المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ركود الأدب في سورية - مجلة «الثقافة» السورية - جـ ٣

[خليل مردم بك]

الفصل: ‌ركود الأدب في سورية

بك وجميل صليبا وكاظم الداغستاني وكامل عياد - دمشق في 5 حزيران 1933 - 11صفر 1352

‌ركود الأدب في سورية

لخليل مردم بك

المتعلمون في سورية بالنسبة لعدد السكان أكثر من المتعلمين في الأقطار العربية كافة، ومع ذلك فالحركة الأدبية في سورية ممنوة بركود يستدعي الاستغراب. فالمطابع في قلة إنتاجها من آثار السلف أو مؤلفات المعاصرين تكاد تكون عقائم، والناس منصرفون عن الأدب انصرافا لا يتلاءم مع امة متحفزة للنهوض حتى كأن الأدب حاجة فضولية في حياتهم الاجتماعية، والأدباء قابعون في زواياهم لا يتعالى صوتهم في أجواء المجتمع أو هم منصرفون لما لم يخلقوا له.

إذا سألت الأدباء عن سبب تخلفهم في مضمار الإنتاج أجابوك والأسف يملأ نفوسهم إن الأمة لا تعني بالأدب عنايتها حتى بالتافه من شؤون الحياة، فلماذا يوزعون أنفاسهم بين من لا يقدرونها حق قدرها، وأي كتاب عاد بغير التعب على مؤلفه أو ناشره ثم لم يكن حظه الحبس الطويل؟ اللهم إلا الكتب المدرسية التي تفرض على الطلاب فرضا، بل متى تحدث الناس عن كتاب جديد مهما بلغ من الجودة كما يتحدثون عن اقل الحوادث؟

وإذا بدا لك أن تستطع رأي الناس في إهمالهم شؤون الأدب أحالوا الذنب على عقم الأدباء أو سوء إنتاجهم، وإنهم لا يلذون ما تسيل به قرائح الأدباء في الفترة بعد الفترة وان القليل الذي ينشر من أثار السلف لا يتذوقون حلاوته.

ودعوى الفريقين حق ومنهما كانت العلة التي رمت حركة الأدب بالشلل في هذه البلاد، فيحسن بذل العناية في البحث عن منشأ تلك العلة وتشخيصها وتفهم عناصرها وأعراضها.

ربما كان من أعظم الدواعي في تفاقم تلك العلة اختلاف ثقافة المتعلمين في سورية، فمنهم من اشتغلوا بأنفسهم وانقطعوا للطلب والمطالعة ومصادرهم كتب الأدب العربية فثقافة هؤلاء عربية، ومنهم من تخرجوا بمدارس الأجانب فثقافتهم إما افرنسية أو انكليزية، فهذه البلبلة في مناهج التعليم باعدت ما بين الآراء والأذواق فالكتاب الذي يؤلفه ذو ثقافة أجنبية لا يستسيغه ذو ثقافة عربية، وهكذا يبقى الكتاب في حدود من القراء ضيقة، فضلا عن إن

ص: 1

النشء لم يتعودوا المطالعة منذ حداثتهم بإقبال ورغبة. وينشأ عن ذلك بالطبع فتور هوة الأدباء، فلا ينقطعون للأدب انقطاعا يشحذ قرائحهم ويبرز مكنونات نفوسهم وعقولهم فيضطرون لاتخاذه أداة للتسلية والترويح لا غاية للحياة. فلا غرابة بعد ذلك إذا ندرت المؤلفات الأدبية التي تحبب المطالعة للناس وتغريهم بها وتجعل القراءة حاجة من حاجات الحياة التي لا يصبر عنها الإنسان.

على إن في أدبنا نقصا لم يمكن تلافيه إلى الآن ولعله من أعظم ما جعل الناس يزوون وجوههم عن تقدير الأدب والارتياح له وهو أن أدبنا مرآة غير صادقة لا تنعكس فيها حياتنا الحاضرة أو قل انه صورة لا تمثل الواقع كما هو. ولئن كان في الأدب القديم ما يمثل حياة أهله فانه لطبقة خاصة من المتأدبين لا لبقية الناس الذين يشق عليهم استحضاره صورة القديم في أذهانهم بل هم بحاجة لما يمثل شؤونهم الحاضرة ويحدثهم عنها.

والقصص والروايات خير وسيلة لهذه الغاية وما عندنا منها أكثره مترجم لا صلة له بحياتنا، والموضوع قليل جدا لا يستدعي بعض الحاجة دع عنك الخلل والتقصير الماثلين فيه من حيث ضيق التصور والتواء الأسلوب وقلق اللباقة في التأدية والغفلة عما يحيط بنا ويحدث لنا.

وهناك عقبة نرجو أن يذللها الزمان بازدياد سواد المتعلمين وهي بعد الشقة ما بين لغة الأدب واللغة المحكية، ومعالجة هذه المعضلة تستلزم فضل تدبر ورفق فشدة الكلف بالصنعة اللفظية تجعل الأدب كالمقامات تكلف مطالعها من العناء أضعاف ما تجلب له من اللذة، كما إن الدعوة إلى استعمال العامية عقوق للغة والأدب والقومية وتفريط في ميراث أدبي عظيم لا يقل عن اجل ما خلفته الأمم في الماضي. على أن الأديب اللبق قادر على أن يكون سهلا مفهوما من غير أن يخرج على قواعد اللغة وحدود البلاغة لاسيما فيما يكتبه للناس عامة.

وتقاطع الأقطار العربية أو تقطعها جعل جمهور القراء ضئيلا مشتتا في العالم العربي لان الحجازي مثلا لا يعتبر دمشق أو القاهرة أو بغداد عاصمة له يشارك أهلها في مصالحهم وشعورهم ويهمه الاطلاع على ما يحدث فيها ويصدر من كتب وآثار أدبية، وهكذا السوري بالنسبة للأقطار الأخرى.

ص: 2

هذه أهم الأسباب التي نتج عنها ركود الحركة الأدبية في سورية وهي كما ترى متلازمة بعضها ينشأ عن بعض. ومعالجة كل سبب منها تحتاج تبصرا وسعيا، وليس إدراك الأمل بعيدا إذا صحت العزيمة على العمل.

خليل مردم بك

ص: 3