الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَكُونُ لِلشَّيْءِ تُوَافِقُهُ فِي حَالٍ أَنت فِيهَا وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِكَ خَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ قائمٌ؛ الْمَعْنَى خَرَجْتُ ففاجأَني زَيْدٌ فِي الْوَقْتِ بِقِيَامٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ ابْنُ جِنِّي فِي إِعْرَابِ أَبيات الْحَمَاسَةِ فِي بَابِ
الأَ
دب فِي قَوْلِهِ:
بَيْنا نَسُوسُ النَّاسَ، والأَمْرُ أَمْرُنا،
…
إِذَا نَحنُ فيهمْ سُوقةٌ نَتَنَصَّفُ
قَالَ: إِذَا فِي الْبَيْتِ هِيَ المَكانِيَّة الَّتِي تَجِيء للمُفاجأَة؛ قَالَ: وكذلك إذ
إذْ فِي قَوْلِ الأَفوه:
بَيْنَما الناسُ عَلى عَلْيائِها،
…
إذ إذْ هَوَوْا فِي هُوَّةٍ فِيهَا فَغارُوا
فإذْ هُنَا غَيْرُ مُضَافَةٍ إِلَى مَا بَعْدَهَا كَإذا الَّتِي لِلْمُفَاجَأَةِ، وَالْعَامِلُ فِي إذْ هَوَوْا؛ قال: وأَمّا إذ
إذْ فَهِيَ لِمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ، وَقَدْ تَكُونُ للمُفاجأة مِثْلُ إِذَا وَلَا يَلِيها إِلَّا الفِعلُ الْوَاجِبُ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِكَ بَيْنَمَا أَنا كذا إذ
إذْ جَاءَ زَيْدٌ، وَقَدْ تُزادَان جَمِيعًا فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإذ
إِذْ واعَدْنا مُوسى؛ أَي وَواعَدْنا؛ وَقَوْلُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ رِبْع الهُذَليّ:
حتَّى إِذَا أَسْلَكُوهم فِي قُتائِدةٍ،
…
شَلًّا كَمَا تَطْردُ الجمَّالةُ الشُّرُدا
أَي حَتَّى أَسلكوهم فِي قُتائدة لأَنه آخِرُ الْقَصِيدَةِ، أَوْ يَكُونُ قَدْ كَفَّ عَنْ خَبَرِهِ لِعِلْمِ السَّامِعِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: جَوَابُ إِذَا مَحْذُوفٌ وَهُوَ النَّاصِبُ لِقَوْلِهِ شَلًّا تَقْدِيرُهُ شَلُّوهم شَلًّا، وَسَنَذْكُرُ مِنْ مَعَانِي إِذَا فِي تَرْجَمَةِ ذَا مَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
إِلَّا
: الأَزهري: إِلَّا تَكُونُ اسْتِثْنَاءً، وَتَكُونُ حَرْفَ جَزَاءٍ أَصلها إِنْ لَا، وَهْمَا مَعًا لَا يُمالان لأَنهما مِنَ الأَدواتِ والأَدواتُ لَا تُمالُ مِثْلَ حَتَّى وأَما وأَلا وَإِذَا، لَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا الإِمالة لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بأَسماء، وَكَذَلِكَ إِلَى وَعَلَى ولَدَى الإِمالة فِيهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: أَلف إِلَى وَعَلَى مُنْقَلِبَتَانِ مِنْ وَاوَيْنِ لأَن الأَلفات لَا تَكُونُ فِيهَا الإِمالة، قَالَ: وَلَوْ سُمِّيَ بِهِ رَجُلٌ قِيلَ فِي تَثْنِيَتِهِ أَلَوانِ وعَلَوانِ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمُضْمَرُ قَلَبْتَهُ فَقُلْتَ إلَيْكَ وَعَلَيْكَ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَتْرُكُهُ عَلَى حَالِهِ فَيَقُولُ إِلَاكَ وعَلاك؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ لأَنَّ الأَلفات لَا يَكُونُ فِيهَا الإِمالة، قَالَ: صَوَابُهُ لأَن أَلِفَيْهِما والأَلِفُ فِي الْحُرُوفِ أَصل وَلَيْسَتْ بِمُنْقَلِبَةٍ عَنْ يَاءٍ وَلَا وَاوٍ وَلَا زَائِدَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ أَلف إِلَى وَعَلَى مُنْقَلِبَتَانِ عَنْ وَاوٍ إِذَا سَمَّيْتَ بِهِمَا وَخَرَجَا مِنَ الْحَرْفِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ، قَالَ: وَقَدْ وَهِمَ الْجَوْهَرِيُّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ، فَإِذَا سميت بها لَحِقَت بالأَسماء فجُعِلَتْ الأَلف فِيهَا مُنْقَلِبَةً عَنِ الْيَاءِ وَعَنِ الْوَاوِ نَحْوَ بَلَى وَإِلَى وَعَلَى، فَمَا سُمِع فِيهِ الإِمالة يُثَنَّى بِالْيَاءِ نَحْوَ بَلَى، تَقُولُ فِيهَا بَلَيانِ، وَمَا لَمْ يُسمع فِيهِ الإِمالة ثُنِّيَ بِالْوَاوِ نَحْوَ إِلَى وَعَلَى، تَقُولُ فِي تَثْنِيَتِهِمَا اسْمَيْنِ إلَوانِ وعَلَوانِ. قَالَ الأَزهري: وأَما مَتَى وأَنَّى فَيَجُوزُ فِيهِمَا الإِمالة لأَنهما مَحَلَّانِ والمحالُّ أَسماء، قَالَ: وبَلَى يَجُوزُ فِيهَا الإِمالة لأَنها يَاءٌ زِيدَتْ فِي بَلْ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ حُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ، فأَما إِلَّا الَّتِي أَصلها إنْ لَا فَإِنَّهَا تَلِي الأَفعال المُسْتَقْبَلَة فَتَجْزِمُهَا، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ
؛ فَجَزْمُ تَفْعَلُوهُ وَتَكُنْ بإلَّا كَمَا تَفْعَلُ إِنْ الَّتِي هِيَ أُمّ الْجَزَاءِ وَهِيَ فِي بَابِهَا. الْجَوْهَرِيُّ: وأَما إِلَّا فَهِيَ حَرْفُ اسْتِثْنَاءٍ يُستثنى بِهَا عَلَى خَمْسَةِ أَوجه: بَعْدَ الإِيجاب وَبَعْدَ النَّفْيِ والمُفَرَّغِ والمُقَدَّمِ والمُنْقَطِع؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذِهِ عِبَارَةٌ سَيِّئَةٌ، قَالَ: وَصَوَابُهَا أَن يَقُولَ الِاسْتِثْنَاءُ بإلَّا يَكُونُ بَعْدَ الإِيجاب وَبَعْدَ النَّفْيِ مُتَّصِلًا وَمُنْقَطِعًا ومُقَدَّماً وَمُؤَخَّرًا، وَإِلَّا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُسَلِّطة
لِلْعَامِلِ ناصِبة أَو مُفَرَّغة غَيْرُ مُسَلِّطة، وَتَكُونُ هِيَ وَمَا بَعْدَهَا نَعْتًا أَو بَدَلًا؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فَتَكُونُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ بِمَعْنَى لَكِنْ لأَن المُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ المُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَقَدْ يُوصفُ بإلَّا، فَإِنْ وصَفْتَ بِهَا جَعلْتها وَمَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ غَيْرَ وأَتبعت الِاسْمَ بَعْدَهَا مَا قَبْلَهُ فِي الإِعراب فَقُلْتَ جَاءَنِي القومُ إِلَّا زيدٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا
؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ:
وكلُّ أخٍ مُفارِقُه أَخُوه،
…
لَعَمْرُ أَبِيكَ إلَّا الفَرْقدانِ
كأَنه قَالَ: غَيْرُ الفَرْقَدَيْنِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ الآمِدي فِي المؤتَلِف والمُخْتَلِف أَنّ هَذَا الْبَيْتَ لِحَضْرَمِيِّ بْنِ عَامِرٍ؛ وَقَبْلَهُ:
وكلُّ قَرينةٍ قُرِنَتْ بأُخْرَى،
…
وَإِنْ ضَنَّت، بِهَا سَيفَرَّقانِ
قَالَ: وأَصل إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ والصفةُ عارضةٌ، وَأَصْلُ غَيْرَ صفةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ عارضٌ؛ وَقَدْ تَكُونُ إلَّا بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ فِي الْعَطْفِ كَقَوْلِ الْمُخَبَّلِ:
وأَرَى لها داراً بأَغْدِرةِ
…
السِّيدان لَمْ يَدْرُسْ لَهَا رَسْمُ
إلَّا رَماداً هَامِدًا دَفَعَتْ،
…
عَنْهُ الرِّياحَ، خَوالِدٌ سُحْمُ
يُرِيدُ: أَرَى لَهَا دَارًا ورَماداً؛ وَآخِرُ بَيْتٍ فِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ:
إنَّي وجَدْتُ الأَمْرَ أَرْشَدُه
…
تَقْوَى الإِلهِ، وشَرُّه الإِثْمُ
قَالَ الأَزهري: أَما إلَّا الَّتِي هِيَ للإِستثناء فَإِنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى غَيْر، وَتَكُونُ بِمَعْنَى سِوَى، وَتَكُونُ بِمَعْنَى لَكِن، وَتَكُونُ بِمَعْنَى لَمّا، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ المَحْضِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: إِذَا اسْتَثْنَيْتَ بإلَّا مِنْ كَلَامٍ لَيْسَ فِي أَوّله جَحْدٌ فَانْصِبْ مَا بَعْدَ إِلَّا، وَإِذَا اسْتَثْنَيْتَ بِهَا مِنْ كَلَامٍ أَوّلُه جَحْدٌ فَارْفَعْ مَا بَعْدَهَا، وَهَذَا أَكثر كَلَامِ الْعَرَبِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ
؛ فَنُصِبَ لأَنه لَا جَحْدَ فِي أَوّله؛ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ
؛ فَرُفِعَ لأَن فِي أَوّله الْجَحْدَ، وَقِسْ عَلَيْهِمَا مَا شَاكَلَهُمَا؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وكلُّ أَخ مُفَارِقُهُ أَخوه،
…
لعَمر أَبيك إِلَّا الْفَرْقَدَانِ
فَإِنَّ الْفَرَّاءَ قَالَ: الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي مَعْنَى جَحْدٍ وَلِذَلِكَ رَفَعَ بِإِلَّا كأَنه قَالَ مَا أَحَدٌ إِلَّا مُفارِقُه أَخُوه إِلَّا الفَرْقَدانِ فَجَعَلَهَا مُتَرْجِماً عَنْ قَوْلِهِ مَا أَحَدٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
لَوْ كانَ غَيْرِي، سُلَيْمَى، اليومَ غَيَّرَه
…
وَقْعُ الحوادِثِ إِلَّا الصَّارِمُ الذَّكَرُ
جَعَلَهُ الْخَلِيلُ بَدَلًا مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ كأَنه قَالَ: مَا أَحد إِلَّا يَتَغَيَّرُ مِنْ وَقْعِ الْحَوَادِثِ إِلَّا الصارمُ الذكَرُ، فإلَّا هَاهُنَا بِمَعْنَى غَيْرَ، كأَنه قَالَ غَيْرِي وغيرُ الصارمِ الذَّكرِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عز وجل: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا
، قَالَ: إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَنْزِلَةِ سِوَى كأَنك قُلْتَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلهةٌ سِوَى اللَّهِ لفَسَدَنا، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَعْنَاهُ مَا فِيهِمَا آلهةٌ إِلَّا اللهُ، وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا سِوَي اللَّهِ لَفَسَدَتَا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: رَفْعُه عَلَى نِيَّةِ الْوَصْلِ لَا الانْقطاع مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ مَعْنَاهُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُم، وَهَذَا كَقَوْلِكَ فِي الْكَلَامِ
النَّاسُ كلُّهم لَكَ حامدُون إلَّا الظالِمَ لَكَ الْمُعْتَدِيَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعتدُّ بِتَرْكِهِ الْحَمْدَ لِمَوْضِعِ الْعَدَاوَةِ، وَكَذَلِكَ الظَّالِمُ لَا حُجَّةَ لَهُ وَقَدْ سُمِّيَ ظَالِمًا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الزجاج فقال بعد ما ذَكَرَ قَوْلَ أَبي عُبَيْدَةَ والأَخفش: الْقَوْلُ عِنْدِي فِي هَذَا وَاضِحٌ، الْمَعْنَى لئلَّا يكونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حجةٌ إلَّا مَنْ ظَلَمَ بِاحْتِجَاجِهِ فِيمَا قَدْ وُضِّحَ لَهُ، كَمَا تَقُولُ مَا لَكَ عليَّ حجةٌ إلَّا الظلمُ وإلَّا أَنْ تَظْلِمَني، الْمَعْنَى مَا لَكَ عليَّ حجةٌ الْبَتَّةَ وَلَكِنَّكَ تَظلِمُني، وَمَا لَكَ عليَّ حجةٌ إلَّا ظُلمي، وَإِنَّمَا سَمَّى ظُلْمُهُ هاهنا حُجَّةً لأَن الْمُحْتَجَّ بِهِ سَمَّاهُ حُجَّةً، وحُجَّتُه دَاحِضَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ؛ فَقَدْ سُمِّيَتْ حُجَّةً إلَّا أَنها حجةُ مُبْطِل، فَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ مُوجِبَةٍ حَقًّا، قَالَ: وَهَذَا بَيَانٌ شافٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى
، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ
؛ أَراد سِوَى مَا قَدْ سَلَفَ. وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
؛ فَمَعْنَاهُ فهَلَّا كَانَتْ قريةٌ أَي أَهلُ قَرْيَةٍ آمنُوا، وَالْمَعْنَى مَعْنَى النَّفْيِ أَي فَمَا كَانَتْ قريةٌ آمَنُوا عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
، اسْتِثْنَاءٌ لَيْسَ مِنَ الأَوّل كأَنه قَالَ: لَكِنَّ قومُ يُونُسَ لمَّا آمنُوا انْقَطَعُوا مِنْ سَائِرِ الأُمم الَّذِينَ لَمْ يَنْفَعْهم إيمانُهم عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
عَيّتْ جَواباً، وَمَا بالرَّبْع
…
من أَحدٍ إلَّا أَواريَّ لأْياً مَا أُبَيِّنُها «2»
فنصَب أَواريَّ عَلَى الِانْقِطَاعِ مِنَ الأَوّل، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ حُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ، قَالَ: وأَجازوا الرَّفْعَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى لَيْسَ مِنَ الأَوّل وَكَانَ أَوّله مَنْفِيًّا يَجْعَلُونَهُ كَالْبَدَلِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ
…
إِلَّا اليَعافِيرُ وإلَّا العِيسُ
لَيْسَتِ اليَعافيرُ والعِيسُ مِنَ الأَنِيس فرفَعَها، ووجْهُ الْكَلَامِ فِيهَا النَّصبُ. قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: سأَلت سِيبَوَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ تعالى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
، عَلَى أَيّ شَيْءٍ نُصِبَ؟ قَالَ إِذَا كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا لكنْ نُصب، قَالَ الْفَرَّاءُ: نُصب إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
لأَنهم مُنْقَطِعُونَ مِمَّا قَبْلُ إِذْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ جِنْسه وَلَا مِنْ شَكْله، كأَن قومَ يُونُسَ مُنْقَطِعُونَ مِنْ قَوْمِ غَيْرِهِ مِنَ الأَنبياء، قَالَ: وأَمَّا إلَّا بِمَعْنَى لمَّا فمِثل قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ
؛ وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ
إنْ كُلُّهم لمَّا كذَّبَ الرُّسُلَ
، وَتَقُولُ: أَسأَلُك باللهِ إلَّا أَعْطَيْتَني ولَمَّا أَعطيتني بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: وَحَرْفٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ تَرفع بِهِ العربُ وتَنْصِبُ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، وَهُوَ قَوْلُكَ أَتاني إخْوَتُك إلَّا أَنْ يَكُونَ زَيْدًا وزيدٌ، فَمَنْ نَصب أَراد إلَّا أَن يَكُونَ الأَمْرُ زَيْدًا، وَمَنْ رَفَعَ بِهِ جَعَلَ كَانَ هَاهُنَا تَامَّةً مُكْتَفِيَةً عَنِ الْخَبَرِ بِاسْمِهَا، كَمَا تَقُولُ كَانَ الأَمر، كَانَتِ الْقِصَّةُ. وَسُئِلَ أَبو الْعَبَّاسِ عَنْ حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ إِذَا وَقَعَ بِإِلَا مُكَرَّرًا مَرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَربعاً فَقَالَ: الأَوّل حَطٌّ، وَالثَّانِي زيادةٌ، وَالثَّالِثُ حَطٌّ، وَالرَّابِعُ زِيَادَةٌ، إِلَّا أَن تَجْعَلَ بَعْضَ إلَّا إِذَا جُزْت الأَوّل بِمَعْنَى الأَوّل فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ زِيَادَةً لَا غَيْرَ، قَالَ: وأَما قَوْلُ أَبي عُبَيْدَةَ فِي إلَّا الأُولى إِنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ الْحُذَّاقِ. وَفِي حَدِيثِ
أَنَسٍ، رضي الله عنه: أَن النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ
(2). قوله [عَيَّت جواباً إلخ هو عجز بيت صدره: وقفتُ فيها أَصَيلاناً أُسائلها. وقوله: إلا الأَواريّ إلخ هو صدر بيت عجزه:
والنُؤيَ كالحَوضِ في المظلومةِ الجَلَدِ.