصالِبٍ أَو بالمُلالِ

وانْتَحَى فِي الشَّيْءِ: جَدَّ. وانْتَحَى الفرَسُ فِي جَرْيه أَي جَدَّ. والنِّحْيُ والنَّحْيُ والنَّحَى: الزِّقُّ، وَقِيلَ: هُوَ مَا كَانَ للسمْن خَاصَّةً. الأَزهري: النِّحْيُ عِنْدَ الْعَرَبِ الزِّقُ الَّذِي فِيهِ السَّمْنُ خَاصَّةً، وَكَذَلِكَ قَالَ الأَصمعي وَغَيْرُهُ: النَّحْيُ الزَّقُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ السَّمْنُ خَاصَّةً؛

ص: 311

وَمِنْهُ قِصَّةُ ذاتِ النِّحْيَيْنِ المَثَلِ الْمَشْهُورِ: أَشْغَلُ مِن ذاتِ النِّحْيَيْن؛ وَهِيَ امرأَة مِنْ تَيْمِ اللَّهِ بْنُ ثعْلَبةَ وَكَانَتْ تَبِيع السَّمْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فأَتى خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْر الأَنصاري يَبتاع مِنْهَا سَمناً فساوَمَها، فحلَّت نِحْياً مَمْلُوءاً، فَقَالَ: أَمْسِكِيه حَتَّى أَنظر غَيْرَهُ، ثُمَّ حلَّ آخَرَ وَقَالَ لَهَا: أَمسكيه، فَلَمَّا شَغل يَدَيْهَا ساوَرَها حَتَّى قَضى مَا أَراد وهرَب فَقَالَ فِي ذَلِكَ:

وذاتِ عِيالٍ، واثقِينَ بِعَقْلِها،

خَلَجْتُ لَهَا جارَ اسْتِها خَلَجاتِ

وشَدَّتْ يَدَيْها، إِذْ أَرَدْتُ خِلاطَها،

بنِحْيَيْنِ مِن سَمْنٍ ذَوَي عُجَراتِ

فكانتْ لَهَا الوَيْلاتُ مِنْ تَرْكِ سَمْنِها،

ورَجْعَتِها صِفْراً بِغَيْرِ بتاتِ

فشَدَّتْ عَلَى النِّحْيَيْنِ كَفّاً شَحِيحةً

عَلَى سَمْنِها، والفَتْكُ مِن فَعَلاتي

قَالَ

ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الصَّحِيحُ فِي رِوَايَةِ خَوَّات بْنِ جُبَيْر:

فشدَّت عَلَى النِّحْيَيْنِ كَفَّيْ شَحيحةٍ

تَثْنِيَةُ كَفٍّ، ثُمَّ أَسْلم خَوَّاتٌ وَشَهِدَ بَدْرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ شِرادُك؟ وتَبَسَّمَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَزَقَ اللَّهُ خَيْرًا وأَعوذ بِاللَّهِ مِنَ الحَوْرِ بَعدَ الكَوْرِ

وهَجا العُدَيلُ بْنُ الفَرْخِ بَنِي تَيمِ اللهِ فَقَالَ:

تَزَحْزَحْ، يَا ابنَ تَيْمِ اللهِ، عَنَّا

فَما بَكْرٌ أَبُوكَ، وَلَا تَمِيمُ

لكُلِّ قَبِيلةٍ بَدرٌ ونجْمٌ،

وتَيْمُ اللَّهِ لَيْسَ لَهَا نُجُومُ

أُناسٌ رَبَّةُ النِّحْيَيْنِ مِنْهُمْ،

فُعُدُّوها إِذَا عُدَّ الصَّمِيمُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ حَمْزَةَ الصَّحِيحُ أَنها امرأَة مِنْ هُذَيْلٍ، وَهِيَ خَوْلة أُم بِشْرِ بْنِ عَائِذٍ، وَيُحْكَى أَن أَسَدِيًّا وهُذَليًّا افْتَخَرَا وَرَضِيَا بإِنسان يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: يَا أَخا هُذَيْلٍ كَيْفَ تُفاخِرُون الْعَرَبَ وَفِيكُمْ خِلال ثَلَاثٌ: مِنْكُمْ دَلِيلُ الحَبَشة عَلَى الْكَعْبَةِ، وَمِنْكُمْ خَولةُ ذاتُ النِّحيين، وسأَلتم رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، أَن يُحلِّلَ لَكُمُ الزِّنَا؟ قَالَ: ويُقَوِّي قَوْلَ الْجَوْهَرِيِّ إِنَّهَا مِنْ تَيْمِ اللَّهِ مَا أَنشده فِي هِجَائِهِمْ:

أُناس رَبَّةُ النِّحْيَيْنِ مِنْهُمْ

وَجَمْعُ النِّحْي أَنْحَاء ونُحِيٌّ ونِحاء؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ. والنِّحْي أَيضاً: جَرْةُ فَخّار يُجْعَلُ فِيهَا اللَّبَنُ ليُمخض. وَفِي التَّهْذِيبِ: يُجْعَلُ فِيهَا اللَّبَنُ المَمْخُوض. الأَزهري: الْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ النِّحْيَ غَيْرَ الزَّقِّ، وَالَّذِي قَالَهُ اللَّيْثُ إِنَّهُ الجَرَّةُ يُمْخَض فِيهَا اللَّبَنُ غَيْرُ صَحِيحٍ. ونَحَى اللبنَ يَنْحِيهِ ويَنْحَاه: مَخَضه؛ وأَنشد:

فِي قَعْرِ نِحْيٍ أَستَثيرُ حُمَّهْ

والنِّحْيُ: ضَرْب مِنَ الرُّطَب؛ عَنْ كُرَاعٍ. ونَحَى الشيءَ يَنْحَاه نَحْياً ونَحَّاه فتَنَحَّى: أَزاله. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ نَحَّيْت فُلَانًا فتَنَحَّى، وَفِي لُغَةٍ: نَحَيْتُه وأَنا أَنْحَاه نَحْياً بِمَعْنَاهُ؛ وأَنشد:

أَلا أَيُّهذا الباخِعُ الوَجْدُ نفْسَه

لِشيءٍ نَحَتْهُ، عَنْ يَدَيْهِ، المَقادِرُ

أَي باعَدَتْه. ونَحَّيْته عَنْ مَوْضِعِهِ تَنْحِيَةً فتَنَحَّى، وَقَالَ الْجَعْدِيُّ:

أُمِرَّ ونُحِّيَ عَنْ زَوْرِه،

كتَنْحِيَةِ القَتَبِ المُجْلَبِ

وَيُقَالُ: فُلَانٌ نَحِيَّةُ القَوارِعِ إِذَا كَانَتِ الشَّدائد

ص: 312

تَنْتَحِيه؛ وأَنْشد:

نَحِيَّةُ أَحْزانٍ جَرَتْ مِنْ جُفُونِه

نُضاضةُ دَمْعٍ، مِثْلُ مَا دَمَعَ الوَشَلْ

وَيُقَالُ: استَخَذَ فلانٌ فُلَانًا أُنْحِيَّةً أَي انْتَحى عليه حتى أَهلَك مالَه أَوْ ضَرّه أَو جَعلَ بِهِ شَرًّا؛ وأَنشد:

إِنِّي إِذَا مَا القوْمُ كَانُوا أُنْحِيَهْ

أَي انْتَحَوْا عَنْ عَمَلٍ يَعملونه. اللَّيْثُ: كُلُّ مَن جدَّ فِي أَمرٍ فَقَدِ انْتَحَى فِيهِ، كَالْفَرَسِ يَنْتَحِي فِي عَدْوه. والنَّاحِيةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: جانِبه. والنَّاحِيَة: وَاحِدَةُ النَّوَاحِي؛ وَقَوْلُ عُتيِّ بْنِ مَالِكٍ:

لَقَدْ صَبَرَتْ حَنيفة صَبْرَ قَوْمٍ

كِرامٍ، تَحتَ أَظْلال النَّوَاحِي

فَإِنَّمَا يُرِيدُ نَوَاحي السُّيوف، وَقِيلَ: أَراد النَّوائح فَقَلَبَ، يَعْنِي الرَّايات المُتقابلات. وَيُقَالُ: الْجَبَلَانِ يَتَنَاوَحانِ إِذَا كَانَا مُتَقَابِلَيْنِ. والنَّاحِيَةُ والنَّاحَاة: كُلُّ جَانِبٍ تَنَحَّى عَنِ القَرار كناصِيةٍ وناصاةٍ؛ وَقَوْلُهُ:

أَلِكْني إلَيْها، وخَيْرُ الرَّسُولِ

أَعْلَمُهمْ بنَواحِي الخَبَرْ

إِنَّمَا يَعْني أَعلَمهم بنَواحي الْكَلَامِ. وإبِل نَحِيٌّ: مُتَنَحِّيةٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

ظَلَّ وظَلَّتْ عُصَباً نَحِيَّا،

مثْلَ النَّجيِّ اسْتَبْرَزَ النَّجِيَّا

والنِّحي مِنَ السِّهام: العريضُ النَّصْل الَّذِي إِذَا أَردت أَن تَرمي بِهِ اضْطَجَعْته حَتَّى تُرْسله. والمَنْحَاة: مَا بَيْنَ الْبِئْرِ إِلَى مُنْتَهَى السَّانيِة؛ قَالَ جَرِيرٌ:

لَقَدْ ولدَتْ أُمُّ الفَرَزدَقِ فَخَّةً،

تَرَى بَيْنَ فَخْذَيْها مَنَاحِيَ أَرْبَعا

الأَزهري: المَنْحَاةُ مُنتهى مَذْهَبِ السَّانِية، وَرُبَّمَا وُضِع عِنْدَهُ حَجَرٌ ليَعلم قائدُ السَّانِيَةِ أَنه المُنتَهَى فيَتَيَسَّر مُنْعَطِفاً لأَنه إِذَا جاوَزه تقطَّع الغَرْبُ وأَداتُه. الْجَوْهَرِيُّ: والمَنْحَاةُ طَرِيقُ السانيِة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

كأَنَّ عَينَيَّ، وَقَدْ بانُوني،

غَرْبانِ فِي مَنْحَاةِ مَنْجَنُونِ

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: المَنْحَاة مَسِيلُ الْمَاءِ إِذَا كَانَ مُلْتَوِياً؛ وأَنشد:

وَفِي أَيْمانِهِمْ بِيضٌ رِقاقٌ،

كباقِي السَّيلِ أَصْبَحَ فِي المَنَاحِي

وأَهْلُ المَنْحَاةِ: الْقَوْمُ البُعداء الَّذِينَ لَيْسُوا بأَقارِب. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:

يأْتيني أَنْحَاء مِن الْمَلَائِكَةِ

أَي ضُرُوبٌ مِنْهُمْ، وَاحِدُهُمْ نَحْوٌ، يَعْنِي أَن الملائكةَ كَانُوا يَزُورُونه سِوَى جبريلَ، عليه السلام. وَبَنُو نَحْوٍ: بَطْنٌ مِنَ الأَزْد، وَفِي الصِّحَاحِ: قَوْمٌ مِنَ العرب.

نخا: النَّخْوَةُ: العَظَمَة والكِبْرُ والفَخْرُ، نَخا يَنْخُو وانْتَخَى ونُخِيَ، وَهُوَ أَكثر؛ وأَنشد اللَّيْثُ:

وَمَا رأَيْنا مَعْشَرا فيَنْتَخُوا

الأَصمعي: زُهِيَ فُلَانٌ فَهُوَ مَزْهُوٌّ، وَلَا يُقَالُ: زَهَا، وَيُقَالُ: نُخِيَ فُلَانٌ وانْتَخَى، وَلَا يُقَالُ نَخا. وَيُقَالُ: انْتَخَى فُلَانٌ عَلَيْنَا أَي افْتَخَرَ وتَعَظَّم، وَاللَّهُ أَعلم.

ندي: النَّدَى: البَلَلُ. والنَّدَى: مَا يَسْقُط بِاللَّيْلِ، وَالْجَمْعُ أَنْداء وأَنْدِيَةٌ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ فأَما قَوْلُ مُرَّة بْنِ مَحْكانَ:

فِي لَيْلةٍ مِنْ جُمادى ذاتِ أَنْدِيَةٍ

لَا يُبْصِرُ الكلبُ، مِنْ ظَلْمائِها، الطُّنُبا

ص: 313

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ شاذٌ لأَنه جَمْعُ مَا كَانَ مَمْدُودًا مِثْلَ كِساء وأَكْسية؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ تَكْسِيرٌ نَادِرٌ، وَقِيلَ: جَمَعَ نَدًى عَلَى أَنْدَاء، وأَنْدَاءً عَلَى نِدَاء، ونِداء عَلَى أَنْدِيَة كرِداء وأَرْدِية، وَقِيلَ: لَا يُرِيدُ بِهِ أَفْعِلةً نَحْوَ أَحْمِرةٍ وأَقْفِزَةٍ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الكافَّة، وَلَكِنْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ أَفْعُلة، بِضَمِّ الْعَيْنِ تأْنيث أَفْعُل، وجَمَعَ فَعَلا عَلَى أَفْعُلٍ كَمَا قَالُوا أَجْبُلٌ وأَزْمُنٌ وأَرْسُنٌ، وأَما مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ فَذَهَبَ إِلَى أَنه جَمْعُ نَدِيٍّ، وَذَلِكَ أَنهم يَجْتَمِعُونَ فِي مجالِسهم لِقرَى الأَضْياف. وَقَدْ نَدِيَتْ لَيْلتُنا نَدًى، فَهِيَ نَدِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ الأَرض، وأَنْدَاهَا الْمَطَرُ؛ قَالَ:

أَنْدَاهُ يومٌ ماطِرٌ فَطَلَّا «1»

وَالْمَصْدَرُ النُّدُوَّةُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ مِنْ بَابِ الفُتوَّة، فَدَلَّ بِهَذَا عَلَى أَن هَذَا كُلَّهُ عِنْدَهُ يَاءٌ، كَمَا أَن وَاوَ الْفُتُوَّةِ يَاءً. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما قَوْلُهُمْ فِي فُلَانٍ تَكرُّمٌ ونَدًى، فالإِمالة فِيهِ تَدُلُّ عَلَى أَن لَامَ النُّدُوَّة يَاءٌ، وَقَوْلُهُمُ النَّدَاوَة، الْوَاوُ فِيهِ بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ، وأَصله نَدايةٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الإِمالة فِي النَّدَى، وَلَكِنَّ الْوَاوَ قُلِبَتْ يَاءً لِضَرْبٍ مِنَ التَّوَسُّعِ. وَفِي حَدِيثِ عَذَابِ القَبْر:

وجَريدَتَي النَّخْل لَنْ يَزال يُخفِّفُ عَنْهُمَا مَا كَانَ فِيهِمَا نُدُوٌّ

، يُرِيدُ نَداوةً؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَحمد بْنِ حنبل، وهو غريب، إنما يُقَالُ نَدِيَ الشيءُ فَهُوَ نَدٍ، وأَرضٌ نَدِيةٌ وَفِيهَا نَداوةٌ. والنَّدَى عَلَى وُجُوهٍ: نَدَى الماءِ، ونَدَى الخَيرِ، ونَدَى الشَّرِّ، ونَدَى الصَّوْتِ، ونَدَى الحُضْر، ونَدَى الدُّخْنةِ، فأَمَّا نَدَى الْمَاءِ فَمِنْهُ الْمَطَرُ؛ يُقَالُ: أَصابه نَدًى مِنْ طَلٍّ، ويومٌ نَدِيٌّ وَلَيْلَةٌ نَدِيَّةٌ. والنَّدَى: مَا أَصابَك مِنَ البَلَلِ. ونَدَى الخَيْر: هُوَ المعرُوف. وَيُقَالُ: أَنْدَى فُلَانٌ عَلَيْنَا نَدًى كَثِيرًا، وإنَّ يَدَهُ لَنَدِيَّةٌ بِالْمَعْرُوفِ؛ وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ فِي قَوْلِ الْقُطَامِيِّ:

لَوْلا كَتائبُ مِنْ عَمْروٍ يَصُولُ بِهَا،

أُرْدِيتُ يَا خَيْرَ مَنْ يَنْدُو لَهُ النَّادِي

قَالَ: مَعْنَاهُ مَن يحوُل لَهُ شخصٌ أَو يَتَعَرَّض لَهُ شَبَحٌ. تَقول: رَمَيْتُ بِبَصَرِي فَمَا نَدَى لِي شَيْءٌ أَي مَا تحرَّك لِي شَيْءٌ. وَيُقَالُ: مَا نَدِيَني مِنْ فُلَانٍ شَيْءٌ أَكْرَهُه أَي مَا بلَّني وَلَا أَصابني، وَمَا نَدِيَتْ كفِّي لَهُ بشَّرٍ وَمَا نَدِيتُ بِشَيْءٍ تَكْرَهُه؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

مَا إِنْ نَدِيتُ بِشيء أَنْتَ تَكْرَهُه،

إِذًا فَلا رَفَعَتْ صَوْتي إليَّ يَدِي «2»

وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن لَقِيَ اللَّهَ وَلَمْ يَتَنَدَّ مِنَ الدمِ الحَرامِ بِشَيْءٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ

أَي لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يَنَلْه مِنْهُ شَيْءٌ، فكأَنه نالَتْه نَداوةُ الدمِ وبَلَلُه. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: النَّدَى المَطر والبَلَل، وَقِيلَ للنَّبْت نَدًى لأَنه عَنْ نَدَى المطرِ نبَتَ، ثُمَّ قِيلَ للشَّحْم نَدًى لأَنه عَنْ ندَى النَّبْتِ يَكُونُ؛ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَمرو بْنِ أَحمر:

كثَوْر العَداب الفَرْدِ يَضْرِبهُ النَّدَى،

تَعَلَّى النَّدَى فِي مَتْنهِ وتَحَدَّرا

أَراد بالنَّدَى الأَوّل الغَيْث وَالْمَطَرَ، وبالنَّدَى الثَّانِي الشَّحْمَ؛ وشاهِدُ النَّدَى اسْمُ النَّبَاتِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

يَلُسُّ النَّدَى، حَتَّى كأَنَّ سَراتَه.

غَطاها دِهانٌ، أَو دَيابِيجُ تاجِرِ

(1). قوله [فطلا] كذا ضبط في الأَصل بفتح الطاء، وضبط فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحْكَمِ بضمها.

(2)

. رواية الديوان، وهي المعوّلُ عليها:

ما قُلتُ من سيّءٍ ممَّا أُتِيتَ به،

اذاً فلا رفعت سوطي إليَّ يدي

ص: 314

ونَدَى الحُضْر: بَقَاؤُهُ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ أَو غَيْرُهُ:

كَيْفَ تَرَى الكامِلَ يُفْضِي فَرَقاً

إِلَى نَدَى العَقْبِ، وَشَدًّا سَحْقا

ونَدَى الأَرض: نَداوتها وبَلَلُها. وأَرض نَدِيَةٌ، عَلَى فَعِلة بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَلَا تَقُلْ نَدِيَّةٌ، وَشَجَرٌ نَدْيَانُ. والنَّدَى: الكَلأ؛ قال بِشْرٌ:

وتِسْعةُ آلافٍ بحُرِّ بِلادِه

تَسَفُّ النَّدَى مَلْبُونة، وتُضَمَّرُ

وَيُقَالُ: النَّدَى نَدَى النَّهَارِ، والسَّدَى نَدَى اللَّيْلِ؛ يُضربان مَثَلًا لِلْجُودِ ويُسمى بِهِمَا. ونَدِيَ الشَّيْءُ إِذَا ابْتلَّ فَهُوَ نَدٍ، مِثَالُ تَعِبَ فَهُوَ تِعِبٌ. وأَنْدَيْته أَنا ونَدَّيْته أَيضاً تَنْدِيَةً. وَمَا نَدِيَنِي مِنْهُ شَيْءٌ أَي نالَني، وَمَا نَدِيت مِنْهُ شَيْئًا أَي مَا أَصَبْت وَلَا علِمت، وَقِيلَ: مَا أَتَيْت وَلَا قارَبْت. وَلَا يَنْدَاك مِنِّي شَيْءٌ تَكْرَهُهُ أَي مَا يَصِيبك؛ عَنِ ابْنِ كَيْسَانَ. والنَّدَى: السَّخاء وَالْكَرَمُ. وتَنَدَّى عَلَيْهِمْ ونَدِيَ: تَسَخَّى، وأَنْدَى نَدًى كَثِيرًا كَذَلِكَ. وأَنْدَى عَلَيْهِ: أَفضل. وأَنْدَى الرَّجلُ: كَثُرَ نَدَاهُ أَي عَطاؤه، وأَنْدَى إِذَا تَسَخَّى، وأَنْدَى الرجلُ إِذَا كَثُرَ نَداه عَلَى إِخْوَانِهِ، وَكَذَلِكَ انْتَدَى وتَنَدَّى. وَفُلَانٌ يَتَنَدَّى عَلَى أَصحابه: كَمَا تَقُولُ هُوَ يَتَسَخَّى عَلَى أَصحابه، وَلَا تَقُلْ يُنَدِّي عَلَى أَصحابِه. وَفُلَانٌ نَدِي الكَفِّ إِذَا كَانَ سَخِيًّا. ونَدَوتُ مِنَ الجُود. وَيُقَالُ سَنَّ لِلنَّاسِ النَّدَى فنَدَوْا. والنَّدَى: الجُود. وَرَجُلٌ نَدٍ أَي جَوادٌ. وفلانٌ أَنْدَى مِنْ فُلَانٍ إِذَا كَانَ أَكثر خَيْرًا مِنْهُ. ورجلٌ نَدِي الكفِّ إِذَا كان سخيًّا؛ وقال:

يابِسُ الجنْبَيْنِ مِنْ غَيْرِ بُوسٍ،

ونَدِي الكَفَّيْنِ شَهْمٌ مُدِلُ

وَحَكَى كُرَاعٌ: نَدِيُّ الْيَدِ، وأَباه غَيْرُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

بَكْرُ بْنُ وائلٍ نَدٍ

أَي سَخِيٌّ. والنَّدَى: الثَّرى. والمُنْدِيَة: الْكَلِمَةُ يَعْرَق مِنْهَا الجَبين. وَفُلَانٌ لَا يُنْدِي الوَتَرَ، بِإِسْكَانِ النُّونِ، وَلَا يُنَدِّي الْوَتَرَ أَيْ لَا يُحسِنُ شَيْئًا عَجْزاً عَنِ الْعَمَلِ وعِيًّا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: إِذَا كَانَ ضَعِيفَ الْبَدَنِ. والنَّدَى: ضَرْب مِنَ الدُّخَن. وعُود مُنَدًّى ونَدِيٌّ: فُتِقَ بالنَّدى أَو مَاءِ الْوَرْدِ؛ أَنشد يَعْقُوبُ:

إِلَى مَلِكٍ لَهُ كَرَمٌ وخِيرٌ،

يُصَبَّحُ باليلَنْجُوجِ النَّدِيِ

؛ النَّادِي: مُجْتَمعُ القومِ وأَهلُ الْمَجْلِسِ، فَيَقَعُ عَلَى الْمَجْلِسِ وأَهلِه، تَقُولُ: إنَّ بَيْتَهُ وسَطَ الحِلَّة أَو قَرِيبًا مِنْهُ لِيَغْشاه الأَضيافُ والطُّرَّاقُ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعاء:

فَإِنَّ جارَ النَّادِي يَتَحَوَّل

أَي جَارَ الْمَجْلِسِ، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ البَدْوِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

وَاجْعَلْنِي فِي النَّدِيِّ الأَعْلى

؛ النَّدِيُّ، بِالتَّشْدِيدِ: النَّادي أَي اجْعَلْنِي مَعَ المَلإِ الأَعلى مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ:

وَاجْعَلْنِي فِي النِّدَاء الأَعلى

؛ أَراد نِدَاءَ أَهل الجنةِ أَهلَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا مَا وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا. وَفِي حَدِيثِ سَرِيَّة بَنِي سُلَيْم:

مَا كَانُوا ليَقْتُلُوا عامِراً وبَني سُلَيْمٍ وَهُمُ النَّدِيُ

أَي القومُ المُجْتَمِعُون. وَفِي حَدِيثِ

أَبي سَعِيدٍ: كُنَّا أَنْدَاء فَخَرَجَ عَلَيْنَا رسولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم

؛ الأَنْدَاء: جَمْعُ النَّادِي وَهُمُ الْقَوْمُ الْمُجْتَمِعُونَ، وَقِيلَ: أَراد أَنَّا كُنَّا أَهل أَنْداء، فَحَذَفَ الْمُضَافَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَوْ أَن رَجُلًا نَدَى الناسَ إِلَى مَرْماتَيْن أَو عَرْقٍ أَجابوه

أَي دَعاهم إِلَى النَّادِي. يُقَالُ: نَدَوْتُ القومَ أَنْدُوهم إِذَا جَمَعْتَهم فِي النَّادِي، وَبِهِ سُمِّيت دارُ النَّدْوَة بِمَكَّةَ الَّتِي بَناها قُصَيٌّ، سُمِّيت بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهَا. الْجَوْهَرِيُّ: النَّدِيُّ، عَلَى فَعِيل، مَجْلِسُ الْقَوْمِ ومُتَحَدَّثُهم، وَكَذَلِكَ النَّدْوَةُ والنَّادِي والمُنْتَدَى والمُتَنَدَّى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ

؛ قِيلَ: كَانُوا يَحْذفون النَّاسَ فِي مَجالِسِهم فأَعْلَم اللهُ أَن هَذَا مِنَ الْمُنْكَرِ، وأَنه لَا يَنْبَغِي أَن يَتَعاشَرَ الناسُ عَلَيْهِ وَلَا يَجْتَمِعُوا عَلَى الهُزُؤ والتَّلَهِّي، وأَن لَا يَجْتَمعوا إِلَّا فِيمَا قَرَّب مِنَ اللَّهِ وباعَدَ مِنْ سَخَطه؛

وأَنشدوا شِعْرًا زَعَمُوا أَنه سُمع عَلَى عَهْد سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:

وأَهْدَى لَنا أَكْبُشاً

تَبَخْبَخُ فِي المِرْبَدِ

وَرُوحَكَ فِي النَّادِي

ويَعْلَمُ مَا فِي غَدِ «1»

فَقَالَ رسولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: لَا يَعْلَمُ الغَيبَ إلَّا اللهُ.

ونَدَوْتُ أَي حَضَرْتُ النَّدِيَّ، وانْتَدَيْتُ مِثْلَهُ. ونَدَوْتُ الْقَوْمَ: جَمَعْتُهُمْ فِي النَّدِيِّ. وَمَا يَنْدُوهم النَّادِي أَي مَا يَسَعُهم؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبِي خَازِمٍ:

وَمَا يَنْدُوهمُ النَّادي، ولكنْ

بكلِّ مَحَلَّةٍ مِنْهم فِئامُ

أَي مَا يَسَعُهم الْمَجْلِسُ مِنْ كَثْرَتِهِمْ، وَالِاسْمُ النَّدْوَةُ، وَقِيلَ: النَّدْوَةُ الْجَمَاعَةُ، ودارُ النَّدْوَةِ مِنْهُ أَي دارُ الجماعةِ، سُميت مِنَ النَّادي، وَكَانُوا إِذَا حَزَبهم أَمْرٌ نَدَوْا إِلَيْهَا فَاجْتَمَعُوا للتَّشاورِ، قَالَ وأُناديكَ أُشاوِرُك وأُجالِسُك، مِنَ النَّادي. وَفُلَانٌ يُنادي فُلَانًا أَي يُفاخِرُه؛ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ دارُ النَّدْوَة، وَقِيلَ للمفاخَرةُ مُنَادَاة، كَمَا قيل مُنافَرة؛ قَالَ الأَعشى:

فَتىً لَوْ يُنَادِي الشمسَ أَلْقَتْ قِناعَها،

أَو القَمَرَ السَّارِي لأَلْقَى القَلائِدا «2»

أَي لَوْ فاخَر الشَّمْسَ لَذَلَّتْ لَهُ، وقِناعُ الشمسِ حُسْنُها. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ

؛ يُرِيدُ

(1). قوله [وروحك] كذا في الأصل.

(2)

. قوله [القلائدا] كذا في الأصل، والذي في التكملة: المقالدا.

ص: 315

عَشِيرَته، وَإِنَّمَا هُمْ أَهلُ النَّادِي، والنَّادِي مَكَانُهُ وَمَجْلِسُهُ فَسَمَّاهُ بِهِ، كَمَا يُقَالُ تَقَوَّضَ الْمَجْلِسَ. الأَصمعي: إِذَا أَورَدَ الرجُلُ الإِبلَ الْمَاءَ حَتَّى تَشْرَبَ قَلِيلًا ثُمَّ يَجيء بِهَا حَتَّى تَرْعَى سَاعَةً ثُمَّ يَرُدّها إِلَى الماءِ، فَذَلِكَ التَّنْدِيَةُ. وَفِي حَدِيثِ

طَلْحَةَ: خرجتُ بفَرَسٍ لِي أُنَدِّيه

«1» ؛ التَّنْدِيَةُ: أَن يُورِدَ الرجُلُ فرسَه الْمَاءَ حَتَّى يَشْرَبَ، ثُمَّ يَرُدَّه إِلَى المَرْعَى سَاعَةً، ثُمَّ يُعيده إِلَى الْمَاءِ، وَقَدْ نَدَا الفرسُ يَنْدُو إِذَا فَعَل ذَلِكَ؛ وأَنشد شَمِرٌ:

أَكلْنَ حَمْضاً ونَصِيًّا يابِسا،

ثمَّ نَدَوْنَ فأَكلْنَ وارِسا

أَي حَمْضاً مُثْمِراً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وردَّ الْقُتَيْبِيُّ هَذَا عَلَى أَبي عُبيد روايتَه حديثَ طَلحَة لأُنَدِّيَه، وَزَعَمَ أَنه تَصْحيف، وَصَوَابُهُ لأُبَدِّيَه، بِالْبَاءِ أَي لأُخْرِجه إِلَى البَدْوِ، وَزَعَمَ أَن التَّنْدِيَةَ تَكُونُ للإِبل دُونَ الْخَيْلِ، وأَن الإِبل تُنَدَّى لطُول ظَمَئِها، فأَما الْخَيْلُ فإِنها تُسْقَى فِي القَيْظ شَربتين كُلَّ يَوْمٍ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ غَلِط الْقُتَيْبِيُّ فِيمَا قَالَ، وَالصَّوَابُ الأَوّل، والتَّنْدِيَةُ تَكُونُ لِلْخَيْلِ والإِبل، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَهُ الأَصمعي وأَبو عَمْرٍو، وَهُمَا إِمَامَانِ ثِقَتَانِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ:

أَنَّ سَلمَة بْنَ الأَكْوَع قَالَ كُنْتُ أَخْدُمُ طَلْحَةَ وأَنه سأَلني أَن أَمْضِيَ بِفَرَسِهِ إِلَى الرِّعْي وأَسْقِيَه عَلَى مَا ذَكَرَهُ ثُمَّ أُنَدِّيه

، قَالَ: وللتَّنْدِيَةِ مَعْنًى آخَرُ، وَهُوَ تَضْمِيرُ الخيلِ وإجْراؤها حَتَّى تَعْرَقَ ويَذْهَبَ رَهَلُها، وَيُقَالُ للعَرَق الَّذِي يسِيل مِنْهَا النَّدَى، وَمِنْهُ قولُ طُفيل:

نَدَى الْمَاءِ مِنْ أَعْطافِها المُتَحَلِّب

قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ عَريفاً مِنْ عُرفاء القَرامِطة يَقُولُ لأَصحابه وَقَدْ نُدِبُوا فِي سَرِيَّةٍ اسْتُنْهِضَتْ أَلا ونَدُّوا خيلَكم؛ الْمَعْنَى ضَمِّرُوها وشُدُّوا عَلَيْهَا السُّرُوج وأَجْرُوها حَتَّى تَعرَق. واخْتصَم حَيّانِ مِن الْعَرَبِ فِي مَوْضِعٍ فَقَالَ أَحدهما: مَرْكَزُ رِماحِنا ومَخْرَجُ نِسائنا ومَسْرَحُ بَهْمِنا ومُنَدَّى خَيْلنا أَي مَوْضِعُ تَنْدِيتها، وَالِاسْمُ النَّدْوَة. ونَدَت الإِبلُ إِذَا رَعَتْ فِيمَا بَيْنَ النَّهَلِ والعَلَل تَنْدُو نَدْواً، فَهِيَ نَادِيَةٌ، وتَنَدَّت مِثْلَهُ، وأَنْدَيْتها أَنَا ونَدَّيْتُها تَنْدِيَةً. والنُّدْوَةُ، بِالضَّمِّ: مَوْضِعُ شُرْبِ الإِبل؛ وأَنشد لهِمْيان:

وقَرَّبُوا كلَّ جُمالِيٍّ عَضِهْ،

قرِيبةٍ نُدْوَتُه مِنْ مَحمَضِه،

بَعِيدةٍ سُرَّتُه مِنْ مَغْرِضِهْ

يَقُولُ: موْضِع شَرِبَهُ قَرِيبٌ لَا يُتعب فِي طلَب الْمَاءِ. وَرَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ: نَدْوَتُه مِنْ مُحْمَضِهْ، بِفَتْحِ نُونِ النَّدوة وَضَمِّ مِيمِ المُحمض. ابْنُ سِيدَهْ: ونَدَتِ الإِبلُ نَدْواً خَرَجَتْ مِنَ الحَمْض إِلَى الخُلَّةِ ونَدَّيْتُها، وَقِيلَ: التَّنْدِيَة أَن تُوردها فتَشْرب قَلِيلًا ثُمَّ تَجيء بِهَا تَرْعَى ثُمَّ تَردّها إِلَى الْمَاءِ، والمَوضعُ مُنَدًّى؛ قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَة:

تُرادَى عَلَى دِمْنِ الحِياضِ، فإنْ تَعَفْ،

فإنَّ المُنَدَّى رِحْلةٌ فَرُكُوب «2»

وَيُرْوَى: وَرَكُوب؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فِي تُرادَى ضَمِيرُ نَاقَةٍ تقدَّم ذِكْرُهَا فِي بَيْتٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ:

إليكَ، أَبَيْتَ اللَّعْنَ أَعْمَلْتُ نَاقَتِي،

لِكَلْكَلِها والقُصْرَيَيْنِ وجيبُ

(1). قوله [أُنَدِّيه] تَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ الأثير، ورواية الأزهري: لأَندّيه.

(2)

. قوله [فركوب] هذه رواية ابن سيدة، ورواية الجوهري بالواو مع ضم الراء أَيضاً.

ص: 318

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَن رِحلة ورَكُوب هَضْبَتَانِ، وَقَدْ تَكُونُ التَّنْدِيَة فِي الْخَيْلِ. التَّهْذِيبُ: النَّدْوَةُ السَّخاءُ، والنّدْوَةُ المُشاورة، والنَّدْوَةُ الأَكْلة بَيْنَ السَّقْيَتَينِ، والنَّدَى الأَكلة بَيْنَ الشَّرْبتين. أَبو عَمْرٍو: المُنْدِيَاتُ المُخْزِياتُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَوسْ بْنِ حَجَر:

طُلْس الغِشاء، إِذَا مَا جَنَّ لَيْلُهُمُ

بالمُنْدِيَاتِ، إِلَى جاراتِهم، دُلُف

قَالَ: وَقَالَ الرَّاعِي:

وإنَّ أَبا ثَوْبانَ يَزْجُرُ قَوْمَهُ

عَنِ المُنْدِيَاتِ، وهْوَ أَحْمَقُ فاجِرُ

وَيُقَالُ: إِنَّهُ ليَأْتِيني نَوَادِي كَلَامِكَ أَي مَا يَخْرُجُ مِنْكَ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ؛ قَالَ طَرَفَةُ:

وبَرْكٍ هُجُودٍ قَدْ أَثارت مَخافَتي

نَوَادِيَهُ، أَمْشِي بعَضْبٍ مُجَرَّدِ»

قَالَ أَبو عَمْرٍو: النَّوَادِي النَّواحي؛ أَراد أَثارَتْ مخافَتي إِبِلًا فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الإِبل مُتَفَرِّقةً، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ نَوادِيَه رَاجِعَةٌ عَلَى البَرْكِ. ونَدا فُلَانٌ يَنْدُو نُدُوًّا إِذَا اعْتزلَ وتَنحَّى، وَقَالَ: أَراد بنَوَادِيَه قَواصِيَه. التَّهْذِيبُ: وَفِي النَّوَادِرِ يُقَالُ مَا نَدِيتُ هَذَا الأَمْرَ وَلَا طَنَّفْته أَي مَا قَرِبْتُه أَنْدَاه وَيُقَالُ: لَمْ يَنْدَ مِنْهُمْ نادٍ أَي لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحد. ونَدْوَةُ: فَرَسٌ لأَبي قَيْد بن حَرْمَل «4»

نرا: التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي النَّرْوَةُ حَجَر أَبْيضُ رقِيق، وربما ذُكِّي به.

نزا: النَّزْو: الوَثَبانُ، وَمِنْهُ نَزْو التَّيس، وَلَا يُقَالُ إلَّا لِلشَّاءِ والدَّوابِّ وَالْبَقَرِ فِي مَعْنَى السِّفاد. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الأَنْزَاء حَرَكَاتُ التُّيوس عِنْدَ السِّفاد. وَيُقَالُ لِلْفَحْلِ: إِنَّهُ لِكَثِيرُ النَّزَاءِ أَي النَّزْو. قَالَ: وَحَكَى الْكِسَائِيُّ النِّزَاء، بِالْكَسْرِ، والهُذاء مِنَ الهَذَيان، بِضَمِّ الْهَاءِ ونَزَا الذَّكَرُ عَلَى الأُنثى نِزَاء، بِالْكَسْرِ، يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْحَافِرِ والظِّلف والسِّباع، وأَنْزَاه غَيْرُهُ ونَزَّاه تَنْزِيَةً. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وَجْهَهُ: أُمِرنا أَن لَا نُنْزِيَ الحُمُر عَلَى الخَيْلِ

أَي نَحْمِلَها عَلَيْهَا للنَّسل. يُقَالُ: نَزَوْتُ عَلَى الشَّيْءِ أَنْزُو نَزْواً إِذَا وَثَبْت عَلَيْهِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ يَكُونُ فِي الأَجسام وَالْمَعَانِي، قَالَ الْخَطَابِيُّ: يُشْبِهُ أَن يَكُونَ المَعنى فِيهِ، وَاللَّهُ أَعلم، أَنَّ الحُمر إِذَا حُمِلت عَلَى الْخَيْلِ قَلَّ عدَدُها وانْقَطع نَماؤها وتعَطَّلَتْ مَنافِعها، وَالْخَيْلُ يُحتاج إِلَيْهَا لِلرُّكُوبِ وللرَّكْض وللطَّلَب وللجِهاد وإحْراز الغَنائم، ولحْمُها مأْكول وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَلَيْسَ لِلْبَغْلِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ، فأَحَبَّ أَن يَكثر نَسْلُها ليَكْثر الِانْتِفَاعُ بِهَا. ابْنُ سِيدَهْ: النُّزَاء الوَثْب، وَقِيلَ: هُوَ النَّزَوانُ فِي الوَثْب، وخصَّ بعضُهم بِهِ الوَثْب إِلَى فَوْقُ، نَزَا يَنْزُو نَزْواً ونُزَاء ونُزُوّاً ونَزَواناً؛ وَفِي الْمَثَلِ:

نَزْوُ الفُرارِ استَجْهَلَ الفُرارا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ النَّزَوَان قَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: قَدْ حِيلَ بيْنَ العَيْرِ والنَّزَوَان؛ قَالَ: وأَول مَن قَالَهُ صَخْرُ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِي أَخو الخنْساء:

أَهُمُّ بأَمْرِ الحَزْمِ لوْ أَسْتَطِيعُه،

وَقَدْ حِيلَ بيْنَ العَيْرِ والنَّزَوَانِ

وتَنَزَّى ونَزا؛ قَالَ:

أَنا شَماطِيطُ الَّذِي حُدِّثْتَ بهْ،

مَتى أُنَبَّهْ للغَداءِ أَنْتَبِهْ

(3). رواية الديوان: بواديَها أي أوائلها، بدل نواديَه، ولعلها نواديَها لأَن الضمير يعود إلى البرك جماعة الإبل وهي جمع بارك. (4). قوله [قيد بن حرمل] لم نره بالقاف في غير الأصل.

ص: 319

ثُمَّ أُنَزِّ حَوْلَه وأَحْتَبِهْ،

حَتَّى يُقالُ سَيِّدٌ، ولَسْتُ بِهْ

الْهَاءُ فِي أَحْتَبِهْ زَائِدَةٌ لِلْوَقْفِ، وَإِنَّمَا زَادَهَا لِلْوَصْلِ لَا فَائِدَةَ لَهَا أَكثر مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ بِضَمِيرٍ لأَن أَحْتَبي غَيْرُ مُتَعَدٍّ، وأَنْزَاه ونَزَّاه تَنْزِيَةً وتَنْزِيًّا؛ قَالَ:

باتَتْ تُنَزِّي دَلْوَها تَنْزِيّا،

كَمَا تُنَزِّي شَهْلةٌ صَبِيّا

النُّزَاء: دَاءٌ يأْخذ الشَّاءَ فتَنْزُو مِنْهُ حَتَّى تَمُوت. ونَزَا بِهِ قلبُه: طمَح. وَيُقَالُ: وَقَعَ فِي الْغَنَمِ نُزَاء، بِالضَّمِّ، ونُقازٌ وَهُمَا مَعًا دَاءٌ يأْخذها فتَنْزُو مِنْهُ وتَنْقُزُ حَتَّى تَمُوتَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عَلِيٍّ النُّزَاء فِي الدَّابَّةِ مِثْلَ القُماص، فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَن نُزَاء الدَّابَّةِ هُوَ قُماصُها؛ وَقَالَ أَبو كَبِيرٍ:

يَنْزُو لوَقْعَتها طُمورَ الأَخْيَل

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن النَّزْوَ الوُثوب؛ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِ بَيْتِ ذِي الرُّمَّةِ:

مُعْرَوْريِاً رَمَضَ الرَّضْراضِ يَرْكضُه

يُرِيدُ أَنه قَدْ رَكِبَ جَوادُه الْحَصَى فَهُوَ يَنْزُو مِنْ شدَّة الْحَرِّ أَي يَقْفِز. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن رَجُلًا أَصابَته جِراحة فنُزِيَ مِنْهَا حَتَّى مَاتَ.

يُقَالُ: نُزِيَ دمُه ونُزِف إِذَا جَرى وَلَمْ يَنْقَطِع. وَفِي حَدِيثِ

أَبي عَامِرٍ الأَشعري: أَنه كَانَ فِي وَقْعةِ هَوازِنَ رُمِي بسَهْم فِي رُكْبته فنُزِيَ مِنْهُ فماتَ.

وَفِي حَدِيثِ السَّقِيفة:

فنَزَوْنا عَلَى سَعْدٍ

أَي وقَعُوا عَلَيْهِ ووَطِئُوه. والنَّزَوَانُ: التَّفَلُّتُ والسَّوْرةُ. وَإِنَّهُ لَنَزِيٌّ إِلَى الشرِّ ونَزَّاء ومُتَنَزٍّ أَي سَوَّار إِلَيْهِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: إِذَا نَزَا بِكَ الشَّرُّ فاقْعُد؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلَّذِي يَحْرِصُ عَلَى أَن لَا يَسْأَم الشَّرَّ حَتَّى يَسْأَمَه صاحبُه. والنَّازِيَةُ: الحِدَّةُ والنادِرةُ «1» اللَّيْثُ: النَّازِيَةُ حِدَّة الرَّجُلِ المُتَنَزِّي إِلَى الشَّرِّ، وَهِيَ النَّوَازِي. وَيُقَالُ: إِنَّ قَلْبَهُ ليَنْزُو إِلَى كَذَا أَيْ يَنْزِعُ إِلَى كَذَا. والتَّنَزِّي: التوثُّب والتسرُّع؛ وَقَالَ نُصَيب، وَقِيلَ هُوَ لِبَشَّارٍ:

أَقولُ، ولَيْلَتي تَزْدادُ طُولًا:

أَما للَّيْلِ بَعْدَهُمُ نَهارُ؟

جَفَتْ عَيْني عَنِ التَّغْمِيضِ حَتَّى

كأَنَّ جُفونَها، عَنْهَا، قِصارُ

كأَنَّ فُؤادَه كُرةٌ تَنَزَّى

حِذارَ البَيْنِ، لَوْ نَفَعَ الحِذارُ

وَفِي حَدِيثِ

وَائِلِ بْنِ حُجْر: إنَّ هَذَا انْتَزَى عَلَى أَرضي فأَخَذها

؛ هو افْتَعَلَ مِنَ النَّزْوِ. والانْتِزَاءُ والتَّنَزِّي أَيضاً: تسَرُّع الإِنسان إِلَى الشَّرِّ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:

انْتَزَى عَلَى القَضاء فَقَضَى بِغَيْرِ عِلْمٍ.

ونَزَتِ الخَمر تَنْزُو: مُزِجَتْ فوَثَبَتْ. ونَوَازِي الخَمر: جَنادِعُها عِنْدَ المَزْجِ وَفِي الرأْس. ونَزا الطعامُ يَنْزُو نَزْواً: عَلَا سِعْرُه وَارْتَفَعَ. والنُّزَاء والنِّزَاء: السِّفاد، يُقَالُ ذَلِكَ فِي الظِّلْف والحافِرِ والسَّبُعِ، وعمَّ بَعْضُهُمْ بِهِ جَمِيعَ الدَّوَابِّ، وَقَدْ نَزَا يَنْزُو نُزَاء وأَنْزَيْتُه. وقَصْعة نَازِيَةُ القَعْر أَي قَعِيرةٌ، ونَزِيَّةٌ إِذَا لَمْ يُذكر القَعْرُ وَلَمْ يُسمَّ قَعْرُها أَي قَعِيرة. وَفِي الصِّحَاحِ: النَّازِيَة قَصْعَةٌ قَريبة القَعْر. ونُزِيَ الرَّجُلُ: كُنزِفَ وأَصابه جُرح فنُزِيَ مِنْهُ فَمَاتَ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ للسِّقاء الَّذِي لَيْسَ بضَخْم أَدِيٌّ، فَإِذَا كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ نَزِيء، مَهْمُوزٌ.

(1). قوله [والنادرة] كذا في الأصل بالنون، والذي في متن شرح القاموس: والباردة، بالباء وتقديم الدال، وفي القاموس المطبوع: والبادرة بتقديم الراء.

ص: 320

وَقَالَ: النَّزِيَّةُ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، مَا فاجأَكَ مِنْ مَطَرٍ أَو شَوق أَو أَمر؛ وأَنشد:

وَفِي العارِضِينَ المُصْعِدينَ نَزِيَّةٌ

مِنَ الشَّوقِ، مَجْنُوبٌ بِهِ القَلْبُ أَجْمعُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ أَبو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْخَيْلِ فِي بَابِ نُعُوتِ الْجَرْيِ والعَدْو مِنَ الْخَيْلِ: فَإِذَا نَزا نَزْواً يقاربُ العَدْو فَذَلِكَ التوقُّص، فَهَذَا شَاهِدٌ عَلَى أَن النُّزاء ضَرْبٌ مِنَ العَدْو مِثْلَ التوقُّص والقُماص وَنَحْوِهِ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ حَمْزَةَ فِي كِتَابٍ أَفعلَ مِنْ كَذَا: فأَما قَوْلُهُمْ أَنْزَى مِنْ ظَبْيٍ فَمِنَ النَّزَوان لَا مِنَ النَّزْو، فَهَذَا قَدْ جَعَلَ النَّزَوَانَ والقُماصَ والوَثْبَ، وَجَعَلَ النَّزْو نَزْوَ الذَّكَرِ عَلَى الأُنثى، قَالَ: وَيُقَالُ نَزَّى دَلْوَهُ تَنْزِيَةً وتَنْزِيًّا؛ وأَنشد:

باتَت تُنَزِّي دَلْوها تَنْزِيّا «1»

نسا: النِّسْوةُ والنُّسْوة، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، والنِّساء والنِّسْوانُ والنُّسْوان: جَمْعُ المرأَة مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، كَمَا يُقَالُ خلِفةٌ ومَخاضٌ وَذَلِكَ وأُولئك والنِّسُونَ «2» قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والنِّسَاء جَمْعُ نِسْوَة إِذَا كَثُرْنَ، وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي الإِضافة إِلَى نِسَاء نِسْوِيّ، فردَّه إِلَى وَاحِدِهِ، وَتَصْغِيرُ نِسْوَةٍ نُسَيَّةٌ، وَيُقَالُ نُسَيَّاتٌ، وَهُوَ تَصْغِيرُ الْجَمْعِ. والنَّسا: عَرِقٌ مِنَ الْوِرْكِ إِلَى الْكَعْبِ، أَلفه مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ لِقَوْلِهِمْ نَسَوانِ فِي تَثْنِيَتِهِ، وَقَدْ ذُكِرَتْ أَيضاً مُنْقَلِبَةً عَنِ الْيَاءِ لِقَوْلِهِمْ نَسَيانِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

ذِي مَحْزِمٍ نَهْدٍ وطَرْفٍ شاخِصِ،

وعَصَبٍ عَنْ نَسَوَيْه قالِصِ

الأَصمعي: النَّسَا، بِالْفَتْحِ مَقْصُورٌ بِوَزْنِ العَصا، عِرْق يَخْرُجُ مِنَ الوَرِك فيَسْتَبْطِنُ الْفَخْذَيْنِ ثُمَّ يَمُرُّ بالعُرْقوب حَتَّى يَبْلُغَ الْحَافِرَ، فَإِذَا سَمِنَتِ الدَّابَّةُ انفَلَقت فَخْذَاهَا بلَحْمَتَين عَظِيمَتَيْنِ وجَرى النَّسا بَيْنَهُمَا وَاسْتَبَانَ، وَإِذَا هُزِلَت الدَّابَّةُ اضطرَبَت الْفَخْذَانِ وماجَت الرَّبَلَتان وخَفِي النَّسا، وَإِنَّمَا يُقَالُ مُنْشَقُّ النَّسا، يُرِيدُ مَوْضِعَ النَّسا. وَفِي حَدِيثِ

سَعْدٍ: رَمَيْتُ سُهَيْلَ بْنَ عَمرو يَوْمَ بَدْر فقَطَعْتُ نَسَاه

، والأَفصح أَن يُقَالَ لَهُ النَّسا، لَا عِرْقُ النَّسا. ابْنُ سِيدَهْ: وَالنَّسَا مِنَ الوَرِك إِلَى الْكَعْبِ، وَلَا يُقَالُ عِرْقُ النَّسا، وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ ثَعْلَبٌ فأَضافه، وَالْجَمْعُ أَنْسَاء؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

مُتَفَلِّقٌ أَنْسَاؤها عَنْ قانِئٍ

كالقُرْطِ صاوٍ، غُبْرُه لَا يُرْضَعُ

وَإِنَّمَا قَالَ مُتفلق أَنساؤها، والنَّسَا لَا يَتفلَّقُ إِنَّمَا يتفلَّقُ مَوْضِعُهُ، أَراد يَتَفَلَّقُ فَخِذاها عَنْ مَوْضِعِ النَّسا، لَمَّا سَمِنت تفَرَّجت اللَّحْمَةُ فَظَهَرَ النَّسا، صاوٍ: يَابِسٍ، يَعْنِي الضَّرع كالقُرْط، شَبَّهَهُ بقُرط المرأَة وَلَمْ يُرد أَنَّ ثَمَّ بَقِيَّةَ لَبَنٍ لَا يُرْضَع، إِنَّمَا أَراد أَنه لَا غُبْرَ هُنَالِكَ فيُهْتَدى بِهِ «3»؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُهُ عَنْ قَانِئٍ أَي عَنْ ضَرْع أَحمر كالقُرْط، يَعْنِي فِي صِغَره، وَقَوْلُهُ: غُبْره لَا يُرْضَع أَي لَيْسَ لَهَا غُبْر فيُرضَع؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:

عَلَى لاحِبٍ لَا يُهْتَدى لِمَنارِه

أَي لَيْسَ ثَمَّ مَنار فيُهْتَدَى بِهِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً؛ أَي لَا سُؤالَ لَهُمْ فَيَكُونُ مِنْهُ الإِلحافُ؛ وَإِذَا قَالُوا إِنَّهُ لشَديد النَّسَا فَإِنَّمَا يُراد بِهِ النَّسا نَفْسُه. ونَسَيْتُه أَنْسِيه نَسْياً فَهُوَ مَنْسِيٌّ: ضَرَبْت نَساه. ونَسِيَ الرجلُ يَنْسَى

(1). وعجز البيت:

كَمَا تنزِّي شهلةٌ صَبيًّا

(2)

. قوله [والنِّسُون] كذا ضبط في الأصل والمحكم أَيضاً، وضبط في النسخة التي بأيدينا من القاموس بكسر فسكون ففتح.

(3)

. قوله [لا غُبر هنالك إلخ] كذا بالأصل، والمناسب فيرضَع بدل فيهتدى به

ص: 321

نَساً إِذَا اشْتَكَى نَساه، فَهُوَ نَسٍ عَلَى فَعِل إِذَا اشْتَكَى نَساه، وَفِي الْمُحْكَمِ: فَهُوَ أَنْسى، والأُنثي نَسْآء، وَفِي التَّهْذِيبِ نَسْيَاء، إِذَا اشْتَكَيا عِرْق النَّسا، وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ عِرْقُ النَّسا، وَقَالَ الأَصمعي: لَا يُقال عِرق النَّسا، وَالْعَرَبُ لَا تَقُولُ عِرْق النَّسَا كَمَا لَا يَقُولُونَ عِرْقُ الأَكْحَل، وَلَا عِرْق الأَبْجَل، إِنَّمَا هُوَ النَّسا والأَكْحَلُ والأَبْجَل، وأَنشد بَيْتَيْنِ لِامْرِئِ الْقَيْسِ، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: هُوَ عِرْقُ النَّسَا، وَحَكَى أَبو الْعَبَّاسِ فِي الْفَصِيحِ: أَبو عُبَيْدٍ يُقَالُ لِلَّذِي يَشْتَكِي نَساه نَسٍ، وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ النَّسا لِهَذَا الْعِرْقِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

مِنْ نَسا النَّاشِط، إذْ ثَوَّرْتَه،

أَو رَئِيس الأَخْدَرِيّاتِ الأُوَلْ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ؛ قَالُوا: حرَّم إِسْرَائِيلُ لُحُومَ الإِبل لأَنه كَانَ بِهِ عِرْق النَّسا، فَإِذَا ثَبَتَ أَنه مَسْمُوعٌ فَلَا وَجْهَ لإِنكار قَوْلِهِمْ عِرْق النَّسَا، قَالَ: وَيَكُونُ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمُسَمَّى إِلَى اسْمِهِ كحَبْل الوَرِيد ونَحوِه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتُ:

إلَيْكم، ذَوي آلِ النَّبيِّ، تَطَلَّعَتْ

نَوازعُ، مِنْ قَلْبي، ظِماءٌ وأَلْبُبُ

أَي إِلَيْكُمْ يَا أَصحاب هَذَا الِاسْمِ، قَالَ: وَقَدْ يُضَافُ الشَّيْءُ إِلَى نَفْسِهِ إذا اختلَف اللَّفْظَانِ كحَبْل الوَريد وحَبِّ الحَصيد وثابِتِ قُطْنةَ وسعيدِ كُرْزٍ، وَمِثْلُهُ: فقلتُ انْجُوَا عَنْهَا نَجَا الجِلْدِ؛ والنَّجا: هُوَ الْجِلْدُ الْمَسْلُوخُ؛ وَقَوْلُ الْآخَرِ:

تُفاوِضُ مَنْ أَطوي طَوَى الكَشْحِ دُونَهُ

وَقَالَ فَرْوة بْنُ مُسَيْك:

لَمَّا رَأَيْتُ مُلُوكَ كِنْدةَ أَعْرَضَتْ

كالرِّجْلِ، خانَ الرِجْلَ عِرْقُ نَسائها

قَالَ: وَمِمَّا يُقَوِّي قولَهم عِرْق النَّساء قَوْلُ هِمْيانَ:

كأَنَّما يَيْجَع عِرْقا أَبْيَضِه

والأَبْيَضُ: هُوَ العِرْقُ. والنِّسْيَان، بِكَسْرِ النُّونِ: ضِدُّ الذِّكر والحِفظ، نَسِيَه نِسْياً ونِسْياناً ونِسْوةً ونِسَاوَةً ونَسَاوَة؛ الأَخيرتان عَلَى الْمُعَاقَبَةِ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ اللُّغَاتِ قَالَ: نَسِيت الشيءَ نِسْيَاناً ونَسْياً ونِسْياً ونِسَاوَةً ونِسْوَةً؛ وأَنشد:

فلَسْت بصَرَّامٍ وَلَا ذِي مَلالةٍ،

وَلَا نِسْوَةٍ للعَهْدِ، يَا أُمَّ جَعْفَرِ

وتَنَاسَاه وأَنْسَاه إِياه. وَقَوْلُهُ عز وجل: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ

؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا يَنْسَى اللَّهِ عز وجل، إِنَّمَا مَعْنَاهُ تَرَكُوا اللَّهَ فَتَرَكَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ النِّسْيان ضَرْبًا مِنَ التَّرْكِ وضعَه مَوْضِعَهُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: أَي تَرَكُوا أَمرَ اللَّهِ فَتَرَكَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى

؛ أَي ترَكْتَها فَكَذَلِكَ تُتْرَكُ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ نَسْيانُ، بِفَتْحِ النُّونِ: كَثِيرُ النِّسْيانِ لِلشَّيْءِ. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ

؛ مَعْنَاهُ أَيضاً تَرَكَ لأَن النَّاسِي لَا يُؤاخَذُ بِنِسْيانِه، والأَول أَقيس «1». والنِّسْيَانُ: التَّرْكُ. وَقَوْلُهُ عز وجل: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها

؛ أَي نأْمُركم بِتَرْكِهَا. يُقَالُ: أَنْسَيْته أَي أَمَرْت بِتَرْكِهِ. ونَسِيتُه: تَرَكْتُه. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: عَامَّةُ الْقُرَّاءِ يَجْعَلُونَ قَوْلَهُ أَو نَنْساها مِنَ النِّسيان، والنِّسْيانُ هَاهُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما عَلَى

(1). قوله [والأَول أقيس] كذا بالأَصل هنا، ولا أول ولا ثان، وهو في عبارة المحكم بعد قوله الذي سيأتي بعد قليل، وَالنِّسْيُ وَالنَّسْيُ الْأَخِيرَةُ عَنْ كراع، فالأول الذي هو النسي بالكسر.

ص: 322

التَّرْكِ نَتْرُكها فَلَا نَنْسَخها كَمَا قَالَ عز وجل: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ

؛ يُرِيدُ تَرَكُوهُ فَتَرَكَهُمْ، وَقَالَ تَعَالَى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ

؛ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مِنَ النِّسْيَان الَّذِي يُنْسَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ

؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قُرِئَ أَوْ نُنْسِها

، وَقُرِئَ:

نُنَسِّها

، وَقُرِئَ:

نَنْسَأْها

، قَالَ: وَقَوْلُ أَهل اللُّغَةِ فِي قَوْلِهِ أَوْ نُنْسِها

قَوْلَانِ: قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ نُنْسِها

مِنَ النِّسْيان، وَقَالَ دَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ

؛ فَقَدْ أَعلمَ اللَّهُ أَنه يَشَاءُ أَن يَنسَى، قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: هَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي غَيْرُ جَائِزٍ لأَن اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَنبأ النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، فِي قَوْلِهِ: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا؛ أَنه لَا يَشَاءُ أَن يَذْهَب بِمَا أَوحَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَقَوْلُهُ فَلا تَنْسى

، أَي فلستَ تَتْرُك إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَن تَترك، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ مِمَّا يَلْحَقُ بِالْبَشَرِيَّةِ ثُمَّ تَذَكَّرُ بعدُ ليسَ أَنه عَلَى طَرِيقِ السَّلْب لِلنَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، شَيْئًا أُوتِيَه مِنَ الْحِكْمَةِ، قَالَ: وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ أَوْ نُنْسِها

قَوْلٌ آخَرُ، وَهُوَ خطأٌ أَيضاً، أَو نَتْرُكها، وَهَذَا إِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ نَسِيت إِذَا ترَكت، لَا يُقَالُ أُنْسِيت تَرَكْتُ، قَالَ: وَإِنَّمَا مَعْنَى أَوْ نُنْسِها

أَو نُتْرِكْها أَي نأْمُرْكُم بِتَرْكِهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا مَا رَوى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه أَنشده:

إنَّ عليَّ عُقْبةً أَقضِيها،

لَسْتُ بنَاسِيها وَلَا مُنْسِيها

قَالَ: بناسِيها بتارِكها، وَلَا مُنْسِيها وَلَا مؤخِّرها، فَوَافَقَ قولُ ابْنِ الأَعرابي قولَه فِي النَّاسِي إِنَّهُ التَّارِكُ لَا المُنْسِي، وَاخْتَلَفَا فِي المُنْسِي، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وكأَنَّ ابْنَ الأَعرابي ذَهَبَ فِي قَوْلِهِ وَلَا مُنسِيها إِلَى تَرك الْهَمْزِ مِنْ أَنسأْتُ الدَّين إِذَا أَخَّرته، عَلَى لُغَةِ مَنْ يُخفف الْهَمْزَ. والنَّسْوَةُ: التَّرْك لِلْعَمَلِ. وَقَوْلُهُ عز وجل: نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ

؛ قَالَ: إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنساهم أَن يَعْمَلُوا لأَنفسهم. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: تَنْسَوْنَ

هَاهُنَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: جَائِزٌ أَن يَكُونَ تَنْسَوْنَ

تَتْرُكُونَ، وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ الْمَعْنَى أَنكم فِي تَرْكِكُمْ دُعاءهم بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدْ نَسِيَهم؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا

؛ أَي نَتْرُكُهُمْ مِنَ الرَّحْمَةِ فِي عَذَابِهِمْ كَمَا تَرَكُوا الْعَمَلَ لِلِقَاءِ يَوْمِهِمْ هَذَا؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ*

؛ يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ ترَكوا، وَيَجُوزُ أَن يَكُونُوا فِي تَرْكِهِمُ الْقَبُولَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَسِيَ. اللَّيْثُ: نَسِيَ فلانٌ شَيْئًا كَانَ يَذْكُرُهُ، وَإِنَّهُ لَنَسِيٌّ كَثِيرُ النِّسيان. والنِّسْيُ: الشَّيْءُ المَنْسِيُّ الَّذِي لَا يَذْكُرُ. والنِّسْيُ والنَّسْيُ؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ، وَآدَمُ قَدْ أُوخِذَ بِنسْيانِه فهَبَط مِنَ الْجَنَّةِ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:

لَوْ وُزِنَ حِلْمُهم وحَزْمُهم مُذْ كَانَ آدمُ إِلَى أَن تَقُومَ الساعةُ مَا وَفَى بحِلْمِ آدَمَ وحَزْمِه.

وَقَالَ اللَّهُ فِيهِ: فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً

. النِّسْيُ: المَنْسِيُّ. وَقَوْلُهُ عز وجل حِكَايَةً عَنِ مَرْيَمَ:

وكنتُ نِسْياً مَنْسِيّاً

؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: النِّسْيُ خِرَقُ الحَيْض الَّتِي يُرمَى بِهَا فتُنْسَى، وَقُرِئَ: نِسْياً ونَسِيا*

، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، فَمَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ فَمَعْنَاهُ حَيْضة مُلْقَاةً، وَمَنْ قَرأَ نَسْياً فَمَعْنَاهُ شَيْئًا مَنسِيّاً لَا أُعْرَفُ؛ قَالَ دُكَيْنٌ الفُقَيْمِي:

بالدَّارِ وَحْيٌ كاللَّقَى المُطَرَّسِ،

كالنَّسْيِ مُلْقًى بالجَهادِ البَسْبَسِ

والجَهاد، بِالْفَتْحِ: الأَرض الصُّلبةُ. والنِّسْيُ أَيضاً: مَا نُسي وَمَا سَقَط فِي مَنَازِلِ الْمُرْتَحِلِينَ مِنْ

ص: 323

رُذال أَمْتعتهم. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها: ودَدْتُ أَنِّي كنتُ نِسْياً مَنْسِيّاً

أَي شَيْئًا حقِيراً مُطَّرَحاً لَا يُلْتَفَت إِليه. وَيُقَالُ لخِرقة الحائضِ: نِسْيٌ، وَجَمْعُهُ أَنْسَاء. تَقُولُ الْعَرَبُ إِذَا ارْتَحَلُوا مِنَ الْمَنْزِلِ: انْظُرُوا أَنْسَاءَكم، تُرِيدُ الأَشياء الحَقيرة الَّتِي لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ بِبَالٍ مِثْلَ العَصا والقَدَح والشِّظاظ أَي اعْتَبِرُوها لِئَلَّا تَنْسَوْها فِي الْمَنْزِلِ، وَقَالَ الأَخفش: النِّسْيُ مَا أُغفل مِنْ شَيْءٍ حَقِيرٍ ونُسِيَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: النِّسْي فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الشَّيْءُ المَطْرُوح لَا يُؤْبَهُ لَهُ؛ وَقَالَ الشَّنْفَرَى:

كأَنَّ لَهَا فِي الأَرضِ نِسْياً تَقُصُّه

عَلَى أَمِّها، وإِنْ تُخاطِبْكَ تَبْلَتِ [تَبْلِتِ]

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: بَلَتَ، بِالْفَتْحِ، إِذا قَطَعَ، وبَلِتَ، بِالْكَسْرِ، إِذا سَكَنَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: النِّسْي والنَّسْيُ لُغَتَانِ فِيمَا تُلقِيه المرأَة مِنْ خِرَق اعْتِلالها مِثْلَ وِتْرٍ وَوَتْرٍ، قَالَ: وَلَوْ أَردت بالنِّسْي مَصْدَرَ النِّسْيان كَانَ صَوَابًا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ نَسِيته نِسْياناً ونِسْياً، وَلَا تَقُلْ نَسَياناً، بِالتَّحْرِيكِ، لأَن النَّسَيان إِنما هُوَ تَثْنِيَةُ نَسَا العِرْقِ. وأَنْسَانِيه اللهُ ونَسَّانِيه تَنْسِيَةً بِمَعْنًى. وتَنَاسَاه: أَرَى مِنْ نَفْسِهِ أَنه نَسِيَه؛ وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

ومِثْلِكِ بَيْضاءِ العَوارِضِ طَفْلةٍ

لَعُوبٍ تَنَاسَانِي، إِذا قُمْتُ، سِرْبالي «2»

أَي تُنْسِيني؛ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ. والنَّسِيُّ: الْكَثِيرُ النِّسْيان، يَكُونُ فَعِيلًا وفَعُولًا وفَعِيلٌ أَكثر لأَنه لَوْ كَانَ فَعولًا لَقِيلَ نَسُوّ أَيضاً. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: رَجُلٌ ناسٍ ونَسِيٌّ كَقَوْلِكَ حاكِمٌ وحَكِيمٌ وعالِم وعَليم وَشَاهِدٌ وَشَهِيدٌ وَسَامِعٌ وَسَمِيعٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا

؛ أَي لَا يَنْسَى شَيْئًا، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعلم، مَا نَسِيَكَ ربُّكَ يَا مُحَمَّدُ وإِن تأَخَّر عَنْكَ الوَحْي؛ يُرْوَى

أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، أَبطأَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ، عليه السلام، بالوَحْي فَقَالَ وَقَدْ أَتاه جِبْرِيلُ: مَا زُرْتَنا حَتَّى اشتَقْناكَ، فَقَالَ: مَا نَتَنَزَّلُ إِلا بأَمْر رَبِّكَ.

وَفِي الْحَدِيثُ:

لَا يَقولَنَّ أَحدُكم نَسِيتُ آيةَ كَيْتَ وكَيْتَ

، بَلْ هُوَ نُسِّيَ، كَرِهَ نِسْبةَ النِّسْيانِ إِلى النفْس لِمَعْنَيَيْنِ: أَحدهما أَن اللَّهَ عز وجل هُوَ الَّذِي أَنْساه إِيَّاه لأَنه المُقَدِّر للأَشياء كُلِّهَا، وَالثَّانِي أَنَّ أَصل النِّسْيَان التَّرْكُ، فَكَرِهَ لَهُ أَن يَقُولَ تَرَكْتُ القُرآن أَو قَصَدْتُ إِلى نِسْيانه، ولأَن ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِ. يُقَالُ: نَسَاه اللَّهُ وأَنْسَاه، وَلَوْ رُوِيَ نُسِيَ، بِالتَّخْفِيفِ، لَكَانَ مَعْنَاهُ تُرِك مِنَ الْخَيْرِ وحُرِمَ، وَرَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ:

بِئْسَما لأَحَدِكم أَن يَقُولَ نَسِيتُ آيةَ كَيْتَ وكَيْتَ

، لَيْسَ هُوَ نَسِيَ وَلَكِنَّهُ نُسِّيَ، قَالَ: وَهَذَا اللَّفْظُ أَبْيَنُ مِنَ الأَول وَاخْتَارَ فِيهِ أَنه بِمَعْنَى التَّرْكِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:

إِنما أُنَسَّى لأَسُنَ

أَي لأَذكر لَكُمْ مَا يَلزم النَّاسِيَ لِشَيْءٍ مِنْ عبادتِه وأَفْعَل ذَلِكَ فَتَقْتَدوا بِي. وَفِي الْحَدِيثِ:

فيُتْرَكون فِي المَنْسَى تَحْتَ قَدَمِ الرَّحْمَنِ

أَي يُنْسَونَ فِي النَّارِ، وتحتَ القدَمِ استعارةٌ كأَنه قَالَ: يُنْسِيهمُ اللهُ الخَلق لِئَلَّا يَشفع فِيهِمْ أَحد؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَبْلَتْ مَوَدَّتَها اللَّيالي بَعْدَنا،

ومَشَى علَيْها الدَّهْرُ، وهْوَ مُقَيَّدُ

وَمِنْهُ قَوْلُهُ، صلى الله عليه وسلم، يومَ الفَتْح:

كلُّ مَأْثُرَةٍ مِنْ مآثِرِ الجاهليّةِ تَحْتَ قدَمَيَّ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

والنَّسِيُّ: الَّذِي لَا يُعَدُّ فِي الْقَوْمِ لأَنه مَنْسِيٌّ. الْجَوْهَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ

(2). في ديوان إمرئ القيس: تُنَسِّيني بدل تناساني.

ص: 324

؛ قَالَ: أَجاز بَعْضُهُمُ الْهَمْزَ فِيهِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: كُلُّ وَاوٍ مَضْمُومَةٍ لَكَ أَن تَهْمِزَهَا إِلا وَاحِدَةً فإِنهم اخْتَلَفُوا فِيهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ

، وَمَا أَشبهها مِنْ وَاوِ الْجَمْعِ، وأَجاز بَعْضُهُمُ الْهَمْزَ وَهُوَ قَلِيلٌ وَالِاخْتِيَارُ تَرْكُ الْهَمْزِ، قَالَ: وأَصله تَنْسَيُوا فَسَكَنَتِ الْيَاءُ وأُسقطت لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ، فَلَمَّا احْتِيجَ إِلى تَحْرِيكِ الْوَاوِ رُدَّت فِيهَا ضَمَّةُ الْيَاءِ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ فَسَكَنَتِ الْيَاءُ وأُسقطت لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ قَالَ: صَوَابُهُ فَتَحَرَّكَتِ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَانْقَلَبَتْ أَلفاً، ثُمَّ حُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. ابْنُ الأَعرابي: نَاسَاهُ إِذا أَبْعَدَه، جَاءَ بِهِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ وأَصله الْهَمْزُ. الْجَوْهَرِيُّ: المِنْسَاةُ العَصا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذا دَبَبْتَ عَلَى المِنْسَاةِ مِنْ هرَمٍ،

فقَدْ تَباعَدَ عَنكَ اللَّهْوُ والغَزَلُ

قَالَ: وأَصله الْهَمْزُ، وَقَدْ ذَكَرَ؛ وَرَوَى شَمِرٌ أَن ابْنَ الأَعرابي أَنشده:

سَقَوْني النَّسْيَ، ثُمَّ تَكَنَّفُوني

عُداةَ اللَّهِ مِنْ كَذِبٍ وزُورِ

بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَهُوَ كُلُّ مَا نَسَّى الْعَقْلَ، قَالَ: وَهُوَ مِنَ اللَّبَنِ حَلِيب يُصَبُّ عَلَيْهِ مَاءٌ؛ قَالَ شَمِرٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ النَّسِيُّ، نَصَبَ النُّونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ؛ وأَنشد:

لَا تَشْرَبَنْ يومَ وُرُودٍ حازِرا

ولا نَسِيّاً، فتجيء فاتِرا

ابْنُ الأَعرابي: النَّسْوةُ الجُرْعة من اللبن.

نشا: النَّشا، مَقْصُورٌ: نَسِيم الرِّيح الطَّيِّبَةِ، وَقَدْ نَشِيَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً نِشْوَةً ونَشْوَة أَي شَمِمْت؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ قَالَ أَبو خِراش الهُذلي:

ونَشِيتُ رِيحَ المَوْتِ مِن تِلْقائِهمْ،

وخَشِيتُ وَقْعَ مُهَنَّدٍ قِرْضابِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي المَجاز فِي آخِرِ سُورَةِ ن وَالْقَلَمِ: إِنَّ الْبَيْتَ لقَيْس بْنِ جَعْدة الخُزاعي. واسْتَنْشَى وتَنَشَّى وانْتَشَى. وأَنْشَى الضَّبُّ الرجلَ: وجَدَ نِشْوَتَه، وَهُوَ طَيِّب النِّشْوَةِ والنَّشْوَةِ والنِّشْيَةِ «1» ؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ الأَعرابي، أَي الرَّائِحَةِ، وَقَدْ تَكُونُ النِّشْوَة فِي غَيْرِ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ. والنَّشَا، مَقْصُورٌ: شَيْءٌ يُعْمَلُ بِهِ الفالوذَجُ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، يُقَالُ لَهُ النَّشاسْتَج، حُذِفَ شَطْرُهُ تَخْفِيفًا كَمَا قَالُوا للمَنازِل مَنا، سُمِّيَ بِذَلِكَ لخُموم رَائِحَتِهِ. ونشِيَ الرَّجُلُ مِنَ الشَّرَابِ نَشْواً ونُشْوَةً ونَشْوَةً ونِشْوَةً؛ الْكَسْرُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وتَنَشَّى وانْتَشَى كُلُّهُ: سَكِرَ، فَهُوَ نَشْوَان؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

إِني نَشِيتُ فَمَا أَسْطِيعُ مِن فَلَتٍ،

حَتَّى أُشَقِّقَ أَثْوابي وأَبْرادِي

وَرَجُلٌ نَشْوَانُ ونَشْيَانُ، عَلَى المُعاقبة، والأُنثى نَشْوَى، وَجَمْعُهَا نَشَاوَى كسَكارَى؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

وَقَدْ أَغْدُو عَلَى ثُبةٍ كِرامٍ

نَشَاوَى واجِدينَ لِما نَشاء

واسْتَبانَتْ نَشْوَتُه، وَزَعَمَ يُونُسُ أَنه سَمِعَ نِشْوته. وَقَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ مِنَ الرِّيح نِشْوةٌ وَمِنَ السُّكْر نَشْوةٌ. وَفِي حَدِيثِ شُرْبِ الْخَمْرِ:

إِن انْتَشَى لَمْ تُقْبل لَهُ صلاةٌ أَربعين يَوْمًا

؛ الانْتِشَاء: أَول السُّكر ومُقدَّماته، وَقِيلَ: هُوَ السُّكْرُ نفْسُه، وَرَجُلٌ نَشْوَانُ بيِّن النَّشْوَة. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِذا اسْتَنْشَيْت

(1). قوله [والنِّشْيَة] كذا ضبط في الأصل، والذي في القاموس: النُّشْيَة كغنية، وغلطه شارحه فقال: الصواب نِشْيَة، بالكسر، زاعماً أنه نص ابن الأعرابي لكن الذي عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ كَمَا في غير نسخة عتيقة من المحكم يوثق بها نُشْيَة كغنية

ص: 325

واسْتَنْثَرْت

أَي اسْتَنْشَقْت بِالْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ، مِنْ قَوْلِكَ نَشِيت الرَّائِحَةَ إِذا شَمِمْتَها. أَبو زَيْدٍ: نَشِيت مِنْهُ أَنْشَى نَشْوَةً، وَهِيَ الرِّيح تجدها، واسْتَنْشَيْتُ نَشا رِيح طَيِّبَةً أَي نَسِيمها؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وأَدْرَك المُتَبَقَّى مِنْ ثَمِيلَتِه

ومِن ثمائِلها، واسْتُنْشِيَ الغَرَبُ

وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وتَنْشَى نَشا المِسْك فِي فارةٍ،

وريحَ الخُزامَى عَلَى الأَجْرَع

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ يُقَالُ لِلرَّائِحَةِ نَشْوَة ونَشَاة ونَشاً؛ وأَنشد:

بآيةِ مَا إِنَّ النَّقا طَيِّبُ النَّشا،

إِذا مَا اعْتراه، آخِرَ اللَّيل، طارِقُهْ

قَالَ أَبو زَيْدٍ: النَّشَا حِدَّة الرَّائِحَةِ، طَيِّبَةً كَانَتْ أَو خَبِيثَةً؛ فَمِنَ الطَّيِّبِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

بِآيَةِ مَا إِن النَّقَا طَيِّبُ النَّشَا

وَمِنَ النَّتْن النَّشَا، سُمِّيَ بذلكَ لنَتْنِه فِي حَالِ عَمَلِهِ، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن النَّشا عَرَبِيٌّ وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: وَيَدُلُّكَ عَلَى أَن النَّشا لَيْسَ هُوَ النَّشاسْتَج، كَمَا زَعَمَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي بَابِ ضُرُوبِ الأَلوان مِنْ كِتَابِ الْغَرِيبِ الْمُصَنَّفِ الأُرْجُوان: الحُمْرة، وَيُقَالُ الأُرْجُوان النَّشاستج، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ رَجَا فَقَالَ: والأُرْجوان صِبْغٌ أَحمر شَدِيدُ الْحُمْرَةِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ النَّشَاسْتَجُ، قَالَ: والبَهْرَمان دُونَهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فَثَبَتَ بِهَذَا أَن النَّشَاسْتَجَ غَيْرُ النَّشا. والنِّشْوَة: الخَبَرُ أَوّل مَا يَرِدُ. وَرَجُلٌ نَشْيانُ بَيِّن النِّشْوَة: يتَخَبَّرُ الأَخبار أَوَّلَ ورُودها، وَهَذَا عَلَى الشُّذُوذِ، إِنما حُكْمُهُ نَشْوان، وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ جَبَوْت الْمَالَ جِبَايَةً. الْكِسَائِيُّ: رَجُلٌ نَشْيَانُ لِلْخَبَرِ ونَشْوَان، وَهُوَ الْكَلَامُ المُعْتَمد. ونَشِيت الخبرَ إِذا تَخبَّرت ونظرتَ مِنْ أَين جَاءَ. وَيُقَالُ: مِنْ أَين نَشِيتَ هَذَا الخبرَ أَي مِنْ أَين عَلِمْتَهُ؟ الأَصمعي: انْظُر لَنَا الْخَبَرَ واستَنْشِ واستَوْشِ أَي تعَرَّفْه. وَرَجُلٌ نَشْيانُ لِلْخَبَرِ بيِّن النِّشْوَة، بِالْكَسْرِ، وإِنما قَالُوهُ بِالْيَاءِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّشْوانِ، وأَصل الْيَاءِ فِي نَشِيت وَاوٌ، قُلِبَتْ يَاءً لِلْكَسْرَةِ. قَالَ شَمِرٌ: وَرَجُلٌ نَشْيانُ للخبَر ونَشْوانُ مِنَ السُّكر، وأَصلهما الْوَاوُ ففَرقوا بَيْنَهُمَا. الْجَوْهَرِيُّ: وَرَجُلٌ نَشْوَان أَي سَكران بيِّن النَّشْوَة، بِالْفَتْحِ. قَالَ: وَزَعَمَ يُونُسُ أَنه سَمِعَ فِيهِ نِشْوة، بِالْكَسْرِ، وَقَوْلُ سِنَانِ بْنِ الْفَحْلِ:

وَقَالُوا: قَدْ جُنِنْتَ فَقُلْتُ: كَلَّا

ورَبي مَا جُنِنْتُ، وَلَا انْتشَيْتُ

يُرِيدُ: وَلَا بَكَيْتُ مِنْ سُكْرٍ؛ وَقَوْلُهُ:

مِنَ النَّشَواتِ والنَّشَإِ الحِسانِ

أَراد جَمْعَ النَّشْوة. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه دَخَلَ عَلَى خَديجةَ خَطَبها ودخلَ عَلَيْهَا مُسْتَنْشِيةٌ مِنْ مُوَلَّدات قُريش

، وَقَدْ رُوِيَ بِالْهَمْزِ، وَقَدْ تقدَّم. والمُسْتَنْشِيَةُ: الكاهِنةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها كَانَتْ تَسْتَنْشِي الأَخبارَ أَي تبحَث عَنْهَا، مِنْ قَوْلِكَ رَجُلٌ نَشْيانُ لِلْخَبَرِ. يَعْقُوبُ: الذِّئْبُ يَسْتَنْشِئُ الرِّيحَ، بِالْهَمْزِ، قَالَ: وإِنما هُوَ مِنَ نَشِيت غَيْرَ مَهْمُوزٍ. ونَشَوْتُ فِي بَنِي فُلَانٍ: رُبِّيتُ، نَادِرٌ، وَهُوَ مُحَوَّلٌ مِنْ نشأْت، وَبِعَكْسِهِ هُوَ يَسْتَنْشِئُ الرِّيحَ، حَوَّلُوهَا إِلى الْهَمْزَةِ. وَحَكَى قُطْرُبٌ: نَشا يَنْشُو لُغَةٌ فِي

ص: 326

نشأَ ينشأُ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ عَلَى التَّحْوِيلِ. والنَّشَاة: الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ، إِما أَن يَكُونَ عَلَى التَّحْوِيلِ، وإِما أَن يَكُونَ عَلَى مَا حَكَاهُ قُطْرُبٌ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:

تَدَلَّى عَلَيْه مِنْ بَشامٍ وأَيْكةٍ

نَشاة فُرُوعٍ مُرْثَعِنِّ الذَّوائِبِ

وَالْجَمْعُ نَشاً. والنَّشْوُ: اسْمٌ لِلْجَمْعِ؛ أَنشد:

كأَنَّ عَلَى أَكتافِهِم نَشْوَ غَرْقَدٍ،

وَقَدْ جاوَزُوا نَيَّانَ كالنَّبَطِ الغُلْفِ

نصا: النَّاصِيَةُ: وَاحِدَةُ النَّوَاصِي. ابْنُ سِيدَهْ: النَّاصِيَةُ والنَّاصَاةُ، لُغَةٌ طَيِّئِيَّةٌ، قُصاصُ الشَّعَرِ فِي مُقدَّم الرأْس؛ قَالَ حُرَيْث بْنُ عَتاب الطَّائِيُّ:

لقَدْ آذَنَتْ أَهْلَ اليَمامةِ طَيِءٌ

بحَرْبٍ كنَاصَاةِ الحِصانِ المُشَهَّرِ

وَلَيْسَ لَهَا نَظِيرٌ إِلا حَرْفَيْنِ: بادِيةٌ وباداةٌ وقارِيةٌ وقاراةٌ، وَهِيَ الحاضِرةُ. ونَصَاه نَصْواً: قَبَضَ عَلَى ناصِيَتِه، وَقِيلَ: مَدَّ بِهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عز وجل: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ

؛ ناصِيَتُه مقدَّمُ رأْسه أَي لنَهْصُرَنَّها لنَأْخُذَنَّ بِهَا أَي لنُقِيمَنَّه ولَنُذِلَّنَّه. قَالَ الأَزهري: النَّاصِيَة عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْبِتُ الشَّعْرِ فِي مقدَّم الرأْس، لَا الشعَرُ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ النَّاصِيَة، وَسُمِّيَ الشَّعْرُ نَاصِيَةً لِنَبَاتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ

؛ أَي لنُسَوِّدَنَّ وَجْهَهُ، فكَفَتِ النَّاصِيَةُ لأَنها فِي مُقَدَّمِ الْوَجْهِ مِنَ الْوَجْهِ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وكُنتُ، إِذا نَفْس الغَوِيِّ نَزَتْ بِهِ،

سَفَعْتُ عَلَى العِرْنِينِ مِنْهُ بِمِيسَمِ

ونَصَوْته: قَبَضْتُ عَلَى ناصِيَتِه. والمُنَاصَاةُ: الأَخْذُ بالنَّواصي. وَقَوْلُهُ عز وجل: مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ فِي قَبْضَته تَنالُه بِمَا شَاءَ قُدرته، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَشاء إِلا العَدْلَ. وناصَيْتُه مُنَاصَاةً ونِصَاء: نَصَوْتُه ونَصَاني؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

فأَصْبَحَ مِثْلَ الحِلْسِ يَقْتادُ نَفْسَه،

خَلِيعاً تُنَاصِيه أُمُورٌ جَلائِلُ

وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: نَاصَيْتُه جَذَبْت ناصِيَتَه؛ وأَنشد:

قِلالُ مَجْدٍ فَرَعَتْ آصَاصَا،

وعِزَّةً قَعْساءَ لَنْ تُنَاصَى

ونَاصَيْتُه إِذا جاذبْته فيأْخذ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا بناصِيةِ صَاحِبِهِ. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها: لَمْ تَكُنْ واحدةٌ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، تُناصِيني غَيْرَ زَيْنَبَ

أَي تُنازِعُني وَتُبَارِينِي، وَهُوَ أَن يأْخذ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ المُتنازعين بناصِيةِ الْآخَرِ. وَفِي حَدِيثِ مَقْتَلِ عُمر:

فثارَ إِليه فتَنَاصَيَا

أَي تَواخَذا بالنَّواصِي؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكرب:

أَعَبَّاسُ لَوْ كَانَتْ شَناراً جِيادُنا

بتَثْلِيثَ، مَا نَاصَيْتَ بَعْدي الأَحامِسا

وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ لِلْحُسَيْنِ حِينَ أَراد العِراق لَوْلَا أَني أَكْرَهُ لنَصَوْتك

أَي أَخذت بناصِيَتِك وَلَمْ أَدَعْك تَخْرُجْ. ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ النَّصِيُّ عَظْم العُنُق؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَيْلَى الأَخيلية:

يُشَبّهُونَ مُلوكاً فِي تَجِلَّتِهمْ،

وطولِ أَنْصِيةِ الأَعْناقِ والأُمَمِ

وَيُقَالُ: هَذِهِ الْفَلَاةُ تُناصِي أَرض كَذَا وتُواصِيها أَي تَتَّصل بِهَا. وَالْمَفَازَةُ تَنْصُو المَفازة وتُنَاصِيها أَي تَتَّصِلُ بِهَا؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

ص: 327

لِمَنْ طَلَلٌ بالمُنْتَصى غَيْرُ حائلِ،

عَفا بَعْدَ عَهْدٍ مِنْ قِطارٍ ووابِلِ؟

قَالَ السُّكَّرِيُّ: المُنْتَصَى أَعلى الوادِيين. وإِبل ناصِيةٌ إِذا ارتَفَعتْ فِي الْمَرْعَى؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وإِني لأَجِد فِي بَطْنِي نَصْواً ووَخْزاً أَي وَجَعاً، والنَّصْوُ مِثْلُ المَغَس، وإِنما سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه يَنْصُوك أَي يُزْعِجُك عَنِ القَرار. قَالَ أَبو الْحَسَنِ: وَلَا أَدري مَا وَجْهُ تَعْلِيلِهِ لَهُ بِذَلِكَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وجدْتُ فِي بَطْنِي حَصْواً ونَصْواً وقَبْصاً بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وانْتَصَى الشيءَ: اخْتارَه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِحُمَيْدٍ بْنِ ثَوْرٍ يَصِفُ الظَّبْيَةَ:

وَفِي كلِّ نَشْزٍ لَهَا مَيْفَعٌ،

وَفِي كلِّ وَجْهٍ لَهَا مُنْتَصى

قَالَ: وَقَالَ آخَرُ فِي وَصْفِ قَطَاةٍ:

وَفِي كلِّ وَجْهٍ لَهَا وِجْهةٌ،

وَفِي كلِّ نَحْوٍ لَهَا مُنْتَصَى

قَالَ: وَقَالَ آخَرُ:

لَعَمْرُكَ مَا ثَوْبُ ابنِ سَعْدٍ بمُخْلِقٍ،

وَلَا هُوَ مِمّا يُنْتَصَى فيُصانُ

يَقُولُ: ثَوْبُهُ مِنَ العُذْر لَا يُخْلِقُ، وَالِاسْمُ النِّصْيَةُ، وَهَذِهِ نَصِيَّتي. وتَذَرَّيت بَنِي فُلَانٍ وتَنَصَّيْتُهم إِذا تَزَوَّجت فِي الذِّروة مِنْهُمْ والنّاصِية. وَفِي حَدِيثِ ذِي المِشْعارِ:

نَصِيّةٌ مِنْ هَمْدان مِنْ كلِّ حاضِر وبادٍ

؛ النَّصِيّةُ منْ يُنْتَصَى مِنَ الْقَوْمِ أَي يُخْتار مِنْ نَوَاصِيهم، وهمُ الرُّؤوس والأَشْراف، وَيُقَالُ للرُّؤساء نَوَاصٍ كَمَا يُقَالُ للأَتباع أَذْنابٌ. وانْتَصَيْتُ مِنَ الْقَوْمِ رَجلًا أَي اخْتَرْتُهُ. ونَصِيّةُ القومِ: خِيارُهم. ونَصِيَّةُ الْمَالِ: بَقِيَّتُه. والنَّصِيَّة: البَقِيَّة؛ قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ؛ وأَنشد للمَرّار الفَقْعَسي:

تَجَرَّدَ مِنْ نَصِيَّتها نَواجٍ،

كَمَا يَنْجُو مِنَ البَقَر الرَّعِيلُ «2»

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الأَنصاري:

ثَلاثةُ آلافٍ ونحنُ نَصِيّةٌ

ثلاثُ مِئينٍ، إِن كَثُرْنا، وأَربَعُ

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَفِي الْحَدِيثِ

أَن وفْدَ هَمْدانَ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا نحْنُ نَصِيَّةٌ مِنْ هَمْدانَ

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: الأَنْصَاء السابقُونَ، والنَّصِيَّةُ الخِيار الأَشراف، ونَوَاصِي الْقَوْمِ مَجْمَعُ أَشرافِهم، وأَما السَّفِلة فَهُمُ الأَذْنابُ؛ قَالَتْ أُمّ قُبَيْسٍ الضَّبِّيّة:

ومَشْهَدٍ قَدْ كفَيْتُ الغائِبينَ بِهِ

فِي مَجْمَعٍ، مِنْ نَوَاصِي النّاسِ، مَشْهُودِ

والنَّصِيَّةُ مِنَ الْقَوْمِ: الخِيارُ، وَكَذَلِكَ مِنَ الإِبل وَغَيْرِهَا. ونَصَتِ الماشِطةُ المرأَةَ ونَصَّتْها فتَنَصَّتْ، وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن أُم سَلَمَةَ «3» تَسَلَّبَت عَلَى حَمْزَةَ ثَلَاثَةَ أَيام فَدَعَاهَا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأَمرها أَن تنَصَّى وتَكْتَحِلَ

؛ قَوْلُهُ:

أَمرها أَن تنَصَّى

أَي تُسَرِّح شَعَرَها، أَراد تَتَنَصَّى فَحَذَفَ التَّاءَ تَخْفِيفًا. يُقَالُ: تَنَصَّتِ المرأَةُ إِذا رجَّلت شَعْرَها. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها، حِينَ سُئِلت عَنِ الْمَيِّتِ يُسرَّح رأْسه فَقَالَتْ: عَلامَ تَنْصُون ميِّتَكم

؟ قَوْلُهَا: تَنْصُون مأْخوذ مِنَ الناصِية، يُقَالُ: نَصَوْتُ الرَّجُلَ أَنْصُوه نَصْواً إِذا مَدَدْت ناصِيَتَه، فأَرادت

(2). قوله [تجرد من إلخ] ضبط تجرد بصيغة الماضي كما ترى في التهذيب والصحاح، وتقدم ضبطه في مادة رعل برفع الدال بصيغة المضارع تبعاً لما وقع فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْمُحْكَمِ.

(3)

. قوله [أن أم سلمة] كذا بالأصل، والذي في نسخة التهذيب: أن بنت أبي سلمة، وفي غير نسخة من النهاية: أن زينب.

ص: 328

عَائِشَةُ أَنَّ الميتَ لَا يَحتاجُ إِلى تَسْريحِ الرَّأْس، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الأَخذ بالناصِيةِ؛ وَقَالَ أَبو النَّجم:

إِنْ يُمْسِ رأْسي أَشْمَطَ العَناصي،

كأَنما فَرَّقَه مُنَاصِي

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كأَنَّ عائشةَ، رضي الله عنها، كَرِهَت تَسْريحَ رأْسِ الميّتِ. وانْتَصَى الشعَرُ أَي طَالَ. والنَّصِيُّ: ضَرْب مِنَ الطَّريفةِ مَا دَامَ رَطْباً، واحدتُه نَصِيّةٌ، وَالْجَمْعُ أَنْصَاء، وأَناصٍ جمعُ الْجَمْعِ؛ قال:

تَرْعى أَناصٍ مِنْ حَرِيرِ الحَمْضِ «1»

وَرُوِيَ أَناضٍ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَالَ لِي أَبو الْعَلَاءِ لَا يَكُونُ أَناضٍ لأَنَّ مَنْبِتَ النصيِّ غَيْرُ مُنْبِتِ الْحَمْضِ. وأَنْصَتِ الأَرضُ: كَثُرَ نَصِيُّها. غَيْرُهُ: النَّصِيُّ نَبت مَعْرُوفٌ، يُقَالُ لَهُ نَصِيٌّ مَا دَامَ رَطباً، فإِذا ابْيضَّ فَهُوَ الطَّريفة، فإِذا ضَخُمَ ويَبِس فَهُوَ الحَلِيُّ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَقَدْ لَقِيَتْ خَيْلٌ بجَنْبَيْ بُوانةٍ

نَصِيّاً، كأَعْرافِ الكَوادِنِ، أَسْحَما «2»

وَقَالَ الرَّاجِزِ:

نَحْنُ مَنَعْنا مَنْبِتَ النَّصِيِّ،

ومَنْبِتَ الضَّمْرانِ والحَلِيِ

وَفِي الْحَدِيثِ:

رأَيتُ قبُورَ الشُّهداء جُثاً قَدْ نَبَتَ عَلَيْهَا النَّصِيُ

؛ هُوَ نَبْتٌ سَبْطٌ أَبيضُ ناعِمٌ مِنْ أَفضل المَرْعى. التَّهْذِيبُ: الأَصْناء الأَمْثالُ، والأَنْصَاءُ السَّابقُون.

نضا: نَضا ثوبَه عَنْهُ نَضْواً: خَلَعه وأَلقاه عَنْهُ. ونَضَوْت ثِيابي عَنِّي إِذا أَلقَيْتَها عنك. ونَضَاه مِنْ ثَوْبِهِ: جَرَّدَه؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ:

ونُضِيتُ مِمَّا كُنتُ فِيهِ فأَصْبَحَتْ

نَفْسِي، إِلى إِخْوانِها، كالمَقْذَرِ

ونَضَا الثَّوبُ الصِّبْغَ عَنْ نَفْسِه إِذا أَلقاه، ونَضَتِ المرأَةُ ثَوبَها؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

فَجِئْتُ، وَقَدْ نَضَتْ لِنَوْمٍ ثِيابَها،

لَدَى السِّتْرِ، إِلَّا لِبْسةَ المُتَفَضِّلِ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيَجُوزُ عِنْدِي تَشْدِيدُهُ لِلتَّكْثِيرِ. وَالدَّابَّةُ تَنْضُو الدوابُّ إِذا خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِهَا. وَفِي حَدِيثِ

جَابِرٍ: جعَلَتْ نَاقَتِي تَنْضُو الرِّفاقَ

«3» أَي تَخرج مِنْ بَيْنِهَا. يُقَالُ: نَضَتْ تَنْضُو نُضُوّاً ونُضِيّاً، ونَضَوْتُ الجُلَّ عَنِ الْفَرَسِ نَضْواً. والنِّضْوُ: الثوبُ الخَلَقُ. وأَنْضَيْتُ الثوبَ وانْتَضَيْتُه: أَخْلَقْتُه وأَبَلَيْتُه. ونَضَا السيفَ نَضْواً وانْتَضَاه: سَلَّه مِنْ غِمْدِه. ونَضَا الخِضابُ نَضْواً ونُضُوّاً: ذَهَبَ لَوْنُه ونَصَل، يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْيَدِ والرِّجْل والرأْسِ واللحيةِ، وخصَّ بعضُهم بِهِ اللحيةُ والرأْس. وَقَالَ اللَّيْثُ: نَضا الحِنَّاءُ يَنْضُو عَنِ اللِّحْيةِ أَي خَرَجَ وذَهب عَنْهُ. ونُضَاوَةُ الخِضاب: مَا يُوجد مِنْهُ بَعْدَ النُّصُول. ونُضَاوَةُ الحِنَّاء: مَا يَبس مِنْهُ فأُلقي؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. ونُضَاوَةُ الحِنَّاء: مَا يؤخذ من الخِضاب بعد ما يُذهب لَوْنُهُ فِي الْيَدِ والشعَر؛ وقال كثير:

(1). قوله [حرير الحمض] كذا في الأَصل وشرح القاموس بمهملات، والذي فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحْكَمِ بمعجمات.

(2)

. قوله [لقيت خيل] كذا في الأصل والصحاح هنا، والذي في مادة بون من اللسان شول ومثله في معجم ياقوت.

(3)

. قوله [تنضو الرفاق] كذا في الأصل، وفي نسخة من النهاية: الرفاق بالفاء وفيها: أي تخرج من بينهم، وفي نسخة أخرى من النهاية: الرقاق، بالقاف، أَيْ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهَا، وكتب بهامشها: الرقاق جمع رق وَهُوَ مَا اتَّسَعَ مِنَ الأَرض ولان.

ص: 329

وَيَا عَزِّ لِلْوَصْل الَّذِي كَانَ بَيْنَنا

نَضَا مِثْلَ مَا يَنْضُو الخِضابُ فَيَخْلَقُ

الْجَوْهَرِيُّ: نَضا الفرَسُ الخيلَ نُضِيّاً سَبَقها وتقدَّمها وانْسَلَخَ مِنْهَا وخَرَجَ مِنْهَا. ورَمْلةٌ تَنْضُو الرِّمالَ: تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهَا. ونَضَا السَّهمُ: مَضَى؛ وأَنشد:

يَنْضُونَ فِي أَجْوازِ لَيْلٍ غَاضِي،

نَضْوَ قِداحِ النَّابِلِ النَّوَاضِي

وَفِي حَدِيثُ

عَلِيٍّ وَذَكَرَ عُمَرَ فَقَالَ: تَنَكَّبَ قوسَه وانْتَضَى فِي يَدِهِ أَسْهماً

أَي أَخذ واسْتَخْرَجَها مِن كِنانَتِه. يُقَالُ: نَضَا السيفَ مِنْ غِمْدِهِ وانْتَضَاه إِذا أَخْرَجَه. ونَضا الجُرْحُ نُضُوًّا: سَكَنَ ورَمُه. ونَضا الماءُ نُضُوًّا: نَشِفَ. والنِّضْوُ، بِالْكَسْرِ: البَعير الْمَهْزُولُ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَهْزُولُ مِنْ جَمِيعِ الدَّوَابِّ، وَهُوَ أَكثر، وَالْجَمْعُ أَنْضَاء، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الإِنسان؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِنَّا مِنَ الدَّرْبِ أَقْبَلْنا نَؤُمُّكُمُ،

أَنْضَاءَ شَوْقٍ عَلَى أَنْضَاء أَسْفارِ

قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يكسَّر نِضْوٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ فأَما قَوْلُهُ:

تَرْعَى أَنَاضٍ مِنْ حَريرِ الحَمْضِ

فَعَلَى جَمْعِ الْجَمْعِ، وَحُكْمُهُ أَناضيّ فخَفَّفَ، وجعَل مَا بَقِيَ مِنَ النَّبَاتِ نِضْواً لقِلَّته وأَخذه فِي الذَّهَابِ، والأُنثى نِضْوَةٌ، وَالْجَمْعُ أَنْضَاء كالمُذَكَّر، عَلَى تَوَهُّمِ طَرْحِ الزَّائِدِ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ. والنَّضِيُّ: كالنِّضْوِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

وانْشَنَجَ العِلْباءُ فاقْفَعَلَّا،

مِثْلَ نَضِيّ السُّقْمِ حينَ بَلَّا

وَيُقَالُ لأَنْضاء الإِبل: نِضْوَانٌ أَيضاً، وَقَدْ أَنْضَاه السَّفَرُ. وأَنْضَيْتها، فَهِيَ مُنْضَاةٌ، ونَضَوْتُ البِلاد: قَطَعْتُها؛ قَالَ تأَبَّط شَرًّا:

ولكِنَّنِي أُرْوِي مِن الخمْرِ هامَتي،

وأَنْضُو الفَلا بالشَّاحِبِ المُتشَلْشِل

وأَنْضَى الرَّجلُ إِذا كَانَتْ إِبلُه أَنْضاء. اللَّيْثُ: المُنْضِي الرَّجلُ الَّذِي صَارَ بَعِيرُهُ نِضْواً. وأَنضَيْتُ الرَّجلَ: أَعطيته بَعِيرًا مَهْزُولًا. وأَنْضَى فُلَانٌ بَعِيرَهُ أَي هَزَله، وتَنَضَّاه أَيضاً؛ وَقَالَ:

لَوْ اصْبَحَ فِي يُمْنَى يَدَيَّ زِمامُها،

وَفِي كَفِّيَ الأُخْرَى وَبيلٌ تُحاذِرُهْ

لجَاءتْ عَلَى مَشْي الَّتِي قَدْ تُنُضِّيَتْ،

وذَلَّتْ وأَعْطَتْ حَبْلَها لا تُعاسِرُهْ

ويروى: تُنُصِّيَتْ أَي أُخِذَتْ بناصِيتها، يَعْنِي بِذَلِكَ امرأَة اسْتَصعَبَتْ عَلَى بَعْلها. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِن المؤمِنَ ليُنْضِي شَيْطانه كَمَا يُنْضِي أَحَدُكم بَعِيرَه

أَي يَهْزِلُه وَيَجْعَلُهُ نِضْواً. والنِّضْوُ: الدَّابَّةُ الَّتِي هَزَلَتْها الأَسفار وأَذْهَبَتْ لَحْمَهَا. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وجهه: كلِماتٌ لَوْ رَحَلْتُم فِيهِنَّ المَطِيَّ لأَنْضَيْتُمُوهُنَّ.

وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْضَيْتُم الظَّهْر

أَي هَزَلْتُموه. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِن كَانَ أَحَدُنا ليأْخُذ نِضْوَ أَخيه.

ونِضْوُ اللِّجام: حَدِيدَتُه بِلَا سَيْر، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ دُرَيدُ ابن الصِّمَّة:

إِمّا تَرَيْنِي كَنِضْوِ اللِّجام،

أُعِضَّ الجَوامِحَ حَتَّى نَحَلْ

أَراد أُعِضَّتْه الجَوامِحُ فقَلَبَ، وَالْجَمْعُ أَنْضَاء؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:

ص: 330

رأَتْنِي كأَنْضَاءِ اللِّجامِ وبَعْلُها،

مِنَ المَلْءِ، أَبْزَى عاجِزٌ مُتَباطِنُ

وَيُرْوَى: كأَشْلاء اللِّجَامِ. وسَهمٌ نِضْوٌ: رُمِيَ بِهِ حَتَّى بَلِيَ. وقِدْحٌ نِضْوٌ: دَقِيقٌ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ. والنَّضِيُّ مِنَ السِّهام والرِّماح: الخَلَقُ. وسَهم نِضْوٌ إِذا فَسَدَ مِنْ كَثْرَةِ مَا رُمِيَ به حَتَّى أَخْلَقَ. أَبو عَمْرٍو: النَّضِيُّ نَصْلُ السَّهْمِ. ونِضْوُ السَّهم: قِدْحُه. الْمُحْكَمُ: نَضِيُّ السَّهْمِ قِدْحُه وَمَا جاوَزَ مِنَ السَّهمِ الرِّيشَ إِلى النَّصل، وَقِيلَ: هُوَ النَّصْلُ، وَقِيلَ: هُوَ القِدْحُ قَبْلَ أَن يُعْمَل، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ رِيشٌ وَلَا نَصْلٌ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَهُوَ نَضِيٌّ مَا لَمْ يُنَصَّلْ ويُرَيَّشْ ويُعَقَّب، قَالَ: والنّضِيُّ أَيضاً مَا عَرِيَ مِنْ عُوده وَهُوَ سَهْمٌ؛ قَالَ الأَعشى وذَكَرَ عَيْراً رُمِيَ:

فَمَرَّ نَضِيُّ السَّهْمِ تَحتَ لبَانِه،

وجالَ عَلَى وَحْشِيِّه لَمْ يُعَتِّمِ

لَمْ يُبْطئْ. والنَّضِيُّ، عَلَى فَعِيل: القِدْحُ أَوَّل مَا يَكُونُ قَبْلَ أَن يُعْمَل. ونَضِيُّ السَّهْمِ: مَا بَيْنَ الرِّيش والنَّصل. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: النَّضِيُّ نَصْلُ السَّهم. يُقَالُ: نَضِيٌّ مُفَلَّلٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ الْحِمَارَ وأُتُنَه قَالَ:

وأَلزَمَها النِّجادَ وشايَعَتْه

هَوادِيها كأَنْضِيَة المُغالي

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ المَغالي جَمْعُ مِغْلاة لِلسَّهْمِ. وَفِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ:

فَينظُرُ فِي نَضِيِّه

؛ النَّضِيُّ: نَصل السَّهْمِ، وَقِيلَ: هُوَ السَّهْمُ قَبْلَ أَن يُنحَت إِذا كَانَ قِدْحاً، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهُوَ أَولى لأَنه قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ النَّصْلِ بَعْدَ النَّضيّ، قَالُوا: سُمِّيَ نضِيّاً لِكَثْرَةِ البَرْي والنَّحْت، فكأَنه جُعل نِضْواً. ونَضِيُّ الرُّمح: مَا فوقَ المَقْبِض مِنْ صَدْرِهِ، وَالْجَمْعُ أَنْضَاء؛ قَالَ أَوْس بْنُ حَجَر:

تُخُيِّرْنَ أَنْضَاءً ورُكِّبْنَ أَنْصُلًا،

كجَزْلِ الغَضَى فِي يومِ رِيحٍ تَزَيَّلا

وَيُرْوَى: كجَمْرِ الغَضَى؛ وأَنشد الأَزهري فِي ذَلِكَ:

وظلَّ لِثيران الصَّرِيم غَماغِمٌ،

إِذا دَعَسُوها بالنَّضِيِّ المُعَلَّبِ

الأَصمعي: أَوَّل مَا يَكُونُ القِدْحُ قَبْلَ أَن يُعْمَل نَضِيٌّ، فإِذا نُحِتَ فَهُوَ مَخْشُوب وخَشِيبٌ، فإِذا لُيِّنَ فَهُوَ مَخَلَّقٌ. والنَّضِيُّ: العُنُق عَلَى التَّشْبِيهِ، وَقِيلَ: النَّضِيُّ مَا بَيْنَ الْعَاتِقِ إِلى الأُذن، وَقِيلَ: هُوَ مَا عَلا العُنُقَ مِمَّا يَلي الرأْسَ، وَقِيلَ: عَظْمه؛ قَالَ:

يُشَبَّهُونَ مُلُوكًا فِي تَجِلَّتِهِمْ،

وطُولِ أَنْضِيَةِ الأَعْناقِ واللِّمَمِ

ابْنُ دُرَيْدٍ: نَضِيُّ العُنق عَظْمه، وَقِيلَ: طُوله. ونَضِيُّ كُلِّ شَيْءٍ طُولُهُ؛ وَقَالَ أَوْس:

يُقَلِّب للأَصْواتِ والرِّيحِ هادِياً

تَمِيمَ النَّضِيِّ كَدَّحَتْه المَناشِفُ

يَقُولُ: إِذا سَمِعَ صَوْتًا خافَه التَفَتَ وَنَظَرَ، وَقَوْلُهُ: والرِّيحِ، يَقُولُ يَسْتَرْوِحُ هَلْ يَجِدُ رِيحَ إِنسان، وَقَوْلُهُ: كَدَّحَته المَناشف، يَقُولُ: هُوَ غَلِيظ الْحَاجِبَيْنِ أَي كَانَ فِيهِ حجارةٌ. ونَضِيُّ السهمِ: عُوده قَبْلَ أَن يُراشَ. والنَّضِيُّ: مَا بَيْنَ الرأْس والكاهِل مِنَ العُنق؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

يُشَبَّهُون سُيُوفاً فِي صَرائِمِهمْ،

وطُولِ أَنْضِيَةِ الأَعْناقِ واللِّمَمِ «1»

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لِلَيْلَى الأَخيلية، وَيُرْوَى للشَّمَرْدل

(1). ورد هذا البيت في صفحة 327 وفيه أنصية بدل أنضية والأَمم بدل اللِّمم.

ص: 331

ابن شَرِيكٍ الْيَرْبُوعِيِّ، وَالَّذِي رَوَاهُ أَبو الْعَبَّاسِ:

يُشَبَّهُونَ مُلُوكًا فِي تَجِلَّتِهِمْ

والتَّجلَّة: الجلالةُ، والصحيحُ والأُمَمِ، جَمْعُ أُمَّةٍ، وَهِيَ القامةُ. قَالَ: وَكَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزة، وأَنكر هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الْكَامِلِ فِي المسأَلة الثَّامِنَةِ، وَقَالَ لَا تُمْدَح الكُهول بِطُولِ اللِّمم، إِنما تُمْدح بِهِ النِّساء والأَحداثُ؛ وَبَعْدَ الْبَيْتِ:

إِذا غَدا المِسْكُ يَجْرِي فِي مَفارِقِهِمْ،

راحُوا تَخالُهُمُ مَرْضى مِنَ الكَرَمِ

وَقَالَ القتَّال الْكِلَابِيُّ:

طِوالُ أَنْضِيَةِ الأَعْناقِ لَمْ يجِدُوا

رِيحَ الإِماء، إِذا راحَتْ بأَزْفارِ

ونَضِيُّ الكاهِل: صَدْرُه. والنَّضِيُّ: ذَكَرُ الرَّجُلِ؛ وَقَدْ يَكُونُ للحِصان مِنَ الْخَيْلِ، وعمَّ بِهِ بَعْضُهُمْ جَمِيعَ الخَيل، وَقَدْ يُقَالُ أَيضاً للبَعير، وَقَالَ السِّيرافي: هُوَ ذَكَرُ الثَّعْلَبِ خَاصَّةً. أَبو عُبَيْدَةَ: نَضَا الفرسُ يَنْضُو نُضوّاً إِذا أَدْلَى فأَخرج جُرْدانه، قَالَ: وَاسْمُ الجُرْدانِ النَّضِيُّ. يُقَالُ: نَضَا فلانٌ مَوْضِعَ كَذَا يَنْضُوه إِذا جاوزَه وخَلَّفه. وَيُقَالُ: أَنْضَى وجهُ فُلَانٍ ونَضَا عَلَى كَذَا وَكَذَا أَي أَخْلَقَ.

نطا: نَطَوْتُ الحَبْلَ: مَدَدْتُه. وَيُقَالُ: نَطَتِ المرأَة غَزْلَها، أَي سَدَّتْه، تَنْطُوه نَطْواً، وَهِيَ نَاطِيَةٌ والغَزْلُ مَنْطُوٌّ ونَطِيٌّ أَي مُسَدًّى. والنَّاطِي: المُسَدِّي؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

ذَكّرْتُ سَلْمَى عَهْدَه فَشَوَّقا،

وهُنَّ يَذْرَعْنَ الرَّقاقَ السَّمْلَقا

ذَرْعَ النَّوَاطِي السُّحُلَ المُدَقَّقا

خُوصاً، إِذا مَا اللَّيْلُ أَلقَى الأَرْوُقا

خَرَجْنَ مِن تحتِ دُجاه مُرَّقا

يَقْلِبْنَ للنَّأْي البَعِيدِ الحَدَقا

تَقْلِيبَ وِلْدانِ العِراقِ البُنْدُقا

والنَّطْوُ: البُعْدُ. ومكانٌ نَطِيٌّ: بَعيدٌ، وأَرضٌ نَطِيَّةٌ؛ وَقَالَ الْعَجَّاجُ:

وبلْدةٍ نِياطُها نَطِيُّ،

قِيٌّ تُناصِيها بِلادٌ قِيُ

نِياطُها نَطِيٌّ أَي طَرِيقُهَا بَعِيدٌ. والنَّطْوَة: السَّفْرة البَعيدة. وَفِي حَدِيثِ

طَهْفةَ: فِي أَرضٍ غائلةِ النِّطَاء

؛ النِّطَاءُ: البُعدُ. وبَلَدٌ نَطِيٌّ: بَعِيدٌ، ورُوي

المَنْطَى

وهو مَفْعَلٌ منه. والمُنَاطَاةُ: أَن تَجْلس المَرَتانِ فترمِي كلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلى صَاحِبَتِهَا كُبَّةَ الغَزْل حَتَّى تُسَدِّيا الثوبَ. والنَّطْوُ: التَّسدِيةُ، نَطَتْ تَنْطُو نَطْواً. والنَّطَاةُ: قِمَعُ البُسْرةِ، وَقِيلَ: الشُّمْرُوخ، وَجَمْعُهُ أَنطَاء؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ. ونَطَاةُ: حِصْنٌ بخَيْبَرَ، وَقِيلَ: عَينٌ بِهَا، وَقِيلَ: هِيَ خَيْبَرُ نَفْسُها. ونَطَاةُ: حُمَّى خَيْبَرَ خَاصَّةً، وعمَّ بِهِ بَعْضُهُمْ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا غَلَطٌ. ونَطَاةُ: عينٌ بِخَيْبَرَ تَسْقِي نَخيلَ بَعضِ قُراها، وَهِيَ وَبِئةٌ؛ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّمَّاخُ:

كأَنَّ نَطَاةَ خَيْبرَ زَوَّدَتْه

بَكُورُ الوِرْدِ رَيِّثةُ القُلُوعِ

فظنَّ اللَّيْثُ أَنها اسْمٌ للحُمَّى، وإِنما نَطَاةُ اسْمُ عَيْنٍ بِخَيْبَرَ. الْجَوْهَرِيُّ: النَّطَاةُ اسْمُ أُطُمٍ بِخَيْبَرَ؛ قَالَ كَثِيرٌ:

حُزِيَتْ لِي بحَزْمِ فَيْدَةَ تُحْدَى،

كاليَهُودِيِّ مِن نَطَاةَ الرِّقالِ

حُزِيَتْ: رُفِعَتْ. حَزاها الآلُ: رَفَعها، وأَراد كَنَخْلِ الْيَهُودِيِّ الرِّقالِ. ونطاةُ: قَصَبَة خَيْبَرَ. وَفِي

ص: 332

حَدِيثِ خَيْبَرَ:

غَدا إِلى النَّطَاةِ

؛ هِيَ عَلَم لِخَيْبَرَ أَو حِصْنٌ بِهَا، وَهِيَ مِنَ النَّطْو البُعد. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ، وإدخالُ اللَّامِ عليها كإِدخالها على حَرثٍ وَعَبَّاسٍ، كأَنَّ النَّطَاةَ وَصْفٌ لَهَا غَلَبَ عَلَيْهَا. ونَطَا الرَّجلُ: سَكَتَ. وَفِي حَدِيثِ

زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، رضي الله عنه: كنتُ مَعَ رسولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يُمْلي عليَّ كِتَابًا وأَنا أَسْتَفهمُه، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: انْطُ

أَي اسْكُتْ، بِلُغَةِ حِمْيَر. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَقَدْ شَرَّفَ سيدُنا رسولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، هَذِهِ اللغةَ وَهِيَ حِمْيَرِيَّة. قَالَ الْمُفَضَّلُ وَزَجَرَ لِلْعَرَبِ تَقَوَّلَهُ لِلْبَعِيرِ تَسْكِينًا لَهُ إِذا نَفَرَ: انْطُ فيَسْكُن، وَهِيَ أَيضاً إِشْلاء لِلْكَلْبِ. وأَنْطَيْتُ: لُغَةٌ فِي أَعطيت، وَقَدْ قُرِئَ:

إِنَّا أَنْطَيْناك الكَوْثَرَ

؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:

مِنَ المُنْطِياتِ المَوْكِبَ المَعْجَ بَعْدَ ما

يُرَى، فِي فُرُوعِ المُقْلَتَينِ، نُضُوبُ

والأَنْطاء: العَطِيّاتُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

وإِنَّ مالَ اللهِ مَسْؤولٌ ومُنْطًى

، أَي مُعْطًى. وَرَوَى

الشَّعْبِيُّ أَن رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِرَجُلٍ: أَنْطِه كَذَا وَكَذَا

أَي أَعْطِه. والإِنْطَاء: لُغَةٌ فِي الإِعْطاءِ، وَقِيلَ: الإِنطاءُ الإِعطاءُ، بِلُغَةِ أَهل الْيَمَنِ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:

لَا مانِعَ لِمَا أَنْطَيْتَ وَلَا مُنْطِيَ لَمَا مَنَعْتَ

، قَالَ: هُوَ لُغَةُ أَهل الْيَمَنِ فِي أَعْطَى. وَفِي الْحَدِيثِ:

اليدُ المُنطِيةُ خَيرٌ مِنَ اليدِ السُّفلى.

وَفِي كِتَابِهِ لِوَائِلٍ: وأَنْطُوا الثَّبَجَةَ. والتَّنَاطِي: التَّسابُقُ فِي الأَمرِ. وتَنَاطَاه: مارَسَه. وَحَكَى أَبو عُبَيْدٍ: تَنَاطَيْتُ الرِّجالَ تَمَرَّسْتُ بِهِمْ. وَيُقَالُ: لَا تُناطِ الرِّجالَ أَي لَا تَمرَّسْ بِهِمْ وَلَا تُشارِّهِم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه غَلَطًا، وإِنما هُوَ تَنَاطَيْت الرجالَ وَلَا تَنَاطَ الرجالَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:

وهُمُ العَشِيرةُ إِنْ تَنَاطَى حاسِدٌ

أَي هُمْ عَشِيرَتِي إِن تَمَرَّسَ بِي عَدُوّ يَحْسُدني. والتَّنَاطِي: تَعاطي الْكَلَامِ وتَجاذُبه. والمُنَاطَاةُ: المُنازَعةُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا عَلَى هَذَا بِالْوَاوِ لِوُجُودِ ن ط وو عدم ن ط ي، وَاللَّهُ أَعلم.

نعا: النَّعْوُ: الدائرةُ تَحْتَ الأَنف. والنَّعْو الشَّقُّ فِي مِشْفَر البَعِير الأَعْلى، ثُمَّ صَارَ كلُّ فَصْلٍ نَعْواً؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

تُمِرُّ عَلَى الوِراكِ، إِذا المَطايا

تقايَسَتِ النَّجادَ مِنَ الوَجِينِ،

خَريعَ النَّعْوِ مُضْطَرِبَ النَّواحي،

كأَخْلاقِ الغَريفةِ ذِي غُضُونِ «2»

خَريعُ النَّعْوِ: لَيِّنُه أَي تُمِرُّ مِشْفَراً خَريع النَّعْوِ عَلَى الوِراك، والغَريفةُ النَّعل. وَقَالَ اللحياني: النَّعْوُ مشَقُّ مِشْفَرِ الْبَعِيرِ فَلَمْ يَخُصَّ الأَعلى وَلَا الأَسفل، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ نُعِيٌّ لَا غَيْرُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: النَّعْوُ مَشَقُّ المِشفر، وَهُوَ لِلْبَعِيرِ بِمَنْزِلَةِ التَّفِرة للإِنسان. ونَعْوُ الحافِر: فَرْجُ مُؤخَّره؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والنَّعْوُ: الفَتْقُ الَّذِي فِي أَلْيَة حافِرِ الفَرَس. والنَّعْوُ: الرُّطَبُ. والنَّعْوَةُ: مَوْضِعٌ، زَعَمُوا. والنُّعَاء: صَوْتُ السِّنَّوْر؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قضينا

(2). قوله [ذي غضون] كذا هو في الصحاح مع خفض الصفتين قبله، وفي التكملة والرواية: ذا غضون، والنصب في عين خريع وباء مضطرب مردوداً عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ تمرّ.

ص: 333

عَلَى هَمْزَتِهَا أَنها بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ لأَنهم يَقُولُونَ فِي مَعْنَاهُ المُعاء، وَقَدْ مَعا يَمْعُو، قَالَ: وأَظنُّ نُونَ النُّعَاء بَدَلًا مِنْ مِيمِ الْمِعَاءِ. والنَّعْيُ: خَبَر الْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ النَّعِيُّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والنَّعْيُ والنَّعِيُّ، بِوَزْنِ فَعيل، نِداء الدَّاعِي، وَقِيلَ: هُوَ الدُّعاء بِمَوْتِ الْمَيِّتِ والإِشْعارُ بِهِ، نَعَاه يَنْعَاه نَعْياً ونُعْيَاناً، بِالضَّمِّ. وَجَاءَ نَعِيُّ فلانٍ: وَهُوَ خَبَرُ مَوْتِهِ. وَفِي الصِّحَاحِ: والنَّعْيُ والنَّعِيُّ، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: النَّعِيُّ الرَّجل الميِّت، والنَّعْيُ الفِعْل؛ وأَوقع ابْنُ مَجْكان النَّعْيَ عَلَى النَّاقَةِ العَقير فَقَالَ:

زَيَّافةٍ بنْتِ زَيَّافٍ مُذَكَّرةٍ،

لَمَّا نَعَوْها لِراعي سَرْحِنا انْتَحَبا

والنَّعِيُّ: المَنْعِيُّ. وَالنَّاعِي: الَّذِي يأْتي بِخَبَرِ الْمَوْتِ؛ قَالَ:

قامَ النَّعِيُّ فأَسْمَعا،

ونَعَى الكَريمَ الأَرْوَعا

ونَعاءِ: بِمَعْنَى انْعَ. وَرُوِيَ عَنْ شدَّاد بْنِ أَوس أَنه قَالَ: يَا نَعايا الْعَرَبِ. وَرُوِيَ عَنِ الأَصمعي وَغَيْرِهِ: إِنما هُوَ فِي الإِعراب يَا نَعَاءِ العَرَبَ، تأْويلُه يَا هَذَا انْعَ العربَ؛ يأْمر بِنَعْيِهِمْ كأَنه يَقُولُ قَدْ ذَهَبَتِ العربُ. قَالَ ابْنُ الأَثير فِي حَدِيثِ

شَدَّادِ بْنِ أَوس: يَا نَعايا الْعَرَبِ إِن أَخوف مَا أَخاف عَلَيْكُمُ الرِّياء والشَّهْوةُ الخَفِيَّةُ

، وَفِي رِوَايَةٍ: يَا نُعْيانَ العربِ.

يُقَالُ: نَعَى الميتَ يَنْعاهُ نَعْياً ونَعِيّاً إِذا أَذاعَ مَوْتَهُ وأَخبر بِهِ وإِذا نَدَبَه. قَالَ الزَّمخشري: فِي نَعايا ثَلَاثَةُ أَوجه: أَحدها أَن يَكُونَ جَمْعَ نَعِيٍّ وَهُوَ الْمَصْدَرُ كصَفِيٍّ وصَفايا، وَالثَّانِي أَن يَكُونَ اسْمَ جَمْعٍ كَمَا جَاءَ فِي أَخِيَّةٍ أَخايا، وَالثَّالِثُ أَن يَكُونَ جَمْعَ نَعاءِ الَّتِي هِيَ اسْمُ الْفِعْلِ، وَالْمَعْنَى يَا نَعايا الْعَرَبِ جِئنَ فَهَذَا وقَتكنَّ وزمانكُنَّ، يُرِيدُ أَن الْعَرَبَ قَدْ هَلَكَتْ. والنُّعْيان مَصْدَرٌ بِمَعْنَى النَّعْي. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: خَفْض نَعاءِ مِثْلُ قَطامِ ودَراكِ ونَزال بِمَعْنَى أَدْرِكْ وانْزِلْ؛ وأَنشد لِلْكُمَيْتِ:

نَعَاءِ جُذاماً غَيْرَ مَوتٍ وَلَا قَتْلِ،

ولكِنْ فِراقاً للدَّعائِمِ والأَصْلِ

وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذا قُتِلَ مِنْهُمْ شَرِيفٌ أَو مَاتَ بَعَثُوا رَاكِبًا إِلى قَبَائِلِهِمْ يَنْعاه إِليهم فنَهى النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كَانَتِ الْعَرَبُ إِذا مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ لَهُ قَدْرٌ رَكِبَ رَاكِبٌ فَرَسًا وَجَعَلَ يَسِيرُ فِي النَّاسِ وَيَقُولُ: نَعَاءِ فُلَانًا أَي انْعَه وأَظْهِرْ خَبَرَ وَفَاتِهِ، مبنيةٌ عَلَى الْكَسْرِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي هَلَكَ فُلَانٌ أَو هَلكت الْعَرَبُ بِمَوْتِ فُلَانٍ، فَقَوْلُهُ يَا نعاءِ العربَ مَعَ حَرْفِ النِّدَاءِ تَقْدِيرُهُ يَا هَذَا انْعَ الْعَرَبَ، أَو يَا هَؤُلَاءِ انْعَوا الْعَرَبَ بِمَوْتِ فُلَانٍ، كَقَوْلِهِ: أَلا يَا اسْجُدوا أَي يَا هَؤُلَاءِ اسْجُدُوا، فِيمَنْ قرأَ بِتَخْفِيفٍ أَلا، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَرْوِيهِ يَا نُعْيانَ الْعَرَبِ، فَمَنْ قَالَ هَذَا أَراد الْمَصْدَرَ، قَالَ الأَزهري: وَيَكُونُ النُّعْيان جمعَ النَّاعِي كَمَا يُقَالُ لِجَمْعِ الرَّاعي رُعْيان، وَلِجَمْعِ الْبَاغِي بُغْيان؛ قَالَ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ لخَدَمه إِذا جَنَّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلُ فثَقِّبوا النِّيرَانَ فَوْقَ الإِكام يَضْوي إِليها رُعْيانُنا وبُغْيانُنا. قَالَ الأَزهري: وَقَدْ يُجْمَعُ النَّعِيُّ نَعَايَا كَمَا يُجْمع المَريُّ مِنَ النُّوق مَرايا والصَّفِيُّ صَفَايَا. الأَحمر: ذَهَبَتْ تَمِيمُ فَلَا تُنْعَى وَلَا تُسْهى أَي لَا تُذكر. والمَنْعَى والمَنْعَاة: خَبَرُ الْمَوْتِ، يُقَالُ: مَا كانَ مَنْعَى فُلَانٍ مَنْعَاةً وَاحِدَةً، وَلَكِنَّهُ كَانَ مَنَاعِيَ. وتَنَاعَى القومُ واسْتَنْعَوْا فِي

ص: 334

الْحَرْبِ: نَعَوْا قَتْلاهم ليُحرِّضوهم عَلَى الْقَتْلِ وطلَب الثأْر، وَفُلَانٌ يَنْعَى فُلَانًا إِذا طلَب بثأْره. والنَّاعِي: المُشَنِّع. ونَعَى عَلَيْهِ الشيءَ يَنْعَاه: قبَّحه وَعَابَهُ عَلَيْهِ ووبَّخه. ونَعَى عَلَيْهِ ذُنوبه: ذَكرها لَهُ وشَهَره بِهَا. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: إِن اللَّهَ تَعَالَى نَعى عَلَى قَوْمٍ شَهَواتِهم

أَي عَابَ عَلَيْهِمْ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه: تَنْعَى عليَّ امْرَأً أَكرمه اللَّهُ عَلَى يَدَيَ

أَي تَعِيبني بِقَتْلِي رَجُلًا أَكرمه اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى يدَيَّ؛ يَعْنِي أَنه كَانَ قَتَلَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَن يُسْلِمَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى يَعْقُوبَ حَكَى فِي الْمَقْلُوبِ نَعَّى عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ ذَكَرَهَا لَهُ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ: أَنْعَى عَلَيْهِ ونَعَى عَلَيْهِ شَيْئًا قَبِيحًا إِذا قَالَهُ تَشْنِيعاً عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُ الأَجدع الهمْداني:

خَيْلانِ مِنْ قَوْمِي وَمِنْ أَعْدائِهمْ

خَفَضُوا أَسِنَّتَهم، فكلٌّ نَاعِي

هُوَ مِنْ نَعَيْتُ. وَفُلَانٌ يَنْعَى عَلَى نَفْسِهِ بالفَواحش إِذا شَهَرَ نفسَه بتَعاطِيه الفَواحشَ، وَكَانَ امْرُؤُ الْقَيْسِ مِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ نَعَوْا عَلَى أَنفسهم بالفَواحش وأَظْهَرُوا التَّعَهُّر، وَكَانَ الْفَرَزْدَقُ فَعُولًا لِذَلِكَ. ونَعَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ أَمراً إِذا أَشادَ بِهِ وأَذاعه. واسْتَنْعَى ذِكرُ فُلَانٍ: شاعَ. واسْتَنْعَتِ الناقةُ: تقَدَّمت، واسْتَنْعَت تَرَاجَعَتْ نَافِرَةً أَو عَدَتْ بِصَاحِبِهَا. واسْتَنْعَى القومُ: تفَرَّقوا نَافِرِينَ. والاسْتِنْعَاء: شِبْهُ النِّفار. يُقَالُ: اسْتَنْعَى الإِبلُ وَالْقَوْمُ إِذا تفرَّقوا مِنْ شَيْءٍ وَانْتَشَرُوا. وَيُقَالُ: اسْتَنْعَيْت الغنَم إِذا تَقَدَّمْتَها ودَعَوْتَها لِتَتْبَعَكَ. واسْتَنْعَى بِفُلَانٍ الشرُّ إِذا تَتَابَعَ بِهِ الشَّرُّ، واستَنْعَى بِهِ حُبُّ الخَمر أَي تَمادى بِهِ، وَلَوْ أَن قَوْمًا مُجْتَمِعِينَ قِيلَ لَهُمْ شَيْءٌ فَفَزِعُوا مِنْهُ وتفَرَّقوا نَافِرِينَ لَقُلْتَ: اسْتَنْعَوْا. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ الْمَقْلُوبِ: اسْتَنَاعَ واسْتَنْعَى إِذا تقدَّم، وَيُقَالُ: عطَفَ؛ وأَنشد:

ظَلِلْنا نَعُوجُ العِيسَ فِي عَرصَاتِها

وُقوفاً، ونَسْتَنْعِي بِهَا فنَصُورُها

وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

وَكَانَتْ ضَرْبَةً مِنْ شَدْقَمِيٍّ،

إِذا مَا اسْتَنَّتِ الإِبلُ اسْتَناعا

وَقَالَ شِمْرٌ: اسْتَنْعَى إِذا تقدَّم لِيَتْبَعُوهُ، وَيُقَالُ: تَمادى وتتابع. قال: ورُبَّ ناقةٍ يَسْتَنْعِي بِهَا الذئبُ أَي يَعْدُو بَيْنَ يَدَيْهَا وَتُتْبِعُهُ حَتَّى إِذا امَّازَ بِهَا عَنِ الحُوارِ عَفَقَ عَلَى حُوارِها مُحْضِراً فَافْتَرَسَهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والإِنْعَاء أَن تَسْتَعِيرَ فَرَسًا تُراهِنُ عَلَيْهِ وذِكْرُه لِصَاحِبِهِ؛ حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَقَالَ: لا أَحُقُّه.

نغي: النَّغْيَةُ: مِثْلُ النَّغمة، وَقِيلَ: النَّغْية مَا يُعْجِبك مِنْ صَوْتٍ أَو كَلَامٍ. وَسَمِعْتُ نَغْيةً مِنْ كَذَا وَكَذَا أَي شَيْئًا مِنْ خَبَرٍ؛ قَالَ أَبو نُخَيْلة:

لَمَّا أَتَتْني نَغْيَةٌ كالشُّهْدِ،

كالعَسَل المَمْزوج بَعْدَ الرَّقْدِ،

رَفَّعْتُ مِنْ أَطْمارِ مُسْتَعِدِّ،

وقلْتُ للعِيسِ: اغْتَدي وجِدِّي «1»

يَعْنِي وِلَايَةَ بَعْضِ وَلَدِ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَظنه هِشَامًا. أَبو عَمْرٍو: النَّغْوة والمَغْوَةُ النَّغْمة. يُقَالُ: نَغَوْتُ ونَغَيْتُ نَغْوَةً ونَغْيَةً، وَكَذَلِكَ مَغَوْت ومَغَيْتُ. وَمَا سَمِعْتُ لَهُ نَغْوَةً أَي كَلِمَةً. والنَّغْيَةُ مِنَ الْكَلَامِ والخبرِ: الشيءُ تَسمعه وَلَا تَفْهَمُهُ، وَقِيلَ: هُوَ أَوَّل مَا يُبَلِّغُكَ مِنَ الْخَبَرِ قَبْلَ أَن تَسْتَبِيَنَهُ. ونَغَى إِليه نَغْيَةً: قال له

(1). قوله

[وَقُلْتُ لِلْعِيسِ اغْتَدِي وَجِدِّيِّ]

هكذا في الأصل ونسختين من الصحاح، والذي في التكملة: وقلت للعنس، بالنون، اغتلي، باللام.

ص: 335

قَوْلًا يَفْهَمُهُ عَنْهُ. والمُناغاةُ: المغازَلة. والمُنَاغَاة: تَكْلِيمُكَ الصَّبيَّ بِمَا يَهْوى مِنَ الْكَلَامِ. والمرأَة تُنَاغِي الصبيَّ أَي تُكَلِّمُهُ بِمَا يُعْجِبه ويَسُرُّه. ونَاغَى الصبيَّ: كلَّمه بِمَا يَهواه ويَسُرُّه؛ قَالَ:

وَلِمَ يَكُ فِي بُؤْسٍ، إِذا بَاتَ لَيْلَةً

يُنَاغِي غَزالًا فاتِرَ الطَّرْفِ أَكْحَلا

الْفَرَّاءُ: الإِنْغَاء كَلَامُ الصِّبْيَانِ. وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى: مُنَاغَاةُ الصَّبِيِّ أَن يَصِيرَ بحِذاء الشَّمْسِ فيُناغِيها كَمَا يُناغي الصبيُّ أُمَّه. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه كَانَ يُنَاغِي القمرَ فِي صِباه

؛ المُناغاةُ: الْمُحَادَثَةُ. وناغَتِ الأُمُّ صبيَّها: لاطَفَتْه وشاغَلَته بِالْمُحَادَثَةِ والمُلاعبة. وَتَقُولُ: نَغَيْت إِلى فُلَانٍ نَغْيَةً ونَغَى إِليَّ نَغْيَةً إِذا أَلقى إِليك كَلِمَةً وأَلقيت إِليه أُخرى. وإِذا سَمِعْتَ كَلِمَةً تُعْجِبُكَ تَقُولُ: سَمِعْتُ نَغْيَةً حَسَنة. الْكِسَائِيُّ: سَمِعْتُ لَهُ نَغْيَةً وَهُوَ مِنَ الْكَلَامِ الحسنُ. ابْنُ الأَعرابي: أَنْغَى إِذا تَكلَّم بِكَلَامٍ «1» ، ونَاغَى إِذا كلَّم صَبِيًّا بِكَلَامٍ مَلِيحٍ لَطِيفٍ. وَيُقَالُ لِلْمَوْجِ إِذا ارْتَفَعَ:؛ كَادَ يُنَاغِي السحابَ. ابْنُ سِيدَهْ: نَاغَى الموجُ السحابَ كَادَ يَرْتَفِعُ إِلَيْهِ؛ قَالَ:

كأَنَّكَ بالمُبارَكِ، بَعْدَ شَهْرٍ،

يُنَاغِي مَوْجُه غُرَّ السَّحابِ

المُبارَكُ: مَوْضِعٌ. التَّهْذِيبُ: يقالُ إِنَّ ماءَ رَكِيَّتنا يُنَاغِي الْكَوَاكِبَ، وَذَلِكَ إِذا نَظَرْتَ فِي الْمَاءِ ورأَيت بَريقَ الْكَوَاكِبِ، فإِذا نَظَرْتَ إِلى الْكَوَاكِبِ رأَيتها تتحرَّك بتحَرُّك الْمَاءِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

أَرْخَى يَدَيه الأُدْمِ وَضَّاح اليَسَر،

فتَركَ الشمسَ يُنَاغِيهِ القَمَر

أَي صَبَّ لَبناً فَتَرَكَهُ يُناغِيه القمرُ، قَالَ: والأُدْم السَّمْن. وَهَذَا الْجَبَلُ يُناغِي السماءَ أَي يُدانيها لطوله.

نفي: نفَى الشيءُ يَنْفِي نَفْياً: تنَحَّى، ونَفَيْتُه أَنَا نَفْياً؛ قَالَ الأَزهري: وَمِنْ هَذَا يُقَالُ نَفَى شَعَرُ فُلَانٍ يَنْفِي إِذا ثارَ واشْعانَّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظي لعُمر بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ اسْتُخْلِفَ فَرَآهُ شَعِثاً فأَدام النَّظَرَ إِليه فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا لَك تُديمُ النَّظَرَ إِليَّ؟ فَقَالَ: أَنْظُرُ إِلى مَا نَفى مِنْ شَعَرك وحالَ مِنْ لونِك؛ وَمَعْنَى نَفَى هَاهُنَا أَي ثارَ وَذَهَبَ وشَعِثَ وَتَسَاقَطَ، وَكَانَ رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ نَاعِمًا فَيْنانَ الشَّعَر فَرَآهُ مُتَغَيِّرًا عَمَّا كَانَ عَهِده، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ وأَدام النَّظَرَ إِليه، وَكَانَ عُمَرُ قَبْلَ الْخِلَافَةِ مُنَعَّماً مُتْرَفاً، فَلَمَّا اسْتُخْلِف تَشَعَّث وتَقَشَّف. وانْتَفَى شعرُ الإِنسان ونَفَى إِذا تَسَاقَطَ. والسَّيْل يَنْفِي الغُثاء: يَحْمِلُهُ وَيَدْفَعُهُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ يَرَاعًا:

سَبيّ مِنْ أَباءَتِهِ نَفاهُ

أَتيٌّ مَدَّهُ صُحَرٌ ولُوبُ «2»

ونَفَيَانُ السَّيْلِ: مَا فَاضَ مِنْ مُجْتَمَعِهِ كأَنه يَجْتَمِعُ فِي الأَنهار الإِخاذاتُ ثُمَّ يَفِيضُ إِذا ملأَها، فَذَلِكَ نَفَيانُه. ونَفَى الرجلُ عَنِ الأَرض ونَفَيْتُه عَنْهَا: طَرَدْتُهُ فانْتَفى؛ قَالَ القُطامي:

فأَصْبح جاراكُمْ قَتِيلًا ونَافِياً

أَصَمَّ فَزَادُوا، فِي مَسامِعِه، وَقْرا

أَي مُنْتَفِياً. ونَفَوْته: لُغَةٌ فِي نَفَيْته. يقال:

(1). قوله [ابن الأعرابي أَنْغَى إلخ] عبارته في التهذيب: أَنْغَى إِذا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَا يُفْهَمُ، وأَنْغَى أيضاً إذا تكلم بكلام يفهم، ويقال: نَغَوْت أَنْغُو ونَغَيْتُ أَنْغِي، قال وأَنْغَى ونَاغَى إذا كلم إلى آخر ما هنا.

(2)

. قوله [من أباءته] تقدم في مادة صحر: من يراعته، وفسرها هناك.

ص: 336

نَفَيْت الرجلَ وغيرَه أَنْفِيه نَفْياً إِذا طَرَدْتَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ

؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ مَن قَتَله فدَمُه هَدَرٌ أَي لَا يطالَب قَاتِلُهُ بِدَمِهِ، وَقِيلَ: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ

يُقاتَلون حَيْثُما تَوَجَّهوا مِنْهَا لأَنه كونٌ، وَقِيلَ: نَفْيُهم إِذا لَمْ يَقْتلوا وَلَمْ يأْخذوا مَالًا أَن يُخَلَّدوا فِي السِّجْنِ إِلا أَن يَتُوبُوا قَبْلَ أَن يُقْدَر عَلَيْهِمْ. ونَفْيُ الزَّانِي الَّذِي لَمْ يُحْصِنْ: أَن يُنْفى مِنْ بَلَدِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ إِلى بَلَدٍ آخَرَ سَنَةً، وَهُوَ التَّغْرِيبُ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. ونَفْيُ المُخَنَّث: أَن لَا يُقَرّ فِي مُدُنِ الْمُسْلِمِينَ؛

أَمَرَ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، بنَفْي هِيتٍ وماتعٍ وَهُمَا مُخَنَّثان كَانَا بِالْمَدِينَةِ

؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اسْمُهُ هِنْبٌ، بِالنُّونِ، وإِنما سُمِّيَ هِنْباً لِحُمْقِهِ. وانْتَفَى مِنْهُ: تبرَّأَ. ونَفَى الشيءَ نَفْياً: جَحَده. ونَفَى ابنَه: جحَده، وَهُوَ نَفِيٌّ مِنْهُ، فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. يُقَالُ: انْتَفَى فُلَانٌ مِنْ وَلَدِهِ إِذا نَفاه عَنْ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدًا. وانْتَفَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ وانْتَفَل مِنْهُ إِذا رَغِب عَنْهُ أَنَفاً واستِنْكافاً. وَيُقَالُ: هَذَا يُنَافِي ذَلِكَ وَهُمَا يَتَنافَيانِ. ونَفَتِ الريحُ التُّرَابَ نَفْياً ونَفَيَاناً: أَطارته. والنَّفِيُّ: مَا نَفَتْه. وَفِي الْحَدِيثِ:

الْمَدِيِنَةُ كالكِيرِ تَنْفِي خَبَثَها

أَي تُخْرِجُهُ عَنْهَا، وَهُوَ مِنَ النَّفْي الإِبْعادِ عَنِ الْبَلَدِ. يُقَالُ: نَفَيْته أَنْفِيه نَفْياً إِذا أَخرجته مِنَ الْبَلَدِ وَطَرَدْتَهُ. ونَفِيُّ القِدْرِ: مَا جَفَأَتْ بِهِ عِنْدَ الغَلْي. اللَّيْثُ: نَفِيُّ الرِّيحِ مَا نَفَى مِنَ التُّرَابِ مِنْ أُصول الْحِيطَانِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَلِكَ نَفِيُّ الْمَطَرِ ونَفِيُّ القِدْر. الْجَوْهَرِيُّ: نَفِيُّ الرِّيحِ مَا تَنْفي فِي أُصول الشَّجَرِ مِنَ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ، والنَّفَيان مِثْلُهُ، ويُشَبّه بِهِ مَا يَتَطَرَّف مِنْ مُعْظَمِ الْجَيْشِ؛ وَقَالَتِ الْعَامِرِيَّةُ:

وحَرْبٍ يَضِجُّ القومُ مِنْ نَفَيانِها،

ضَجِيجَ الجِمالِ الجِلَّةِ الدَّبِرات

ونَفَتِ السحابةُ الماءَ: مَجَّته، وَهُوَ النَّفَيان؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ السَّحَابُ يَنْفي أَوَّلَ شيءٍ رَشًّا أَو بَرَداً، وَقَالَ: إِنما دَعَاهُمْ لِلتَّحْرِيكِ أَنَّ بَعْدَهَا سَاكِنًا فحرَّكوا كَمَا قَالُوا رَمَيَا وغَزَوَا، وَكَرِهُوا الْحَذْفَ مَخَافَةَ الِالْتِبَاسِ، فَيَصِيرُ كأَنه فَعَالٌ مِنْ غَيْرِ بَنَاتِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ، وَهَذَا مُطَّرِد إِلا مَا شَذَّ. الأَزهري: ونَفَيانُ السحابِ مَا نَفته السَّحَابَةُ مِنْ مَائِهَا فأَسالته؛ وَقَالَ سَاعِدَةُ الْهُذَلِيُّ:

يَقْرُو بِهِ نَفَيانَ كلِّ عَشِيَّةٍ،

فالماءُ فوقَ مُتونِه يَتَصَبَّبُ

ونفو

النَّفْوةُ: الخَرْجة مِنْ بَلَدٍ إِلى بَلَدٍ. وَالطَّائِرُ يَنْفِي بِجَنَاحَيْهِ نَفَياناً كَمَا تَنْفي السحابةُ الرَّشَّ والبَرَدَ. والنَّفَيانُ والنَّفِيُّ والنَّثِيُّ: مَا وقَع عَنِ الرِّشاء مِنَ الْمَاءِ عَلَى ظَهْرِ المُسْتَقِي لأَن الرِّشاء يَنْفيه، وَقِيلَ: هُوَ تطايُر الْمَاءِ عَنِ الرِّشاء عِنْدَ الِاسْتِقَاءِ، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الطِّينِ. الْجَوْهَرِيُّ: ونَفِيُّ الْمَطَرِ، عَلَى فَعِيل، مَا تَنْفِيه وتَرُشُّه، وَكَذَلِكَ مَا تَطَايَرَ مِنَ الرِّشَاءِ عَلَى ظَهْر الْمَاتِحِ؛ قَالَ الأَخيل:

كأَنَّ مَتْنَيْهِ مِنَ النَّفِيّ،

مِن طُولِ إِشْرافِي عَلَى الطَّويّ،

مَواقِعُ الطَّيْرِ عَلَى الصُّفِيّ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَا أَنشده أَبو عَلِيٍّ، وأَنشده ابْنُ دُرَيْدٍ فِي الْجَمْهَرَةِ: كأَنَّ مَتْنَيَّ، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ:

مِنْ طُولِ إِشرافي عَلَى الطَّوِيِّ

وَفَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: شَبَّه الْمَاءَ وَقَدْ وَقَعَ عَلَى مَتْنِ المُسْتَقِي بذَرْقِ الطَّائِرِ عَلَى الصُّفِيّ؛ قَالَ الأَزهري:

ص: 337

هَذَا ساقٍ كَانَ أَسْوَدَ الجِلْدة واسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ مِلْحٍ، وَكَانَ يَبْيَضُّ نَفِيُّ الْمَاءِ عَلَى ظَهْرِهِ إِذا تَرَشَّشَ لأَنه كَانَ مِلْحاً. ونَفِيُّ الْمَاءِ: مَا انْتَضَحَ مِنْهُ إِذا نُزِع مِنَ الْبِئْرِ. والنَّفِيُّ: مَا نَفَتْه الحَوافِر مِنَ الحَصَى وَغَيْرِهِ فِي السَّيْرِ. وأَتاني نَفِيُّكم أَي وَعِيدُكُمُ الَّذِي تُوعِدُونَنِي. ونُفَايَةُ الشيءِ: بَقِيَّتُهُ وأَردؤه، وكذلك نفو

نُفاوته ونَفاته ونَفايَتُه ونفو

نِفْوَته ونِفْيته ونَفِيُّه، وَخَصَّ ابْنُ الأَعرابي بِهِ رَدِيءَ الطَّعَامِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَذَكَرْنَا نفو

النِّفْوة ونفو

النُّفاوة هَاهُنَا لأَنها مُعَاقَبَةٌ، إِذ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ ن ف ووضعاً. والنُّفايةُ: المَنفِيُّ الْقَلِيلُ مِثْلُ البُراية والنُّحاتة. أَبو زَيْدٍ: النِّفْية ونفو

النِّفْوة وَهُمَا الِاسْمُ لنَفِيِّ الشَّيْءِ إِذا نَفَيْته. الجوهري: ونفو

النِّفْوَة، بِالْكَسْرِ، والنِّفْيَة أَيضاً كُلُّ مَا نَفَيْتَ. والنُّفَايَة، بِالضَّمِّ: مَا نَفَيْته مِنَ الشَّيْءِ لرداءَته. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ لِلدَّائِرَةِ الَّتِي فِي قُصَاصِ الشَّعَرِ النَّافِية، وقُصاصُ الشَّعَرِ مُقدَّمه. وَيُقَالُ: نَفَيتُ الشعرَ أَنْفِيه نَفْياً ونُفاية إِذا رَدَدْتَه. والنَّفِيّة: شِبْه طَبَق مِنْ خُوصٍ يُنْفى بِهِ الطَّعَامُ. والنَّفِيَّة والنُّفْيَة: سُفرة مُدَوَّرَة تُتَّخَذُ مِنْ خُوصٍ؛ الأَخيرة عَنِ الْهَرَوِيِّ. ابْنُ الأَعرابي: النُّفْيَة والنَّفِيَّة شَيْءٌ مُدوَّر يُسَفُّ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ، تُسَمِّيهَا النَّاسُ النَّبِيَّة وَهِيَ النَّفِيَّة. وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ

زَيْدِ بْنِ أَسلم قَالَ: أَرسلني أَبي إِلى ابْنِ عُمَرَ، وَكَانَ لَنَا غَنَمٌ، فَجِئْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقُلْتُ: أَأَدخل وأَنا أَعرابي نشأْت مَعَ أَبي فِي الْبَادِيَةِ؟ فكأَنه عَرَفَ صَوْتِي فَقَالَ: ادْخُلْ، وَقَالَ: يَا ابْنَ أَخي إِذا جِئْتَ فَوَقَفْتَ عَلَى الْبَابِ فَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فإِذا ردُّوا عَلَيْكَ السَّلَامَ فَقُلْ أَأَدخل؟ فإِن أَذِنوا وإِلا فَارْجِعْ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبي أَرسلني إِليك تَكْتُبُ إِلى عَامِلِكَ بِخَيْبَرَ يَصْنَعُ لَنَا نَفِيَّتَيْن نُشَرِّرُ عَلَيْهِمَا الأَقطَ، فأَمر قَيِّمه لنا بذلك، فبينا أَنا عِنْدَهُ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ مِنَ الْبَيْتِ إِلى الحُجْرة وإِذا عَلَيْهِ مِلحفة يَجُرُّها فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فإِني سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلى عَبْدٍ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مِنَ الخُيلاء، فَقَالَ: يَا أَبتِ إِنما بِي دَمَامِيلُ

؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: أَراد بِنَفِيَّتَين سُفْرتين مِنْ خُوصٍ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُرْوَى

نَفِيتَيْن

، بِوَزْنِ بَعِيرَيْنِ، وإِنما هُوَ نَفِيَّتَيْن، عَلَى وَزْنِ شَقِيَّتين، وَاحِدَتُهُمَا نَفِيَّة كطَوِيَّة، وَهِيَ شَيْءٌ يُعْمَلُ مِنَ الْخُوصِ شِبه الطَّبَق عَرِيضٌ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَالَ النَّضِرُ النُّفْتة بِوَزْنِ الظُّلْمة، وَعِوَضُ الْيَاءِ تَاءٌ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ بِالْيَاءِ وَجَمْعُهَا نُفًى كنُهْية ونُهًى، وَالْكُلُّ شَيْءٌ يُعْمَلُ مِنَ الْخُوصِ مدوَّر وَاسِعٌ كَالسُّفْرَةِ. والنَّفِيُّ، بِغَيْرِ هَاءٍ: تُرْسٌ يُعْمَلُ مِنْ خُوصٍ. وكلُّ مَا رَدَدْتَهُ فَقَدْ نَفَيته. ابْنُ بَرِّيٍّ: والنُّفَأُ لُمَعٌ مِنَ الْبَقْلِ، واحدتُه نُفْأَةٌ؛ قَالَ:

نُفَأٌ مِنَ القُرَّاصِ والزُّبّاد

وَمَا جَرَّبْتُ عَلَيْهِ نُفْية فِي كَلَامِهِ أَي سقَطةً وَفَضِيحَةً. ونَفَيْتُ الدَّراهم: أَثَرْتُها لِلِانْتِقَادِ؛ قَالَ:

تَنْفِي يَداها الحَصَى فِي كُلِّ هاجِرةٍ،

نَفْيَ الدراهِمِ تَنْقادُ الصَّياريف

نقا: النُّقَاوَةُ: أَفضلُ مَا انتَقَيْتَ مِنَ الشَّيْءِ. نَقِيَ الشيءُ، بِالْكَسْرِ، يَنْقَى نَقاوةً، بِالْفَتْحِ، ونَقاءً فَهُوَ نَقِيٌّ أَي نَظِيفٌ، وَالْجَمْعُ نِقاءٌ ونُقَواء، الأَخيرة نَادِرَةٌ. وأَنْقَاه وتَنَقَّاه وانْتَقَاه: اخْتَارَهُ. ونَقَوةُ الشَّيْءِ ونَقَاوَتُه ونُقَاوَتُه ونُقَايَتُه ونَقاته: خِيارُه، يَكُونُ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ. الْجَوْهَرِيُّ: نُقَاوَة الشَّيْءِ خِياره، وَكَذَلِكَ النُّقَايَة، بِالضَّمِّ فِيهِمَا،

ص: 338

كأَنه بُنِيَ عَلَى ضِدِّهِ، وَهُوَ النُّفاية، لأَن فُعالة تَأْتِي كَثِيرًا فِيمَا يَسقُط مِنْ فَضْلة الشَّيْءِ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَجَمْعُ النُّقَاوة نُقاً ونُقاءٌ، وَجَمْعُ النُّقاية نَقايا ونُقاءٌ، وَقَدْ تَنَقَّاهُ وانْتَقاه وانْتَاقَه، الأَخير مَقْلُوبٌ؛ قَالَ:

مِثْل القِياسِ انْتاقَها المُنَقِّي

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنْ النِّيقَةِ. والتّنْقِيةُ: التَّنْظِيفُ. والانْتِقاءُ: الِاخْتِيَارُ. والتَّنَقِّي: التَّخيُّر. وَفِي الْحَدِيثِ:

تَنَقَّهْ وتَوَقّهْ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِالنُّونِ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ تَخيّر الصديقَ ثُمَّ احْذَرْه؛ وَقَالَ غيره: تَبَقَّه، بالياءِ، أَي أَبْقِ الْمَالَ وَلَا تُسرف فِي الإِنفاق وتَوقّ فِي الِاكْتِسَابِ. وَيُقَالُ: تَبَقَّ بِمَعْنَى اسْتَبْقِ كالتَقَصِّي بِمَعْنَى الِاسْتِقْصَاءِ. ونَقَاةُ الطَّعَامِ: مَا أُلقِيَ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا يَسْقُط مِنْهُ مِنْ قُماشه وتُرابه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ النُّقَاةُ، بِالضَّمِّ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ، وَقِيلَ: نَقاتُه ونَقَايَتُه ونُقَايَتُه رَدِيئُهُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والأَعرف فِي ذَلِكَ نَقاتُه ونُقايَتُه. اللِّحْيَانِيُّ: أَخذتُ نُقايَتَه ونُقاوتَه أَي أَفضله. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَقاةُ كلِّ شَيْءٍ رَدِيئُهُ مَا خَلَا التَّمْرَ فإِن نَقاتَه خِيارُه، وَجَمْعُ النُّقَاوة نُقَاوَى ونُقَاء، وَجَمْعُ النُّقَاية نَقايا ونُقاء، مَمْدُودٌ. والنَّقاوةُ: مَصْدَرُ الشَّيْءِ النَّقِيِّ. يُقَالُ: نَقِيَ يَنْقَى نَقاوةً، وأَنا أَنْقَيْتُه إِنْقاءً، والانْتِقاء تَجَوُّدُه. وانْتَقَيْتُ الشيءَ إِذا أَخذت خِياره. الأَموي: النَّقَاةُ مَا يُلْقى مِنَ الطَّعَامِ إِذا نُقِّيَ ورُمِيَ بِهِ؛ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنَ ابْنِ قَطَريٍّ، والنُّقاوة خِياره. وَقَالَ أَبو زِيَادٍ: النَّقاةُ والنُّقاية الرَّديء، والنُّقاوة الجَيّد. اللَّيْثُ: النَّقاءُ، مَمْدُودٌ، مَصْدَرُ النَّقِيِّ، والنَّقا، مَقْصُورٌ، مِنْ كُثْبان الرَّمْلِ، والنَّقاء، مَمْدُودٌ، النظافةُ، والنَّقَا، مَقْصُورٌ، الكثيبُ مِنَ الرَّمْلِ، والنَّقَا مِنَ الرَّمْلِ: القطعةُ تَنْقاد مُحْدَوْدِبةً، وَالتَّثْنِيَةُ نَقَوانِ ونَقَيانِ، وَالْجَمْعُ أَنْقَاءٌ ونُقِيٌّ؛ قَالَ أَبو نُخَيْلَةَ:

واسْتَرْدَفَتْ مِن عالجٍ نُقِيّا

وَفِي الْحَدِيثِ:

خَلَقَ اللَّهُ جُؤْجؤَ آدمَ مِنْ نَقا ضَريَّةَ

أَي مِنْ رَمْلِهَا، وضَريَّةُ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ نُسِبَ إِلى ضَرِيَّةَ بِنْتِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ بِئْرٍ. والنِّقْو «3» والنَّقَا: عَظْمُ العَضُد، وَقِيلَ: كُلُّ عَظْمٍ فِيهِ مُخٌّ، وَالْجَمْعُ أَنْقَاء. والنَّقْوُ: كُلُّ عَظْمٍ مِنْ قَصَب الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ نِقْوٌ عَلَى حِيَالِهِ. الأَصمعي: الأَنْقاء كُلُّ عَظْمٍ فِيهِ مُخٌّ، وَهِيَ القَصَب، قِيلَ فِي وَاحِدِهَا نِقْيٌ ونِقْوٌ. وَرَجُلٌ أَنْقَى وامرأَة نَقْوَاء: دَقِيقَا القَصَب؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: رَجُلٌ أَنْقَى دَقِيقُ عَظْمِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْفَخِذِ، وامرأَة نَقْواء. وفخِذٌ نَقْواء: دَقِيقَةُ القَصب نَحِيفَةُ الْجِسْمِ قَلِيلَةُ اللَّحْمِ فِي طُول. والنِّقْوُ، بِالْكَسْرِ، فِي قَوْلِ الْفَرَّاءِ: كُلَّ عَظْمٍ ذِي مُخٍّ، وَالْجَمْعُ أَنْقاءٌ. أَبو سَعِيدٍ: نِقَةُ الْمَالِ خِيارُه. ويقال: أَخذْتُ نِقَتي مِنَ الْمَالِ أَي مَا أَعجبني مِنْهُ وَآنَقَنِي. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: نِقَةُ الْمَالِ فِي الأَصل نِقْوَة، وَهُوَ مَا انْتُقِيَ مِنْهُ، وَلَيْسَ مِنَ الأَنَقِ فِي شَيْءٍ، وَقَالُوا: ثِقَةٌ نِقَةٌ فأَتْبَعُوا كأَنهم حَذَفُوا وَاوَ نِقْوَة؛ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ الأَعرابي. والنُّقَاوَى: ضَرْبٌ مِنَ الحَمْض؛ قَالَ الحَذْلَمي:

حَتَّى شَتَتْ مِثلَ الأَشاءِ الجُونِ،

إِلى نُقَاوَى أَمْعَزِ الدَّفِينِ

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: النُّقَاوَى تُخْرِجُ عِيداناً سَلِبةً لَيْسَ فِيهَا وَرَقٌ، وإِذا يَبست ابْيَضَّتْ، والناس

(3). قوله [والنقو إلخ] ضبط النقو بالكسر في الأصل والتهذيب وكذلك ضبط في المصباح، ومقتضى إطلاق القاموس أنه بالفتح.

ص: 339

يَغْسِلُونَ بِهَا الثِّيَابَ فَتَتْرُكُهَا بَيْضَاءَ بَيَاضًا شَدِيدًا، وَاحِدَتُهَا نُقَاوَاةٌ. ابْنُ الأَعرابي: هُوَ أَحمر كالنَّكَعة، وَهِيَ ثَمَرَةُ النُّقَاوَى، وهو نبت أَحمر؛ وأَنشد:

إِلَيْكُمْ لَا تَكُونُ لَكُمْ خَلاةً،

وَلَا نَكَع النُّقَاوَى إِذْ أَحالا

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: النُّقَاوَى ضَرْبٌ مِنَ النَّبْتِ، وَجَمْعُهُ نُقَاوَيات، وَالْوَاحِدَةُ نُقَاوَاةٌ ونُقَاوَى. والنُّقَاوَى: نَبْتٌ بِعَيْنِهِ لَهُ زَهْرٌ أَحمر. وَيُقَالُ للحُلَكة، وَهِيَ دُوَيْبَةٌ تَسْكُنُ الرَّمْلَ، كأَنها سَمَكَةٌ مَلْسَاءُ فِيهَا بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ: شَحْمة النَّقا، وَيُقَالُ لَهَا: بَنَاتُ النَّقَا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ وشبَّه بَنانَ الْعَذَارَى بِهَا:

بناتُ النَّقَا تَخْفى مِراراً وتظْهَرُ

وَفِي حَدِيثِ

أُم زَرْعٍ: ودائسٍ ومُنَقٍ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ، الَّذِي يُنَقِّي الطَّعَامَ أَي يُخْرِجُهُ مِنْ قِشْرِهِ وَتِبْنِهِ، وَرُوِيَ بِالْكَسْرِ، وَالْفَتْحُ أَشبه لِاقْتِرَانِهِ بِالدَّائِسِ، وهما مُخْتَصَّانِ بِالطَّعَامِ. والنَّقْيُ: مُخُّ الْعِظَامِ وشحمُها وشحمُ الْعَيْنِ مِنَ السِّمَن، وَالْجَمْعُ أَنْقَاء، والأَنقاء أَيضاً مِنَ الْعِظَامِ ذَوَاتُ الْمُخِّ، وَاحِدُهَا نِقْيٌ ونَقًى. ونَقَى الْعَظْمَ نَقْياً: اسْتَخْرَجَ نِقْيه. وانْتَقَيْتُ العظمَ إِذَا اسْتَخْرَجْتَ نِقْيَهُ أَي مُخَّهُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّي:

وَلَا يَسْرِقُ الكَلْبُ السَّرُوُّ نِعالَنا،

ولا يَنْتَقِي المُخَّ الَّذِي فِي الجَماجِمِ

وَفِي حَدِيثِ

أُم زَرْعٍ: لَا سَهْلٌ فيُرْتَقَى وَلَا سَمينٌ فيُنْتَقَى

أَي لَيْسَ لَهُ نِقْيٌ فَيُسْتَخْرَجُ، والنِّقْيُ: الْمُخُّ، وَيُرْوَى:

فَيُنْتَقَل

، بِاللَّامِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا تُجْزِئ فِي الأَضاحي الكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي

أَي الَّتِي لَا مُخَّ لَهَا لِضَعْفِهَا وهُزالها. وَفِي حَدِيثِ

أَبي وَائِلٍ: فغَبَطَ مِنْهَا شَاةً فَإِذَا هِيَ لَا تُنْقِي

؛ وَفِي تَرْجَمَةِ حَلَبَ:

يَبِيتُ النَّدى، يَا أُمَّ عمروٍ، ضَجِيعَه،

إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي المُنْقِياتِ حَلُوبُ

المُنْقياتُ: ذَوَاتُ الشَّحْمِ. والنِّقْيُ: الشَّحْمُ. يُقَالُ: نَاقَةٌ مُنْقِيَة إِذَا كَانَتْ سَمِينَةً. وَفِي حَدِيثِ

عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَصِفُ عُمَرَ، رضي الله عنه: ونَقتْ لَهُ مُخَّتَها

، يَعْنِي الدُّنْيَا يَصِفُ مَا فُتح عَلَيْهِ مِنْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:

الْمَدِيِنَةُ كَالْكِيرِ تُنْقِي خَبَثها

«1» ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالْفَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِالْقَافِ، فإِن كَانَتْ مُخَفَّفَةً فَهُوَ مِنْ إِخراج الْمُخِّ أَي تَسْتَخْرِجُ خَبَثَهَا، وإِن كَانَتْ مُشَدَّدَةً فَهُوَ مِنَ التَّنْقِيَة، وَهُوَ إِفراد الْجَيِّدِ مِنَ الرَّدِيءِ. وأَنْقَتِ الناقةُ: وَهُوَ أَول السِّمَن فِي الإِقبال وَآخِرُ الشَّحْمِ فِي الهُزال، وَنَاقَةٌ مُنْقِيَةٌ ونُوقٌ مَناقٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

لَا يَشْتَكِينَ عَملًا مَا أَنْقَيْنْ

وأَنْقى العُودُ: جَرَى فِيهِ الْمَاءُ وابْتَلَّ. وأَنْقَى البُرُّ: جَرَى فِيهِ الدَّقِيقُ، وَيَقُولُونَ لِجَمْعِ الشَّيْءِ النَّقِيِّ نِقاء. وَفِي الْحَدِيثِ:

يُحْشَرُ الناسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرض بَيْضَاءَ كقُرْصَةِ النَّقِيِ

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: النَّقِيُّ الحُوّارى؛ وأَنشد:

يُطْعِمُ الناسَ، إِذا أَمْحَلُوا،

مِنْ نَقِيٍّ فوقَه أُدُمُهْ

قَالَ ابْنُ الأَثير: النَّقِيُّ يَعْنِي الْخُبْزَ الحُوَّارى، قَالَ: وَمِنْهُ الْحَدِيثُ

مَا رأَى رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، النَّقِيَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَه اللهُ حتى قَبَضه.

وأَنْقَتِ

(1). قوله

[تُنْقِي خبثها]

كذا ضبط تنقي بضم التاء في غير نسخة من النهاية.

ص: 340

الإِبلُ أَي سَمِنت وَصَارَ فِيهَا نِقْيٌ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا؛ قَالَ الرَّاجِزُ فِي صِفَةِ الْخَيْلِ:

لَا يَشْتَكِينَ عَمَلًا مَا أَنْقَيْنْ،

مَا دَامَ مُخٌّ فِي سُلامى أَو عَيْنْ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الرَّجَزُ لأَبي مَيْمُونٍ النِّضْرِ بْنِ سَلَمَةَ؛ وَقَبْلَ الْبَيْتَيْنِ:

بَنات وَطَّاءٍ عَلَى خَدِّ اللَّيْلْ

وَيُقَالُ: هَذِهِ نَاقَةٌ مُنْقِيَةٌ وَهَذِهِ لَا تُنْقِي. وَيُقَالُ: نَقَوْت العَظْمَ ونَقَيْتُه إِذا اسْتَخْرَجْتَ النِّقْيَ مِنْهُ؛ قَالَ: وَكُلُّهُمْ يَقُولُ انْتَقَيْتُه. والنَّقِيُّ: الذَّكَر. والنَّقَى مِنَ الرَّمْلِ: الْقِطْعَةُ تَنْقَادُ مُحْدَوْدِبَةً، حَكَى يَعْقُوبُ فِي تَثْنِيَتِهِ نَقَيانِ ونَقَوان، وَالْجَمْعُ نُقْيان وأَنْقاء. وَهَذِهِ نَقَاةٌ مِنَ الرَّمْلِ: لِلْكَثِيبِ الْمُجْتَمِعِ الأَبيض الَّذِي لَا يُنْبِتُ شَيْئًا.

نكي: نَكَى العَدُوَّ نِكايةً: أَصاب مِنْهُ. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: إِنَّ الليلَ طويلٌ وَلَا يَنْكِنا يَعْنِي لَا نُبلَ مِن هَمِّه وأَرَقِهِ بِمَا يَنْكِينا ويَغُمُّنا. الْجَوْهَرِيُّ: نَكَيْتُ فِي العَدوّ نِكاية إِذا قَتَلْتَ فِيهِمْ وَجَرَحْتَ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:

نَحْنُ مَنَعْنا وادِيَيْ لَصافا،

نَنْكِي العِدا ونُكْرِمُ الأَضيافا

وَفِي الْحَدِيثِ:

أَو يَنْكِي لَكَ عَدُوّاً

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ نَكَيْتُ فِي الْعَدُوِّ أَنْكِي نِكايةً فأَنا ناكٍ إِذا كَثَّرْتَ فِيهِمُ الجِراح وَالْقَتْلَ فوَهَنُوا لِذَلِكَ. ابْنُ السِّكِّيتِ فِي بَابِ الْحُرُوفِ التي تهمز فيكون لها مَعْنًى وَلَا تُهْمَزُ فَيَكُونُ لَهَا مَعْنًى آخَرَ: نَكَأْتُ القُرْحةَ أَنْكَؤُها نَكْأً إِذا قَرفْتها وقَشَرْتها. وَقَدْ نَكَيْتُ فِي الْعَدُوِّ أَنْكِي نِكايةً أَي هَزَمْته وغلبته، فَنكِيَ يَنْكَى نَكًى.

نمي: النَّماءُ: الزِّيَادَةُ. نَمَى يَنْمِي نَمْياً ونُمِيّاً ونَماءَ: زَادَ وكثر، وربما قالوا نمو

يَنْمُو نمو

نُمُوًّا. الْمُحْكَمُ: قَالَ أَبو عُبَيْدٍ قَالَ الْكِسَائِيُّ وَلَمْ أَسمع يَنْمُو، بِالْوَاوِ، إِلا مِنْ أَخَوين مَنْ بَنِي سُلَيْمٍ، قَالَ: ثُمَّ سأَلت عَنْهُ جَمَاعَةُ بَنِي سُلَيْمٍ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ بِالْوَاوِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ، وأَما يَعْقُوبُ فقال يَنْمَى ونمو

يَنْمُو فسوَّى بينهما، وهي نمو

النَّمْوة، وأَنْماه اللَّهُ إِنْماءً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ نَماه اللهُ، فَيُعَدَّى بِغَيْرِ هَمْزَةٍ، ونَمَّاه، فيعدِّيه بِالتَّضْعِيفِ؛ قَالَ الأَعور الشَّنِّي، وَقِيلَ: ابْنُ خَذَّاق:

لقَدْ عَلِمَتْ عَمِيرةُ أَنَّ جارِي،

إِذا ضَنَّ المُنَمِّي، مِنْ عِيالي

وأَنْمَيْتُ الشيءَ ونَمَّيْته: جَعَلْتُهُ نَامِيًا. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن رَجُلًا أَراد الْخُرُوجَ إِلى تَبُوكَ فَقَالَتْ لَهُ أُمه أَو امرأَته كَيْفَ بالوَدِيِّ؟ فَقَالَ: الغَزْوُ أَنْمَى للوَدِيِ

أَي يُنَمِّيه اللَّهُ لِلْغَازِي ويُحْسن خِلافته عَلَيْهِ. والأَشياءُ كلُّها عَلَى وَجْهِ الأَرض نامٍ وصامِتٌ: فالنَّامي مِثْلُ النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ ونحوِه، والصامتُ كالحجَر وَالْجَبَلِ وَنَحْوِهِ. ونَمَى الحديثُ يَنْمِي: ارْتَفَعَ. ونَمَيْتُه: رَفَعْته. وأَنْمَيْتُه: أَذَعْته عَلَى وَجْهِ النَّمِيمَةِ، وَقِيلَ: نَمَّيْته، مشدَّداً، أَسندته وَرَفَعْتَهُ، ونَمَّيْته، مُشَدَّدًا أَيضاً: بَلَّغته عَلَى جِهَةِ النَّمِيمَةِ والإِشاعة، وَالصَّحِيحُ أَن نَمَيْته رَفَعْتُهُ عَلَى وَجْهِ الإِصلاح، ونَمَّيته، بِالتَّشْدِيدِ: رفعْته عَلَى وَجْهِ الإِشاعة أَو النَّمِيمَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ

أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَيْسَ بِالْكَاذِبِ مَن أَصلح بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ خَيْرًا ونَمَى خَيْرًا

؛ قَالَ الأَصمعي: يُقَالُ نَمَيْتُ حَدِيثَ فُلَانٍ، مُخَفَّفًا، إِلى فُلَانٍ أَنْمِيه نَمْياً إِذا بَلَّغْته عَلَى وَجْهِ الإِصلاح وَطَلَبِ الْخَيْرِ، قَالَ: وأَصله الرَّفْعُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ

ونَمَى خَيْرًا

أَي بَلَّغَ خَيْرًا وَرَفَعَ خَيْرًا. قَالَ ابْنُ

ص: 341

الأَثير: قَالَ الْحَرْبِيُّ نَمَّى مُشَدَّدَةٌ وأَكثر الْمُحْدَثِينَ يَقُولُونَهَا مُخَفَّفَةً، قَالَ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَكُنْ يَلْحَن، وَمَنْ خَفَّفَ لَزِمَهُ أَن يَقُولَ خَيْرٌ بِالرَّفْعِ، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَنْتَصِبُ بنَمَى كَمَا انْتَصَبَ بِقَالَ، وَكِلَاهُمَا عَلَى زَعْمِهِ لَازِمَانِ، وَإِنَّمَا نَمَى مُتَعَدٍّ، يُقَالُ: نَمَيْت الْحَدِيثَ أَي رَفَعْتُهُّ وأَبلغته. ونَمَيْتُ الشيءَ عَلَى الشَّيْءِ: رَفَعْتُهُ عَلَيْهِ. وَكُلُّ شَيْءٍ رَفَعْتَهُ فَقَدْ نَمَيْته؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:

فعَدَّ عمَّا تَرَى، إذْ لَا ارْتِجاعَ لَهُ،

وانْمِ القُتُودَ عَلَى عَيرانةٍ أُجُدِ

وَلِهَذَا قِيلَ: نَمَى الخِضابُ فِي الْيَدِ وَالشَّعْرِ إِنَّمَا هُوَ ارْتَفَعَ وَعَلَا وَزَادَ فَهُوَ يَنْمِي، وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَن يَنْمُو لُغَةٌ. ابْنُ سِيدَهْ: ونَما الخِضاب ازْدَادَ حُمْرَةً وَسَوَادًا؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَن أَبا زِيَادٍ أَنشده:

يَا حُبَّ لَيْلى، لَا تَغَيَّرْ وازْدَدِ

وانْمُ كَمَا يَنْمُو الخِضابُ فِي اليَدِ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ وانْمِ كَمَا يَنْمِي. قَالَ الأَصمعي: التَّنْمِيةُ مِنْ قَوْلِكَ نَمّيت الْحَدِيثَ أُنَمِّيه تَنْمِية بأَن تُبَلِّغ هَذَا عَنْ هَذَا عَلَى وَجْهِ الإِفساد وَالنَّمِيمَةِ، وَهَذِهِ مَذْمُومَةٌ والأُولى مَحْمُودَةٌ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَفْرُق بَيْنَ نَمَيْت مُخَفَّفًا وَبَيْنَ نَمَّيت مُشَدَّدًا بِمَا وَصَفَتْ، قَالَ: وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهل اللُّغَةِ فِيهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَتَقُولُ نَمَيْتُ الحديثَ إِلَى غَيْرِي نَمْياً إِذا أَسندته وَرَفَعْتَهُ؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّةَ:

فَبَيْنا هُمُ يَتّابَعُونَ ليَنْتَمُوا

بِقُذْفِ نِيافٍ مُسْتَقِلٍّ صُخُورُها

أَراد: ليَصْعدُوا إِلَى ذَلِكَ القُذْفِ. ونَمَيْتُه إِلَى أَبيه نَمْياً ونُمِيًّا وأَنْمَيْتُه: عَزَوته وَنَسَبْتُهُ. وانْتَمَى هُوَ إِلَيْهِ: انْتَسَبَ. وَفُلَانٌ يَنْمِي إِلَى حسَبٍ ويَنْتمِي: يَرْتَفِعُ إِلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبيه أَو انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ

أَي انْتَسَبَ إِلَيْهِمْ وَمَالَ وَصَارَ مَعْرُوفًا بِهِمْ. ونمو

نَمَوْت إليه الحديثَ فأَنا نمو

أَنْمُوه وأَنْمِيه، وَكَذَلِكَ هُوَ نمو

يَنْمُو إِلَى الْحَسَبِ ويَنْمِي، وَيُقَالُ: انْتَمَى فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ إِذَا ارْتَفَعَ إِلَيْهِ فِي النَّسَبِ. ونَمَاه جَدُّه إِذَا رَفع إِلَيْهِ نَسَبَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

نَمَانِي إِلَى العَلْياء كلُّ سَمَيْدَعٍ

وكلُّ ارتفاعٍ انْتِمَاءٌ. يُقَالُ: انْتَمَى فُلَانٌ فَوْقَ الوِسادة؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الجعدِي:

إِذَا انْتَمَيَا فوقَ الفِراشِ، عَلاهُما

تَضَوُّعُ رَيّا رِيحِ مِسْكٍ وعَنْبرِ

ونَمَيْتُ فُلَانًا فِي النَّسَبِ أَي رَفَعْتُهُ فانْتَمَى فِي نَسَبِهِ. وتَنَمَّى الشيءُ تَنَمِّياً: ارْتَفَعَ؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ:

فأَصْبَحَ سَيْلُ ذَلِكَ قَدْ تَنَمَّى

إِلَى مَنْ كَانَ مَنْزِلُه يَفاعا

ونَمَّيْت النَّارَ تَنْمِيَةً إِذَا أَلقيت عَلَيْهَا حَطَباً وذكَّيتها بِهِ. ونَمَّيْت النارَ: رفَعتها وأَشبعت وَقودَها. والنَّمَاءُ: الرَّيْعُ. ونَمَى الإِنسانُ: سَمِنَ. والنَّامِيةُ مِنَ الإِبل: السَّمِينةُ. يُقَالُ: نَمَتِ الناقةُ إِذَا سَمِنَتْ. وَفِي حَدِيثِ

مُعَاوِيَةَ: لَبِعْتُ الفانِيةَ وَاشْتَرَيْتُ النَّامِيَة

أَي لبِعْتُ الهَرمة مِنَ الإِبل وَاشْتَرَيْتُ الفَتِيَّة مِنْهَا. وَنَاقَةٌ نَامِيَةٌ: سمينةٌ، وَقَدْ أَنْمَاها الكَلأُ. ونَمَى الماءُ: طَما. وانْتَمَى الْبَازِيُّ والصَّقْرُ وغيرُهما وتَنَمَّى: ارْتَفَعَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

ص: 342

تَنَمَّى بِهَا اليَعْسُوبُ، حَتَّى أَقَرَّها

إِلى مَأْلَفٍ رَحْبِ المَباءَةِ عاسِلِ

أَي ذِي عَسَل. والنَّامِيةُ: القَضِيبُ الَّذِي عَلَيْهِ العَناقيد، وَقِيلَ: هِيَ عَيْنُ الكَرْم الَّذِي يَتَشَقَّقُ عَنْ وَرَقِهِ وحَبِّه، وَقَدْ أَنْمَى الكَرْمُ. الْمُفَضَّلُ: يُقَالُ للكَرْمة إِنها لِكَثِيرَةُ النَّوَامِي وَهِيَ الأَغصان، وَاحِدَتُهَا نَامِيَةٌ، وإِذا كَانَتِ الكَرْمة كَثِيرَةَ النَّوامي فَهِيَ عاطِبةٌ، والنَّامِيةُ خَلْقُ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: لَا تُمَثِّلوا بنامِيَةِ اللَّهِ

أَي بخَلْق اللَّهِ لأَنه يَنْمي، مِنْ نَمى الشيءُ إِذا زَادَ وَارْتَفَعَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

يَنْمِي صُعُداً

أَي يَرْتَفِعُ وَيَزِيدُ صُعُودًا. وأَنْمَيْتُ الصيدَ فنَمَى يَنْمِي: وَذَلِكَ أَن تَرْمِيَهُ فَتُصِيبُهُ ويذهب عنك فيموت بعد ما يَغيب، ونَمَى هُوَ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسَ:

فهْو لَا تَنْمِي رَمِيَّته،

مَا لَهُ؟ لا عُدَّ مِنْ نَفَرِه

ورَمَيْتُ الصيدَ فأَنْمَيْتُه إِذا غَابَ عَنْكَ ثُمَّ مَاتَ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ: أَن رَجُلًا أَتاه فَقَالَ إِنِّي أرْمي الصيدَ فأُصْمِي وأُنْمِي، فَقَالَ: كلْ مَا أَصْمَيْتَ ودَعْ مَا أَنْمَيْتَ

؛ الإِنْمَاءُ: تَرْمِيَ الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْكَ فَيَمُوتُ وَلَا تَرَاهُ وَتَجِدُهُ مَيِّتًا، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا «2» لأَنك لَا تَدْرِي هَلْ مَاتَتْ بِرَمْيِكَ أَو بِشَيْءِ غَيْرِهِ، والإِصْماء: أَن تَرْمِيَهُ فَتَقْتُلَهُ عَلَى الْمَكَانِ بِعَيْنِهِ قَبْلَ أَن يَغِيبَ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ أَكله لأَنه لَا يؤمَن أَن يَكُونَ قَتَلَهُ غَيْرُ سَهْمِهِ الَّذِي رَمَاهُ بِهِ. وَيُقَالُ: أَنْمَيْتُ الرَّمِيَّةَ، فإِن أَردت أَن تَجْعَلَ الْفِعْلَ للرمِيَّةِ نَفْسها قُلْتَ قَدْ نَمَتْ تَنْمِي أَي غَابَتْ وَارْتَفَعَتْ إِلَى حَيْثُ لَا يَرَاهَا الرَّامِي فَمَاتَتْ، وتُعَدِّيه بِالْهَمْزَةِ لَا غَيْرَ فَتَقُولُ أَنْمَيْتُها، مَنْقُولٌ مِنْ نَمَت؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ أَنْشده شَمِرٌ:

وَمَا الدَّهْرُ إِلَّا صَرْفُ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ:

فَمُخْطِفَةٌ تُنْمِي، ومُوتِغَةٌ تُصْمي «3»

المُخْطِفَةُ: الرَّمْية مِنْ رَمَيات الدَّهْرِ، والمُوتِغَةُ: المُعْنِتَةُ. وَيُقَالُ: أَنْمَيْت لِفُلَانٍ وأَمْدَيْتُ لَهُ وأَمْضَيْتُ لَهُ، وَتَفْسِيرُ هَذَا تَتْرُكُهُ فِي قَلِيلِ الخَطإِ حتى يبلغ أَقصاه فتُعاقِب فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْخَطَأِ فِيهِ عُذْرٌ. والنَّامِي: النَّاجِي؛ قَالَ التَّغْلَبيّ:

وقافِيةٍ كأَنَّ السُّمَّ فِيهَا،

وليسَ سَلِيمُها أَبداً بنَامِي

صَرَفْتُ بِهَا لِسانَ القَوْمِ عَنْكُم،

فخَرَّتْ للسَّنابك والحَوامي

وَقَوْلُ الأَعشى:

لَا يَتَنَمَّى لَهَا فِي القَيْظِ يَهْبِطُها

إلَّا الَّذِينَ لهُمْ، فِيمَا أَتَوْا، مَهَلُ

قَالَ أَبو سَعِيدٍ: لَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا. ابْنُ الأَثير: وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنه طلَب مِنَ امرأَته نُمِّيَّةً أَو نَمَامِيَّ لِيَشْتَرِيَ بِهَا عِنَبًا فَلَمْ يجِدْها

؛ النُّمِّيَّةُ: الفَلْسُ، وَجَمْعُهَا نَمَامِيُّ كذُرِّيَّةٍ وذَرارِيّ. قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ النُّمِّيُّ الفَلْس بِالرُّومِيَّةِ، وَقِيلَ: الدِّرْهَمُ الَّذِي فِيهِ رَصاص أَو نُحاس، وَالْوَاحِدَةُ نُمِّيَّةٌ. وقال: النَّمْءُ ونمو

النِّمْوُ القَمْلُ الصِّغار.

نهي: النَّهْيُ: خِلَافَ الأَمر. نَهاه يَنْهاه نَهْياً فانْتَهى وتَنَاهَى: كَفَّ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ لزياد بن

(2). قوله [وإنما نهى عنها] أي عن الرمية كما في عبارة النهاية.

(3)

. قوله [وموتغة] أورده في مادة خطف: ومقعصة.

ص: 343

زَيْدٍ الْعُذْرِيِّ:

إِذَا مَا انْتَهَى عِلْمي تَنَاهَيْتُ عندَه،

أَطالَ فأَمْلى، أَو تَنَاهَى فأَقْصَرا

وَقَالَ فِي الْمُعْتَلِّ بالأَلف: نَهَوْته عَنِ الأَمر بِمَعْنَى نَهيْته. ونَفْسٌ نَهاةٌ: مُنْتَهِيَةٌ عَنِ الشَّيْءِ. وتَناهَوْا عَنِ الأَمر وَعَنِ الْمُنْكَرِ: نَهى بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كانُوا لَا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ

؛ وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ يَنْتَهُونَ.، ونَهَيْته عَنْ كَذَا فانْتَهَى عَنْهُ؛ وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

فَنَهَّاكَ عَنْهَا مَنْكَرٌ ونَكِيرُ

إِنَّمَا شدَّده لِلْمُبَالَغَةِ. وَفِي حَدِيثِ قِيَامِ اللَّيْلِ:

هُوَ قُرْبةٌ إِلَى اللَّهِ ومَنْهَاةٌ عَنِ الْآثَامِ

أَي حَالَةٌ مِنْ شأْنها أَن تَنْهى عَنِ الإِثم، أَو هِيَ مَكَانٌ مُخْتَصٌّ بِذَلِكَ، وَهِيَ مَفْعَلة مِنَ النَّهْيِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ؛ وَقَوْلُهُ:

سُمَيَّةَ وَدِّعْ، إنْ تجَهزْتَ غادِيا،

كَفَى الشَّيْبُ والإِسْلامُ للمَرْءِ ناهِيا

فَالْقَوْلُ أَن يَكُونَ نَاهِيًا اسمَ الْفَاعِلِ مِنْ نَهَيْتُ كساعٍ مِنْ سَعَيْتُ وشارٍ مِنْ شَرَيْت، وَقَدْ يَجُوزُ مَعَ هَذَا أَن يَكُونَ نَاهِيًا مَصْدَرًا هُنَا كالفالجِ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَاءَ فِيهِ الْمَصْدَرُ عَلَى فاعِل حَتَّى كأَنه قَالَ: كَفَى الشَّيْبُ والإِسلام لِلْمَرْءِ نَهْياً ورَدْعاً أَي ذَا نَهْيٍ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وعُلِّقت اللَّامُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، وَلَا تَكُونُ عَلَى هَذَا مَعَلَّقة بِنَفْسِ النَّاهِي لأَن الْمَصْدَرَ لَا يَتَقَدَّمُ شَيْءٌ مِنْ صِلَتِهِ عَلَيْهِ، وَالِاسْمُ النُّهْيَةُ. وَفُلَانٌ نَهِيُّ فُلَانٍ أَي يَنْهاه. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لأَمُورٌ بِالْمَعْرُوفِ ونَهُوٌّ عَنِ الْمُنْكَرِ، عَلَى فَعَوْلٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كَانَ قِيَاسُهُ أَن يُقَالَ نَهيٌّ لأَن الْوَاوَ وَالْيَاءَ إِذَا اجْتَمَعَتَا وَسَبَقَ الأَوّل بِالسُّكُونِ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً، قَالَ: وَمِثْلَ هَذَا فِي الشُّذُوذِ قَوْلُهُمْ فِي جَمْعِ فَتًى فُتُوٌّ. وَفُلَانٌ مَا لَهُ نَاهِيَةٌ أَي نَهْيٌ. ابْنُ شُمَيْلٍ: اسْتَنْهَيْتُ فُلَانًا عَنْ نَفْسِهِ فأَبى أَن يَنْتَهِيَ عَنْ مَساءَتي. واستَنْهَيْتُ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ إِذَا قلتَ لَهُ انْهَهُ عنِّي. وَيُقَالُ: مَا يَنْهاه عَنَّا ناهِيةٌ أَي مَا يَكُفُّه عَنَّا كافَّةٌ. الْكِلَابِيُّ: يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إِذَا وَلِيتَ وِلاية فانْهِ أَي كُفَّ عَنِ القَبيحِ، قَالَ: وانْهِ بِمَعْنَى انْتَهِ، قَالَهُ بِكَسْرِ الْهَاءِ، وَإِذَا وَقَفَ قَالَ فانْهِهْ أَي كُفَّ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: مَرَرْت بِرَجُلٍ «1» كَفاكَ بِهِ، وَمَرَرْتُ بِرَجُلَيْنِ كَفَاكَ بِهِمَا، وَمَرَرْتُ بِرِجَالٍ كَفَاكَ بِهِمْ، وَمَرَرْتُ بامرأَة كَفَاكَ بِهَا، وبامرأَتين كَفَاكَ بِهِمَا، وَبِنِسْوَةٍ كَفَاكَ بهنَّ، وَلَا تُثَنِّ كَفَاكَ وَلَا تَجْمَعْهُ وَلَا تُؤَنِّثْهُ لأَنه فِعْلٌ لِلْبَاءِ. وَفُلَانٌ يَرْكَبُ المَناهِيَ أَي يأْتي مَا نُهِيَ عَنْهُ. والنُّهْيَةُ والنِّهَايَة: غَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ وَآخِرُهُ، وَذَلِكَ لأَن آخِرَهُ يَنْهاه عَنِ التَّمَادِي فَيَرْتَدِعُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

رَمَيْناهُمُ، حَتَّى إِذَا ارْبَثَّ جَمْعُهُمْ،

وعادَ الرَّصيعُ نُهْيَةً للحَمائِل

يَقُولُ: انْهَزَموا حَتَّى انقلبت سيوفُهن فَعَادَ الرَّصِيعُ عَلَى حَيْثُ كَانَتِ الْحَمَائِلُ، والرصيعُ: جَمْعُ رَصِيعَةٍ، وَهِيَ سَيْرٌ مَضْفُورٌ، وَيُرْوَى الرُّصُوع، وَهَذَا مَثَلٌ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ. والنُّهْيَةُ: حَيْثُ انْتَهَتْ إِلَيْهِ الرُّصُوع، وَهِيَ سُيُورٌ تُضْفَرُ بَيْنَ حِمالة السَّيْفِ وجَفْنِه. والنِّهَايَةُ: كَالْغَايَةِ حَيْثُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ الشَّيْءُ، وَهُوَ النِّهَاء، مَمْدُودٌ. يُقَالُ: بلَغَ نِهايَتَه. وانْتَهَى الشيءُ وتَنَاهَى ونَهَّى: بَلَغَ نِهايَتَه؛ وَقَوْلِ أَبي ذُؤَيْبٍ:

ثُمَّ انْتَهَى بَصَري عَنْهُمْ، وَقَدْ بَلَغُوا،

بَطْنَ المَخِيمِ، فَقَالُوا الجَوّ أَوْ راحوا

(1). قوله [أَبُو بَكْرٍ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ إلخ] كذا في الأصل ولا مناسبة له هنا.

ص: 344

أَراد انْقَطَعَ عَنْهُمْ، وَلِذَلِكَ عدَّاه بِعَنْ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: إِليك نَهَّى المَثَلُ وأَنْهَى وانْتَهَى ونُهِّي وأُنْهِي ونَهَى، خَفِيفَةٌ، قَالَ: ونَهَى خَفِيفَةٌ قَلِيلَةٌ، قَالَ: وَقَالَ أَبو جَعْفَرٍ لَمْ أَسمع أَحداً يَقُولُ بِالتَّخْفِيفِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ مِنْ ساعةٍ أَقْرَب إِلى اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ جوفُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَصَلِّ حَتَّى تُصبِح ثُمَّ أَنْهِهْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَوْلُهُ

أَنْهِهْ

بِمَعْنَى انْتَهِ. وَقَدْ أَنْهَى الرجلُ إِذا انْتَهَى، فإِذا أَمرت قُلْتَ أَنْهِهْ، فَتَزِيدَ الْهَاءَ لِلسَّكْتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ؛ فأَجرى الْوَصْلَ مُجرَى الْوَقْفِ. وَفِي الْحَدِيثِ ذَكَرَ سِدْرة المُنْتَهى أَي يُنْتَهى ويُبْلَغ بِالْوُصُولِ إِليها وَلَا تُتجاوز، وَهُوَ مُفْتَعَلٌ مِنَ النِّهَايَة الْغَايَةِ. والنِّهَايَة: طَرَفُ العِران الَّذِي فِي أَنف الْبَعِيرِ وَذَلِكَ لِانْتِهَائِهِ. أَبو سَعِيدٍ: النِّهَايَة الْخَشَبَةُ الَّتِي تُحْمل عَلَيْهَا الأَحمال، قَالَ: وسأَلت الأَعراب عَنِ الْخَشَبَةِ الَّتِي تُدْعَى بِالْفَارِسِيَّةِ بَاهَوْا، فَقَالُوا: النِّهَايَتَانِ والعاضِدَتانِ والحامِلَتان. والنَّهْي والنِّهْي: الْمَوْضِعُ الَّذِي لَهُ حَاجِزٌ يَنْهَى الْمَاءَ أَن يَفِيض مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ الغديِر فِي لُغَةِ أَهل نَجْدٍ؛ قَالَ:

ظَلَّتْ بِنِهْي البَرَدانِ تَغْتَسِلْ،

تَشْرَبُ مِنْهُ نَهِلاتٍ وتَعِلّ

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لمَعْن بْنِ أَوس:

تَشُجُّ بِيَ العَوْجاءُ كلَّ تَنُوفَةٍ،

كأَنَّ لَهَا بَوًّا بِنَهْيٍ تُغاوِلُهْ

وَالْجَمْعُ أَنْهٍ وأَنْهَاءٌ ونُهِيٌّ ونِهَاء؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ الرِّقاع:

ويَأْكُلْنَ مَا أَغْنَى الوَليُّ فَلْم يُلِتْ،

كأَنَّ بِحافاتِ النِّهَاءِ المَزارِعا

وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه أَتَى عَلَى نِهْيٍ مِنْ مَاءٍ

؛ النِّهْيُ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ: الْغَدِيرُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ. وَمِنْهُ حَدِيثُ

ابْنِ مَسْعُودٍ: لَوْ مَرَرْتُ عَلَى نِهْيٍ نصفُه ماءٌ ونصفُه دَمٌ لشربتُ مِنْهُ وتوضأْت.

وتَنَاهَى الماءُ إِذا وَقَفَ فِي الْغَدِيرِ وَسَكَنَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

حَتَّى تَنَاهَى فِي صَهارِيج الصَّفا،

خالَطَ مِنْ سَلْمَى خَياشِيمَ وَفا

الأَزهري: النِّهْيُ الْغَدِيرُ حَيْثُ يَتَحيَّر السيلُ فِي الْغَدِيرِ فيُوسِعُ، وَالْجَمْعُ النِّهَاء، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ نِهْيٌ، وبعضٌ يَقُولُ تَنْهِيَةٌ. والنِّهَاء أَيضاً: أَصغر مَحابِس الْمَطَرِ وأَصله مِنْ ذَلِكَ. والتَّنْهَاةُ والتَّنْهِيَةُ: حَيْثُ يَنْتَهِي الماءُ مِنَ الْوَادِي، وَهِيَ أَحد الأَسماء الَّتِي جَاءَتْ عَلَى تَفْعِلة، وإِنما بَابُ التَّفْعِلة أَن يَكُونَ مَصْدَرًا، وَالْجَمْعُ التَّنَاهِي. وتَنْهِيَةُ الْوَادِي: حَيْثُ يَنْتَهِي إِليه الماءُ مِنْ حُرُوفِهِ. والإِنْهَاء: الإِبلاغ. وأَنْهَيْتُ إِليه الخَبَر فانْتَهَى وتَنَاهَى أَي بلَغ. وَتَقُولُ: أَنْهَيْتُ إِليه السَّهْمَ أَي أَوصلته إِليه. وأَنْهَيْتُ إِليه الكتابَ والرِّسالة. اللِّحْيَانِيُّ: بَلَغْتُ مَنْهَى فُلَانٍ ومَنْهَاتَه ومُنْهَاه ومُنْهَاتَه. وأَنْهَى الشيءَ: أَبلغه. وَنَاقَةٌ نَهِيَّةٌ: بَلَغَتْ غَايَةَ السِّمَن، هَذَا هُوَ الأَصل ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ لِكُلِّ سَمِينٍ مِنَ الذُّكُورِ والإِناث، إِلا أَن ذَلِكَ إِنما هُوَ فِي الأَنْعام؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

سَوْلاءُ مَسْكُ فارِضٍ نَهِيِّ

مِن الكِباشِ زَمِرٍ خَصِيِ

وَحُكِيَ عَنْ أَعرابي أَنه قَالَ: وَاللَّهِ لَلْخُبْزُ أَحبُّ إِليَّ مِنْ جَزُورٍ نَهِيَّة فِي غَدَاةٍ عَرِيَّة. ونُهْيَةُ الوَتِد: الفُرْضَةُ الَّتِي فِي رأْسه تَنْهَى الحبلَ أَن يَنْسلخ. ونُهْيَة كُلِّ شَيْءٍ: غايَته.

ص: 345

والنُّهَى: العَقْل، يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى. *

والنُّهْيَةُ: الْعَقْلُ، بِالضَّمِّ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها تَنْهَى عَنِ الْقَبِيحِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للخَنساء:

فَتًى كَانَ ذَا حِلْمٍ أَصِيلٍ ونُهْيَةٍ،

إِذا مَا الحُبَا مِن طائِفِ الجَهْل حُلَّتِ

وَمِنْ هُنَا اخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَن يَكُونَ النُّهَى جَمْعَ نُهْيَةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ اللِّحْيَانِيُّ بأَن النُّهَى جَمْعُ نُهْيَة فأَغْنَى عَنِ التأْويل. وَفِي الْحَدِيثِ:

لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولو الأَحلام والنُّهَى

؛ هِيَ الْعُقُولُ والأَلباب. وَفِي حَدِيثِ

أَبي وَائِلٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَن التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ

أَي ذُو عَقْلٍ. والنِّهَايَة والمَنْهَاة: الْعَقْلُ كالنُّهْية. وَرَجُلٌ مَنْهَاةٌ: عاقلٌ حَسَنُ الرأْي؛ عَنْ أَبي الْعَمَيْثَلِ. وَقَدْ نَهُو مَا شَاءَ فَهُوَ نَهِيٌّ، مِنْ قَوْمٍ أَنْهِيَاء: كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْعَقْلِ. وَفُلَانٌ ذُو نُهْيَةٍ أَي ذُو عَقْلٍ يَنْتَهِي بِهِ عَنِ الْقَبَائِحِ وَيَدْخُلُ فِي الْمَحَاسِنِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ: ذُو النُّهْيَةِ الَّذِي يُنْتَهَى إِلى رأْيه وَعَقْلِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: هُوَ نَهِيٌّ مِنْ قَوْمٍ أَنْهِيَاء، ونَهٍ مِنْ قَوْمٍ نَهِينَ، ونِهٍ عَلَى الإِتباع، كُلُّ ذَلِكَ مُتَناهي الْعَقْلِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ قِيَاسُ النَّحْوِيِّينَ فِي حُرُوفِ الْحَلْقِ، كَقَوْلِكَ فِخِذ فِي فَخِذ وصِعِق فِي صَعِق، قَالَ: وَسُمِّيَ الْعَقْلُ نُهْيَةً لأَنه يُنْتَهى إِلى مَا أَمَر بِهِ وَلَا يُعْدى أَمْرُه. وَفِي قَوْلِهِمْ: نَاهِيكَ بِفُلَانٍ مَعْنَاهُ كافِيكَ بِهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ نَهَى الرجلُ مِنَ اللَّحْمِ وأَنْهَى إِذا اكْتَفى مِنْهُ وشَبِع؛ قَالَ:

يَمْشُونَ دُسْماً حَوْلَ قُبَّتِهِ،

يَنْهَوْنَ عَنْ أَكْلٍ وعَنْ شُرْب

فَمَعْنَى يَنْهَوْن يَشْبَعُونَ وَيَكْتَفُونَ؛ وَقَالَ آخَرُ:

لَوْ كانَ مَا واحِداً هَواكِ لقدْ

أَنْهَى، ولكنْ هَواكِ مُشْتَرَكُ

وَرَجُلٌ نَهْيُكَ مِن رَجُلٍ، ونَاهِيك مِنْ رَجُلٍ، ونَهَاكَ مِنْ رجلٍ أَي كَافِيكَ مِنْ رَجُلٍ، كلُّه بِمَعْنًى: حَسْب، وتأْويله أَنه بجِدِّه وغَنائه يَنْهاكَ عَنْ تَطَلُّب غَيْرِهِ؛ وَقَالَ:

هُوَ الشَّيخُ الَّذِي حُدِّثْتَ عنهُ،

نَهَاكَ الشَّيْخُ مَكْرُمةً وفَخْرا

وَهَذِهِ امرأَةٌ نَاهِيَتُك مِنِ امرأَة، تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَتُثَنَّى وَتُجْمَعُ لأَنه اسْمُ فَاعِلٍ، وإِذا قُلْتَ نَهْيُك مِنْ رَجُلٍ كَمَا تَقُولُ حَسْبُك مِنْ رَجُلٍ لَمْ تُثَنَّ وَلَمْ تُجْمَعْ لأَنه مَصْدَرٌ. وَتَقُولُ فِي الْمَعْرِفَةِ: هَذَا عبدُ اللَّهِ ناهِيَك مِنْ رَجُلٍ فَتَنْصِبُهُ عَلَى الْحَالِ. وجَزُورٌ نَهِيَّةٌ، عَلَى فَعِيلة، أَي ضَخْمَةٌ سَمِينَةٌ. ونِهاءُ النَّهَارِ: ارتفاعُه قرابَ نِصْفِ النَّهَارِ. وَهُمْ نُهاءُ مِائَةٍ ونِهاء مِائَةٍ أَي قَدْرُ مِائَةٍ كَقَوْلِكَ زُهاء مِائَةٍ. والنُّهاء: الْقَوَارِيرُ «2» ، قِيلَ: لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، وَقِيلَ: وَاحِدَتُهُ نَهاءَةٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَقِيلَ: هُوَ الزُّجَاج عَامَّةً؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ وأَنشد:

تَرُضُّ الحَصى أَخْفافُهُنَّ كأَنما

يُكَسَّرُ قَيْضٌ، بَيْنها، ونُهَاءُ

قَالَ: وَلَمْ يُسْمَعْ إِلا فِي هَذَا الْبَيْتِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النُّهَا الزُّجَاج، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، وَهَذَا الْبَيْتُ أَنشده الْجَوْهَرِيُّ: تَرُدُّ الْحَصَى أَخفافُهن؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي تَرُضُّ الْحَصَى، وَرَوَاهُ النِّهَاء، بِكَسْرِ النُّونِ، قَالَ: وَلَمْ أَسمع النِّهاء مَكْسُورَ الأَول إِلا فِي هَذَا الْبَيْتِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وروايته

(2). قوله [والنُّهَاء القوارير وقوله والنُّهَاء حجر إلخ] هكذا ضبطا في الأصل ونسخة من المحكم، وفي القاموس: أنهما ككساء.

ص: 346

نِهَاء، بِكَسْرِ النُّونِ، جَمْعُ نَهَاة الوَدْعة، قَالَ: وَيُرْوَى بِفَتْحِ النُّونِ أَيضاً جَمْعُ نَهَاة، جَمْعُ الْجِنْسِ، وَمَدُّهُ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ. قَالَ: وَقَالَ الْقَالِي النُّهَاء، بِضَمِّ أَوله، الزُّجَاجُ، وأَنشد الْبَيْتَ الْمُتَقَدِّمَ، قَالَ: وَهُوَ لعُتَيّ بْنِ مَالِكٍ؛ وَقَبْلَهُ:

ذَرَعْنَ بِنَا عُرْضَ الفَلاةِ، وَمَا لَنا

عَلَيْهِنَّ إِلَّا وَخْدَهُن سِقاء

والنُّهاء: حَجَرٌ أَبيض أَرخى مِنَ الرُّخام يَكُونُ بِالْبَادِيَةِ ويُجاء بِهِ مِنَ الْبَحْرِ، وَاحِدَتُهُ نُهَاءَةٌ. والنُّهَاء: دَوَاءٌ «1» يَكُونُ بِالْبَادِيَةِ يَتَعَالَجُونَ بِهِ وَيَشْرَبُونَهُ. والنَّهَى: ضَرْبٌ مِنَ الخَرَز، وَاحِدَتُهُ نَهاةٌ. والنَّهاة أَيضاً: الودْعَة، وَجَمْعُهَا نَهًى، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ النِّهَاء مَمْدُودٌ. ونُهَاء الْمَاءِ، بِالضَّمِّ: ارْتِفَاعُهُ. ونَهَاةُ: فَرَسُ لَاحِقِ بْنِ جَرِيرٍ. وَطَلَبَ حَاجَةً حَتَّى أَنْهَى عَنْهَا ونَهِيَ عَنْهَا، بِالْكَسْرِ، أَي تَرَكَهَا ظَفِرَ بِهَا أَو لَمْ يَظْفَر. وحَوْلَه مِنَ الأَصوات نُهْيَةٌ أَي شُغْلٌ. وذهبَتْ تَمِيمُ فَمَا تُسْهى وَلَا تُنْهى أَي لَا تُذكر. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ونِهْيَا اسْمُ مَاءٍ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي، قَالَ: وَقَالَ لِي أَبو الْوَفَاءِ الأَعرابي نَهَيا، وإِنما حرَّكها لِمَكَانِ حَرْفِ الْحَلْقِ قَالَ لأَنه أَنشدني بَيْتًا مِنَ الطَّوِيلِ لَا يَتَّزِنُ إِلّا بنَهْيَا سَاكِنَةَ الْهَاءِ، أَذكر مِنْهُ: إِلى أَهْلِ نَهْيا، وَاللَّهُ أَعلم.

نوي: نَوى الشيءَ نِيَّةً ونِيَةً، بِالتَّخْفِيفِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ وَحْدَهُ، وَهُوَ نَادِرٌ، إِلَّا أَن يَكُونَ عَلَى الْحَذْفِ، وانْتَوَاه كِلَاهُمَا: قَصَدَهُ وَاعْتَقَدَهُ. ونَوَى المنزلَ وانْتَوَاه كَذَلِكَ. والنِّيَّةُ: الْوَجْهُ يُذْهَب فِيهِ؛ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ:

إِنَّكَ أَنْتَ المَحْزُونُ فِي أَثَرِ

الْحَيِّ، فإِنْ تَنْوِ نِيَّهُم تُقِمِ

قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: نِيٌّ جَمْعُ نِيَّة، وَهَذَا نَادِرٌ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ نِيّ كنِيَّة. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: قُلْتُ لِلْمُفَضَّلِ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الْبَيْتِ؟ يَعْنِي بَيْتَ النَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ، قَالَ: فِيهِ مَعْنَيَانِ: أَحدهما يَقُولُ قَدْ نَوَوْا فِراقَك فإِن تَنْوِ كَمَا نَوَوْا تُقِمْ فَلَا تَطْلُبْهُمْ، وَالثَّانِي قَدْ نَوَوا السفَر فإِن تَنْوِ كَمَا نَوَوْا تُقِمْ صدورَ الإِبل فِي طَلَبِهِمْ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:

أَقِمْ لَهَا صُدُورَها يَا بَسْبَس

الْجَوْهَرِيُّ: والنِّيَّة والنَّوَى الوجهُ الَّذِي يَنْويهِ المسافرُ مِنْ قُرْبٍ أَو بُعد، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ لَا غَيْرَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ:

وَمَا جَمَعَتْنا نِيَّة قبْلَها مَعًا

قَالَ: وَشَاهِدُ النَّوَى قَوْلُ مُعَقِّر بْنِ حِمَارِ:

فأَلْقَتْ عَصاها واسْتقَرَّ بِهَا النَّوَى،

كَمَا قَرَّ عَيْناً بالإِيابِ المُسافِرُ

والنِّيَّة والنَّوَى جَمِيعًا: البُعْد؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

عَدَتْهُ نِيَّةٌ عَنْهَا قَذوف

والنَّوَى: الدَّارُ. والنَّوَى: التحوُّل مِنْ مَكَانٍ إِلى مَكَانٍ آخَرَ أَو مِنْ دَارٍ إِلى دَارٍ غَيْرِهَا كَمَا تَنْتَوي الأَعرابُ فِي بَادِيَتِهَا، كُلُّ ذَلِكَ أُنْثى. وانْتَوَى القومُ إِذا انْتَقَلُوا مِنْ بَلَدٍ إِلى بَلَدٍ. الْجَوْهَرِيُّ: وانْتَوَى القومُ مَنْزِلًا بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا واستقرَّت نَواهم أَي أَقاموا. وَفِي حَدِيثِ

عُرْوَةَ فِي المرأَة الْبَدَوِيَّةِ يُتَوفى عَنْهَا زوجُها: أَنها تَنْتَوِي حَيْثُ انْتَوَى أَهلُها

أَي تَنْتَقِلُ وتتحوّل؛ وقول الطرماح:

(1). قوله [والنُّهَاء دواء] كذا ضبط في الأصل والمحكم، وصرح الصاغاني فيه بالضم وانفرد القاموس بضبطه بالكسر.

ص: 347

آذَنَ النَّاوِي ببَيْنُونةٍ،

ظَلْتُ منْها كمُرِيغِ المُدام

النَّاوِي: الَّذِي أَزْمَعَ عَلَى التحوُّل. والنَّوَى: النِّيَّة وَهِيَ النِّيَة، مُخَفَّفَةٌ، وَمَعْنَاهَا الْقَصْدُ لِبَلَدٍ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي أَنت فِيهِ مُقِيمٌ. وَفُلَانٌ يَنْوِي وَجْهَ كَذَا أَي يَقْصِدُهُ مِنْ سَفَرٍ أَو عَمَلٍ. والنَّوَى: الوجهُ الَّذِي تَقْصِدُهُ. التَّهْذِيبِ: وَقَالَ أَعرابي مِنْ بَنِي سُليم لِابْنٍ لَهُ سَمَّاهُ إِبراهيم نَاوَيْتُ بِهِ إِبراهيمَ أَي قَصَدْتُ قَصْدَه فتبرَّكت بِاسْمِهِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ

ابْنِ مَسْعُودٍ: ومَنْ يَنْوِ الدُّنْيَا تُعْجِزْه

أَي مَنْ يَسْعَ لَهَا يَخِبْ، يُقَالُ: نَوَيْتُ الشيءَ إِذا جَدَدْتَ فِي طَلَبِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

نِيَّةُ الرَّجُلِ خَيرٌ مِنْ عَمَلِهِ

، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِمُخَالِفٍ

لِقَوْلِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: مَنْ نَوَى حَسَنَةً فَلَمْ يَعْملها كُتِبت لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ عَمِلَها كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا

؛ وَالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ

نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ

أَنه يَنْوي الإِيمان مَا بَقِيَ، وَيَنْوِي الْعَمَلَ لِلَّهِ بِطَاعَتِهِ مَا بَقِيَ، وإِنما يُخَلِّدُهُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَا بِعَمَلِهِ، أَلا تَرَى أَنه إِذا آمَنَ «1» وَنَوَى الثَّبَاتَ عَلَى الإِيمان وأَداء الطَّاعَاتِ ما بقيت وَلَوْ عَاشَ مِائَةَ سَنَةً يَعْمَلُ الطَّاعَاتِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِيهَا أَنه يَعْمَلُهَا لِلَّهِ فَهُوَ فِي النَّارِ؟ فَالنِّيَّةُ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَهِيَ تَنْفَعُ النَّاوِيَ وإِن لَمْ يَعْمَلِ الأَعمال، وأَداؤها لَا يَنْفَعُهُ دُونَهَا، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ

نِيَّة الرَّجُلِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ.

وَفُلَانٌ نَواكَ ونِيَّتُك ونَواتُك؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

صَرَمَتْ أُمَيْمَةُ خُلَّتي وصِلاتي،

ونَوَتْ ولَمَّا تَنْتَوِي كنَوَاتِي

الْجَوْهَرِيُّ: نَوَيْتُ نِيَّةً ونَواةً أَي عَزَمْتُ، وانْتَوَيْتُ مِثْلُهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

ونَوَتْ ولَمَّا تَنْتَوِي كنَوَاتِي

قَالَ: يَقُولُ لَمْ تَنْوِ فِيَّ كَمَا نَوَيْتُ فِي مَوَدَّتِهَا، وَيُرْوَى: وَلَمَّا تَنْتَوِي بنَوَاتِي أَي لَمْ تَقْضِ حَاجَتِي؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِقَيْسِ بْنُ الْخَطِيمِ:

وَلَمْ أَرَ كامْرِئٍ يَدْنُو لخَسْفٍ،

لَهُ فِي الأَرض سَيْرٌ وانْتِوَاءُ

وَحَكَى أَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ عَنِ أَبي الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٍ أَن الرِّيَاشَيَّ أَنشده لمُؤرِّج:

وفَارَقْتُ حَتَّى لَا أُبالي مَنِ انْتَوَى،

وإِنْ بانَ جيرانٌ عَليَّ كِرامُ

وَقَدْ جَعَلَتْ نَفْسي عَلَى النَّأْي تَنْطوي،

وعَيْني عَلَى فَقْدِ الحبيبِ تَنامُ

يُقَالُ: نَوَاه بنَوَاتِه أَي ردَّه بِحَاجَتِهِ وَقَضَاهَا لَهُ. وَيُقَالُ: لِي فِي بَنِي فُلَانٍ نَوَاةٌ ونِيَّةٌ أَي حَاجَةٌ. والنِّيَّةُ والنَّوَى: الْوَجْهُ الَّذِي تُرِيدُهُ وتَنْويه. وَرَجُلٌ مَنْوِيٌّ «2» ونِيَّةٌ مَنْوِيَّةٌ إِذا كَانَ يُصِيبُ النُّجْعة الْمَحْمُودَةَ. وأَنْوَى الرجلُ إِذا كَثُرَ أَسفاره. وأَنْوَى إِذا تَبَاعَدَ. والنَّوِيُّ: الرَّفِيقُ، وَقِيلَ: الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ خَاصَّةً. ونَوَّيْتُه تَنْوِيَةً أَي وَكَلْتُه إِلى نِيَّتِه. ونَوِيُّك: صاحبُك الَّذِي نِيَّتُهُ نِيَّتُكَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَقَدْ عَلِمْت، إِذ دُكَيْنٌ لِي نَوِي،

أَنَّ الشَّقِيَّ يَنْتَحي لَهُ الشَّقِي

وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: فُلَانٌ نَوِيُّ الْقَوْمِ ونَاوِيهِمْ ومُنْتَويهم أَي صَاحِبُ أَمرهم ورأْيهم. ونَوَاهُ اللهُ: حَفِظَهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَسْتُ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ. التَّهْذِيبُ:

(1). قوله [أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا آمن إلخ] هكذا في الأصل، ولعله سقط من قلم الناسخ جواب هذه الجملة، والأصل والله أعلم: فهو في الجنة ولو عاش إلخ.

(2)

. قوله [ورجل منوي إلخ] هكذا في الأصل.

ص: 348

قَالَ الْفَرَّاءُ نَوَاكَ اللَّهُ أَيْ حَفِظَكَ اللَّهُ؛ وأَنشد:

يَا عَمْرو أَحسِنْ، نَواكَ اللهُ بالرَّشَدِ،

واقْرا السلامَ عَلَى الأَنْقاءِ والثَّمَدِ

وَفِي الصِّحَاحِ: عَلَى الذَّلفاء بالثَمد. الْفَرَّاءُ: نَوَاه اللهُ أَي صَحِبه اللهُ فِي سَفَرِهِ وحَفِظه، وَيَكُونُ حَفِظَه اللَّهُ. والنَّوَى: الْحَاجَةُ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ فِي الرَّجُلِ يُعْرفُ بِالصِّدْقِ يُضْطَرُّ إِلى الْكَذِبِ قَوْلُهُمْ: عِنْدَ النَّوى يَكْذِبُك الصادِقُ، وَذَكَرَ قِصَّةَ الْعَبْدِ الَّذِي خُوطِرَ صاحِبُه عَلَى كَذِبه، قَالَ: والنَّوَى هَاهُنَا مَسِيرُ الحيِّ مُتَحَوِّلين مِنْ دَارٍ إِلى أُخرى. والنَّوَاةُ: عَجَمةُ التَّمر وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا. والنَّوَاةُ: مَا نَبَتَ عَلَى النَّوى كالجَثيثة النَّابِتَةِ عَنْ نَواها، رَوَاهَا أَبو حَنِيفَةَ عَنْ أَبي زِيَادٍ الْكِلَابِيِّ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ نَوًى ونُوِيٌّ ونِوِيٌّ، وأَنْوَاء جَمْعُ نَوًى؛ قَالَ مَلِيحٌ الْهُذَلِيُّ:

مُنِيرٌ تَجُوزُ العِيسُ، مِن بَطِناتِه،

حَصًى مِثْلَ أَنْوَاء الرَّضِيخِ المُفَلَّقِ

وتقول: ثلاث نَوَياتٍ. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ: أَنه لَقَطَ نَوَياتٍ مِنَ الطَّرِيقِ فأَمْسَكَها بِيَدِهِ حَتَّى مَرَّ بِدَارِ قَوْمٍ فأَلقاها فِيهَا وَقَالَ تأْكله داجِنَتُهم.

والنَّوَى: جَمْعُ نَوَاة التَّمْرِ، وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. وأَكلت التَّمْرَ ونَوَيْت النَّوى وأَنْوَيْتُه: رَمَيْتُهُ. ونَوَّتِ البُسْرةُ وأَنْوَتْ: عَقَدَ نَواها. غَيْرُهُ: نَوَيْتُ النَّوَى وأَنْوَيْتُه أَكلت التَّمْرَ وَجَمَعْتُ نَواهُ. وأَنْوَى ونَوَّى ونَوَى إِذا أَلقى النَّوَى. وأَنْوَى ونَوَى ونَوَّى: مِنَ النِّيَّةِ، وأَنْوَى ونَوَّى فِي السَّفَرِ، ونَوَتِ الناقةُ تَنْوِي نَيّاً ونَوَايةً ونِوَايَةً، فَهِيَ نَاوِيَةٌ، مِنْ نُوق نِواء: سَمِنَت، وَكَذَلِكَ الْجَمَلُ وَالرَّجُلُ والمرأَة وَالْفَرَسُ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:

أَو كالمُكَسَّرِ لَا تَؤُوبُ جِيادُه

إِلَّا غَوانِمَ، وهْيَ غَيْرُ نِواء

وَقَدْ أَنْوَاها السِّمَنُ، وَالِاسْمُ مِنْ ذَلِكَ النِّيُّ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ، رضي الله عنهما:

أَلا يَا حَمْزَ للشُّرُفِ النِّوَاء

قَالَ: النِّوَاءُ السِّمانُ. وجَمل نَاوٍ وجِمال نِوَاءٌ، مِثْلُ جائعٍ وجِياعٍ، وإِبل نَوَوِيَّةٌ إِذا كَانَتْ تأْكل النَّوى. قَالَ أَبو الدُّقَيْش: النِّيُّ الِاسْمُ، وَهُوَ الشَّحم، والنَّيُّ هُوَ الْفِعْلُ؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: النِّيُّ ذُو النَّيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: النِّيُّ اللَّحْمُ، بِكَسْرِ النُّونِ، والنَّيُّ الشَّحمُ. ابْنُ الأَنباري: النَّيُّ الشَّحْم، مِنْ نَوَت الناقةُ إِذا سَمِنَتْ. قَالَ: والنِّيءُ، بِكَسْرِ النُّونِ وَالْهَمْزِ، اللَّحْمِ الَّذِي لَمْ يَنْضَجْ. الْجَوْهَرِيُّ: النَّيُّ الشَّحْمُ وأَصله نَوْيٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

قَصَرَ الصَّبُوحَ لهَا فشَرَّجَ لَحْمَها

بالنَّيِّ، فَهْيَ تَثُوخُ فِيهَا الإِصْبَعُ «1»

وَرُوِيَ: تَثُوخُ فِيهِ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فِيهِ يَعُودُ عَلَى لَحْمِهَا، تَقْدِيرُهُ فَهِيَ تَثُوخُ الإِصْبَع فِي لَحْمها، وَلَمَّا كَانَ الضَّمِيرُ يَقُومُ مَقَامَ لَحْمِهَا أَغنى عَنِ الْعَائِدِ الَّذِي يَعُودُ عَلَى هِيَ، قَالَ: وَمِثْلُهُ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قَائِمٍ أَبواه لَا قَاعِدِينَ، يُرِيدُ لَا قَاعِدَيْنِ أَبواه، فَقَدِ اشْتَمَلَ الضَّمِيرُ فِي قَاعِدِينَ عَلَى ضَمِيرِ الرَّجُلِ، وَاللَّهُ أَعلم. الْجَوْهَرِيُّ: وَنَاَوَاهُ أَي عَادَاهُ، وأَصله الْهَمْزُ لأَنه مِنْ النَّوْء وَهُوَ النُّهُوض. وَفِي حَدِيثِ الْخَيْلِ:

ورَجلٌ رَبَطها رِياءً ونِوَاءً

أَي مُعاداةً لأَهل الإِسلام، وأَصلها الهمز.

(1). قوله [فشرج إلخ] هذا الضبط هو الصواب وما وقع في شرج وثوخ خلف.

ص: 349

والنَّوَاةُ مِنَ الْعَدَدِ: عِشْرُونَ، وَقِيلَ: عَشْرَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الأُوقية مِنَ الذَّهَبِ، وَقِيلَ: أَربعة دَنَانِيرَ. وَفِي حَدِيثِ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، رأَى عَلَيْهِ وَضَراً مِنْ صُفْرةٍ فَقَالَ: مَهْيَمْ؟ قَالَ: تزوّجتُ امرأَة مِنَ الأَنصار عَلَى نَواةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بشاةٍ

؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ عَلَى نَوَاةٍ يَعْنِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَحْمِلُ مَعْنَى هَذَا أَنه أَراد قَدْرَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ كَانَتْ قيمتُها خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ ذَهَبٌ، إِنما هِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ تُسَمَّى نَواةً كَمَا تُسَمَّى الأَربعون أُوقية وَالْعِشْرُونَ نَشّاً. قَالَ مَنْصُورٍ: ونَصُّ حديثِ عبدِ الرحمنِ يدلُّ عَلَى أَنه تزوَّجَ امرأَةً عَلَى ذَهَبٍ قيمتُه دَراهِمَ، أَلا تَرَاهُ قَالَ عَلَى نَواةٍ مِنْ ذَهَبٍ؟ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنس، قَالَ: وَلَا أَدري لِمَ أَنكره أَبو عُبَيْدٍ. والنَّوَاةُ فِي الأَصل: عَجَمةُ التَّمْرَةِ. والنَّوَاةُ: اسْمٌ لِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: الْعَرَبُ تَعْنِي بالنَّوَاة خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، قَالَ: وأَصحاب الْحَدِيثِ يَقُولُونَ عَلَى نَواةٍ مِنْ ذَهَبٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، قَالَ: وَهُوَ خطأٌ وَغَلَطٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه أَوْدَعَ المُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ جُبْجُبةً فِيهَا نَوًى مِنْ ذَهَبٍ

أَي قِطَعٌ مِنْ ذَهَبٍ كالنَّوَى، وَزْنُ القِطعة خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. والنَّوَى: مَخْفِضُ الْجَارِيَةِ وَهُوَ الَّذِي يَبْقى مِنْ بَظْرِها إِذا قُطِعَ المُتْكُ. وَقَالَتْ أَعرابية: مَا تَرَكَ النَّخْجُ لَنَا مِنْ نَوًى. ابْنُ سِيدَهْ: النَّوَى مَا يَبقَى مِنَ المَخْفِض بَعْدَ الخِتان، وَهُوَ البَظْرُ. ونِوَاءٌ: أَخُو مُعاوِيةَ بْنِ عَمرو بْنِ مَالِكِ وَهَنَاةٌ وَقَرَاهِيدٌ وَجَذِيمَةُ الأَبرش. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما جَعَلْنَا نِوَاءً على باب ن وي لعدم ن وثنائية. ونَوًى: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الأَفْوَه:

وسَعْدٌ لَوْ دَعَوْتُهُمُ، لَثابوا

إِليَّ حَفِيفَ غابِ نَوًى بِأُسْدِ

ونَيَّانُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

مِنْ وَحْشِ نَيَّانَ، أَو مِن وَحشِ ذِي بَقَرٍ،

أَفْنَى حَلائِلَه الإِشْلاءُ والطَّرَدُ

‌فصل الهاء

هبا: ابْنُ شُمَيْلٍ: الهَباء التُّرَابُ الَّذِي تُطَيِّرُه الرِّيحُ فَتَرَاهُ عَلَى وُجُوهِ النَّاسِ وجُلُودِهم وَثِيَابِهِمْ يَلْزَقُ لُزوقاً. وَقَالَ: أَقول أَرَى فِي السَّمَاءِ هَبَاءً، وَلَا يُقَالُ يَوْمُنا ذُو هَباء وَلَا ذُو هَبْوةٍ. ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ: الهَبْوةُ الغَبَرَةُ، والهَبَاءُ الغُبار، وَقِيلَ: هُوَ غُبار شِبْهُ الدُّخان ساطِعٌ فِي الهَواء؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

تَبْدُو لَنَا أَعْلامُه بعدَ الغَرَقْ

فِي قِطَعِ الآلِ، وهَبْوَاتِ الدُّقَقْ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الدُّقَقُ مَا دَقَّ مِنَ التُّرَابِ، وَالْوَاحِدُ مِنْهُ الدُّقَّى كَمَا تَقُولُ الجُلَّى والجُلَل. وَفِي حَدِيثِ الصَّوْمِ:

وإِن حالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحاب أَو هَبْوَةٌ فأَكمِلُوا العِدَّة

أَي دُونَ الهِلالِ؛ الهَبْوة: الغَبَرَة، وَالْجَمْعُ أَهْبَاء، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وأَهْبَاءُ الزَّوْبَعةِ: شِبه الغُبار يَرْتَفِعُ فِي الْجَوِّ. وهَبا يَهْبُو هُبُوًّا إِذا سَطَعَ، وأَهْبَيْتُه أَنا. والهَبَاء: دُقاق التُّرَابِ ساطِعُه ومَنْثُورُه عَلَى وَجْهِ الأَرض. وأَهْبَى الفرَسُ: أَثار الهَباء؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي، وَقَالَ أَيضاً: وأَهْبَى الترابَ فعَدَّاه؛ وأَنشد:

أَهْبَى الترابَ فَوْقَه إِهْبَايا

جَاءَ بإِهْبايا عَلَى الأَصل. وَيُقَالُ: أَهْبَى الترابَ

ص: 350

إِهْبَاءً، وَهِيَ الأَهَابِيّ؛ قَالَ أَوْس بْنُ حَجَر:

أَهَابِيَّ سَفْساف منَ التُّرْب تَوْأَم

وهَبَا الرَّمادُ يَهْبُو: اخْتلَطَ بِالتُّرَابِ وهَمَد. الأَصمعي: إِذا سَكَن لَهَبُ النارِ وَلَمْ يَطْفَأْ جَمْرُها قِيلَ خَمَدت، فإِن طَفِئَت الْبَتَّةَ قِيلَ هَمَدَت، فإِذا صَارَتْ رَماداً قِيلَ هَبَا يَهْبُو وَهُوَ هابٍ، غَيْرَ مَهْمُوزٍ. قَالَ الأَزهري: فَقَدْ صَحَّ هَبَا الترابُ والرَّمادُ مَعًا. ابْنُ الأَعرابي: هَبَا إِذا فَرَّ، وهَبَا إِذا مَاتَ أَيضاً، وتَها إِذا غَفَل، وَزَهَا إِذا تكبَّر، وَهَزَا إِذا قَتَل، وَهَزَا إِذا سَارَ، وثَها إِذا حَمُقَ. والهَبَاء: الشَّيْءُ المُنْبَثُّ الَّذِي تَرَاهُ فِي الْبَيْتِ مِنْ ضَوْء الشَّمْسِ شَبيهاً بالغُبار. وَقَوْلُهُ عز وجل: فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً

؛ تأْويله أَنَّ اللهَ أَحْبطَ أَعمالهم حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الهَبَاء الْمَنْثُورِ. التَّهْذِيبُ: أَبو إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ هَباءً مُنْبَثًّا

، فَمَعْنَاهُ أَن الْجِبَالَ صَارَتْ غُباراً، وَمِثْلُهُ: وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً؛ وَقِيلَ: الهَباء المُنْبثُّ مَا تُثِيره الخَيل بحَوافِرها مِنْ دُقاق الغُبار، وَقِيلَ لِمَا يَظْهَرُ فِي الكُوَى مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ هَبَاء. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن سُهَيْلَ بْنَ عَمرو جَاءَ يَتَهَبَّى كأَنه جَمَلٌ آدَمُ.

وَيُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ يَتَهَبَّى إِذا جَاءَ فَارِغًا يَنْفُض يَدَيْهِ؛ قَالَ ذَلِكَ الأَصمعي، كَمَا يُقَالُ جَاءَ يَضْرِبُ أَصْدَرَيْه إِذا جَاءَ فَارِغًا. وَقَالَ ابْنُ الأَثير: التَّهَبِّي مَشْي المُخْتال الْمُعْجَبِ مِنْ هَبَا يَهْبُو هُبُوًّا إِذا مَشَى مَشْيًا بَطِيئاً. وموضعٌ هَابِي التُّرَابِ: كأَنَّ تُرَابَهُ مِثْلُ الهَبَاء فِي الرِّقَّةِ. والهَابِي مِنَ التُّرَابِ: مَا ارْتفَعَ ودَقَّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ هَوْبرٍ الحارِثي:

تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أُذْنَيْهِ ضَرْبةً،

دَعَتْه إِلى هَابِي التُّرابِ عقِيمُ

وتُرابٌ هَابٍ؛ وَقَالَ أَبو مَالِكُ بْنُ الرَّيْبِ:

تَرَى جَدَثاً قَدْ جَرَّتِ الرِّيحُ فَوْقَه

تُراباً، كلَوْنِ القَسْطلانِيِّ، هَابِيا «2»

والهَابِي: تُراب الْقَبْرِ؛ وأَنشد الأَصمعي:

وهَابٍ، كجُثْمانِ الحَمامةِ، أَجْفَلَتْ

بِهِ رِيحُ تَرْجٍ والصَّبا كُلُّ مُجْفَلِ «3»

وَقَوْلُهُ:

يكونُ بِهَا دَليلَ القَومِ نَجْمٌ،

كعَينِ الكلْبِ فِي هُبًّى قِباعِ

قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِهِ: شَبَّهَ النَّجْمَ بِعَيْنِ الْكَلْبِ لِكَثْرَةِ نُعَاسِ الْكَلْبِ لأَنه يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ تَارَةً ثُمَّ يُغْضِي فَكَذَلِكَ النَّجْمُ يَظْهَرُ سَاعَةً ثُمَّ يَخْفَى بالهَباء، وهُبًّى: نُجُوم قَدِ اسْتَتَرَتْ بِالْهَبَاءِ، وَاحِدُهَا هابٍ، وقِباعٌ: قابِعةٌ فِي الْهَبَاءِ أَي دَاخِلَةٌ فِيهِ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: وَصَفَ النَّجْمَ الْهَابِي الَّذِي فِي الْهَبَاءِ فَشَبَّهَهُ بِعَيْنِ الْكَلْبِ نَهَارًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلْبَ بِاللَّيْلِ حَارِسٌ وَبِالنَّهَارِ نَاعِسٌ، وَعَيْنُ النَّاعِسِ مُغْمِضة، وَيَبْدُو مِنْ عَيْنَيْهِ الخَفِيُّ، فَكَذَلِكَ النَّجْمُ الَّذِي يُهْتَدَى بِهِ هُوَ هابٍ كَعَيْنِ الْكَلْبِ فِي خَفائه، وَقَالَ فِي هُبًّى: وَهُوَ جَمْعُ هابٍ مِثْلُ غُزًّى جَمْعُ غازٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ دَلِيلَ الْقَوْمِ نَجْمٌ هابٍ فِي هُبًّى يَخفى فِيهِ إِلا قَلِيلًا مِنْهُ، يَعرف بِهِ النَّاظِرُ إِليه أَيَّ نَجْمٍ هُوَ وَفِي أَيِّ نَاحِيَةٍ هُوَ فَيَهْتَدِي بِهِ، وَهُوَ فِي نُجُومِ هُبًّى أَي هابِيةٍ إِلا أَنها قِباعٌ كالقَنافِذ إِذا قَبَعَت فَلَا يُهْتَدَى بِهَذِهِ القِباع، إِنما يُهتدى بِهَذَا النَّجْمِ الْوَاحِدِ الَّذِي هُوَ هابٍ غَيْرُ قابِعٍ فِي نُجُومٍ هابِيةٍ قَابِعَةٍ، وَجَمَعَ القابعَ عَلَى قِباعٍ كَمَا جَمَعُوا صَاحِبًا عَلَى صِحابٍ وَبَعِيرًا قامِحاً عَلَى قِماحٍ. النِّهَايَةُ فِي حَدِيثِ

الْحَسَنِ: ثُمَّ اتَّبَعه مِنَ النَّاسِ هَبَاءٌ رَعاعٌ

؛ قال:

(2). هَذَا الْبَيْتُ لِمَالِكِ بْنِ الريب لا لأَبيه وهو من قصيدته الشهيرة التي يرثي بها نفسه.

(3)

. قوله [مجفل] هو بضم الميم، وضبط في ترج بفتحها وهو خطأ.

ص: 351

الهَبَاء فِي الأَصل مَا ارْتَفَعَ مِنْ تَحْتِ سَنابك الْخَيْلِ، والشيءُ المُنْبَثُّ الَّذِي تَرَاهُ فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ، فَشُبِّهَ بِهَا أَتباعه. ابْنُ سِيدَهْ: والهَبَاء مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لَا عُقُولَ لَهُمْ. والهَبْوُ: الظَّلِيمُ. والهَبَاءَةُ: أَرض بِبِلَادِ غَطَفان، وَمِنْهُ يَوْمُ الهَبَاءَة لقَيس بْنِ زُهير الْعَبْسِيِّ عَلَى حُذيفة بْنِ بَدْر الْفَزَارِيَّ، قَتَلَهُ فِي جَفْر الهَبَاءَة وَهُوَ مُسْتَنْقع مَاءٍ بِهَا. ابْنُ سِيدَهْ: الهَبَيُّ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ، والأُنثى هَبَيَّةٌ؛ حَكَاهُمَا سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَزْنُهُمَا فَعَلٌّ وفَعَلّةٌ، وَلَيْسَ أَصل فَعلّ فِيهِ فَعْلَلًا وإِنما بُنِيَ مِنْ أَول وَهْلَةٍ عَلَى السُّكُونِ، وَلَوْ كَانَ الأَصل فَعْلَلًا لَقُلْتَ هَبْياً فِي الْمُذَكَّرِ وهَبْيَاةً فِي الْمُؤَنَّثِ؛ قَالَ: فإِذا جَمَعْتَ هَبَيّاً قُلْتَ هَبَائِيّ لأَنه بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الْمُعْتَلِّ نَحْوَ مَعدّ وجُبُنّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والهَبَيُّ والهَبَيّةُ الْجَارِيَةُ الصَّغِيرَةُ. وهَبِي: زَجْرٌ لِلْفَرَسِ أَي تَوسَّعي وتَباعَدي؛ وَقَالَ الكميت:

نُعَلِّمُها هَبِي وهَلًا وأَرْحِبْ،

وَفِي أَبْياتِنا ولَنا افْتُلِينا

النِّهَايَةُ: وَفِي الْحَدِيثِ

أَنه حَضَرَ ثَريدةً فهَبَّاها

أَي سَوَّى مَوْضِعَ الأَصابع مِنْهَا، قَالَ: وَكَذَا رُوِيَ وشرح.

هتا: هَاتَى: أَعطى، وَتَصْرِيفُهُ كتصريف عاطى؛ قال:

والله مَا يُعْطي وَمَا يُهَاتِي

أَي وَمَا يأْخذ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْهَاءُ فِي هَاتَى بَدَلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ فِي آتَى. والمُهَاتَاةُ: مُفاعَلَةٌ مِنْ قَوْلِكَ هاتِ. يُقَالُ: هَاتَى يُهَاتِي مُهَاتَاةً، الْهَاءُ فِيهَا أَصلية، وَيُقَالُ: بَلِ الْهَاءُ مُبَدَّلَةٌ مِنَ الأَلف الْمَقْطُوعَةِ فِي آتَى يُؤاتي، لَكِنَّ الْعَرَبَ قَدْ أَماتت كُلَّ شَيْءٍ مِنْ فِعْلِهَا غَيْرَ الأَمر بهاتِ. وَمَا أُهَاتِيك أَي مَا أَنا بمُعْطِيك، قَالَ: وَلَا يُقَالُ مِنْهُ هَاتَيْتُ وَلَا يُنهى بِهَا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي نُخَيْلَةَ:

قُلْ لِفُراتٍ وأَبي الفُراتِ،

ولِسَعِيدٍ صاحِبِ السَّوْآتِ:

هَاتُوا كَمَا كُنّا لَكُمْ نُهَاتِي

أَي نُهاتِيكم، فَلَمَّا قدَّم الْمَفْعُولَ وَصَلَهُ بِلَامِ الْجَرِّ. وَتَقُولُ: هَاتِ لَا هاتَيْتَ، وهَاتِ إِن كَانَتْ بِكَ مُهَاتَاةٌ. وإِذا أَمرت الرَّجُلَ بأَن يُعطِيك شَيْئًا قُلْتَ لَهُ: هَاتِ يَا رَجُلُ، وَلِلْاثْنَيْنِ هَاتِيا، وَلِلْجَمْعِ هَاتُوا، وللمرأَة هَاتي، فَزِدْتَ يَاءً فَرْقًا بَيْنَ الذَّكَرِ والأُنثى، وللمرأَتين هاتِيا، وَلِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ هاتِينَ مِثْلَ عاطِينَ. وَتَقُولُ: أَنت أَخذته فهَاتِه، وَلِلْاثْنَيْنِ أَنتما أَخذتماه فهَاتِيَاه، وَلِلْجَمَاعَةِ أَنتم أَخذتموه فَهَاتُوهُ، وللمرأَة أَنت أَخذتِه فهَاتيه، وَلِلْجَمَاعَةِ أَنتن أَخَذْتُنَّه فهاتِينَه. وَهَاتَاهُ إِذا ناوَلَه شَيْئًا. الْمُفَضَّلُ: هَاتِ وهَاتِيا وهَاتُوا أَي قَرِّبُوا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ*

؛ أَي قَرِّبُوا، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ هَاتِ أَي أَعْطِ. وهَتَا الشيءَ هَتْواً: كسره وَطْأً بِرِجْلَيْهِ. والهِتْيُ والأَهْتَاء: سَاعَاتُ اللَّيْلِ. والأَتْهَاءُ: الصَّحاري البَعيدةُ.

هثي: الهَثَيَانُ: الحَثْوُ؛ عَنْ كُرَاعٍ. الأَزهري: هَثَى إِذا احْمَرَّ وجْهُه، وثَها إِذا حَمُقَ، وهَاثَاه إِذا مازَحَه ومايَله، وَثَاهَاهُ إِذا قاوَلَه. وَفِي تَرْجَمَةِ قَعْبَثَ: هِثْتُ لَهُ هَيْثاً إِذا حَثَوْتَ له.

ص: 352

هجا: هَجَاه يَهْجُوه هَجْواً وهِجاء وتَهْجَاء، مدود: شَتَمَهُ بالشِّعر، وَهُوَ خِلَافُ المَدْح. قَالَ اللِّيْثُ: هُوَ الوَقِيعةُ فِي الأَشْعار. وَرُوِيَ عَنِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا هَجاني فاهْجُه اللَّهُمَّ مكانَ مَا هَجاني

؛ مَعْنَى قَوْلِهِ اهْجُه أَي جازِه عَلَى هِجائه إِيايَ جَزاءَ هِجائه، وَهَذَا كَقَوْلِهِ عز وجل: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ؛ فَالثَّانِي مُجازاةٌ وإِن وافَق اللفظُ اللفظَ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي الْحَدِيثِ

اللَّهُمَّ إِنَّ عَمْرَو بنَ العاصِ هَجَانِي، وَهُوَ يَعْلَمُ أَني لَسْتُ بِشَاعِرٍ، فاهْجُه اللَّهُمَّ والْعَنْه عدَدَ مَا هَجَانِي أَو مَكَانَ مَا هَجَانِي

، قَالَ: وَهَذَا كَقَوْلِهِ

مَن يُرائي يُرائي اللهُ بِهِ

أَي يُجازِيه عَلَى مُراءَاته. والمُهَاجَاةُ بَيْنَ الشاعِرَيْنِ: يَتهاجَيانِ. ابْنُ سِيدَهْ: وهَاجَيْتُه هَجَوْتُه وهَجَانِي. وَهُمْ يَتَهَاجَوْنَ: يَهْجُو بعضُهم بَعْضًا، وَبَيْنَهُمْ أُهْجُوَّةٌ وأُهْجِيّةٌ ومُهَاجَاةٌ يتَهاجَوْن بِهَا؛ وَقَالَ الْجَعْدِيُّ يَهْجُو لَيْلَى الأَخْيَلِيَّة:

دَعي عَنْكِ تَهْجَاءَ الرِّجالِ، وأَقْبلي

عَلَى أَذْلَغِيٍّ يَمْلأُ اسْتَكِ فَيْشَلا

الأَذَلَغِيُّ: مَنْسُوبٌ إِلى رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُبادة بْنِ عُقَيْلٍ رَهْطِ لَيْلى الأَخْيَلِيَّة، وَكَانَ نَكَّاحاً، وَيُقَالُ: ذَكَرٌ أَذْلَغِيٌّ إِذا مَذى؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ:

فدَحَّها بأَذْلَغِيٍّ بَكْبَكِ،

فصَرَخَتْ: قَدْ جُزْتَ أَقْصى المَسْلَكِ

وَهُوَ مَهْجُوٌّ. وَلَا تَقُلْ هَجَيْتُه. والمرأَة تَهْجُو زَوْجَها أَي تَذُمُّ صُحبته؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: تَهْجُو صُحبة زَوْجِهَا أَي تَذُمُّه وتَشْكُو صُحْبتَه. أَبو زَيْدٍ: الهِجَاءُ القِراءَة، قَالَ: وَقُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي قَيْسٍ أَتَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: واللهِ مَا أَهْجُو مِنْهُ حَرفاً؛ يُرِيدُ مَا أَقْرَأُ مِنْهُ حَرْفاً. قَالَ: ورَوَيْتُ قَصِيدةً فَمَا أَهْجُو اليومَ مِنْهَا بَيْتَيْنِ أَي مَا أَرْوي. ابْنُ سِيدَهْ: والهِجَاء تَقْطِيعُ اللَّفْظَةِ بحُروفِها. وهَجَوْتُ الْحُرُوفَ وتَهَجَّيْتُها هَجْواً وهِجاء وهَجَّيْتها تَهْجِيةً وتَهَجَّيتُ كُلُّهُ بِمَعْنًى؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ لأَبي وَجْزةَ السَّعْدي:

يَا دارَ أَسْماءَ، قَدْ أَقْوَتْ بأَنْشاجِ

كالوَحْيِ، أَو كإِمامِ الكاتِبِ الهَاجِي

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ يَائِيَّةٌ وَوَاوِيَّةٌ، قَالَ: وَهَذَا عَلَى هِجَاء هَذَا أَي عَلَى شَكْلِه وقَدْرِهِ ومِثاله وَهُوَ مِنْهُ. وهَجُوَ يَوْمُنا: اشتَدَّ حَرُّه. والهَجَاةُ: الضِّفْدَعُ، وَالْمَعْرُوفُ الهاجةُ. وهَجِيَ البيتُ هَجْياً: انْكَشَفَ. وهَجِيَتْ عَيْنُ الْبَعِيرِ: غارَتْ. ابْنُ الأَعرابي: الهِجَى الشِّبعُ من الطَّعام.

هدي: مِنْ أَسماء اللَّهِ تَعَالَى سُبْحَانَهُ: الهَادِي؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الَّذِي بَصَّرَ عِبادَه وعرَّفَهم طَريقَ مَعْرِفَتِهِ حَتَّى أَقرُّوا برُبُوبيَّته، وهَدى كُلَّ مَخْلُوقٍ إِلى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فِي بَقائه ودَوام وجُوده. ابْنُ سِيدَهْ: الهُدى ضِدُّ الضَّلَالِ وَهُوَ الرَّشادُ، وَالدَّلَالَةُ أُنثى، وَقَدْ حُكِيَ فِيهَا التَّذْكِيرُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِيَزِيدَ بْنُ خَذَّاقٍ:

وَلَقَدْ أَضاءَ لَكَ الطرِيقُ وأَنْهَجَتْ

سُبُلُ المَكارِمِ، والهُدَى تُعْدِي

قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَالَ اللِّحْيَانِيُّ الهُدَى مُذَكَّرٌ، قَالَ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ بَعْضُ بَنِي أَسد يُؤَنِّثُهُ، يَقُولُ: هَذِهِ هُدًى مُسْتَقِيمَةٌ. قَالَ أَبو إِسحاق: قَوْلِهِ عز وجل:

ص: 353

قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى *

؛ أَي الصِّراط الَّذِي دَعا إِليه هُوَ طَرِيقُ الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى

؛ أَي إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ طريقَ الهُدَى مِنْ طَرِيق الضَّلال. وَقَدْ هَداه هُدًى وهَدْياً وهِدَايةً وهِديَةً وهَداه للدِّين هُدًى وهَداه يَهْدِيه فِي الدِّين هُدًى. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ عز وجل: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ

؛ أَي بَيَّنَّا لَهُمْ طَرِيقَ الهُدى وَطَرِيقَ الضَّلَالَةِ فاسْتَحَبُّوا أَي آثرُوا الضَّلَالَةَ عَلَى الهُدَى. اللِّيْثُ: لُغَةُ أَهل الغَوْرِ هَدَيْتُ لَكَ فِي مَعْنَى بَيَّنْتُ لَكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ

؛ قَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: أَوَلم يُبَيِّنْ لَهُمْ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه قَالَ لِعَلِيٍّ سَلِ اللهَ الهُدَى

، وَفِي رِوَايَةٍ:

قُلِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي وسَدِّدْني وَاذْكُرْ بالهُدَى هِدايَتك الطريقَ وبالسَّدادِ تَسْدِيدَك السَّهْمَ

؛ وَالْمَعْنَى إِذا سأَلتَ اللَّهَ الهُدَى فأَخْطِر بقَلْبك هِدايةَ الطَّريق وسَلِ اللَّهَ الْاسْتِقَامَةَ فِيهِ كَمَا تتَحَرَّاه فِي سُلوك الطَّرِيقِ، لأَنَّ سالكَ الفَلاة يَلزم الجادّةَ وَلَا يُفارِقُها خَوْفًا مِنَ الضَّلَالِ، وَكَذَلِكَ الرَّامِي إِذا رَمَى شَيْئًا سَدَّد السَّهم نَحْوَهُ ليُصِيبه، فأَخْطِر ذَلِكَ بِقَلْبِكَ لِيَكُونَ مَا تَنْويه مِنَ الدُّعاء عَلَى شَاكِلَةِ مَا تَسْتَعْمِلُهُ فِي الرَّمْيِ. وَقَوْلُهُ عز وجل: الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى

؛ مَعْنَاهُ خَلَق كلَّ شَيْءٍ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي بِهَا يُنْتَفَعُ وَالَّتِي هِيَ أَصْلَحُ الخَلْقِ لَهُ ثُمَّ هَدَاهُ لمَعِيشته، وَقِيلَ: ثُمَّ هَداه لموضعِ مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ، والأَوَّل أَبين وأَوضح، وَقَدْ هُدِيَ فاهْتَدَى. الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِ

؛ يُقَالُ: هَدَيْتُ للحَقِّ وهَدَيْت إِلى الْحَقِّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، لأَنَّ هَدَيْت يَتَعدَّى إِلى المَهْدِيّين، والحقُّ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ جَرٍّ، الْمَعْنَى: قُلِ اللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ لِلْحَقِّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

سُنَّة الخُلفاء الرَّاشِدِين المَهْدِيّينَ

؛ المَهْدِيُّ: الَّذِي قَدْ هَداه اللَّهُ إِلى الْحَقِّ، وَقَدِ اسْتُعْمِل فِي الأَسماء حَتَّى صَارَ كالأَسماء الْغَالِبَةِ، وَبِهِ سُمي المهْدِيُّ الَّذِي بَشَّر بِهِ النبيُّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه يَجِيءُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَيُرِيدُ بِالْخُلَفَاءِ المَهْدِيِّينَ أَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وإِن كَانَ عَامًّا فِي كُلِّ مَنْ سَارَ سِيرَتَهم، وَقَدْ تَهَدَّى إِلى الشَّيْءِ واهْتَدَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً

؛ قِيلَ: بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَقِيلَ: بأَن يَجْعَلَ جَزَاءَهُمْ أَن يَزِيدَهُمْ فِي يَقِينِهِمْ هُدًى كَمَا أَضَلَّ الفاسِق بِفِسْقِهِ، وَوَضْعُ الهُدَى مَوْضِعَ الاهْتداء. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: تابَ مِنْ ذَنْبِهِ وَآمَنَ برَبِّهِ ثُمَّ اهْتَدَى أَي أَقامَ عَلَى الإِيمان، وهَدَى واهْتَدَى بِمَعْنَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: يُرِيدُ لَا يَهْتدِي. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى

، بِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فِيمَنْ قرأَ بِهِ، فإِن ابْنِ جِنِّي قَالَ: لَا يَخْلُو مِنْ أَحد أَمرين: إِما أَن تَكُونَ الْهَاءُ مُسَكَّنَةً الْبَتَّةَ فَتَكُونُ التَّاءُ مَنْ يَهْتَدِي مُخْتَلَسَةُ الْحَرَكَةِ، وإِما أَن تَكُونَ الدَّالُ مشدَّدة فَتَكُونُ الْهَاءُ مَفْتُوحَةً بِحَرَكَةِ التَّاءِ الْمَنْقُولَةِ إِليها أَو مَكْسُورَةً لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الدَّالِ الأُولى، قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى

؛ يَقُولُ: يَعْبُدون مَا لَا يَقْدِر أَن يَنتقل عَنْ مَكَانِهِ إِلا أَن يَنْقُلُوه، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَقُرِئَ

أَمْ مَن لَا يَهْدْي

، بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَالدَّالِ، قَالَ: وَهِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ، قَالَ: وقرأَ أَبو عَمْرٍو أَمْ مَن لَا يَهَدِّي، بِفَتْحِ الْهَاءِ، والأَصل لَا يَهْتَدِي. وقرأَ عاصم: أَمَّنْ لَا يَهِدِّي

، بِكَسْرِ الْهَاءِ، بِمَعْنَى يَهْتَدِي أَيضاً، وَمَنْ قرأَ أَمْ مَنْ لَا يَهْدِي خَفِيفَةً، فَمَعْنَاهُ يَهْتَدِي أَيضاً. يُقَالُ: هَدَيْتُه فَهَدَى أَي اهْتَدَى؛ وَقَوْلُهُ أَنشده

ص: 354

ابْنُ الأَعرابي:

إِنْ مَضَى الحَوْلُ وَلَمْ آتِكُمُ

بِعَناجٍ تَهتدِي أَحْوَى طِمِرْ

فَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ تَهْتَدِي بأَحوى، ثُمَّ حَذَفَ الْحَرْفَ وأَوصل الْفِعْلَ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَى تَهْتَدِي هُنَا تَطْلُب أَن يَهْدِيها، كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ اخْتَرَجْتُه فِي مَعْنَى اسْتَخْرَجَتُهُ أَي طَلَبْتُ مِنْهُ أَن يَخْرُج. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَدَاه اللهُ الطريقَ، وَهِيَ لُغَةُ أَهل الْحِجَازِ، وهَداه للطَّريقِ وإِلى الطريقِ هِدايةً وهَداه يَهْدِيه هِدايةً إِذا دَلَّه عَلَى الطَّرِيقِ. وهَدَيْتُه الطَّريقَ والبيتَ هِداية أَي عرَّفته، لُغَةَ أَهل الْحِجَازِ، وَغَيْرُهُمْ يَقُولُ: هَدَيْتُه إِلى الطَّرِيقِ وإِلى الدَّارِ؛ حَكَاهَا الأَخفش. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ هَدَيْتُهُ الطَّرِيقَ بِمَعْنَى عَرَّفْتُهُ فيُعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَيُقَالُ: هَدَيْتُهُ إِلى الطَّرِيقِ وَلِلطَّرِيقِ عَلَى مَعْنَى أَرشَدْته إِليها فيُعدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ كأَرْشَدْتُ، قَالَ: وَيُقَالُ: هَدَيْتُ لَهُ الطريقَ عَلَى مَعْنَى بَيَّنْتُ لَهُ الطَّرِيقَ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ

، وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ

، وَفِيهِ: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ

، مَعْنَى طَلَب الهُدَى مِنْهُ تَعَالَى، وَقَدْ هَداهُم أَنهم قَدْ رَغِبُوا مِنْهُ تَعَالَى التَّثْبِيتَ عَلَى الْهُدَى، وَفِيهِ: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ

، وَفِيهِ: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

. وأَمّا هَدَيْتُ العَرُوس إِلى زَوْجِهَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّامِ لأَنه بِمَعْنَى زَفَفْتها إِليه، وأَمَّا أَهْدَيْتُ إِلى الْبَيْتِ هَدْياً فَلَا يَكُونُ إِلا بالأَلف لأَنه بِمَعْنَى أَرْسَلْتُ فَلِذَلِكَ جَاءَ عَلَى أَفْعَلْتُ. وَفِي حَدِيثِ

مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: بَلَغَنِي أَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبي سَلِيط قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حارِثةَ، وَقَدْ أَخَّر صَلَاةَ الظُّهْرِ: أَكانوا يُصَلُّون هَذِهِ الصَّلَاةَ السَّاعةَ؟ قَالَ: لَا واللهِ، فَما هَدَى مِمّا رَجَعَ

أَي فَمَا بَيَّنَ وَمَا جَاءَ بحُجَّةٍ مِمّا أَجاب، إِنما قَالَ لَا واللهِ وسَكَتَ، والمَرْجُوعُ الْجَوَابُ فَلَمْ يجىءْ بِجَوَابٍ فِيهِ بَيَانٌ وَلَا حُجَّةَ لِمَا فَعَلَ مِنْ تأْخير الصَّلَاةِ. وهَدَى: بِمَعْنَى بيَّنَ فِي لُغَةِ أَهل الغَوْر، يَقُولُونَ: هَدَيْتُ لَكَ بِمَعْنَى بَيَّنْتُ لَكَ. وَيُقَالُ بِلُغَتِهِمْ نَزَلَتْ: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ

. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: رَجُل هَدُوٌّ عَلَى مِثَالِ عدُوٍّ، كأَنه مِنَ الهِداية، وَلَمْ يَحكها يَعْقُوبُ فِي الأَلفاظ الَّتِي حَصَرَهَا كحَسُوٍّ وفَسُوٍّ. وهَدَيْت الضالَّةَ هِدايةً. والهُدى: النَّهارُ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

حَتَّى اسْتَبَنْتُ الهُدى، والبِيدُ هاجِمةٌ

يخْشَعْنَ فِي الآلِ غُلْفاً، أَو يُصَلِّينا

والهُدى: إِخراج شَيْءٍ إِلى شَيْءٍ. والهُدى أَيضاً: الطاعةُ والوَرَعُ. والهُدَى: الْهَادِي فِي قَوْلِهِ عز وجل: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً

؛ والطريقُ يسمَّى هُدًى؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّمَّاخِ:

قَدْ وكَّلَتْ بالهُدى إِنسانَ ساهِمةٍ،

كأَنه مِنْ تمامِ الظِّمْءِ مَسْمولُ

وَفُلَانٌ لَا يَهْدي الطريقَ وَلَا يَهْتَدي وَلَا يَهَدِّي وَلَا يَهِدِّي، وَذَهَبَ عَلَى هِدْيَتِه أَي عَلَى قَصْده فِي الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ. وَخُذْ فِي هِدْيَتِك أَي فِيمَا كُنْتَ فِيهِ مِنَ الْحَدِيثِ والعَمَل وَلَا تَعْدِل عَنْهُ. الأَزهري: أَبو زَيْدٍ فِي بَابِ الْهَاءِ وَالْقَافِ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا حَدَّث بِحَدِيثٍ ثُمَّ عَدل عَنْهُ قَبْلَ أَن يَفْرُغ إِلى غَيْرِهِ: خُذْ عَلَى هِدْيَتِك، بِالْكَسْرِ، وقِدْيَتِك أَي خُذْ فِيمَا كُنْتَ فِيهِ وَلَا تَعْدِل عَنْهُ، وَقَالَ: كَذَا أَخبرني أَبو بَكْرٍ عَنْ شَمِرٍ، وَقَيَّدَهُ فِي كِتَابِهِ الْمَسْمُوعِ مِنْ شَمِرٍ: خُذْ فِي هِدْيَتِك وقِدْيَتِك أَي خُذْ فِيمَا كُنْتَ فِيهِ، بِالْقَافِ. ونَظَرَ

ص: 355

فُلَانٌ هِدْيَةَ أَمرِه أَي جِهةَ أَمرِه. وضلَّ هِدْيَتَه وهُدْيَتَه أَي لوَجْهِه؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ أَحمر الْبَاهِلِيِّ:

نَبَذَ الجُؤارَ وضَلَّ هِدْيَةَ رَوْقِه،

لمَّا اخْتَلَلْتُ فؤادَه بالمِطْرَدِ

أَي ترَك وجهَه الَّذِي كَانَ يُرِيدُه وسقَط لَمَّا أَنْ صَرَعْتُه، وضلَّ الموضعَ الَّذِي كَانَ يَقْصِدُ لَهُ برَوْقِه مِنَ الدَّهَش. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَذْهَب عَلَى هِدْيَتِه أَي عَلَى قَصْدِه. وَيُقَالُ: هَدَيْتُ أَي قصدْتُ. وَهُوَ عَلَى مُهَيْدِيَتِه أَي حَالِهِ؛ حَكَاهَا ثَعْلَبٌ، وَلَا مُكَبِّرَ لَهَا. وَلَكَ هُدَيّا هَذِهِ الفَعْلةِ أَي مِثلُها، وَلَكَ عِنْدِي هُدَيَّاها أَي مثلُها. وَرَمَى بِسَهْمٍ ثُمَّ رَمَى بآخرَ هُدَيَّاهُ أَي مثلِه أَو قَصْدَه. ابْنُ شُمَيْلٍ: اسْتَبَقَ رَجُلَانِ فَلَمَّا سَبَقَ أَحدُهما صاحبَه تَبالحا فَقَالَ لَهُ المَسْبُوق: لِمَ تَسْبِقْني فَقَالَ السابقُ: فأَنت عَلَى هُدَيَّاها أَي أُعاوِدُك ثَانِيَةً وأَنت عَلَى بُدْأَتِكَ أَي أُعاوِدك؛ وتبالحا: وتَجاحَدا، وَقَالَ: فَعل بِهِ هُدَيَّاها أَي مِثلَها. وَفُلَانٌ يَهْدي هَدْيَ فُلَانٍ: يَفْعَلُ مِثْلَ فِعْلِهِ ويَسِير سِيرَته. وَفِي الْحَدِيثِ:

واهْدُوا بهَدْي عَمَّارٍ

أَي سِيرُوا بسِيرَتِه وتَهَيَّأُوا بهَيْئَتِه. وَمَا أَحسن هَدْيَه أَي سَمْتَه وَسُكُونَهُ. وَفُلَانٌ حسَنُ الهَدْي والهِدْيَةِ أَي الطَّرِيقَةِ والسِّيرة. وَمَا أَحْسَنَ هِدْيَتَهُ وهَدْيَه أَيضاً، بِالْفَتْحِ، أَي سِيرَته، وَالْجَمْعُ هَدْيٌ مِثْلَ تَمْرة وتَمْرٍ. وَمَا أَشبه هَدْيَه بهَدْي فُلَانٍ أَي سَمْتَه. أَبو عَدْنَانَ: فُلَانٌ حَسَنُ الهَدْي وَهُوَ حُسْنُ الْمَذْهَبِ فِي أُموره كُلِّهَا؛ وَقَالَ زيادةُ بْنُ زَيْدٍ الْعَدَوِيُّ:

ويُخْبِرُني عَنْ غائبِ المَرْءِ هَدْيُه،

كَفَى الهَدْيُ عَمَّا غَيَّبَ المَرْءُ مُخْبِرا

وهَدى هَدْيَ فُلَانٍ أَي سارَ سَيْره. الْفَرَّاءُ: يُقَالُ لَيْسَ لِهَذَا الأَمر هِدْيةٌ وَلَا قِبْلةٌ وَلَا دِبْرةٌ وَلَا وِجْهةٌ. وَفِي حَدِيثِ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إِن أَحسَنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمدٍ

أَي أَحسَنَ الطريقِ والهِداية وَالطَّرِيقَةِ وَالنَّحْوِ وَالْهَيْئَةِ،

وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ: كُنَّا نَنْظُر إِلى هَدْيهِ ودَلِّه

؛ أَبو عُبَيْدٍ: وأَحدهما قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الْآخَرِ؛ وَقَالَ عِمْرانُ بْنُ حِطَّانَ:

وَمَا كُنتُ فِي هَدْيٍ عليَّ غَضاضةٌ،

وَمَا كُنْتُ فِي مَخْزاتِه أَتَقَنَّعُ «4»

وَفِي الْحَدِيثُ:

الهَدْيُ الصَّالِحُ والسَّمْتُ الصالِحُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزءاً مِنَ النبوَّة

؛ ابْنُ الأَثير: الهَدْيُ السِّيرةُ والهَيْئة وَالطَّرِيقَةُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَن هَذِهِ الحالَ مِنْ شَمَائِلِ الأَنبياء مِنْ جُمْلَةِ خِصَالِهِمْ وأَنها جُزْء مَعْلُومٌ مِنْ أَجْزاء أَفْعالهم، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَن النُّبُوَّةَ تَتَجَزَّأُ، وَلَا أَنَ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الخِلال كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنَ النُّبُوّة، فإِن النبوّةَ غَيْرُ مُكْتَسبة وَلَا مُجْتَلَبةٍ بالأَسباب، وإِنما هِيَ كرامةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد بِالنُّبُوَّةِ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ وَدَعَتْ إِليه، وتَخْصيصُ هَذَا الْعَدَدِ مِمَّا يستأْثر النبي، صلى الله عليه وسلم، بِمَعْرِفَتِهِ. وكلُّ متقدِّم هادٍ. والهَادِي: العُنُقُ لِتُقَدِّمِهُ؛ قَالَ الْمُفَضَّلُ النُّكْري:

جَمُومُ الشَّدِّ شائلةُ الذُّنابى،

وهَادِيها كأَنْ جِذْعٌ سَحُوقُ

وَالْجُمْعُ هَوادٍ. وَفِي حَدِيثِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: أَنه بَعَثَ إِلى ضُباعةَ وذَبَحت شَاةً فطَلَب مِنْهَا فَقَالَتْ مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلا الرَّقَبَةُ فبَعَثَ إِليها أَن أَرْسِلي بها فإِنها هَادِيَةُ الشاةِ.

والهَادِيَةُ والهَادِي: العنُقُ لأَنها تَتَقَدَّم عَلَى البدَن ولأَنها تَهْدي الجَسَد.

(4). قوله [في مخزاته] الذي في التهذيب: من مخزاته.

ص: 356

الأَصمعي: الهادِيَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَوَّلُه وَمَا تقَدَّمَ مِنْهُ، وَلِهَذَا قِيلَ: أَقْبَلَتْ هَوَادِي الخيلِ إِذا بَدَتْ أَعْناقُها. وَفِي الْحَدِيثِ:

طَلَعَتْ هَوَادِي الْخَيْلِ

يَعْنِي أَوائِلَها. وهَوَادِي اللَّيْلِ: أَوائله لِتَقَدُّمِهَا كتقدُّم الأَعناق؛ قَالَ سُكَيْن بْنُ نَضْرةَ البَجَليّ:

دَفَعْتُ بِكَفِّي الليلَ عَنْهُ وَقَدْ بَدَتْ

هَوَادِي ظَلامِ الليلِ، فالظِّلُّ غامِرُهُ

وهَوَادِي الْخَيْلِ: أَعْناقُها لأَنها أَولُ شَيْءٍ مِنْ أَجْسادِها، وَقَدْ تَكُونُ الهَوَادِي أَولَ رَعيل يَطْلُع مِنْهَا لأَنها المُتَقَدِّمة. وَيُقَالُ: قَدْ هَدَت تَهْدِي إِذا تَقَدَّمتْ؛ وَقَالَ عَبِيد يَذْكُرُ الْخَيْلَ:

وغَداةَ صَبَّحْنَ الجِفارَ عَوابِساً،

تَهْدِي أَوائلَهُنَّ شُعْثٌ شُزَّبُ

أَي يَتَقَدَّمُهن؛ وَقَالَ الأَعشى وَذَكَرَ عَشاه وأَنَّ عَصاه تَهْدِيه:

إِذا كَانَ هَادِي الفَتى في البلادِ،

صَدْرَ القَناةِ، أَطاع الأَمِيرا

وَقَدْ يَكُونُ إِنما سَمَّى العَصا هَادِياً لأَنه يُمْسِكها فَهِيَ تَهْديه تتقدَّمه، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الهِدَايَةِ لأَنها تَدُلُّه عَلَى الطَّرِيقِ، وَكَذَلِكَ الدليلُ يُسَمَّى هَادِياً لأَنه يَتَقَدَّم القومَ وَيَتْبَعُونَهُ، وَيَكُونُ أَن يَهْدِيَهم للطريقِ. وهَادِيَاتُ الوَحْشِ: أَوائلُها، وَهِيَ هَوَادِيها. والهَادِيَةُ: المتقدِّمة مِنَ الإِبل. والهَادِي: الدَّلِيلُ لأَنه يَقْدُمُ القومَ. وهَدَاه أَي تَقَدَّمه؛ قَالَ طَرَفَةُ:

لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ،

حيثُ تَهْدِي ساقَه قَدَمُهْ

وهَادِي السهمِ: نَصْلُه؛ وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

كأَنَّ دِماء الهَادِيَاتِ بنَحْرِه

عُصارة حِنَّاءٍ بشَيْبٍ مُرَجَّلِ

يَعْنِي بِهِ أَوائلَ الوَحْشِ. وَيُقَالُ: هُوَ يُهَادِيه الشِّعرَ، وهَادَانِي فُلَانٌ الشِّعرَ وهَادَيْتُه أَي هَاجَانِي وهاجَيْتُه. والهَدِيَّةُ: مَا أَتْحَفْتَ بِهِ، يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وإِليه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنها أَهْدَتْ إِلى سُلَيْمَانَ لَبِنة ذَهَبٍ، وَقِيلَ: لَبِنَ ذَهَبٍ فِي حَرِيرٍ، فأَمر سُلَيْمَانُ، عليه السلام، بلَبِنة الذَّهَبِ فطُرحت تَحْتَ الدوابِّ حَيْثُ تَبولُ عَلَيْهَا وتَرُوث، فصَغُر في أَعينهم ما جاؤُوا بِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَن الْهَدِيَّةَ كَانَتْ غَيْرُ هَذَا، إِلا أَن قَوْلَ سُلَيْمَانَ: أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ؟ يَدُلُّ عَلَى أَن الْهَدِيَّةَ كَانَتْ مَالًا. والتَّهَادِي: أَن يُهْدي بعضُهم إِلى بَعْضٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:

تَهَادُوا تَحابُّوا

، وَالْجَمْعُ هَدَايا وهَدَاوَى، وَهِيَ لُغَةُ أَهل الْمَدِينَةِ، وهَدَاوِي وهَدَاوٍ؛ الأَخيرة عَنْ ثَعْلَبٍ، أَما هَدايا فَعَلَى الْقِيَاسِ أَصلها هَدائي، ثُمَّ كُرهت الضَّمَّةُ عَلَى الْيَاءِ فأُسكنت فَقِيلَ هَدائيْ، ثُمَّ قُلِبَتِ الْيَاءُ أَلفاً اسْتِخْفَافًا لِمَكَانِ الْجَمْعِ فَقِيلَ هَداءا، كَمَا أَبدلوها فِي مَدارَى وَلَا حَرْفَ عِلَّةٍ هُنَاكَ إِلا الْيَاءَ، ثُمَّ كَرِهُوا هَمْزَةً بَيْنَ أَلفين لأَن الْهَمْزَةَ بِمَنْزِلَةِ الأَلف، إِذ لَيْسَ حَرْفٌ أَقرب إِليها مِنْهَا، فَصَوَّرُوهَا ثَلَاثَ هَمَزَاتٍ فأَبدلوا مِنَ الْهَمْزَةِ يَاءً لِخِفَّتِهَا ولأَنه لَيْسَ حَرْفٌ بَعْدَ الأَلف أَقرب إِلى الْهَمْزَةِ مِنَ الْيَاءِ، وَلَا سَبِيلَ إِلى الأَلف لِاجْتِمَاعِ ثَلَاثِ أَلفات فَلَزِمَتِ الْيَاءُ بَدَلًا، وَمَنْ قَالَ هَداوَى أَبدل الْهَمْزَةَ وَاوًا لأَنهم قَدْ يُبْدِلُونَهَا مِنْهَا كَثِيرًا كبُوس وأُومِن؛ هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وزِدْته أَنا إِيضَاحًا، وأَما هَدَاوِي فَنَادِرٌ، وأَما هَداوٍ فَعَلَى أَنهم حَذَفُوا الْيَاءَ مِنْ هَداوي حَذْفًا ثُمَّ عَوَّضَ مِنْهَا التَّنْوِينَ. أَبو زَيْدٍ: الهَدَاوَى لُغَةُ

ص: 357

عُلْيا مَعَدٍّ، وسُفْلاها الهَدَايا. وَيُقَالُ: أَهْدَى وهَدَّى بِمَعْنًى وَمِنْهُ:

أَقولُ لَهَا هَدِّي وَلَا تَذْخَري لَحْمي «1»

وأَهْدَى الهَدِيَّةَ إِهْداءً وهَدَّاها. والمِهْدَى، بِالْقَصْرِ وَكَسْرِ الْمِيمِ: الإِناء الَّذِي يُهْدَى فِيهِ مِثْلَ الطَّبَقِ وَنَحْوِهِ؛ قَالَ:

مِهْداكَ أَلأَمُ مِهْدًى حِينَ تَنْسُبُه،

فُقَيْرةٌ أَو قَبيحُ العَضْدِ مَكْسُورُ

وَلَا يُقَالُ للطَّبَقِ مِهْدًى إِلَّا وَفِيهِ مَا يُهْدَى. وامرأَة مِهْداءٌ، بِالْمَدِّ، إِذا كَانَتْ تُهْدي لِجَارَاتِهَا. وَفِي الْمُحَكَمِ: إِذا كَانَتْ كَثِيرَةَ الإِهْداء؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

وإِذا الخُرَّدُ اغْبَرَرْنَ مِنَ المَحْلِ،

وصارَتْ مِهْداؤُهُنَّ عَفِيرا «2»

وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ مِهْدَاءٌ: مِنْ عَادَتِهِ أَن يُهْدِيَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ هَدَى زُقاقاً كَانَ لَهُ مِثْلُ عِتْقِ رَقَبةٍ

؛ هُوَ مِنْ هِدَايَةِ الطريقِ أَي مَنْ عَرَّف ضَالًّا أَو ضَرِيراً طَرِيقَه، وَيُرْوَى بِتَشْدِيدِ الدَّالِ إِمَّا لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ الهِداية، أَو مِنَ الهَدِيَّةِ أَي مَنْ تصدَّق بزُقاق مِنَ النَّخْلِ، وَهُوَ السِّكَّةُ والصَّفُّ مِنْ أَشجاره، والهِداءُ: أَن تجيءَ هَذِهِ بطعامِها وَهَذِهِ بِطَعَامِهَا فتأْكُلا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. والهَدِيُّ والهِدِيَّةُ: العَرُوس؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

برَقْمٍ ووَشْيٍ كَمَا نَمْنَمَتْ

بمِشْيَتِها المُزْدهاةُ الهَدِيّ

والهِدَاء: مَصْدَرُ قَوْلِكَ هَدَى العَرُوسَ. وهَدَى العروسَ إِلى بَعْلِها هِداء وأَهْدَاها واهْتَدَاها؛ الأَخيرة عَنْ أَبي عَلِيٍّ؛ وأَنشد:

كذَبْتُمْ وبَيتِ اللهِ لَا تَهْتَدُونَها

وَقَدْ هُدِيَتْ إِليه؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

فإِنْ تَكُنِ النِّساءُ مُخَبَّآتٍ،

فحُقَّ لكلِّ مُحْصِنةٍ هِداء

ابْنُ بُزُرْج: واهْتَدَى الرجلُ امرأَتَه إِذا جَمَعَها إِليه وضَمَّها، وَهِيَ مَهْدِيَّةٌ وهَدِيٌّ أَيضاً، على فَعِيلٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

أَلا يَا دارَ عَبْلةَ بالطَّوِيّ،

كرَجْعِ الوَشْمِ فِي كَفِّ الهَدِيّ

والهَدِيُّ: الأَسيرُ؛ قَالَ الْمُتَلَمِّسُ يَذْكُرُ طَرفة ومَقْتل عَمرو بْنِ هِند إِياه:

كطُرَيْفَةَ بنِ العَبْدِ كَانَ هَدِيَّهُمْ،

ضَرَبُوا صَمِيمَ قَذالِه بِمُهَنَّدِ

قَالَ: وأَظن المرأَة إِنما سُمِّيَتْ هَدِيًّا لأَنها كالأَسِير عِنْدَ زَوْجِهَا؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:

كَرَجْعِ الْوَشْمِ فِي كَفِّ الهَدِيّ

قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ سُمِّيَتْ هَدِيًّا لأَنها تُهْدَى إِلى زَوْجِهَا، فَهِيَ هَدِيٌّ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ. والهَدْيُ: مَا أُهْدِيَ إِلى مَكَّةَ مِنَ النَّعَم. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ

، وَقُرِئَ:

حَتَّى يَبْلُغَ الهَدِيُّ مَحِلَّه

، بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، الْوَاحِدَةُ هَدْيَةٌ وهَدِيَّةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي قرأَه بِالتَّشْدِيدِ الأَعرج وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقُ:

حَلَفْتُ برَبِّ مَكَّةَ والمُصَلَّى،

وأَعْناقِ الهَدِيِّ مُقَلَّداتِ

وَشَاهِدُ الهَدِيَّةِ قولُ ساعدةَ بْنِ جُؤَيَّة:

(1). قوله [أقول لها إلخ] صدره كما في الأساس:

لقد علمت أم الأديبر أنني

(2)

. قوله [اغبررن] كذا في الأصل والمحكم هنا، ووقع في مادة ع ف ر: اعتررن خطأ.

ص: 358

إِنِّي وأَيْدِيهم وَكُلَّ هَدِيَّة

مِمَّا تَثِجُّ لَهُ تَرائِبُ تَثْعَبُ

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الهَدْيُ، بِالتَّخْفِيفِ، لُغَةُ أَهل الْحِجَازِ، والهَدِيُّ، بِالتَّثْقِيلِ عَلَى فَعِيل، لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وسُفْلى قَيْسٍ، وَقَدْ قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ

. ويقال: ما لي هَدْيٌ إِن كَانَ كَذَا، وَهِيَ يَمِينٌ. وأَهْدَيْتُ الهَدْيَ إِلى بَيْتِ اللهِ إِهْدَاءً. وَعَلَيْهِ هَدْيَةٌ أَي بَدَنة. اللِّيْثُ وَغَيْرُهُ: مَا يُهْدى إِلى مَكَّةَ مِنَ النَّعَم وَغَيْرِهِ مِنْ مَالٍ أَو متاعٍ فَهُوَ هَدْيٌ وهَدِيٌّ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الإِبل هَدِيًّا، وَيَقُولُونَ: كَمْ هَدِيُّ بَنِي فُلَانٍ؛ يُعْنُونَ الإِبل، سُمِّيَتْ هَدِيّاً لأَنها تُهْدَى إِلى الْبَيْتِ. غَيْرُهُ: وَفِي حَدِيثِ

طَهْفةَ فِي صِفة السَّنةِ هَلَكَ الهَدِيُّ وَمَاتَ الوَديُ

؛ الهَدِيُّ، بِالتَّشْدِيدِ: كالهَدْي بِالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ مَا يُهْدى إِلى البَيْتِ الحَرام مِنَ النَّعَمِ لتُنْحَر فأُطلق عَلَى جَمِيعِ الإِبل وإِن لَمْ تَكُنْ هَدِيّاً تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِبَعْضِهِ، أَراد هَلَكَتِ الإِبل ويَبِسَتِ النَّخِيل. وَفِي حَدِيثِ

الْجُمُعَةِ:

فكأَنَّما أَهْدَى دَجاجةً وكأَنما أَهْدَى بَيْضةً

؛ الدَّجاجةُ والبَيضةُ لَيْسَتَا مِنَ الهَدْيِ وإِنما هُوَ مِنَ الإِبل وَالْبَقَرِ، وَفِي الْغَنَمِ خِلَافٌ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حُكْمِ مَا تَقدَّمه مِنَ الْكَلَامِ، لأَنه لَمَّا قَالَ أَهْدَى بَدَنَةً وأَهْدَى بَقَرَةً وَشَاةَ أَتْبَعه بالدَّجاجة وَالْبَيْضَةِ، كَمَا تَقُولُ أَكلت طَعاماً وشَراباً والأَكل يُخْتَصُّ بِالطَّعَامِ دُونَ الشَّرَابِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

مُتَقَلِّداً سَيفاً ورُمْحاً

والتَّقَلُّدُ بِالسَّيْفِ دُونَ الرُّمْحِ. وفلانٌ هَدْيُ بَنِي فُلَانٍ وهَدِيُّهمْ أَي جارُهم يَحرم عَلَيْهِمْ مِنْهُ مَا يَحْرُم مِنَ الهَدْي، وَقِيلَ: الهَدْيُ والهَدِيُّ الرَّجُلُ ذُو الْحُرْمَةِ يأْتي الْقَوْمَ يَسْتَجِير بِهِمْ أَو يأْخذ مِنْهُمْ عَهْداً، فَهُوَ، مَا لَمْ يُجَرْ أَو يأْخذِ العهدَ، هَدِيٌّ، فإِذا أَخَذ العهدَ مِنْهُمْ فَهُوَ حِينَئِذٍ جارٌ لَهُمْ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

فلَمْ أَرَ مَعْشَراً أَسَرُوا هَدِيّاً،

ولمْ أَرَ جارَ بَيْتٍ يُسْتَباءُ

وقال الأَصمعي فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْبَيْتِ: هُوَ الرَّجل الَّذِي لَهُ حُرمة كحُرمة هَدِيِّ الْبَيْتِ، ويُسْتَباء: مِنَ البَواء أَي القَوَدِ أَي أَتاهم يَسْتَجير بِهِمْ فقَتلُوه بِرَجُلٍ مِنْهُمْ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ فِي قِرْواشٍ:

هَدِيُّكُمُ خَيْرٌ أَباً مِنْ أَبِيكُمُ،

أَبَرُّ وأَوْفى بالجِوارِ وأَحْمَدُ

وَرَجُلٌ هِدانٌ وهِداءٌ: للثَّقِيل الوَخْمِ؛ قَالَ الأَصمعي: لَا أَدري أَيّهما سَمِعْتُ أَكثر؛ قَالَ الرَّاعِي:

هِداءٌ أَخُو وَطْبٍ وصاحِبُ عُلْبةٍ

يَرى المَجْدَ أَن يَلْقى خِلاءً وأَمْرُعا «1»

ابْنُ سِيدَهْ: الهِداء الرَّجُلُ الضَّعِيفُ البَليد. والهَدْيُ: السُّكون؛ قَالَ الأَخطل:

وَمَا هَدى هَدْيَ مَهْزُومٍ وَمَا نَكَلا

يَقُولُ: لَمْ يُسْرِعْ إِسْراعَ المُنْهَزم وَلَكِنْ عَلَى سُكُونٍ وهَدْيٍ حَسَنٍ. والتَّهادِي: مَشْيُ النِّساء والإِبل الثِّقال، وَهُوَ مَشْيٌ فِي تَمايُل وَسُكُونٍ. وَجَاءَ فُلَانٌ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ إِذا كَانَ يَمْشِي بَيْنَهُمَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا مِنْ ضَعْفِهِ وتَمايُله. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، خَرَجَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يُهادَى بَيْنَ رَجُلَيْن

؛ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ أَنه كَانَ يَمْشِي بَيْنَهُمَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا مِنْ ضَعْفِه وتَمايُلِه، وَكَذَلِكَ كلُّ مَن فَعَلَ بأَحد فَهُوَ يُهَادِيه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

(1). قوله [خلاء] ضبط في الأصل والتهذيب بكسر الخاء.

ص: 359

يُهَادِينَ جَمَّاء المَرافِقِ وَعْثةً،

كَلِيلةَ حَجْمِ الكَعْبِ رَيَّا المُخَلْخَلِ

وإِذا فَعلت ذَلِكَ المرأَة وتَمايَلَتْ فِي مِشْيتها مِنْ غَيْرِ أَن يُماشِيها أَحد قِيلَ: تَهَادَى؛ قَالَ الأَعشى:

إِذا مَا تأَتَّى تُريدُ القِيام،

تَهَادَى كَمَا قَدْ رأَيتَ البَهِيرا

وجئتُكَ بَعْدَ هَدْءٍ مِن الليلِ، وهَدِيٍّ لُغَةٌ فِي هَدْءٍ؛ الأَخيرة عَنْ ثَعْلَبٍ. والهَادِي: الراكِسُ، وَهُوَ الثَّوْرُ فِي وَسَطِ البَيْدَر يَدُور عَلَيْهِ الثِّيرانُ فِي الدِّراسة؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

فَمَا فَضْلةٌ مِنْ أَذْرِعاتٍ هَوَتْ بِهَا

مُذَكَّرةٌ عنْسٌ كهَادِيَةِ الضَّحْلِ

أَراد بهَادِيَةِ الضَّحْلِ أَتانَ الضَّحْلِ، وَهِيَ الصَّخْرَةُ المَلْساء. والهادِيَةُ: الصَّخْرَةُ النابتةُ فِي الماء.

هذي: الهَذَيانُ: كَلَامٌ غَيْرُ مَعْقُولٍ مِثْلُ كَلَامِ المُبَرْسَم والمَعْتُوه. هَذَى يَهْذِي هَذْياً وهَذَيَاناً: تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ فِي مَرَضٍ أَو غَيْرِهِ، وهَذَى إِذا هذَرَ بِكَلَامٍ لَا يُفْهَمُ، وهَذَى بِهِ: ذَكَره فِي هُذائه، وَالْاسْمُ مِنْ ذَلِكَ الهُذَاء. وَرَجُلٌ هَذَّاءٌ وهَذَّاءَةٌ: يَهْذي فِي كَلَامِهِ أَو يهْذي بِغَيْرِهِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

هِذْرِيانٌ هَذِرٌ هَذَّاءَةٌ،

مُوشِكُ السِّقْطةِ ذُو لُبٍّ نَثِرْ

هَذَى فِي منْطِقه يَهْذِي ويَهْذُو. وهَذَوْتُ بِالسَّيْفِ: مِثْلُ هَذَذْتُ. وأَما هَذَا وهَذَان فَالْهَاءُ فِي هَذَا تَنْبِيهٌ، وَذَا إِشارة إِلى شيءٍ حَاضِرٍ، والأَصل ذَا ضُمَّ إِليها ها، وقد تقدم.

هرا: الهِرَاوَةُ: العَصا، وَقِيلَ: الْعَصَا الضَّخمةُ، وَالْجَمْعُ هَرَاوَى، بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْقِيَاسِ مِثْلُ المَطايا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الإِداوةِ، وهُرِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وكأَن هُرِيّاً وهِرِيّاً إِنما هُوَ عَلَى طَرْح الزَّائِدِ، وَهِيَ الأَلف فِي هِراوة، حَتَّى كأَنه قَالَ هَرْوَة ثُمَّ جَمَعه عَلَى فُعول كَقَوْلِهِمْ مَأْنةٌ ومُؤُونٌ وصَخْرة وصُخور؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:

يُنَوَّخُ ثُمَّ يُضرَبُ بالهَرَاوَى،

فَلَا عُرْفٌ لَدَيْه وَلَا نَكِيرُ

وأَنشد أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ:

رأَيتك لَا تُغْنِينَ عَنِّي نَقْرةً،

إِذا اخْتَلَفَتْ فيَّ الهَرَاوَى الدَّمامِكُ

قَالَ: وَيُرْوَى الهِرِيُّ، بِكَسْرِ الْهَاءِ. وهَرَاه بالهِراوةِ يَهْرُوه هَرْواً وتَهَرَّاه: ضرَبه بالهِراوةِ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ مِلْقَط الطَّائِيُّ:

يَكْسى وَلَا يَغْرَثُ مَمْلُوكُها،

إِذا تَهَرَّتْ عَبْدَها الهارِيَهْ

وهَرَيْتُه بالعَصا: لُغَةٌ فِي هَرَوْتُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:

وإِنْ تَهَرَّاهُ بِهَا العَبْدُ الهارْ «2»

وهَرا اللحمَ هَرْواً: أَنْضَجه؛ حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ عَنْ أَبي مَالِكٍ وَحْدَهُ؛ قَالَ: وَخَالَفَهُ سَائِرُ أَهل اللُّغَةِ فَقَالَ هَرَأَ. وَفِي حَدِيثِ

سَطِيح: وخَرج صاحبُ الهِرَاوَةِ

؛ أَراد بِهِ سيدَنا رسولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لأَنه كَانَ يُمْسِك القَضِيب بِيَدِهِ كَثِيرًا، وَكَانَ يُمْشى بالعَصا بَيْنَ يَدَيْهِ وتُغْرَزُ لَهُ فيُصَلِّي إِليها، صلى الله عليه وسلم.

(2). قوله [وإن تهراه إلخ] قبله كما في التهذيب: لَا يَلْتَوِي مِنَ الْوَبِيلِ القسبار

ص: 360

وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه قَالَ لحَنِيفةِ «1» النَّعَمِ، وَقَدْ جَاءَ مَعَهُ بيَتيمٍ يَعْرِضُه عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ قارَبَ الاحتِلامَ ورآه نائماً فقال: لعَظُمَت هَذِهِ هِراوةُ يَتيمٍ

أَي شَخْصُه وجُثَّتُه، شبَّهه بالهِرَاوَة، وَهِيَ العَصا، كأَنه حِينَ رَآهُ عَظِيمَ الجُثّة اسْتَبْعَدَ أَن يُقَالَ لَهُ يَتِيمٌ لأَنّ اليُتْم فِي الصِّغَر. والهُرْيُ: بَيْتٌ كَبِيرٌ ضَخْم يُجْمَع فِيهِ طَعام السُّلْطانِ، وَالْجَمْعُ أَهْرَاء؛ قَالَ الأَزهريّ: وَلَا أَدرِي أَعربي هُوَ أَم دَخِيلٌ. وهَراةُ: مَوضِعٌ، النَّسَبُ إِليه هَرَوِيٌّ، قُلِبَتِ الْيَاءُ وَاوًا كَرَاهِيَةَ تَوَالِي الياءَات؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَضَيْنَا عَلَى أَنّ لَامَ هَرَاةَ يَاءٌ لأَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا، وإِذا وَقَفْتَ عَلَيْهَا وَقَفْتَ بِالْهَاءِ، وإِنما قِيلَ مُعاذ الهَرَّاء لأَنه كَانَ يَبِيع الثيابَ الهَرَوِيّة فَعُرِفَ بِهَا ولُقِّب بِهَا؛ قَالَ شَاعِرٌ مِنْ أَهل هَراةَ لَمَّا افْتَتَحَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ سَنَةَ 66:

عاوِدْ هَرَاةَ، وإِنْ مَعْمُورُها خَرِبا،

وأَسْعِدِ اليومَ مَشْغُوفاً إِذا طَرِبا

وارْجِعْ بِطَرْفِكَ نَحْوَ الخَنْدَقَيْنَ تَرَى

رُزءاً جَليلًا، وأَمْراً مُفْظِعاً عَجَبا:

هَامًا تَزَقَّى وأَوْصالًا مُفَرَّقةً،

ومَنْزِلًا مُقْفِراً مِنْ أَهْلِه خَرِبا

لَا تَأْمَنَنْ حَدَثاً قَيْسٌ وَقَدْ ظَلَمَتْ،

إِنْ أَحْدَثَ الدَّهْرُ فِي تَصْرِيفه عُقَبا

مُقَتَّلُون وقَتّالونَ، قَدْ عَلِمُوا

أَنَّا كذلِك نَلْقَى الحَرْبَ والحَرَبا

وهَرَّى فُلَانٌ عِمامته تَهْرِيَةً إِذَا صَفَّرها؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

رَأَيْتُكَ هَرَّيْتَ العِمامَةَ بَعْدَ ما

أَراك زَمَانًا فاصِعاً لَا تَعَصَّبُ

وَفِي التَّهْذِيبِ: حاسِراً لَا تَعَصَّبُ؛ مَعْنَاهُ جَعَلْتَهَا هَرَوِية، وَقِيلَ: صَبَغْتَها وصفَّرتها، وَلَمْ يُسْمَعْ بِذَلِكَ إِلا فِي هَذَا الشِّعْرِ، وَكَانَتْ ساداتُ الْعَرَبِ تَلْبَسُ العمَائم الصُّفر، وَكَانَتْ تُحمَل مِنْ هَراةَ مَصْبوغةً فَقِيلَ لِمَنْ لَبِسَ عِمَامَةً صَفْرَاءَ: قَدْ هَرَّى عِمامته، يُرِيدُ أَن السَّيِّدَ هُوَ الَّذِي يتَعمَّم بالعِمامة الصَّفْرَاءِ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هَرَّيت العِمامة لَبِسْتَهَا صَفْراء. ابْنُ الأَعرابي: ثَوْبٌ مُهَرًّى إِذا صُبِغَ بالصَّبِيب، وَهُوَ مَاءُ وَرَقِ السِّمْسِمِ، ومُهَرًّى أَيضاً إِذا كَانَ مَصْبُوغًا كَلَوْنِ المِشْمِش والسِّمسم. ابْنُ الأَعرابي: هَارَاه إِذا طانَزَه، وَرَاهَاهُ إِذا حامَقَه. والهِرَاوَةُ: فَرس الرَّيان بْنُ حُوَيْصٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو سَعِيدٍ السِّيرَافِيُّ عِنْدَ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ عَزَبٌ وأَعْزابٌ فِي بَابِ تَكْسِيرِ صِفَةِ الثُّلَاثِيِّ: كَانَ لِعَبْدِ الْقَيْسِ فَرَسٌ يُقَالُ لَهَا هِرَاوَةُ الأَعْزاب، يَرْكَبُهَا العَزَبُ ويَغْزُو عَلَيْهَا، فإِذا تأَهَّل أَعْطَوْها عَزَباً آخَرَ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ لَبِيَدٌ:

يَهْدِي أَوائِلَهُنّ كُلُّ طِمِرَّةٍ

جَرْداء مِثْلِ هِرَاوَةِ الأَعْزابِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: انْقَضَى كَلَامُ أَبي سَعِيدٍ، قَالَ: وَالْبَيْتُ لِعَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ لَا لِلْبَيْدٍ. وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ قَالَ: وَفِي

حَدِيثِ أَبي سَلَمَةَ أَنه، عليه السلام، قَالَ ذَاكَ الهُرَاء شَيْطَانٌ

(1). قوله [وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ لحنيفة إلخ] نص التكملة: وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: إِنَّ حنيفة النعم أتاه فأشهده ليتيم في حجره بأربعين من الإِبل التي كانت تسمى المطيبة في الجاهلية فَقَالَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم: فأين يتيمك يا أبا حذيم؟ وكان قد حمله معه، قال: هو ذاك النائم، وكان يشبه المحتلم. فَقَالَ، صلى الله عليه وسلم: لعظمت هذه هِرَاوَة يتيم، يريد شخص اليتيم وشطاطه شبه بالهراوة.

ص: 361

وُكِّل بالنُّفوس

، قِيلَ: لَمْ يُسْمَعِ الهُرَاء أَنه شَيْطَانٌ إِلا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: والهُراء فِي اللُّغَةِ السَّمْحُ الجَوادُ والهَذَيانُ، وَاللَّهُ أَعلم.

هسا: ابْنُ الأَعرابي: الأَهْسَاء المُتَحَيِّرُونَ.

هصا: ابْنُ الأَعرابي: هاصاهُ إِذا كَسَرَ صُلْبَهُ، وصاهاهُ: رَكِبَ صَهْوَته. والأَهصاء: الأَشِداء. وهَصا إِذا أَسَنَّ.

هضا: ابْنُ الأَعرابي: هاضاهُ إِذا اسْتَحْمَقَه واسْتَخَفَّ بِهِ. والأَهْضَاء: الجَماعات مِنَ النَّاسِ.

هطا: ابْنُ الأَعرابي: هَطَا إِذا رَمَى، وَطَهَا إِذا وَثَب.

هفا: هَفا فِي الْمَشْيِ هَفْواً وهَفَواناً: أَسرع وخَفَّ فِيهِ، قَالَهَا فِي الَّذِي يَهْفُو بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض. وهَفَا الظَّبْي يَهْفُو عَلَى وَجْهِ الأَرض هَفْواً: خَفَّ واشْتَدَّ عَدْوُه. ومرَّ الظبيُ يَهْفُو: مِثْلُ قَوْلِكَ يَطْفُو؛ قَالَ بِشْرٌ يَصِفُ فَرَسًا:

يُشَبِّه شَخْصُها، والخَيْلُ تَهْفُو

هُفُوًّا، ظِلَّ فَتْخاءِ الجَناحِ

وهَوَافِي الإِبل: ضَوالُّها كهَوامِيها. وَرُويَ أَن

الجارُودَ سأَل النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، عَنْ هَوَافِي الابِلِ

، وَقَالَ قَوْمٌ هَوامِي الإِبل؛ وَاحِدَتُهَا هافِيةٌ مَنْ هَفا الشَّيْءُ يَهْفُو إِذا ذَهَب. وهَفا الطائرُ إِذا طارَ، والرِّيحُ إِذا هَبَّتْ. وَفِي حَدِيثِ

عُثْمَانَ، رضي الله عنه: أَنه وَلَّى أَبا غاضِرةَ الهَوَافِيَ

أَي الإِبلَ الضَّوالَّ. وَيُقَالُ لِلظَّلِيمِ إِذا عَدا: قَدْ هَفا، وَيُقَالُ الأَلف اللَّيِّنَةُ هافِيةٌ فِي الهَواء. وهَفا الطائرُ بجناحَيْهِ أَي خَفَقَ وطارَ؛ قَالَ:

وهْوَ إِذا الحَرْبُ هَفا عُقابُه،

مِرْجَمُ حَرْبٍ تَلْتَظِي حِرابُه

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَكَذَلِكَ القَلْبُ والرِّيحُ بِالْمَطَرِ تَطْرُدُه، والهَفَاء مَمْدُودٌ مِنْهُ؛ قَالَ:

أَبَعْدَ انْتِهاء القَلْبِ بَعْدَ هَفَائِه،

يَرُوحُ عَلَيْنا حُبُّ لَيْلَى ويَغْتَدِي؟

وَقَالَ آخَرُ:

أُولئكَ مَا أَبْقَيْنَ لِي مِنْ مُرُوءتي

هَفَاء، وَلَا أَلْبَسْنَني ثَوبَ لاعِبِ

وَقَالَ آخَرُ:

سائلةُ الأَصْداغِ يَهَفُو طاقُها

والطاقُ: الكِساء، وأَورد الأَزهري هَذَا الْبَيْتَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى وهف؛ وَقَالَ آخَرُ:

يَا ربِّ فَرِّقْ بَيْنَنا، يَا ذَا النِّعَمْ،

بشَتْوةٍ ذاتِ هَفَاء ودِيَمْ

والهَفْوَةُ: السَّقْطة والزَّلَّة. وَقَدْ هَفا يَهْفُو هَفْواً وهَفْوةً. والهَفْوُ: الذَّهاب فِي الْهَوَاءِ وهَفَا الشَّيْءُ فِي الْهَوَاءِ: ذَهَبَ. وهَفَت الصُّوفة فِي الهَواء تَهْفُو هَفْواً وهُفُوًّا: ذَهَبَتْ، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ. ورَفارِفُ الفُسطاط إِذا حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ قُلْتَ: يَهْفُو وتَهْفُو بِهِ الرِّيحُ، وهَفَت بِهِ الرّيحُ: حرَّكته وذَهَبت بِهِ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: إِلى مَنابِتِ الشِّيحِ ومَهَافِي الرِّيحِ

؛ جَمْعُ مَهْفًى وَهُوَ مَوْضِعُ هُبُوبها فِي الْبَرَارِي. وَفِي حَدِيثِ

مُعَاوِيَةَ: تَهْفُو مِنْهُ الرِّيحُ بجانِبٍ كأَنه جَناحُ نَسْرٍ

، يَعْنِي بَيْتًا تهُبُّ مِنْ جَانِبِهِ الرِّيحُ، وَهُوَ فِي صِغَرِهِ كَجَنَاحِ نَسْر. وهَفَا الفُؤاد: ذهَب فِي أَثر الشَّيْءِ وطَرِبَ. أَبو سَعِيدٍ: الهَفَاءة خَلَقَةٌ تَقْدُم الصَّبِيرَ، لَيْسَتْ مِنَ الْغَيْمِ فِي شَيْءٍ غَيْرَ أَنها تَسْتُر عَنْكَ الصَّبِيرَ، فإِذا جاوَزَت

ص: 362

بِذَلِكَ الصَّبير «1» ، وَهُوَ أَعْناقُ الغَمامِ السَّاطِعة فِي الأُفُق، ثم يَرْدُفُ الصِّبِيرَ الحَبيُّ، وَهُوَ مَا اسْتَكَفَّ مِنْهُ، وَهُوَ رَحا السَّحابَة، ثُمَّ الرَّبابُ تَحْتَ الحَبيِّ، وَهُوَ الَّذِي يَقْدُم الْمَاءَ، ثُمَّ روادفُه بَعْدَ ذَلِكَ؛ وأَنشد:

مَا رَعَدَتْ رَعْدَةً وَلَا بَرَقَتْ،

لكِنَّها أَنْشَأَت لَنا خَلَقَهْ

فالماءُ يَجْرِي وَلَا نِظامَ لهُ،

لَوْ يَجِدُ الماءُ مَخْرَجاً خَرَقَهْ

قَالَ: هَذِهِ صِفَةُ غَيْثٍ لَمْ يَكُنْ برِيحٍ وَلَا رَعْدٍ وَلَا بَرْق، وَلَكِنْ كَانَتْ دِيمةً، فَوَصَفَ أَنها أَغْدَقَتْ حَتَّى جَرَت الأَرضُ بغيرِ نِظَامٍ، ونِظامُ الْمَاءِ الأَوْدِيةُ. النَّضْرُ: الأَفاء القِطَعُ مِنَ الْغَيْمِ، وَهِيَ الفِرَقُ يَجِئن قِطَعاً كَمَا هِيَ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الْوَاحِدَةُ أَفاءةٌ، وَيُقَالُ هَفَاءةٌ أَيضاً. والهَفَا، مَقْصُورٌ: مَطَرٌ يَمْطُر ثُمَّ يَكُفُّ. أَبو زَيْدٍ: الهَفَاءَة، وَجَمْعُهَا الهَفَاء، نَحْوٌ مِنَ الرِّهْمة. الْعَنْبَرِيُّ: أَفاءٌ وأَفاءة؛ النَّضْرُ: هِيَ الهَفَاءة والأَفاءة والسُّدُّ والسَّماحِيقُ والجِلْبُ والجُلْبُ. غَيْرُهُ: أَفاء وأَفاءةٌ كأَنه أَبدل مِنَ الْهَاءِ هَمْزَةً، قَالَ: والهَفَاء مِنَ الغَلَط والزَّلَل مِثْلُهُ؛ قَالَ أَعرابي خيَّرَ امرأَته فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَنَدم:

إِلى اللَّهِ أَشْكُو أَنَّ مَيّاً تَحَمَّلَتْ

بِعَقْلِيَ مَظلوماً، ووَلَّيْتُها الأَمْرَا

هَفَاء مِن الأَمْرِ الدَّنِيِّ، وَلَمْ أُرِدْ

بِهَا الغَدْرَ يَوماً، فاسْتجازَت بيَ الغَدْرا

وهَفَتْ هافِيةٌ مِنَ النَّاسِ: طَرَأَتْ، وَقِيلَ: طَرَأَتْ عَنْ جَدْب، وَالْمَعْرُوفُ هَفَّتْ هافَّةٌ. وَرَجُلٌ هَفاةٌ: أَحْمق. والأَهْفَاء: الحَمْقَى مِنَ النَّاسِ. والهَفْو: الجُوع. وَرَجُلٌ هافٍ: جَائِعٌ. وَفُلَانٌ جَائِعٌ يَهْفُو فُؤادُه أَي يَخْفِقُ. والهَفْوَةُ: المَرُّ الْخَفِيفُ. والهَفاةُ: النَّظْرَةُ «2»

هقي: هقَى الرَّجُلُ يَهْقِي هَقْياً وهَرَف يَهْرِفُ: هَذى فأَكثر؛ قَالَ:

أَيُتْرَكُ عَيرٌ قاعِدٌ وَسْطَ ثَلَّةٍ،

وِعالاتُها تَهْقِي بأُمِّ حَبِيبِ؟

وأَنشد ابْنُ سِيدَهْ:

لَوْ أَنَّ شَيْخاً رَغِيبَ العَيْنِ ذَا أَبَلٍ

يَرْتادُه لِمَعَدٍّ كُلِّها لَهَقَى

قَوْلُهُ: ذَا أَبَلٍ أَي ذَا سِياسةٍ للأُمور ورِفْق بِهَا. وَفُلَانٌ يَهْقِي بِفُلَانٍ: يَهْذِي؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وهَقَى فُلَانٌ فُلَانًا يَهْقِيه هَقْياً: تَناوَله بِمَكْرُوهٍ وبقَبيح. وأَهْقَى: أَفْسَدَ. وهَقَى قلبُه: كهَفَا؛ عَنِ الْهَجَرِيِّ؛ وأَنشد:

فغَصَّ بِريقه وهَقَى حَشاه

هكا: الأَزهري: هاكاهُ إِذا اسْتَصْغَرَ عَقْلَه، وكاهاهُ فاخَره، وقد تقدم.

هلا: هَلا: زجر للخيل، وَقَدْ يُسْتَعَارُ للإِنسان؛ قَالَتْ لَيْلَى الأَخيلية:

وعَيَّرْتَني دَاءً بأُمِّكَ مثلُه،

وأَيُّ حَصانٍ لَا يقالُ لَهَا هَلَى؟

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَضَيْنَا عَلَى أَن لَامَ هَلَى يَاءٌ لأَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ ذَكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ فِي بَابِ الأَلف اللَّيِّنَةِ، وَقَالَ: إِنه بَابٌ مَبْنِيٌّ

(1). قوله [فَإِذَا جَاوَزَتْ بِذَلِكَ الصَّبِيرَ] كذا في الأصل وتهذيب الأَزهري حرفاً فحرفاً ولا جواب لإذا، ولعله فذلك الصبير، فتحرفت الفاء بالباء

(2)

. قوله [والهَفَاة النظرة] تبع المؤلف في ذلك الجوهري وغلطه الصاغاني، وقال: الصواب المطرة بالميم والطاء، وتبعه المجد.

ص: 363

عَلَى أَلفات غَيْرِ مُنْقَلِبَاتٍ مِنْ شَيْءٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ كَمَا تَرَى إِنه قُضِيَ عَلَيْهَا أَنَّ لَامَهَا يَاءٌ، وَاللَّهُ أَعلم؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ لَمَّا قَالَ الْجَعْدِيُّ لِلَيْلَى الأَخيلية:

أَلا حَيِّيا لَيْلى وقُولا لَهَا: هَلا

فَقَدْ رَكِبَتْ أَمْراً أَغْرَّ مُحَجَّلا

قَالَتْ لَهُ:

تُعَيِّرُنا دَاءً بأُمِّكَ مِثْلُه،

وأَيُّ حَصانٍ لا يقالُ لها هَلا؟

فَغَلَبَتْهُ: قَالَ وهَلا زَجْرٌ يُزْجَر بِهِ الْفَرَسُ الأَنثى إِذَا أُنزِي عَلَيْهَا الْفَحْلُ لتَقِرَّ وتَسْكُن. فِي حَدِيثِ

ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّهَلًا بعُمر

أَي أَقْبِل وأَسْرِعْ أَي فأَقْبِل بِعُمْرَ وأَسْرِعْ، قَالَ: وَهِيَ كَلِمَتَانِ جُعِلَتَا وَاحِدَةً. فَحيَّ بِمَعْنَى أَقبِل، وهَلَا بمعنى أَسْرِعْ، وقيل: بِمَعْنَى اسكُتْ عِنْدَ ذِكْرِهِ حَتَّى تَنْقَضيَ فَضَائِلُهُ. وَفِيهَا لُغَاتٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ عَلَى ذَلِكَ. أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لِلْخَيْلِ هِي أَي أَقْبِلي «1» ، وهَلًا أَي قِرِّي، وأَرْحِبي أَي توَسَّعِي وتَنَحَّيْ. الْجَوْهَرِيُّ: هَلا زَجْرٌ لِلْخَيْلِ أَيْ تَوسَّعي وتَنَحَّيْ، وَلِلنَّاقَةِ أَيضاً؛ وَقَالَ:

حَتَّى حَدَوْناها بِهَيْدٍ وهَلا،

حَتَّى يُرى أَسْفَلُها صارَ عَلا

وَهُمَا زَجْرَانِ لِلنَّاقَةِ، ويُسكَّن بِهَا الإِناث عِنْدَ دُنُوّ الْفَحْلِ مِنْهَا. وأَما هَلَّا، بِالتَّشْدِيدِ، فأَصلها لَا، بُنِيَتْ مَعَ هَلْ فَصَارَ فِيهَا مَعْنَى التَّحْضِيضِ، كَمَا بَنَوْا لَوْلَا وأَلَّا جَعَلُوا كُلَّ وَاحِدَةٍ مَعَ لَا بِمَنْزِلَةِ حَرْفٍ وَاحِدٍ وأَخلصوهن لِلْفِعْلِ حَيْثُ دَخَلَ فِيهِنَّ مَعْنَى التَّحْضِيضِ. وَفِي حَدِيثِ

جَابِرٍ: هلَّا بِكْرًا تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ

؛ قَالَ: هلَّا، بِالتَّشْدِيدِ، حَرْفٌ مَعْنَاهُ الحَثُّ والتَّحْضيض. وَذَهَبَ بِذِي هِلِّيَانٍ [هِلِّيَانَ] وبذِي بِلِّيانٍ [بِلِّيانَ] وَقَدْ يُصْرَفُ أَي حَيْثُ لَا يُدْرَى أَين هُوَ. والهِلْيَوْنُ: نَبْتٌ عَرَبِيٌّ معروف، واحدته هِلْيَوْنَةٌ.

همي: هَمَتْ عينُه هَمْياً وهُمِيًّا وهَمَيَاناً: صَبَّتْ دَمْعَهَا؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَقِيلَ: سالَ دَمْعُها، وَكَذَلِكَ كلُّ سَائِلٍ مِنْ مَطَرٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْهَائِمِ فِي شَيْءٍ؛ قَالَ مُساوِر بْنُ هِنْدٍ:

حَتَّى إِذَا أَلْقَحْتها تَقَمَّما،

واحْتَمَلَتْ أَرْحامُها مِنْهُ دَمَا،

مِن آيِلِ الْمَاءِ الَّذِي كَانَ هَمَى

آيلُ الْمَاءِ: خاثِرُه، وَقِيلَ: الَّذِي قَدْ أَتى عَلَيْهِ الدهرُ، وَهُوَ بِالْخَاثِرِ هُنَا أَشبه لأَنه إِنما يَصِفُ مَاءَ الْفَحْلِ، وهَمَت السَّمَاءُ. ابْنُ سِيدَهْ: وهَمَت عينُه تَهْمُو صَبَّتْ دُموعها، وَالْمَعْرُوفُ تَهْمِي، وإِنما حَكَى الْوَاوَ اللِّحْيَانِيُّ وَحْدَهُ. والأَهْمَاء: الْمِيَاهُ السَّائِلَةُ. ابْنُ الأَعرابي: هَمَى وعَمى كُلُّ ذَلِكَ إِذَا سالَ. ابْنُ السِّكِّيتِ: كلُّ شيءٍ سَقَطَ مِنْكَ وضاعَ فَقَدْ هَمَى يَهْمِي. وهَمَى الشَّيءُ هَمْياً: سَقَطَ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وهَمَتِ النَّاقةُ هَمْياً: ذَهَبَتْ عَلَى وجْهها فِي الأَرض لرَعْيٍ وَلِغَيْرِهِ مُهْمَلةً بِلَا راعٍ وَلَا حَافِظٍ، وَكَذَلِكَ كلُّ ذاهِبٍ وسائلٍ. والهِمْيانُ: هِمْيانُ الدَّرَاهِمِ، بِكَسْرِ الْهَاءِ، الَّذِي تُجعل فِيهِ النَّفَقَةُ. والهِمْيانُ: شِدادُ السَّراوِيل؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْد: أَحسبه فارسّياً معرَّباً. وهِمْيانُ [هُمْيانُ] بنُ قُحافَة السَّعْدِي: اسْمُ شَاعِرٍ، تُكْسَرُ هاؤُه وَتُرْفَعُ. والهَمَيانُ: مَوْضِعٌ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

وإِنَّ امْرأً أَمْسَى، ودُونَ حَبِيبِه

سَواسٌ فوادِي الرَّسِّ فالهَمَيانِ

(1). قوله [يُقَالُ لِلْخَيْلِ هِي أَي أقبلي] كذا بالأصل.

ص: 364

لَمُعْتَرِفٌ بالنَّأْيِ، بَعْدَ اقْتِرابِه،

ومَعْذُورةٌ عَيْناهُ بالهَمَلانِ

وهَمَتِ الماشيةُ إِذَا نَدَّت للرَّعْي. وهوامِي الإِبل: ضَوالُّها. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنَّ رَجُلًا سأَل النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ إِنَّا نُصِيبُ هَوامِيَ الإِبلِ، فَقَالَ لضالَّةُ المُؤْمِنِ حَرَقُ النارِ

؛ أَبو عُبَيْدَةَ: الهَوَامِي الإِبلُ المُهمَلة بِلَا راعٍ، وَقَدْ هَمَتْ تَهْمِي فَهِيَ هَامِيةٌ إِذَا ذَهَبَتْ عَلَى وَجْهِها؛ نَاقَةٌ هامِيَةٌ وبَعير هامٍ، وكلُّ ذاهِبٍ وجارٍ مِنْ حَيوانٍ أَو مَاءٍ فَهُوَ هامٍ؛ وَمِنْهُ: هَمَى المطرُ، وَلَعَلَّهُ مَقْلُوبٌ مَنْ هامَ يَهِيمُ. وكلُّ ذَاهِبٍ وَسَائِلٍ مِنْ ماءٍ أَو مَطَرٍ أَو غَيْرِهِ فَقَدْ هَمَى؛ وأَنشد:

فَسَقَى دِيارَكِ، غَيْرَ مُفْسِدِها،

صَوْبُ الرَّبِيعِ ودِيمةٌ تَهْمِي

يَعْنِي تسِيل وتَذْهَب. اللَّيْثُ: هَمَى اسْمُ صَنَمٍ؛ وَقَوْلُ الْجَعْدِيِّ أَنشده أَبو الْهَيْثَمِ:

مِثْلُ هِمْيَانِ العَذَارَى بَطْنُه،

يَلْهَزُ الرَّوْضَ بِنُقْعانِ النَّفَلْ

وَيُرْوَى:

أَبْلَقُ الحَقْوَيْنِ مَشْطُوبُ الكَفَل

مَشْطُوبٌ أَي فِي عَجُزِهِ طرائقُ أَي خُطوطٌ وشُطُوبٌ طَوِيلٌ غَيْرُ مُدَّورٍ، والهِمْيَانُ: المِنْطَقةُ؛ يَقُولُ: بَطْنُه لَطِيف يُضَمُّ بَطْنُه كَمَا يُضَمُّ خَصْرُ العَذْراء، وَإِنَّمَا خَصَّ العَذْراء بِضَمِّ البطنِ دُونَ الثيِّبِ لأَن الثيِّب إِذَا وَلَدت مَرَّةً عَظُم بَطنُها. والهِمْيانُ: المِنْطَقة كُنَّ يَشددن بِهِ أَحْقِيَهُنَّ، إِمَّا تِكَّةٌ وَإِمَّا خَيْطٌ، ويَلْهَزُ: يأْكل، والنُّقْعانُ: مُسْتَقَرُّ الْمَاءِ. وَيُقَالُ: هَما وَاللَّهِ لقد قال كَذَا، بِمَعْنَى أَمَا وَاللَّهِ.

هنا: مَضَى هِنْوٌ مِنَ اللَّيْلِ أَي وَقْتٌ. والهِنْوُ: أَبو قَبِيلةٍ أَو قَبائلَ، وَهُوَ ابْنُ الأَزْدِ. وهَنُ المرأَةِ: فَرْجُها، والتَّثنية هَنانِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ هَنانانِ، ذَكَرَهُ مُسْتَشْهِدًا عَلَى أَنَّ كِلا لَيْسَ مَنْ لَفْظِ كُلٍّ، وشرحُ ذَلِكَ أَنّ هَنانانِ لَيْسَ تَثْنِيَةَ هَنٍ، وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ، كسِبَطْرٍ لَيْسَ مِنْ لَفْظِ سَبِط، وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ. أَبو الْهَيْثَمِ: كُلُّ اسْمٍ عَلَى حَرْفَيْنِ فَقَدْ حُذِفَ مِنْهُ حَرْفٌ. والهَنُ: اسْمٌ عَلَى حَرْفَيْنِ مِثْلُ الحِرِ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَمِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يَقُولُ الْمَحْذُوفُ مَنَ الهَنِ والهَنةِ الْوَاوُ، كَانَ أَصله هَنَوٌ، وَتَصْغِيرُهُ هُنَيٌّ لَمَّا صَغَّرْتَهُ حَرَّكَتْ ثانِيَه فَفَتَحْتَهُ وَجَعَلْتَ ثَالِثَ حُرُوفِهِ يَاءَ التَّصْغِيرِ، ثُمَّ رَدَدْتَ الْوَاوَ الْمَحْذُوفَةَ فَقُلْتَ هُنَيْوٌ، ثُمَّ أَدغمت ياءَ التَّصْغِيرِ فِي الْوَاوِ فَجَعَلْتَهَا يَاءً مُشَدَّدَةً، كَمَا قُلْنَا فِي أَب وأَخ إِنَّهُ حُذِفَ مِنْهُمَا الْوَاوُ وأَصلهما أَخَوٌ وأَبَوٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ رِكَابًا قَطَعَتْ بَلَداً:

جافِينَ عُوجاً مِن جِحافِ النُّكتِ،

وكَمْ طَوَيْنَ مِنْ هَنٍ وهَنَت

أَي مِنْ أَرضٍ ذَكَرٍ وأَرضٍ أُنثى، وَمِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يَقُولُ أَصلُ هَنٍ هَنٌّ، وَإِذَا صغَّرت قُلْتَ هُنَيْنٌ؛ وأَنشد:

يَا قاتَلَ اللهُ صِبْياناً تَجِيءُ بِهِمْ

أُمُّ الهُنَيْنِينَ مِنْ زَندٍ لَهَا وارِي

وأَحد الهُنَيْنِينَ هُنَيْنٌ، وَتَكْبِيرُ تَصْغِيرِهِ هَنٌّ ثُمَّ يُخَفَّفُ فَيُقَالُ هَنٌ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَهِيَ كِناية عَنِ الشَّيء يُسْتَفْحَش ذِكْرُهُ، تَقُولُ: لَهَا هَنٌ تُرِيدُ لَهَا حِرٌ كَمَا قَالَ العُماني:

لَهَا هَنٌ مُسْتَهْدَفُ الأَرْكانِ،

ص: 365

أَقْمَرُ تَطْلِيهِ بِزَعْفَرانِ،

كأَنَّ فِيهِ فِلَقَ الرُّمَّانِ

فَكَنَّى عَنِ الحِرِ بالهَنِ، فافْهَمْه. وَقَوْلُهُمْ: يَا هَنُ أَقْبِلْ يَا رَجُلُ أَقْبِلْ، وَيَا هَنانِ أَقْبِلا وَيَا هَنُونَ أَقْبِلوا، وَلَكَ أَن تُدخل فِيهِ الْهَاءَ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ فَتَقُولُ يَا هَنَهْ، كَمَا تَقُولُ لِمَهْ ومالِيَهْ وسُلْطانِيَهْ، وَلَكَ أَن تُشبع الْحَرَكَةَ فَتَتَوَلَّدُ الأَلف فَتَقُولُ يَا هَناة أَقْبِلْ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تَخْتَصُّ بِالنِّدَاءِ خَاصَّةً وَالْهَاءُ فِي آخِرِهِ تَصِيرُ تَاءً فِي الْوَصْلِ، مَعْنَاهُ يَا فُلَانُ، كَمَا يَخْتَصُّ بِهِ قَوْلُهُمْ يَا فُلُ وَيَا نَوْمانُ، وَلَكَ أَن تَقُولَ يَا هَناهُ أَقْبل، بِهَاءٍ مَضْمُومَةٍ، وَيَا هَنانِيهِ أَقْبِلا وَيَا هَنُوناهُ أَقْبِلوا، وَحَرَكَةُ الْهَاءِ فِيهِنَّ مُنْكَرَةٌ، وَلَكِنْ هَكَذَا رَوَى الأَخفش؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ لِامْرِئِ الْقَيْسِ:

وَقَدْ رابَني قَوْلُها: يا هَناهُ،

ويْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرًّا بِشَرْ

يَعْنِي كُنَّا مُتَّهَمَيْن فَحَقَّقْتُ الأَمر، وَهَذِهِ الْهَاءُ عِنْدَ أَهل الْكُوفَةِ لِلْوَقْفِ، أَلا تَرَى أَنه شَبَّهَهَا بِحَرْفِ الإِعراب فضمَّها؟ وَقَالَ أَهل الْبَصْرَةِ: هِيَ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ فِي هَنُوك وهَنَوات، فَلِهَذَا جَازَ أَن تَضُمَّهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيِّ: وَلَكِنْ حَكَى ابْنُ السَّراج عَنِ الأَخفش أَنَّ الهاءَ فِي هَناه هاه السَّكْتِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ يَا هَنانِيهْ، وَاسْتُبْعِدَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنها بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ لأَنه يَجِبُ أَن يُقَالَ يَا هَنَاهَانِ فِي التَّثْنِيَةِ، وَالْمَشْهُورُ يَا هَنانِيهْ، وَتَقُولُ فِي الإِضافة يَا هَني أَقْبِلْ، وَيَا هَنَيَّ أَقْبِلا، وَيَا هَنِيَّ أَقْبِلُوا، وَيُقَالُ للمرأَة يَا هَنةُ أَقْبلي، فَإِذَا وَقَفْتَ قُلْتَ يَا هَنَهْ؛ وأَنشد:

أُريدُ هَناتٍ منْ هَنِينَ وتَلْتَوِي

عليَّ، وَآبَى مِنْ هَنِينَ هَناتِ

وَقَالُوا: هَنْتٌ، بِالتَّاءِ سَاكِنَةُ النُّونِ، فَجَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ بِنْت وأُخْت وهَنْتانِ وهَناتٍ، تَصْغِيرُهَا هُنَيَّةٌ وهُنَيْهةٌ، فهُنَيَّة عَلَى الْقِيَاسِ، وهُنَيْهة عَلَى إِبْدَالِ الْهَاءِ مِنَ الْيَاءِ فِي هُنَيَّة لِلْقُرْبِ الَّذِي بَيْنَ الْهَاءِ وَحُرُوفِ اللِّينِ، وَالْيَاءُ فِي هُنَيَّة بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ فِي هُنَيْوة، وَالْجَمْعُ هَنات عَلَى اللَّفْظِ، وهَنَوات عَلَى الأَصل؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما هَنْت فَيَدُلُّ عَلَى أَن التَّاءُ فِيهَا بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ قَوْلُهُمْ هَنَوات؛ قَالَ:

أَرى ابنَ نِزارٍ قَدْ جَفاني ومَلَّني

عَلَى هَنَوَاتٍ، شَأْنُها مُتَتابعُ

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَصْغِيرِهَا هُنَيَّة، تردُّها إِلَى الأَصل وتأْتي بِالْهَاءِ، كَمَا تَقُولُ أُخَيَّةٌ وبُنَيَّةٌ، وَقَدْ تُبْدَلُ مِنَ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ هَاءٌ فَيُقَالُ هُنَيْهة. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه أَقام هُنَيَّةً

أَي قَلِيلًا مِنَ الزَّمَانِ، وَهُوَ تَصْغِيرُ هَنةٍ، وَيُقَالُ هُنَيْهةٌ أَيضاً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا بَدَلًا مِنَ التَّاءِ الَّتِي فِي هَنْت، قَالَ: وَالْجَمْعُ هَناتٌ، وَمَنْ رَدَّ قَالَ هَنَوَات؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْكُمَيْتِ شَاهِدًا لهَناتٍ:

وقالتْ ليَ النَّفْسُ: اشْعَبِ الصَّدْعَ، واهْتَبِلْ

لإِحْدى الهَنَاتِ المُعْضِلاتِ اهْتِبالَها

وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ الأَكوع: قَالَ لَهُ أَلا تُسْمِعنُا مِنْ هَنَاتِك

أَي مِنْ كَلِمَاتِكَ أَو مِنْ أَراجيزك، وَفِي رِوَايَةٍ:

مِنْ هُنَيَّاتِك

، عَلَى التَّصْغِيرِ، وَفِي أُخرى:

مِنْ هُنَيْهاتِك

، عَلَى قَلْبِ الْيَاءِ هَاءً. وَفِي فُلَانٍ هَنَوَاتٌ أَي خَصْلات شَرٍّ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْخَيْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

سَتَكُونُ هَناتٌ وهَناتٌ فَمَنْ رأَيتموه يَمْشِي إِلَى أُمة مُحَمَّدٍ ليُفَرِّقَ جَمَاعَتَهُمْ فَاقْتُلُوهُ

، أَي شُرورٌ وفَسادٌ، وَوَاحِدَتُهَا هَنْتٌ، وَقَدْ تُجْمَعُ عَلَى هَنَواتٍ، وَقِيلَ: وَاحِدَتُهَا هَنَةٌ تأْنيث

ص: 366

هَنٍ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كُلِّ اسْمُ جِنْسٍ. وَفِي حَدِيثِ

سَطِيحٍ: ثُمَّ تَكُونُ هَنَاتٌ وهَنَاتٌ

أَي شَدائدُ وأُمور عِظام. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: أَنه دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وَفِي الْبَيْتِ هَنَاتٌ مِنْ قَرَظٍ

أَي قِطَعٌ مُتَفَرِّقَةٌ؛ وأَنشد الْآخَرُ فِي هَنَوَات:

لَهِنَّكِ مِنْ عَبْسِيَّةٍ لَوَسِيمةٌ

عَلَى هَنَواتٍ كاذِبٍ مَن يَقُولُها

وَيُقَالُ فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً: يَا هَناهْ، بِزِيَادَةِ هَاءٍ فِي آخِرِهِ تَصِيرُ تَاءً فِي الْوَصْلِ، مَعْنَاهُ يَا فلانُ، قَالَ: وَهِيَ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ الَّتِي فِي هَنُوك وهَنَوات؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وَقَدْ رابَني قَوْلُها: يا هَنَاهُ،

وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرّاً بِشَرّ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ بَابِ الأَلف اللَّيِّنَةِ: هَذَا وَهْمٌ مِنَ الْجَوْهَرِيِّ لأَن هَذِهِ الْهَاءَ هَاءُ السَّكْتِ عِنْدَ الأَكثر، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ الَّتِي هِيَ لَامٌ الْكَلِمَةِ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْحَرْفِ الأَصلي، وَإِنَّمَا تِلْكَ الْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِمْ هَنْت الَّتِي تُجْمَعُ هَنات وهَنَوات، لأَن الْعَرَبَ تَقِفُ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ فَتَقُولُ هَنَهْ، وَإِذَا وَصَلُوهَا قَالُوا هَنْت فَرَجَعَتْ تَاءً، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ فِي بَيْتِ امْرِئِ الْقَيْسِ، قَالَ: أَصله هناوٌ، فأَبدل الْهَاءَ مِنَ الْوَاوِ فِي هَنَوَاتٍ وَهْنُوكَ، لأَن الْهَاءَ إِذَا قَلَّت فِي بابِ شَدَدْتُ وقَصَصْتُ فَهِيَ فِي بابِ سَلِسَ وقَلِقَ أَجْدَرُ بالقِلة فَانْضَافَ هَذَا إِلَى قَوْلِهِمْ فِي مَعْنَاهُ هَنُوكَ وهَنواتٌ، فَقَضَيْنَا بأَنها بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّ الْهَاءَ فِي هَنَاه إِنَّمَا هِيَ بَدَلٌ مِنَ الأَلف الْمُنْقَلِبَةِ مِنَ الْوَاوِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ أَلِفِ هَنَاهُ، إِذْ أَصله هَناوٌ ثُمَّ صارَ هَناءً، كَمَا أَن أَصل عَطاء عَطاوٌ ثُمَّ صَارَ بَعْدَ الْقَلْبِ عَطَاءً، فَلَمَّا صَارَ هَنَاءً والتَقَت أَلفان كُرِهَ اجْتِمَاعُ السَّاكِنَيْنِ فَقُلِبَتِ الأَلف الأَخيرة هَاءً، فَقَالُوا هِنَاهُ، كَمَا أَبدلَ الجميعُ مِنْ أَلف عَطَاءٍ الثَّانِيَةِ هَمْزَةً لِئَلَّا يَجْتَمِعَ هَمْزَتَانِ، لَكَانَ قَوْلًا قَوِيًّا،، وَلَكَانَ أَيضاً أَشبه مِنْ أَن يَكُونَ قُلِبَتِ الْوَاوُ فِي أَوّل أَحوالها هَاءً مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن مِنْ شَرِيطَةِ قَلْبِ الْوَاوِ أَلفاً أَن تَقَعَ طرَفاً بَعْدَ أَلف زَائِدَةٍ وَقَدْ وَقَعَتْ هُنَا كَذَلِكَ، وَالْآخَرُ أَن الْهَاءَ إِلَى الأَلف أَقرب مِنْهَا إِلَى الْوَاوِ، بَلْ هُمَا فِي الطَّرَفَيْنِ، أَلا تَرَى أَن أَبا الْحَسَنِ ذَهَبَ إِلَى أَن الْهَاءَ مَعَ الأَلف مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، لَقُرْبِ مَا بَيْنَهُمَا، فَقَلْبُ الأَلف هَاءً أَقْرَبُ مِنْ قَلْبِ الْوَاوِ هَاءً؟ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: ذَهَبَ أَحد عُلَمَائِنَا إِلَى أَن الْهَاءَ مِنْ هَناه إِنَّمَا أُلحقت لِخَفَاءِ الأَلف كَمَا تَلْحَقُ بَعْدَ أَلف النُّدْبَةِ فِي نَحْوِ وا زيداه، ثم شبهت بالهاء الأَصلية فَحُرِّكَتْ فَقَالُوا يَا هَنَاهُ. الْجَوْهَرِيُّ: هَنٌ، عَلَى وَزْنِ أَخٍ، كَلِمَةُ كِنَايَةٍ، وَمَعْنَاهُ شَيْءٌ، وأَصله هَنَوٌ. يُقَالُ: هَذَا هَنُكَ أَي شَيْئُكَ. والهَنُ: الحِرُ؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:

رُحْتِ، وَفِي رِجْلَيْكِ مَا فِيهِمَا،

وَقَدْ بَدا هَنْكِ منَ المِئْزَرِ

إِنَّمَا سَكَّنَهُ لِلضَّرُورَةِ. وذهَبْت فهَنَيْت: كِنَايَةٌ عَنْ فعَلْت مِنْ قَوْلِكَ هَنٌ، وهُما هَنوانِ، وَالْجَمْعُ هَنُونَ، وَرُبَّمَا جاءَ مشدَّداً لِلضَّرُورَةِ فِي الشِّعْرِ كَمَا شَدَّدُوا لَوًّا؛ قَالَ الشَّاعِرِ:

أَلا ليْتَ شِعْري هَلْ أَبيتَنَّ ليْلةً،

وهَنِّيَ جاذٍ بينَ لِهْزِمَتَيْ هَنِ؟

وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ تَعَزَّى بعَزاء الجاهِلِيَّةِ فأَعِضُّوه بِهَنِ أَبيه وَلَا تَكْنُوا

أَي قُولُوا لَهُ عَضَّ بأَيْرِ أَبيكَ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي ذَرٍّ: هَنٌ مِثْلُ الخَشبة غَيْرَ أَني لَا أَكْني

يَعْنِي أَنه أَفْصَحَ بِاسْمِهِ، فَيَكُونُ قَدْ قَالَ أَيْرٌ مثلُ الخَشبةِ، فَلَمَّا أَراد أَن يَحكي كَنى عَنْهُ. وَقَوْلُهُمْ: مَن يَطُلْ هَنُ أَبيهِ يَنْتَطِقْ بِهِ أَي يَتَقَوَّى بِإِخْوَتِهِ؛

ص: 367

وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرِ:

فلَوْ شَاءَ رَبي، كَانَ أَيْرُ أَبيكُمْ

طَويلًا كأَيْرِ الحرِثِ بن سَدُوسِ

وهو الحَرِثُ بْنِ سَدُوسِ بْنِ ذُهْل بْنِ شَيْبانَ، وَكَانَ لَهُ أَحد وَعِشْرُونَ ذَكَرَا. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَعُوذُ بكَ مِنْ شَرَّ هَنِي

، يَعْنِي الفَرْج. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ هَنانِ وهَنُونَ أَسماء لَا تنكَّر أَبداً لأَنها كِنَايَاتٌ وَجَارِيَةٌ مَجْرَى الْمُضْمَرَةِ، فإِنما هِيَ أَسماء مَصُوغَةٌ لِلتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ بِمَنْزِلَةِ اللَّذَيْنِ والذِين، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الأَسماء الْمُثَنَّاةِ نَحْوَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، أَلا تَرَى أَن تَعْرِيفَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو إِنَّمَا هُمَا بِالْوَضْعِ وَالْعَلَمِيَّةِ، فَإِذَا ثَنَّيْتَهُمَا تنكَّرا فَقُلْتَ رأَيت زَيْدَيْنِ كَرِيمَيْنِ وَعِنْدِي عَمْرانِ عاقِلانِ، فإِن آثَرْتَ التَّعْرِيفَ بالإِضافة أَو بِاللَّامِ قُلْتَ الزَّيْدَانِ والعَمران وزَيْداك وعَمْراك، فَقَدْ تَعَرَّفا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ تَعَرُّفهما قَبْلَهَا، وَلَحِقَا بالأَجناس فَفَارَقَا مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَلَمِيَّةِ وَالْوَضْعِ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وَقَدْ رابَني قَوْلُها: يا هناهُ،

وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرًّا بِشَرْ

قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ يَا هَن أَقبل، وَيَا هَنوان أَقبلا، فَقَالَ: هَذِهِ اللُّغَةُ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ هَنَوَاتٌ؛ وأَنشد الْمَازِنِيُّ:

عَلَى مَا أَنَّها هَزِئَتْ وقالتْ:

هَنُونَ أَحنّ مَنشَؤُه قريبُ

«2» فإنْ أَكْبَرْ، فَإِنِّي فِي لِداتي،

وغاياتُ الأَصاغِر للمَشِيب

قَالَ: إِنَّمَا تَهْزَأُ بِهِ، قَالَتْ: هَنُونَ هَذَا غُلَامٌ قَرِيبُ الْمَوْلِدِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَإِنَّمَا تَهَكَّمَ بِهِ، وَقَوْلُهَا: أَحنّ أَي وَقَعَ فِي مِحْنَةٍ، وَقَوْلُهَا: مَنْشَؤُهُ قَرِيبُ أَي مَوْلِدُهُ قَرِيبٌ، تَسْخَرُ مِنْهُ. اللَّيْثُ: هنٌ كَلِمَةٌ يُكَنَّى بِهَا عَنِ اسْمِ الإِنسان، كَقَوْلِكَ أَتاني هَنٌ وأَتتني هَنَةٌ، النُّونُ مَفْتُوحَةٌ فِي هَنَة، إِذَا وَقَفْتَ عِنْدَهَا، لِظُهُورِ الْهَاءِ، فَإِذَا أَدرجتها فِي كَلَامٍ تَصِلُهَا بِهِ سكَّنْت النُّونَ، لأَنها بُنيت فِي الأَصل عَلَى التَّسْكِينِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ الْهَاءُ وَجَاءَتِ التَّاءُ حَسُن تَسْكِينُ النُّونِ مَعَ التَّاءِ، كَقَوْلِكَ رأَيت هَنْةَ مُقْبِلَةً، لَمْ تَصْرِفْهَا لأَنها اسْمُ مَعْرِفَةٍ لِلْمُؤَنَّثِ، وَهَاءُ التَّأْنِيثِ إِذَا سَكَنَ مَا قَبْلَهَا صَارَتْ تَاءً مَعَ الأَلف لِلْفَتْحِ، لأَن الْهَاءَ تَظْهَرُ مَعَهَا لأَنها بُنيت عَلَى إِظْهار صَرْفٍ فِيهَا، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْفَتْحِ الَّذِي قَبْلَهُ، كَقَوْلِكَ الحَياة الْقَنَاةُ، وَهَاءُ التأْنيث أَصل بِنَائِهَا مِنَ التَّاءِ، وَلَكِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ تَأْنِيثِ الْفِعْلِ وتأْنيث الِاسْمِ فَقَالُوا فِي الْفِعْلِ فَعَلَتْ، فَلَمَّا جَعَلُوهَا اسْمًا قَالُوا فَعْلَة، وإِنما وَقَفُوا عِنْدَ هَذِهِ التَّاءِ بِالْهَاءِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُرُوفِ، لأَن الْهَاءَ أَلْيَنُ الْحُرُوفِ الصِّحاحِ وَالتَّاءُ مِنَ الْحُرُوفِ الصِّحَاحِ، فَجَعَلُوا الْبَدَلَ صَحِيحًا مثلَها، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْحُرُوفِ حَرْفٌ أَهَشُّ مِنَ الْهَاءِ لأَن الْهَاءَ نَفَس، قَالَ: وأَما هَنٌ فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُسَكِّنُ، يَجْعَلُهُ كقَدْ وبَلْ فَيَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى هَنْ يَا فَتًى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هنٍ، فَيُجْرِيهَا مَجْرَاهَا، وَالتَّنْوِينُ فِيهَا أَحسن كَقَوْلِ رُؤْبَةَ:

إذْ مِنْ هَنٍ قَوْلٌ، وقَوْلٌ مِنْ هَنِ

وَاللَّهُ أَعلم. الأَزهري: تَقُولُ الْعَرَبُ يَا هَنا هَلُمَّ، وَيَا هَنَانِ هَلُمَّ، وَيَا هَنُونَ هَلُمَّ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ أَيضاً: يَا هَنَاهُ هَلُمَّ، وَيَا هَنَانِ هَلُمَّ، وَيَا هَنُونَ هلمَّ، وَيَا هَنَاه، وَتَلْقَى الْهَاءَ فِي الإِدراج، وَفِي الْوَقْفِ يَا هَنَتَاهْ وَيَا هَناتُ هَلُمَّ؛ هَذِهِ لُغَةُ عُقَيل وَعَامَّةِ قَيْسٍ بَعْدُ. ابْنُ الأَنباري: إِذَا نَادَيْتَ مُذَكَّرًا بِغَيْرِ

(2). قوله [أَحَنَّ] أَيْ وَقَعَ فِي محنة، كذا بالأَصل، ومقتضاه أنه كضرب فالنون خفيفة والوزن قاضٍ بتشديدها.

ص: 368

التَّصْرِيحِ بِاسْمِهِ قُلْتَ يَا هَنُ أَقبِل، وَلِلرَّجُلَيْنِ: يَا هَنانِ أَقبلا، وَلِلرِّجَالِ: يَا هَنُونَ أَقْبِلوا، وللمرأَة: يَا هَنْتُ أَقبلي، بِتَسْكِينِ النُّونِ، وللمرأَتين: يَا هَنْتانِ أَقبلا، وَلِلنِّسْوَةِ: يَا هَناتُ أَقبلن، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ الأَلف وَالْهَاءَ فَيَقُولُ لِلرَّجُلِ: يَا هناهُ أَقْبِلْ، وَيَا هناهِ أَقبلْ، بِضَمِّ الْهَاءِ وَخَفْضِهَا؛ حَكَاهُمَا الْفَرَّاءُ؛ فَمَنْ ضَمَّ الْهَاءَ قَدَّرَ أَنها آخِرُ الِاسْمِ، وَمَنْ كَسَرَهَا قَالَ كَسَرْتُهَا لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ، وَيُقَالُ فِي الِاثْنَيْنِ، عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ: يَا هَنانِيه أَقبلا. الْفَرَّاءُ: كَسْرُ النُّونِ وإِتباعها الْيَاءَ أَكثر، وَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ: يَا هَنوناهُ أَقبلوا، قَالَ: وَمَنْ قَالَ لِلذَّكَرِ يَا هَناهُ وَيَا هَناهِ قَالَ للأُنثى يَا هَنَتاهُ أَقبلي وَيَا هَنَتاهِ، وَلِلِاثْنَتَيْنِ يَا هَنْتانيه وَيَا هَنْتاناه أَقبلا، وَلِلْجَمْعِ مِنَ النِّسَاءِ يَا هَناتاه؛ وأَنشد:

وَقَدْ رابَني قَوْلُها: يا هَناه،

وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرّاً بِشَرّ

وَفِي الصِّحَاحِ: وَيَا هَنُوناهُ أَقبلوا. وإِذا أَضفت إِلى نَفْسِكَ قُلْتَ: يَا هَنِي أَقْبِل، وإِن شِئْتَ قُلْتَ: يَا هَنِ أَقبل، وَتَقُولُ: يَا هَنَيَّ أَقبِلا، وَلِلْجَمْعِ: يَا هَنِيَّ أَقبِلوا، فَتَفْتَحُ النُّونَ فِي التَّثْنِيَةِ وَتَكْسِرُهَا فِي الْجَمْعِ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي الأَحوص الجُشَمِي: أَلستَ تُنْتَجُها وافِيةً أَعْيُنُها وآذانُها فتَجْدَعُ هَذِهِ وَتَقُولُ صَرْبَى، وتَهُنُّ هَذِهِ وَتَقُولُ بَحِيرة

؛ الهَنُ والهَنُّ، بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ: كِنَايَةٌ عَنِ الشَّيْءِ لَا تَذْكُرُهُ بِاسْمِهِ، تَقُولُ أَتاني هَنٌ وهَنةٌ، مُخَفَّفًا ومشدَّداً. وهَنَنْتُه أَهنُّه هَنًّا إِذا أَصبت مِنْهُ هَناً، يُرِيدُ أَنك تَشُقُّ آذَانَهَا أَو تُصيب شَيْئًا مِنْ أَعضائها، وَقِيلَ: تَهُنُّ هَذِهِ أَي تُصيب هَن هَذِهِ أَي الشَّيْءَ مِنْهَا كالأُذن وَالْعَيْنِ وَنَحْوِهَا؛ قَالَ الْهَرَوِيُّ: عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَى الأَزهري فأَنكره وَقَالَ: إِنما هُوَ وتَهِنُ هَذِهِ أَي تُضْعِفُها، يُقَالُ: وهَنْتُه أَهِنُه وهْناً، فَهُوَ مَوْهون أَي أَضعفته. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ مَسْعُودٍ: رضي الله عنه، وذكرَ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَقَالَ: ثُمَّ إِن هَنِيناً أَتَوْا عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ طِوال

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَحمد فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ حَدِيثِهِ مَضْبُوطًا مُقَيَّدًا، قَالَ: وَلَمْ أَجده مَشْرُوحًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْغَرِيبِ إِلا أَن أَبا مُوسَى ذَكَرَهُ فِي غَرِيبِهِ عَقِيبَ أَحاديث الهَنِ والهَناة. وَفِي حَدِيثِ الْجِنِّ:

فإِذا هُوَ بهَنِينٍ «3» كأَنهم الزُّطُّ

، ثُمَّ قَالَ: جَمْعُه جَمْعُ السَّلَامَةِ مِثْلُ كُرة وكُرِينَ، فكأَنه أَراد الْكِنَايَةَ عَنْ أَشخاصهم. وَفِي الْحَدِيثِ:

وَذَكَرَ هَنةً مِنْ جِيرَانِهِ

أَي حَاجَةً، ويعبَّر بِهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَفِي حَدِيثِ الإِفْك:

قلتُ لَهَا يَا هَنْتاه

أَي يَا هَذِهِ، وتُفتح النونُ وَتَسْكُنُ، وَتُضَمُّ الْهَاءُ الأَخيرة وَتَسْكُنُ، وَقِيلَ: مَعْنَى يَا هَنْتاه يَا بَلْهاء، كأَنها نُسِبت إِلى قِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ بِمَكَايِدِ النَّاسِ وشُرُورهم. وَفِي حَدِيثِ

الصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَد: فَقُلْتُ يَا هَنَاهُ إِني حَرِيصٌ عَلَى الجِهاد.

والهَنَاةُ: الداهِيةُ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ هَنَوَات؛ وأَنشد:

عَلَى هَنَوَاتٍ كلُّها مُتَتابِعُ

وَالْكَلِمَةُ يَائِيَّةٌ. وَوَاوِيَّةٌ، والأَسماء الَّتِي رَفْعُهَا بِالْوَاوِ وَنَصْبُهَا بالأَلف وَخَفْضُهَا بِالْيَاءِ هِيَ فِي الرَّفْعِ: أَبُوكَ وأَخُوكَ وحَمُوكِ وفُوكَ وهَنُوكَ وَذُو مَالٍ، وَفِي النَّصْبِ: رأَيتُ أَباكَ وأَخاكَ وفاكَ وحماكِ وهَناكَ وَذَا مَالٍ، وَفِي الْخَفْضِ: مررتُ بأَبيكَ وأَخيكَ وحميكِ وفيكَ وهَنِيكَ وَذِي مالٍ؛ قَالَ النَّحْوِيُّونَ: يُقَالُ هَذَا هَنُوكَ لِلْوَاحِدِ فِي الرَّفْعِ، ورأَيت هَنَاكَ فِي النَّصْبِ، وَمَرَرْتُ بهَنِيك فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ، مِثْلُ تَصْريف أَخواتها كما تقدم.

(3). قوله [بهنين] كذا ضبط في الأصل وبعض نسخ النهاية.

ص: 369

هوا: الهَواء، مَمْدُودٌ: الجَوُّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض، وَالْجَمْعُ الأَهْوِيةُ، وأَهلُ الأَهْواء وَاحِدُهَا هَوًى، وكلُّ فارغٍ هَواء. والهَواء: الجَبانُ لأَنه لَا قَلْبَ لَهُ، فكأَنه فارغٌ، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَقَلْبٌ هَوَاءٌ: فارغٌ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ

؛ يُقَالُ فِيهِ: إِنه لَا عُقولَ لَهُمْ. أَبو الْهَيْثَمِ: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ

قَالَ كأَنهم لَا يَعْقِلون مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ الزُّجَاجُ: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ

أَي مُنْحَرِفة «1» لَا تَعِي شَيْئًا مِنَ الخَوْفِ، وَقِيلَ: نُزِعَتْ أَفْئدَتُهم مِنْ أَجْوافِهم؛ قَالَ حَسَّانَ:

أَلا أَبْلِغْ أَبا سُفيانَ عَنِّي،

فَأَنْتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَواه

والهَواء والخَواء وَاحِدٌ. والهَوَاء: كُلُّ فُرْجةٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كَمَا بَيْنَ أَسْفَلِ الْبَيْتِ إِلى أَعْلاه وأَسْفَلِ البئرِ إِلى أَعْلاها. وَيُقَالُ: هَوَى صَدْرُه يَهْوِي هَوَاء إِذا خَلَا؛ قَالَ جَرِيرٌ:

ومُجاشِعٌ قَصَبٌ هَوَتْ أَجْوافُه،

لَوْ يُنْفَخُونَ مِنَ الخُؤُورةِ طارُوا

أَي هُمْ بِمَنْزِلَةِ قَصَبٍ جَوْفُه هَوَاء أَي خالٍ لَا فُؤادَ لَهُمْ كالهَواء الَّذِي بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ:

كأَنّ الرَّحل مِنها فَوْق صَعْلٍ،

مِنَ الظِّلْمانِ، جُؤْجُؤه هَواء

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كُلٌّ خالٍ هَوَاء؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ كَعْبُ الأَمثال:

وَلَا تَكُ مِنْ أَخْدانِ كُلِّ يَراعةٍ

هَوَاء كسَقْبِ الْبَانِ، جُوفٍ مَكاسِرُهْ

قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عز وجل: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ

؛ وَفِي حَدِيثِ

عَاتِكَةَ:

فَهُنَّ هَواءٌ والحُلُومُ عَوازِبُ

أَي بَعِيدةٌ خاليةُ الْعُقُولِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ

. والمَهْوَاةُ والهُوَّةُ والأُهْوِيَّةُ والهَاوِيَةُ: كالهَواء. الأَزهري: المَهْوَاةُ مَوْضِع فِي الهَواء مُشْرِفٌ مَا دُونَه مِنْ جَبَلٍ وَغَيْرِهِ: وَيُقَالُ: هَوَى يَهْوِي هَوَياناً، ورأَيتهم يَتَهاوَوْنَ فِي المَهْواةِ إِذا سَقَطَ بعضُهم فِي إِثْر بَعْضٍ. الْجَوْهَرِيُّ: والمَهْوَى والمَهْواةُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وتَهَاوَى القَوْمُ مِنَ المَهواةِ إِذا سقَط بَعضُهم فِي إِثر بَعْضٍ. وهَوَتِ الطَّعْنَةُ تَهْوِي: فتَحَت فَاهَا بِالدَّمِ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:

فاخْتاضَ أُخْرَى فَهَوَتْ رُجُوحا

لِلشِّقِّ، يَهْوِي جُرْحُها مَفْتُوحا

وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

طَوَيْناهُما، حَتَّى إِذا مَا أُنِيخَتا

مُناخاً، هَوَى بَيْنَ الكُلَى والكَراكِرِ

أَي خَلا وَانْفَتَحَ مِنَ الضُّمْر. وهَوَى وأَهْوَى وانْهَوَى: سَقَط؛ قَالَ يَزيدُ بْنُ الحَكَم الثَّقَفِيُّ:

وكَمْ مَنْزِلٍ لَوْلايَ طِحْتَ، كَمَا هَوَى،

بأَجْرامِه مِن قُلَّةِ النِّيقِ، مُنْهَوِي

وهَوت العُقابُ تَهْوِي هُوِيًّا إِذا انْقَضَّت عَلَى صَيْدٍ أَو غَيْرِهِ مَا لَمْ تُرِغْه، فإِذا أَراغَتْه قِيل: أَهْوَتْ لَهُ إِهْوَاء؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

أَهْوَى لَهَا أَسْفَعُ الخَدَّيْنِ مُطَّرِقٌ

رِيش القَوادِمِ، لَمْ يُنْصَبْ لَهُ الشَّبَك

والإِهْواء: التَّناوُل بِالْيَدِ والضَّرْبُ، والإِراغةُ: أَن يَذْهَبَ الصَّيدُ هَكَذَا وَهَكَذَا والعُقاب تَتْبَعُه.

(1). قوله [منحرفة] في التهذيب: منخرقة.

ص: 370

ابْنُ سِيدَهْ: والإِهْوَاء والاهْتِوَاء الضَّرب بِالْيَدِ والتناوُلُ. وهَوَت يَدِي لِلشَّيْءِ وأَهْوَتْ: امْتَدَّت وارْتَفَعَت. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هَوَى إِليه مِن بُعْدٍ، وأَهْوَى إِليه مِنْ قُرْبٍ، وأَهْوَيْت لَهُ بِالسَّيْفِ وَغَيْرِهِ، وأَهْوَيْت بِالشَّيْءِ إِذا أَوْمَأْت بِهِ، وأَهْوَى إِليه بِيَدِهِ ليأْخذه. وَفِي الْحَدِيثِ:

فأَهْوَى بِيَدِهِ إِليه

أَي مَدَّها نَحْوَه وأَمالها إِليه. يُقَالُ: أَهْوَى يَده وَبِيَدِهِ إِلى الشَّيْءِ ليأْخذه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَصمعي يُنْكِرُ أَن يأْتي أَهْوَى بِمَعْنَى هَوَى، وَقَدْ أَجازه غَيْرُهُ، وأَنشد لِزُهَيْرٍ:

أَهْوَى لَها أَسْفَعُ الخَدَّيْنِ مُطَّرِقٌ

وَكَانَ الأَصمعي يَرْوِيهِ: هَوَى لَهَا؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ أَيضاً:

أَهْوَى لَها فانْتَحَتْ كالطَّيْرِ حَانِيَةً،

ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا، وَهُوَ مُخْتَضِعُ

قال ابْنُ أَحمر:

أَهْوَى لَها مِشْقَصاً حَشْراً فَشَبْرَقَها،

وكُنْتُ أَدْعُو قَذاها الإِثْمِدَ القَرِدا

وأَهْوَى إِليه بسَهْم واهْتَوَى إِليه بِهِ. والهَاوِي مِنَ الحُروف وَاحِدٌ: وَهُوَ الأَلف، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ امْتِدَادِهِ وسَعة مَخرجه. وهَوَتِ الرِّيح هَوِيًّا: هَبَّتْ؛ قَالَ:

كأَنَّ دَلْوِي فِي هَوِيِّ رِيحِ

وهَوَى، بِالْفَتْحِ، يَهْوِي هَوِيًّا وهُوِيًّا وهَوَياناً وانْهَوَى: سَقَط مِن فوقُ إِلى أَسفل، وأَهْوَاهُ هُو. يُقَالُ: أَهْوَيْتُه إِذا أَلقَيْتَه مِنْ فَوْقُ. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى

؛ يَعْنِي مَدائنَ قومِ لُوط أَي أَسْقَطَها فَهَوَت أَي سَقَطَت. وهَوَى السَّهْمُ هُوِيًّا: سَقَط مِنْ عُلْو إِلى سُفْل. وهَوَى هَوِيًّا وهَى «1» ، وَكَذَلِكَ الهُوِيّ فِي السَّيْرِ إِذا مَضَى. ابْنُ الأَعرابي: الهُوِيُّ السَّرِيعُ إِلى فَوْقُ، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ مِثْلَهُ، وأَنشد:

والدَّلْوُ فِي إِصْعادِهَا عَجْلَى الهُوِيّ

وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ الرِّيَاشِيُّ عَنْ أَبي زَيْدٍ أَنَّ الهَوِيّ بِفَتْحِ الْهَاءِ إِلى أَسفل، وَبِضَمِّهَا إِلى فَوْقُ؛ وأَنشد: عَجْلَى الهُوِي؛ وأَنشد:

هَوِيَّ الدَّلْوِ أَسْلَمَها الرِّشاء

فَهَذَا إِلى أَسفل؛ وأَنشد لِمُعَقِّرِ بْنِ حِمَارٍ الْبَارِقِيِّ:

هَوَى زَهْدَمٌ تحْتَ الغُبارِ لِحاجِبٍ،

كَمَا انْقَضَّ بازٍ أَقْتَمُ الرِّيشِ كاسِرُ

وَفِي

صِفَتِهِ، صلى الله عليه وسلم: كأَنَّما يَهْوِي مِن صَبَبٍ

أَي يَنْحَطُّ، وَذَلِكَ مِشية القَوِيّ مِنَ الرِّجَالِ. يُقَالُ: هَوَى يَهْوِي هَوِيًّا، بِالْفَتْحِ، إِذا هَبَطَ، وهَوَى يَهْوِي هُوِيًّا، بِالضَّمِّ، إِذا صَعِدَ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وهَوَى يَهْوِي هُوِيًّا إِذا أَسرع فِي السَّيْرِ. وَفِي حَدِيثِ الْبَرَّاقِ:

ثُمَّ انْطَلَق يَهْوِي

أَي يُسْرِعُ. والمُهَاوَاةُ: المُلاجَّةُ. والمُهَاوَاةُ: شدَّة السَّيْرِ. وهاوَى: سارَ سَيْراً شَدِيدًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

فَلَمْ تَسْتَطِعْ مَيٌّ مُهاواتَنا السُّرَى،

وَلَا لَيْلَ عِيسٍ فِي البُرِينَ خَواضِعِ

وَفِي التَّهْذِيبِ:

وَلَا لَيْلَ عِيسٍ فِي البُرينَ سَوامِ

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي صَخْرَةَ:

إِيّاكَ فِي أَمْرِك والمُهَاوَاهْ،

وكَثْرَة التَّسْويفِ والمُماناهْ

اللَّيْثُ: الْعَامَّةُ تَقُولُ الهَوِيُّ فِي مَصْدَرِ هَوَى يَهْوي

(1). قوله [وهوى هوياً وهى إلخ] كذا في الأَصل، وعبارة المحكم: وهَوَى هَوِيّاً، وهَاوَى سَارَ سَيْرًا شَدِيدًا، وأَنشد بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ.

ص: 371

فِي المَهْواةِ هُوِيًّا. قَالَ: فأَما الهَوِيُّ المَلِيُّ فالحينُ الطَّوِيلُ مِنَ الزَّمَانِ، تَقُولُ: جَلَسَتْ عِنْدَهُ هَوِيّاً. والهَويُّ: السَّاعَةُ المُمتدَّة مِنَ اللَّيْلِ. وَمَضَى هَوِيٌّ مِنَ اللَّيْلِ، عَلَى فَعِيلٍ أَي هَزيعٌ مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

كنتُ أَسْمَعُه الهَوِيَّ مِنَ اللَّيْلِ

؛ الهَوِيُّ، بِالْفَتْحِ: الْحِينُ الطَّوِيلُ مِنَ الزَّمَانِ، وَقِيلَ: هُوَ مُخْتَصٌّ بِاللَّيْلِ. ابْنُ سَيِّدِهِ: مَضَى هَوِيٌّ مِنَ اللَّيْلِ وهُوِيٌّ وتَهْوَاء أَي سَاعَةٌ مِنْهُ. وَيُقَالُ: هَوَتِ الناقةُ والأَتانُ وَغَيْرُهُمَا تَهْوِي هُوِيّاً، فَهِيَ هَاوِيةٌ إِذا عَدَتْ عَدْواً شَدِيدًا أَرْفَعَ العَدْو، كأَنه فِي هَوَاء بِئْرٍ تَهْوي فِيهَا، وأَنشد:

فشَدَّ بِهَا الأَماعِزَ، وهْيَ تَهْوِي

هُويَّ الدَّلْوِ أَسْلمها الرِّشاءُ

والهَوى، مَقْصُورٌ: هَوَى النَّفْس، وإِذا أَضفته إِليك قُلْتَ هَوايَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَجَاءَ هَوَى النفْس مَمْدُودًا فِي الشِّعْرِ؛ قَالَ:

وهانَ عَلَى أَسْماءَ إِنْ شَطَّتِ النَّوى

نَحِنُّ إِليها، والهَوَاء يَتُوقُ

ابْنُ سَيِّدِهِ: الهَوَى العِشْق، يَكُونُ فِي مَدَاخِلِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. والهَوِيُّ: المَهْوِيُّ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

فَهُنَّ عُكُوفٌ كنَوْحِ الكَرِيمِ،

قدْ شَفَّ أَكْبادَهُنَّ الهَوِيُ

أَي فَقْدُ المَهْويِّ. وهَوى النفسِ: إِرادتها، وَالْجَمْعُ الأَهْوَاء. التَّهْذِيبُ: قَالَ اللُّغَوِيُّونَ الهَوَى محبةُ الإِنسان الشَّيْءَ وغَلَبَتُه عَلَى قَلْبِهِ؛ قَالَ اللَّهُ عز وجل: وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى

؛ مَعْنَاهُ نَهاها عَنْ شَهَواتِها وَمَا تَدْعُو إِليه مِنْ مَعَاصِي اللَّهَ عز وجل. اللَّيْثُ: الهَوَى مَقْصُورُ هَوى الضَّمير، تَقُولُ: هَوِيَ، بِالْكَسْرِ، يَهْوَى هَوًى أَي أَحبَّ. وَرَجُلٌ هَوٍ: ذُو هَوًى مُخامِرُه. وامرأَة هَوِيةٌ: لَا تَزَالُ تَهْوى عَلَى تَقْدِيرِ فَعِلة، فإِذا بُنيَ مِنْهُ فَعْلة بِجَزْمِ الْعَيْنِ تَقُولُ هَيَّة مِثْلُ طَيَّة. وَفِي حَدِيثِ بَيْعِ الخِيار:

يأْخُذُ كلُ وَاحِدٍ مِنَ الْبَيْعِ مَا هَوِيَ

أَي مَا أَحب، وَمَتَى تُكُلِّمَ بالهَوى مُطْلَقًا لَمْ يَكُنْ إِلا مَذْمُومًا حَتَّى يُنْعَتَ بِمَا يُخرجُ مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِمْ هَوًى حَسَنٌ وهَوًى مُوَافِقٌ لِلصَّوَابِ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

سَبَقوا هَوَيَّ وأَعْنَقُوا لِهَواهُم

فتُخُرِّمُوا، ولكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ هَوَيَّ لُغَةُ هُذَيْلٍ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ قَفَيَّ وعَصَيَّ، قَالَ الأَصمعي: أَي مَاتُوا قَبْلِي وَلَمْ يَلْبثُوا لِهَواي وَكُنْتُ أُحِبُّ أَن أَموت قَبْلَهُمْ، وأَعْنَقُوا لِهَواهم: جَعَلَهُمْ كأَنهم هَوُوا الذَّهابَ إِلى المَنِيَّةِ لسُرْعتهم إِليها، وَهُمْ لَمْ يَهْوَوْها فِي الْحَقِيقَةِ، وأَثبت سِيبَوَيْهِ الهَوَى لِلَّهِ عز وجل فَقَالَ: فإِذا فعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَقَرَّب إِلى اللَّهِ بهَواه. وَهَذَا الشيءُ أَهْوى إليَّ مِنْ كَذَا أَي أَحَبُّ إِليَّ؛ قَالَ أَبو صَخْرٍ الْهُذَلِيُّ:

ولَلَيْلةٌ مِنها تَعُودُ لَنا،

فِي غَيْرِ مَا رَفْثٍ وَلَا إِثْمِ،

أَهْوَى إِلى نَفْسِي، ولَوْ نَزَحَتْ

مِمَّا مَلَكْتُ، ومِنْ بَني سَهْمِ

وَقَوْلُهُ عز وجل: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ

، فِيمَنْ قرأَ بِهِ إِنما عدَّاه بإِلى لأَن فِيهِ مَعْنَى تَمِيلُ، والقراءَة الْمَعْرُوفَةُ تَهْوِي إِلَيْهِمْ

أَي تَرْتَفِع، وَالْجَمْعُ أَهْوَاء؛ وَقَدْ هَوِيَه هَوًى، فَهُوَ هَوٍ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى الْآيَةِ يَقُولُ اجْعَلْ أَفئدة مِنَ النَّاسِ تُريدُهم، كَمَا تَقُولُ: رأَيت فُلَانًا يَهْوِي نَحْوَك، مَعْنَاهُ يُريدك، قَالَ: وقرأَ

ص: 372

بَعْضُ النَّاسِ تَهْوَى إِليهم، بِمَعْنَى تَهْواهم، كَمَا قَالَ رَدِفَ لَكُمْ ورَدِفَكم؛ الأَخفش: تَهْوى إِليهم زَعَمُوا أَنه فِي التَّفْسِيرِ تَهْواهم؛ الْفَرَّاءُ: تَهْوِي إِليهم أَي تُسْرعُ. والهَوى أَيضاً: المَهْوِيُّ؛ قَالَ أَبو ذُؤيب:

زَجَرْتُ لَهَا طَيْرَ السَّنِيحِ، فإِنْ تَكُنْ

هَواكَ الَّذِي تَهْوَى، يُصِبْكَ اجْتِنابُها

واسْتَهْوَتْه الشياطينُ: ذَهَبَتْ بهَواه وعَقْله. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ

؛ وَقِيلَ: اسْتَهْوَتْه استَهامَتْه وحَيَّرَتْه، وَقِيلَ: زيَّنت الشياطينُ لَهُ هَواه حَيْرانَ فِي حَالِ حَيْرَتِهِ. وَيُقَالُ للمُسْتَهام الَّذِي استَهامَتْه الجنُّ: اسْتَهْوَتْهُ الشياطينُ. الْقُتَيْبِيُّ: استَهْوَتْهُ الشَّياطينُ هَوَتْ بِهِ وأَذْهَبتْه، جَعَلَهُ مَنْ هَوَى يَهْوي، وَجَعَلَهُ الزَّجَّاجُ مَنْ هَوِيَ يَهْوَى أَي زيَّنت لَهُ الشياطينُ هَواه. وهَوى الرَّجلُ: ماتَ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

وَقَالَ الشَّامِتُونَ: هَوَى زِيادٌ،

لِكُلِّ مَنِيَّةٍ سَببٌ مَتِينُ

قَالَ: وَتَقُولُ أَهْوَى فأَخذ؛ مَعْنَاهُ أَهْوى إِليه يَدَه، وَتَقُولُ: أَهْوى إِليه بيَدِه. وهاوِيةُ والهاوِيةُ: اسْمٌ مِنْ أَسماء جَهَنَّمَ، وَهِيَ مَعْرِفَةٌ بِغَيْرِ أَلف وَلَامٍ. وَقَوْلُهُ عز وجل: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ

؛ أَي مَسْكنه جهنمُ ومُسْتَقَرُّه النَّارُ، وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي لَهُ بَدَلٌ مَا يَسْكُنُ إِليه نارٌ حَامِيَةٌ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ، فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ

: قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا دعاءٌ عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ هَوَتْ أُمه عَلَى قَوْلِ الْعَرَبِ؛ وأَنشد قَوْلُ كَعْبُ بْنُ سَعْدٍ الْغَنَوِيُّ يَرْثِي أَخاه:

هَوَتْ امُّه مَا يَبْعَثُ الصُّبْحُ غادِياً،

وَمَاذَا يُؤَدِّي الليلُ حِينَ يَؤُوبُ «1»

وَمَعْنَى هَوَتْ أُمُّه أَي هلَكَت أُمُّه. وَتَقُولُ: هَوَت أُمُّه فَهِيَ هاوِيَةٌ أَي ثاكِلةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمّه هَاوِيَةٌ صارَتْ هاويةٌ مأْواه، كما تُؤْوي المرأَةُ ابْنَهَا، فَجَعَلَهَا إذْ لَا مأْوى لَهُ غَيْرَها أُمًّا لَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ

أُمُّ رأْسه تَهْوي فِي النَّارِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَوْ كَانَتْ هَاوِيَةٌ اسْمًا عَلَمًا لِلنَّارِ لَمْ يَنْصَرِفْ فِي الْآيَةِ. والهَاوِيَةُ: كلُّ مَهْواة لَا يُدْرَك قَعْرُها؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مِلْقَط الطَّائِيُّ:

يَا عَمْرُو لَوْ نالتْك أَرْماحُنا،

كنتَ كمَنْ تَهْوِي بِهِ الهَاوِيَهْ

وَقَالُوا: إِذا أَجْدَبَ الناسُ أَتى «2» الهَاوِي وَالْعَاوِي، فالهَاوِي الجَرادُ، وَالْعَاوِي الذئبُ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: إِنَّمَا هُوَ الْغَاوِي، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، والهَاوِي، فَالْغَاوِي الجَرادُ، والهَاوِي الذِّئبُ لأَن الذِّئابَ تأْتي إِلَى الخِصْب. ابْنُ الأَعرابي: إِذَا أَخْصَب الزَّمانُ جَاءَ الْغَاوِي والهَاوِي؛ قَالَ: الْغَاوِي الجَراد وَهُوَ الغَوْغاء، والهَاوِي الذِّئَابُ لأَن الذِّئَابَ تَهْوي إِلَى الْخِصْبِ. قَالَ: وَقَالَ إِذَا جَاءَتِ السَّنَةُ جَاءَ مَعَهَا أَعوانُها، يَعْنِي الجَراد وَالذِّئَابَ والأَمراض. وَيُقَالُ: سمعتُ لأُذُني هَوِياًّ أَي دَوِيًّا، وَقَدْ هَوَت أُذُنه تَهْوِي. الْكِسَائِيُّ: هاوَأْتُ الرَّجل وهاوَيْتُه، فِي بَابِ مَا يُهْمَزُ وَمَا لَا يُهْمَزُ، ودارَأْتُه ودارَيْتُه. والهَواهي: الباطلُ واللَّغْوُ مِنَ الْقَوْلِ، وَقَدْ ذُكِرَ

(1). قوله [هَوَتْ أمه] قال الصاغاني رادًّا على الجوهري، الرواية: هوت عرسه، والمعروف: حين يثوب انتهى. لكن الذي في صحاح الجوهري هو الذي في تهذيب الأزهري.

(2)

. قوله [إِذَا أَجْدَبَ النَّاسُ أَتَى إلخ] كذا في الأصل والمحكم.

ص: 373

أَيضاً فِي مَوْضِعِهِ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:

أَفي كلِّ يَوْمٍ يَدْعُوانِ أَطبّةً

إليَّ، وَمَا يُجْدُونَ إِلَّا الهَواهِيا؟

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ الهَواهِيُّ الأَباطيلُ، لأَن الهَواهِيَّ جَمْعُ هَوْهاءة مِنْ قَوْلِهِ هَوْهاءة اللُّبّ أَخْرَقُ، وَإِنَّمَا خَفَّفَهُ ابْنُ أَحمر ضَرُورَةً؛ وقياسُه هَواهِيُّ كَمَا قَالَ الأَعشى:

أَلا مَنْ مُبْلِغُ الفِتْيانِ

أَنَّا فِي هَواهيِ

وإِمْساءٍ وإِصباح،

وأَمْرٍ غَيْرِ مَقْضِيِ

قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ رَجُلٌ هَواهِيةٌ إِلَّا أَنه لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. والهَوْهاءة، بِالْمَدِّ: الأَحْمَقُ. وَفِي النَّوَادِرِ: فُلَانٌ هُوَّة أَيْ أَحْمَقُ لَا يُمْسِكُ شَيْئًا فِي صَدْرِهِ. وهَوٌّ مِنَ الأَرض: جانِبٌ مِنْهَا. والهُوّة: كلُّ وَهْدَةٍ عَمِيقةٍ؛ وأَنشد:

كأَنه فِي هُوَّةٍ تَقَحْذَما

قَالَ: وَجَمْعُ الهُوَّةِ هُوًى. ابْنُ سِيدَهِ: الهُوَّةُ مَا انهَبَطَ مِنَ الأَرضَ، وَقِيلَ: الوَهْدةُ الغامضةُ مِنَ الأَرض، وَحَكَى ثَعْلَبٌ: اللَّهُمَّ أَعِذْنا مِنْ هُوَّةِ الكُفْر ودَواعي النِّفَاقِ، قَالَ: ضَرَبَهُ مَثَلًا للكُفْر، والأُهْوِيّة عَلَى أُفْعُولة مِثْلُهَا. أَبو بَكْرٍ: يُقَالُ وَقَعَ فِي هُوَّة أَي فِي بِئْرٍ مُغَطَّاةٍ؛ وأَنشد:

إنكَ لَوْ أُعْطِيتَ أَرْجاء هُوّةٍ

مُغَمَّسَةٍ، لَا يُسْتَبانُ تُرابُها،

بِثَوْبِكَ فِي الظَّلْماء، ثُمَّ دَعَوْتَني

لجِئْتُ إِليها سادِماً، لَا أَهابُها

النَّضْرُ: الهَوَّةُ، بِفَتْحِ الْهَاءِ، الكَوّةُ؛ حَكَاهَا عَنْ أَبي الْهُذَيْلٍ، قَالَ: والهُوّةُ والمَهْواةُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ. ابْنُ الْفَرَجِ: سَمِعْتُ خَلِيفَةَ يَقُولُ لِلْبَيْتِ كِواءٌ كَثِيرَةٌ وهِواء كَثِيرَةٌ، الْوَاحِدَةُ كَوَّةٌ وهَوَّةٌ، وأَما النَّضْرُ فإِنه زَعَمَ أَن جَمْعَ الهَوَّة بِمَعْنَى الكَوَّة هُوًى مِثْلُ قريةٍ وقُرًى؛ الأَزهري فِي قَوْلِ الشَّمَّاخُ:

وَلَمَّا رأَيتُ الأَمْرَ عَرْشَ هُوَيَّةٍ،

تسَلَّيْتُ حاجاتِ الفُؤَادِ بشَمَّرا

قَالَ: هُوَيَّةٌ تَصْغِيرُ هُوّة، وَقِيلَ: الهَوِيَّةُ بِئْرٌ «3» بَعِيدةُ المَهْواةِ، وعَرْشُها سَقْفُهَا المُغَمَّى عَلَيْهَا بِالتُّرَابِ فيَغْتَرُّ بِهِ واطِئُه فيَقَع فِيهَا ويَهْلِك، أَراد لَمَّا رأَيتُ الأَمرَ مُشْرِفاً بي على هَلَكةِ طواطي سَقْفِ هُوَّةٍ مُغَمَّاةٍ تَرَكْتُهُ وَمَضَيْتْ وتسَلَّيْت عَنْ حَاجَتِي مِنْ ذَلِكَ الأَمر، وشَمَّرُ: اسْمُ نَاقَةٍ أَي رَكِبْتُهَا وَمَضَيْتُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الهُوَّةُ ذاهبةٌ فِي الأَرض بَعِيدَةُ الْقَعْرِ مِثْلُ الدَّحْلِ غَيْرَ أَن لَهُ أَلجافاً، والجماعةُ الهُوُّ، ورأْسُها مثلُ رأْس الدَّحْل. الأَصمعي: هُوَّةٌ وهُوًى. والهُوَّة: البئر؛ قاله أَبو عَمْرٍو، وَقِيلَ: الهُوَّة الحُفْرة الْبَعِيدَةُ الْقَعْرِ، وَهِيَ المَهْواةُ. ابْنُ الأَعرابي: الرِّوَايَةُ عَرْشَ هُوِيَّة، أَراد أُهْوِيَّةٍ، فَلَمَّا سَقَطَتِ الْهَمْزَةُ رُدَّت الضَّمَّةُ إِلَى الْهَاءِ، الْمَعْنَى لَمَّا رأَيت الأَمر مُشْرِفًا عَلَى الْفَوْتِ مَضَيْتُ وَلَمْ أُقم. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِذَا عَرَّسْتم فاجْتَنِبُوا هُوِيَّ الأَرضِ

«4» ؛ هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ جَمْعُ هُوَّة، وَهِيَ الحُفْرة وَالْمُطَمْئِنُ مِنَ الأَرض، وَيُقَالُ لَهَا المَهْواةُ أَيضاً. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ، رضي الله عنها، وَوَصَفَتْ أَباها قَالَتْ: وامْتاحَ مِنَ المَهْواة

،

(3). قوله [وقيل الهوية بئر] أي على وزن فعيلة كما صرح به في التكملة، وضبط الهاء في البيت بالفتح والواو بالكسر. وقوله [طواطي] كذا بالأصل.

(4)

. قوله [هوي الأرض] كذا ضبط في الأصل وبعض نسخ النهاية، وهو بضم فكسر وشد الياء، وفي بعض نسخها بفتحتين.

ص: 374

أَرادت الْبِئْرَ العَمِيقَة أَي أَنه تحَمَّل مَا لَمْ يَتحَمَّل غَيْرُهُ. الأَزهري: أَهْوى اسْمُ مَاءٍ لَبَنِي حِمَّان، وَاسْمُهُ السُّبَيْلةُ، أَتاهم الرَّاعي فَمَنَعُوهُ الوِرْدَ فَقَالَ:

إِنَّ عَلَى أَهْوى لأَلأَمَ حاضِرٍ

حَسَباً، وأَقْبَحَ مَجْلسٍ أَلوانا

قَبَحَ الإِلهُ وَلَا أُحاشي غَيْرَهُمْ،

أَهْلَ السُّبَيْلةِ مِنْ بَني حِمَّانا

وأَهْوى، وسُوقةُ أَهْوى، وَدَارَةُ أَهْوى: مَوْضِعٌ أَو مَواضِعُ، وَالْهَاءُ حَرْفُ هِجَاءٍ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ بَابِ الأَلف اللينة.

هيا: هَيُّ بْنُ بَيّ، وهَيَّانُ بْنُ بَيّانَ: لَا يُعرف هُوَ وَلَا يُعرف أَبوه. يُقَالُ: مَا أَدري أَيُّ هَيِّ بْنِ بَيٍّ هُوَ، مَعْنَاهُ أَي أَيُّ الخَلْقِ هُوَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ فِي النَّسَبِ عَمرو بن الحرثِ بْنِ مُضاض بْنِ هَيِّ بْنِ بَيِّ بْنِ جُرْهُم، وَقِيلَ: هَيَّانُ بْنُ بَيَّانَ، كَمَا تَقُولُ طامِرُ بْنُ طامِر لِمَنْ لَا يُعْرَف وَلَا يُعرف أَبوه، وَقِيلَ: هَيُّ بْنُ بيٍّ كَانَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فَانْقَرَضَ نَسْلُهُ، وَكَذَلِكَ هَيَّانُ بْنَ بَيَّانَ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ هَيُّ بْنُ بَيٍّ، وهَيَّانُ بْنُ بَيَّانَ، وبَيُّ بْنُ بَيٍّ، يُقَالُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ خَسِيساً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

فأَقْعَصَتْهُمْ وحَطَّتْ بَرْكَها بِهِمُ،

وأَعْطَتِ النَّهْبَ هَيَّانَ بنَ بَيَّانِ

وَقَالَ ابْنُ أَبي عُيَيْنَةَ:

بعِرْضٍ مِنْ بَني هَيِّ بْنِ بَيٍّ؛

وأَنْذالِ المَوالي والعَبيدِ

الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ يَا هَيَّ مَا لِي؛ مَعْنَاهُ التَّلَهُّف والأَسى؛ وَمَعْنَاهُ: يَا عَجَبا مَا لِي، وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التَّعَجُّبُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهَا التأَسف عَلَى الشَّيْءِ يَفُوتُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:

يَا هَيَّ مَا لِي: قَلِقَتْ مَحاوِرِي،

وَصَارَ أَشْباهُ الفَغا ضَرائرِي

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ يَا هَيَّ مَا لِي وَيَا هَيَّ مَا أَصحابك، لَا يُهْمَزَانِ، قَالَ: وَمَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ كأَنه قَالَ يَا عَجَبي؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ حُمَيْدٍ الأَرقط:

أَلا هَيَّما. مِمَّا لَقِيتُ وهَيَّما،

ووَيْحاً لمَنْ لَمْ يَدْرِ مَا هُنَّ وَيْحَما

الْكِسَائِيُّ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَن يَتَعَجَّبُ بهَيَّ وفَيَّ وشَيَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ مَا فَيَقُولُ يَا هَيَّما وَيَا شَيَّما وَيَا فَيَّما أَي مَا أَحسن هَذَا، وَقِيلَ: هُوَ تَلَهُّفٌ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

يَا هَيَّ مَا لِي، مَنْ يُعَمَّرْ يُفْنِه

مَرُّ الزَّمانِ عَلَيْهِ والتَّقْلِيبُ

الْفَرَّاءُ: يُقَالُ مَا هَيَّانُ هَذَا أَي مَا أَمْرُه؟ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْعَرَبُ تَقُولُ هَيِّكَ أَي أَسْرِعْ فِيمَا أَنت فِيهِ. وهَيا هَيا: كَلِمَةُ زَجْر للإِبل؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وجُلُّ عِتابِهِنَّ هَيا وهَيْدُ

قَالَ: وهِي وَهَا مِنْ زَجْرِ الإِبل، هَيْهَيْت بِهَا هَيْهاة وهَيْهاء؛ وأَنشد:

مِنْ وَجْسِ هَيْهاءٍ ومِنْ يَهْيائِه

وَقَالَ الْعَجَّاجُ:

هَيْهاتَ مِنْ مُنْخَرَقٍ هَيْهاؤه

قَالَ: وهَيْهاؤه مَعْنَاهُ البُعْدُ وَالشَّيْءُ الَّذِي لَا يُرْجَى. أَبو الْهَيْثَمِ: وَيَقُولُونَ عِنْدَ الإِغراء بِالشَّيْءِ هِي هِي، بِكَسْرِ الْهَاءِ، فإِذا بَنوا مِنْهُ فِعْلًا قَالُوا هَيْهَيْتُ بِهِ أَي أَغْرَيْتُه. وَيَقُولُونَ: هَيَّا هَيَّا أَي أَسْرِعْ إِذا حَدَوْا

ص: 375

بالمَطِيّ؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:

لَتَقْرُبِنَّ قَرَباً جُلْذِيّا

مَا دامَ فِيهِنَّ فَصِيلٌ حَيَّا،

وَقَدْ دَجا الليلُ فَهَيَّا هَيَّا

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: هَاهَ هَاهَ. وَيُحْكَى صَوْتُ الهادِي: هَيْ هَيْ ويَهْ يَهْ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:

يَدْعُو بِهَيْها مِن مُواصلةِ الكَرَى

وَلَوْ قَالَ: بِهَيْ هَيْ، لَجَازَ. وهَيا: مِنْ حُرُوفِ النِّدَاءِ، وأَصلها أَيا مِثْلُ هَراق وأَراق؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فأَصاخَ يَرْجُو أَنْ يكُونَ حَيّاً،

ويقُولُ مِنْ طَرَبٍ: هَيا رَبَّا «1»

الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ لَا تَقُولُ هِيَّاكَ ضَرَبْت وَيَقُولُونَ هِيَّاك وزَيْداً؛ وأَنشد:

يَا خالِ هَلَّا قُلْتَ، إِذْ أَعْطَيْتها:

هِيَّاكَ هِيَّاكَ وحَنْواءَ العُنُقْ

أَعْطَيْتَنِيها فانِياً أَضْراسُها،

لَوْ تُعْلَفُ البَيْضَ بِهِ لَمْ يَنْفَلِقْ

وإِنما يَقُولُونَ هِيَّاك وزَيْداً إِذا نَهَوْكَ، والأَخفش يُجِيزُ هِيَّاكَ ضَرَبْت؛ وأَنشد:

فَهِيَّاكَ والأَمْرَ الَّذِي إِن تَوَسَّعَتْ

مَوارِدُه، ضاقَتْ عَلَيْكَ المَصادِرُ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيَّاك، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ثُمَّ تُبْدَلُ الْهَاءَ مِنْهَا مَفْتُوحَةً أَيضاً فَتَقُولُ هَيَّاكَ. الأَزهري: وَمَعْنَى هِيَّاك إِياك، قُلِبَتِ الْهَمْزَةُ هَاءً. ابْنُ سِيدَهْ: وَمِنْ خَفِيفِ هَذَا الْبَابِ هِي، كِنَايَةٌ عَنِ الْوَاحِدِ الْمُؤَنَّثِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هِيَ أَصلها أَن تَكُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحرف مِثْلَ أَنت، فَيُقَالُ: هِيَّ فَعَلَت ذَلِكَ، وَقَالَ: هِيَّ لُغَةُ هَمْدانَ ومَن فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ، قَالَ: وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ يُخَفِّفُهَا، وَهُوَ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: هِيَ فَعَلت ذَلِكَ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَسد وَقَيْسٍ هِيْ فَعَلَتْ ذَلِكَ، بِإِسْكَانِ الْيَاءِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: بَعْضُهُمْ يُلْقِي الْيَاءَ مِنْ هِيَ إِذا كَانَ قَبْلَهَا أَلف سَاكِنَةٌ فَيَقُولُ حَتَّاه فَعَلَتْ ذَلِكَ، وإنَّماهِ فَعَلَتْ ذَلِكَ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ لَمْ أَسمعهم يُلْقُونَ الياءَ عِنْدَ غَيْرِ الأَلف، إِلا أَنه أَنشدني هُوَ ونُعيم:

دِيارُ سُعْدَى إِذْ هِ مِنْ هَواكا

بِحَذْفِ الْيَاءِ عِنْدَ غَيْرِ الأَلف، وَسَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ فَصْلًا مُسْتَوْفًى فِي تَرْجَمَةِ ها مِنَ الأَلف اللَّيِّنَةِ، قَالَ: وأَما سِيبَوَيْهِ فَجَعَلَ حَذْفَ الْيَاءِ الَّذِي هُنَا ضَرُورَةً؛ وَقَوْلُهُ:

فقُمْتُ للطَّيْفِ مُرْتاعاً وأَرَّقَني

فقُلْتُ: أَهْيَ سَرَتْ أَمْ عادَني حُلُمُ؟

إِنما أَراد هِي سَرَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ أَهِيَ كَقَوْلِكَ بَهِيَ خَفَّفَ، عَلَى قَوْلِهِمْ فِي بَهِيَ بَهْيَ، وَفِي عَلِمَ عَلْمَ، وَتَثْنِيَةُ هِيَ هُما، وَجَمْعُهَا هُنَّ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ جَمْعَ هَا مِنْ قَوْلِكَ رأَيتها، وَجَمْعُ هَا مِنْ قولك مررت بها.

‌فصل الواو

وَأَيَ: الوأْيُ: الوَعْدُ. وَفِي حَدِيثِ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: كَانَ لِي عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَأْيٌ

أَي وَعْدٌ. وَحَدِيثُ

أَبي بَكْرٍ: مَن كَانَ لَهُ عِند رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَأْيٌ فليَحْضُر.

وَقَدْ وَأَى وَأْياً: وَعَدَ. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: مَنْ وأَى لامْرِئٍ بوَأْيٍ فَلْيَفِ بِهِ

،

(1). قوله [فأصاخ يرجو إلخ] قبله كما في حاشية الأمير على المغني: وحديثها كالقطر يسمعه راعي سنين تتابعت جدبا

ص: 376

وأَصْل الوأْي الوَعْدُ الَّذِي يُوَثِّقُه الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ ويَعْزِم عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ. وَفِي حَدِيثِ

وَهْبٍ: قرأْت فِي الْحِكْمَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ إِني قَدْ وَأَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَذْكُرَ مَن ذَكَرني

، عَدَّاه بِعَلَى لأَنه أَعْطاه مَعْنَى جَعلْت عَلَى نَفْسي. ووَأَيتُ لَهُ عَلَى نَفْسِي أَئي وَأْياً: ضَمِنْتُ لَهُ عِدَةً؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

وَمَا خُنْتُ ذَا عَهْد وأَيْتُ بِعَهْدِه،

وَلَمْ أَحْرِمِ المُضْطَرَّ، إِذْ جَاءَ قَانِعًا

وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ وَأَيْتُ لكَ بِهِ عَلَى نَفْسِي وأْياً، والأَمر أَهْ وَالِاثْنَيْنِ «1» أَياه، وَالْجَمْعُ أَوْا، تَقُولُ: أَه وَتَسْكُتُ، وَلَا تَأَهْ وَتَسْكُتُ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ عَهْ وَلَا تَعَهْ، وإِنْ مرَرْتَ قُلْتَ: إِ بِمَا وَعَدْتَ، إِيا بِمَا وَعَدْتُمَا، كَقَوْلِكَ: عِ مَا يَقُولُ لَكَ فِي الْمُرُورِ. والوَأَى مِنَ الدَّوابِّ: السرِيعُ المُشَدَّد الخَلْق، وَفِي التَّهْذِيبِ: الْفَرَسُ السَّريعُ المُقْتَدِر الخَلْق، والنَّجيبةُ مِنَ الإِبل يُقَالُ لَهَا الوآةُ، بِالْهَاءِ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ فِي الوأَى للأَسْعَرِ الجُعْفِيّ:

راحُوا بَصائرُهُمْ عَلَى أَكْتافِهم،

وبَصِيرتي يعْدُو بِهَا عَتِدٌ [عَتَدٌ] وأَى

قَالَ شَمِرٌ: الوأَى الشَّدِيدُ، أُخذ مِنْ قَوْلِهِمْ قِدْرٌ وَئِيَّةٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:

إِذا جاءهُمْ مُسْتَثْئِرٌ، كانَ نَصْرُه

دُعاء أَلا طِيروا بِكُلّ وَأًى نَهْدِ

والأُنثى وآةٌ، وَنَاقَةٌ وَآةٌ؛ وأَنشد:

وَيَقُولُ ناعِتُها إِذا أَعْرَضْتَها:

هذِي الوآةُ كصَخْرَةِ الوَعْلِ

والوأَى: الْحِمَارُ الوَحْشي، زَادَ فِي الصِّحَاحِ: المُقْتَدِر الخَلْقِ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

إِذا انْجابَتِ الظَّلْماء أَضْحَتْ كَأَنَّها

وَأًى مُنْطَوٍ باقِي الثَّمِيلة قارحُ

والأُنثى وَآةٌ أَيضاً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ثُمَّ تُشَبَّهُ بِهِ الْفَرَسُ وَغَيْرُهُ؛ وأَنشد لِشَاعِرٍ:

كُلُّ وآةٍ ووَأًى ضافِي الخُصَلْ،

مُعْتَدِلات فِي الرِّقَاقِ والجَرَلْ

وقِدْرٌ وَأْيةٌ وَوَئيَّةٌ: وَاسِعَةٌ ضَخْمة، عَلَى فَعِيلة بِيَاءَيْنِ، مِنَ الْفَرَسِ الوَآةِ؛ وأَنشد الأَصمعي لِلرَّاعِي:

وقِدْرٍ كَرَأْلِ الصَّحْصَحانِ وَئِيّةٍ

أَنَخْتُ لَها، بَعْدَ الهُدُوِّ، الأَثافِيا

وَهِيَ فَعِيلة مَهْمُوزَةُ الْعَيْنِ مُعْتَلَّةُ اللَّامِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: سأَلته، يَعْنِي الْخَلِيلَ، عَنْ فُعِلَ مِنْ وَأَيْتُ فَقَالَ وُئِيَ، فَقُلْتُ فَمَنْ خفَّف، فَقَالَ أُوِيَ، فأَبدل مِنَ الْوَاوِ هَمْزَةً، وَقَالَ: لَا يَلْتَقِي وَاوَانِ فِي أَوّل الْحَرْفِ، قَالَ الْمَازِنِيُّ: وَالَّذِي قَالَهُ خطأٌ لأَنَّ كُلَّ وَاوٍ مَضْمُومَةٍ فِي أَوَّل الْكَلِمَةِ فأَنت بِالْخِيَارِ، إِن شِئْتَ تَرَكْتَهَا عَلَى حَالِهَا، وإِن شِئْتَ قَلَبْتَهَا هَمْزَةً، فَقُلْتُ وُعِدَ وأُعِدَ ووُجُوه وأُجُوه ووُرِيَ وأُورِيَ ووُئِيَ وأُوِيَ، لَا لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنِينَ وَلَكِنْ لِضَمَّةِ الأَوَّل؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما خطَّأَه الْمَازِنِيُّ مِنْ جِهَةِ أَن الْهَمْزَةَ إِذا خُفِّفَتْ وَقُلِبَتْ وَاوًا فَلَيْسَتْ وَاوًا لَازِمَةً بَلْ قَلْبُهَا عَارِضٌ لَا اعْتِدَادَ بِهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَن يَقْلِبَ الْوَاوَ الأُولى هَمْزَةً، بِخِلَافِ أُوَيْصِل فِي تَصْغِيرِ واصِلٍ، قَالَ: وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ لَا لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنِينَ صَوَابُهُ لَا لِاجْتِمَاعِ الْوَاوَيْنِ. ابْنُ سِيدَهْ: وقِدْرٌ وَأْيةٌ ووَئِيَّةٌ وَاسِعَةٌ، وَكَذَلِكَ القَدح والقَصْعة إِذا كَانَتْ قَعِيرَةً. ابْنُ شُمَيْلٍ: رَكِيَّةٌ وَئية قَعِيرة، وقصعة وئية

(1). قوله [والأَمر أه والاثنين إلى قوله وإن مررت إلخ] كذا بالأصل مرسوماً مضبوطاً والمعروف خلافه.

ص: 377

مُفَلْطَحة وَاسِعَةٌ، وَقِيلَ: قِدر وَئِية تَضُمّ الجَزُور، وَنَاقَةٌ وَئِيَّةٌ ضَخْمَةُ الْبَطْنِ. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: قَالَ الرِّيَاشِيُّ الوَئِيّة الدُّرّة مِثْلُ وَئِية القِدْر، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ يَضْبُطِ الْقُتَيْبِيُّ هَذَا الْحَرْفَ، وَالصَّوَابُ الوَنِيَّة، بِالنُّونِ، الدُّرَّة، وَكَذَلِكَ الوَناةُ وَهِيَ الدُّرَّة الْمَثْقُوبَةُ، وأَما الوَئِيَّةُ فَهِيَ القِدْر الْكَبِيرَةُ. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مِنْ أَمثال الْعَرَبِ فِيمَنْ حَمَّل رَجُلًا مَكْرُوهًا ثُمَّ زَادَهُ أَيضاً: كِفْتٌ إِلى وَئِيَّة؛ قَالَ: الكِفْتُ فِي الأَصل القِدْرُ الصَّغِيرَةُ، والوَئِيّةُ الْكَبِيرَةُ، قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: قِدْر وئِيّةٌ ووَئِيبةٌ، فَمَنْ قَالَ وَئِيَّة فَهِيَ مِنَ الْفَرَسِ الوَأَى وَهُوَ الضَّخم الْوَاسِعُ، وَمَنْ قَالَ وَئِيبةٌ فَهُوَ مِنَ الْحَافِرِ الوَأْب، والقَدَحُ المُقَعَّب يُقَالُ لَهُ وَأْبٌ؛ وأَنشد:

جاءٍ بقِدْر وَأْية التَّصْعِيدِ

قَالَ: وَالِافْتِعَالُ مِنْ وأَى يَئِي اتَّأَى يَتَّئي، فَهُوَ مُتَّئٍ، وَالِاسْتِفْعَالُ مِنْهُ اسْتَوْأَى يَسْتَوئِي فَهُوَ مُسْتَوءٍ. الْجَوْهَرِيُّ: والوَئيَّة الجُوالِقُ الضَّخْمُ؛ قَالَ أَوس:

وحَطَّتْ كَمَا حَطَّتْ وَئِيّةُ تاجِرٍ

وَهَى عَقْدُها، فَارْفَضَّ مِنْهَا الطَّوائِفُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَطَّتِ الناقةُ فِي السَّيْرِ اعتمَدَتْ فِي زِمامِها، وَيُقَالُ مالَتْ، قَالَ: وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنِ الرِّياشي أَن الوَئِيَّةَ فِي الْبَيْتِ الدُّرَّةُ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: شبَّه سُرْعة النَّاقَةِ بسُرعة سُقوط هَذِهِ مِنَ النِّظام، وَقَالَ الأَصمعي: هُوَ عِقْدٌ وقَع مِنْ تَاجِرٍ فَانْقَطَعَ خَيْطُهُ وَانْتَثَرَ مِنْ طَوائِفه أَي نَواحِيه. وقالوا: هُوَ يَئِي ويَعِي أَي يَحْفَظُ، وَلَمْ يَقُولُوا وَأَيْتُ كَمَا قَالُوا وَعَيْتُ، إِنما هُوَ آتٍ لَا مَاضِيَ لَهُ، وامرأَة وَئِيَّةٌ: حَافِظَةٌ لبيتها مصلحة له.

وتي: واتَيْته عَلَى الأَمْر مُواتاةً وَوِتاء: طاوَعْتُه، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْهَمْزِ. التهذيب: الوُتَى الجِيَّات.

وثي: وَثَى بِهِ إِلى السُّلْطَانِ: وَشَى؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

يَجْمَع للرِّعاءِ فِي ثَلاثِ

طُولَ الصِّوَى وقِلَّةَ الإِرْغاثِ،

جَمْعَكَ للمُخاصِمِ المُواثِي

كأَنه جَاءَ عَلَى وَاثَاهُ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا أَثَى. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فإِن كَانَ ابْنُ الأَعرابي سَمِعَ مِنَ الْعَرَبِ وَثَى فَذَلِكَ، وإِلَّا فإِن الشَّاعِرَ إِنما أَراد المُؤاثِي، بِالْهَمْزِ، فَخَفَّفَ الْهَمْزَةَ بأَن قَلَبَهَا وَاوًا لِلضَّمَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وإِن كَانَ ابْنُ الأَعرابي إِنَّمَا اشْتَقَّ وَثَى مِنْ هَذَا فَهُوَ غَلَطٌ. ابْنُ الأَعرابي: الوثِيُّ الْمَكْسُورُ الْيَدِ. وَيُقَالُ: أَوْثَى فُلَانٌ إِذا انْكَسَرَ بِهِ مَرْكَبُهُ مِنْ حَيَوَانٍ أَو سفينة.

وجا: الوَجا: الحَفا، وَقِيلَ: شِدَّة الْحَفَا، وَجِيَ وَجاً وَرَجُلٌ وَجٍ ووَجِيٌّ، وَكَذَلِكَ الدَّابَّةُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

يَنْهَضْنَ نَهْضَ الغائِبِ الوَجِيِ

وجَمْعُها وَجْيَا. وَيُقَالُ: وجِيَتِ الدابةُ تَوْجَى وَجاً، وإِنه ليَتَوَجَّى فِي مشْيته وَهُوَ وَجٍ، وَقِيلَ: الوَجَا قَبْلَ الحَفا ثُمَّ الحَفا ثُمَّ النَّقَبُ، وَقِيلَ: هُوَ أَشدّ مِنَ الحَفا، وتَوَجَّى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ: كَوَجِيَ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الوَجا أَن يَشْتَكِيَ البعيرُ باطِنَ خُفه والفرسُ بَاطِنَ حافِره. أَبو عُبَيْدَةَ: الوَجا قَبلَ الْحَفَا، وَالْحَفَا قَبْلَ النَّقَبِ. ووَجِيَ الْفَرَسُ، بِالْكَسْرِ: وَهُوَ أَن يَجِد وجَعاً فِي حَافِرِهِ، فَهُوَ وَجٍ، والأُنثى وَجْياء، وأَوْجَيْته أَنا وإِنه ليَتَوَجَّى. وَيُقَالُ: تَرَكْتُه وَمَا فِي قَلْبي مِنْهُ أَوْجَى أَي

ص: 378

يَئِست مِنْهُ، وسأَلته فأَوْجَى عَلَيَّ أَي بَخِل. وأَوْجَى الرجلُ: جَاءَ لحاجةٍ أَو صَيْد فَلَمْ يُصِبها كأَوْجأَ، وَقَدْ تقدَّم فِي الْهَمْزِ. وطَلَبَ حَاجَةً فأَوْجَى أَي أَخطأَ؛ وَعَلَى أَحد هَذِهِ الأَشياء يُحْمَلُ قَوْلُ أَبي سَهْم الهُذَلي:

فَجاء، وقَدْ أَوْجَتْ مِنَ المَوْتِ نَفْسُه،

بِهِ خُطَّفٌ قَدْ حذَّرَتْه المَقاعِدُ

وَيُقَالُ: رَمَى الصيدَ فأَوْجَى، وسأَلَ حَاجَةً فأَوْجى أَي أَخْفَقَ. أَبو عَمْرٍو: جَاءَ فُلَانٌ مُوجًى أَي مَرْدُودًا عَنْ حَاجَتِهِ، وَقَدْ أَوْجَيْتُه. وحَفَرَ فأَوْجَى إِذا انْتَهى إِلى صلابةٍ وَلَمْ يُنْبِطْ. وأَوْجَى الصائدُ إِذا أَخْفَقَ وَلَمْ يَصد. وأَوْجَأَتِ الرَّكِيَّةُ وأَوْجَتْ إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَاءٌ. وأَتيْناه فَوَجَيْناه أَي وَجَدْناه وَجِيًّا لَا خَيْرَ عِنْدَهُ. يُقَالُ: أَوْجَتْ نَفْسُه عَنْ كَذَا أَي أَضْرَبَتْ وانتَزَعَت، فَهِيَ مُوجِيةٌ. وَمَاءٌ يُوجَى أَي يَنْقَطِعُ، وَمَاءٌ لَا يُوجَى أَي لَا يَنْقَطِعُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

تُوجَى الأَكُفُّ وهُما يَزِيدانْ

يَقُولُ: يَنْقَطِعُ جُودُ أَكُفِّ الكِرام، وَهَذَا الْمَمْدُوحُ تَزِيدُ كَفَّاه. وأَوجى الرجلَ: أَعطاه؛ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ: وأَوْجاهُ عَنْهُ: دَفَعَه ونَحّاه ورَدَّه. اللَّيْثُ: الإِيجاء أَن تَزْجُرَ الرَّجُلَ عَنِ الأَمر؛ يُقَالُ: أَوْجَيْتُه فرَجَع، قَالَ: والإِيجاء أَن يُسْأَلَ فَلَا يُعْطي السَّائِلَ شَيْئًا؛ وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ مَقْرُومٍ:

أَوْجَيْتُه عَنِّي فأَبْصَرَ قَصْدَهُ،

وكَوَيْتُه فوْقَ النَّواظِرِ مِنْ عَلِ

وأَوْجَيْتُ عَنْكُمْ ظُلْمَ فُلَانٍ أَي دفَعْته؛ وأَنشد:

كأَنَّ أَبي أَوْصَى بِكُمْ أَنْ أَضُمَّكمْ

إِليَّ، وأُوجي عَنْكُمُ كلَّ ظَالِمِ

ابْنُ الأَعرابي: أَوْجى إِذا صَرَفَ صَدِيقَه بِغَيْرِ قَضاء حَاجَتِهِ، وأَوجى أَيضاً إِذا باعَ الأَوْجِيةَ، وَاحِدُهَا وِجاء، وَهِيَ العُكُومُ الصِّغار؛ وأَنشد:

كَفَّاكَ غَيْثانِ عَليْهِمْ جُودانْ،

تُوجَى الأَكفُّ وَهُمَا يزيدانْ

أَي تَنْقَطِعُ. أَبو زَيْدٍ: الوَجْيُ الخَصْيُ. الْفَرَّاءُ: وجَأْتُه ووَجَيْتُه وِجاء. قَالَ: والوِجاءُ فِي غَيْرِ هَذَا وِعاء يُعمل مِنْ جِران الإِبل تَجعل فِيهِ المرأَةُ غِسْلَتها وقُماشَها، وَجَمْعُهُ أَوْجِيَةٌ. والوَجِيَّةُ، بِغَيْرِ هَمْزٍ؛ عَنْ كُرَاعٍ: جَرادٌ يُدَقُّ ثُمَّ يُلَتُّ بِسَمْنٍ أَو زَيْتٍ ثُمَّ يؤْكل؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فإِن كَانَ مِنْ وجَأْت أَي دَقَقْتُ فَلَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَلَا هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وإِن كَانَ مِنْ مَادَّةٍ أُخرى فهو من وج ي، وَلَا يَكُونُ مِنْ وج ولأَن سِيبَوَيْهِ قَدْ نَفَى أَن يَكُونَ فِي الْكَلَامِ مِثْلُ وعوت.

وحي: الوَحْيُ: الإِشارة وَالْكِتَابَةُ والرِّسالة والإِلْهام وَالْكَلَامُ الخَفِيُّ وكلُّ مَا أَلقيته إِلى غَيْرِكَ. يُقَالُ: وحَيْتُ إِليه الكلامَ وأَوْحَيْتُ. ووَحَى وَحْياً وأَوْحَى أَيضاً أَي كَتَبَ؛ قَالَ الْعَجَاجُ:

حَتَّى نَحَاهُمْ جَدُّنا والنَّاحِي

لقَدَرٍ كانَ وحَاه الوَاحِي

بِثَرْمَداء جَهْرَةَ الفِضاحِ «2»

والوَحْيُ: الْمَكْتُوبُ والكِتاب أَيضاً، وَعَلَى ذَلِكَ جَمَعُوا فَقَالُوا وُحِيٌّ مِثْلَ حَلْيٍ وحُلِيٍّ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فمَدافِعُ الرَّيّانِ عُرِّيَ رَسْمُها

خَلَقاً، كَمَا ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها

أَراد مَا يُكتب فِي الْحِجَارَةِ ويُنقش عَلَيْهَا. وَفِي حَدِيثِ

(2). قوله [الفضاح] هو بالضاد معجمة في الأصل هنا والتكملة في ثرمد ووقع تبعاً للأصل هناك بالمهملة خطأ.

ص: 379

الحرث الأَعْوَر: قَالَ عَلْقَمَةُ قرأْتُ القُرآن فِي سَنَتَيْنِ، فَقَالَ الحرثُ: الْقُرْآنُ هَيِّنٌ، الوَحْيُ أَشدُّ مِنْهُ؛ أَراد بِالْقُرْآنِ القِراءة وبالوَحْي الكِتابة والخَطَّ. يُقَالُ: وحَيْتُ الكِتاب وَحْياً، فأَنا واحٍ؛ قَالَ أَبو مُوسَى: كَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْغَافِرِ، قَالَ: وإِنما الْمَفْهُومُ مِنْ كلام الحرث عِنْدَ الأَصحاب شَيْءٌ تَقُولُهُ الشِّيعَةُ أَنه أُوحِيَ إِلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، شيءٌ فخَصَّ بِهِ أَهل الْبَيْتِ. وأَوْحى إِليه: بَعَثه. وأَوْحى إِليه: أَلْهَمَه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ

، وَفِيهِ: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها

؛ أَي إِليها، فَمَعْنَى هَذَا أَمرها، ووَحَى فِي هَذَا الْمَعْنَى؛ قَالَ الْعَجَاجُ:

وحَى لَهَا القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ،

وشَدَّها بالرّاسِياتِ الثُّبَّتِ

وَقِيلَ: أَراد أَوْحى إِلا أَنَّ مِنْ لُغَةِ هَذَا الرَّاجِزِ إِسقاط الْهَمْزَةِ مَعَ الْحَرْفِ، وَيُرْوَى أَوْحى؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ووَحَى فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى كَتَبَ. ووَحَى إِليه وأَوْحَى: كلَّمه بِكَلَامٍ يُخفِيه مِنْ غَيْرِهِ. ووَحى إِليه وأَوْحى: أَوْمَأَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا

؛ وَقَالَ:

فأَوْحَتْ إِلينا والأَنامِلُ رُسْلُها

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ، فَأَوْحى إِلَيْهِمْ*

: أَي أَشار إِليهم، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَوْحى ووَحَى وأَوْمى ووَمى بِمَعْنًى وَاحِدٍ، ووَحى يحِي ووَمى يَمِي. الْكِسَائِيُّ: وَحَيْتُ إِلَيْهِ بِالْكَلَامِ أَحي بِهِ وأَوْحَيْتُه إِليه، وَهُوَ أَن تُكَلِّمَهُ بِكَلَامٍ تُخْفِيهِ مِنْ غَيْرَهُ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

فَقَالَ لَهَا، وقدْ أَوْحَتْ إِليه:

أَلا للهِ أُمُّك مَا تَعِيفُ

أَوحت إِلَيْهِ أَي كَلَّمَتْهُ، وَلَيْسَتِ العَقاة مُتَكَلِّمَةً، إِنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِهِ:

قَدْ قالتِ الأَنْساعُ للبَطْن الحَقي

وَهُوَ بَابٌ وَاسِعٌ، وأَوْحى اللَّهُ إِلَى أَنبيائه. ابْنُ الأَعرابي: أَوْحى الرجلُ إِذا بعَث بِرَسُولٍ ثِقَةٍ إِلَى عَبْدٍ مِنْ عبيدِه ثِقة، وأَوْحى أَيضاً إِذا كَلَّم عبدَه بِلَا رَسُولٍ، وأَوْحى الإِنسانُ إِذا صارَ ملِكاً بَعْدَ فَقْر، وأَوْحى الإِنسانُ ووَحَى وأَحَى إِذا ظَلَمَ فِي سُلْطَانِهِ، واسْتَوْحَيْتُه إِذَا اسْتَفْهَمْته. والوَحْيُ: مَا يُوحِيه اللهُ إِلى أَنْبيائه. ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِمْ: أَنا مُؤْمِنٌ بوَحْيِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِّيَ وَحْياً لأَنَّ الْمَلِكَ أَسَرَّه عَلَى الْخَلْقِ وخَصَّ بِهِ النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، المبعوثَ إِليهِ؛ قَالَ اللَّهُ عز وجل: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً

؛ مَعْنَاهُ يُسِرُّ بعضُهم إِلى بَعْضٍ، فَهَذَا أَصل الْحَرْفِ ثُمَّ قُصِرَ الوَحْيُ للإِلهامِ، وَيَكُونُ للأَمر، وَيَكُونُ للإِشارة؛ قَالَ عَلْقَمَةُ:

يُوحي إِليها بأَنْقاضٍ ونَقْنَقَةٍ

وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي

؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَلْهَمْتُهم كَمَا قَالَ عز وجل: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ

، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْحَيْتُ إِلى الحَوارِيِّين أَمرتهم؛ وَمِثْلُهُ:

وحَى لَهَا القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ

أَي أَمرها، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ

؛ أَتَيْتُهم فِي الوَحْي إِلَيْكَ بالبَراهِين وَالْآيَاتِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى الإِيمان فَآمَنُوا بِي وَبِكَ. قَالَ الأَزهري: وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ

؛ قَالَ: الوَحْيُ هَاهُنَا إِلقاءُ اللهِ فِي قلبِها، قَالَ: وَمَا بَعْدُ هَذَا يَدُلُّ، وَاللَّهُ أَعلم، عَلَى أَنه وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى جِهَةِ الإِعلامِ للضَّمانِ لَهَا: إِنَّا

ص: 380

رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ؛ وَقِيلَ: إنَّ مَعْنَى الوَحْي هَاهُنَا الإِلهام، قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يُلْقِيَ اللَّهُ فِي قَلْبِهَا أَنه مَرْدُودٌ إِلَيْهَا وأَنه يَكُونُ مُرْسَلًا، وَلَكِنَّ الإِعلام أَبين فِي مَعْنَى الْوَحْيِ هَاهُنَا. قَالَ أَبو إسحق: وأَصل الْوَحْيِ فِي اللُّغَةِ كُلِّهَا إِعْلَامٌ فِي خَفاء، وَلِذَلِكَ صَارَ الإِلهام يُسَمَّى وَحْياً؛ قَالَ الأَزهري: وَكَذَلِكَ الإِشارةُ والإِيماءُ يُسَمَّى وَحْياً وَالْكِتَابَةُ تُسَمَّى وَحْيًا. وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ

؛ مَعْنَاهُ إِلَّا أَن يُوحيَ إِليه وَحْياً فيُعْلِمَه بِمَا يَعْلمُ البَشَرُ أَنه أَعْلَمَه، إِما إِلْهَامًا أَو رؤْيا، وَإِمَّا أَن يُنزل عَلَيْهِ كِتَابًا كَمَا أُنزِل عَلَى مُوسَى، أَو قُرْآنًا يُتْلى عَلَيْهِ كَمَا أَنْزَله عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَكُلُّ هَذَا إعْلامٌ وَإِنِ اختلَفت أَسبابُ الإِعلامِ فِيهَا. وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَ

، مِنْ أَوْحَيْتُ، قَالَ: وناسٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ وحَيْتُ إِلَيْهِ ووَحَيْتُ لَهُ وأَوْحَيْتُ إِليه وَلَهُ، قَالَ: وقرأَ جُؤَيَّة الأَسدي

قل أُحِيَ إليَ

مِنْ وحَيْتُ، هَمَزَ الْوَاوَ. ووَحَيْتُ لَكَ بِخَبَرِ كَذَا أَي أَشَرْتُ وصَوَّتُّ بِهِ رُوَيْداً. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: يُقَالُ وَحَيْتُ إِلَى فُلَانٍ أَحي إِلَيْهِ وَحْياً، وأَوْحَيْتُ إِليه أُوحِي إِيحَاءً إِذَا أَشرت إِليه وأَوْمأْتَ، قَالَ: وأَما اللُّغَةُ الْفَاشِيَةُ فِي الْقُرْآنِ فبالأَلف، وأَما فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فوَحَيْتُ إِلَى فُلَانٍ مَشْهُورَةٌ؛ وأَنشد الْعَجَاجُ:

وَحَى لَهَا القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ

أَي وحَى اللهُ تَعَالَى للأَرض بأَن تَقِرَّ قَرَارًا وَلَا تميدَ بأَهلها أَي أَشار إِلَيْهَا بِذَلِكَ، قَالَ: وَيَكُونُ وَحى لَهَا القَرارَ أَي كَتب لَهَا القَرارَ. يُقَالُ: وحَيْتُ الكتابَ أَحِيهِ وَحْياً أَي كَتَبْتُهُ فَهُوَ مَوحِيٌّ. قَالَ رُؤْبَةُ:

إِنْجيلُ تَوْراةٌ وَحى مُنَمْنِمُهْ

أَي كتَبه كاتِبُه. والوَحى: النارُ، وَيُقَالُ للمَلِكِ وَحًى مِنْ هَذَا. قَالَ ثعلب: قلت لابن الأَعرابي مَا الوَحى؟ فَقَالَ: المَلِكُ، فَقُلْتُ: وَلِمَ سُمِّيَ الملِكُ وَحىً؟ فَقَالَ: الوَحى النَّارُ فكأَنه مِثلُ النَّارِ يَنْفَع ويَضُرُّ. والوَحى: السِّيدُ مِنَ الرِّجَالِ؛ قَالَ:

وعَلِمْتُ أَني إِن عَلِقْتُ بحَبْلِه،

نشِبَتْ يَدايَ إِلى وَحًى لَمْ يَصْقَعِ

يُرِيدُ: لَمْ يَذْهَبْ عَنْ طَرِيقِ الْمَكَارِمِ، مُشْتَقٌّ مِنَ الصَّقْع. والوَحْيُ والوَحى مِثْلُ الوَغى: الصَّوْتُ يَكُونُ فِي النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ:

مُرْتَجِز الجَوفِ بوَحْيٍ أَعْجَم

وَسَمِعْتُ وَحاهُ ووَغاه؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

يَذُودُ بسَحْماوَيْن لَمْ يَتَفَلَّلا

وَحى الذئبِ عَنْ طَفْلٍ مَناسِمهُ مُخْلي

وَهَذَا الْبَيْتُ مَذْكُورٌ فِي سَحَمَ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ عَلَى الوَحى الصَّوْتَ لِشَاعِرٍ:

مَنَعْناكُمْ كَراء وجانِبَيْه،

كَمَا مَنَعَ العَرِينُ وَحى اللُّهامِ

وَكَذَلِكَ الوَحاة بِالْهَاءِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

يَحدُو بِهَا كلُّ فَتًى هَيَّاتِ،

تَلْقاهُ بَعْدَ الوَهْنِ ذَا وحاةِ،

وهُنَّ نحوَ البيْتِ عامِداتِ

وَنَصَبَ عَامِدَاتٍ عَلَى الْحَالِ. النَّضْرُ: سَمِعْتُ وَحاةَ الرَّعْد وَهُوَ صَوْتُهُ الْمَمْدُودُ الْخَفِيُّ، قَالَ: والرَّعْدُ يَحي وَحاةً، وَخَصَّ ابْنُ الأَعرابي مَرَّةً بِالْوَحَاةِ صوتَ الطَّائِرِ. والوَحى: العَجَلةُ، يَقُولُونَ: الوَحى الوَحى

ص: 381

والوَحاء الوَحاء يَعْنِي البِدارَ البِدارَ، والوَحاء الوَحاء يَعْنِي الإِسراع، فيمدُّونهما ويَقْصُرونهما إِذا جَمَعُوا بَيْنَهُمَا، فإِذا أَفردوه مَدُّوهُ وَلَمْ يَقْصروه؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:

يَفِيضُ عَنْهُ الرَّبْوُ مِنْ وَحائه

التَّهْذِيبُ: الوَحاء مَمْدُودٌ، السُّرْعة، وَفِي الصِّحَاحِ: يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، وَرُبَّمَا أَدخلوا الْكَافَ مَعَ الأَلف وَاللَّامِ فَقَالُوا الوَحاك الوَحاك، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ النَّجاء النَّجاء والنَّجى النَّجى والنَّجاك النَّجاك والنَّجاءك النَّجاءك. وتَوحَّ يَا هَذَا فِي شأْنك أَي أَسْرِع. ووحَّاه تَوْحِيةً أَي عَجَّله. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِذا أَرَدْتَ أَمراً فتَدَبَّر عاقِبتَه، فإِن كَانَتْ شَرّاً فانْتَهِ، وإِن كَانَتْ خَيْرًا فَتَوَحَّهْ

أَي أَسْرِعْ إِليه، وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ. ووَحَّى فُلَانٌ ذَبِيحَتَهُ إِذا ذَبَحها ذَبْحاً سَرِيعاً وَحِيّاً؛ وَقَالَ الْجَعْدِيُّ:

أَسِيرانِ مَكْبُولانِ عندَ ابنِ جعْفَرٍ،

وآخرُ قَدْ وحَّيْتُمُوه مُشاغِبُ

والوَحِيُّ، عَلَى فَعِيلٍ: السَّريعُ. يُقَالُ: مَوْتٌ وَحِيٌّ. وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ:

الوَحا الوَحا

أَي السُّرْعةَ السُّرعةَ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ. يُقَالُ: تَوَحَّيْتُ تَوَحِّياً إِذا أَسرعت، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الإِغْراء بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ. واسْتَوْحَيْناهم أَي اسْتَصْرَخْناهم. واسْتَوْحِ لَنَا بَنِي فُلَانٍ مَا خَبَرُهم أَي اسْتَخْبِرهم، وَقَدْ وَحى. وتَوَحَّى بِالشَّيْءِ: أَسْرَعَ. وَشَيْءٌ وَحِيٌّ: عَجِلٌ مُسْرِعٌ. واسْتَوْحى الشيءَ: حرَّكه ودَعاه ليُرْسِله. واسْتَوْحَيْتُ الكلبَ واسْتَوْشَيْتُه وآسَدْتُه إِذا دَعَوْتَهُ لِتُرْسِلَهُ. بَعْضُهُمْ: الإِيحاء البُكاء. يُقَالُ: فُلَانٌ يُوحي أَباه أَي يَبْكِيه. والنائحةُ تُوحي الْمَيِّتَ: تَنُوحُ عَلَيْهِ؛ وَقَالَ:

تُوحي بِحالِ أَبيها، وَهُوَ مُتَّكِئٌ

عَلَى سِنانٍ كأَنْفِ النِّسْرِ مَفْتُوقِ

أَي مَحَدِّد. ابْنُ كَثْوَةَ: مِنْ أَمثالهم: إِن مَنْ لَا يَعرِف الوَحى أَحْمَقُ؛ يُقَالُ لِلَّذِي يُتَواحى دُونه بِالشَّيْءِ أَو يُقَالُ عِنْدَ تَعْيِيرِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الوَحى. أَبو زَيْدٍ مِنْ أَمثالهم: وَحْيٌ فِي حجَر؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِمَنْ يَكْتُم سِرَّه، يَقُولُ: الْحَجَرُ لَا يُخْبِر أَحداً بِشَيْءٍ فأَنا مِثْلُهُ لَا أُخبر أَحداً بِشَيْءٍ أَكْتُمُه؛ قَالَ الأَزهري: وَقَدْ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلشَّيْءِ الظَّاهِرِ الْبَيِّنِ. يُقَالُ: هُوَ كالوَحْي فِي الْحَجَرِ إِذا نُقِرَ فِيهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:

كالوَحْي فِي حَجَرِ المَسيل المُخْلِدِ

وخي: الوَخْي: الطريقُ المُعْتَمد، وَقِيلَ: هُوَ الطَّرِيقُ الْقَاصِدُ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ الْقَصْدُ؛ وأَنشد:

فقلتُ: وَيْحَكَ أَبْصِرْ أَين وَخْيُهُمُو

فَقَالَ: قَدْ طَلَعُوا الأَجْمادَ واقْتَحَمُوا

وَالْجَمْعُ وُخِيٌّ ووِخِيٌّ، فإِن كَانَ ثَعْلَبٌ عَنَى بالوَخْي القَصْدَ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ فَلَا جَمْعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ إِنما عَنَى الوَخْيَ الَّذِي هُوَ الطَّرِيقُ الْقَاصِدُ فَهُوَ صَحِيحٌ لأَنه اسْمٌ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: وَخى يَخي وَخْياً إِذا تَوَجَّه لِوَجْهٍ؛ وأَنشد الأَصمعي:

قالتْ وَلَمْ تَقْصِدْ لَهُ وَلَمْ تَخِهْ

أَي لَمْ تَتَحَرَّ فِيهِ الصَّوَابَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والتَّوَخِّي بِمَعْنَى التَّحَري لِلْحَقِّ مأْخوذ مِنْ هَذَا. وَيُقَالُ: تَوَخَّيْتُ مَحَبَّتَك أَي تَحَرَّيْتُ، وَرُبَّمَا قُلِبَتِ الْوَاوُ أَلفاً فَقِيلَ تأَخَّيْت. وَقَالَ اللَّيْثُ: تَوَخَّيْت أَمر كَذَا أَي تيَمَّمْتُه، وإِذا قُلْتَ وَخَّيْتُ فُلَانًا لأَمر كَذَا

ص: 382

عَدَّيت الْفِعْلَ إِلى غَيْرِهِ. ووَخَى الأَمْرَ: قصَدَه؛ قَالَ:

قالتْ وَلَمْ تَقْصِدْ بِهِ وَلَمْ تَخِهْ:

مَا بالُ شَيْخٍ آضَ منْ تَشَيُّخِهْ،

كالكُرَّزِ المَرْبُوطِ بينَ أَفْرُخِهْ؟

وتَوخَّاه: كوَخاه. وَقَدْ وخَيْتُ غَيْرِي، وَقَدْ وخَيْتُ وَخْيَكَ أَي قَصَدْتُ قَصْدَكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

قَالَ لَهُمَا اذْهَبا فتَوَخَّيا واستَهِما

أَي اقْصِدا الحَقَّ فِيمَا تَصْنَعانِه مِنَ القِسمة، ولْيأْخذْ كلٌّ مِنْكُمَا مَا تُخْرِجُهُ القُرْعة مِنَ القِسمة. يُقَالُ: تَوَخَّيْتُ الشَّيْءَ أَتَوَخَّاه تَوخِّياً إِذا قَصَدْتَ إِليه وتَعَمَّدْت فِعلَه وتحَرَّيْت فِيهِ. وَهَذَا وَخْيُ أَهْلِك أَي سَمْتُهم حَيْثُ سارُوا. وَمَا أَدري أَين وَخَى فُلَانٌ أَي أَينَ تَوجَّهَ. الأَزهري: سَمِعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ الْفُصَحَاءِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ إِذا أَرشده لصَوْب بَلَدٍ يأْتَمُّه: أَلا وخُذْ عَلَى سَمْت هَذَا الوَخْي أَي عَلَى هَذَا القَصْدِ والصَّوْبِ. قَالَ: وَقَالَ النَّضْرُ اسْتَوْخَيْتُ فُلَانًا عَنْ مَوْضِعِ كَذَا إِذَا سأَلته عَنْ قَصْدِه؛ وأَنشد:

أَما مِنْ جَنُوبٍ تُذْهِبُ الغِلَّ طَلَّةٍ

يَمانِيةٍ مِنْ نَحْو رَيّا، وَلَا رَكْب

يَمانِينَ نَسْتَوخِيهمُ عَنْ بِلادِنا

عَلَى قُلُصٍ، تَدْمى أَخِشَّتُها الحُدْب

وَيُقَالُ: عرفتُ وَخى الْقَوْمِ وخِيَّتَهم وأَمَّهم وإمَّتَهم أَي قَصْدَهم. ووَخَت النَّاقَةُ تَخي وَخْياً: سَارَتْ سَيْرًا قَصْداً؛ وَقَالَ:

افْرُغْ لأَمثالِ مِعًى أُلَّافِ

يَتْبَعْنَ وَخْيَ عَيْهَلٍ نِيافِ،

وهْيَ إِذَا مَا ضَمَّها إِيجَافِي

وَذَكَرَ ابْنُ بَرِّيٍّ عَنْ أَبي عَمْرٍو: الوَخْيُ حُسْنُ صَوْتِ مَشْيِها. وَوَاخَاهُ: لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ فِي آخَاهُ، يُبْنَى عَلَى تَواخى. وتَوخَّيْتُ مَرْضاتَك أَي تحرَّيْت وقصدْت. وَتَقُولُ: استَوْخِ لَنَا بَنِي فُلَانٍ مَا خَبَرُهم أَي استَخْبِرْهم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا الْحَرْفُ هَكَذَا رَوَاهُ أَبو سَعِيدٍ بِالْخَاءِ مُعْجَمَةً؛ وأَنشد: الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ صَلَخَ:

لَوْ أَبْصَرَتْ أَبْكَمَ أَعْمى أَصْلَخا

إِذاً لَسَمَّى، واهْتَدى أَنَّى وَخَى

أَي أَنَّى تَوَجَّهَ. يُقَالُ: وَخى يَخي وَخْياً، وَاللَّهُ أَعلم.

ودي: الدِّيةُ: حَقُّ القَتِيل، وَقَدْ ودَيْتُه وَدْياً. الْجَوْهَرِيُّ: الدِّيةُ وَاحِدَةُ الدِّيات، والهاءُ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ، تَقُولُ: ودَيْتُ القَتِيلَ أَدِيه دِيةً إِذا أَعطيت دِيَتَه، واتَّدَيْتُ أَي أَخذتُ دِيَتَه، وإِذا أَمرت مِنْهُ قُلْتَ: دِ فُلَانًا وَلِلِاثْنَيْنِ دِيا، وَلِلْجَمَاعَةِ دُوا فُلَانًا. وَفِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ:

فوَداه مِنْ إِبل الصَّدَقَةِ أَي أَعطى دِيَته.

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

إِن أَحَبُّوا قادُوا وإِن أَحَبُّوا وادُوا

أَي إِن شاؤوا اقتَصُّوا، وإِن شاؤوا أَخَذوا الدِّية، وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الدِّيَةِ. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ وَدَى فُلَانٌ فُلَانًا إِذا أَدَّى دِيَتَهُ إِلى وَلِيِّهِ. وأَصل الدِّيَّة وِدْية فَحُذِفَتِ الْوَاوُ، كَمَا قَالُوا شِيةٌ مِنَ الوَشْي. ابْنُ سِيدَهْ: وَدَى الفرسُ والحِمارُ وَدْياً أَدْلى ليَبُول أَو ليَضْرِبَ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَدَى لِيَبُولَ وأَدْلى ليَضْرب، زَادَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا تَقُلْ أَوْدى، وَقِيلَ: وَدَى قطرَ. الأَزهري: الْكِسَائِيُّ وَدَأَ الفرسُ يَدَأُ بِوَزْنِ وَدَعَ يَدَعُ إِذا أَدلى، قَالَ: وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ هَذَا وهَمٌ، لَيْسَ فِي وَدَأَ الفرسُ إِذا أَدْلى هَمْزٌ. وَقَالَ شَمِرٌ: وَدى الفَرسُ

ص: 383

إِذا أَخرج جُرْدانَه. وَيُقَالُ: وَدى يَدي إِذا انْتَشَرَ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: سَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ إِنِّي أَخاف أَن يَدي، قَالَ: يُرِيدُ أَن يَنْتَشِرَ مَا عِنْدَكَ، قَالَ: يُرِيدُ ذَكَرَهُ. وَقَالَ شَمِرٌ: وَدى أَي سَالَ، قَالَ: وَمِنْهُ الوَدْيُ فِيمَا أُرى لخُروجه وسَيَلانِه، قَالَ: وَمِنْهُ الْوَادِي. وَيُقَالُ: وَدَى الحِمارُ فَهُوَ وادٍ إِذَا أَنْعَظَ؛ وَيُقَالُ: وَدَى بِمَعْنَى قَطَر مِنْهُ الْمَاءُ عِنْدَ الإِنْعاظِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي تَهْذِيبِ غَرِيبِ الْمُصَنَّفِ لِلتَّبْرِيزِيِّ وَدَى وَدْياً أَدْلى ليَبُوكَ، بِالْكَافِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْغَرِيبِ. ابْنُ سِيدَهْ: والوَدْيُ والوَدِيُّ، وَالتَّخْفِيفُ أَفصح، الماءُ الرقيقُ الأَبيضُ الَّذِي يَخرج فِي إِثْرِ الْبَوْلِ، وَخَصَّصَ الأَزهري فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ أَبيض رَقِيقًا عَلَى إِثر الْبَوْلِ مِنَ الإِنسان. قَالَ ابْنُ الأَنباري: الوَدْيُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ بَعْدَ الْبَوْلِ إِذا كَانَ قَدْ جَامَعَ قَبْلَ ذَلِكَ أَو نَظَرَ، يُقَالُ مِنْهُ: وَدى يَدي وأَوْدى يُودي، والأَول أَجود؛ قَالَ: والمَذْيُ مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ عِنْدَ النَّظَرِ يُقَالُ: مَذى يَمْذي وأَمْذى يُمْذي. وَفِي حَدِيثِ

مَا يَنْقُضُ الوضوءَ ذِكْرُ الْوَدِيِّ

، بِسُكُونِ الدَّالِ وَبِكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، البلَل اللّزِجُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الذَّكَرِ بَعْدَ الْبَوْلِ، يُقَالُ وَدى وَلَا يُقَالُ أَوْدى، وَقِيلَ: التَّشْدِيدُ أَصح وأَفصح مِنَ السُّكُونِ. ووَدى الشيءُ وَدْياً: سَالَ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي للأَغلب:

كأَنَّ عِرْقَ أَيْرِه، إِذا وَدَى،

حَبْلُ عَجُوزٍ ضَفرَتْ سَبْع قُوى

التَّهْذِيبُ: المَذِيُّ والمَنِيُّ والوَدِيُّ مشدداتٌ، وَقِيلَ تُخَفَّفُ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: المَنِيُّ وَحْدَهُ مُشَدَّدٌ وَالْآخَرَانِ مُخَفَّفَانِ، قَالَ: وَلَا أَعلمني سَمِعْتُ التَّخْفِيفَ فِي المَنِيّ. الْفَرَّاءُ: أَمْنى الرَّجُلُ وأَوْدى وأَمْذى ومَذى وأَدْلى الحِمارُ، وَقَالَ: وَدى يَدي مِنَ الوَدْيِ وَدْياً، وَيُقَالُ: أَوْدى الحِمارُ فِي مَعْنَى أَدْلى، وَقَالَ: وَدى أَكثر مِنْ أَوْدى، قَالَ: ورأَيت لِبَعْضِهِمُ استَوْدى فُلَانٌ بحَقِّي أَي أَقَرَّ بِهِ وعَرَفه؛ قَالَ أَبو خَيْرَةَ:

ومُمَدَّحٍ بالمَكْرُماتِ مَدَحْتُه

فاهْتَزَّ، واستَودى بِهَا فحَباني

قَالَ: وَلَا أَعرفه إِلا أَن يَكُونَ مِنَ الدِّية، كأَنه جَعل حِباءَه لَهُ عَلَى مَدْحِه دِيةً لَهَا. وَالْوَادِي: مَعْرُوفٌ، وَرُبَّمَا اكْتَفَوْا بِالْكَسْرَةِ عَنِ الْيَاءِ كَمَا قَالَ:

قَرْقَرَ قُمْرُ الوادِ بالشاهِقِ

ابْنُ سِيدَهْ: الْوَادِي كُلُّ مَفْرَج بَيْنَ الجبالِ والتِّلال والإِكام، سُمِّيَ بِذَلِكَ لسَيَلانه، يَكُونُ مَسْلَكاً لِلسَّيْلِ ومَنْفَذاً؛ قَالَ أَبو الرُّبَيْس التغلَبيّ:

لَا صُلْح بَيْنِي، فاعْلَمُوه، وَلَا

بَيْنَكُم مَا حَمَلَتْ عاتِقي

سَيْفِي، وَمَا كُنَّا بِنَجْدٍ، وَمَا

قَرْقَرَ قُمْرُ الوادِ بالشَّاهِقِ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَذَفَ لأَن الْحَرْفَ لَمَّا ضَعُفَ عَنْ تَحَمُّلِ الْحَرَكَةِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْدِرْ أَن يَتَحَامَلَ بِنَفْسِهِ دَعا إِلى اخْتِرَامِهِ وَحَذْفِهِ، وَالْجَمْعُ الأَوْدِيةُ، وَمِثْلُهُ نادٍ وأَنْدِيةٌ للمَجالس. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الوادِي يُجْمَعُ أَوْداء عَلَى أَفْعالٍ مِثْلَ صاحبٍ وأَصْحابٍ، أَسدية، وطيء تَقُولُ أَوداهٌ عَلَى الْقَلْبِ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:

وعارَضَتْها، مِنَ الأَوْداهِ، أَوْدِيةٌ

قَفْرٌ تُجَزِّعُ مِنْهَا الضَّخْمَ وَالشِّعْبَا «3»

(3). قوله [والشعبا] كذا بالأَصل.

ص: 384

وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

فَلولا أَنْتَ قَدْ قَطَعَتْ رِكابي،

مِنَ الأَوْداهِ، أَودِيةً قِفارا

وَقَالَ جَرِيرٌ:

عَرَفْت ببُرقةِ الأَوْداهِ رَسماً مُحِيلًا،

طالَ عَهْدُكَ منْ رُسُوم

الْجَوْهَرِيُّ: الْجَمْعُ أَوْدِيةٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كأَنه جَمْعُ وَدِيٍّ مِثْلُ سَرِيٍّ وأَسْريِةٍ للنَّهْر؛ وَقَوْلُ الأَعشى:

سِهامَ يَثْرِبَ، أَوْ سِهامَ الْوَادِي

يَعْنِي وَادِيَ القُرى؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُ إِنْشَادِهِ بِكَمَالِهِ:

مَنَعَتْ قِياسُ الماسِخِيَّةِ رَأْسَه

بسهامِ يَثْرِبَ، أَوْ سِهامِ الوادِي

وَيُرْوَى: أَو سهامِ بِلَادِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ. وَقَوْلُهُ عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ

؛ لَيْسَ يَعْنِي أُوْدِيةَ الأَرض إِنما هُوَ مَثَلٌ لشِعرهم وقَولِهم، كَمَا نَقُولُ: أَنا لكَ فِي وادٍ وأَنت لِي فِي وادٍ؛ يُرِيدُ أَنا لَكَ فِي وادٍ مِنَ النَّفْع أَي صِنف مِنَ النَّفْعِ كَثِيرٍ وأَنت لِي فِي مِثْلِهِ، وَالْمَعْنَى أَنهم يَقُولُونَ فِي الذَّمِّ وَيَكْذِبُونَ فيَمدحون الرَّجُلَ ويَسِمُونه بِمَا لَيْسَ فِيهِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى عز وجل الشُّعَرَاءَ الَّذِينَ مَدَحُوا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَرَدُّوا هِجاءه وهِجاء الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً؛ أَي لَمْ يَشغَلْهم الشِّعر عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ هِمَّتَهُمْ، وإِنما ناضَلُوا عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، بأَيديهم وأَلسنتهم فهجَوْا مَنْ يَسْتَحِقُّ الهِجاء وأَحَقُّ الخَلْق بِهِ مَنْ كَذَّبَ بِرَسُولِهِ، صلى الله عليه وسلم، وهَجاه؛ وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَن الَّذِي عَنَى عز وجل بِذَلِكَ عبدُ اللَّهِ بنُ رَواحةَ وكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنصاريون، رضي الله عنهم، وَالْجَمْعُ أَوْداء وأَوْدِيةٌ وأَوْدايةٌ؛ قَالَ:

وأَقْطَع الأَبْحُر والأَوْدايَهْ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ والأَواديه، قَالَ: وَهُوَ تَصْحِيفٌ لأَن قَبْلَهُ:

أَما تَرَيْنِي رَجُلًا دِعْكايَهْ

ووَدَيْتُ الأَمْرَ وَدْياً: قَرَّبْتُه. وأَوْدَى الرجلُ: هَلَكَ، فَهُوَ مُودٍ؛ قَالَ عَتَّاب بْنُ وَرْقاء:

أَوْدَى بِلُقْمانَ، وَقَدْ نالَ المُنَى

فِي العُمْرِ، حَتَّى ذاقَ مِنه مَا اتَّقَى

وأَوْدَى بِهِ المَنُون أَي أَهْلَكه، وَاسْمُ الهَلاكِ مِنْ ذَلِكَ الوَدَى، قَالَ: وقلَّما يُستعمل، وَالْمَصْدَرُ الْحَقِيقِيُّ الإِيداء. وَيُقَالُ: أَوْدَى بِالشَّيْءِ ذهَب بِهِ؛ قَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:

أَوْدَى ابنُ جُلْهُمَ عَبَّادٌ بِصِرْمَتِه،

إِنَّ ابنَ جُلْهُمَ أَمْسى حَيَّةَ الوادِي

وَيُقَالُ: أَوْدَى بِهِ العُمْرُ أَي ذهَب بِهِ وطالَ؛ قَالَ المَرَّار بْنُ سَعِيدٍ:

وإِنَّما لِيَ يَوْمٌ لَسْتُ سابِقَه

حَتَّى يجيءَ، وإِنْ أَوْدَى بِهِ العُمُرُ

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَوْفٍ:

وأَوْدَى سَمْعُه إِلا نِدايا

أَوْدَى أَي هلَك، وَيُرِيدُ بِهِ صَمَمَه وذَهابَ سَمْعِه. وأَوْدَى بِهِ الموتُ: ذهَب؛ قَالَ الأَعشى:

فإِمَّا تَرَيْنِي ولِي لِمَّةٌ،

فإِنَّ الحَوادِثَ أَوْدَى بِهَا

أَراد: أَوْدَتْ بِهَا، فذكَّر على إِرادة الحيوان «1»

(1). قوله [الحيوان] كذا بالأَصل.

ص: 385

والوَدَى، مَقْصُورٌ: الهَلاكُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ. والوَدِيُّ عَلَى فَعِيل: فَسِيلُ النَّخْلِ وصِغاره، وَاحِدَتُهَا ودِيَّة، وَقِيلَ: تُجْمَعُ الوَدِيَّةُ وَدايا؛ قَالَ الأَنصاري:

نَحْنُ بِغَرْسِ الوَدِيِّ أَعْلَمُنا

مِنَّا برَكْضِ الجِيادِ فِي السُّلَفِ

وَفِي حَدِيثِ

طَهْفَة: ماتَ الوَدِيُ

أَي يَبِسَ مِنْ شِدَّةِ الجَدْب والقَحْط. وَفِي حَدِيثِ

أَبي هُرَيْرَةَ: لَمْ يَشْغَلْنِي عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، غَرْسُ الوَدِيِّ.

والتَّوادِي: الخَشَباتُ الَّتِي تُصَرُّ بِهَا أَطْباءُ النَّاقَةِ وتُشَدُّ عَلَى أَخْلافِها إِذا صُرَّت لِئَلَّا يَرْضَعها الفَصِيل؛ قَالَ جَرِيرٌ:

وأَطْرافُ التَّوادِي كُرومُها

وَقَالَ الرَّاجِزُ:

يَحْمِلْنَ، فِي سَحْقٍ مِنَ الخِفافِ،

تَوادِياً شُوبِهْنَ مِنْ خِلافِ «1»

وَاحِدَتُهَا تَوْدِيةٌ، وَهُوَ اسْمٌ كالتَّنْهِيةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فإِنْ أَوْدَى ثُعالةُ، ذاتَ يَوْمٍ،

بِتَوْدِيةٍ أُعِدّ لَه ذِيارا

وَقَدْ وَدَيْتُ الناقةَ بتَوْدِيَتَينِ أَي صَرَرْتُ أَخلافها بِهِمَا، وَقَدْ شَدَّدَتْ عَلَيْهَا التَّوْدية. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْدَى إِذا كَانَ كامِل السِّلاح؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ:

مُودِينَ يَحْمُونَ السَّبِيلَ السَّابِلا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهُوَ غَلَطٌ وَلَيْسَ مِنْ أَوْدَى، وإِنما هُوَ مِنْ آدَى إِذا كَانَ ذَا أَداةٍ وقُوَّة مِنَ السلاح.

وذي: ابْنُ الأَعرابي: هُوَ الوَذْيُ والوَذِيُّ، وَقَدْ أَوْذَى ووَذِيَ «2» وَهُوَ المَنْيُ والمَنِيُّ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَوحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلى مُوسَى، عليه السلام، وَعَلَى نَبِيُّنَا، صلى الله عليه وسلم، أَمِنْ أَجل دُنْيا دَنِيَّةٍ وشَهْوةٍ وَذِيَّة

؛ قَوْلُهُ: وذِيَّة أَي حَقِيرَةٍ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الْكِلَابِيِّينَ يَقُولُ أَصْبَحَتْ وَلَيْسَ بِهَا وَحْصةٌ وَلَيْسَ بِهَا وَذْيةٌ أَي بَرْدٌ، يَعْنِي الْبِلَادَ والأَيام. الْمُحْكَمُ: مَا بِهِ وَذْيةٌ إِذا بَرأَ مِنْ مَرَضِهِ أَي مَا بِهِ دَاءٌ. التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي مَا بِهِ وَذيةٌ، بِالتَّسْكِينِ، وَهُوَ مِثْلُ حَزَّة، وَقِيلَ: مَا بِهِ وَذْيةٌ أَي مَا بِهِ عِلَّةٌ، وَقِيلَ: أَي مَا بِهِ عَيْبٌ، وَقَالَ: الوُذِيُّ هِيَ الخُدُوش. ابْنُ السِّكِّيتِ: قَالَتِ الْعَامِرِيَّةُ مَا بِهِ وَذْيةٌ أَي لَيْسَ بِهِ جِراحٌ.

وري: الوَرْيُ: قَيْح يَكُونُ فِي الجَوف، وَقِيلَ: الوَرْي قَرْحٌ شَدِيدٌ يُقاء مِنْهُ القَيْح والدَّمُ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْعَرَبِ: مَا لَهُ وَراه اللَّهُ أَي رَماه اللَّهُ بِذَلِكَ الدَّاءِ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ للبَغِيض إِذا سَعَلَ: وَرْياً وقُحاباً، وَلِلْحَبِيبِ إِذا عَطَس: رَعْياً وشَبَاباً. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: لأَن يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكم قَيْحاً حَتَّى يَرِيَه خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَن يَمْتَلِئَ شِعْراً

؛ قَالَ الأَصمعي: قَوْلُهُ حَتَّى يَرِيَه هُوَ مِنَ الوَرْي عَلَى مِثَالِ الرَّمْي، يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ مَوْرِيٌّ، غَيْرُ مَهْمُوزٍ، وَهُوَ أَن يَدْوَى جَوْفُه؛ وأَنشد:

قَالَتْ لَهُ وَرْياً إِذا تَنَحْنَحا «3»

(1). قوله [شوبهن] كذا في الأصل، وتقدم في مادة خلف: سوّين، من التسوية.

(2)

. قوله [ووذي] كذا ضبط في الأَصل بكسر الذال، ولعله بفتحها كنظائره.

(3)

. قوله [تنحنحا] كذا بالأصل وشرح القاموس، والذي في غير نسخة من الصحاح: تنحنح.

ص: 386

تَدْعُو عَلَيْهِ بالوَرْي. وَيُقَالُ: وَرَّى الجُرْحُ سائرَه تَوْرِيةً أَصابه الوَرْيُ؛ وَقَالَ الفرَّاء: هُوَ الوَرَى، بِفَتْحِ الرَّاءِ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ بِالسُّكُونِ الْمَصْدَرُ وَبِالْفَتْحِ الِاسْمُ؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرَى القَيْحُ جَوْفَه يَرِيه وَرْياً أَكَله، وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُ حَتَّى يُصِيب رِئَته، وأَنكره غَيْرُهُمْ لأَن الرِّئَةَ مَهْمُوزَةٌ، فإِذا بَنَيْتَ مِنْهُ فِعلًا قُلْتَ: رَآهُ يَرْآه فَهُوَ مَرْئِيٌّ. وَقَالَ الأَزهري: إِنَّ الرِّئَةَ أَصلها مِنْ وَرَى وَهِيَ مَحْذُوفَةٌ مِنْهُ. يُقَالُ: وَرَيْت الرَّجُلَ فَهُوَ مَوْرِيٌّ إِذا أَصبت رِئته، قَالَ: وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْهَمْزُ؛ وأَنشد الأَصمعي لِلْعَجَّاجِ يَصِفُ الجِراحات:

بَينَ الطِّراقَيْنِ ويَفْلِينَ الشَّعَرْ

عَنْ قُلُبٍ ضُجْمٍ تُوَرِّي مَن سَبَرْ

كأَنه يُعْدِي مِنْ عِظَمِه ونُفور النَّفْسِ مِنْهُ، يَقُولُ: إِنْ سَبَرها إِنسان أَصابَه مِنْهُ الوَرْيُ مِنْ شدَّتها، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي الوَرْي مِثْلَهُ إِلا أَنه قَالَ: هُوَ أَن يأْكل القيحُ جوفَه؛ قال: وَقَالَ عَبْدُ بَنِي الحَسْحاس يَذْكُرُ النِّسَاءَ:

وَراهُنَّ رَبِّي مِثلَ مَا قَدْ وَرَينَني،

وأَحْمَى عَلَى أَكْبادِهِنَّ المَكاوِيا

وَقَالَ ابْنُ جَبَلَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تُوَرِّي مَنْ سَبَرَ، قَالَ: مَعْنَى تُوَرِّي تَدفَع، يَقُولُ: لَا يَرى فِيهِ عِلاجاً مِنْ هَوْلِها فيَمْنَعه ذَلِكَ مِنْ دَوَائِهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الفَرزدق:

فَلَوْ كنتَ صُلْبَ العُودِ أَو ذَا حَفِيظَةٍ،

لَوَرَّيْتَ عَنْ مَوْلاكَ والليلُ مُظْلِمُ

يَقُولُ: نَصَرْتَه ودفعتَ عَنْهُ، وَتَقُولُ مِنْهُ: رِ يَا رَجُلُ، وَريا لِلِاثْنَيْنِ، ورُوا لِلْجَمَاعَةِ، وللمرأَة رِي وَهِيَ يَاءُ ضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ مِثْلُ قَوْمِي واقْعُدِي، وللمرأَتين: رِيا، وَلِلنِّسْوَةِ: رِينَ، وَالِاسْمُ الوَرَى، بِالتَّحْرِيكِ. ووَرَيْته وَرْياً: أَصبت رِئَتَهُ، وَالرِّئَةُ مَحْذُوفَةٌ مِنْ وَرَى. وَالْوَارِيَةُ سَائِصَةٌ «1» دَاءٌ يأْخذ فِي الرِّئَةِ، يأْخذ مِنْهُ السُّعال فيَقْتُل صاحِبَه، قَالَ: وَلَيْسَا مِنْ لَفْظِ الرِّئَةِ. ووَراهُ الدَّاءُ: أَصابه. وَيُقَالُ: وُرِيَ الرجلُ فَهُوَ مَوْرُوٌّ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مَوْرِيٌّ. وَقَوْلُهُمْ: بِهِ الوَرَى وحُمَّى خَيْبرا وشَرُّ مَا يُرَى فإِنه خَيْسَرَى، إِنما قَالُوا الوَرَى عَلَى الإِتباع، وَقِيلَ: إِنما هُوَ بفِيه البَرَى أَي التُّرَابُ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

هَلُمَّ إِلى أُمَية، إِنَّ فِيهَا

شِفاء الوارِياتِ منَ الغَلِيلِ

وعمَّ بِهَا فَقَالَ: هِيَ الأَدْواء. التَّهْذِيبُ: الوَرَى دَاءٌ يُصِيب الرَّجُلَ وَالْبَعِيرَ فِي أَجوافهما، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، يُقَالُ: سلَّط اللَّهُ عَلَيْهِ الوَرى وحُمَّى خَيْبرا وشَرَّ مَا يُرَى فإِنه خَيْسَرَى؛ وخَيْسَرَى: فَيْعَلى مِنَ الخُسْران، وَرَوَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ خَنْسَرَى، بِالنُّونِ، مِنَ الخَناسِير وَهِيَ الدَّواهي. قَالَ الأَصمعي: وأَبو عَمْرٍو لَا يَعْرِفُ الوَرَى مِنَ الدَّاءِ، بِفَتْحِ الرَّاءِ، إِنما هُوَ الوَرْيُ بإِسكان الرَّاءِ فصُرِف إِلى الوَرَى. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الوَرْيُ الْمَصْدَرُ، والوَرَى بِفَتْحِ الرَّاءِ الِاسْمُ. التَّهْذِيبُ: الوَرَى شَرَقٌ يَقَعُ فِي قَصَبةِ الرِّئتين فَيَقْتُله «2» أَبو زَيْدٍ: رَجُلٌ مَوْرِيٌّ، وَهُوَ دَاءٌ يأْخذ الرَّجُلَ فيَسْعُلُ، يأْخذه فِي قَصَبِ رِئته. وَوَرَتِ الإِبلُ وَرْياً: سَمِنَتْ فَكَثُرَ شَحْمُهَا ونِقْيها وأَوْراها السِّمَن؛ وأَنشد أَبو حَنِيفَةَ:

وكانَتْ كِنازَ اللحمِ أَورَى عِظامَها،

بِوَهْبِينَ، آثارُ العِهادِ البَواكِر

وَالَوَارِي: الشَّحْمُ السَّمينُ، صِفَةٌ غَالِبَةٌ، وهو الوَرِيُّ.

(1). قوله [والوارية سائصة] كذا بالأصل، وعبارة شارح القاموس: والوارية داء.

(2)

. قوله فيقتله: أي فيقتل من أصيب بالشرق.

ص: 387

والوارِي: السَّمِينُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ وأَنشد شَمِرٌ لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ يَصِفُ قِدْراً:

ودَهْماءَ، فِي عُرْضِ الرُّواقِ، مُناخةٍ

كَثيرةِ وذْرِ اللحمِ وارِيةِ القَلْبِ

قَالَ: قَلْبٌ وارٍ إِذا تَغَشَّى بِالشَّحْمِ والسِّمَن. ولَحْمٌ وَرِيٌّ، عَلَى فَعِيل، أَي سَمِينٌ. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رضي الله عنه: أَنَّ امرأَة شَكَتْ إِليه كُدُوحاً فِي ذِراعَيها مِنِ احْتراشِ الضِّبابِ، فَقَالَ: لَوْ أَخذتِ الضَّبَّ فَوَرَّيْتِه ثُمَّ دَعَوْتِ بِمِكْتَفَةٍ فَثَمَلْتِه كَانَ أَشْبَعَ

؛ وَرَّيْتِه أَي رَوَّغْتِه فِي الدُّهن، مِنْ قَوْلِكَ لَحْمٌ وارٍ أَي سَمِينٌ. وَفِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ:

وَفِي الشَّويِّ الوَرِيِّ مُسِنَّةٌ

، فَعِيل بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَوَرَتِ النارُ تَرِي وَرْياً ورِيةً حسَنَةً، وَوَرِيَ الزَّنْدُ يَرِي، وَوَرَى يَرِي ويَوْرَى وَرْياً ووُرِيّاً ورِيةً، وَهُوَ وارٍ ووَرِيٌّ: اتَّقَد؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَجَدْنا زَنْدَ جَدِّهمِ ورِيّاً،

وزَنْدَ بَنِي هَوازِنَ غَيرَ وارِي

وأَنشد أَبو الْهَيْثَمِ:

أُمُّ الهُنَيْنَين مِنْ زَنْدٍ لَهَا وارِي

وأَوْرَيْتُه أَنا، وَكَذَلِكَ وَرَّيْتُه تَوْرِيةً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:

وأَطْفِ حَدِيثَ السُّوء بالصَّمْتِ، إِنَّه

مَتَى تُورِ نَارًا للعِتاب تَأَجَّجَا

وَيُقَالُ: وَرِيَ المُخُّ يَرِي إِذا اكْتَنَزَ وناقةٌ وارِيةٌ أَي سمِينة؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

يأْكُلْنَ مِن لَحْمِ السَّدِيفِ الْوَارِي

كَذَا أَورده الْجَوْهَرِيُّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالَّذِي فِي شِعْرِ الْعَجَّاجِ:

وانْهَمَّ هامُومُ السَدِيفِ الْوَارِي

عَنْ جَرَزٍ مِنْهُ وجَوْزٍ عَارِي

وَقَالُوا: هُو أَوْراهُمْ زَنْداً؛ يَضْرِبُ مَثَلًا لنَجاحه وظَفَره. يُقَالُ: إِنه لوارِي الزِّنادِ وَوَارِي الزَّنْد وورِيُّ الزَّنْدِ إِذا رامَ أَمراً أَنجَحَ فِيهِ وأَدرَكَ مَا طَلب. أَبو الْهَيْثَمِ: أَوْرَيْتُ الزِّنادَ فوَرَتْ تَرِي وَرْياً وَرِيةً؛ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ وَرِيَتْ تَوْرَى وَرْياً وَرِيةً، وأَوْرَيْتُها أَنا أَثْقَبْتُها. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: ورَتِ الزنادُ إِذا خَرَجَتْ نَارُهَا، ووَرِيَتْ صَارَتْ وارِيةً، وَقَالَ مرَّة: الرِّيةُ كلُّ مَا أَوْرَيْتَ بِهِ النَّارُ مِنْ خِرْقة أَو عُطْبةٍ أَو قِشْرةٍ، وَحُكِيَ: ابْغِنِي رِيَّةً أَرِي بِهَا نَارِي، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْقَلْبِ عَنْ وِرْيةٍ وإِنْ لَمْ نَسْمَعْ بوِرْيةٍ. وَفِي حَدِيثُ

تَزْوِيجِ خَدِيجَةَ، رضي الله عنها: نَفَخْتَ فأَوْرَيْتَ

؛ ورَى الزَّندُ: خَرَجَتْ نارُه، وأَوْراه غَيْرُهُ إِذا اسْتَخْرَجَ نارَه. والزَّنْدُ الْوَارِي: الَّذِي تَظْهَرُ نَارُهُ سَرِيعًا. قَالَ الْحَرْبِيُّ: كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُولَ قدَحْتَ فأَوْرَيْت. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: حَتَّى أَوْرَى قَبَساً لقابِسٍ

أَي أَظْهَرَ نُوراً مِنَ الْحَقِّ لِطَالِبِ الهُدى. وَفِي حَدِيثِ فَتْحِ أَصْبهانَ:

تَبْعَثُ إِلى أَهل البصرة فيُوَرُّوا

؛ قال: هو مِنْ وَرَّيْت النَّارَ تَوْرِيةً إِذا اسْتَخْرَجْتَهَا. قَالَ: واسْتَوْرَيْتُ فُلَانًا رأْياً سأَلته أَن يَسْتَخْرِجَ لِي رأْياً، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ من التَّوْرِية عَنِ الشَّيْءِ، وَهُوَ الْكِنَايَةُ عَنْهُ، وَفُلَانٌ يَسْتَوْرِي زنادَ الضلالةِ. وأَوْرَيْتُ صَدره عَلَيْهِ: أَوْقَدْتُه وأَحقَدْته. وَرِيةُ النَّارِ، مُخَفَّفَةٌ: مَا تُورى بِهِ، عُوداً كَانَ أَو غَيْرَهُ: أَبو الْهَيْثَمِ: الرِّيةُ مِنْ قَوْلِكَ ورَتِ النارُ تَري وَرْياً

ص: 388

ورِيةً مِثْلَ وعَتْ تَعِي وَعْياً وعِيةً، ووَدَيْتُه أَدِيه وَدْياً ودِيةً، قَالَ: وأَوْرَيْتُ النَّارَ أُورِيها إِيراء فَوَرَت تَري ووَرِيَتْ تَرِي، وَيُقَالُ: وَرِيَتْ تَوْرَى؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ يَصِفُ أَرضاً جَدْبة لَا نبات فِيهَا:

كظَهْرِ اللأَى لَوْ تَبْتَغِي رِيَّةً بِهَا،

لعَيَّتْ وشَقَّتْ فِي بُطون الشَّواجنِ

أَي هَذِهِ الصَّحْراء كَظَهْرِ بَقَرَةٍ وَحْشِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا أَكَمَة وَلَا وَهْدة، وَقَالَ ابْنُ بُزُرْج: مَا تُثْقب بِهِ النَّارُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: جَعَلَهَا ثَقُوباً مِنْ حَثًى أَو رَوْثٍ أَو ضَرَمةٍ أَو حَشِيشة يَابِسَةٍ؛ التَّهْذِيبُ: وأَما قَوْلُ لَبِيدٌ:

تَسْلُبُ الكانِسَ لمْ يُورَ بِهَا

شُعْبةُ الساقِ، إِذا الظِّلُّ عَقَلْ

رُوِيَ: لَمْ يُورَ بِهَا وَلَمْ يُورَأْ بِهَا وَلَمْ يُوأَرْ بِهَا، فَمَنْ رَوَاهُ لَمْ يُورَ بِهَا فَمَعْنَاهُ لَمْ يَشْعُرْ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَمْ يُورَأْ بِهَا، قَالَ: ورَيْته وأَوْرَأْته إِذا أَعْلَمْته، وأَصله مِنْ وَرَى الزَّنْدُ إِذا ظَهَرَتْ نارُها كأَنَّ نَاقَتَهُ لَمْ تُضِئْ لِلظَّبْيِ الْكَانِسِ وَلَمْ تَبِنْ له فيَشْعُر بها لسُرْعَتِها حَتَّى انْتَهَت إِلى كِناسه فنَدَّ مِنْهَا جافِلًا، قَالَ: وأَنشدني بَعْضُهُمْ:

دَعاني فلمْ أُورَأْ بِهِ فأَجَبْتُه،

فمَدَّ بثَدْيٍ بَيْننا غَير أَقْطَعا

أَي دَعاني وَلَمْ أَشْعُرْ بِهِ، وَمَنْ رَوَاهُ وَلَمْ يُوأَرْ بِهَا فَهِيَ مِنْ أُوارِ الشَّمْسِ، وَهُوَ شدَّة حرِّها، فقَلَبه وَهُوَ مِنَ التَّنْفِيرِ. والتَّوْراةُ عِنْدَ أَبي الْعَبَّاسِ تَفْعِلةٌ، وَعِنْدَ الْفَارِسِيِّ فَوْعلة، قَالَ: لِقِلَّةِ تَفْعِلة فِي الأَسماء وَكَثْرَةِ فَوْعلة. ووَرَّيْتُ الشيءَ ووَارَيْتُه: أَخْفَيْتُه. وتَوارى هُوَ: اسْتَتَرَ. الْفَرَّاءُ فِي كِتَابِهِ فِي الْمَصَادِرِ: التَّوْراةُ مِنَ الْفِعْلِ التَّفْعِلة؛ كأَنها أُخِذَتْ مِنْ أَوْرَيْتُ الزِّناد وورَّيْتُها، فَتَكُونُ تَفْعِلة في لغة طيِء لأَنهم يَقُولُونَ فِي التَّوْصِية تَوْصاةٌ وَلِلْجَارِيَةِ جاراةٌ وللناصِيةِ ناصاةٌ، وَقَالَ أَبو إِسْحَقَ فِي التَّوراة: قَالَ الْبَصْرِيُّونَ تَوْراةٌ أَصلها فَوْعَلةٌ، وَفَوْعَلَةٌ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ مِثْلُ الحَوْصلة والدَّوْخلة، وكلُّ مَا قُلْت فِيهِ فَوْعَلْتُ فَمَصْدَرُهُ فَوْعلةٌ، فالأَصل عِنْدَهُمْ وَوْراةٌ، وَلَكِنَّ الْوَاوَ الأُولى قُلِبَتْ تَاءً كَمَا قُلِبَتْ فِي تَوْلَج وإِنما هُوَ فَوْعَل مَنْ وَلَجْت، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. واسْتَوْرَيْتُ فُلَانًا رَأْياً أَي طلبتُ إِليه أَن يَنْظُرَ فِي أَمري فيَستخرج رَأْياً أَمضي عَلَيْهِ. ووَرَّيْتُ الخَبر: جَعَلْتُهُ وَرَائِي وسَتَرْته؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ وَرَاءَ لأَن لَامَ وَرَاءَ هَمْزَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، كَانَ إِذا أَراد سَفَراً ورَّى بغَيْرِه

أَي سَتَرَه وكَنى عَنْهُ وأَوْهَمَ أَنه يُرِيدُ غَيْرَهُ، وأَصله مِنَ الْوَرَاءِ أَي أَلقَى البَيانَ وراءَ ظَهْرِهِ. وَيُقَالُ: وارَيْته ووَرَّيْتُه بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَا وُورِيَ عَنْهُما

؛ أَي سُتِرَ عَلَى فُوعِلَ، وقرئَ:

وُرِّي عَنْهُمَا

، بِمَعْنَاهُ. ووَرَّيْتُ الْخَبَرَ أُوَرِّيه تَوْرِيةً إِذا سَتَرْتَهُ وأَظهرت غَيْرَهُ، كأَنه مأْخوذ مِنْ وَراء الإِنسان لأَنه إِذا قَالَ وَرَّيته فكأَنه يَجْعَلُهُ وَرَاءَهُ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ. والوَرِيُّ: الضَّيْفُ. وَفُلَانٌ وَرِيُّ فُلَانٍ أَي جارَه الَّذِي تُوارِيه بيُوته وَتَسْتُرُهُ؛ قَالَ الأَعشى:

وتَشُدُّ عَقْدَ وَرِيِّنا

عَقْدَ الحِبَجْرِ عَلَى الغِفارَهْ

قَالَ: سُمِّيَ وَرِيّاً لأَن بَيْتَهُ يُوارِيه. ووَرَّيْتُ عَنْهُ: أَرَدْتُه وأَظهرت غَيْرَهُ، وأَرَّيت لُغَةٌ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي

ص: 389

مَوْضِعِهِ. والتَّوْرِيةُ: السَّتْرُ. والتَّرِيَّةُ: اسْمُ مَا تَراه الْحَائِضُ عِنْدَ الِاغْتِسَالِ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْخَفِيُّ الْيَسِيرُ، وَهُوَ أَقل مِنَ الصُّفْرة والكُدرة، وَهُوَ عِنْدَ أَبي عَلِيٍّ فَعِيلة مِنْ هَذَا لأَنها كأَنَّ الحيضَ وارَى بِهَا عَنْ مَنْظَره العَيْن، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ ورَى الزندُ إِذا أَخرج النارَ، كأَن الطُّهر أَخرجها وأَظْهَرها بعد ما كَانَ أَخْفاها الحَيْضُ. ووَرَّى عَنْهُ بصَرَه ودَفَع عَنْهُ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

وكُنْتُمْ كأُمٍّ بَرّةٍ ظَعَنَ ابنُها

إِليها، فَمَا وَرَّتْ عليهِ بساعِدِ

ومِسْكٌ وارٍ: جَيِّدٌ رفِيع؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

تُعَلُّ بالجادِيِّ والمِسْكِ الوارْ

والوَرَى: الخَلْق. تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا أَدري أَيُّ الوَرَى هُوَ أَي أَيُّ الْخَلْقِ هُوَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وكائنْ ذَعَرْنا مِن مَهاةٍ ورامحٍ،

بِلادُ الوَرَى ليستْ لَهُ ببِلادِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ جِنِّي لَا يُسْتَعْمَلُ الوَرَى إِلَّا فِي النَّفْيِ، وإِنما سَوَّغ لِذِي الرُّمَّةِ اسْتِعْمَالَهُ وَاجِبًا لأَنه فِي الْمَعْنَى مَنْفِيٌّ كأَنه قَالَ لَيْسَتْ بِلادُ الوَرَى لَهُ بِبِلاد. الْجَوْهَرِيُّ: ووَراء بِمَعْنَى خَلْف، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى قُدَّام، وَهُوَ مِنَ الأَضداد. قَالَ الأَخفش: لَقِيتُه مِنْ وَراءُ فَتَرْفَعُهُ عَلَى الْغَايَةِ إِذا كَانَ غَيْرَ مُضَافٍ تَجْعَلُهُ اسْمًا، وَهُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، كَقَوْلِكَ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ؛ وأَنشد لعُتَيِّ بْنِ مَالِكٍ العُقَيْلي:

أَبا مُدْرِك، إِنَّ الهَوَى يومَ عاقِلٍ

دَعاني، وَمَا لِي أَنْ أُجِيبَ عَزاءُ

وإِنَّ مُرورِي جانِباً ثُمَّ لَا أَرى

أُجِيبُكَ إِلَّا مُعْرِضاً لَجَفاءُ

وإِنَّ اجتِماعَ الناسِ عندِي وعندَها،

إِذا جئتُ يَوْماً زَائِرًا، لَبَلاءُ

إِذا أَنا لَمْ أُومَنْ عليكَ، وَلَمْ يَكُنْ

لِقاؤُكَ إِلَّا مِنْ وَراءُ وراءُ

وَقَوْلُهُمْ: وراءَكَ أَوسَعُ، نُصِبَ بِالْفِعْلِ المقدَّر وَهُوَ تأَخَّرْ. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ

؛ أَي أَمامَهم؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ سَوَّار بْنِ المُضَرِّب:

أَيَرْجُو بَنُو مَرْوانَ سَمْعي وطاعَتي،

وقَوْمِي تَمِيمٌ والفَلاةُ وَرائيا؟

وَقَوْلُ لَبِيدٍ:

أَليسَ وَرائي، إِنْ تَراخَتْ مَنِيَّتي،

لزُومُ العَصا تُثْنى عَلَيْهَا الأَصابِعُ؟

وَقَالَ مُرَقَّشٌ:

ليسَ عَلَى طُولِ الحَياةِ نَدَم،

ومِنْ وراءِ المَرْءِ مَا يَعْلَم

أَي قُدَّامُه الشّيْبُ والهَرَمُ؛ وَقَالَ جَرِيرٌ:

أَتُوعِدُني وَرَاءَ بَني رَباحٍ؟

كَذَبْتَ، لَتَقْصُرَنَّ يَدَاكَ دُونِي

قَالَ: وَقَدْ جَاءَتْ وَرا مَقْصُورَةً فِي الشِّعْرِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

تَقاذَفَه الرُّوَّادُ، حَتَّى رَمَوْا بِهِ

ورَا طَرَفِ الشامِ البِلادَ الأَباعِدا

أَراد وَراءَ، وَتَصْغِيرُهَا وُرَيِّئَةٌ، بِالْهَاءِ، وَهِيَ شَاذَّةٌ. وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ:

يَقُولُ إِبراهيمُ إِنِّي كنتُ خَليلًا مِنْ وَراءَ وَرَاءَ

؛ هَكَذَا يُرْوَى مَبْنِيًّا عَلَى الْفَتْحِ، أَي مِنْ خَلف حِجابٍ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ

مَعْقِل: أَنه حدَّث ابنَ زِياد بِحَدِيثٍ فَقَالَ أَشيءٌ سمعتَه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، أَو مِن وَراءَ وَراءَ

أَي

ص: 390

مِمَّنْ جاءَ خَلْفَه وبعدَه. والوَراءُ أَيضاً: وَلَدُ الْوَلَدِ. وَفِي حَدِيثِ

الشَّعْبِيِّ: أَنه قَالَ لِرَجُلٍ رأَى مَعَهُ صَبِيًّا هَذَا ابْنُكَ؟ قَالَ: ابْنُ ابْنِي، قَالَ: هُوَ ابنُك مِنَ الوَراء

؛ يُقَالُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ: الوَراءُ، وَاللَّهُ أَعلم.

وزي: وزَى الشيءُ يَزِي: اجتَمع وتَقَبَّض. والوَزَى: مِنْ أَسماءِ الْحِمَارِ المِصَكِّ الشَّدِيد. ابْنُ سِيدَهْ: الوَزَى الْحِمَارُ النَّشِيطُ الشَّدِيدُ. وحِمارٌ وَزًى: مِصكٌّ شَدِيدٌ. والوَزى: القًصِيرُ مِنَ الرِّجَالِ الشَّدِيدُ المُلَزَّزُ الخَلْقِ الْمُقْتَدِرُ؛ وَقَالَ الأَغلب الْعِجْلِيُّ:

قَدْ أَبْصَرَتْ سَجاحِ مِنْ بَعْدِ العَمَى،

تاحَ لَهَا بَعْدَكَ خِنْزابٌ وَزَى

مُلَوَّحٌ فِي العينِ مَجْلُوزُ القَرَا

والمُسْتَوْزِي: المُنْتَصِب المُرْتَفِع. واسْتَوْزَى الشيءُ: انْتَصَب. يُقَالُ: مَا لِي أَراكَ مُسْتَوزِياً أَي مُنتصباً؛ قَالَ تَمِيم بْنُ مُقْبِل يَصِفُ فَرَسًا لَهُ:

ذَعَرْتُ بِهِ العَيْرَ مُسْتَوْزِياً،

شَكِيرُ جَحافِلِه قَدْ كَتِنْ

وأَوْزَى ظَهْرَه إِلى الْحَائِطِ: أَسْنَدَه؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْهُذَلِيِّ:

لَعَمْرُ أَبي عَمْروٍ لَقَدْ ساقَه المَنَى

إِلى جَدَثٍ يُوزَى لَه بِالأَهاضِبِ

وعَيْرٌ مُسْتَوزٍ: نافِرٌ؛ وأَنشد بَيْتَ تَمِيمِ بْنِ مُقْبِلٍ:

ذَعرت بِهِ العَير مُسْتَوْزِيًا

وفي النَّوَادِرِ: اسْتَوْزَى فِي الْجَبَلِ وَاسْتَوْلَى أَي أَسْنَد فِيهِ. وَيُقَالُ: أَوْزَيْتُ ظَهْرِي إِلى الشيءِ أَسْنَدْته. وَيُقَالُ: أَوْزَيْته أَشْخَصْتُه ونَصَبْتُه؛ وأَنشد بَيْتَ الْهُذَلِيِّ: إِلى جَدَثٍ يُوزَى لَهُ بالأَهاضب يقال: وَزَى فُلاناً الأَمْرُ أَي غاظَه، ووَزاه الحَسَدُ؛ قَالَ يَزِيد بْنُ الْحَكَمِ:

إِذا سافَ مِنْ أَعْيارِ صَيْفٍ مَصامةً،

وزَاهُ نَشِيجٌ، عِنْدَها، وشَهِيقُ

التَّهْذِيبُ: والوَزَى الطُّيُورُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنها جَمْعُ وَزٍّ وَهُوَ طَيْرُ الماءِ. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، عَنْ بَيْع النَّخْل حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ وَحَتَّى يُوزَنَ.

قَالَ أَبو البَخْتَرِيّ: فَوازَيْنا العَدُوَّ وصافَفْناهُم؛ المُوازاةُ: المُقابلة والمُواجَهةُ، قَالَ: والأَصل فِيهِ الْهَمْزَةُ، يُقَالُ آزَيْته إِذا حاذَيْتَه؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا تَقُلْ وازَيْته، وَغَيْرُهُ أَجازه عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ وَقَلْبِهَا، قَالَ: وَهَذَا إِنما يَصِحُّ إِذا انْفَتَحَتْ وَانْضَمَّ مَا قَبْلَهَا نَحْوُ جُؤَن وسُؤَال، فَيَصِحُّ فِي المُوازاة وَلَا يَصِحُّ فِي وَازَيْنَا إِلَّا أَن يَكُونَ قَبْلَهَا ضَمَّةٌ مِنْ كَلِمَةٍ أُخرى كقراءَة أَبي عَمْرٍو: السُّفهاءُ وَلَا إِنَّهم. ووَزَأَ اللحمَ وَزْءاً: أَيْبَسَه، ذَكَرَهُ فِي الْهَمْزَةِ، وَاللَّهُ أَعلم.

وسي: الوَسْيُ: الحَلْق. أَوْسَيتُ الشيءَ: حَلَقْته بالمُوسى. ووَسَى رأْسَه وأَوْساه إِذا حَلَقَه. والمُوسَى: مَا يُحْلَقُ بِهِ، مَن جَعَلَهُ فُعْلى قَالَ يُذَكَّر ويؤَنث، وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: هِيَ فُعْلى وَتُؤَنَّثُ؛ وأَنشد لِزِيَادٍ الأَعجم يَهْجُو خَالِدَ بْنَ عَتَّاب:

فإِن تَكُنِ الْمُوسَى جَرَتْ فوقَ بَظْرِها،

فَمَا خُتِنَتْ إِلا ومَصَّانُ قاعِدُ «3»

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قول الوَضَّاح بن إِسمعيل:

مَن مُبْلِغُ الحَجَّاج عَنِّي رِسالةً:

فإِن شئتَ فاقْطَعْني كما قُطِعَ السَّلى،

(3). قوله [بظرها] وقوله [ختنت] ما هنا هو الموافق لما في مادة مصص، ووقع في مادة موس: بطنها ووضعت.

ص: 391

وإِن شئتَ فاقْتُلْنا بمُوسى رَمِيضةٍ

جَمِيعًا، فَقَطِّعْنا بِهَا عُقَدَ العُرا

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ: هُوَ مُذَكَّرٌ لَا غَيْرُ، يُقَالُ: هَذَا مُوسَى كَمَا تَرَى، وَهُوَ مُفْعَلٌ مِنْ أَوْسَيْت رأْسَه إِذا حَلَقْتَه بالمُوسى؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وَلَمْ نَسْمَعِ التَّذْكِيرَ فِيهِ إِلا مِنَ الأُمَويّ، وَجَمْعُ مُوسى الْحَدِيدِ مَواسٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

شَرابُه كالحَزِّ بالمَواسي

ومُوسى: اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: هُوَ مُفْعَلٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنه يَصْرِفُ فِي النَّكِرَةِ، وفُعْلى لَا يَنْصَرِفُ عَلَى حَالٍ، ولأَن مُفْعَلًا أَكثر مِنْ فُعْلى لأَنه يُبْنَى مِنْ كُلِّ أَفعلت، وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ هُوَ فَعَلَى وَالنِّسْبَةُ إِليه مُوسَويٌّ ومُوسيٌّ، فِيمَنْ قَالَ يَمَنيٌّ. والوَسْيُ: الِاسْتِوَاءُ. وواساهُ: لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ فِي آسَاهُ، يُبْنَى عَلَى يُواسي. وَقَدِ اسْتَوْسَيْتُه أَي قُلْتُ لَهُ وَاسِنِي، والله أَعلم.

وشي: الْجَوْهَرِيُّ: الوَشْيُ مِنَ الثِّيَابِ مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ وِشاء عَلَى فَعْلٍ وفِعالٍ. ابْنُ سِيدَهْ: الوَشْيُ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ يَكُونُ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ؛ قَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:

حَمَتْها رِماحُ الحَرْبِ، حَتَّى تَهَوَّلَت

بِزاهِرِ نَوْرٍ مِثْلِ وَشْي النَّمارِقِ

يَعْنِي جَمِيعَ أَلوان الوَشْي. والوَشْيُ فِي اللَّوْنِ: خَلْطُ لوْنٍ بِلَوْنٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْكَلَامِ. يُقَالُ: وشَيْتُ الثوبَ أَشِيهِ وَشْياً وشِيَةً ووَشَّيْتُه تَوْشِيةً، شدِّد لِلْكَثْرَةِ، فَهُوَ مَوْشِيٌّ ومُوَشًّى، وَالنِّسْبَةُ إِليه وَشَوِيٌّ، تَرُدُّ إِليه الْوَاوَ وَهُوَ فَاءُ الْفِعْلِ وَتَتْرُكُ الشِّينَ مَفْتُوحًا؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَقَالَ الأَخفش الْقِيَاسُ تَسْكِينُ الشِّينِ، وإِذا أَمرت مِنْهُ قُلْتَ شِهْ، بِهَاءٍ تُدْخِلُهَا عَلَيْهِ لأَن الْعَرَبَ لَا تَنْطِقُ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ أَن أَقلَّ مَا يَحْتَاجُ إِليه الْبِنَاءُ حَرْفان: حَرْفٌ يُبْتَدأُ بِهِ، وَحَرْفٌ يُوقَف عَلَيْهِ، وَالْحَرْفُ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ ابْتِدَاءً وَوَقْفًا، لأَن هَذِهِ حَرَكَةٌ وَذَلِكَ سُكُونٌ وَهُمَا مُتَضَادَّانِ، فإِذا وَصَلَتْ بِشَيْءٍ ذَهَبَتِ الْهَاءُ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا. والحائكُ واشٍ يَشي الثَّوْبَ وَشْياً أَي نسْجاً وتأْليفاً. ووَشى الثوبَ وَشْياً وشِيةً: حَسَّنَه. ووَشَّاه: نَمْنَمَه ونَقَشَه وحَسَّنه، ووَشى الكَذِبَ والحديثَ: رَقَمَه وصَوَّرَه. والنَّمَّامُ يَشي الكذبَ: يُؤَلِّفُه ويُلَوِّنه ويُزَيِّنه. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ وَشى كلامَه: أَي كَذَبَ. والشِّيةُ: سوادٌ فِي بَيَاضٍ أَو بَيَاضٌ فِي سَوَادٍ. الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: الشِّيةُ كلُّ لَوْنٍ يُخَالِفُ مُعظم لَوْنِ الْفَرَسِ وَغَيْرِهِ، وأَصله مِنَ الوَشْي، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ الذَّاهِبَةِ مِنْ أَوله كالزِّنة وَالْوَزْنِ، وَالْجَمْعُ شِياتٌ. وَيُقَالُ: ثَوْرٌ أَشْيَهُ كَمَا يُقَالُ فَرَسٌ أَبْلَقُ وتَيْسٌ أَذْرَأُ. ابْنُ سِيدَهْ: الشِّيةُ كلُّ مَا خالَف اللَّوْنَ مِنْ جَمِيعِ الْجَسَدِ وَفِي جَمِيعِ الدَّوَابِّ، وَقِيلَ: شِيةُ الْفَرَسِ لوْنُه. وَفَرَسٌ حَسَنُ الأُشِيِّ أَي الغُرَّة وَالتَّحْجِيلِ، هَمْزَتَهُ بَدَلٌ مِنْ واوِ وُشِيٍّ؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ ونَدَّرَه. وتَوَشَّى فِيهِ الشَّيْبُ: ظَهرَ فِيهِ كالشِّيةِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

حَتَّى تَوَشَّى فِيَّ وَضَّاحٌ وَقَلْ

وقَلٌ مُتَوَقِّلٌ. وإِن اللَّيْلَ طَويلٌ وَلَا أَشِ شِيَتَه وَلَا إِشِ شِيَتَهُ أَي لَا أَسهره لِلْفِكْرِ وَتَدْبِيرِ مَا أُريد أَن أُدبره فِيهِ، مَنْ وشَيْتُ الثَّوْبَ، أَو يَكُونُ مِنْ مَعْرِفَتِكَ بِمَا يَجْرِي فِيهِ لِسَهَرِكَ فَتُرَاقِبُ نُجُومَهُ، وَهُوَ عَلَى الدُّعَاءِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف صِيغَةَ إِشِ وَلَا وَجْهَ تَصْرِيفِهَا. وَثَوْرٌ مُوَشَّى القوائِم: فِيهِ سُعْفةٌ وَبَيَاضٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَا شِيَةَ فِيها

؛ أَي لَيْسَ

ص: 392

فِيهَا لوْنٌ يُخالِفُ سَائِرَ لَوْنِهَا. وأَوْشَتِ الأَرْضُ: خَرَجَ أَولُ نَبْتِهَا، وأَوْشَتِ النَّخْلَةُ: خَرَجَ أَولُ رُطَبها، وَفِيهَا وَشْيٌ مِنْ طَلْعٍ أَي قَلِيلٌ. ابْنُ الأَعرابي: أَوْشَى إِذا كَثُرَ مَالُهُ، وَهُوَ الوَشاءُ والمَشاء وأَوْشَى الرجلُ وأَفْشى وأَمْشى: كَثُرَتْ ماشِيَتُه. ووَشْيُ السِّيفِ: فِرِنْدُه الَّذِي فِي مَتْنِهِ، وكلُّ ذَلِكَ مِنَ الوَشْي الْمَعْرُوفِ. وحَجَرٌ بِهِ وَشَيٌ أَي حَجَرٌ مِنْ مَعْدِنٍ فِيهِ ذَهَبَ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

وَمَا هِبْرِزيٌّ مِنْ دَنانير أَيْلةٍ،

بأَيدي الوُشاةِ، ناصِعٌ يَتأَكَّلُ،

بأَحْسَن مِنْهُ يَوْمَ أَصْبَحَ غادِياً،

ونَفَّسَني فِيهِ الحِمامُ المُعَجَّلُ

قَالَ: الوُشاةُ الضَّرَّابونَ، يَعْنِي ضُرَّاب الذَّهَبِ، ونَفَّسني فِيهِ: رَغَّبني. وأَوْشى المَعْدِنُ واسْتَوْشى: وُجد فِيهِ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ ذَهَبٍ. والوَشاء: تَناسل المالِ وَكَثْرَتُهُ كالمَشاء والفَشاء. قَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ فَعالٌ مِنَ الوَشْيِ، كأَن الْمَالَ عِنْدَهُمْ زِينةٌ وجَمال لَهُمْ كَمَا يُلْبَس الوَشْي لِلتَّحَسُّنِ بِهِ. والواشِيةُ: الكثيرةُ الْوَلَدِ، يُقَالُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يَلِد، وَالرَّجُلُ واشٍ. ووَشى بَنُو فُلَانٍ وَشْياً: كَثُرُوا وَمَا وَشَتْ هَذِهِ الماشِيةُ عِنْدِي بِشَيْءٍ أَي مَا وَلدَت. ووَشى بِهِ وَشْياً ووِشايةً: نَمَّ بِهِ. وَوَشى بِهِ إِلى السُّلْطَانِ وِشايةً أَي سَعى. وَفِي حَدِيثِ

عفِيف: خَرَجْنا نَشي بسعدٍ إِلى عُمَرَ

؛ هُوَ مِنْ وَشى إِذا نَمَّ عَلَيْهِ وَسَعى بِهِ، وَهُوَ واشٍ، وَجَمْعُهُ وُشاةٌ، قَالَ: وأَصله اسْتِخْراج الحديثِ باللُّطْفِ وَالسُّؤَالِ. وَفِي حَدِيثِ الإِفك:

كَانَ يَسْتَوْشِيه ويَجْمَعُه

أَي يَسْتَخْرِجُ الْحَدِيثَ بِالْبَحْثِ عَنْهُ. وَفِي حَدِيثُ

الزُّهْرِيِّ: أَنه كَانَ يَسْتَوْشي الْحَدِيثَ.

وَفِي حَدِيثِ

عُمَر، رضي الله عنه، والمرأَةِ الْعَجُوزِ: أَجاءَتْني النَّآئِدُ إِلى اسْتِيشاء الأَباعِد

أَي أَلجأَتْني الدَّوَاهِي إِلى مسأَلةِ الأَباعِدِ وَاسْتِخْرَاجِ مَا فِي أَيديهم. والوَشْيُ فِي الصَّوْتِ. وَالْوَاشِي والوَشَّاءُ: النَّمَّام. وأْتشى العظمُ: جَبَرَ. الْفَرَّاءُ: ائْتَشى الْعَظْمُ إِذا بَرأَ مِنْ كَسْر كَانَ بِهِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهُوَ افْتِعال مِنَ الوَشْي. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ

الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَن أَبا سَيَّارة وَلِعَ بامرأَة أَبي جُنْدَبٍ، فأَبت عَلَيْهِ ثُمَّ أَعلمت زَوْجَهَا فكَمَنَ لَهُ، وَجَاءَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فأَخذه أَبو جُنْدَب فدَقَّ عُنُقَه إِلى عَجْب ذَنبه، ثُمَّ أَلقاه فِي مَدْرَجةِ الإِبل، فَقِيلَ لَهُ: مَا شأْنك؟ فَقَالَ: وقَعْتُ عَنْ بَكْرٍ لِي فحَطَمَني، فَأْتَشى مُحْدَوْدِباً

؛ مَعْنَاهُ أَنه بَرَأَ مِنَ الْكَسْرِ الَّذِي أَصابه والتأَمَ وَبرَأَ مَعَ احْديداب حَصَل فِيهِ. وأَوْشى الشيءَ: اسْتَخْرَجَهُ برِفْق. وأَوشى الفَرَسَ: أَخذ مَا عِنْدَهُ مِنَ الجَرْيِ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:

يُوشُونَهُنَّ، إِذا مَا آنَسُوا فَزَعاً

تحْتَ السَّنَوَّرِ، بالأَعْقابِ والجِذَمِ

واسْتَوْشاه: كأَوْشاه. واسْتَوْشى الحديثَ: اسْتَخْرَجَهُ بِالْبَحْثِ والمسأَلة، كَمَا يُسْتَوْشى جَرْيُ الْفَرَسِ، وَهُوَ ضَرْبه جَنْبَه بعَقِبه وتَحْرِيكُه ليَجْريَ. يُقَالُ: أَوْشى فرسَه واستَوْشاه. وكلُّ مَا دَعَوْتَه وحَرَّكْته لِتُرْسِلَهُ فَقَدَ اسْتَوْشَيْتَه. وأَوْشى إِذا اسْتَخْرَجَ جَرْيَ الْفَرَسِ برَكْضه. وأَوْشى: اسْتَخْرَجَ مَعْنَى كَلَامٍ أَو شِعر؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَنشد الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ جُذِمَ بَيْتَ سَاعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّةَ:

المُوفِدُ: السَّنامُ، والقَيْلُ: المَلِكُ؛ وَقَالَ طَرَفَةُ:

يَرْعَيْنَ وَسْمِيّاً وَصَى نَبْتُه،

فانْطَلَقَ اللوْنُ ودَقَّ الكُشُوحْ

يُقَالُ مِنْهُ: أَوْصَيْتُ أَي دَخَلْتُ فِي الْوَاصِي. ووَصَتِ الأَرضُ وَصْياً ووُصِيّاً ووَصاءً ووَصاةً؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ حَكَاهَا أَبو حَنِيفَةَ، كلُّ ذَلِكَ: اتَّصَلَ نباتُها بعضُه بِبَعْضٍ، وَهِيَ واصِيةٌ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

أَهْلُ الغِنَى والجُرْدِ والدِّلاصِ

والجُودِ، وصَّاهمْ بذاكَ الْوَاصِي

أَراد: الجُودِ الْوَاصِي أَي المُتَّصِل؛ يَقُولُ: الجُودُ وَصَّاهُمْ بأَن يُدِيموه أَي الجُود الْوَاصِي وصَّاهم بِذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ يَكُونُ الْوَاصِي هُنَا اسْمَ الْفَاعِلِ مَنْ أَوْصى، عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ أَو عَلَى النَّسَبِ، فَيَكُونُ مَرْفوعَ الْمَوْضِعِ بأَوْصَى «1» لَا مَجرُورَه عَلَى أَن يَكُونَ نَعْتًا لِلْجُودِ، كَمَا يَكُونُ فِي الْقَوْلِ الأَول. ووَصَيْتُ الشيءَ بِكَذَا وَكَذَا إِذا وَصَّلْتَهُ بِهِ؛ وأَنشد بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ:

نَصِي الليلَ بالأَيام

والوَصى والوَصيُّ جَمِيعًا: جَرائد النَّخْلِ الَّتِي يُحْزَمُ بِهَا، وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الفَسِيل خَاصَّةً، وَوَاحِدَتُهَا وَصاةٌ ووَصِيَّةٌ.

(1). قوله [بأوصى] كذا بالأصل تبعاً للمحكم.

ص: 393

ويَوَصَّى: طَائِرٌ قِيلَ هُوَ الباشَقُ، وَقِيلَ: هُوَ الحُرُّ، عِرَاقِيَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ أَبنية العرب.

وطي: وَطِيتُهُ وَطْأً: لُغَةٌ في وَطِئْتُهُ.

وعي: الوَعْيُ: حِفْظ القلبِ الشيءَ. وعَى الشَّيْءَ وَالْحَدِيثَ يَعِيه وَعْياً وأَوْعاه: حَفِظَه وفَهِمَه وقَبِلَه، فَهُوَ واعٍ، وَفُلَانٌ أَوْعَى مِنْ فُلَانٍ أَي أَحْفَظُ وأَفْهَمُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

نَضَّر اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقالَتي فوَعاها، فرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعى مِنْ سامِعٍ.

الأَزهري: الوَعِيُّ الحافِظُ الكَيِّسُ الفَقِيه. وَفِي حَدِيثِ

أَبي أُمامة: لَا يُعَذِّبُ اللهُ قَلْباً وَعَى القُرآنَ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي عقَلَه إِيماناً بِهِ وعَمَلًا، فأَما مَنْ حَفِظ أَلفاظَه وضَيَّعَ حُدوده فإِنه غَيْرُ واعٍ لَهُ؛ وَقَوْلُ الأَخطل:

وَعَاها مِنْ قَواعِدِ بيْتِ رَأْسٍ

شَوارِفُ لاحَها مَدَرٌ وغارُ

إِنما مَعْنَاهُ حَفِظَها أَي حَفِظَ هَذِهِ الخَمر، وعَنَى بالشَّوارِفِ الخَوابيَ الْقَدِيمَةَ. الأَزهري عَنِ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ

؛ قَالَ: الإِيعاء مَا يَجْمعون فِي صُدُورِهِمْ مِنَ التَّكْذِيبِ والإِثم. قَالَ: والوَعْيُ لَوْ قِيلَ: وَاللَّهُ أَعلم بما يَعُون، لَكَانَ صَوَابًا وَلَكِنْ لَا يَسْتَقِيمُ فِي الْقِرَاءَةِ. الْجَوْهَرِيُّ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ

أَي يُضْمِرون فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ التَّكْذِيبِ، وأُذُنٌ واعِيَةٌ

«1» الأَزهري: يُقَالُ أَوْعَى جَدْعَه واسْتَوْعاه إِذا اسْتَوْعَبه. وَفِي الْحَدِيثِ:

فِي الأَنف إِذا اسْتُوعِيَ جَدْعُه الدِّيةُ

؛ هكذا حَكَاهُ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ وَعْوَعَ. وأَوْعَى فلانٌ جَدْعَ أَنْفِه واسْتَوْعاه إِذا استَوْعَبه. وَتَقُولُ: اسْتَوْعى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ حَقَّه إِذا أَخذه كُلَّهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

فاسْتَوْعى لَهُ حَقَّه

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: اسْتَوْفَاهُ كُلَّهُ مأْخوذ مِنَ الوِعاء. ووَعَى العَظْمُ وَعْياً: بَرَأَ عَلَى عَثْمٍ؛ قَالَ:

كأَنما كُسِّرَتْ سَواعِدُه،

ثمَّ وَعى جَبْرُها وَمَا الْتَأَما

قَالَ أَبو زَيْدٍ: إِذا جَبَرَ العظمُ بَعْدَ الْكَسْرِ عَلَى عَثْمٍ، وَهُوَ الاعْوِجاجُ، قِيلَ: وَعى يَعِي وَعْياً، وأَجَرَ يأْجِرُ أَجْراً ويأْجُرُ أُجُوراً. ووَعَى العظمُ إِذا انْجَبَر بَعْدَ الْكَسْرِ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ:

خُبَعْثِنَةٌ فِي ساعِدَيْه تَزايُلٌ،

تَقُولُ وَعى مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ تجَبَّرا

هَذَا الْبَيْتُ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ، ورأَيته فِي حَوَاشِي ابْنِ بَرِّيٍّ: مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ تَكَسَّرَا؛ وَقَالَ الْحَطِيئَةُ:

حَتَّى وَعَيْتُ كَوَعْيِ عَظْمِ

السَّاقِ لأْأَمَه الجَبائِرْ

ووَعَتِ المِدَّةُ فِي الجُرْح وَعْياً: اجتمعَتْ. ووَعى الجُرْحُ وَعْياً: سالَ قَيْحُه. والوَعْيُ: القَيْحُ والمِدَّة. وَبَرِئَ جُرحُه عَلَى وَعْيٍ أَي نَغَلٍ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: إِذا سالَ القَيْحُ مِنَ الجُرْح قيلَ وَعى الجُرْحُ يَعِي وَعْياً، قَالَ: والوَعْيُ هُوَ القيحُ، وَمِثْلُهُ المِدَّة. وَقَالَ اللَّيْثُ فِي وَعْيِ الكَسر والمِدَّة مِثلَه، قَالَ: وَقَالَ أَبو الدُّقَيْشِ إِذا وَعَتْ جايِئَتُه يَعْنِي مِدَّته. قَالَ الأَصمعي: يُقَالُ بئسَ واعِي اليتيمِ وَوَالِي اليتيمِ وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: لَا وَعْيَ لَكَ عَنْ ذَلِكَ الأَمر أَي لَا تَماسُك دُونَهُ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:

تَواعَدْن أَنْ لَا وَعْيَ عَنْ فَرْجِ راكِسٍ،

فَرُحْنَ وَلَمْ يَغْضِرْنَ عَنْ ذاكَ مَغْضَرا

(1). قوله [أُذُنٌ واعِيَةٌ] كذا هي في الأَصل، إِلا أنها مخرجة بالهامش، وأصلها في عبارة الجوهري: وعى الحديث يعيه وعياً وأذن واعية.

ص: 396

يُقَالُ: تَغَضَّرْتُ عَنْ كَذَا إِذَا انصرفْت عَنْهُ. وَمَا لِي عَنْهُ وَعْيٌ أَي بُدٌّ. وَقَالَ النَّضْرُ: أَنَّهُ لَفِي وَعْيِ رِجالٍ أَي فِي رِجَالٍ كَثِيرَةٍ: والوِعاءُ والإِعاءُ عَلَى البَدَل والوُعاءُ، كُلُّ ذَلِكَ: ظَرْفُ الشَّيْءِ، وَالْجَمْعُ أَوْعِيةٌ، وَيُقَالُ لِصَدْرِ الرَّجُلِ وِعاء عِلْمِه واعْتِقادِهِ تَشْبِيهًا بِذَلِكَ. ووَعى الشَّيْءَ فِي الْوِعَاءِ وأَوْعاه: جَمَعَه فِيهِ؛ قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ الحَذلَمِيُّ:

تأْخُذُه بِدِمْنِه فَتُوعِيهْ

أَي تَجْمَعُ الْمَاءَ فِي أَجوافها. الأَزهري: أَوْعى الشيءَ فِي الوِعاء يُوعِيه إِيعَاءً، بالأَلف، فَهُوَ مُوعًى. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ أَوْعِيْتُ الزَّادَ والمَتاع إِذَا جَعَلْتَهُ فِي الوِعاء؛ قَالَ عَبِيد بْنُ الأَبرص:

الخَيْرُ يَبْقى، وإنْ طالَ الزَّمانُ بِهِ،

والشَّرُّ أَخْبَثُ مَا أَوْعَيْتَ مِنْ زادِ

وفي الحديث:

الاسْتِيحاء مِنَ اللَّهِ حقَّ الحَياء أَن لَا تَنْسَوُا المَقابرَ والبِلَى والجوفَ وَمَا وَعى

أَي مَا جُمِعَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ حَتَّى يَكُونَا مِنْ حِلِّهِما. وَفِي حَدِيثِ الإِسْراء:

ذَكَرَ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَنبياءَ قَدْ سمَّاهم فأَوْعَيْتُ مِنْهُمْ إدْرِيس فِي الثَّانِيَةِ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رُوِيَ، فَإِنْ صَحَّ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَدخلته فِي وِعاء قَلْبِي؛ يُقَالُ: أَوْعَيْت الشَّيْءَ فِي الوِعاء إِذَا أَدخلته فِيهِ؛ قَالَ: وَلَوْ رُوِيَ وَعَيْتُ بِمَعْنَى حَفِظْت لَكَانَ أَبِينَ وأَظهر. وَفِي حَدِيثِ

أَبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه: حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وِعاءَيْن منَ الْعِلْمِ

؛ أَراد الْكِنَايَةَ عَنْ مَحَلّ العِلم وجَمْعِه فَاسْتَعَارَ لَهُ الْوِعَاءَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا تُوعِي فيُوعَى عَلَيْكِ

أَي لَا تَجْمَعي وتَشِحِّي بالنفَقة فَيُشَحَّ عَلَيْكِ وتُجازَيْ بَتَضْيِيقِ رِزْقِكِ. الأَزهري: إِذَا أَمرت مِنَ الوَعْي قُلْتَ عِهْ، الْهَاءُ عِمَادٌ لِلْوُقُوفِ لِخِفَّتِهَا لأَنه لَا يُستطاع الِابْتِدَاءُ والوُقوف مَعًا عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ. والوَعْيُ والوَعَى، بِالتَّحْرِيكِ: الجَلَبةُ والأَصوات، وَقِيلَ: الأَصوات الشَّدِيدَةُ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:

كَأَنَّ وَعَى الخَمُوشِ، بجانِبَيهِ،

وَعَى رَكْبٍ، أُمَيْمَ، ذَوِي زِياطِ

وَقَالَ يَعْقُوبُ: عينُه بدَل من غين وغَى، أَو غين وغَى بدل مِنْهُ، وَقِيلَ: الوَعَى جَلَبَةُ صوتِ الكِلابِ فِي الصَّيدِ. الأَزهري: الوَعَى جَلَبة أَصوات الْكِلَابِ والصَّيد، قَالَ: وَلَمْ أَسمع لَهُ فِعْلًا. والواعيةُ: كالوَعَى، الأَزهري: الواعِيةُ والوَعَى والوَغَى كُلُّهَا الصَّوْتُ. والواعِيةُ: الصَّارِخَةُ، وَقِيلَ الواعِيةُ الصُّراخ عَلَى الْمَيِّتِ لَا فِعْلَ لَهُ. وَفِي حَدِيثِ

مَقْتَلِ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَف أَو أَبي رافعٍ: حَتَّى سَمِعْنَا الواعِيةَ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الصُراخ عَلَى الْمَيِّتِ ونَعْيُه، وَلَا يُبْنى مِنْهُ فِعل؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

إِنِّي نَذِيرٌ لَكَ مِنْ عَطِيَّه،

قَرَمَّشٌ لِزَادِه وَعِيَّه

لَمْ يُفَسِّرِ الْوَعِيَّةَ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى أَنه مسْتَوْعِب لِزَادِهِ يُوعِيه فِي بَطْنِهِ كَمَا يُوعَى المَتاعُ، هَذَا إِنْ كَانَ مِنْ صِفَةِ عَطِيَّةَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ صِفَةِ الزَّادِ فَمَعْنَاهُ أَنه يَدَّخِرُه حَتَّى يَخْنَزَ كَمَا يَخْنَزُ الْقَيْحُ في القَرْح.

وغي: الوَغَى: الصَّوْتُ، وَقِيلَ: الوَغَى الأَصوات فِي الْحَرْبِ مِثْلُ الوَعَى، ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى سَمَّوُا الحَرب وَغًى. والوَغَى: غَمْغَمةُ الأَبطال فِي حَوْمةِ الحَرْب. والوَغى: الحَرْبُ نَفْسُها. والواغِيةُ: كالوَغَى، اسْمٌ مَحْض. والوغَى: أَصْواتُ النَّحْلِ والبَعُوض وَنَحْوِ ذَلِكَ إِذَا اجْتَمَعَتْ؛

ص: 397

قَالَ الْمُتَنَخِّلُ الْهُذَلِيُّ:

كأَنّ وغَى الخَمُوش، بِجَانِبَيْهِ،

وغَى رَكْبٍ أُمَيْمَ ذَوِي هِياطِ

وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ «2» :

كأَن وَغَى الخَموش، بِجَانِبَيْهِ،

مَآتِمُ يَلْتَدِمْنَ عَلَى قَتِيلِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الإِنشاد؛ وأَنشده كَمَا أَوردناه:

وَغَى رَكْبٍ أُمَيمَ ذَوي هياط

قَالَ وَقَبْلَهُ:

وَمَاءٍ قَدْ وَرَدْتُ أُمَيْمَ طامٍ،

عَلَى أَرْجائِه، زَجَلُ الغَطاط

وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحَرْبِ وَغًى لِمَا فِيهَا مِنَ الصَّوْتِ وَالْجَلَبَةِ. ابْنُ الأَعرابي: الوَغَى الخَموش الكَثير الطَّنينِ يَعْنِي البَقَّ، والأَواغِي: مَفاجِر «3» الْمَاءِ فِي الدِّبار والمَزارع، وَاحِدَتُهَا آغِيَةٌ، يخفف ويثقل هنا، وذكرها صَاحِبُ الْعَيْنِ وَلَا أَدْرِي مِنْ أَين جَعَلَ لَامَهَا واواً والياء أَولى بها لأَنه لَا اشْتِقَاقَ لَهَا وَلَفْظُهَا الْيَاءُ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ أَهل السَّوَادِ لأَن الْهَمْزَةَ وَالْغَيْنَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي بِنَاءِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. ابْنُ سِيدَهْ فِي تَرْجَمَةِ وَعَيَ: الْوَعَى الصَّوْتُ وَالْجَلَبَةُ، قَالَ يَعْقُوبُ: عَيْنُهُ بَدَلٌ مِنْ غَيْنِ وَغَى أَو غين وغى بدل منه، والله أَعلم.

وفى: الوفاءُ: ضِدُّ الغَدْر، يُقَالُ: وَفَى بِعَهْدِهِ وأَوْفَى بِمَعْنًى؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَمَعَهُمَا طُفَيْل الغَنَوِيُّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فِي قَوْلِهِ:

أَمَّا ابْنُ طَوْقٍ فَقَدْ أَوْفَى بِذِمَّتِه

كَمَا وَفَى بِقلاصِ النَّجْمِ حادِيها

وَفَى يَفِي وَفاءً فَهُوَ وافٍ. ابْنُ سِيدَهْ: وفَى بِالْعَهْدِ وَفاءً؛ فأَما قَوْلُ الْهُذَلِيِّ:

إِذْ قَدَّمُوا مِائةً واسْتَأْخَرَتْ مِائةً

وَفْياً، وزادُوا عَلَى كِلْتَيْهِما عَدَدا

فَقَدْ يَكُونُ مَصْدَرُ وَفَى مَسْمُوعًا وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ قِيَاسًا غَيْرَ مَسْمُوعٍ، فَإِنَّ أَبا عَلِيٍّ قَدْ حَكَى أَن لِلشَّاعِرِ أَن يأْتي لِكُلِّ فَعَلَ بِفَعْلٍ وَإِنْ لَمْ يُسمع، وَكَذَلِكَ أَوْفَى. الْكِسَائِيُّ وأَبو عُبَيْدَةَ: وَفَيْتُ بِالْعَهْدِ وأَوْفَيْتُ بِهِ سَوَاءٌ، قَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ وَفَى وأَوْفَى، فَمَنْ قَالَ وفَى فَإِنَّهُ يَقُولُ تَمَّ كَقَوْلِكَ وفَى لَنَا فلانٌ أَي تَمَّ لَنَا قَوْلُه وَلَمْ يَغْدِر. ووَفَى هَذَا الطعامُ قَفِيزًا؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

وفَى كَيْلَ لَا نِيبٍ وَلَا بَكَرات

أَي تَمَّ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ أَوْفَى فَمَعْنَاهُ أَوْفاني حقَّه أَي أَتَمَّه وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ أَوْفَى الكيلَ أَي أَتمه وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ فِيمَا رَدَّ عَلَى شَمِرٍ: الَّذِي قَالَ شَمِرٌ فِي وَفَى وأَوْفَى بَاطِلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، إِنَّمَا يُقَالُ أَوْفَيْتُ بِالْعَهْدِ ووَفَيْتُ بِالْعَهْدِ. وكلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا فَهُوَ بالأَلف، قَالَ اللَّهُ تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

، وَأَوْفُوا بِعَهْدِي

؛ يقال: وفَى الكيلُ ووَفَى الشيءُ أَي تَمَّ، وأَوْفَيْتُه أَنا أَتمَمْته، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ*

؛ وَفِي الْحَدِيثِ:

فمررت بقوم تُقْرَضُ شِفاهُهم كُلَّما قُرِضَتْ وفَتْ

أَي تَمَّتْ وطالَتْ؛ وَفِي الْحَدِيثِ:

أَلَسْتَ تُنْتِجُها وَافِيَةً أَعينُها وآذانُها.

وَفِي حَدِيثِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ: إِنَّكُمْ وَفَيْتُم سبعين أُمَّةً أَنتم

(2). قوله [أورده الجوهري] وكذا الأزهري أيضاً في خ م ش، واعترض الصاغاني على الجوهري كما اعترضه ابن بري.

(3)

. قوله [والأواغي مفاجر إلخ] عبارة المحكم: الأَواغي مَفَاجِرُ الْمَاءِ فِي الدِّبَارِ. وعبارة التهذيب: الأواغي مفاجر الدبار في المزارع، وهي عبارة الجوهري.

ص: 398

خَيْرُها وأَكْرَمُها عَلَى اللَّهِ

أَي تَمَّت العِدَّة سَبْعِينَ أُمة بِكُمْ. ووفَى الشَّيْءُ وُفِيًّا عَلَى فُعولٍ أَي تَمَّ وَكَثُرَ. والوَفِيُّ: الوافِي. قَالَ: وأَما قَوْلُهُمْ وفَى لِي فُلَانٌ بِمَا ضَمِن لِي فَهَذَا مِنْ بَابِ أَوْفَيْتُ لَهُ بِكَذَا وَكَذَا ووَفَّيتُ لَهُ بِكَذَا؛ قَالَ الأَعشى:

وقَبْلَكَ مَا أَوْفَى الرُّقادُ بِجارةٍ

والوَفِيُّ: الَّذِي يُعطِي الحقَّ ويأْخذ الحقَّ. وَفِي حَدِيثِ

زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: وَفَتْ أُذُنُكَ وَصَدَّقَ اللَّهُ حديثَك

، كأَنه جَعَلَ أُذُنَه فِي السَّماع كالضامِنةِ بِتَصْدِيقِ مَا حَكَتْ، فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ الْخَبَرِ صَارَتِ الأُذن كأَنها وَافِيَةٌ بِضَمَانِهَا خَارِجَةٌ مِنَ التُّهْمَةِ فِيمَا أَدَّته إِلَى اللِّسَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ:

أَوفى اللَّهُ بأُذنه

أَي أَظهر صِدْقَه فِي إِخباره عَمَّا سَمِعَتْ أُذنه، يُقَالُ: وفَى بِالشَّيْءِ وأَوْفَى ووفَّى بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَرَجُلٌ وفيٌّ ومِيفاءٌ: ذُو وَفاء، وَقَدْ وفَى بنَذْرِه وأَوفاه وأَوْفَى بِهِ؛ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ

، وَحَكَى أَبو زَيْدٍ: وفَّى نَذْرَهُ وأَوْفاه أَي أَبْلَغه، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى

؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَي بَلَّغَ، يُرِيدُ بَلَّغَ أَنْ لَيْسَتْ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى أَي لَا تَحْمِلُ الوازِرةُ ذَنْبَ غَيْرِهَا؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وفَّى إبراهيمُ مَا أُمِرَ بِهِ وَمَا امْتُحِنَ بِهِ مِنْ ذَبْحِ وَلَدِهِ فعزَم عَلَى ذَلِكَ حَتَّى فَداه اللَّهُ بذِبْح عَظِيمٍ، وامْتُحِنَ بِالصَّبْرِ عَلَى عَذَابِ قَوْمِهِ وأُمِر بالاخْتِتان، فَقِيلَ: وفَّى، وَهِيَ أَبلغ مِنْ وَفَى لأَن الَّذِي امْتُحِنَ بِهِ مَنْ أَعظم المِحَن. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ الزَمِ الوَفاء: مَعْنَى الْوَفَاءِ فِي اللُّغَةِ الخُلق الشَّرِيفُ الْعَالِي الرَّفِيعُ مِنْ قَوْلِهِمْ: وفَى الشعَرُ فَهُوَ وافٍ إِذَا زادَ؛ ووَفَيْت لَهُ بِالْعَهْدِ أَفِي؛ ووافَيْتُ أُوافِي، وَقَوْلِهِمْ: ارْضَ مِنَ الْوَفَاءِ بِاللَّفَاءِ أَي بِدُونِ الْحَقِّ؛ وأَنشد:

وَلَا حَظِّي اللَّفاءُ وَلَا الخَسِيسُ

والمُوافاةُ: أَن تُوافيَ إِنْسَانًا فِي المِيعاد، وتَوافَينا فِي الْمِيعَادِ ووافَيْتُه فِيهِ، وتوَفَّى المُدَّة: بلَغَها واسْتَكْمَلها، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. وأَوْفَيْتُ الْمَكَانَ: أَتيته؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:

أُنادِي إِذَا أُوفِي مِنَ الأَرضِ مَرْبَأً

لأَني سَمِيعٌ، لَوْ أُجابُ، بَصيِرُ

أُوفِي: أُشْرِفُ وَآتِي؛ وَقَوْلُهُ أُنَادِي أَيْ كُلَّمَا أَشرفت عَلَى مَرْبَإٍ مِنَ الأَرض نادَيتُ يَا دارُ أَين أَهْلُكِ، وَكَذَلِكَ أَوْفَيْتُ عَلَيْهِ وأَوْفَيْت فِيهِ. وأَوْفَيْتُ عَلَى شَرَفٍ مِنَ الأَرض إِذَا أَشْرَفْت عَلَيْهِ، فأَنا مُوفٍ، وأَوْفَى عَلَى الشَّيْءِ أَي أَشْرَفَ؛ وَفِي حَدِيثِ

كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَوْفَى عَلَى سَلْعٍ

أَي أَشْرَفَ واطَّلَعَ. ووافَى فُلَانٌ: أَتَى. وتوافَى القومُ: تتامُّوا. ووافَيْتُ فُلَانًا بِمَكَانِ كَذَا. ووَفَى الشيءُ: كثُرَ؛ ووَفَى رِيشُ الجَناحِ فَهُوَ وافٍ، وكلُّ شَيْءٍ بلَغ تمامَ الْكَمَالِ فَقَدْ وَفَى وتمَّ، وَكَذَلِكَ دِرْهمٌ وافٍ يَعْنِي بِهِ أَنه يَزِنُ مِثقالًا، وكَيْلٌ وافٍ. ووَفَى الدِّرْهَمُ المِثقالَ: عادَلَه، والوافِي: درهمٌ وأَربعةُ دَوانِيقَ؛ قَالَ شَمِرٌ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ عْيَيْنَةَ أَنه قَالَ الوافِي درهمٌ ودانِقانِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ الَّذِي وَفَى مِثقالًا، وَقِيلَ: درهمٌ وافٍ وفَى بزِنتِه لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نَقْصٌ، وكلُّ مَا تمَّ مِنْ كَلَامٍ وَغَيْرِهِ فَقَدْ وفَى، وأَوْفَيْتُه أَنا؛ قَالَ غَيْلانُ الرَّبَعِي:

أَوْفَيْتُ الزَّرْعَ وفَوْقَ الإِيفاء

وعدَّاه إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: أَعطيت الزَّرْعَ

ص: 399

وَمَنَحْتُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّمَامِ وَالْوَفَاءِ. والوافِي مِنَ الشِّعْر: مَا اسْتَوفَى فِي الِاسْتِعْمَالِ عِدَّة أَجزائه فِي دَائِرَتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ جُزْءٍ يُمْكِنُ أَن يَدْخُلَهُ الزِّحاف فسَلِمَ مِنْهُ. والوَفاء: الطُّول؛ يُقَالُ فِي الدُعاءِ: مَاتَ فُلَانٌ وأَنت بوَفاء أَي بِطُولِ عُمُر، تدْعُو لَهُ بِذَلِكَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وأَوْفَى الرجلَ حقَّه ووَفَّاه إِياه بِمَعْنَى: أَكْمَلَه لَهُ وأَعطاه وَافِيًا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ

. وتَوَفَّاه هُوَ مِنْهُ واسْتَوْفاه: لَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا. وَيُقَالُ أَوْفَيْته حَقَّه ووَفَّيته أَجْره. ووفَّى الكيلَ وأَوفاه: أَتَمَّه. وأَوْفَى عَلَى الشَّيْءِ وَفِيهِ: أَشْرَفَ. وَإِنَّهُ لمِيفاء عَلَى الأَشْرافِ أَي لَا يزالُ يُوفِي عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الحِمار. وعَيرٌ مِيفاء عَلَى الإِكام إِذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَن يُوفيَ عَلَيْهَا؛ وَقَالَ حُمَيْدٌ الأَرقط يَصِفُ الْحِمَارَ:

عَيْرانَ مِيفاءٍ عَلَى الرُّزُونِ،

حَدَّ الرَّبِيعِ، أَرِنٍ أَرُونِ

لَا خَطِلِ الرَّجْعِ وَلَا قَرُونِ،

لاحِقِ بَطْنٍ بِقَراً سَمِينِ

وَيُرْوَى: أَحْقَبَ مِيفاءٍ، والوَفْيُ مِنَ الأَرض: الشَّرَفُ يُوفَى عَلَيْهِ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:

وإنْ طُوِيَتْ مِنْ دُونِهِ الأَرضُ وانْبَرَى،

لِنُكْبِ الرِّياحِ. وَفْيُها وحَفِيرُها

والمِيفَى والمِيفاةُ، مَقْصُورَانِ، كَذَلِكَ. التَّهْذِيبُ: والميفاةُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُوفِي فَوقه البازِي لإِيناس الطَّيْرِ أَو غَيْرِهِ، قَالَ رؤْبة:

ميفاء رؤوس فَوْرَهُ «1»

والمِيفَى: طَبَق التَّنُّور. قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ لِطَبَّاخِهِ: خَلِّبْ مِيفاكَ حَتَّى يَنْضَجَ الرَّوْدَقُ، قَالَ: خَلِّبْ أَي طَبِّقْ، والرَّوْدَقُ: الشِّواء. وَقَالَ أَبو الْخَطَّابِ: الْبَيْتُ الَّذِي يُطْبَخُ فِيهِ الآجُرُّ يُقَالُ لَهُ المِيفَى؛ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ شُمَيْلٍ. وأَوْفَى عَلَى الْخَمْسِينَ: زادَ، وَكَانَ الأَصمعي يُنكره ثُمَّ عَرَفه. والوَفاةُ: المَنِيَّةُ. والوفاةُ: الْمَوْتُ. وتُوُفِّيَ فُلَانٌ وتَوَفَّاه اللَّهُ إِذَا قَبَضَ نَفْسَه، وَفِي الصِّحَاحِ: إِذَا قَبَضَ رُوحَه، وَقَالَ غَيْرُهُ: تَوَفِّي الميتِ اسْتِيفاء مُدَّتِه الَّتِي وُفِيتْ لَهُ وعَدَد أَيامِه وشُهوره وأَعْوامه فِي الدُّنْيَا. وتَوَفَّيْتُ المالَ مِنْهُ واسْتوْفَيته إِذَا أَخذته كُلَّهُ. وتَوَفَّيْتُ عَدَد القومِ إِذَا عَدَدْتهم كُلَّهم؛ وأَنشد أَبو عبيدة لِمَنْظُورٍ الوَبْرِي:

إنَّ بَنِي الأَدْرَدِ لَيْسُوا مِنْ أَحَدْ،

وَلَا تَوَفَّاهُمْ قُرَيشٌ فِي العددْ

أَي لَا تَجْعَلُهُمْ قُرَيْشٌ تَمام عَدَدِهِمْ وَلَا تَسْتَوفي بِهِمْ عدَدَهم؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها

؛ أَي يَسْتَوفي مُدَد آجَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ: يَسْتَوْفي تَمام عدَدِهم إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وأَمّا تَوَفِّي النَّائِمِ فَهُوَ اسْتِيفاء وقْت عَقْله وَتَمْيِيزِهِ إِلى أَن نامَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ

، قَالَ: هُوَ مِنْ تَوْفِية الْعَدَدِ، تأْويله أَن يَقْبِضَ أَرْواحَكم أَجمعين فَلَا ينقُص وَاحِدٌ مِنْكُمْ، كَمَا تَقُولُ: قَدِ اسْتَوْفَيْتُ مِنْ فُلَانٍ وتَوَفَّيت مِنْهُ مَا لِي عَلَيْهِ؛ تأْويله أَن لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٍ. وَقَوْلُهُ عز وجل: حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: فِيهِ، وَاللَّهُ أَعلم، وَجْهَانِ: يَكُونُ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ ملائكةُ الْمَوْتِ يَتَوَفَّوْنَهم سَأَلُوهم عِنْدَ المُعايَنة فيعترفون

(1). قوله [قال رؤبة إلخ] كذا بالأصل.

ص: 400

عِنْدَ مَوْتِهِمْ أَنهم كَانُوا كَافِرِينَ، لأَنهم قَالُوا لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قالُوا: ضَلُّوا عَنَّا أَي بَطَلُوا وَذَهَبُوا، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ، وَاللَّهُ أَعلم، حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ مَلَائِكَةُ العذابِ يَتَوَفَّوْنَهُمْ، فَيَكُونُ يَتَوَفَّوْنَهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحدهما يَتَوَفَّوْنَهم عَذَابًا وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: قَدْ قَتَلْتُ فُلَانًا بِالْعَذَابِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ، وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ يَتَوَفَّوْنَ عِدَّتهم، وَهُوَ أَضعف الْوَجْهَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ وَافَاهُ حِمامُه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ جِنِّي:

ليتَ القِيامةَ، يَوْمَ تُوفي مُصْعَبٌ،

قامتْ عَلَى مُضَرٍ وحُقَّ قِيامُها

أَرادَ: وُوفيَ، فأَبدل الْوَاوَ تَاءً كَقَوْلِهِمْ تَاللَّهِ وتَوْلجٌ وتَوْراةٌ، فِيمَنْ جَعَلَهَا فَوْعَلة. التَّهْذِيبُ: وأَما المُوافاة الَّتِي يَكْتُبُهَا كُتَّابُ دَواوين الخَراج فِي حِساباتِهم فَهِيَ مأْخوذة مِنْ قَوْلِكَ أَوْفَيْتُه حَقَّه ووَفَّيْتُه حَقَّه ووافَيْته حَقَّه، كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنَى: أَتْمَمْتُ لَهُ حَقَّه، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ فاعَلْتُ بِمَعْنَى أَفْعلْت وفَعَّلت فِي حُرُوفٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. يُقَالُ: جاريةٌ مُناعَمةٌ ومُنَعَّمةٌ، وضاعَفْتُ الشَّيْءَ وأَضْعَفْتُه وضَعَّفْتُه بِمَعْنًى، وتَعاهَدْتُ الشَّيْءَ وتعَهَّدْته وباعَدْته وبَعَّدته وأَبْعَدْتُه، وقارَبْتُ الصَّبِيَّ وقَرَّبْتُه، وَهُوَ يُعاطِيني الشَّيْءَ ويُعطِيني؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبِي خَازِمٍ:

كأَن الأَتْحَمِيَّةَ قامَ فِيهَا،

لحُسنِ دَلالِها، رَشأٌ مُوافي

قَالَ الْبَاهِلِيُّ: مُوافي مثلُ مُفَاجِي؛ وأَنشد:

وكأَنما وافاكَ، يومَ لقِيتَها

مِنْ وَحْش وَجْرةَ، عاقِدٌ مُتَرَبِّبُ

وَقِيلَ: مُوَافِي قَدْ وَافَى جِسْمُه جِسمَ أُمه أَي صَارَ مِثْلَهَا. والوَفاء: مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ حِلِّزةَ:

فالمُحَيَّاةُ فالصِّفاحُ فَأَعْناقُ

قَنانٍ فَعاذِبٌ فالوَفاء

وأَوْفى: اسم رجل.

وَقَي: وقاهُ اللهُ وَقْياً وَوِقايةً وواقِيةً: صانَه؛ قَالَ أَبو مَعْقِل الهُذليّ:

فَعادَ عليكِ إنَّ لكُنَّ حَظّاً،

وواقِيةً كواقِيةِ الكِلابِ

وَفِي الْحَدِيثِ:

فَوقَى أَحَدُكم وجْهَه النارَ

؛ وَقَيْتُ الشَّيْءَ أَقِيه إِذَا صُنْتَه وسَتَرْتَه عَنِ الأَذى، وَهَذَا اللَّفْظُ خَبَرٌ أُريد بِهِ الأَمر أَيْ لِيَقِ أَحدُكم وجهَه النارَ بِالطَّاعَةِ والصَّدَقة. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ

مُعَاذٍ: وتَوَقَّ كَرائمَ أَموالِهم

أَي تَجَنَّبْها وَلَا تأْخُذْها فِي الصدَقة لأَنها تَكْرُم عَلَى أَصْحابها وتَعِزُّ، فَخُذِ الوسَطَ لَا الْعَالِيَ وَلَا النَّازِلَ، وتَوقَّى واتَّقى بِمَعْنَى؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

تَبَقَّهْ وتوَقَّهْ

أَي اسْتَبْقِ نَفْسك وَلَا تُعَرِّضْها للتَّلَف وتَحَرَّزْ مِنَ الْآفَاتِ واتَّقِها؛ وَقَوْلُ مُهَلْهِل:

ضَرَبَتْ صَدْرَها إليَّ وَقَالَتْ:

يَا عَدِيًّا، لَقَدْ وَقَتْكَ الأَواقي «1»

إِنما أَرَادَ الْوَاوَ فِي جَمْعِ واقِيةٍ، فَهَمَزَ الْوَاوَ الأُولى، ووقاهُ: صانَه. وَوَقَاهُ مَا يَكْرَه ووقَّاه: حَماهُ مِنْهُ، وَالتَّخْفِيفُ أَعلى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ.

(1). قوله [ضربت إلخ] هَذَا الْبَيْتُ نَسَبَهُ الْجَوْهَرِيُّ وابن سيدة إلى مهلهل. وفي التكملة: وليس البيت لمهلهل، وإنما هو لأَخيه عدي يرثي مهلهلًا. وقبل البيت:

ظَبْيَةٌ مِنْ ظِبَاءٍ وَجْرَةَ تعطو

بيديها في ناضر الأوراق

أراد بها امرأته؛ شبهها بالظباء فأجرى عليها أوصاف الظباء

ص: 401

والوِقاءُ والوَقاء والوِقايةُ والوَقايةُ والوُقايةُ والواقِيةُ: كلُّ مَا وقَيْتَ بِهِ شَيْئًا وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: كلُّ ذَلِكَ مصدرُ وَقَيْتُه الشَّيْءُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ عَصى اللَّهَ لَمْ يَقِه مِنْهُ واقِيةٌ إِلا بإِحْداث تَوْبةٍ

؛ وأَنشد الباهليُّ وَغَيْرُهُ للمُتَنَخِّل الهُذَلي:

لَا تَقِه الموتَ وقِيَّاتُه،

خُطَّ لَهُ ذَلِكَ فِي المَهْبِلِ

قَالَ: وقِيَّاتُه مَا تَوَقَّى بِهِ مِنْ مَالِهِ، والمَهْبِلُ: المُسْتَوْدَعُ. وَيُقَالُ: وقاكَ اللهُ شَرَّ فُلَانٍ وِقايةً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ

؛ أَي مِنْ دافِعٍ. وَوَقَاهُ اللهُ وِقاية، بِالْكَسْرِ، أَي حَفِظَه. والتَّوْقِيةُ: الْكِلَاءَةُ والحِفْظُ؛ قَالَ:

إِنَّ المُوَقَّى مِثلُ مَا وقَّيْتُ

وتَوَقَّى واتَّقى بِمَعْنَى. وَقَدْ توَقَّيْتُ واتَّقَيْتُ الشَّيْءَ وتَقَيْتُه أَتَّقِيه وأَتْقِيه تُقًى وتَقِيَّةً وتِقاء: حَذِرْتُه؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَالِاسْمُ التَّقْوى، التَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ وَالْوَاوُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ

؛ أَي جَزَاءُ تَقْواهم، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَلهَمَهُم تَقْواهم، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ

؛ أَي هُوَ أَهلٌ أَن يُتَّقَى عِقابه وأَهلٌ أَن يُعمَلَ بِمَا يُؤَدِّي إِلى مَغْفِرته. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ

؛ مَعْنَاهُ اثْبُت عَلَى تَقْوى اللهِ ودُمْ عَلَيْهِ «2» وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً

؛ يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَصْدَرًا وأَن يَكُونَ جَمْعًا، وَالْمَصْدَرُ أَجود لأَن فِي الْقِرَاءَةِ الأُخرى:

إِلا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تَقِيَّةً

؛ التَّعْلِيلُ لِلْفَارِسِيِّ. التَّهْذِيبُ: وقرأَ حُمَيْدٌ

تَقِيَّة

، وَهُوَ وَجْهٌ، إِلا أَن الأُولى أَشهر فِي الْعَرَبِيَّةِ، والتُّقى يَكْتُبُ بِالْيَاءِ. والتَّقِيُّ: المُتَّقي. وَقَالُوا: مَا أَتْقاه لِلَّهِ؛ فأَما قَوْلُهُ:

ومَن يَتَّقْ فإِنَّ اللهَ مَعْهُ،

ورِزْقُ اللهِ مُؤْتابٌ وَغَادِي

فإِنما أَدخل جَزْمًا عَلَى جَزْمٍ؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فإِنه أَراد يَتَّقِ فأَجرى تَقِفَ، مِن يَتَّقِ فإِن، مُجرى عَلِمَ فَخَفَّفَ، كَقَوْلِهِمْ عَلْمَ فِي عَلِمَ. وَرَجُلٌ تَقِيٌّ مِنْ قَوْمٍ أَتْقِياء وتُقَواء؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ، وَنَظِيرُهَا سُخَواء وسُرَواء، وَسِيبَوَيْهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا

؛ تأْويله إِني أَعوذ بِاللَّهِ، فإِن كُنْتَ تَقِيًّا فسَتَتَّعِظ بتعَوُّذي بِاللَّهِ منكَ، وَقَدْ تَقيَ تُقًى. التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي التُّقاةُ والتَّقِيَّةُ والتَّقْوى والاتِّقاء كُلُّهُ وَاحِدٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ قَالَ: يُقَالُ اتَّقاه بِحَقِّهِ يَتَّقيه وتَقاه يَتْقِيه، وَتَقُولُ فِي الأَمر: تَقْ، وللمرأَة: تَقي؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَمَّام السَّلُولي:

زِيادَتَنا نَعْمانُ لَا تَنْسَيَنَّها،

تَقِ اللهَ فِينا والكتابَ الَّذِي تَتْلُو

بَنَى الأَمر عَلَى الْمُخَفِّفِ، فَاسْتَغْنَى عَنِ الأَلف فِيهِ بِحَرَكَةِ الْحَرْفِ الثَّانِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وأَصل يَتَقي يَتَّقِي، فَحُذِفَتِ التَّاءُ الأُولى، وَعَلَيْهِ مَا أَنشده الأَصمعي، قَالَ: أَنشدني عِيسَى بْنُ عُمر لخُفاف بْنِ نُدْبة:

جَلاها الصَّيْقَلُونَ فأَخْلَصُوها

خِفافاً، كلُّها يَتَقي بأَثر

أَي كُلُّهَا يَسْتَقْبِلُكَ بفِرِنْدِه؛ رأَيت هُنَا حَاشِيَةً بِخَطِّ الشَّيْخِ رضيِّ الدِّينِ الشاطِبي، رحمه الله، قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أَنهم يَقُولُونَ تَقَى اللهَ رَجُلٌ فعَل خَيْراً؛ يُرِيدُونَ اتَّقى اللهَ رَجُلٌ، فَيَحْذِفُونَ وَيُخَفِّفُونَ، قَالَ: وَتَقُولُ أَنت تَتْقي اللهَ وتِتْقي اللهَ، عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ تَعْلَمُ وتِعْلَمُ، وتِعْلَمُ، بِالْكَسْرِ: لغة

(2). قوله [ودم عليه] هو في الأَصل كالمحكم بتذكير الضمير.

ص: 402

قيْس وتَمِيم وأَسَد ورَبيعةَ وعامَّةِ الْعَرَبِ، وأَما أَهل الْحِجَازِ وقومٌ مِنْ أَعجاز هَوازِنَ وأَزْدِ السَّراة وبعضِ هُذيل فَيَقُولُونَ تَعْلَم، وَالْقُرْآنُ عَلَيْهَا، قَالَ: وَزَعَمَ الأَخفش أَن كُلَّ مَن وَرَدَ عَلَيْنَا مِنَ الأَعراب لَمْ يَقُلْ إِلا تِعْلَم، بِالْكَسْرِ، قَالَ: نَقَلْتُهُ مِنْ نَوَادِرِ أَبي زَيْدٍ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: رَجُلٌ تَقِيٌّ، ويُجمع أَتْقِياء، مَعْنَاهُ أَنه مُوَقٍّ نَفْسَه مِنَ الْعَذَابِ وَالْمَعَاصِي بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وأَصله مِنْ وَقَيْتُ نَفْسي أَقيها؛ قَالَ النَّحْوِيُّونَ: الأَصل وَقُويٌ، فأَبدلوا مِنَ الْوَاوِ الأُولى تَاءً كَمَا قَالُوا مُتَّزِر، والأَصل مُوتَزِر، وأَبدلوا مِنَ الْوَاوَ الثَّانِيَةَ يَاءً وأَدغموها فِي الْيَاءِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَكَسَرُوا الْقَافَ لِتُصْبِحَ الْيَاءَ؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَالِاخْتِيَارُ عِنْدِي فِي تَقِيّ أَنه مِنَ الْفِعْلِ فَعِيل، فأَدغموا الْيَاءَ الأُولى فِي الثَّانِيَةِ، الدَّلِيلُ عَلَى هَذَا جَمْعُهُمْ إِياه أَتقياء كَمَا قَالُوا وَليٌّ وأَوْلِياء، وَمَنْ قَالَ هُوَ فَعُول قَالَ: لمَّا أَشبه فَعَيْلًا جُمع كجمعه، قال أَبو منصور: اتَّقى يَتَّقي كَانَ فِي الأَصل اوْتَقى، عَلَى افْتَعَلَ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وأُبدلت مِنْهَا التَّاءُ وأُدغمت، فَلَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى لَفْظِ الِافْتِعَالِ تَوَهَّمُوا أَن التاءَ مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ فَجَعَلُوهُ إِتَقى يَتَقي، بِفَتْحِ التَّاءِ فِيهِمَا مُخَفَّفَةٌ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا لَهُ مِثَالًا فِي كَلَامِهِمْ يُلحقونه بِهِ فَقَالُوا تَقى يَتقي مِثْلُ قَضى يَقْضِي؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَدخل هَمْزَةَ الْوَصْلِ عَلَى تَقى، وَالتَّاءُ مُحَرَّكَةٌ، لأَنَّ أَصلها السُّكُونُ، وَالْمَشْهُورُ تَقى يَتَّقي مِنْ غَيْرِ هَمْزِ وَصْلٍ لِتَحَرُّكِ التَّاءِ؛ قَالَ أَوس:

تَقاكَ بكَعْبٍ واحِدٍ وتَلَذُّه

يَداكَ، إِذا هُزَّ بالكَفِّ يَعْسِلُ

أَي تَلَقَّاكَ بِرُمْحٍ كأَنه كَعْبٌ وَاحِدٌ، يُرِيدُ اتَّقاك بكَعْب وَهُوَ يَصِفُ رُمْحاً؛ وَقَالَ الأَسدي:

وَلَا أَتْقي الغَيُورَ إِذا رَآني،

ومِثْلي لُزَّ بالحَمِسِ الرَّبِيسِ

الرَّبيسُ: الدَّاهي المُنْكَر، يُقَالُ: داهِيةٌ رَبْساء، وَمَنْ رَوَاهَا بِتَحْرِيكِ التَّاءِ فإِنما هُوَ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنَ التَّخْفِيفِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَفِي بَيْتِ خُفاف بْنِ نَدبة يَتَقي وأَتَقي، بِفَتْحِ التَّاءِ لَا غَيْرَ، قَالَ: وَقَدْ أَنكر أَبو سَعِيدٍ تَقَى يَتْقي تَقْياً، وَقَالَ: يَلْزَمُ أَن يُقَالَ فِي الأَمر اتْقِ، وَلَا يُقَالَ ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. التَّهْذِيبُ. اتَّقى كَانَ فِي الأَصل اوْتَقى، وَالتَّاءُ فِيهَا تَاءُ الِافْتِعَالِ فأُدغمت الْوَاوُ فِي التَّاءِ وَشُدِّدَتْ فَقِيلَ اتَّقى، ثُمَّ حَذَفُوا أَلف الْوَصْلِ وَالْوَاوَ الَّتِي انْقَلَبَتْ تَاءً فَقِيلَ تَقى يَتْقي بِمَعْنَى اسْتَقْبَلَ الشَّيْءَ وتَوَقَّاه، وإِذا قَالُوا اتَّقى يَتَّقي فَالْمَعْنَى أَنه صَارَ تَقِيّاً، وَيُقَالُ فِي الأَول تَقى يَتْقي ويَتْقى. وَرَجُلٌ وَقِيٌّ تَقِيٌّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَرُوِيَ عَنْ

أَبي الْعَبَّاسِ أَنه سَمِعَ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ: وَاحِدَةُ التُّقى تُقاة مِثْلَ طُلاة وطُلًى

، وَهَذَانَ الْحَرْفَانِ نَادِرَانِ؛ قَالَ الأَزهري: وأَصل الْحَرْفِ وَقى يَقي، وَلَكِنَّ التاءَ صَارَتْ لَازِمَةً لِهَذِهِ الْحُرُوفِ فَصَارَتْ كالأَصلية، قَالَ: وَلِذَلِكَ كَتَبْتُهَا فِي بَابِ التَّاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِنما الإِمام جُنَّة يُتَّقى بِهِ ويُقاتَل مِنْ وَرَائِهِ

أَي أَنه يُدْفَعُ بِهِ العَدُوُّ ويُتَّقى بقُوّته، والتاءُ فِيهَا مُبْدَلَةٌ مِنَ الْوَاوِ لأَن أَصلها مِنَ الوِقاية، وَتَقْدِيرُهَا اوْتَقى، فَقُلِبَتْ وأُدغمت، فَلَمَّا كَثُرَ استعمالُها تَوَهَّمُوا أَن التاءَ مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ فَقَالُوا اتَّقى يَتَّقي، بِفَتْحِ التَّاءِ فِيهِمَا «1». وَفِي الحديث:

كنا

(1). قوله [فَقَالُوا اتَّقَى يَتَّقِي بِفَتْحِ التاء فيهما] كذا في الأصل وبعض نسخ النهاية بألفين قبل تاء اتقى. ولعله فقالوا: تقى يتقي، بألف واحدة، فتكون التاء مخففة مفتوحة فيهما. ويؤيده ما في نسخ النهاية عقبه: وربما قالوا تقى يتقي كرمى يرمي.

ص: 403

إِذا احْمَرَّ البَأْسُ اتَّقَينا برسولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم

، أَي جَعَلْنَاهُ وِقاية لَنَا مِنَ العَدُوّ قُدَّامَنا واسْتَقْبَلْنا العدوَّ بِهِ وقُمْنا خَلْفَه وِقاية. وَفِي الْحَدِيثِ:

قلتُ وَهَلْ للسَّيفِ مِنْ تَقِيَّةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَقِيَّة عَلَى أَقذاء وهُدْنةٌ عَلَى دَخَنٍ

؛ التَّقِيَّةُ والتُّقاةُ بِمَعْنَى، يُرِيدُ أَنهم يَتَّقُون بعضُهم بَعْضًا ويُظهرون الصُّلْحَ والاتِّفاق وَبَاطِنُهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ. قَالَ: والتَّقْوى اسْمٌ، وَمَوْضِعُ التَّاءِ وَاوٌ وأَصلها وَقْوَى، وَهِيَ فَعْلى مِنْ وَقَيْتُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: التَّقوى أَصلها وَقْوَى مِنْ وَقَيْتُ، فَلَمَّا فُتِحت قُلِبت الْوَاوُ تَاءً، ثُمَّ تُرِكَتِ التاءُ فِي تَصْرِيفِ الْفِعْلِ عَلَى حَالِهَا فِي التُّقى والتَّقوى والتَّقِيَّةِ والتَّقِيِّ والاتِّقاءِ، قَالَ: والتُّقاةُ جَمْعٌ، وَيُجْمَعُ تُقِيّاً، كالأُباةِ وتُجْمع أُبِيّاً، وتَقِيٌّ كَانَ فِي الأَصل وَقُويٌ، عَلَى فَعُولٍ، فَقُلِبَتِ الواو الأُولى تاء كما قَالُوا تَوْلج وأَصله وَوْلَج، قَالُوا: وَالثَّانِيَةُ قُلِبَتْ يَاءً للياءِ الأَخيرة، ثُمَّ أُدغمت فِي الثَّانِيَةِ فَقِيلَ تَقِيٌّ، وَقِيلَ: تَقيٌّ كَانَ فِي الأَصل وَقِيّاً، كأَنه فَعِيل، وَلِذَلِكَ جُمِعَ عَلَى أَتْقِياء. الْجَوْهَرِيُّ: التَّقْوى والتُّقى وَاحِدٌ، وَالْوَاوُ مُبْدَلَةٌ مِنَ الياءِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي رَيّا. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ الْقَزَّازِ: أَن تُقًى جَمْعُ تُقاة مِثْلَ طُلاةٍ وطُلًى. والتُّقاةُ: التَّقِيَّةُ، يُقَالُ: اتَّقى تَقِيَّةً وتُقاةً مِثْلُ اتَّخَمَ تُخَمةً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: جَعْلُهُمْ هَذِهِ الْمَصَادِرَ لاتَّقى دُونَ تَقى يَشْهَدُ لِصِحَّةِ قَوْلِ أَبي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَقى يَتْقي وإِنما سَمِعَ تَقى يَتَقي مَحْذُوفًا مَنِ اتَّقى. والوِقايةُ الَّتِي للنساءِ، والوَقايةُ، بِالْفَتْحِ لُغَةٌ، والوِقاءُ والوَقاءُ: مَا وَقَيْتَ بِهِ شَيْئًا. والأُوقِيَّةُ: زِنةُ سَبعة مَثاقِيلَ وَزِنَةُ أَربعين دِرْهَمًا، وَإِنْ جَعَلْتُهَا فُعْلِيَّة فَهِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْبَابِ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ الأُوقِيَّةُ وَجَمْعُهَا أَواقِيُّ، والوَقِيّةُ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ، وَجَمْعُهَا وَقايا. وَفِي حَدِيثِ

النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: أَنه لَمْ يُصْدِق امْرأَةً مِنْ نِسائه أَكثر مِنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً ونَشٍ

؛ فَسَّرَهَا مُجَاهِدٌ فَقَالَ: الأُوقِيَّة أَربعون دِرْهَمًا، والنَّشُّ عِشْرُونَ. غَيْرُهُ: الوَقيَّة وزن من أَوزان الدُّهْنِ، قَالَ الأَزهري: وَاللُّغَةُ أُوقِيَّةٌ، وَجَمْعُهَا أَواقيُّ وأَواقٍ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مَرْفُوعٍ:

لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَواقٍ مِنَ الوَرِق صَدَقَةٌ

؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: خمسُ أَواقٍ مِائَتَا دِرْهم، وَهَذَا يُحَقِّقُ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَدْ وَرَدَ بِغَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَا صَدَقة فِي أَقَلَّ مِن خمسِ أَواقِي، وَالْجَمْعُ يشدَّد وَيُخَفَّفُ مِثْلَ أُثْفِيَّةٍ وأَثافِيَّ وأثافٍ، قَالَ: وَرُبَّمَا يَجِيءُ فِي الْحَدِيثِ وُقِيّة وَلَيْسَتْ بِالْعَالِيَةِ وَهَمْزَتُهَا زَائِدَةٌ، قَالَ: وَكَانَتِ الأُوقِيَّة قَدِيمًا عِبَارَةً عَنْ أَربعين دِرْهَمًا، وَهِيَ فِي غَيْرِ الْحَدِيثِ نِصْفُ سُدُسِ الرِّطْلِ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا، وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اصْطِلَاحِ الْبِلَادِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الأُوقيَّة فِي الْحَدِيثِ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، اسْمٌ لأَربعين دِرْهَمًا، وَوَزْنُهُ أُفْعولةٌ، والأَلف زَائِدَةٌ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وُقِية، بِغَيْرِ أَلف، وَهِيَ لُغَةٌ عَامِّيَّةٌ، وَكَذَلِكَ كَانَ فِيمَا مَضَى، وأَما الْيَوْمُ فِيمَا يَتعارَفُها النَّاسُ ويُقَدِّر عَلَيْهِ الأَطباء فالأُوقية عِنْدَهُمْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةُ أَسباع دِرْهَمٍ، وَهُوَ إِسْتار وَثُلُثَا إِسْتار، وَالْجَمْعُ الأَواقي، مُشَدَّدًا، وإِن شِئْتَ خَفَّفَتِ الْيَاءَ فِي الْجَمْعِ. والأَواقِي أَيضاً: جَمْعُ واقِيةٍ؛ وأَنشد بَيْتَ مهَلْهِلٍ: لقدْ وَقَتْكَ الأَواقِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، قَالَ: وأَصله ووَاقِي لأَنه فَواعِل، إِلا أَنهم كَرِهُوا اجْتِمَاعَ الْوَاوَيْنِ فَقَلَبُوا الأُولى أَلفاً. وسَرْجٌ واقٍ: غَيْرُ مِعْقَر، وَفِي التَّهْذِيبِ: لَمْ يَكُنْ

ص: 404

مِعْقَراً، وَمَا أَوْقاه، وَكَذَلِكَ الرَّحْل، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: سَرْجٌ واقٍ بَيّن الوِقاء، مدود، وسَرجٌ وَقِيٌّ بيِّن الوُقِيِّ. ووَقَى مِنَ الحَفَى وَقْياً: كوَجَى؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وصُمٍّ صِلابٍ مَا يَقِينَ مِنَ الوَجَى،

كأَنَّ مَكانَ الرِّدْفِ منْه علَى رالِ

وَيُقَالُ: فَرَسٌ واقٍ إِذا كَانَ يَهابُ المشيَ مِنْ وَجَع يَجِده فِي حافِره، وَقَدْ وَقَى يَقِي؛ عَنِ الأَصمعي، وَقِيلَ: فَرَسٌ واقٍ إِذا حَفِيَ مِنْ غِلَظِ الأَرضِ ورِقَّةِ الحافِر فَوَقَى حافِرُه الْمَوْضِعَ الْغَلِيظَ؛ قَالَ ابن أَحمر:

تَمْشِي بأَوْظِفةٍ شِدادٍ أَسْرُها،

شُمِّ السّنابِك لَا تَقِي بالجُدْجُدِ

أَي لَا تَشْتَكِي حُزونةَ الأَرض لصَلابة حَوافِرها. وَفَرَسٌ واقِيةٌ: لِلَّتِي بِهَا ظَلْعٌ، وَالْجَمْعُ الأَواقِي. وسرجٌ واقٍ إِذا لَمْ يَكُنْ مِعْقَراً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والواقِيةُ والواقِي بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ؛ قَالَ أَفيون التغْلبي:

لَعَمْرُك مَا يَدْرِي الفَتَى كيْفَ يتَّقِي،

إِذا هُو لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللهُ واقِيا

وَيُقَالُ لِلشُّجَاعِ: مُوَقًّى أَي مَوْقِيٌّ جِدًّا. وَقِ عَلَى ظَلْعِك أَي الزَمْه وارْبَعْ عَلَيْهِ، مَثَلٍ ارْقَ عَلَى ظَلْعِك، وَقَدْ يُقَالُ: قِ عَلَى ظَلْعِك أَي أَصْلِحْ أَوَّلًا أَمْرَك، فَتَقُولُ: قَدْ وَقَيْتُ وَقْياً ووُقِيّاً. التَّهْذِيبُ: أَبو عُبَيْدَةَ فِي بَابِ الطِّيرَةِ والفَأْلِ: الواقِي الصُّرَدُ مِثْلُ القاضِي؛ قَالَ مُرَقِّش:

ولَقَدْ غَدَوْتُ، وكنتُ لَا

أَغْدُو، عَلَى واقٍ وحاتِمْ

فَإِذا الأَشائِمُ كالأَيامِنِ

، والأَيامِنُ كالأَشائِمْ

قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: قِيلَ للصُّرَد واقٍ لأَنه لَا يَنبَسِط فِي مَشْيِهِ، فشُبّه بالواقِي مِنَ الدَّوابِّ إِذا حَفِيَ. والواقِي: الصُّرَدُ؛ قَالَ خُثَيْمُ بْنُ عَدِيّ، وَقِيلَ: هُوَ للرَّقَّاص «1» الْكَلْبِيُّ يَمْدَحُ مَسْعُودَ بْنَ بَجْر، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ:

وجَدْتُ أَباكَ الخَيْرَ بَجْراً بِنَجْوةٍ

بنَاها لَهُ مَجْدٌ أَشَمٌّ قُماقِمُ

وَلَيْسَ بِهَيَّابٍ، إِذا شَدَّ رَحْلَه،

يَقُولُ: عَدانِي اليَوْمَ واقٍ وحاتِمُ،

وَلَكِنَّهُ يَمْضِي عَلَى ذاكَ مُقْدِماً،

إِذا صَدَّ عَنْ تلكَ الهَناتِ الخُثارِمُ

ورأَيت بِخَطِّ الشَّيْخِ رَضِيِّ الدِّينِ الشَّاطِبِيِّ، رحمه الله، قَالَ: وَفِي جَمْهَرَةِ النَّسَبِ لِابْنِ الْكَلْبِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ غُطَيْفِ بْنِ نُوَيْلٍ الشَّاعِرِ وَابْنِهِ خُثَيْمٌ، قَالَ: وَهُوَ الرَّقَّاص الشَّاعِرُ الْقَائِلُ لِمَسْعُودِ بْنِ بَحْرٍ الزُّهريّ:

وجدتُ أَباك الْخَيْرَ بَحْرًا بِنَجْوَةٍ

بَنَاهَا له مجدٌ أَشم قُماقمُ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنَّ واقٍ حِكَايَةُ صَوْتِهِ، فإِن كَانَ ذَلِكَ فَاشْتِقَاقُهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ هُوَ الواقِ، بِكَسْرِ الْقَافِ بِلَا يَاءٍ، لأَنه سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحِكَايَةِ صَوْتِهِ. وَابْنٌ وَقاء أَو وِقاء: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَاللَّهُ أَعلم.

وَكَيَ: الوِكاء: كلُّ سَيْر أَو خَيْطٌ يُشَدُّ بِهِ فَمُ السِّقاء أَو الوِعاء. وَقَدْ أَوكَيتُه بالوِكاء إِيكاء إِذا شَدَدْتُهُ. ابْنُ سِيدَهْ: الوِكاء رِباط القِرْبةِ وَغَيْرُهَا الَّذِي يُشد بِهِ رأْسُها. وَفِي الْحَدِيثِ:

احْفَظْ عِفاصَها ووِكاءها.

وَفِي حَدِيثِ اللُّقَطةِ:

اعْرِفْ وِكاءها وعِفاصَها

؛

(1). قوله [للرقاص إلخ] في التكملة: هو لقب خثيم بن عدي، وهو صريح كلام رضي الدين بعد

ص: 405

الوِكاء: الْخَيْطُ الَّذِي تُشدّ بِهِ الصُّرّة وَالْكِيسُ وَغَيْرُهُمَا. وأَوْكَى عَلَى مَا فِي سِقائه إِذا شَدَّه بالوِكاء. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَوْكُوا الأَسْقِيةَ

أَي شُدُّوا رُؤوسها بالوِكاء لِئَلَّا يدخُلَها حَيَوَانٌ أَو يَسْقُطَ فِيهَا شَيْءٌ. يُقَالُ: أَوْكَيْتُ السِّقاء أُوكيه إِيكاء، فَهُوَ مُوكًى. وَفِي الْحَدِيثِ:

نَهى عَنْ الدُّبّاء والمُزَفَّتِ وَعَلَيْكُمْ بالمُوكَى

أَي السِّقاء المَشْدود الرأْس لأَنَّ السِّقاء المُوكَى قَلَّما يَغْفُلُ عَنْهُ صاحبُه لِئَلَّا يَشتدَّ فِيهِ الشَّرَابُ فَيَنْشَقُّ فَهُوَ يَتَعَهَّدُه كَثِيرًا. ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ وكَى القِربةَ وأَوْكاها وأَوْكَى عَلَيْهَا، وإِنَّ فُلَانًا لَوِكاءٌ مَا يَبِضُّ بِشَيْءٍ، وسأَلناه فأَوْكَى عَلَيْنَا أَي بَخِلَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

إِنَّ العَيْنَ وِكاءُ السَّهِ، فإِذا نامَ أَحدُكم فلْيَتَوَضَّأْ

؛ جَعلَ الْيَقَظَةَ للاسْت كالوِكاء للقِربة، كَمَا أَنَّ الوِكاءَ يمنعُ مَا فِي الْقِرْبَةِ أَنْ يَخْرج كَذَلِكَ اليَقَظة تَمْنَعُ الاسْتَ أَن تُحْدِث إِلَّا بالاختيارِ، والسَّهُ: حَلْقةُ الدُّبر، وَكَنَى بِالْعَيْنِ عَنِ الْيَقَظَةِ لأَن النَّائِمَ لَا عَيْنَ لَهُ تُبْصِر. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:

إِذا نامَتِ العَيْنُ اسْتَطْلَقَ الوِكاء

، وكلُّه عَلَى الْمَثَلِ. وكلُّ مَا شُدَّ رأْسُه مِن وِعاء وَنَحْوَهُ وِكاء؛ وَمِنْهُ قَوْلُ

الْحَسَنِ: يَا ابنَ آدمَ، جَمْعًا فِي وِعاء وشَدًّا فِي وكاء

؛ جعل الوِكاء هاهنا كالجِراب. وَفِي حَدِيثِ

أَسْماء: قَالَ لَهَا أَعْطِي وَلَا تُوكي فَيُوكى عليكِ

أَي لَا تَدَّخِري وتَشُدِّي مَا عِنْدَكِ وَتَمْنَعِي مَا فِي يَدِكِ فَتَنْقَطِعُ مَادَّةُ الرِّزْقِ عَنْكِ. وأَوْكَى فَمَهُ: سَدَّهُ. وَفُلَانٌ يُوكِي فُلَانًا: يأْمره أَن يَسُدَّ فَاهُ وَيَسْكُتَ. وَفِي حَدِيثِ

الزُّبَيْرِ: أَنه كَانَ يُوكي بَيْنَ الصَّفا والمَرْوة سَعْياً

أَي يَملأَ مَا بَيْنَهُمَا سَعْياً كَمَا يُوكى السِّقاء بَعْدَ المَلْء، وَقِيلَ: كَانَ يَسْكُتُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ عِنْدِي مِنَ الإِمساك عَنِ الْكَلَامِ أَي لَا يتكلَّم كأَنه يُوكي فَاهُ فَلَا يتكلَّم، وَيُرْوَى عَنْ أَعرابي أَنه سَمِعَ رَجُلًا يَتكلَّم فَقَالَ: أَوْكِ حَلْقك أَي سُدَّ فَمَك وَاسْكُتْ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، قَالَ: وَهُوَ أَصح عِنْدِي مِمَّا ذَهَبَ إِليه أَبو عُبَيْدٍ، وَذَلِكَ لأَن الإِيكاء فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَكُونُ بِمَعْنَى السَّعْي الشَّدِيدِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ

الزُّبَيْرِ: إِنه كَانَ يُوكي مَا بَيْنَهُمَا سَعْياً

، قَالَ: وقرأَت فِي نَوَادِرِ الأَعراب الْمَحْفُوظَةِ عَنْهُمْ: الزُّوازِية المُوكي الَّذِي يتَشددُ فِي مَشْيِه، فَمَعْنَى المُوكي الَّذِي يَتَشَدَّدُ فِي مَشْيِهِ. وَرُوِيَ عَنْ

أَحمد بْنِ صَالِحٍ أَنه قَالَ فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ: إِنه كَانَ إِذا طَافَ بِالْبَيْتِ أَوكى الثَّلاثَ سَعْياً، يَقُولُ: جَعَلَهُ كُلَّهُ سَعْيًا

، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ، بَعْدَ أَن ذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ مَا ذَكَرْنَا قَالَ: إِن صَحَّ أَنه كان يُوكي ما بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَعْيًا فإِن وَجْهَهُ أَن يملأَ مَا بَيْنَهُمَا سَعْيًا لَا يَمْشِي عَلَى هَيِّنَتِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا مشبَّه بِالسِّقَاءِ أَو غَيْرِهِ يُملأَ مَاءً ثُمَّ يُوكى عَلَيْهِ حَيْثُ انْتَهَى الامْتِلاء؛ قَالَ الأَزهري: وإِنما قِيلَ لِلَّذِي يَشْتَدُّ عَدْوُه مُوكٍ لأَنه كأَنه قَدْ ملأَ مَا بَيْنَ خَواءِ رِجْلَيْهِ عَدْواً وأَوْكى عَلَيْهِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ملأَ الفَرسُ فُروجَ دَوارِجه عَدْواً إِذا اشتدَّ حُضْره، والسِّقاء إِنما يُوكَى عَلَى مَلْئِه. ابْنُ شُمَيْلٍ: اسْتَوْكى بَطْنُ الإِنسان وَهُوَ أَن لَا يَخْرُجُ مِنْهُ نَجْوُه. وَيُقَالُ لِلسِّقَاءِ وَنَحْوَهُ إِذا امْتلأَ: قَدِ اسْتَوْكى. ووَكَّى الفرسُ المَيْدانَ شَدًّا: مَلأَه، وَهُوَ مِنْ هَذَا. وَيُقَالُ: اسْتَوْكَتِ النَّاقَةُ واستوكتِ الإِبل اسْتِيكاء إِذا امتلأَت سِمَناً. وَيُقَالُ: فُلَانٌ مُوكي الغُلْمة ومُزِكُّ الغُلْمة ومُشِطُّ الغُلْمة إِذا كَانَتْ بِهِ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ إِلى الخلاط.

ولي: فِي أَسماء اللَّه تَعَالَى: الوَليُّ هُوَ الناصِرُ، وَقِيلَ: الُمَتَوَلِّي لأُمور الْعَالَمِ وَالْخَلَائِقِ القائمُ بِهَا، وَمِنْ أَسمائه عز وجل: الْوَالِي، وَهُوَ مالِكُ الأَشياء جَمِيعِهَا

ص: 406

المُتَصَرِّفُ فِيهَا. قَالَ ابْنُ الأَثير: وكأَن الوِلاية تُشعر بالتَّدْبير والقُدرة والفِعل، وَمَا لَمْ يَجْتَمِعْ ذَلِكَ فِيهَا لَمْ يَنْطَلِقْ عَلَيْهِ اسْمُ الْوَالِي. ابْنُ سِيدَهْ: وَليَ الشيءَ ووَليَ عَلَيْهِ وِلايةً ووَلايةً، وَقِيلَ: الوِلاية الخُطة كالإِمارة، والوَلايةُ الْمَصْدَرُ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الوِلاية، بِالْكَسْرِ، السُّلْطَانُ، والوَلاية والوِلاية النُّصرة. يُقَالُ: هم عليَّ وَلايةٌ [وِلايةٌ] أَي مُجْتَمِعُونَ فِي النُّصرة. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الوَلاية، بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، والوِلاية، بِالْكَسْرِ، الِاسْمُ مِثْلَ الإِمارة والنِّقابة، لأَنه اسْمٌ لِمَا توَلَّيته وقُمْت بِهِ فإِذا أَرادوا الْمَصْدَرَ فَتَحُوا. قَالَ ابْنُ بري: وقرىء ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ

بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَهِيَ بِمَعْنَى النُّصْرة، قَالَ أَبو الْحَسَنِ: الْكَسْرُ لُغَةٌ وَلَيْسَتْ بِذَلِكَ. التَّهْذِيبُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ

، قَالَ الْفَرَّاءُ: يُرِيدُ مَا لَكَمَ مِنْ مَوارِيثهم مِنْ شَيْءٍ، قَالَ: فكسْرُ الْوَاوِ هَاهُنَا مِنْ وِلايتهم أَعجبُ إِليَّ مِنْ فَتْحِهَا لأَنها إِنما تُفْتَحُ أَكثرَ ذَلِكَ إِذا أُريد بِهَا النُّصْرَةُ، قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَفْتَحُهَا وَيَذْهَبُ بِهَا إِلى النُّصْرَةِ، قَالَ الأَزهري: وَلَا أَظنه عَلِمَ التَّفْسِيرَ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيَخْتَارُونَ فِي وَلِيته وِلاية الْكَسْرَ، قَالَ: وَسَمِعْنَاهَا بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ فِي الْوِلَايَةِ فِي مَعْنَيَيْهِمَا جَمِيعًا، وأَنشد:

دَعِيهِم فهمْ أَلبٌ عليَّ وِلايةٌ،

وحَفْرُهُمُو إِنْ يَعْلَمُوا ذَاكَ دائبُ

وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ نَحْوًا مِمَّا قَالَ الْفَرَّاءُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يقرأُ وَلايتِهِم ووِلايَتِهم، بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا، فَمَنْ فَتَحَ جَعَلَهَا مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّسَبِ، قَالَ: والوِلايةُ الَّتِي بِمَنْزِلَةِ الإِمارة مَكْسُورَةٌ لِيَفْصِلَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، وَقَدْ يَجُوزُ كَسْرُ الْوِلَايَةِ لأَن فِي تَوَلِّي بَعْضِ الْقَوْمِ بَعْضًا جِنْسًا مِنَ الصِّناعة وَالْعَمَلِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنَ جِنْسِ الصِّناعة نَحْوَ القِصارة والخِياطة فَهِيَ مَكْسُورَةٌ. قَالَ: والوِلايةُ عَلَى الإِيمان وَاجِبَةٌ، الْمُؤْمِنُونَ بعضُهم أَولياء بَعْضٍ، وَليٌّ بيِّن الوَلايةِ ووالٍ بيِّن الوِلاية. والوَلِيُّ: وليُّ الْيَتِيمِ الَّذِي يَلِي أَمرَه وَيَقُومُ بكِفايته. ووَليُّ المرأَةِ: الَّذِي يَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا وَلَا يَدَعُها تسْتَبدُّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ دُونَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَيُّما امرأَة نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذن مَوْلَاهَا فنِكاحُها بَاطِلٌ

، وَفِي رِوَايَةٍ:

وَلِيِّها

أَي مُتَوَلِّي أَمرِها. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَسأَلُك غَنايَ وغِنى مَوْلَايَ.

وَفِي الْحَدِيثِ:

مَنْ أَسْلم عَلَى يَدِهِ رَجُلٌ فَهُوَ مَوْلَاهُ

أَي يَرِثه كَمَا يَرِث مَنْ أَعتقه. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مُشْرِك يُسْلِم عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: هُوَ أَولى النَّاسِ بمَحْياه وَمَمَاتِهِ

أَي أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ الأَثير: ذَهَبَ قَوْمٌ إِلى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَاشْتَرَطَ آخَرُونَ أَن يُضِيف إِلى الإِسلام عَلَى يَدِهِ المُعاقَدة والمُوالاة، وَذَهَبَ أَكثر الْفُقَهَاءِ إِلى خِلَافِ ذَلِكَ وَجَعَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ بِمَعْنَى البِرِّ والصِّلة ورَعْي الذِّمام، وَمِنْهُمْ مَنْ ضعَّف الْحَدِيثَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَلحِقُوا المالَ بالفَرائضِ فَمَا أَبقت السِّهام فلِأوْلى رَجُلٍ ذكَر أَي أَدنى وأَقرب فِي النَّسَبِ إِلى الْمَوْرُوثِ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ أَولى بِهَذَا الأَمر مِنْ فُلَانٍ أَي أَحق بِهِ. وَهُمَا الأَولَيانِ الأَحَقَّانِ. قَالَ اللَّه تَعَالَى: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ

، قرأَ بِهَا عَلِيٌّ، عليه السلام، وَبِهَا قرأَ أَبو عَمْرِو وَنَافِعٌ وَكَثِيرٌ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَنْ قرأَ الأَوْلَيانِ أَراد وَليّي الموْروث، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الأَوْلَيانِ، فِي قَوْلِ أَكثر الْبَصْرِيِّينَ، يَرْتَفِعَانِ عَلَى الْبَدَلِ مِمَّا فِي يَقُومَانِ، الْمَعْنَى: فليَقُم الأَوْليانِ بِالْمَيِّتِ مَقام هَذَيْنِ الْجَائِيَيْنِ، وَمَنْ قرأَ الأَوَّلِين ردَّه عَلَى الَّذِينَ، وكأَن الْمَعْنَى مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ أَيضاً الأَوَّلِين، قَالَ: وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ

ص: 407

اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا، وَبِهَا قرأَ الْكُوفِيُّونَ «2» وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَرأَيت إِن كَانَ الأَوْلَيانِ صَغِيرَيْنِ. وَفُلَانٌ أَولى بِكَذَا أَي أَحْرى بِهِ وأَجْدَرُ. يُقَالُ: هُوَ الأَولى وَهُمُ الأَوالي والأَوْلَوْنَ عَلَى مِثَالِ الأَعلى والأَعالي والأَعْلَوْنَ. وَتَقُولُ فِي المرأَة: هِيَ الوُلْيا وَهُمَا الوُلْيَيانِ وهُنَّ الوُلى، وإِن شِئْتَ الوُلْيَياتُ، مِثْلُ الكُبْرى والكُبْرَيانِ والكُبَرُ والكُبْرَيات. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي

، قَالَ الْفَرَّاءُ: المَوالي ورَثةُ الرَّجُلِ وَبَنُو عمِّه، قَالَ: والوَلِيُّ والمَوْلى وَاحِدٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمِنْ هَذَا قَوْلِ سَيِّدِنَا

رَسُولِ اللَّه، صلى الله عليه وسلم: أَيُّما امرأَةٍ نَكحَتْ بِغَيْرِ إِذن مَوْلاها

، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ:

بِغَيْرِ إِذن وَلِيِّها

، لأَنهما بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَرَوَى ابْنُ سَلَامٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ: المَوْلى لَهُ مَوَاضِعَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: مِنْهَا المَوْلى فِي الدِّين وَهُوَ الوَلِيُّ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ

، أَي لَا وَلِيَّ لَهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلِ سَيِّدِنَا

رَسُولِ اللَّه، صلى الله عليه وسلم: مَنْ كنتُ مَولاه فعليٌّ مَولاه

أَيْ مَن كنتُ وَلِيَّه، قَالَ:

وَقَوْلُهُ، عليه السلام، مُزَيْنَة وجُهَيْنَةُ وأَسْلَمُ وغِفارُ مَوالي اللهِ وَرَسُولِهِ

أَي أَوْلِياء اللَّهِ، قَالَ: والمَوْلى العَصَبةُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي

، وَقَالَ اللِّهْبِيُّ يُخَاطِبُ بَنِي أُمية:

مَهْلًا بَني عَمِّنا، مَهْلًا مَوالِينا،

امْشُوا رُوَيْدا كَمَا كنْتُمْ تَكُونونا

قَالَ: والمَوْلى الحَلِيفُ، وَهُوَ مَنِ انْضمَّ إِليك فعَزَّ بعِزِّك وَامْتَنَعَ بمَنَعَتك، قَالَ عَامِرٌ الخَصَفِي مِنْ بَنِي خَصَفةَ:

همُ المَوْلى، وإِنْ جَنَفُوا عَليْنا،

وإِنَّا مِنْ لِقائِهِم لَزُورُ

قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي المَوالي أَي بَنِي الْعَمِّ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا. والمَوْلى: المُعْتَقُ انْتَسَبَ بِنَسَبِكَ، وَلِهَذَا قِيلَ للمُعْتَقِين المَوالي، قَالَ: وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ المَوْلى عَلَى سِتَّةِ أَوجه: المَوْلى ابْنُ الْعَمِّ والعمُّ والأَخُ والابنُ والعَصباتُ كُلُّهُمْ، والمَوْلى النَّاصِرُ، وَالْمَوْلَى الْوَلِيُّ الَّذِي يَلِي عَلَيْكَ أَمرك، قَالَ: وَرَجُلٌ وَلاء وَقَوْمٌ وَلاء فِي مَعْنَى وَلِيّ وأَوْلِياء لأَن الوَلاء مَصْدَرٌ، والمَوْلى مَوْلى المُوالاة وَهُوَ الَّذِي يُسْلِمُ عَلَى يَدِكَ ويُوالِيك، والمَوْلى مَوْلى النِّعْمة وَهُوَ الْمُعْتِقُ أَنعم عَلَى عَبْدِهِ بعتقِه، والمَوْلى المُعْتَقُ لأَنه يُنْزِلُ مَنْزِلَةَ ابْنِ الْعَمِّ يَجِبُ عَلَيْكَ أَن تَنْصُرَهُ وَتَرِثَهُ إِنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ، فَهَذِهِ سِتَّةُ أَوجه. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، قَالَ: هَؤُلَاءِ خُزاعةُ كَانُوا عاقَدُوا النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، أَن لَا يُقاتِلوه وَلَا يُخرجوه، فأُمِر النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، بالبِرِّ والوَفاء إِلى مدَّة أَجلهم، ثُمَّ قَالَ: إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ

أَنْ تَوَلَّوْهُمْ

، أَي تَنْصُروهم، يَعْنِي أَهل مَكَّةَ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: جَعَلَ التولي هاهنا بِمَعْنَى النَّصْر مِنَ الوَليّ، والمَوْلى وَهُوَ النَّاصِرُ. وَرُوِيَ

أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ تَوَلَّاني فلْيَتَوَلَّ عَلِيًّا

، مَعْنَاهُ مَنْ نَصَرَني فليَنْصُرْه. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ

، أَي تَوَلَّيْتُمْ أُمور النَّاسِ، وَالْخِطَابُ لِقُرَيْشٍ، قَالَ الزَّجَّاجُ: وقرىءَ

إِنْ تُوُلِّيتُمْ

، أَي وَلِيَكُمْ بَنُو هَاشِمٍ. وَيُقَالُ: تَوَلَّاكَ اللَّهُ أَي وَلِيكَ اللَّهُ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى نَصَرَك اللَّه.

وقوله، صلى

(2). قوله" وبها قرأ الكوفيون" عبارة الخطيب: وبها قرأ حمزة وشعبة.

ص: 408

اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ والِ مَن وَالَاهُ أَي أَحْبِبْ مَنْ أَحَبَّه وانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ.

والمُوالاةُ عَلَى وُجُوهٍ، قَالَ ابْنُ الأَعرابي: المُوالاةُ أَن يَتَشَاجَرَ اثْنَانِ فَيَدْخُلُ ثَالِثٌ بَيْنِهِمَا لِلصُّلْحِ وَيَكُونُ لَهُ فِي أَحدهما هَوًى فيوالِيه أَوْ يُحابيه، وَوَالَى فُلَانٌ فُلَانًا إِذا أَحبَّه، قَالَ الأَزهري: وَلِلْمُوَالَاةِ مَعْنَى ثَالِثٌ، سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ والُوا حَواشِيَ نَعَمِكم عَنْ جِلَّتِها أَي اعْزِلوا صِغارَها عَنْ كِبارِها، وَقَدْ والَيْناها فتَوالَتْ إِذا تَمَيَّزَتْ، وأَنشد بَعْضُهُمْ:

وكُنَّا خُلَيْطَى فِي الجِمالِ، فأَصبحَتْ

جِمالي تُوالَى وُلَّهاً مِن جِمالِكا

تُوالى أَي تُمَيَّزُ مِنْهَا، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الأَعشى:

ولكنَّها كانتْ نَوًى أَجْنَبِيَّةً،

تَواليَ رِبْعِيّ السِّقابِ فأَصْحَبا

ورِبْعِيُّ السِّقاب: الَّذِي نُتِجَ فِي أَوَّل الرَّبِيعِ، وتوَالِيه: أَن يُفْصَلَ عَنْ أُمه فيَشْتدَّ ولَهُه إِليها إِذا فَقَدها، ثُمَّ يَسْتَمِرُّ عَلَى المُوالاة ويُصْحِبُ أَي يَنْقَادُ ويَصْبِر بعد ما كَانَ اشْتدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُفارَقته إِياها. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: تَوالَيْتُ مَالِي وامْتَزْت مَالِي وازْدَلْت مَالِي بِمَعْنَى وَاحِدٍ، جُعِلَتْ هَذِهِ الأَحرف وَاقِعَةً، قَالَ: وَالظَّاهِرُ مِنْهَا اللُّزُومُ. ابْنُ الأَعرابي قَالَ: ابْنُ الْعَمِّ مَوْلًى وَابْنُ الأُخت مَوْلًى والجارُ والشريكُ والحَلِيف، وَقَالَ الْجَعْدِيُّ:

مَواليَ حِلْفٍ لَا مَوالي قَرابةٍ،

ولكنْ قَطِيناً يَسْأَلونَ الأَتاوِيا

يَقُولُ: هُمْ حُلَفاء لَا أَبناء عَمٍّ، وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

فَلَوْ كَانَ عبدُ اللَّهِ مَوْلًى هَجَوْتُه،

ولكنَّ عبدَ اللَّهِ مَوْلَى مَوالِيا

لأَنَّ عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبي إِسحاق مَوْلَى الحَضْرَمِيِّين، وَهُمْ حُلفاء بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، والحَلِيفُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَوْلًى، وإِنما قَالَ مُوَالِيًا فَنَصَبَ لأَنه ردَّه إِلى أَصله لِلضَّرُورَةِ، وإِنما لَمْ يُنَوَّنْ لأَنه جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الْمُعْتَلِّ الَّذِي لَا يَنْصَرِفُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَعَطَفَ قَوْلَهُ وَلَكِنْ قَطِينًا عَلَى الْمَعْنَى، كأَنه قَالَ لَيْسُوا مَوالِيَ قَرَابَةٍ وَلَكِنْ قَطِينًا، وَقَبْلَهُ:

فَلَا تَنْتَهي أَضْغانُ قَوْميَ بينَهم

وسَوْآتُهم، حَتَّى يَصِيرُوا مَوالِيا

وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ:

مَوْلى القَوْمِ مِنْهُمْ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: الظَّاهِرُ مِنَ الْمَذَاهِبِ وَالْمَشْهُورُ أَن مَوالي بَنِي هاشِم والمُطَّلِب لَا يَحرم عَلَيْهِمْ أَخذ الزَّكَاةِ لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ حَرُمَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ، وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى وَجْهٍ أَنه يَحْرُمُ عَلَى الْمَوَالِي أَخذها لِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَنَفِي التَّحْرِيمِ أَنه إِنما قَالَ هَذَا الْقَوْلَ تَنْزِيهًا لَهُمْ، وَبَعْثًا عَلَى التَّشَبُّهِ بسادتِهم والاسْتِنانِ بسنَّتهم فِي اجْتِنَابِ مَالِ الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ أَوساخ النَّاسِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْمَوْلَى فِي الْحَدِيثِ، قَالَ: وَهُوَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ فَهُوَ: الرَّبُّ والمالِك والسَّيِّدُ والْمُنْعِم والْمُعْتِقُ والنَّاصِر والمُحِبُّ والتَّابع والجارُ وَابْنُ العَم والحَلِيفُ والعَقِيدُ والصِّهْرُ والعَبْدُ والمُعْتَقُ والمُنْعَمُ عَلَيْهِ، قَالَ: وأَكثرها قَدْ جاءَت فِي الْحَدِيثِ فَيُضَافُ كُلُّ وَاحِدٍ إِلى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِيهِ، وكلُّ مَنْ وَليَ أَمراً أَو قَامَ بِهِ فَهُوَ مَوْلاه وَوَلِيُّه، قَالَ: وَقَدْ تَخْتَلِفُ مَصَادِرُ هَذِهِ الأَسماءِ، فالوَلايةُ بِالْفَتْحِ فِي النَّسَبِ والنُّصْرة والعِتْق والوِلايةُ بِالْكَسْرِ فِي الإِمارة والوَلاءُ فِي المُعْتَق، والمُوالاةُ مَنْ وَالَى القومَ، قَالَ ابْنُ الأَثير:

وَقَوْلُهُ، صلى الله عليه وسلم: مَنْ كنتُ مَوْلاه فعَليٌّ مَوْلاه

،

ص: 409

يَحْمِلُ عَلَى أَكثر الأَسماء الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي بِذَلِكَ وَلاء الإِسلام كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ

، قَالَ: وَقَوْلُ

عُمر لِعَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: أَصْبَحْتَ مَوْلى كُلِّ مُؤْمِنٍ

أَي وَليَّ كلِّ مُؤْمِنٍ، وَقِيلَ: سَبَبٌ ذَلِكَ

أَنَّ أُسامةَ قَالَ لِعَلِيٍّ، رضي الله عنه: لستَ مَوْلايَ، إِنما مولايَ رسولُ اللَّه، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: صلى الله عليه وسلم: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَولاه

، وكلُّ مَن وَليَ أَمرَ واحِدٍ فَهُوَ وَلِيُّه، وَالنِّسْبَةُ إِلى المَوْلى مَوْلَوِيٌّ، وإِلى الوَليِّ مِنَ الْمَطَرِ وَلَوِيّ، كَمَا قَالُوا عَلَوِيٌّ لأَنهم كَرِهُوا الْجَمْعَ بَيْنَ أَربع ياءَات، فَحَذَفُوا الْيَاءَ الأُولى وَقَلَبُوا الثَّانِيَةَ وَاوًا. وَيُقَالُ: بَيْنَهُمَا وَلاء، بِالْفَتْحِ، أَي قَرابةٌ. والوَلاءُ: وَلاءُ المُعْتق. وَفِي الْحَدِيثِ:

نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَلاء وَعَنْ هِبته

، يَعْنِي وَلاء العِتْق، وَهُوَ إِذا مَاتَ المُعتَقُ وِرْثَهُ مُعْتِقه أَو وَرَثَةُ مُعْتِقه، كَانَتِ الْعَرَبُ تَبِيعُهُ وتَهَبُه، فَنَهَى عَنْهُ لأَنَّ الوَلاءَ كَالنَّسَبِ فَلَا يَزُولُ بالإِزالة، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

الوَلاءُ لِلْكُبْرِ

أَي للأَعْلى فالأَعلى مِنْ وَرَثَةِ المُعْتِق. والوَلاءُ: المُوالُون، يُقَالُ: هُمْ وَلاءُ فُلَانٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوالِيه

أَي اتَّخَذَهُمْ أَولِياء لَهُ، قَالَ: ظَاهِرُهُ يُوهِمُ أَنه شَرْطٌ وَلَيْسَ شَرْطًا لأَنه لَا يَجُوزُ لَهُ إِذا أَذِنوا أَن يُواليَ غَيْرَهُمْ، وإِنما هُوَ بِمَعْنَى التَّوْكِيدِ لِتَحْرِيمِهِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى بُطْلَانِهِ والإِرشاد إِلى السَّبَبِ فِيهِ، لأَنه إِذا استأْذن أَولياءَه فِي مُوَالَاةِ غَيْرِهِمْ مَنَعُوهُ فَيَمْتَنِعُ، وَالْمَعْنَى إِنْ سوَّلت لَهُ نَفْسُهُ ذَلِكَ فليستأْذنهم فإِنهم يَمْنَعُونَهُ، وأَما قَوْلُ لَبِيدٌ:

فَغَدَتْ كِلا الفَرْجَيْن، تَحْسَبُ أَنَّه

مَوْلى المَخافةِ خَلْفَها وأَمامَها

فَيُرِيدُ أَنه أَولى مَوْضِعٍ أَن تَكُونَ فِيهِ الحَرب، وَقَوْلُهُ: فَغَدَتْ تَمَّ الْكَلَامُ، كأَنه قَالَ: فَغَدَتْ هَذِهِ الْبَقَرَةُ، وَقَطَعَ الْكَلَامَ ثُمَّ ابتدأَ كأَنه قَالَ تَحْسَبُ أَنَّ كِلا الفَرْجَيْنِ مَوْلى المَخافةِ. وَقَدْ أَوْلَيْتُه الأَمرَ ووَلَّيْتُه إِياه. ووَلَّتْه الْخَمْسُونَ ذَنَبَها، عَنِ ابْنِ الأَعرابي، أَي جَعَلَتْ ذَنْبَهَا يَلِيه، وولَّاها ذَنَباً كَذَلِكَ. وتَوَلَّى الشَّيءَ، لَزِمه. والوَلِيَّةُ: البَرْذَعَةُ، وَالْجَمْعُ الوَلايا، وإِنما تُسَمَّى بِذَلِكَ إِذا كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ لأَنها حِينَئِذٍ تَلِيه، وَقِيلَ: الْوَلِيَّةُ الَّتِي تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ، وَقِيلَ: كلُّ مَا وَليَ الظَّهْرَ مِنْ كِساءٍ أَو غَيْرِهِ فَهُوَ وَلِيَّة، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلُ النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ:

عَنْ ذاتِ أَوْلِيةٍ أَساوِدَ رَيُّها،

وكأَنَّ لَوْنَ المِلْحِ فَوْقَ شِفارِها

قَالَ: الأَوْلِيةُ جَمْعُ الوَلِيَّةِ وَهِيَ البَرْذَعَةُ، شُبِّه مَا عَلَيْهَا مِنَ الشَّحْم وتَراكُمِه بالوَلايا، وَهِيَ البَراذِعُ، وَقَالَ الأَزهري: قَالَ الأَصمعي نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ عَنْ ذَاتِ أَوْلِيَةٍ يُرِيدُ أَنها أَكلت وَليّاً بَعْدَ وَليٍّ مِنَ الْمَطَرِ أَي رَعَتْ مَا نَبَتَ عَنْهَا فسَمِنت. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والوَلايا إِذا جَعَلْتَهَا جَمْعَ الوَلِيَّةِ، وَهِيَ الْبَرْذَعَةُ الَّتِي تَكُونُ تَحْتَ الرَّحْلِ، فَهِيَ أَعرف وأَكثر، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

كالبَلايا رُؤُوسُها فِي الْوَلَايَا،

مانِحاتِ السَّمُومِ حُرَّ الْخُدُودِ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وقوله:

كالبَلايا رُؤُوسُها فِي الْوَلَايَا

يَعْنِي النَّاقَةَ الَّتِي كَانَتْ تُعْكَسُ عَلَى قَبْرِ صَاحِبِهَا، ثُمَّ تَطْرَحُ الوَلِيَّةُ عَلَى رأْسها إِلى أَن تَمُوتَ، وَجَمْعُهَا وَليٌ

ص: 410

أَيضاً، قَالَ كَثِيرٌ:

بِعَيْساءَ فِي دَأْياتِها ودُفُوفها،

وحارِكها تحتَ الوَليِّ نُهودُ

وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه نَهَى أَن يَجلِس الرَّجل عَلَى الوَلايا

، هِيَ البَراذِعُ، قِيلَ: نَهَى عَنْهَا لأَنها إِذا بُسِطت وافْتُرِشَتْ تعلَّق بِهَا الشَّوك وَالتُرَابُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَضرُّ الدَّوابَّ، ولأَن الْجَالِسَ عَلَيْهَا رُبَّمَا أَصابه مِنْ وَسَخها ونَتْنِها ودَمِ عَقْرِها. وَفِي حَدِيثِ

ابْنِ الزُّبَيْرِ، رضي الله عنهما: أَنه بَاتَ بقَفْر فَلَمَّا قَامَ لِيَرْحَلَ وَجَدَ رَجُلًا طُوله شِبْرَانِ عَظِيمَ اللِّحية عَلَى الوَلِيَّةِ فَنَفضها فَوَقَعَ.

والوَليُّ: الصَّدِيق والنَّصِير. ابْنُ الأَعرابي: الوِليُّ التَّابِعُ الْمُحِبُّ، وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ فِي

قَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم: مَنْ كنتُ مَوْلاه فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ

أَي مَنْ أَحَبَّني وتَولَّاني فَلْيَتَوَلَّه. والمُوالاةُ: ضِدّ المُعاداة، والوَليُّ: ضِدُّ الْعَدُوِّ، وَيُقَالُ مِنْهُ تَوَلَّاه. وَقَوْلُهُ عز وجل: فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا

، قَالَ ثَعْلَبٌ: كلُّ مَن عَبد شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّه فَقَدِ اتَّخَذَهُ وَليّاً. وَقَوْلُهُ عز وجل: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا

، قَالَ أَبو إِسحاق: اللَّهُ وَلِيُّهُمْ فِي حَجَاجِهِمْ وهِدايتهم وإِقامة البُرهان لَهُمْ لأَنه يَزِيدُهُمْ بإِيمانهم هِدايةً، كَمَا قَالَ عز وجل: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً، ووَلِيُّهم أَيضاً فِي نَصرهم عَلَى عَدُوِّهِمْ وإِظهار دِينِهِمْ عَلَى دِينِ مُخالِفِيهم، وَقِيلَ: وَلِيُّهم أَي يَتَوَلَّى ثَوَابَهُمْ ومجازاتَهم بِحُسْنِ أَعمالهم. والوَلاءُ: المِلْكُ. والمَوْلى: المالِكُ والعَبد، والأُنثى بِالْهَاءِ. وَفِيهِ مَوْلَوِيَّةٌ إِذا كَانَ شَبِيهًا بالمَوالي. وَهُوَ يَتَمَوْلى عَلَيْنَا أَي يَتَشَبَّهُ بالمَوالي، وَمَا كنتَ بمَوْلًى وَقَدْ تَمَوْلَيْتَ، وَالِاسْمُ الوَلاءُ. والمَوْلى: الصاحِبُ والقَريبُ كَابْنِ الْعَمِّ وَشِبْهِهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: المَوْلى الجارُ والحَلِيفُ وَالشَّرِيكُ وَابْنُ الأُخت. والوَليّ: المَوْلى. وتَوَلَّاه: اتَّخَذَهُ وَلِيّاً، وإِنه لَبَيِّنُ الوِلاةِ «3» والوَلْية والتَّوَلِّي والوَلاء والوِلاية والوَلايةِ. والوَلْيُ: القُرْبُ والدُّنُوُّ، وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

وشَطَّ وَلْيُ النَّوَى، إِنَّ النَّوَى قَذَفٌ

تَيَّاحَةٌ غَرْبَةٌ بالدّارِ أَحْيانا

وَيُقَالُ: تَباعَدْنا بَعْدَ وَلْيٍ، وَيُقَالُ مِنْهُ: وَلِيَه يَلِيه، بِالْكَسْرِ فِيهِمَا، وَهُوَ شَاذٌّ، وأَوْلَيْته الشَّيْءَ فَوَلِيَه، وَكَذَلِكَ وَلِيَ الْوَالِي البلَد، ووَلِيَ الرَّجل الْبَيْعَ وِلاية فِيهِمَا، وأَولَيته مَعْرُوفًا. وَيُقَالُ فِي التَّعَجُّبِ: مَا أَولاه لِلْمَعْرُوفِ! وَهُوَ شَاذٌّ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شُذُوذُهُ كَوْنُهُ رُبَاعِيًّا، وَالتَّعَجُّبُ إِنما يَكُونُ مِنَ الأَفعال الثُّلَاثِيَّةِ. وَتَقُولُ: فُلَانٌ وَلِيَ وَوُلِيَ عَلَيْهِ، كَمَا تَقُولُ ساسَ وسِيسَ عَلَيْهِ. ووَلَّاه الأَميرُ عَملَ كَذَا ووَلّاه بَيعَ الشيءِ وتَوَلَّى العَمَل أَي تَقَلَّد. وكُلْ مِما يَلِيكَ أَي مِمَّا يُقارِبك، وَقَالَ سَاعِدَةُ:

هَجَرَتْ غَضُوبُ وحُبَّ مَن يَتَجَنَّبُ،

وعَدَتْ عَوادٍ دونَ وَلْيِكَ تَشْعَبُ

ودارٌ وَلْيةٌ: قَرِيبة. وَقَوْلُهُ عز وجل: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى *

، مَعْنَاهُ التَوعُّد والتَّهَدُّد أَي الشَّرُّ أَقربُ إِليك، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ دَنَوْتَ مِنَ الهَلَكة، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَوْلى لَهُمْ

، أَي وَلِيَهم المَكروه وَهُوَ اسْمٌ لِدَنَوْتُ أَو قارَبْتُ، وَقَالَ الأَصمعي: أَوْلى لَكَ*

قارَبَكَ مَا تَكْرَه أَي نزَلَ بِكَ يَا أَبا جَهْلٍ مَا تَكْرَهُ، وأَنشد الأَصمعي:

(3). قوله" الولاة" هو بالقصر والكسر كما صوبه شارح القاموس تبعاً للمحكم.

ص: 411

فَعادَى بَينَ هادِيَتَيْنِ مِنْهَا،

وأَوْلَى أَن يَزِيدَ عَلَى الثَّلاثِ

أَي قارَبَ أَن يَزِيدَ، قَالَ ثَعْلَبٌ: وَلَمْ يَقُلْ أَحد فِي أَوْلَى لَكَ أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ الأَصمعي: وَقَالَ غَيْرُهُمَا: أَوْلَى يَقُولُهَا الرَّجُلُ لِآخَرَ يُحَسِّره على مافاته، وَيَقُولُ لَهُ: يَا مَحْرُومٌ أَي شَيْءٍ فَاتَكَ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَولى لَكَ تَهَدُّدٌ وَوَعِيدٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:

فأَوْلى ثُمَّ أَوْلى ثُمَّ أَوْلَى!

وهَلْ للدَّرِّ يُحْلَبُ مِنْ مَرَدِّ

قَالَ الأَصمعي: مَعْنَاهُ قارَبَه مَا يُهْلِكه أَي نَزَلَ بِهِ: قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ مَقَّاس الْعَائِذِيُّ:

أَوْلَى فأَولى بإمْرِىءِ القَيسِ بعد ما

خَصَفْنَ، بآثارِ المَطِيِّ، الحَوافِرا

وَقَالَ تُبَّع:

أَوْلى لَهُمْ بعِقابِ يومٍ سَرْمَد

وَقَالَتِ الْخَنْسَاءُ:

هَمَمْتُ بنَفْسِيَ كلَّ الهُمُوم،

فأَوْلَى لنَفْسِيَ أَوْلَى لَهَا

قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ قَوْلَهُ:

فَأَولى لِنَفْسِي أَولى لَهَا

يَقُولُ الرَّجُلُ إِذا حاوَل شَيْئًا فأُفْلِتَه مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يُصِيبُهُ: أَوْلى لَهُ، فإِذا أَفْلَت مِنْ عَظِيمٍ قَالَ: أَولى لِي، وَيُرْوَى

عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنه كَانَ يَقُولُ: إِذا مَاتَ مَيِّتٌ فِي جِواره أَو فِي دارِه أَوْلى لِي كِدتُ واللَّهِ أَن أَكون السَّوادَ المُخْتَرَم

، شَبَّه كَادَ بِعَسَى فأَدخل فِي خَبَرِهَا أَن، قَالَ: وأُنْشِدْتُ لِرَجُلٍ يَقْتَنِصُ فإِذا أَفْلَتَه الصَّيْدُ قَالَ أَولى لَكَ، فكثُرت تِيكَ مِنْهُ فَقَالَ:

فلَوْ كَانَ أَوْلَى يُطْعِمُ القَوْمَ صِدْتُهُمْ،

ولكِنَّ أَوْلى يَتْرُكُ القَوْمَ جُوَّعا

أَوْلَى فِي الْبَيْتِ حِكَايَةٌ، وَذَلِكَ أَنه كَانَ لَا يُحَسِنُ أَن يَرْمِي، وأَحبَّ أَن يُمْتَدَحَ عِنْدَ أَصحابه فَقَالَ أَولى، وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الأُخرى وَقَالَ أَولى، فَحَكَى ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ

أَنس، رضي الله عنه: قَامَ عبدُ اللَّه بْنِ حُذافةَ، رضي الله عنه، فَقَالَ: مَن أَبي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه، صلى الله عليه وسلم: أَبوك حُذافَة، وَسَكَتَ رسولُ اللَّه، صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: أَوْلى لَكُمْ وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ

أَي قَرُبَ مِنْكُمْ مَا تَكْرهون، وَهِيَ كَلِمَةُ تَلَهُّفٍ يَقُولُهَا الرَّجُلُ إِذا أَفْلَتَ مِنْ عَظِيمَةٍ، وَقِيلَ: هِيَ كَلِمَةُ تَهدُّد وَوَعِيدٍ، مَعْنَاهُ قَارَبَهُ مَا يُهْلِكه. ابْنُ سِيدَهْ: وَحَكَى ابْنُ جِنِّي أَوْلاةُ الآنَ، فأَنث أَوْلَى، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنه اسْمٌ لَا فِعْل، وَقَوْلُ أَبي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ:

أَذُمُّ لَكَ الأَيامَ فِيما ولَتْ لَنَا،

وَمَا لِلَّيالي فِي الَّذِي بَينَنا عُذْرُ

قَالَ: أُراه أَراد فِيمَا قَرَّبَتْ إِلينا مِنْ بَيْنٍ وتعذُّر قُرْب. والقومُ عَليَّ وِلايةٌ واحدةٌ ووَلايةٌ إِذا كَانُوا عَلَيْكَ بِخَيْرٍ أَو شَرٍّ. ودارُه وَلْيُ دَارَيْ أَي قَرِيبَةٍ مِنْهَا. وأَولى عَلَى الْيَتِيمِ: أَوصَى. ووالَى بَيْنَ الأَمْرِ مُوالاةً ووِلاء: تابَع. وتوالَى الشَّيْءُ: تَتابَع. والمُوالاةُ: المُتابَعةُ. وافْعَلْ هَذِهِ الأَشياء عَلَى الوِلاء أَي مُتابَعةً. وتَوالى عَلَيْهِ شَهْران أَي تَتابَع. يُقَالُ: والَى فُلَانٌ برُمْحه بَيْنَ صَدْرَيْنِ وعادَى بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ إِذا طَعَنَ وَاحِدًا ثُمَّ آخرَ مِن فَوْرِه، وَكَذَلِكَ الْفَارِسُ يُوَالِي بِطَعْنَتَينِ مُتَوالِيَتَين فَارِسَيْنِ أَي يُتابع بَيْنَهُمَا قَتْلًا. وَيُقَالُ: أَصَبْتُه بِثَلَاثَةِ أَسهم وِلاء أَي تِباعاً. وتَوالَتْ إِليَ

ص: 412

كُتُب فُلَانٍ أَي تَتابَعَتْ. وَقَدْ وَالاها الْكَاتِبُ أَي تابَعَها. واسْتَوْلَى عَلَى الأَمر «1» أَي بَلَغَ الْغَايَةَ. وَيُقَالُ: اسْتَبَقَ الفارسانِ عَلَى فَرَسَيْهِمَا إِلى غايةٍ تَسابقا إِليها فاسْتَوْلى أَحدُهما عَلَى الْغَايَةِ إِذَا سَبق الآخرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الذُّبْيَانِيِّ:

سَبْقَ الجَوادِ، إِذا اسْتَوْلى عَلَى الأَمَدِ

واسْتِيلاؤُه عَلَى الأَمَدِ أَن يَغْلِب عَلَيْهِ بسَبْقِه إِليه، وَمِنْ هَذَا يُقَالُ: اسْتَوَلى فُلَانٌ عَلَى مَالِي أَي غَلَبني عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ اسْتَوْمى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى، وَهُمَا مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي عَاقَبَتِ الْعَرَبُ فِيهَا بَيْنَ اللَّامِ وَالْمِيمِ، ومنها قولهم لَوْلا ولَوْ ما بِمَعْنَى هَلَّا، قَالَ الْفَرَّاءُ: ومنه قوله تَعَالَى: لَوْ مَا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، وَقَالَ عَبِيد:

لَوْ ما عَلى حجْرِ ابْنِ أُمِّ

قَطامٍ تَبْكِي لَا عَلَيْنا

وَقَالَ الأَصمعي: خالَمْتُه وخالَلْتُه إِذا صَادَقْتُهُ، وَهُوَ خِلّي وخِلْمِي. وَيُقَالُ: أَوْلَيْتُ فُلَانًا خَيراً وأَوْليته شَرًّا كَقَوْلِكَ سُمْتُه خَيْرًا وَشَرًّا، وأَولَيْتُه مَعْرُوفًا إِذا أَسْدَيْتَ إِليه مَعْرُوفًا. الأَزهري فِي آخِرِ بَابِ اللَّامِ قَالَ: وَبَقِيَ حَرْفٌ مِنْ كِتَابِ اللَّه عز وجل لَمْ يَقَعْ فِي مَوْضِعِهِ فَذَكَرْتُهُ فِي آخِرِ اللَّامِ، وَهُوَ قَوْلِهِ عز وجل: فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا أَو إِنْ تَلْوُوا، قرأَها عَاصِمٌ وأَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وإِنْ تَلْوُوا، بِوَاوَيْنِ مِنْ لَوى الحاكِمُ بقَضِيَّتِهِ إِذا دَافَعَ بِهَا، وأَما قراءَة مَنْ قرأَ

وإِن تَلُوا

، بِوَاوٍ وَاحِدَةٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحدهما أَن أَصله تَلْوُوا، بِوَاوَيْنِ كَمَا قرأَ عَاصِمٌ وأَبو عَمْرٍو، فأَبدل مِنَ الْوَاوِ الْمَضْمُومَةِ هَمْزَةً فصارت تَلْؤُوا بإِسكان اللَّامِ، ثُمَّ طُرِحت الْهَمْزَةُ وطُرِحت حَرَكَتُهَا عَلَى اللَّامِ فَصَارَتْ تَلُوا، كَمَا قِيلَ فِي أَدْوُرٍ أَدْؤُرٍ ثُمَّ طُرِحَتِ الْهَمْزَةُ فَقِيلَ أَدُرٍ، قَالَ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَن يَكُونَ تَلُو مِنَ الوِلاية لَا مِنَ اللَّيّ، وَالْمَعْنَى إِن تَلُوا الشَّهَادَةَ فتُقِيموها، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ مِنْ كَلَامِ حُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ. والوَليُّ: الْمَطَرُ يأْتي بَعْدَ الوَسْمي، وَحَكَى كُرَاعٌ فِيهِ التَّخْفِيفُ، وَجَمْعُ الوَليِّ أَوْلِيةٌ. وَفِي حَدِيثِ مُطرِّف الْبَاهِلِيِّ: تَسْقِيه الأَوْلِيةُ، هِيَ جَمْعُ وَليّ الْمَطَرِ. ووُليَتِ الأَرض وَلْياً: سُقِيَت الوَليَّ، وَسُمِّي وَلِيّاً لأَنه يَلي الوَسْمِيَّ أَي يَقْرُبُ مِنْهُ وَيَجِيءُ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ الوَلْي، بِالتَّسْكِينِ، عَلَى فَعْلٍ وفَعِيل، قَالَ الأَصمعي: الوَلْي عَلَى مِثَالِ الرَّمْي الْمَطَرُ الَّذِي يأْتي بَعْدَ الْمَطَرِ، وإِذا أَردت الِاسْمَ فَهُوَ الوَليُّ، وَهُوَ مِثْلُ النَّعْيِ والنَّعِيِّ الْمَصْدَرُ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

لِني وَلْيةً تُمْرِعْ جَنَابي، فإِنَّني،

لِما نِلْتُ مِنْ وَسْمِيِّ نُعْماكَ، شاكِرُ

لِنِي أَمْرٌ مِن الوَلْيِ أَي أَمْطِرْني وَلْيةً مِنْكَ أَي مَعْرُوفًا بَعْدَ مَعْرُوفٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ الْفَرَّاءُ الوَلى الْمَطَرُ بِالْقَصْرِ، واتَّبعه ابْنُ وَلَّاد، وردَّ عَلَيْهِمَا عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ وَقَالَ: هُوَ الوَليّ، بِالتَّشْدِيدِ لَا غَيْرَ، وَقَوْلُهُمْ: قَدْ أَوْلاني مَعْرُوفًا، قَالَ أَبو بَكْرٍ: مَعْنَاهُ قَدْ أَلصق بِي مَعْرُوفًا يَلِيني، مِنْ قَوْلِهِمْ: جلستُ مِمَّا يَلي زَيْدًا أَي يُلاصِقه ويُدانِيه. وَيُقَالُ: أَوْلاني مَلَّكني الْمَعْرُوفَ وَجَعَلَهُ مَنْسُوبًا إِليَّ وَلِيّاً عَليَّ، مِنْ قَوْلِكَ هُوَ وَليُّ المرأَة أَي صاحبُ أَمرها وَالْحَاكِمُ عَلَيْهَا، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ عَضَّدَني بِالْمَعْرُوفِ ونَصَرَني وقَوَّاني، مِنْ قَوْلِكَ بَنُو فُلَانٍ وَلاء عَلَى بَنِي فُلَانٍ أَي هُمْ يُعِينونهم. وَيُقَالُ: أَوْلاني

(1). قوله" على الأمر" مثله في القاموس بالراء، واعترضه شارحه بما في الصحاح وغيره من أَنه بالدال واستظهر بالشطر المذكور هنا.

ص: 413

أَي أَنْعَمَ عَليَّ مِنَ الْآلَاءِ، وَهِيَ النِّعَمُ، وَالْوَاحِدُ أَلًى وإِلًى، قَالَ: والأَصل فِي إِلًى وِلًى، فأَبدلوا مِنَ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ هَمْزَةً، كَمَا قَالُوا امرأَة وَناةٌ وأَناةٌ، قَالَ الأَعشى:

وَلَا يَخُونُ إِلى

... وَكَذَلِكَ أَحَدٌ ووَحَدٌ

. الْمُحْكَمُ: فأَما مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

....... الرَّكِيكَا «1»

فإِنه عدَّاه إِلَى مَفْعُولَيْنِ لأَنه فِي مَعْنَى سُقِيَ، وسُقِيَ مُتَعَدِّيَةٌ إِلى مَفْعُولَيْنِ، فَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي فِي مَعْنَاهَا، وَقَدْ يَكُونُ الرَّكِيكُ مَصْدَرًا لأَنه ضَرْبٌ مِنَ الوَليّ فكأَنه وُليَ وَلْياً، كَقَوْلِكَ: قَعَدَ القُرْفُصاء، وأَحسن مِنْ ذَلِكَ أَن وُليَ فِي مَعْنَى أُرِكَّ عَلَيْهِ أَوْ رُكَّ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ رَكِيكا مَصْدَرًا لِهَذَا الْفِعْلِ المقدَّر، أَو اسْمًا مَوْضُوعًا مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ. وَاسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ إِذا صَارَ فِي يَدِهِ. ووَلَّى الشيءُ وتَوَلَّى: أَدْبَرَ. ووَلَّى عَنْهُ: أَعْرَضَ عَنْهُ أَو نَأَى، وَقَوْلُهُ:

إِذا مَا امرُؤٌ وَلَّى عَليَّ بِوِدِّه

وأَدْبَرَ، لَمْ يَصْدُرْ بِإِدْبارِه وُدِّي

فإِنه أَراد وَلَّى عَنِّي، ووجهُ تَعْدِيَتِهِ وَلَّى بعَلى أَنه لَمَّا كَانَ إِذا وَلَّى عَنْهُ بودِّه تغيَّر عَلَيْهِ، جَعَل وَلَّى بمعنى تَغَيَّر فعدَّاه بعَلى، وَجَازَ أَن يَسْتَعْمِل هُنَا عَلَى لأَنه أَمْرٌ عَلَيْهِ لَا لَهُ، وَقَوْلُ الأَعشى:

إِذا حاجةٌ ولَّتْكَ لَا تَسْتَطِيعُها،

فَخُذْ طَرَفاً مِنْ غَيْرها حينَ تَسْبِقُ

فإِنه أَراد وَلَّتْ عَنْكَ، فَحَذَفَ وأَوصل، وَقَدْ يَكُونُ وَلَّيْتُ الشيءَ، وولَّيتُ عَنْهُ بِمَعْنَى. التَّهْذِيبُ: تَكُونُ التَّوْليةُ إِقْبالًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ*

، أَي وَجِّهْ وَجْهَك نحوَه وتِلقَاءَه، وكذلك قوله تعالى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها

، قَالَ الفراءُ: هُوَ مُسْتَقْبِلُها، والتَّوْلِيةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِقبال، قَالَ: والتَّوْلِيةُ تَكُونُ انْصِرَافًا، قَالَ اللَّه تَعَالَى: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ

، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ

، هِيَ هاهنا انْصِرَافٌ، وَقَالَ أَبو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ: قَدْ تَكُونُ التَّوْلِيةُ بِمَعْنَى التَّوَلِّي. يُقَالُ: وَلَّيْت وتَوَلَّيْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تُنْشِدُ بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ:

إِذا حَوَّل الظِّلُّ العَشِيَّ رأَيْتَه

حَنِيفاً، وَفِي قَرْنِ الضُّحى يَتَنَصَّرُ

أَراد: إِذا تحَوَّلَ الظِّلُّ بالعَشِيِّ، قال: وقوله وَمُوَلِّيها

أَي مُتَولِّيها أَي مُتَّبِعُها وَرَاضِيهَا. وتوَلَّيْتُ فُلَانًا أَي اتَّبَعْتُه ورَضِيتُ بِهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها

، يَعْنِي قولَ الْيَهُودِ مَا عدَلَهُم عَنْهَا، يَعْنِي قِبْلَة بَيْت المَقْدِس. وَقَوْلُهُ عز وجل: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها

، أَي يَسْتَقْبِلُها بوَجْهِه، وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ وَهُوَ أَكثرهم: هُوَ لِكُلٍّ، وَالْمَعْنَى هُوَ مُوَلِّيها وجْهَه أَي كلُّ أَهْلِ وِجْهةٍ هُمُ الَّذِينَ وَلَّوْا وجُوههم إِلى تِلْكَ الجِهة، وَقَدْ قُرِئَ:

هُوَ مُوَلَّاها

، قَالَ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مُوَلِّيها أَي اللَّهُ تَعَالَى يُوَلِّي أَهلَ كلِّ مِلَّةٍ القِبْلة الَّتِي تُرِيدُ، قَالَ: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ جَائِزٌ. وَيُقَالُ للرُّطْبِ إِذا أَخذ فِي الهَيْج: قَدْ وَلَّى وتَولَّى، وتَوَلِّيه شُهْبَتُه. والتَّوْلِيةُ فِي الْبَيْعِ: أَن تَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ تَوَلَّيْهَا رَجُلًا آخَرَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، وَتَكُونُ التَّوْلِية مصدراً، كقولك: وَلَّيْتُ

(1). قوله" الركيكا" بهامش الأصل: كذا وجدت فالمؤلف رحمه الله بيض للبيت الذي فيه هذا اللفظ.

ص: 414

فُلَانًا أَمر كَذَا وَكَذَا إِذا قَلَّدْته وِلايَته. وتَوَلَّى عَنْهُ: أَعْرَضَ ووَلَّى هَارِبًا أَي أَدبر. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه سُئِلَ عَنِ الإِبل فَقَالَ أَعْنانُ الشَّياطِينِ لَا تُقْبِلُ إِلَّا مُوَلِّيةً، وَلَا تُدْبِرُ إِلَّا مُوَلِّيةً، وَلَا يأْتي نَفْعُها إِلَّا مِنْ جَانِبِهَا الأَشْأَمِ

أَي أَن مِنْ شأْنها إِذا أَقبلت عَلَى صَاحِبِهَا أَن يَتَعَقَّبَ إِقْبالَها الإِدْبارُ، وإِذا أَدبرت أَن يَكُونَ إِدبارُها ذِهَابًا وفَناء مُسْتَأْصَلًا. وَقَدْ وَلَّى الشيءُ وتَوَلَّى إِذا ذَهَبَ هارِباً ومُدْبراً، وتَوَلَّى عَنْهُ إِذا أَعْرَضَ، والتَّوَلِّي يَكُونُ بِمَعْنَى الإِعْراضِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الاتِّباع، قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ

، أَي إِن تُعْرِضوا عَنِ الإِسلام. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ

، مَعْنَاهُ مَن يَتَّبِعْهُم ويَنْصُرْهم. وتوَلَّيْتُ الأَمرَ تولِّياً إِذا ولِيته، قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ

، أَي وَلِيَ وِزْرَ الإِفْكِ وإِشاعَتَه. وَقَالُوا: لَوْ طَلَبْتَ وَلاء ضَبَّةَ مِنْ تَمِيم لشَقَّ عَلَيْكَ أَي تَمَيُّزَ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ، حَكَّاهُ اللِّحْيَانِيُّ فَرَوَى الطُّوسِيُّ وَلاء، بِالْفَتْحِ، وَرَوَى ثَابِتٌ وِلاء، بِالْكَسْرِ. وَوَالَى غنمَه: عَزَل بعضَها مِنْ بَعْضٍ ومَيَّزَها، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

يُوالي، إِذا اصْطَكَّ الخُصومُ أَمامَه،

وُجوهَ القَضايا مِن وُجوهِ المَظالِم

والوَلِيَّةُ: مَا تَخْبَؤُه المرأَةُ مِنْ زادٍ لِضَيْفٍ يَحُلُّ، عَنْ كُرَاعٍ، قَالَ: والأَصل لَوِيَّةٌ فقُلِبَ، وَالْجَمْعُ وَلايا، ثَبَتَ الْقَلْبُ فِي الْجَمْعِ. وَفِي حَدِيثِ

عُمر، رضي الله عنه: لَا يُعْطَى مِن المَغانِمِ شَيْءٌ حَتَّى تُقْسَمَ إِلا لراعٍ أَو دَليلٍ غَيْرَ مُولِيهِ

، قُلْتُ: مَا مُولِيهِ، قَالَ مُحابِيهِ أَي غَيْرَ مُعْطِيه شَيْئًا لَا يَسْتَحِقُّهُ. وكلُّ مَنْ أَعطيته ابْتَدَاءً مِنْ غَيْرِ مكافأَة فَقَدْ أَوْليْتَه. وَفِي حَدِيثِ

عَمّار: قَالَ لَهُ عُمَرُ فِي شأْن الْيَتِيمِ كلَّا واللَّه لَنُوَلِّيَنَّك مَا توَلَّيْتَ

أَي نَكِلُ إِليك مَا قُلْتَ ونردُّ إِليك مَا وَلَّيْتَه نفسَك ورَضيتَ لَهَا بِهِ، واللَّه أَعلم.

وَمِيَ: مَا أَدْرِي أَيُّ الوَمى هُوَ أَي أَيٌّ الناسِ هُوَ. وأَوْمَيْتُ: لُغَةٌ فِي أَوْمَأْتُ؛ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ. الْفَرَّاءُ: أَوْمى يُومي ووَمى يَمِي مَثْلَ أَوْحى ووَحَى. وَفِي الْحَدِيثِ:

كَانَ يُصَلِّي عَلَى حِمار يُومي إِيمَاءً

؛ الإِيماءُ: الإِشارة بالأَعْضاء كالرأْس وَالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالْحَاجِبِ، وإنما يُريد به هاهنا الرأْسَ. يُقَالُ: أَوْمَأْتُ إِليه أُومئ إِيماء، وومَأْتُ لُغَةٌ فِيهِ، وَلَا تَقُلْ أَوْمَيْتُ، قَالَ: وَقَدْ جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ مَهْمُوزَةٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ فِي قرأْت قَرَيْتُ، قَالَ: وَهَمْزَةُ الإِيماء زَائِدَةٌ وَبَابُهَا الْوَاوُ. وَيُقَالُ: اسْتَوْلى عَلَى الأَمر واسْتَوْمى عَلَيْهِ أَي غَلَب عَلَيْهِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِثْلُهُ لَوْلا ولوْما.

وَنِيَ: الوَنا: الفَتْرَةُ فِي الأَعمال والأُمور. والتَّواني والوَنا: ضَعْفُ البَدَن. وَقَالَ ابْنُ سيدة: الوَنا التَّعَبُ والفَتْرةُ، ضِدٌّ، يَمُدُّ وَيَقْصُرُ. وَقَدْ وَنَى يَنِي وَنْياً ووُنِيّاً ووَنًى؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ، فَهُوَ وانٍ، وونَيْتُ أَني كَذَلِكَ أَي ضَعُفْتُ؛ قَالَ جَحْدَرٌ الْيَمَانِيُّ:

وظَهْر تَنُوفةٍ للرِّيحِ فِيهَا

نَسِيمٌ، لَا يَرُوعُ التُّرْبَ، وانِي

والنَّسِيم الْوَانِي: الضَّعِيفُ الهُبُوبِ، وتوانَى وأَونَى غيرَه. ونَيْتُ فِي الأَمر: فتَرْتُ، وأَوْنيْتُ غيري. الجوهري: الوَنا الضَّعْفُ والفُتور والكَلالُ والإِعْياء؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

مِسَحٍّ إِذَا مَا السابحاتُ، عَلَى الوَنَى،

أَثَرْنَ غُباراً بالكَدِيد المُرَكَّلِ

وتوَانَى فِي حَاجَتِهِ: قَصَّر. وَفِي حَدِيثِ

عَائِشَةَ تَصِف

ص: 415

أَباها، رضي الله عنهما: سَبَقَ إِذْ وَنَيْتم

أَيْ قَصَّرْتم وفَتَرْتمْ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رضي الله عنه: لَا يَنْقَطِعُ أَسْبابُ الشّفَقة مِنْهُمْ فيَنُوا فِي جِدِّهم

أَي يَفْتُرُوا فِي عَزمِهم واجْتِهادهم، وحَذَف نونَ الْجَمْعِ لِجَوَابِ النَّفْيِ بِالْفَاءِ؛ وَقَوْلُ الأَعشى:

ولا يَدَعُ الحَمْدَ بَل يَشْتَري

بِوَشْكِ الظُّنونِ، وَلَا بالتَّوَنْ

أَراد بالتَّوانْ، فَحَذَفَ الأَلف لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنِينَ لأَن الْقَافِيَةَ مَوْقُوفَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالَّذِي فِي شِعْرِ الأَعشى:

وَلَا يَدْعُ الْحَمْدَ، أَو يشتَرِيه

بوشكِ الفُتُورِ وَلَا بالتَّوَنْ

أَي لا يَدَعُ مُفَتَّراً فِيهِ وَلَا مُتَوانِياً، فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

إِنَّا عَلَى طُولِ الكَلالِ والتَّوَنْ

نَسوقُها سَنًّا، وبَعضُ السَّوْقِ سَنْ

وناقةٌ وانِيةٌ: فاتِرةٌ طَلِيحٌ، وَقِيلَ ناقةٌ وانِيةٌ إِذا أَعْيَتْ؛ وأَنشد:

ووانِيةٍ زَجَرْتُ عَلَى وَجَاهًا

وأَوْنَيْتُها أَنا: أَتْعَبْتُها وأَضْعَفْتُها. تَقُولُ: فُلَانٌ لَا يَني فِي أَمره أَي لَا يَفْتُرُ وَلَا يَعْجِزُ، وَفُلَانٌ لَا يَني يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا بِمَعْنَى لَا يَزالُ؛ وأَنشد:

فَمَا يَنُونَ إِذَا طافُوا بحَجِّهِم،

يُهَتِّكُونَ لِبَيْتِ اللهِ أَسْتارا

وافْعَل ذَلِكَ بِلَا وَنْيةٍ أَي بِلَا نَوانٍ. وامرأَةٌ وَناةٌ وأَناةٌ وأَنِيَّةٌ: حلِيمةٌ بطِيئةُ القِيامِ، الْهَمْزَةُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ؛ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: لأَن المرأَةُ تُجعل كَسُولًا، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي فِيهَا فُتور عِنْدَ القِيام، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ الَّتِي فِيهَا فُتور عِنْدَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْمَشْيِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: فِيهَا فُتور لنَعْمَتِها؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لأَبي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ:

رَمَتْه أَناةٌ مِن رَبِيعَةِ عامِرٍ،

نَؤُومُ الضُّحَى، فِي مَأْتَمٍ أَيِّ مَأْتَمِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أُبدلت الْوَاوُ الْمَفْتُوحَةُ هَمْزَةً فِي أَناة حَرْفٍ وَاحِدٍ. قَالَ: وَحَكَى الزَّاهِدُ أَين أَخْيُهُمْ أَي سَفَرُهم وقَصْدُهم، وأَصله وَخْيُهُمْ، وَزَادٌ أَبو عُبَيْدٍ: كلُّ مالٍ زُكِّيَ ذَهَبت أَبَلَتُه أَي وبَلَتُه وَهِيَ شرُّه، وَزَادَ ابْنُ الأَعرابي: وَاحِدُ آلاءِ اللهِ أَلىً، وأَصله وَلًى، وَزَادَ غَيْرُهُ: أَزِيرٌ فِي وَزِيرٍ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي: أَجٌّ فِي وَجٍّ، اسْمُ مَوْضِعٍ، وأَجَمٌ فِي وَجَمٍ. وَقَوْلُهُ عز وجل: وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي

؛ مَعْنَاهُ تَفْتُرا. والمِينا: مَرْفَأُ السُّفُن، يُمدّ وَيَقْصُرُ، وَالْمَدُّ أَكثر، سُمِّي بِذَلِكَ لأَن السُّفُنَ تَني فِيهِ أَي تَفْتُرُ عَنْ جَرْيِها؛ قَالَ كَثِيرٌ فِي الْمَدِّ:

فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ مِالمَناخِ جِمالُها،

وأَشْرَفنَ بالأَحْمالِ قلتَ: سَفِينُ،

تَأَطَّرْنَ بالمِيناء ثمَّ جَزَعْنَه،

وَقَدْ لَحَّ مِن أَحْمالِهنَّ شُحُونُ «2»

وَقَالَ نُصَيْبٌ فِي مَدِّهِ:

تَيَمَّمْنَ مِنْهَا ذاهِباتٍ كأَنَّه،

بِدِجْلَة فِي الْمِينَاءِ، فُلْكٌ مُقَيَّرُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَجَمْعُ المِيناء للكَلَّاءِ مَوانٍ، بِالتَّخْفِيفِ وَلَمْ يَسْمَعْ فِيهِ التَّشْدِيدَ. التَّهْذِيبُ: المِينى، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، مَوْضِعٌ تُرْفأُ إِليه السُّفن. الْجَوْهَرِيُّ: المِيناء كَلَّاءُ السُّفُنِ ومَرْفَؤُها، وَهُوَ مِفْعال مِنَ الوَنا. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: المِينا يَمُدُّ ويقصر، وهو مِفْعَلٌ

(2). قوله [مالمناخ] يريد من المناخ. وقوله [شحون] بالحاء هو الصواب كَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ سِيدَهْ فِي باب الحاء، ووقع في مادة أطر بالجيم خطأ.

ص: 416

أَو مِفْعالٌ مِنَ الوَنى. والمِيناء، مَمْدُودٌ: جَوْهَرُ الزُّجاج الَّذِي يُعمل مِنْهُ الزُّجَاجُ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ الْقَالِي قَالَ: المِيناء لِجَوْهَرِ الزُّجَاجِ مَمْدُودٌ لَا غَيْرَ، قَالَ: وأَما ابْنُ وِلَادٍ فَجَعَلَهُ مَقْصُورًا، وَجَعَلَ مَرْفأَ السُّفُنِ مَمْدُودًا، قَالَ: وَهَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الوَنى وَاحِدَتُهُ ونِيَّةٌ وَهِيَ اللُّؤْلُؤة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَاحِدَةُ الونَى وناةٌ لَا وَنِيّةٌ، والوَنِيّةُ الدُّرَّة؛ أَبو عَمْرٍو: هِيَ الوَنِيّةُ والوَناة لِلدُّرَّةِ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: سُمِّيَتِ وَنِيَّةً لِثَقْبِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: جاريةٌ وناةٌ كأَنها الدُّرَّة، قَالَ: والوَنِيّةُ اللُّؤْلُؤَةُ، وَالْجَمْعُ وَنِيٌّ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي لأَوْس بْنِ حَجَر:

فَحَطَّتْ كَمَا حَطَّتْ ونِيَّةُ تاجِرٍ

وهَى نَظْمُها، فارْفَضَّ مِنها الطَّوائِفُ

شَبَّهَهَا فِي سُرْعَتِهَا بالدُّرَّة الَّتِي انْحَطَّتْ مِنْ نِظامها، وَيُرْوَى: وَهِيَّةُ تاجِرٍ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والوَنِيّةُ: العِقدُ مِنَ الدُّرِّ، وَقِيلَ: الوَنِيَّةُ الجُوالِقُ. التَّهْذِيبُ: الوَنْوةُ الاسْتِرخاء فِي الْعَقْلِ.

وَهِيَ: الوَهْيُ: الشقُّ فِي الشَّيْءِ، وَجَمْعُهُ وُهِيٌّ، وَقِيلَ: الوُهِيّ مَصْدَرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى فُعولٍ، وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي فِي جَمْعِ وَهْيٍ أَوْهِيةً، وَهُوَ نَادِرٌ، وأَنشد:

حَمَّالُ أَلْوِيةٍ شَهَّادُ أَنْجِيةٍ،

سَدّادُ أَوْهِيةٍ فَتَّاحُ أَسْدادِ

ووَهَى الشَّيْءُ والسِّقاء ووَهِيَ يَهِي فِيهِمَا جَمِيعًا وَهْياً، فَهُوَ واهٍ: ضَعُفَ؛ قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ:

فإِنَّ الغَيْثَ قَدْ وَهِيَتْ كُلاهُ

بِبَطْحاء السَّيالةِ فالنَّظِيمِ

وَالْجُمَعُ وُهِيٌّ. وأَوْهاه: أَضْعَفه. وكلُّ مَا اسْتَرْخَى رِباطه فَقَدْ وَهَى. الْجَوْهَرِيُّ: وَهَى السِّقَاءُ يَهِي وَهْياً إِذا تَخَرَّقَ. وَفِي السِّقَاءِ وَهْيٌ، بِالتَّسْكِينِ ووُهَيَّةٌ عَلَى التَّصْغِيرِ: وَهُوَ خَرْق قَلِيلٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْحُطَيْئَةِ عَلَى قَوْلِهِ فِي السِّقَاءِ وَهْيٌ قَالَ:

وَلَا مِنّا لِوَهْيك راقِع

وَفِي الْحَدِيثِ:

الْمُؤْمِنُ واهٍ راقِعٌ

أَي مُذْنِبٌ تائبٌ، شبَّهه بِمَنْ يَهِي ثَوبُه فيَرْقَعُه. وَقَدْ وَهَى الثَّوبُ يَهِي وَهْياً إِذا بَلِيَ وتَخَرَّقَ، وَالْمُرَادُ بالواهِي ذُو الوَهْي، وَيُرْوَى الْمُؤْمِنُ مُوهٍ راقِعٌ، كأَنه يُوهِي دِينَه بمَعْصِيته ويَرْقَعُه بِتَوْبَتِهِ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَلَا واهِياً فِي عَزْمٍ

، وَيُرْوَى:

وَلَا وَهْي فِي عَزْمٍ

أَي ضَعِيف أَو ضَعْف؛ وَفِي الْمَثَلِ:

خَلِّ سَبِيلَ مَنْ وَهَى سِقاؤُه،

ومَنْ هُرِيقَ بالفَلاةِ ماؤُه

يُضْرَبُ لِمَنْ لَا يَستقِيم أَمرُه. ووَهَى الْحَائِطُ يَهِي إِذا تَفَزَّرَ واسْتَرْخَى، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ والقِربةُ والحَبْلُ، وَقِيلَ: وهِيَ الحائطُ إِذا ضَعُفَ وهَمَّ بالسُّقُوطِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه مَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو وَهُوَ يُصْلِحُ خُصًّا لَهُ قَدْ وهَى

أَي خَرِبَ أَو كادَ. وَيُقَالُ: ضربَه فأَوْهَى يَدَه أَي أَصابَها كَسْرٌ أَو مَا أَشبه ذَلِكَ. وأَوْهَيْتُ السِّقاء فوَهَى: وَهُوَ أَن يَتَهَيّأَ للتَّخرُّق. وَيُقَالُ: أَوْهَيْتَ وَهْياً فارْقَعْه. وَقَوْلُهُمْ: غادَرَ وَهْيةً لَا تُرْقَعُ أَي فَتْقاً لَا يُقدَرُ عَلَى رَتْقِه. وَيُقَالُ لِلسَّحَابِ إِذا تَبَعَّقَ بِالْمَطَرِ تَبَعُّقاً أَو انْبَثَقَ انْبِثاقاً شَدِيدًا: قَدْ وهَتْ عَزالِيه؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

وهَى خَرْجُه واسْتُجِيلَ الرَّبابُ

مِنْهُ، وغُرِّمَ مَاءً صَريحا «1»

(1). قوله [وغرّم] يروى أيضاً: وكرّم.

ص: 417

ووَهَتْ عَزالي السَّماء بِمَائِهَا. وإِذا اسْتَرْخَى رِباطُ الشَّيْءِ يُقَالُ: وَهَى؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَمِ الحَبْل واهٍ بِهَا مُنْحذِمْ «1»

ابْنُ الأَعرابي: وهَى إِذا حَمُقَ «2» ، ووهَى إِذا سَقَط، ووَهَى إِذا ضَعُفَ. والوَهِيَّةُ: الدُّرّةُ، سُميت بِذَلِكَ لثَقْبِها لأَن الثَّقْب مِمَّا يُضْعِفُها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

فَحَطَّتْ كَمَا حَطَّتْ وَهِيَّةُ تاجِرٍ

وَهِيَ نَظْمُها، فارْفَضَّ مِنْهَا الطَّوائفُ

قَالَ وَيُرْوَى ونِيَّةُ تاجِرٍ، وَهِيَ دُرَّةٌ أَيضاً، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

وَيَا: وَيْ: كَلِمَةُ تعَجُّب، وَفِي الْمُحْكَمِ: وَيْ حَرْفٌ مَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ. يُقَالُ: وَيْ كأَنه، وَيُقَالُ: وَيْ بِك يَا فلانُ، تَهْدِيدٌ، وَيُقَالُ: وَيْكَ ووَيْ لعبدِ اللَّهِ كَذَلِكَ؛ وأَنشد الأَزهريّ:

وَيْ لامِّها مِنْ دوِيِّ الجَوِّ طالِبة،

وَلَا كَهَذَا الَّذِي فِي الأَرضِ مَطْلُوبُ

قَالَ: إِنما أَراد وَيْ مَفْصُولَةٌ مِنَ اللَّامِ وَلِذَلِكَ كَسَرَ اللَّامَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: ويْلُمِّه مَا أَشدَّه بِضَمِّ اللَّامِ، وَمَعْنَاهُ وَيْلُ أُمِّه فَحَذَفَ هَمْزَةَ أُمّ وَاتَّصَلَتِ اللَّامُ بِالْمِيمِ لَمَّا كَثُرَتْ فِي الْكَلَامِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ إِنَّهُ لَوَيْلُمِّه من الرجال وَهُوَ القاهِرُ لقِرْنه؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَصله وَيْلُ أُمّه، يُقَالُ ذَلِكَ للعِفْرِ مِنَ الرِّجَالِ ثُمَّ جُعِلَ الكَلِمتان كَلِمةً وَاحِدَةً وَبُنِيَتَا اسْمًا وَاحِدًا. اللَّيْثُ: وَيْ يُكْنَى بِهَا عَنِ الوَيْل، فَيُقَالُ: ويْكَ أَتَسْمَعُ قَوْلي قَالَ عَنْتَرَةُ:

وَلَقَدْ شَفَى نَفْسي وأَذْهَبَ سُقْمَها

قِيلُ الفَوارِس: وَيْكَ عَنْتَر أَقْدِمِ

الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ تَدْخُلُ وَيْ عَلَى كأَنَّ الْمُخَفَّفَةِ وَالْمُشَدَّدَةِ تَقُولُ وَيْ كأَن، قَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ مَفْصولة، تَقُولُ وَيْ ثُمَّ تَبْتَدِئُ فَتَقُولُ كأَنَّ، وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ

؛ فَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أَنها وَيْ مَفْصُولَةٌ مِنْ كأَن، قَالَ: وَالْمَعْنَى وَقَعَ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ انْتَبَهُوا فَتَكَلَّمُوا عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِمْ أَو نُبِّهُوا، فَقِيلَ لَهُمْ إِنما يُشْبِهُ أَن يَكُونَ عِنْدَكُمْ هَذَا هَكَذَا، وَاللَّهُ أَعلم؛ قَالَ: وأَما الْمُفَسِّرُونَ فَقَالُوا أَلم تَرَ؛ وأَنشد لِزَيْدِ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَيُقَالُ لنبِيه بْنِ الحَجَّاجِ:

وَيْ كَأَنَّ مَنْ يَكُنْ له نَشَبٌ يُحْبَبْ،

ومَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: بَعْضُهُمْ يَقُولُ مَعْنَاهُ اعْلَمْ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مَعْنَاهُ وَيْلَك. وَحَكَى أَبو زَيْدٍ عَنِ الْعَرَبِ: وَيْكَ بِمَعْنَى وَيْلَكَ، فَهَذَا يُقَوِّي مَا رَوَاهُ ثَعْلَبٌ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: وَيْكأَنّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَقْرِيرٌ كَقَوْلِ الرَّجُلِ أَما تَرَى إِلى صُنْع اللَّهِ وإِحسانه. قَالَ: وأَخبرني شَيْخٌ مِنْ أَهل الْبَصْرَةِ أَنه سَمِعَ أَعرابية تَقُولُ لِزَوْجِهَا أَيْنَ ابنُكَ ويْلَك فَقَالَ: ويْكَأَنه وَرَاءَ الْبَيْتِ؛ مَعْنَاهُ أَما تَرِينَّه وَرَاءَ الْبَيْتِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ يَذْهَبُ بِهَا بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِلى أَنها كَلِمَتَانِ يُرِيدُونَ وَيْكَ أَنهم، أَرادوا وَيْلَكَ فَحَذَفُوا اللَّامَ، وَتُجْعَلُ أَن مَفْتُوحَةً بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ كأَنه قَالَ: ويْلَكَ اعْلَمْ أَنه وَرَاءَ الْبَيْتِ، فأَضمر اعْلَمْ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَمْ نَجِدِ الْعَرَبَ تُعْمِلُ الظَّنَّ مُضْمَرًا وَلَا الْعِلْمَ وَلَا أَشباهه فِي ذَلِكَ، وأَما حَذْفُ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ وَيْلَكَ حَتَّى يَصِيرَ وَيْكَ فَقَدْ تَقُولُهُ الْعَرَبُ لِكَثْرَتِهَا. وَقَالَ

(1). قوله [منحذم] كذا في الأصل والتهذيب بالحاء المهملة.

(2)

. قوله [وهى إذا حمق] كذا ضبط في الأصل والتهذيب، وضبطه في التكملة كولي وفي القاموس ما يؤيد الضبطين.

ص: 418

أَبو الْحَسَنِ النَّحْوِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى، وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ

: وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَما تَرى أَنه لَا يُفلح الْكَافِرُونَ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ مَعْنَاهُ وَيْلَكَ أَنه لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ فَحَذَفَ اللَّامَ وَبَقِيَ ويكَ، قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ، لَوْ كَانَتْ كَمَا قَالَ لَكَانَتْ أَلف إِنه مَكْسُورَةً، كَمَا تَقُولُ وَيْلَك إِنه قَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا؛ قَالَ أَبو إِسحاق: وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا مَا ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ وَيُونُسَ، قَالَ: سأَلت الْخَلِيلَ عَنْهَا فَزَعَمَ أَن وَيْ مَفْصُولَةٌ مِنْ كأَن، وأَن الْقَوْمَ تَنَبَّهُوا فَقَالُوا وَيْ مُتَنَدِّمِينَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ. وكُلُّ مَنْ تَنَدَّم أَو نَدِمَ فإِظهارُ نَدَامَتِهِ أَو تَنَدُّمُه أَن يَقُولَ وَيْ، كَمَا تُعاتِب الرَّجُلَ عَلَى مَا سَلَفَ فَتَقُولُ: كأَنَّك قَصَدْتَ مَكْرُوهِي، فَحَقِيقَةُ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا وَيْ هُوَ أَجود. وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ: وَيْ مَعْنَاهُ التَّنْبِيهُ وَالتَّنَدُّمُ، قَالَ: وَتَفْسِيرُ الْخَلِيلِ مَشَاكِلُ لِمَا جاءَ فِي التَّفْسِيرِ لأَن قَوْلَ الْمُفَسِّرِينَ أَما تَرَى هُوَ تَنْبِيهٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرَّاءُ فِي كِتَابِهِ قَوْلَ الْخَلِيلِ وَقَالَ: وَيْ كأَن مَفْصُولَةٌ كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ وَيْ أَما تَرَى مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ وَيْ، ثُمَّ استأْنف كأَنَّ اللَّهَ يَبْسُط الرِّزْقَ، وَهُوَ تَعْجُّبٌ، وكأَنَّ فِي الْمَعْنَى الظَّنَّ وَالْعِلْمَ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهَذَا وَجْهٌ يَسْتَقِيمُ وَلَوْ تَكْتُبُهَا الْعَرَبُ مُنْفَصِلَةً، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ كَثُرَ بِهَا الْكَلَامُ فَوُصِلَتْ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ كَمَا اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ كِتابَ يابْنَؤُمِّ، فَوَصَلُوهَا لِكَثْرَتِهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا صحيح، والله أَعلم.

‌فصل الياء

يَبَا: ابْنُ بَرِّيٍّ خَاصَّةً: يَبةُ «3» اسْمُ مَوْضِعٍ وَادٍ بِالْيَمَنِ؛ قَالَ كَثِيرٌ:

إِلى يَبةٍ إِلى بَرْكِ الغُماد

يَدِيَ: اليَدُ: الكَفُّ، وَقَالَ أَبو إِسحاق: اليَدُ مِنْ أَطْراف الأَصابع إِلى الْكَفِّ، وَهِيَ أُنثى مَحْذُوفَةُ اللَّامِ، وَزْنُهَا فَعْلٌ يَدْيٌ، فَحُذِفَتِ الْيَاءُ تَخْفِيفًا فاعْتَقَبت حَرَكَةَ اللَّامِ عَلَى الدَّالِ، والنسَبُ إِليه عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ يَدَوِيٌّ، والأَخفش يُخَالِفُهُ فَيَقُولُ: يَدِيٌّ كَنَدِيٍّ، وَالْجُمَعُ أَيْدٍ، عَلَى مَا يَغْلِبُ فِي جَمْعِ فَعْلٍ فِي أَدْنى العَدَد. الْجَوْهَرِيُّ: اليَدُ أَصلها يَدْيٌ عَلَى فَعْل، سَاكِنَةُ الْعَيْنِ، لأَن جَمْعَهَا أَيْدٍ ويُدِيٌّ، وَهَذَا جَمْعُ فَعْلٍ مِثْلَ فَلْسٍ وأَفْلُسٍ وفُلُوسٍ، وَلَا يُجْمَعُ فَعَلٌ عَلَى أَفْعُل إِلا فِي حُرُوفٍ يَسِيرَةٍ مَعْدُودَةٍ مِثْلَ زَمَنٍ وأَزْمُنٍ وجَبَلٍ وأَجْبُلٍ وَعَصًا وأَعْصٍ، وَقَدْ جُمِعَتِ الأَيْدي فِي الشِّعْرِ عَلَى أَيادٍ؛ قَالَ جَنْدَلُ بْنُ الْمُثَنَّى الطُّهَوِيّ:

كأَنه، بالصَّحْصَحانِ الأَنْجَلِ،

قُطْنٌ سُخامٌ بأَيادي غُزَّلِ

وَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ مِثْلَ أَكْرُعٍ وأَكارِعَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:

فأَمَّا وَاحِدًا فكفاكَ مِثْلي،

فمَنْ لِيَدٍ تُطاوِحُها الأَيادِي؟ «4»

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَيادٍ جَمْعُ الْجَمْعِ؛ وأَنشد أَبو الْخَطَّابِ:

سَاءَهَا مَا تَأَمَّلَتْ في أَيادِينا

وإِشناقَها إِلى الأَعْناقِ «5»

وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: أَكثر مَا تُسْتَعْمِلُ الأَيادي فِي النِّعم لَا فِي الأَعْضاء. أَبو الْهَيْثَمِ: اليَدُ اسْمٌ عَلَى حَرْفَيْنِ، وَمَا كَانَ مِنَ الأَسامي عَلَى حَرْفَيْنِ وَقَدْ حُذِفَ مِنْهُ حَرْفٌ فَلَا يُردّ إِلا فِي التَّصْغِيرِ أَو فِي التَّثْنِيَةِ أَو الجمع،

(3). قوله [يبة] ضبطت الياء بالفتح في الأصل، والذي في معجم ياقوت بسكونها، ورسمت التاء فيه مجرورة فمقتضاه أنه من الصحيح لا من المعتل.

(4)

. قوله [واحداً] هو بالنصب في الأَصل هنا وفي مادة طوح من المحكم، والذي وقع في اللسان في طوح: واحد، بالرفع.

(5)

. قوله [وإشناقها] ضبط في الأصل بالنصب على أن الواو للمعية، وقع في شنق مضبوطاً بالرفع.

ص: 419

وَرُبَّمَا لَمْ يُردَّ فِي التَّثْنِيَةِ، وَيُثَنَّى عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاحِدُ الأَيادي يَداً كَمَا تَرَى مِثْلَ عَصاً ورَحاً ومَناً، ثُمَّ ثَنَّوْا فَقَالُوا يَدَيانِ ورَحَيانِ ومَنَوانِ؛ وأَنشد:

يَدَيان بَيْضاوانِ عنْدَ مُحَلِّمٍ

قدْ يَمْنَعانِك بَيْنُهمْ أَن تُهْضَما

وَيُرْوَى: عِنْدَ مُحَرِّق؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ كَمَا أَنشده السِّيرَافِيُّ وَغَيْرُهُ:

قَدْ يَمْنَعانِك أَن تُضامَ وتُضْهَدا

قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَتُجْمَعُ اليَدُ يَدِيّاً مِثْلَ عَبْدٍ وعَبيدٍ، وَتَجْمَعُ أَيْدِياً ثُمَّ تَجْمَعُ الأَيْدي عَلَى أَيْدِينَ، ثُمَّ تَجْمَعُ الأَيْدي أَيادِيَ؛ وأَنشد:

يَبْحَثْنَ بالأَرْجُلِ والأَيْدِينا

بَحْثَ المُضِلَّات لِمَا يَبْغِينا

وَتُصْغُرُ اليَدُ يُدَيَّةً؛ وأَما قَوْلُهُ أَنشده سِيبَوَيْهِ لمضَرِّس بْنُ رِبْعِي الأَسدي:

فطِرْتُ بِمُنْصُلي فِي يَعْمَلاتٍ،

دَوامي الأَيْدِ يَخْبِطْنَ السَّرِيحا

فإِنه احْتَاجَ إِلى حَذْفِ الْيَاءِ فَحَذَفَهَا وكأَنه تَوَهَّمَ التَّنْكِيرَ فِي هَذَا فَشَبَّهَ لَامَ الْمَعْرِفَةِ بِالتَّنْوِينِ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ هَذِهِ الأَشياء مِنْ خَوَاصِّ الأَسماء، فَحُذِفَتِ الْيَاءَ لأَجل اللَّامِ كَمَا تَحْذِفُهَا لأَجل التَّنْوِينِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:

لَا صُلْحَ بَيْني، فاعْلَمُوه، وَلَا

بَيْنَكُمُ مَا حَمَلَتْ عاتِقِي

سَيْفِي، وَمَا كُنَّا بنَجْدٍ، وَمَا

قَرْقَرَ قُمْرُ الوادِ بالشَّاهِقِ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهَذِهِ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ يَحْذِفُونَ الْيَاءَ مِنَ الأَصل مَعَ الأَلف وَاللَّامِ فَيَقُولُونَ فِي المُهْتَدِي المُهْتَدِ، كَمَا يَحْذِفُونَهَا مَعَ الإِضافة فِي مِثْلِ قَوْلُ خُفَافِ بْنِ نُدْبَةَ:

كنَواحِ رِيشِ حَمامةٍ نَجْدِيَّةٍ،

ومَسَحْتُ باللِّثَتَيْنِ عَصْفَ الإِثْمِدِ

أَراد كَنُوَاحِي، فَحَذَفَ الْيَاءَ لَمَّا أَضاف كَمَا كَانَ يَحْذِفُهَا مَعَ التَّنْوِينِ، وَالذَّاهِبُ مِنْهَا الْيَاءُ لأَن تَصْغِيرَهَا يُدَيَّةٌ، بِالتَّشْدِيدِ، لِاجْتِمَاعِ الْيَاءَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشد سِيبَوَيْهِ بَيْتَ خُفَافِ: ومَسَحْتِ، بِكَسْرِ التَّاءِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَن حَذْفَ الْيَاءِ فِي الْبَيْتِ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ لَا غَيْرَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لَامَ يَدٍ يَاءٌ قَوْلُهُمْ يَدَيْتُ إِليه يَداً، فأَما يُدَيَّةٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لأَنها لَوْ كَانَتْ فِي الأَصل وَاوًا لَجَاءَ تَصْغِيرُهَا يُدَيَّةً كَمَا تَقُولُ فِي غَرِيَّة غُرَيَّةً، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لِذِي الثُّدَيَّةِ ذُو اليُدَيَّةِ، وَهُوَ الْمَقْتُولُ بنَهْرَوانَ. وَذُو اليَدَيْن: رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ يُقَالُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه كَانَ يَعمل بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم،

أَقَصُرَتِ الصلاةُ أَم نَسِيتَ

؟ وَرَجُلٌ مَيْدِيٌّ أَي مَقْطُوعُ الْيَدِ مِنْ أَصلها. واليُداء: وَجَعُ الْيَدِ. الْيَزِيدِيُّ: يَدِيَ فلان من يَدِه أَي ذَهَبَتْ يدُه ويَبِسَتْ. يُقَالُ: مَا لَهُ يَدِيَ مِنْ يَده، وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ تَرِبَتْ يَداه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:

فأَيٌّ مَا يَكُنْ يَكُ، وَهْوَ مِنَّا

بأَيْدٍ مَا وبَطْنَ وَلَا يَدِينا «1»

وبَطْنَ: ضَعُفْنَ ويَدِينَ: شَلِلْنَ. ابْنُ سِيدَهْ: يَدَيْتُه ضَرَبَتْ يدَه فَهُوَ مَيْدِيٌّ. ويُدِيَ: شَكا

(1). قوله [فأي] الذي في الأساس: فأياً، بالنصب.

ص: 420

يَدَه، عَلَى مَا يَطَّرِد فِي هَذَا النَّحْوِ. الْجَوْهَرِيُّ: يَدَيْتُ الرَّجُلَ أَصَبْتُ يَده فَهُوَ مَيْدِيٌّ، فإِن أَردت أَنك اتَّخَذْتَ عِنْدَهُ يَداً قُلْتَ أَيْدَيْت عِنْدَهُ يَدًا، فأَنا مُودٍ، وَهُوَ مُودًى إِليه، ويَدَيْتُ لُغَةٌ؛ قَالَ بَعْضُ بَنِي أَسد:

يَدَيْتُ عَلَى ابنِ حَسْحاسِ بنِ وَهْبٍ،

بأَسْفَلِ ذِي الجِذاةِ، يَدَ الكَريمِ

قَالَ شَمِرٌ: يَدَيْتُ اتخذت عنده يَداً؛ وأَنشد لِابْنِ أَحمر:

يَدٌ مَا قَدْ يَدَيْتُ عَلَى سُكَينٍ

وعَبْدِ اللهِ، إِذْ نَهِشَ الكُفُوفُ

قَالَ: يَدَيْت اتَّخَذْتَ عِنْدَهُ يَداً. وَتَقُولُ إِذا وقَع الظَّبْيُ فِي الحِبالةِ: أَمَيْدِيٌّ أَم مَرْجُولٌ أَي أَوَقَعَتْ يدهُ فِي الحِبالةِ أَم رِجْلُه؟ ابْنُ سِيدَهْ: وأَما مَا رُوِيَ مِنْ

أَنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَد اللَّهِ

فتَأويله أَنه يَتَقبَّلُ الصَّدَقة ويُضاعِفُ عَلَيْهَا أَي يَزِيدُ: وَقَالُوا: قَطَعَ اللهُ أَدَيْه، يُرِيدُونَ يَدَيه، أَبدلوا الْهَمْزَةَ مِنَ الْيَاءِ، قَالَ: وَلَا نَعْلَمُهَا أُبدلت مِنْهَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ إِلا فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ ذَلِكَ لُغَةً لِقِلَّةِ إِبدال مِثْلَ هَذَا. وَحَكَى ابْنُ جِنِّي عَنْ أَبي عَلِيٍّ: قَطَعَ اللَّهُ أَدَه، يريدُون يَدَه، قَالَ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: واليَدا لُغَةٌ فِي اليَدِ، جَاءَ مُتَمَّمًا عَلَى فَعَلٍ؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ؛ وأَنشد:

يَا رُبَّ سارٍ سارَ مَا تَوَسَّدا

إِلَّا ذِراعَ العَنْسِ، أَو كفَّ اليَدا

وَقَالَ آخَرُ:

قَدْ أَقْسَمُوا لَا يَمْنَحُونَكَ نَفْعَةً

حَتَّى تَمُدَّ إِليهمُ كَفَّ اليَدا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى لَا يَمْنَحُونَكَ بَيْعةً، قَالَ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنه رَدَّ لَامَ الْكَلِمَةِ إِليها لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ كَمَا رَدَّ الْآخَرُ لَامَ دَمٍ إِليه عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:

فإِذا هِي بِعِظامٍ ودَمَا

وامرأَةٌ يَدِيَّةٌ أَي صَناعٌ، وَمَا أَيْدَى فلانةَ، وَرَجُلٌ يَدِيٌّ. ويَدُ القَوْسِ: أَعلاها عَلَى التَّشْبِيهِ كَمَا سمَّوا أَسْفَلَها رِجْلًا، وَقِيلَ: يَدُها أَعْلاها وأَسْفَلُها، وَقِيلَ: يَدُها مَا عَلا عَنْ كَبِدِها، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: يَدُ القَوْسِ السِّيةُ اليُمْنى؛ يَرْوِيهِ عَنْ أَبي زِيَادٍ الْكِلَابِيِّ. ويَدُ السيفِ: مَقْبِضُه عَلَى التَّمْثِيلِ: ويَدُ الرَّحَى: العُود الَّذِي يَقْبِض عَلَيْهِ الطَّاحِنُ. واليَدُ: النِّعْمةُ والإِحْسانُ تَصْطَنِعُه والمِنَّةُ والصَّنِيعَةُ، وإِنما سُمِّيَتْ يَدًا لأَنها إِنما تَكُونُ بالإِعْطاء والإِعْطاءُ إِنالةٌ بِالْيَدِ، وَالْجَمْعُ أَيدٍ، وأَيادٍ جَمْعُ الْجَمْعِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي العُضْوِ، ويُدِيٌّ ويَدِيٌّ فِي النِّعْمَةِ خَاصَّةً؛ قَالَ الأَعشى:

فَلَنْ أَذْكُرَ النُّعْمانَ إِلَّا بصالِحٍ،

فإِنَّ لَهُ عِنْدِي يُدِيّاً وأَنْعُما

وَيُرْوَى: يَدِيّاً، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبي عُبَيْدٍ فَهُوَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَيُرْوَى: إِلا بنِعْمةٍ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي قَوْلِهِ يَدِيّاً وأَنْعُما: إِنما فَتَحَ الْيَاءَ كَرَاهَةً لِتَوَالِي الْكَسَرَاتُ، قَالَ: وَلَكَ أَن تَضُمَّهَا، وَتَجْمَعَ أَيضاً عَلَى أَيْدٍ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:

تَكُنْ لَكَ في قَوْمِي يَدٌ يَشْكُرونها،

وأَيْدِي النَّدَى فِي الصَّالِحِينَ قُرُوضُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي قَوْلِهِ:

فلَنْ أَذْكُرَ النُّعْمَانَ إِلا بِصَالِحِ

الْبَيْتُ لضَمْرةَ بْنِ ضَمْرَةَ النَّهْشَلي؛ وَبَعْدَهُ:

تَرَكْتَ بَني مَاءِ السَّمَاءِ وفِعْلَهُم،

وأَشْبَهْتَ تَيْساً بالحِجازِ مُزَنَّما

ص: 421

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ويَدِيٌّ جَمْعُ يَدٍ، وَهُوَ فَعِيلٌ مِثْلُ كلْب وكَلِيب وعَبْد وعَبيد، قَالَ: وَلَوْ كَانَ يَدِيٌّ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ يَدِيّاً فُعُولًا فِي الأَصل لَجَازَ فِيهِ الضَّمُّ وَالْكَسْرُ، قَالَ: وَذَلِكَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ فِيهِ. ويَدَيْتُ إِليه يَداً وأَيْدَيْتُها: صَنَعْتها. وأَيْدَيْتُ عِنْدَهُ يَدًا فِي الإِحسان أَي أَنْعَمْت عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: إِنَّ فُلَانًا لَذُو مَالٍ يَيْدِي بِهِ ويَبُوع بِهِ أَي يَبْسُط يَدَه وَبَاعَهُ. ويادَيْتُ فُلَانًا: جازَيْتُه يَدًا بِيَدٍ، وأَعطيته مُياداةً أَي مِنْ يدِي إِلى يَدِهِ. الأَصمعي: أَعطيته مَالًا عَنْ ظَهْرِ يَدٍ، يَعْنِي تَفَضُّلًا لَيْسَ مِنْ بَيْعٍ وَلَا قَرْض وَلَا مُكافأَة. اللَّيْثُ: اليَدُ النِّعْمةُ السابغةُ. ويَدُ الفأْسِ ونحوِها: مَقْبِضُها. ويَدُ القَوْسِ: سِيَتُها. ويدُ الدَّهْر: مَدُّ زَمَانِهِ. ويدُ الرِّيحِ: سُلْطانُها؛ قَالَ لَبِيدٌ:

نِطافٌ أَمرُها بِيَدِ الشَّمال

لَمَّا مَلَكَتِ الريحُ تَصْرِيفَ السَّحاب جُعل لَهَا سُلطان عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: هَذِهِ الصَّنْعَةُ فِي يَدِ فُلَانٍ أَي فِي مِلْكِه، وَلَا يُقَالُ فِي يَدَيْ فُلَانٍ. الْجَوْهَرِيُّ: هَذَا الشَّيْءُ فِي يَدِي أَي فِي مِلْكي. ويَدُ الطَّائِرِ: جَناحُه. وخَلَعَ يدَه عَنِ الطَّاعَةِ: مِثْلَ نزَعَ يدَه، وأَنشد:

وَلَا نازِعٌ مِن كلِّ مَا رابَني يَدا

قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا بايَعْتُه يَداً بيَدٍ، وَهِيَ مِنَ الأَسماء الْمَوْضُوعَةِ مَوْضِعَ المَصادِر كأَنك قُلْتَ نَقْداً، وَلَا يَنْفَرِدُ لأَنك إِنما تُرِيدُ أَخذَ مِنِّي وأَعْطاني بِالتَّعْجِيلِ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ الرَّفْعُ لأَنك لَا تُخْبِرُ أَنك بايَعْتَه ويدُك فِي يَدِه. واليَدُ: القُوَّةُ. وأَيَّدَه اللَّهُ أَي قَوَّاه. وَمَا لِي بِفُلَانٍ يَدانِ أَي طاقةٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ

؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبُ بْنُ سَعْدٍ الغَنَويِّ:

فاعمِدْ لِما يَعْلُو، فَمَا لكَ بِالَّذِي

لَا تستَطِيعُ مِنَ الأُمورِ يَدانِ

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا

، وَفِيهِ: فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ.

وَقَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: المُسْلِمُونَ تتَكافَأُ دماؤُهم ويَسْعَى بذِمَّتهم أَدْناهم وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَن سِواهم

أَي كَلِمَتُهم وَاحِدَةٌ، فبعضُهم يُقوِّي بَعْضاً، وَالْجَمْعُ أَيْدٍ، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ يَدٌ عَلَى مَن سِوَاهُمْ أَي هُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أَعدائِهم وأَمرُهم وَاحِدٌ، لَا يَسَعُهم التَّخاذُل بَلْ يُعاوِنُ بعضُهم بَعْضًا، وكَلِمَتُهم ونُصْرَتُهم واحدةٌ عَلَى جَمِيعِ المِلَلِ والأَدْيانِ المُحاربةِ لَهُمْ، يتَعاوَنون عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَا يَخْذُل بعضُهم بَعْضًا، كأَنه جَعَلَ أَيْدِيَهم يَداً وَاحِدَةً وفِعْلَهم فِعْلًا وَاحِدًا. وَفِي الْحَدِيثِ:

عَلَيْكُمْ بالجماعةِ فإِنَّ يدَ اللهِ عَلَى الفُسْطاطِ

؛ الفُسْطاطُ: المِصْرُ الجامِعُ، ويَدُ اللهِ كِنَايَةٌ عَنِ الحِفظ والدِّفاع عَنْ أَهل الْمِصْرِ، كأَنهم خُصُّوا بواقِيةِ اللهِ تَعَالَى وحُسْنِ دِفاعِه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:

يَدُ اللهِ عَلَى الجَماعةِ

أَي أَنَّ الْجَمَاعَةَ المُتَّفِقةَ مِنْ أَهل الإِسلام فِي كَنَفِ اللهِ، ووِقايَتُه فَوْقَهم، وَهُمْ بَعِيد مِنَ الأَذَى والخوْف فأَقِيموا بَيْنَ ظَهْرانَيهِمْ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:

اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى

؛ العُلْيا المُعْطِيةُ، وَقِيلَ: المُتَعَفِّفَةُ، والسُّفْلى السائلةُ، وَقِيلَ: المانِعةُ.

وَقَوْلُهُ، صلى الله عليه وسلم، لِنِسَائِهِ: أَسْرَعُكُنَّ لُحوقاً بِي أَطْوَلُكُنَّ يَداً

؛ كَنَى بطُولِ الْيَدِ عَنِ العَطاء والصَّدَقةِ. يُقَالُ: فُلَانٌ طَوِيلُ اليَدِ وطويلُ الباعِ إِذا كَانَ سَمْحاً جَواداً. وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُحِبُّ الصَّدقة وَهِيَ مَاتَتْ قَبْلَهنَّ. وَحَدِيثُ

قَبِيصةَ: مَا رأَيتُ أَعْطَى للجَزِيل عَنْ ظَهْرِ يَدٍ مِنْ طَلْحَة

أَي عَنْ

ص: 422

إِنْعامٍ ابْتَدَاءً مِنْ غيرِ مكافأَةٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ

؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ أُولي القُوَّة وَالْعُقُولِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا لِي بِهِ يَدٌ أَي مَا لِي بِهِ قُوَّة، وَمَا لِي بِهِ يَدانِ، وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ أَيْدٍ أَي قُوَّةٌ، ولهم أَيْدٍ وأَبْصار وهم أُولُو الأَيْدي والأَبْصار. واليَدُ: الغِنَى والقُدْرةُ، تَقُولُ: لِي عَلَيْهِ يَدٌ أَي قُدْرة. ابْنُ الأَعرابي: اليَدُ النِّعْمةُ، واليَدُ القُوَّةُ، واليَدُ القُدْرة، واليَدُ المِلْكُ، واليَدُ السُلْطانُ، واليَدُ الطاعةُ، واليَدُ الجَماعةُ، واليَدُ الأَكْلُ؛ يُقَالُ: ضَعْ يدَكَ أَي كُلْ، واليَدُ النَّدَمُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: سُقِط فِي يَدِهِ إِذا نَدِمَ، وأُسْقِطَ أَي نَدِمَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ

؛ أَي نَدِمُوا، واليَدُ الغِياثُ، واليَدُ مَنْعُ الظُّلْمِ، واليَدُ الاسْتِسلامُ، واليدُ الكَفالةُ فِي الرَّهْن؛ وَيُقَالُ للمعاتِب: هَذِهِ يَدِي لكَ. وَمِنْ أَمثالهم: لِيَدٍ مَا أَخَذتْ؛ الْمَعْنَى مَنْ أَخذ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ. وَقَوْلُهُمْ: يَدِي لكَ رَهْنٌ بِكَذَا أَي ضَمِنْتُ ذَلِكَ وكَفَلْتُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: لَهُ عليَّ يَدٌ، وَلَا يَقُولُونَ لَهُ عِنْدِي يدٌ؛ وأَنشد:

لَهُ عليَّ أَيادٍ لَسْتُ أَكْفُرُها،

وإِنما الكُفْرُ أَنْ لَا تُشْكَرَ النِّعَمُ

قَالَ ابْنُ بُزُرْجَ: الْعَرَبُ تُشَدِّدُ الْقَوَافِيَ وإِن كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الْمُضَاعَفِ مَا كَانَ مِنَ الْيَاءِ وَغَيْرِهِ؛ وأَنشد:

فجازُوهمْ بِمَا فَعَلُوا إِلَيْكُمْ،

مُجازاةَ القُرُومِ يَداً بيَدِّ

تَعالَوْا يَا حَنِيفَ بَني لُجَيْمٍ،

إِلَى مَنْ فَلَّ حَدَّكُمُ وَحَدِّي

وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ: مِنْ أَمثالهم:

أَطاعَ يَداً بالقَوْدِ فَهْوَ ذَلُولُ

إِذا انْقادَ واستسلمَ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه، صلى الله عليه وسلم، قَالَ فِي مُنَاجَاتِهِ رَبَّهُ وَهَذِهِ يَدِي لَكَ

أَي اسْتَسْلَمْتُ إِليك وانْقَدْت لَكَ، كَمَا يُقَالُ فِي خلافِه: نزَعَ يدَه مِنَ الطَّاعَةِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ

عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: هَذِهِ يَدي لعَمَّار

أَي أَنا مُسْتَسْلِمٌ لَهُ مُنْقادٌ فليَحْتَكِمْ عليَّ بِمَا شَاءَ. وَفِي حَدِيثِ

عَلِيٍّ، رضي الله عنه: مرَّ قومٌ مِنَ الشُّراة بِقَوْمٍ مِنْ أَصحابه وَهُمْ يَدْعُون عَلَيْهِمْ فَقَالُوا بِكُم اليَدانِ

أَي حاقَ بِكُمْ مَا تَدْعُون بِهِ وتَبْسطُون أَيْدِيَكم. تَقُولُ الْعَرَبُ: كَانَتْ بِهِ اليَدانِ أَي فَعَلَ اللهُ بِهِ مَا يقولُه لِي، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: رَماني مِنْ طُولِ الطَّوِيِّ وأَحاقَ اللهُ بِهِ مَكْرَه ورجَع عَلَيْهِ رَمْيُه، وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ:

لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ الأَشتر قَالَ لليَدَيْنِ وللفَمِ

؛ هَذِهِ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا دُعِيَ عَلَيْهِ بالسُّوء، مَعْنَاهُ كَبَّه اللَّهُ لِوَجْهِهِ أَي خَرَّ إِلى الأَرض عَلَى يدَيه وفِيهِ؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

أَلا طَرَقَتْ مَيٌّ هَيُوماً بذِكْرِها،

وأَيْدِي الثُّرَيّا جُنَّحٌ فِي المَغارِب

استعارةٌ وَاتِّسَاعٌ، وَذَلِكَ أَنَّ اليَدَ إِذا مالَتْ نَحْوَ الشَّيْءِ ودَنَتْ إِليه دَلَّتْ عَلَى قُرْبها مِنْهُ ودُنوِّها نحوَه، وإِنما أَراد قُرْبَ الثُّرَيَّا مِنَ المَغْربِ لأُفُولها فَجُعِلَ لَهَا أَيْدِياً جُنَّحاً نَحْوَهَا؛ قَالَ لَبِيدٌ:

حَتَّى إِذا أَلْقَتْ يَداً فِي كافِرٍ،

وأَجَنَّ عَوْراتِ الثُّغُورِ ظَلامُها

يَعْنِي بدأَت الشَّمْسُ فِي المَغِيب، فجعل للشمس يَداً إِلى المَغِيب لَمَّا أَراد أَن يَصِفَها بالغُروب؛ وأَصل هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ لِثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْر الْمَازِنِيِّ فِي قَوْلِهِ:

فتَذَكَّرا ثَقَلًا رَثِيداً بَعْدَ ما

أَلْقَتْ ذُكاءُ يَمِينها فِي كافِرِ

ص: 423

وَكَذَلِكَ أَراد لَبِيدٌ أَن يُصرِّح بِذِكْرِ الْيَمِينِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَراد بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ الكُتُبَ المُتَقَدِّمة، يَعْنُونَ لَا نُؤمن بِمَا أَتى بِهِ مُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وسلم، وَلَا بِمَا أَتَى بِهِ غيرُه مِنَ الأَنبياء، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: يُنْذِرُكُم أَنَّكم إِنْ عَصَيْتُم لَقِيتُم عَذَابًا شَدِيدًا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ

: قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: تَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ وَلَمْ يُسْلِمُوا؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: كَانُوا يُكَذِّبونهم وَيَرُدُّونَ الْقَوْلَ بأَيديهم إِلى أَفْواهِ الرُّسُلِ، وَهَذَا يُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ، وَرُوِيَ عَنِ

ابْنِ مَسْعُودٍ أَنه قَالَ فِي قَوْلِهِ عز وجل: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ

؛ عَضُّوا عَلَى أَطْرافِ أَصابعهم

؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا مِنْ أَحسن مَا قِيلَ فِيهِ، أَراد أَنهم عَضُّوا أَيْدِيَهم حَنَقاً وغَيْظاً؛ وَهَذَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

يَرُدُّونَ فِي فِيهِ عَشْرَ الحَسُود

يَعْنِي أَنهم يَغِيظُون الحَسُودَ حَتَّى يَعَضَّ عَلَى أَصابِعه؛ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الْهُذَلِيُّ:

قَدَ افْنَى أَنامِلَه أَزْمُه،

فأَمْسَى يَعَضُّ عَليَّ الوَظِيفا

يَقُولُ: أَكل أَصابِعَه حَتَّى أَفْناها بالعَضِّ فصارَ يَعَضُّ وَظِيفَ الذِّرَاعِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَاعْتِبَارُ هَذَا بِقَوْلِهِ عز وجل: وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ يأْجُوجَ ومأْجُوجَ:

قَدْ أَخْرَجْتُ عِباداً لِي لَا يَدانِ لأَحَدٍ بِقِتالِهمْ

أَي لَا قُدْرَةَ وَلَا طاقَة. يُقَالُ: مَا لِي بِهَذَا الأَمر يَدٌ وَلَا يَدانِ لأَن المُباشَرةَ والدِّفاعَ إِنما يَكُونَانِ باليَدِ، فكأَنَّ يَدَيْهِ مَعْدُومَتانِ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِه. ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُمْ لَا يَدَيْنِ لَكَ بها، معناه لا قُوّة لَكَ بِهَا، لَمْ يَحْكِهِ سِيبَوَيْهِ إِلا مُثنى؛ وَمَعْنَى التَّثْنِيَةِ هُنَا الْجَمْعُ وَالتَّكْثِيرُ كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:

فكُلُّ رَفِيقَي كُلّ رَحْلٍ

قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن تَكُونَ الْجَارِحَةُ هُنَا لأَن الْبَاءَ لَا تَتَعَلَّقُ إِلا بِفِعْلٍ أَو مَصْدَرٍ. وَيُقَالُ: اليَدُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَي الأَمْرُ النافِذُ والقَهْرُ والغَلَبةُ، كَمَا تَقُولُ: الرِّيحُ لِفُلَانٍ. وَقَوْلُهُ عز وجل: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ

؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ عَنْ ذُلٍّ وَعَنِ اعْتِرافٍ لِلْمُسْلِمِينَ بأَن أَيْدِيَهم فَوْقَ أَيْدِيهم، وَقِيلَ: عَنْ يَدٍ أَي عَنْ إِنْعام عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ لأَنَّ قَبول الجِزْية وتَرْكَ أَنْفُسهم عَلَيْهِمْ نِعمةٌ عَلَيْهِمْ ويَدٌ مِنَ الْمَعْرُوفِ جَزِيلة، وَقِيلَ: عَنْ يَدٍ أَي عَنْ قَهْرٍ وذُلٍّ واسْتِسْلام، كَمَا تَقُولُ: اليَدُ فِي هَذَا لِفُلَانٍ أَي الأَمرُ النافِذُ لفُلان. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَزِّيُّ عَنْ يَدٍ

قَالَ: نَقْداً عَنْ ظَهْرِ يَدٍ لَيْسَ بنسِيئة. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: كلُّ مَن أَطاعَ لِمَنْ قَهَرَهُ فأَعطاها عَنْ غَيْرِ طيبةِ نَفْسٍ فَقَدْ أَعطاها عَنْ يَدٍ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ يَدٍ

قَالَ: يَمْشُونَ بِهَا، وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَا يَجِيئون بِهَا رُكباناً وَلَا يُرْسِلُون بِهَا. وَفِي حَدِيثِ

سَلْمانَ: وأَعْطُوا الجِزْيةَ عَنْ يَدٍ

، إِنْ أُرِيد باليدِ يَدُ المُعْطِي فَالْمَعْنَى عَنْ يَدٍ مُواتِيةٍ مُطِيعة غَيْرَ مُمْتَنِعة، لأَن مَنْ أَبى وَامْتَنَعَ لَمْ يُعطِ يَدَه، وإِن أُريد بِهَا يَدُ الْآخِذِ فَالْمَعْنَى عَنْ يَد قَاهِرَةٍ مُسْتَوْلِيَةٍ أَو عَنْ إِنعام عَلَيْهِمْ، لأَنَّ قَبُولَ الجِزْيةِ مِنْهُمْ وَتَرْكَ أَرْواحِهم لَهُمْ نِعْمةٌ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها

؛ هَا هَذِهِ تَعُود عَلَى هَذِهِ الأُمَّة الَّتِي مُسِخَت، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ الفَعْلة، وَمَعْنَى لِما بَيْنَ يَدَيْها

يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ: يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ لِما بَيْنَ يَدَيْها

للأُمم الَّتِي بَرَأَها وَما خَلْفَها

ص: 424

للأُمم الَّتِي تَكُونُ بَعْدَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ لِما بَيْنَ يَدَيْها

لِمَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهَا، وَهَذَا قَوْلُ الزُّجَّاجِ. وَقَوْلُ الشَّيْطَانِ: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ

؛ أَي لأُغُوِيَنَّهم حَتَّى يُكَذِّبوا بِمَا تَقَدَّمَ ويكذِّبوا بأَمر الْبَعْثِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ لآتِيَنَّهم مِنْ جَمِيعِ الجِهات فِي الضَّلال، وَقِيلَ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ

أَي لأُضِلَّنَّهم فِي جَمِيعِ مَا تقدَّم ولأُضِلَّنَّهم فِي جَمِيعِ مَا يُتَوقَّع؛ وَقَالَ الفراء: فَجَعَلْناها يَعْنِي الْمِسْخَةَ جُعِلت نَكالًا لِما مَضَى مِنَ الذُّنوب وَلِمَا تَعْمَل بَعْدَها. وَيُقَالُ: بَيْنَ يَدَيْكَ كَذَا لِكُلِّ شَيْءٍ أَمامَك؛ قَالَ اللَّهُ عز وجل: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ*

. وَيُقَالُ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَهْوالًا أَي قُدَّامَها. وَهَذَا مَا قَدَّمَتْ يَداكَ وَهُوَ تأْكيد، كَمَا يُقَالُ هَذَا مَا جَنَتْ يَداك أَي جَنَيْته أَنت إِلَّا أَنك تُؤَكِّد بِهَا. وَيُقَالُ: يَثُور الرَّهَجُ بَيْنَ يَدي الْمَطَرِ، ويَهِيجُ السِّباب بَيْنَ يَدَيِ القِتال. وَيُقَالُ: يَدِيَ فُلَانٍ مِن يَدِه إِذا شَلَّتْ. وَقَوْلُهُ عز وجل: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ

؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوجه: جَاءَ الْوَجْهَانِ فِي التَّفْسِيرِ فأَحدهما يَدُ اللهِ فِي الوَفاء فوقَ أَيْديهم، وَالْآخَرُ يَدُ اللهِ فِي الثَّوَابِ فَوْقَ أَيْديهم، وَالثَّالِثُ، وَاللَّهُ أَعلم، يَدُ اللهِ فِي المِنّةِ عَلَيْهِمْ فِي الهِدايةِ فَوق أَيْديهم فِي الطَّاعَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ عز وجل: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ

؛ أَي مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ. قَالَ: والأَفعال تُنْسَب إِلى الجَوارِح، قَالَ: وَسُمِّيَتْ جَوارح لأَنها تَكْتسب. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ عَمِلَ شَيْئًا يُوبَّخ بِهِ: يَداك أَوْكَتا وفُوكَ نَفَخَ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا وُبِّخَ ذَلِكَ بِمَا كَسَبَتْ يَداكَ، وإِن كَانَتِ اليَدان لَمْ تَجْنِيا شَيْئًا لأَنه يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا كسَبَتْ يَداه لأَن اليَدَيْنِ الأَصل فِي التَّصَرُّفِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ*

؛ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ

. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُهُ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ

، أَراد بالبُهْتان وَلَدًا تَحْمِلُهُ مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا فَتَقُولُ هُوَ مِنْ زَوْجِهَا، وَكَنَى بِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا عَنِ الْوَلَدِ لأَن فَرْجَهَا بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ وَبَطْنَهَا الَّذِي تَحْمِلُ فِيهِ بَيْنَ الْيَدَيْنِ. الأَصمعي: يَدُ الثَّوْبِ مَا فَضَل مِنْهُ إِذا تَعَطَّفْت والْتَحَفْتَ. يُقَالُ: ثَوْبٌ قَصيرُ اليَدِ يَقْصُر عَنْ أَن يُلْتَحَفَ بِهِ. وثوبٌ يَدِيٌّ وأَدِيٌّ: وَاسْعٌ؛ وأَنشد الْعَجَّاجُ:

بالدَّارِ إِذْ ثَوْبُ الصِّبا يَدِيُّ،

وإِذْ زَمانُ الناسِ دَغْفَلِيُ

وقَمِيصٌ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ أَي قَصِيرُ الْكُمَّيْنِ. وَتَقُولُ: لَا أَفعله يَدَ الدَّهْر أَي أَبداً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ التَّوَّزِيُّ ثَوْبٌ يَدِيٌّ وَاسِعُ الكُمّ وضَيِّقُه، مِنَ الأَضداد؛ وأَنشد:

عَيْشٌ يَدِيٌّ ضَيِّقٌ ودَغْفَلِي

وَيُقَالُ: لَا آتِيه يَدَ الدَّهْر أَي الدَّهْرَ؛ هَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: مَعْنَاهُ لَا آتِيهِ الدهْرَ كُلَّهُ؛ قَالَ الأَعشى:

رَواحُ العَشِيِّ وَسَيْرُ الغُدُوّ،

يَدا الدَّهْرِ، حَتَّى تُلاقي الخِيارا «2»

الخِيار: المختارُ، يَقَعُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ. يُقَالُ: رَجُلٌ خِيارٌ وقومٌ خِيارٌ، وَكَذَلِكَ: لَا آتيهِ يَدَ المُسْنَدِ أَي الدهرَ كُلِّهِ، وَقَدْ تقدَّم أَن المُسْنَدَ الدَّهْرُ. ويدُ الرَّجُلِ: جماعةُ قَوْمِهِ وأَنصارُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

أَعْطى فأَعْطاني يَداً وَدَارًا،

وباحَةً خَوَّلَها عَقارا

(2). قوله [رواح العشي إلخ] ضبطت الحاء من رواح في الأَصل بما ترى.

ص: 425

الباحةُ هما: النَّخْلُ الْكَثِيرُ. وأَعطَيْتُه مَالًا عَنْ ظَهْرِ يَدٍ: يَعْنِي تفضُّلًا لَيْسَ مِنْ بَيْعٍ وَلَا قَرْضٍ وَلَا مُكافأَةٍ. وَرَجُلٌ يَدِيٌّ وأَدِيٌّ: رفيقٌ. ويَدِيَ الرجُلُ، فَهُوَ يَدٍ: ضعُفَ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

بأَيْدٍ مَا وبَطْنَ وَمَا يَدِينا

ابْنُ السِّكِّيتِ: ابْتَعْتُ الْغَنَمَ اليْدَيْنِ، وَفِي الصِّحَاحِ: باليَدَيْنِ أَي بِثَمَنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بعضُها بِثَمَنٍ وبعضُها بِثَمَنٍ آخَرَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: باعَ فُلَانٌ غنَمه اليدانِ «1» ، وَهُوَ أَن يُسلِمها بِيَدٍ ويأْخُذَ ثَمَنَهَا بِيَدٍ. ولَقِيتُه أَوَّلَ ذَاتِ يَدَيْنِ أَي أَوَّلَ شَيْءٍ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَمّا أَوَّلَ ذَاتِ يَدَيْنِ فإِني أَحمدُ اللهَ. وَذَهَبَ القومُ أَيدي سَبا أَي مُتَفَرِّقِينَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَذَهَبُوا أَيادِيَ سَبا، وَهُمَا اسْمَانِ جُعلا وَاحِدًا، وَقِيلَ: اليَدُ الطَّريقُ هاهنا. يُقَالُ: أَخذ فُلَانٌ يَدَ بَحْرٍ إِذا أَخذ طَرِيقَ الْبَحْرِ. وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ:

فأَخَذَ بِهِمْ يَدَ الْبَحْرِ

أَي طَرِيقِ السَّاحِلِ، وأَهلُ سَبَا لِمَا مُزِّقوا فِي الأَرض كلَّ مُمَزَّقٍ أَخذوا طُرُقاً شتَّى، فصاروا أَمثالًا لِمَنْ يَتَفَرَّقُونَ آخِذِينَ طُرُقاً مُخْتَلِفَةً. رأَيت حَاشِيَةً بِخَطِّ الشَّيْخِ رَضِيِّ الدِّينِ الشَّاطِبِيِّ، رحمه الله، قَالَ: قَالَ أَبو الْعَلَاءِ المَعري قَالَتِ الْعَرَبُ افْتَرَقوا أَيادِيَ سَبَا فَلَمْ يَهْمِزُوا لأَنهم جَعَلُوهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وأَكثرهم لَا يُنَوِّنُ سَبَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَعْضُهُمْ ينوِّن؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

فَيَا لَكِ مِنْ دارٍ تَحَمَّلَ أَهلُها

أَيادِي سَباً عَنْهَا، وطالَ انْتِقالُها

وَالْمَعْنَى أَن نِعَمَ سَبَا افْتَرَقَتْ فِي كُلِّ أَوْبٍ، فَقِيلَ: تفرَّقوا أَيادِيَ سَبَا أَيْ فِي كُلِّ وَجْهٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُمْ أَيادِي سَبَا يُراد بِهِ نِعَمُهم. واليَدُ: النِّعْمة لأَنَّ نِعَمَهُم وأَموالَهم تفرَّقَتْ بِتَفَرُّقِهِمْ، وَقِيلَ: اليَدُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الفِرْقة. يُقَالُ: أَتاني يَدٌ مِنَ النَّاسِ وعينٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَعْنَاهُ تفرَّقوا تفرُّقَ جَماعاتِ سَبا، وَقِيلَ: إِن أَهل سَبَا كَانَتْ يدُهم وَاحِدَةً، فَلَمَّا فَرَّقهم اللَّهُ صَارَتْ يدُهم أَياديَ، قَالَ: وَقِيلَ اليدُ هُنَا الطَّرِيقُ؛ يُقَالُ: أَخذ فُلَانٌ يدَ بَحْرٍ أَي طَرِيقَ بَحرٍ، لأَن أَهل سَبَإٍ لمَّا مَزَّقَهم اللَّهُ أَخَذوا طُرُقاً شتَّى. وَفِي الْحَدِيثِ:

اجْعَلِ الفُسَّاقَ يَداً يَداً ورِجْلًا رجْلًا فإِنهم إِذا اجْتَمَعُوا وَسْوَسَ الشيطانُ بَيْنَهُمْ فِي الشَّرِّ

؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي فَرِّقْ بَيْنَهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَفَرَّقوا أَيْدِي سَبا أَي تفرَّقوا فِي الْبِلَادِ. وَيُقَالُ: جاءَ فُلَانٌ بِمَا أَدت يَدٌ إِلى يَدٍ، عِنْدَ تأْكيد الإِخْفاق، وَهُوَ الخَيْبةُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ يُدْعى عَلَيْهِ بِالسُّوءِ: لليَدَيْنِ وللفَمِ أَي يَسْقُط على يَدَيْهِ وفَمِه.

يهيا: يَهْيا: مِنْ كَلَامِ الرِّعاءِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَهْيا حكايةُ التَّثاؤب؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

تَعادَوْا بِيَهْيا مِنْ مُواصَلة الْكَرَى

عَلَى غائراتِ الطَّرْفِ هُدْلِ المَشافِر

يوا: الْيَاءُ: حَرْفُ هِجَاءٍ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي تَرْجَمَةِ يَا مَنِ الأَلف اللَّيِّنَةِ آخِرِ الْكِتَابِ، إِن شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(1). قوله [بَاعَ فُلَانٌ غَنَمَهُ الْيَدَانِ] رسم في الأصل اليدان بالأَلف تبعاً للتهذيب.

ص: 426

حُضوراً فأَراد اللَّهُ عز وجل مِنْ عِيسَى أَنْ يُكَذِّبهم بِمَا ادَّعَوْا عَلَيْهِ، وأَما التَّوْبِيخُ لِعَدُوِّهِ فَكَقَوْلِهِ عز وجل: أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ، وَقَوْلِهِ: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ، أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها؛ وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: فَهَذِهِ أُصول الأَلفات. وَلِلنَّحْوِيِّينَ أَلقابٌ لأَلفات غَيْرِهَا تُعْرَفُ بِهَا، فَمِنْهَا الأَلف الْفَاصِلَةُ وَهِيَ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحدهما الأَلف الَّتِي تُثْبِتُهَا الْكَتَبَةُ بَعْدَ وَاوِ الْجَمْعِ لِيُفْصَلَ بِهَا بَيْنَ وَاوِ الْجَمْعِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهَا مِثْلَ كَفَرُوا وشَكَرُوا، وَكَذَلِكَ الأَلفُ الَّتِي فِي مِثْلِ يَغْزُوا وَيَدْعُوا، وَإِذَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا لِاتِّصَالِ الْمَكْنِيِّ بِالْفِعْلِ لَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الأَلف الْفَاصِلَةُ، والأُخرى الأَلف الَّتِي فَصَلَتْ بَيْنَ النُّونِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الإِناث وَبَيْنَ النُّونِ الثَّقِيلَةِ كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ ثَلَاثِ نُونَاتٍ فِي مِثْلِ قَوْلِكَ لِلنِّسَاءِ فِي الأَمر افْعَلْنانِّ، بِكَسْرِ النُّونِ وَزِيَادَةِ الأَلف بَيْنِ النُّونَيْنِ؛ وَمِنْهَا أَلف العِبارة لأَنها تُعبر عَنِ الْمُتَكَلِّمِ مِثْلَ قَوْلِكَ أَنا أَفْعَلُ كَذَا وأَنا أَستغفر اللَّهَ وَتُسَمَّى الْعَامِلَةَ؛ وَمِنْهَا الأَلف الْمَجْهُولَةُ مِثْلَ أَلف فَاعِلٍ وَفَاعُولٍ وَمَا أَشبهها، وَهِيَ أَلف تَدْخُلُ فِي الأَفعال والأَسماء مِمَّا لَا أَصل لَهَا، إِنَّمَا تأْتي لإِشباع الْفَتْحَةِ فِي الْفِعْلِ وَالِاسْمِ، وَهِيَ إِذَا لَزِمَتْها الحركةُ كَقَوْلِكَ خاتِم وخواتِم صَارَتْ وَاوًا لَمَّا لَزِمَتْهَا الْحَرَكَةُ بِسُكُونِ الأَلف بَعْدَهَا، والأَلف الَّتِي بَعْدَهَا هِيَ أَلف الْجَمْعِ، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ أَيضاً؛ وَمِنْهَا أَلف الْعِوَضِ وَهِيَ الْمُبْدَلَةُ مِنَ التَّنْوِينِ الْمَنْصُوبِ إِذَا وَقَفْتَ عَلَيْهَا كَقَوْلِكَ رأَيت زَيْدًا وَفَعَلْتُ خَيْرًا وَمَا أَشبهها؛ وَمِنْهَا أَلف الصِّلة وَهِيَ أَلفٌ تُوصَلُ بِهَا فَتحةُ الْقَافِيَةِ، فَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:

بانَتْ سُعادُ وأَمْسَى حَبْلُها انْقَطَعا

وَتُسَمَّى أَلف الْفَاصِلَةِ، فَوَصَلَ أَلف الْعَيْنِ بِأَلِفٍ بَعْدَهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عز وجل: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا؛ الأَلف الَّتِي بَعْدَ النُّونِ الأَخيرة هِيَ صِلَةٌ لِفَتْحَةِ النُّونِ، وَلَهَا أَخوات فِي فَوَاصِلِ الْآيَاتِ كَقوله عز وجل: قَوارِيرَا* وسَلْسَبِيلًا؛ وأَما فَتْحَةُ هَا الْمُؤَنَّثِ فَقَوْلُكَ ضَرَبْتُهَا وَمَرَرْتُ بِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَلِفِ الْوَصْلِ وأَلف الصِّلَةِ أَن أَلف الْوَصْلِ إِنَّمَا اجْتُلِبَتْ فِي أَوائل الأَسماء والأَفعال، وَأَلِفَ الصِّلَةِ فِي أَواخر الأَسماء كَمَا تَرَى؛ وَمِنْهَا أَلف النُّونِ الْخَفِيفَةِ كَقَوْلِهِ عز وجل: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ، وَكَقَوْلِهِ عز وجل: وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ؛ الْوُقُوفُ عَلَى لَنَسْفَعاً وَعَلَى وَلَيَكُوناً بالأَلف، وَهَذِهِ الأَلف خَلَفٌ مِنَ النُّونِ، والنونُ الْخَفِيفَةُ أَصلها الثَّقِيلَةُ إِلَّا أَنها خُفّفت؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الأَعشى:

وَلَا تَحْمَدِ المُثْرِينَ وَاللَّهَ فَاحْمَدا

أَراد فاحْمَدَنْ، بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ، فَوَقَفَ عَلَى الأَلف؛ وَقَالَ آخَرُ:

وقُمَيْرٍ بَدَا ابْنَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ،

فَقَالَتْ لَهُ الفَتاتانِ: قُوما

أَراد: قُومَنْ فَوَقَفَ بالأَلف؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:

يَحْسَبهُ الجاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَما

شَيْخاً، عَلَى كُرْسِيِّه، مُعَمَّمَا

فَنَصَبَ يَعْلم لأَنه أَراد مَا لَمْ يَعْلَمن بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ فَوَقَفَ بالأَلف؛ وَقَالَ أَبو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

قِفا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ

قَالَ: أَراد قِفَنْ فأَبدل الأَلف مِنَ النُّونِ الْخَفِيفَةِ كَقَوْلِهِ قُوما أَراد قُومَنْ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ؛ أَكثر الرِّوَايَةِ أَن الْخِطَابَ لِمَالِكٍ خَازِنِ جَهَنَّمَ وَحْدَهُ فَبَنَاهُ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِمَالِكٍ ومَلَكٍ مَعَهُ، وَاللَّهُ أَعلم؛ وَمِنْهَا أَلِفُ الْجَمْعِ مِثْلَ مَساجد وجِبال وفُرْسان

ص: 428

وفَواعِل، وَمِنْهَا التَّفْضِيلُ وَالتَّصْغِيرُ كَقَوْلِهِ فُلَانٌ أَكْرَمُ منكَ وأَلأَمُ مِنْكَ وَفُلَانٌ أَجْهَلُ الناسِ، وَمِنْهَا أَلِفُ النِّداء كَقَوْلِكَ أَزَيْدُ؛ تُرِيدُ يَا زَيْدُ، وَمِنْهَا أَلف النُّدبة كقولك وا زَيْداه أَعني الأَلف الَّتِي بَعْدَ الدَّالِ، وَيُشَاكِلُهَا أَلف الِاسْتِنْكَارِ إِذَا قَالَ رَجُلٌ جَاءَ أَبو عَمْرٍو فيُجِيب الْمُجِيبُ أَبو عَمْراه، زِيدَتِ الْهَاءُ عَلَى الْمَدَّةِ فِي الِاسْتِنْكَارِ كما زيدت في وا فُلاناهْ فِي النُّدْبَةِ، وَمِنْهَا أَلِفُ التأْنيث نَحْوَ مدَّةٍ حَمْراء وبَيْضاء ونُفَساء، وَمِنْهَا أَلف سَكْرَى وحُبْلَى، وَمِنْهَا أَلف التَّعايِي وَهُوَ أَن يَقُولَ الرَّجُلُ إِنَّ عُمر، ثُمَّ يُرْتَجُ عَلَيْهِ كلامُه فَيَقِفُ عَلَى عُمر وَيَقُولُ إِنَّ عُمرا، فَيَمُدُّهَا مُسْتَمِدًّا لِمَا يُفتح لَهُ مِنَ الْكَلَامِ فَيَقُولُ مُنْطَلِق، الْمَعْنَى إنَّ عُمَرَ مُنْطَلِقٌ إِذَا لَمْ يَتعايَ، وَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي التَّرْخِيمِ كَمَا يَقُولُ يَا عُما وَهُوَ يُرِيدُ يَا عُمر، فَيَمُدُّ فَتْحَةَ الْمِيمِ بالأَلف لِيَمْتَدَّ الصَّوْتُ؛ وَمِنْهَا أَلِفَاتُ المدَّات كَقَوْلِ الْعَرَبِ لِلْكَلْكَلِ الكَلْكال، وَيَقُولُونَ للخاتَم خَاتَامُ، وللدانَق دَانَاقُ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: الْعَرَبُ تَصِلُ الْفَتْحَةَ بالأَلف وَالضَّمَّةَ بِالْوَاوِ وَالْكَسْرَةَ بِالْيَاءِ؛ فمِن وَصْلِهم الْفَتْحَةَ بالأَلف قولُ الرَّاجِزِ:

قُلْتُ وَقَدْ خَرَّتْ علَى الكَلْكَالِ:

يَا ناقَتِي مَا جُلْتِ عَنْ مَجالِي

أَراد: عَلَى الكَلْكَلِ فَوَصَل فَتْحَةَ الْكَافِ بالأَلف، وَقَالَ آخَرُ:

لَها مَتْنَتانِ خَظاتا كَمَا

أَرادَ: خَظَتا؛ ومِن وصلِهم الضمةَ بِالْوَاوِ مَا أَنشده الْفَرَّاءُ:

لَوْ أَنَّ عَمْراً هَمَّ أَنْ يَرْقُودا،

فانْهَضْ فَشُدَّ المِئزَرَ المَعْقُودا

أَرَادَ: أَنْ يَرْقُدَ، فَوَصَلَ ضَمَّةَ الْقَافِ بِالْوَاوِ؛ وأَنشدَ أَيضاً:

اللهُ يَعْلَمُ أَنَّا فِي تَلَفُّتِنا،

يَومَ الفِراقِ، إِلَى إخْوانِنا صُورُ

«2» وأَنَّنِي حَيْثُما يَثْني الهَوَى بَصَرِي،

مِنْ حَيْثُما سَلَكُوا، أَدْنو فأَنْظُورُ

أَراد: فأَنْظُرُ؛ وأَنشد فِي وَصْلِ الْكَسْرَةِ بِالْيَاءِ:

لَا عَهْدَ لِي بِنِيضالِ،

أَصْبحْتُ كالشَّنِّ البالِي

أَراد: بِنِضال؛ وَقَالَ:

علَى عَجَلٍ مِنِّي أُطَأْطِئُ شِيمالِي

أَراد: شِمالِي، فَوَصَلَ الْكَسْرَةَ بِالْيَاءِ؛ وَقَالَ عَنْتَرَةُ:

يَنْباعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرةٍ

أَرَادَ: يَنْبَعُ؛ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَكثر أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْباعُ يَنْفَعِل مِنْ باعَ يَبُوع، والأَول يَفْعَلُ مِن نَبَعَ يَنْبَعُ؛ وَمِنْهَا الأَلف المُحوَّلة، وَهِيَ كُلُّ أَلِفٍ أَصْلُهَا الْيَاءُ وَالْوَاوُ الْمُتَحَرِّكَتَانِ كَقَوْلِكَ قَالَ وباعَ وَقَضَى وغَزا وَمَا أَشْبَهَهَا؛ وَمِنْهَا أَلِفُ التَّثْنِيَةِ كَقَوْلِكَ يَجْلِسانِ ويَذْهَبانِ، وَمِنْهَا أَلِفُ التَّثْنِيَةِ فِي الأَسماء كَقَوْلِكَ الزَّيْدان والعَمْران. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ أَيا أَياه أَقبل، وَزْنُهُ عَيا عَياه. وَقَالَ أَبو بَكْرِ بْنُ الأَنباري: أَلف الْقَطْعِ فِي أَوائل الأَسماء عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن تَكُونَ فِي أَوائل الأَسماء الْمُنْفَرِدَةِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَن تَكُونَ فِي أَوائل الْجَمْعِ، فَالَّتِي فِي أَوائل الأَسماء تَعْرِفُهَا بِثَبَاتِهَا فِي التَّصْغِيرِ بأَن تَمْتَحِنَ الأَلف فَلَا تَجِدُهَا فَاءً وَلَا عَيْنًا وَلَا لَامًا، وَكَذَلِكَ فحَيُّوا بأَحسن مِنْهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَلف الْقَطْعِ وَأَلِفِ الْوَصْلِ أَنَّ أَلف الْوَصْلِ فَاءٌ مِنَ الْفِعْلِ، وألف القطع

(2). قوله [إخواننا] تقدّم في صور: أحبابنا، وكذا هو في المحكم.

ص: 429