المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يَا فَتَى؟ فَجَعَلْتَهُ اسْمًا لِلْجَمْعِ فَتَبْنِيه كَمَا بَنَيْتَ الْوَاحِدَ، ومَن - لسان العرب - جـ ١٥

[ابن منظور]

الفصل: يَا فَتَى؟ فَجَعَلْتَهُ اسْمًا لِلْجَمْعِ فَتَبْنِيه كَمَا بَنَيْتَ الْوَاحِدَ، ومَن

يَا فَتَى؟ فَجَعَلْتَهُ اسْمًا لِلْجَمْعِ فَتَبْنِيه كَمَا بَنَيْتَ الْوَاحِدَ، ومَن جَمَع الَّذِين عَلَى حَدِّ التَّثْنِيَةِ قَالَ جَاءَنِي اللَّذُون فِي الدَّارِ، ورأَيت الَّذِين فِي الدَّارِ، وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يَقَعَ لأَن الْجَمْعَ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ حدِّ التثنيةِ، والتثنيةُ لَيْسَ لَهَا إِلا ضَرْبٌ وَاحِدٌ. ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الأُلى فِي مَعْنَى الَّذِينَ، وأَنشد:

فإِنَّ الأُلَى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشِم

قَالَ ابْنُ الأَنباري: قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي قَوْلِهِ عز وجل: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا، مَعْنَاهُ كمثلِ الَّذِين استَوقَدوا نَارًا، فَالَّذِي قَدْ يأْتي مُؤَدِّيًا عَنِ الْجَمْعِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ:

إِنَّ الَّذي حانَتْ بِفَلْجٍ دِماؤهم

قَالَ أَبو بَكْرٍ: احْتِجَاجُهُ عَلَى الْآيَةِ بِهَذَا الْبَيْتِ غَلَطٌ لأَن الَّذِي فِي الْقُرْآنِ اسْمٌ وَاحِدٌ رُبَّمَا أَدَّى عَنِ الْجَمْعِ فَلَا وَاحِدَ لَهُ، وَالَّذِي فِي الْبَيْتِ جَمْعٌ وَاحِدُهُ اللَّذْ، وَتَثْنِيَتُهُ اللَّذا، وَجَمْعُهُ الَّذِي، وَالْعَرَبُ تَقُولُ جَاءَنِي الذِي تَكَلَّمُوا، وَوَاحِدُ الَّذِي اللَّذْ، وأَنشد:

يَا رَبَّ عَبس لَا تُبارِكْ فِي أَحدْ،

فِي قائِمٍ مِنْهُمْ، وَلَا فيمَن قَعَدْ

إِلا الَّذِي قامُوا بأَطْرافِ المَسَدْ [المِسَدْ]

أَراد الَّذين. قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَالَّذِي فِي الْقُرْآنِ وَاحِدٌ لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ، والَّذي فِي الْبَيْتِ جَمْعٌ لَهُ وَاحِدٌ، وأَنشد الْفَرَّاءُ:

فكنتُ والأَمْرَ الَّذي قَدْ كِيدا،

كاللَّذْ تَزَبَّى زُبْيَةً فاصْطِيدا

وَقَالَ الأَخطل:

أَبَنِي كُلَيْبٍ، إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذا

قَتَلا المُلوكَ، وفَكَّكا الأَغْلالا

قَالَ: وَالَّذِي يَكُونُ مُؤَدِّياً عَنِ الْجَمْعِ وَهُوَ وَاحِدٌ لَا وَاحِدَ لَهُ فِي مِثْلِ قَوْلِ النَّاسِ أُوصِي بمالِي للذِي غَزا وحَجَّ، مَعْنَاهُ للغازينَ والحُجَّاج. وَقَالَ اللَّه تَعَالَى: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ، قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ تَمَامًا للمُحْسِنينَ أَي تَماماً لِلَّذِينِ أَحْسَنُوا، يَعْنِي أَنه تَمَّمَ كُتُبهم بِكِتَابِهِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ الْمَعْنَى تَمَامًا عَلَى مَا أَحسن أَي تَماماً لِلَّذِي أَحْسَنه مِنَ العِلم وكُتُبِ اللَّهِ الْقَدِيمَةِ، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا، أَي مَثَلُ هَؤلاءِ المُنافِقِين كَمَثَلِ رَجُلٍ كان في ظُلمة لا يُبْصِر مِنْ أَجْلِها مَا عَنْ يَمِينه وشِماله وَوَرَائِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ، وأَوقد نَارًا فأَبْصَرَ بِهَا مَا حَوْلَه مِنْ قَذًى وأَذًى، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ طَفِئَتْ نارُه فَرَجَعَ إِلَى ظُلْمَتِه الأُولى، فَكَذَلِكَ المُنافِقُون كَانُوا فِي ظُلمة الشِّرك ثُمَّ أَسْلَموا فَعَرَفُوا الْخَيْرَ والشرَّ بالإِسلام، كَمَا عَرَفَ المُسْتَوْقِد لمَّا طَفِئَتْ نَارُهُ وَرَجَعَ إِلى أَمْرِه الأَوَّل.

‌ذُو وَذَوَاتٌ

: قَالَ اللَّيْثُ: ذُو اسْمٌ نَاقِصٌ وتَفْسيره صاحِبُ ذَلِكَ، كَقَوْلِكَ: فُلَانٌ ذُو مالٍ أَي صاحِبُ مالٍ، وَالتَّثْنِيَةُ ذَوان، وَالْجَمْعُ ذَوُونَ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ شَيْءٌ يَكُونُ إِعرابه عَلَى حَرْفَيْنِ غَيْرَ سَبْعِ كَلِمَاتٍ وَهُنَّ: ذُو وفُو وأَخُو وأَبو وحَمُو وامْرُؤٌ وابْنُمٌ، فأَما فُو فَإِنَّكَ تَقُولُ: رأَيت فَا زَيد، ووضَعْتُ فِي فِي زَيْدٍ، وَهَذَا فُو زَيْدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْصِبُ أَلِفًا فِي كُلِّ وَجْهٍ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ الْخَمْرَ:

خالَطَ مِنْ سَلْمَى خَياشِيمَ وفَا

وَقَالَ الأَصمعي: قَالَ بِشْرُ بنُ عُمر قُلْتُ لِذِي الرُّمَّةِ أَرأَيت قَوْلَهُ:

خَالَطَ مِنْ سَلْمَى خَيَاشِيمَ وَفَا

ص: 456

قَالَ: إِنا لَنَقُولُهَا فِي كَلَامِنَا قَبَحَ اللَّهُ ذَا فَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَكَلَامُ الْعَرَبِ هُوَ الأَوَّل، وَذَا نَادِرٌ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الأَسماء الَّتِي رَفْعُهَا بِالْوَاوِ وَنَصْبُهَا بالأَلف وَخَفْضُهَا بِالْيَاءِ هِيَ هَذِهِ الأَحرف: يُقَالُ جَاءَ أَبُوك وأَخُوك وفُوك وهَنُوك وحَمُوكِ وذُو مالٍ، والأَلف نَحْوُ قَوْلِكَ رأَيتُ أَباكَ وأَخاكَ وفاكَ وحماكِ وهناكَ وَذَا مَالٍ، وَالْيَاءُ نَحْوُ قَوْلِكَ مَرَرْتُ بأَبِيك وأَخِيك وفِيك وحَميكِ وهَنِيكَ وذِي مالٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ فِي تأْنيث ذُو ذاتُ: تَقُولُ هِيَ ذاتُ مالٍ، فإِذا وقَفْتَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَدَع التَّاءَ عَلَى حَالِهَا ظَاهِرَةً فِي الوُقُوف لِكَثْرَةِ مَا جَرَتْ عَلَى اللِّسان، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرُدُّ التَّاءَ إِلى هَاءِ التأْنيث، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَتَقُولُ: هِيَ ذاتُ مالٍ وَهُمَا ذَوَاتَا مَالٍ، وَيَجُوزُ فِي الشِّعْرِ ذَاتَا مالٍ، والتَّمامُ أَحسنُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: ذَواتا أَفْنانٍ

؛ وَتَقُولُ فِي الْجَمْعِ: الذَّوُونَ. قَالَ اللَّيْثُ: هُمُ الأَدْنَوْنَ والأَوْلَوْنَ؛ وأَنشد لِلْكُمَيْتِ:

وَقَدْ عَرَفَتْ مَوالِيَها الذَّوِينا

أَي الأَخَصِّينَ، وإِنما جَاءَتِ النُّونُ لِذَهَابِ الإِضافة. وَتَقُولُ فِي جَمْعِ ذُو: هُمْ ذَوُو مالٍ، وهُنَّ ذَواتُ مالٍ، وَمِثْلُهُ: هُمْ أُلُو مالٍ، وهُنَّ أُلاتُ مالٍ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ: لَقِيتُه ذَا صبَاحٍ، وَلَوْ قِيلَ: ذاتَ صَباحٍ مِثْلَ ذاتِ يَوْمٍ لَحَسُنَ لأَن ذَا وذاتَ يُرَادُ بِهِمَا وَقْتٌ مُضَافٌ إِلى الْيَوْمِ وَالصَّبَاحِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ

؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى: أَراد الحالةَ الَّتِي للبَيْن، وَكَذَلِكَ أَتَيْتُكَ ذاتَ العِشاء، أَراد السَّاعَةَ الَّتِي فِيهَا العِشاء وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَعْنَى ذاتَ بَيْنِكُمْ

حَقِيقَةَ وَصْلِكم أَي اتَّقوا اللَّهَ وَكُونُوا مُجْتَمِعين عَلَى أَمر اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى اللَّهُمَّ أَصْلِح ذاتَ البَيْن أَي أَصْلِح الحالَ الَّتِي بِهَا يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ. أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الْفَرَّاءِ: يقال لَقِيتُه ذاتَ يَوْمٍ وذاتَ لَيْلَةٍ وذاتَ العُوَيم وذاتَ الزُّمَيْنِ، وَلَقِيتُهُ ذَا غَبُوقٍ، بِغَيْرِ تَاءٍ، وَذَا صَبُوحٍ. ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: تَقُولُ أَتيته ذاتَ الصَّبُوحِ وذاتَ الغَبُوقِ إِذا أَتَيْته غُدْوة وعَشِيَّةً، وأَتيته ذَا صَبَاحٍ وَذَا مَسَاءٍ، قَالَ: وأَتيتهم ذاتَ الزُّمَيْنِ وَذَاتَ العُوَيْمِ أَي مُذْ ثَلَاثَةِ أَزْمان وأَعْوام. ابْنُ سِيدَهْ: ذُو كَلِمَةٌ صِيغت ليُتَوصَّل بِهَا إِلى الْوَصْفِ بالأَجناس، وَمَعْنَاهَا صَاحِبٌ أَصْلُها ذَواً، وَلِذَلِكَ إِذا سَمَّى بِهِ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ قَالَا هَذَا ذَواً قَدْ جَاءَ، والتثنية ذَوانِ، والجمع ذوونَ. والذَّوُون: الأَملاك المُلَقَّبون بذُو كَذَا، كَقَوْلِكَ ذُو يَزَنَ وذُو رُعَيْنٍ وَذُو فائشٍ وذُو جَدَنٍ وذُو نُواسٍ وَذُو أَصْبَح وذُو الكَلاعِ، وَهُمْ مُلوك اليَمن مِنْ قُضاعَةَ، وَهُمُ التَّبابِعة؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ قَوْلَ الْكُمَيْتِ:

فَلَا أَعْني بِذلك أَسْفليكُمْ،

ولكِنِّي أُرِيدُ بِهِ الذَّوِينا

يَعْنِي الأَذْواء، والأُنثى ذَاتُ، وَالتَّثْنِيَةُ ذَواتا، وَالْجُمَعُ ذَوُون، والإِضافة إِليها ذَوِّيُّ «1» ، وَلَا يَجُوزُ فِي ذَاتٍ ذاتِيٌّ لأَنَّ يَاءَ النَّسَبِ مُعَاقِبَةٌ لِهَاءِ التأْنيث. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَرَوَى أَحمد بْنُ إِبراهيم أُستاذ ثَعْلَبٍ عَنِ الْعَرَبِ هَذَا ذُو زَيْدٍ، وَمَعْنَاهُ هَذَا زيدٌ أَي هَذَا صاحبُ هَذَا الِاسْمِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

إِليكُم، ذَوِي آلِ النبيِّ، تَطَلَّعَتْ

نَوازِعُ مِن قَلْبِي ظِماء وأَلْبُبُ

أَي إِليكم أَصحاب هَذَا الِاسْمِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ ذَوُو آلِ

(1). قوله [والإضافة إليها ذوّيّ] كذا في الأصل، وعبارة الصحاح: ولو نسبت إليه لقلت ذوويّ مثل عصوي وسينقلها المؤلف.

ص: 457

النَّبِيِّ. وَلَقِيتُهُ أَوَّلَ ذِي يَدَيْنِ وذاتِ يَدَيْنِ أَي أَوَّل كُلِّ شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ افْعَلْهُ أَوَّلَ ذِي يدَين وذاتِ يَدَيْنِ. وَقَالُوا: أَمّا أَوّلُ ذاتِ يَدَيْنِ فإِني أَحمدُ اللَّهَ، وَقَوْلُهُمْ: رأَيت ذَا مَالٍ، ضارَعَتْ فِيهِ الإِضافةُ التأْنيث، فَجَاءَ الِاسْمُ الْمُتَمَكِّنُ عَلَى حَرْفَيْنِ ثَانِيهِمَا حرفُ لِينٍ لَمَّا أُمِنَ عَلَيْهِ التَّنْوِينُ بالإِضافة، كَمَا قَالُوا: لَيت شِعْري، وإِنما الأَصل شِعْرَتي. قَالُوا: شَعَرْتُ بِهِ شِعْرَة، فَحَذَفَ التَّاءَ لأَجل الإِضافة لَمَّا أُمِنَ التنوينُ، وَتَكُونُ ذُو بِمَعْنَى الَّذِي، تُصاغ ليُتوصَّل بِهَا إِلى وَصْفِ المعارِف بِالْجُمَلِ، فَتَكُونُ نَاقِصَةً لَا يَظْهَرُ فِيهَا إِعراب كَمَا لَا يَظْهَرُ فِي الَّذِي، وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ فَتَقُولُ: أَتاني ذُو قالَ ذاكَ وذُو قَالَا ذَاكَ وذُو قَالُوا ذَاكَ، وَقَالُوا: لَا أَفعل ذاكَ بذِي تَسْلَمُ وَبِذِي تَسْلَمانِ وبذِي تَسْلَمُون وبذِي تَسْلَمِين، وَهُوَ كالمثَل أُضِيفت فِيهِ ذُو إِلى الْجُمْلَةِ كَمَا أُضيفت إِليها أَسماء الزَّمَانِ، وَالْمَعْنَى لَا وسَلامَتِك وَلَا وَاللَّهِ يُسَلِّمُك «1». وَيُقَالُ: جَاءَ مِنْ ذِي نَفْسِهِ وَمِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ أَي طَيِّعاً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَمَّا ذُو الَّذِي بِمَعْنَى صَاحِبٍ فَلَا يَكُونُ إِلا مُضَافًا، وإِنْ وَصَفْتَ بِهِ نَكِرةً أَضَفْته إِلى نَكِرَةٍ، وإِن وَصَفْتَ بِهِ مَعْرِفَةً أَضفته إِلى الأَلف وَاللَّامِ، وَلَا يَجُوزُ أَن تُضيفَه إِلى مُضْمَرٍ وَلَا إِلى زَيْدٍ وَمَا أَشبهه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِذا خَرَجَتْ ذُو عَنْ أَن تَكُونَ وُصْلةً إِلى الوَصْف بأَسماء الأَجناس لَمْ يَمْتَنِعْ أَن تَدْخُلَ عَلَى الأَعلام والمُضْمرات كَقَوْلِهِمْ ذُو الخلَصَةِ، والخَلَصَةُ: اسْمُ عَلَمٍ لصَنَمٍ، وذُو كنايةٌ عَنْ بَيْتِهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ ذُو رُعَيْنٍ وذُو جَدَنٍ وذُو يَزَنَ، وَهَذِهِ كُلُّهَا أَعلام، وَكَذَلِكَ دَخَلَتْ عَلَى الْمُضْمَرِ أَيضاً؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:

صَبَحْنا الخَزْرَجِيَّةَ مُرْهَفاتٍ

أَبارَ ذَوِي أَرُومَتِها ذَوُوها

وَقَالَ الأَحوص:

ولَكِنْ رَجَوْنا مِنْكَ مِثْلَ الَّذِي بِهِ

صُرِفْنا قَدِيماً مِن ذَوِيكَ الأَوائِلِ

وَقَالَ آخر:

إِنما يَصْطَنِعُ المَعْروفَ

فِي الناسِ ذَوُوهُ

وَتَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ ذِي مالٍ، وبامرأَة ذاتِ مالٍ، وَبِرَجُلَيْنِ ذَوَيْ مالٍ، بِفَتْحِ الْوَاوِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ

؛ وَبِرِجَالٍ ذَوِي مَالٍ، بِالْكَسْرِ، وَبِنِسْوَةٍ ذواتِ مَالٍ، وَيَا ذواتِ الجِمام، فتُكْسَرُ التَّاءُ فِي الْجَمْعِ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ كَمَا تُكْسَرُ تَاءُ الْمُسْلِمَاتِ، وَتَقُولُ: رأَيت ذواتِ مَالٍ لأَن أَصلها هَاءٌ، لأَنك إِذا وَقَفْتَ عَلَيْهَا فِي الْوَاحِدِ قُلْتَ ذاهْ، بِالْهَاءِ، وَلَكِنَّهَا لَمَّا وُصِلَتْ بِمَا بَعْدَهَا صَارَتْ تَاءً، وأَصل ذُو ذَوًى مِثْلُ عَصاً، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ هاتانِ ذَوَاتَا مالٍ، قَالَ عز وجل: ذَواتا أَفْنانٍ

، فِي التَّثْنِيَةِ. قَالَ: وَنَرَى أَن الأَلف مُنْقَلِبَةٌ مِنْ وَاوٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ مُنْقَلِبَةٌ مِنْ يَاءٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ثُمَّ حُذِفت مِنْ ذَوًى عَيْنُ الْفِعْلِ لِكَرَاهَتِهِمُ اجْتِمَاعَ الْوَاوَيْنِ لأَنه كَانَ يَلْزَمُ فِي التَّثْنِيَةِ ذَوَوانِ مِثْلَ عَصَوانِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ كَانَ يَلْزَمُ فِي التَّثْنِيَةِ ذَويانِ، قَالَ: لأَن عَيْنَهُ وَاوٌ، وَمَا كَانَ عينُه وَاوًا فَلَامُهُ يَاءٌ حَمْلًا عَلَى الأَكثر، قَالَ: وَالْمَحْذُوفُ مِنْ ذَوًى هُوَ لَامُ الْكَلِمَةِ لَا عَينُها كَمَا ذَكَرَ، لأَن الْحَذْفَ فِي اللَّامِ أَكثر مِنَ الْحَذْفِ فِي الْعَيْنِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مِثْلُ عَصَوانِ فبَقِي ذًا مُنَوَّن، ثُمَّ ذَهَبَ التَّنْوِينُ للإِضافة

(1). قوله [ولا والله يسلمك] كذا في الأصل، وكتب بهامشه: صوابه ولا والذي يسلمك.

ص: 458

فِي قَوْلِكَ ذُو مَالٍ، والإِضافة لَازِمَةٌ لَهُ كَمَا تَقُولُ فُو زَيْدٍ وَفَا زَيْدٍ، فإِذا أَفردت قُلْتَ هَذَا فَمٌ، فَلَوْ سَمَّيْتَ رجُلًا ذُو لَقُلْتَ: هَذَا ذَوًى قَدْ أَقبل، فَتَرُدُّ مَا كَانَ ذَهَبَ، لأَنه لَا يَكُونُ اسْمٌ عَلَى حَرْفَيْنِ أَحدهما حَرْفُ لِينٍ لأَن التَّنْوِينَ يُذْهِبُهُ فَيَبْقَى عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ نسَبت إِليه قُلْتَ ذَوَوِيٌّ مِثَالَ عَصَوِيٍ، وَكَذَلِكَ إِذا نَسَبْتَ إِلى ذَاتٍ لأَن التَّاءَ تُحْذَفُ فِي النِّسْبَةِ، فكأَنك أَضفت إِلى ذِي فَرَدَدْتَ الْوَاوَ، وَلَوْ جَمَعْتَ ذُو مَالٍ قُلْتَ هَؤُلَاءِ ذَوُونَ لأَن الإِضافة قَدْ زَالَتْ؛ وأَنشد بَيْتَ الْكُمَيْتِ:

ولكنِّي أُريد بِهِ الذَّوينا

وأَما ذُو، الَّتِي فِي لغة طَيِء بِمَعْنَى الَّذِي، فَحَقُّهَا أَن تُوصَف بِهَا المعارِف، تَقُولُ: أَنا ذُو عَرَفْت وذُو سَمِعْت، وَهَذِهِ امرأَةُ ذُو قالَتْ، كَذَا يَسْتَوِي فِيهِ التَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ والتأْنيث؛ قَالَ بُجَيْر بْنُ عَثْمةَ الطَّائِيُّ أَحد بَنِي بَوْلانَ:

وإِنَّ مَوْلايَ ذُو يُعاتِبُني،

لَا إِحْنةٌ عِنْدَه وَلَا جَرِمَهْ

ذاكَ خَلِيلي وذُو يُعاتِبُني،

يَرْمي وَرَائِي بامْسَهْمِ وامْسَلِمَهْ «1»

يُرِيدُ: الَّذِي يُعاتِبُني، وَالْوَاوُ الَّتِي قَبْلَهُ زَائِدَةٌ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِن ذَا وَحْدَهَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي كَقَوْلِهِمْ مَاذَا رأَيت؟ فتقول: مَتاعٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

أَلا تَسأَلانِ المَرْء مَاذَا يُحاوِلُ؟

أَنَحْبٌ فيُقْضى أَم ضَلالٌ وباطِلُ؟

قَالَ: وَيَجْرِي مَعَ مَا بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِمْ مَاذَا رأَيت؟ فَتَقُولُ: خَيْرًا، بِالنَّصْبِ، كأَنه قَالَ مَا رأَيْت، فَلَوْ كَانَ ذَا هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي لَكَانَ الْجَوَابُ خَيْرٌ بِالرَّفْعِ، وأَما قَوْلُهُمْ ذاتَ مَرَّةٍ وَذَا صَباحٍ فَهُوَ مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ الَّتِي لَا تَتَمَكَّنُ، تَقُولُ: لَقِيته ذاتَ يَوْمٍ وذاتَ ليلةٍ وذاتَ العِشاء وذاتَ مَرَّةٍ وذاتَ الزُّمَيْنِ وَذَاتَ العُوَيْمِ وَذَا صَباحٍ وَذَا مَساءٍ وَذَا صَبُوحٍ وَذَا غَبُوقٍ، فَهَذِهِ الأَربعة بِغَيْرِ هَاءٍ، وإِنما سُمِع فِي هَذِهِ الأَوقات وَلَمْ يَقُولُوا ذاتَ شهرٍ وَلَا ذاتَ سَنَةٍ. قَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ

؛ إِنما أَنثوا لأَن بَعْضَ الأَشياء قَدْ يُوضَعُ لَهُ اسْمٌ مُؤَنَّثٌ وَلِبَعْضِهَا اسْمٌ مُذَكَّرٌ، كَمَا قَالُوا دارٌ وحائطٌ، أَنثوا الدَّارَ وذكَّروا الْحَائِطَ. وَقَوْلُهُمْ: كَانَ ذَيْتَ وذَيْتَ مِثْلَ كَيْتَ وكَيْتَ، أَصله ذَيْوٌ عَلَى فَعْلٍ سَاكِنَةُ الْعَيْنِ، فحُذِفت الْوَاوُ فَبَقِيَ عَلَى حَرْفَيْنِ فشُدِّدَ كَمَا شُدِّد كَيٌّ إِذا جَعَلْتَهُ اسْمًا، ثُمَّ عُوِّض مِنَ التَّشْدِيدِ التَّاءُ، فإِن حَذَفْتَ التَّاءَ وجِئْتَ بِالْهَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَن تردَّ التَّشْدِيدَ، تَقُولُ: كَانَ ذَيَّهْ وذَيَّهْ، وإِن نَسَبْتَ إِليه قُلْتَ ذَيَويٌّ كَمَا تَقُولُ بَنَوِيٌّ فِي النَّسَبِ إِلى الْبِنْتِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ فِي أَصل ذَيْت ذَيْوٌ، قَالَ: صَوَابُهُ ذَيٌّ لأَنَّ مَا عَيْنُهُ يَاءٌ فَلَامُهُ يَاءٌ، وَاللَّهُ أَعلم، قَالَ: وذاتُ الشَّيْءِ حَقِيقتُه وخاصَّته. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ قَلَّتْ ذاتُ يَدِه؛ قَالَ: وذاتُ هَاهُنَا اسْمٌ لِمَا مَلَكَتْ يَدَاهُ كأَنها تَقَعُ عَلَى الأَموال، وَكَذَلِكَ عَرَفه مِنْ ذاتِ نَفْسِه كأَنه يَعْنِي سَرِيرَته المُضْمرة، قَالَ: وذاتٌ نَاقِصَةٌ تَمَامُهَا ذواتٌ مِثْلُ نَواةٍ، فَحَذَفُوا مِنْهَا الْوَاوَ، فإِذا ثَنَّوْا أَتَمُّوا فَقَالُوا ذواتانِ كَقَوْلِكِ نَواتانِ، وإِذا ثَلَّثُوا رَجَعُوا إِلى ذَاتٍ فَقَالُوا ذَوَاتٌ، وَلَوْ جَمَعُوا عَلَى التَّمَامِ لَقَالُوا ذَوَياتٌ كَقَوْلِكَ نَوَيَاتٌ، وَتَصْغِيرُهَا ذُوَيّةٌ. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِ عز وجل: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ*

؛

(1). قوله [ذو يعاتبني] تقدم في حرم: ذو يعايرني، وقوله [وذو يعاتبني] في المغني: وذو يواصلني.

ص: 459