المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌السينما الناطقة للمهندس الكيماوي مخائيل كزما إن أول من فكر في السينما - مجلة «الثقافة» السورية - جـ ٣

[خليل مردم بك]

الفصل: ‌ ‌السينما الناطقة للمهندس الكيماوي مخائيل كزما إن أول من فكر في السينما

‌السينما الناطقة

للمهندس الكيماوي مخائيل كزما

إن أول من فكر في السينما الناطقة هوتوماس اديسن المخترع الأميركي المعروف ومما هو جدير بالذكر أن أهم الأسباب التي حركت هذا المخترع الكبير لابتكار

الصور المتحركة هو رغبة في جعل صوت الفونوغراف الذي كان قد اخترعه حديثا مصحوبا بصور الأشياء التي أحدثت الصوت. إلا أنه لم يوفق المخترعون إلى نتيجة عملية في هذا المضمار إلا بعد مضي عشرات من السنين وذلك بفضل اختراعين هامين الأول الجهاز الكهربائي للصوت تجهيزا يزيد قوته ألوف ومئات المرات. والثاني البطارية الفوتو كهربائية

وقد اتجهت أبحاث العلماء الساعين إلى تحقيق السينما الناطقة في طريقتين مختلفتين. الأولى مقارنة الفونوغراف والصور المتحركة. وذلك بوصل قرص (اسطوانة) الفونوغراف بفانوس السينما وصلا كهربائيا بحيث تخرج الصور والأصوات بوقت واحد. وثم تكبير الصوت بوصل إبرة الفونوغراف بالتيار الكهربائي فيحدث اهتزاز الإبرة السائرة في ثلم القرص الفونوغراف تغيرات في شدت التيار الكهربائي ومماثلة للاهتزازات الصوتية المسجلة على قرص الفونوغراف وهذا التيار الكهربائي المتغير يغذي المجهر الكهربائي الذي يحوله إلى صوت مكبر ألوف المرات.

وقد جرب هذا الجهاز لأول مرة سنة 1926 وأعطى نتائج حسنة.

أما الطريقة الثانية وهي الأكثر شيوعا الآن فتستند إلى مبدأ البطارية الفوتو كهربائية أي تلك البطارية التي تحول النور إلى تيار كهربائي. ولا بد لنا قبل الخوض في موضوع السينما الناطقة من الإتيان على شرح موجز لمبدأ هذه البطارية.

من المعلوم إن النور حسب النظرية المسلم بها الآن مسبب عن اهتزاز الجسم المضيء اهتزازا سريعا يحدث في الأثير - ذلك الكائن الافتراضي المرن الذي يملا الفضاء الفاصل بين الأجرام السماوية وكافة الفراغات والأجسام الشفافة - تموجات تنتقل من الجسم المضيء إلى كل الجهات. وعندما تقع هذه التموجات على شبكة العين ومنها تنتقل بواسطة العصب البصري إلى الدماغ تتحول إلى شعور بالنور.

ص: 54

ويفسر اختلاف شدة النور باختلاف شدة هذه الموجات الأثيرية. كما انه قد ثبت أن لون النور ناشئ عن عدد الاهتزازات في الثانية وبالتالي عن عدد التموجات في الثانية وهي ما يعبر عنها بكلمة تردد. فتردد موجات النور البنفسجي أعظم من تردد النور الأزرق وهكذا يتناقص التردد إلى الأحمر الذي هو أقل الألوان ترددا.

ولما كانت سرعة انتشار النور واحدة في الفراغ والهواء لكل الألوان كان طول الموجات متناسبا عكسيا لترددها فتكون موجة النور البنفسجي اقصر الموجات المنظورة وموجة النور الأحمر أطولها.

ويمكننا مقاربة هذه الظاهرة مع ظاهرة الصوت. فانه أيضا ناشئ عن اهتزاز الجسم المصوت الذي يحدث في الهواء وغيره في الأجسام المجاورة تموجات تنتقل من مصدر الصوت إلى إذن السامع بواسطة الهواء أو غيره من الأجسام الناقلة للصوت بسرعة هي اقل بكثير من سرعة انتقال الأمواج الأثيرية. وكما رأينا في التموجات الأثيرية تعلل شدة الصوت بشدة هذه التموجات، كذلك علو الصوت يعلل بتردد تموجاته.

ولنرجع إلى التموجات الأثيرية. فان المنظورة منها وهي التي تكون النور ليست إلا جزاء صغيرا جدا من مجموع التموجات الأثيرية. فان أكثرها لا يؤثر في العين البشرية. لكن يوجد أجهزة دقيقة تشعر وتقيس أطوال موجاتها بالضبط.

ومن هذه التموجات غير المنظورة ما تفوق موجاتها أطول الموجات المنظورة.

وأهمها الأشعة التحت الحمراء والاهتزازات الكهربائية المستعملة الإشارات اللاسلكية ومنها التي طول موجاتها اقصر من اقصر الموجات المنظورة ولعلها الأشعة الفوق البنفسجية وأشعة رونتجن وأشعة (غما)

المنبعثة من الراديوم.

ثم أن هنالك نظرية علمية في منتهى الأهمية لابد من شرحها ولو باختصار ليتم لنا فهم مبدأ البطارية الفوتو كهربائية وهي نظرية تركيب الجوهر الفرد أو الذرة.

من المعلوم إن العناصر التي تتألف منها الأجسام كالمعادن والأكسجين والازوت

يمكن تجزئتها إلى أقسام متناهية في الصغر هي الذرات لها أوزان وخواص معينة هي خواص العنصر المؤلف منها. وما قطعة الحديد مثلا إلا مجموعة كمية كبيرة جدا من

ص: 55

الذرات المتماثلة. وعندما يتفاعل الحديد مع الأكسجين مثلا تتحد ذرة من الحديد بذرة من الأكسجين وتكون جزيئا

من أكسيد الحديد أو صدأ الحديد. ويمكن تفكيك عرى هذا الجزيء بواسطة القوى الكيماوية فيعود الأكسجين والحديد كما كانا قبل اتحادهما.

وقد بقي الاعتقاد سائدا إلى بضع عشرة سنين خلت أن الذرة لا يمكن تجزئتها مهما سلط عليها من القوى. إلا أن اكتشاف الراديوم وغيره من العناصر المشعة اثبت أن الذرة تتهدم إلى أجزاء اصغر. وهاك نتيجة ما وصل إليه العلماء عن تركيب الذرة مقتصرين على القسم الذي يهمنا لتفهم مبدأ البطارية الفوتو كهربائية:

تشكل الذرة نظاما محكم التركيب كالنظام الشمسي. فهي مؤلفة من نواة مادية مشحونة بكهربائية ايجابية يدور حولها عدد من الأجزاء الكهربائية السلبية تسمى الكترونات يختلف عددها حسب طبيعة العنصر. وبما أن قيمة الكهربائية الايجابية لنواة درة ما تعادل تمتما قيمة الكهربائية السلبية لمجموع الكترونات تلك الذرة كانت الذرة متعادلة الكهربائية. ويمكننا أن نستنج بسهولة انه إذا توصلنا بإحدى الطرق إلى أن نطرد من الذرة بضعة الكترونات تغلبت كهربة النواة الايجابية وأصبحت الذرة مكهربة ايجابيا بينما تشكل هذه الالكترونات المطرودة تيارا كهربائيا سلبيا. وبالعكس يمكن جعل الذرة تكهرب سلبيا بإضافة الكترونات إليها.

ويوجد الآن لدى العلم عدة وسائل لاقتلاع الالكترونات من ذرات العناصر منها أشعة النور وغيرها من التموجات الأثيرية كأشعة رنتجن والأشعة الفوق البنفسجية وهذه الظاهرة هي المبدأ الذي يرتكز عليه عمل البطارية الفوتو كهربائية وهي تتألف بأبسط معانيها من (بلون) زجاجي كالمستعمل في المصابيح الكهربائية مفرغ من الهواء ومطلي من الداخل بطبقة رقيقة من المعدن. وهذه الطبقة متصلة كهربائيا بأحد قطبي الجهاز. والقطب الآخر متصل بسلك معدني دقيق مثبت في وسط (البلون) وملحوم في الزجاج. وقد تركت في أحد جوانب المصباح بقعة خالية من الطلاء المعدني لأجل دخول النور.

لنفرض شعاعا من النور الاعتيادي داخلا إلى المصباح من البقعة الشفافة المذكورة آنفا فعند وقوع هذا النور على الطلاء المعدني تقتلع قوة اهتزاز الأثير عددا من الكترونات هذا

ص: 56

المعدن فتصبح ذراته مكهربة ايجابيا بينما الالكترونات المنطلقة منه تحمل كهربائية سلبية إلى السلك المعدني الكائن في وسط المصباح

ومنه إلى قطب الجهاز المتصل به. فإذا وصلنا هذا القطب بالقطب الآخر المتصل بالطلاء المعدني بواسطة سلك خارجي يجري في هذا الأخير تيار كهربائي يمكن قياسه بواسطة المقاييس الكهربائية العادية.

ومن البديهي انه إذا ازداد تألق النور الواقع على المصباح ازدادت قوة اهتزاز الأثير فيزداد عدد الالكترونات المنطلقة من الطلاء المعدني فتشتد قوة التيار الكهربائي الجاري في السلك الخارجي. والعكس بالعكس.

فإذا وقع على هذا المصباح شعاع من النور متغير التألق نتج عنه تيار كهربائي

متغير الشدة.

هذا هو مبدأ عمل البطارية الفوتو كهربائية التي تشكل الجزيء الرئيسي من الآلة التي تعرض الصور الناطقة. وسوف نعود إلى شرح عملها بالنسبة للسينما بعد أن نشرح الآلة الآخذة للمناظر الناطقة

تؤخذ مناظر السينما بواسطة آلة فوتوغرافية لا تختلف بمبدئها عن آلة التصوير العادية سوى أن الغشاء الحساس المكون من شريط (فيلم) طويل يتحرك على دولاب بسرعة منتظمة. فيرتسم عليه المنظر المتحرك في أوضاع مختلفة بالتتابع.

وعند عرض هذا الشريط في الفانوس يدار بنفس السرعة التي أخذت بها المناظر. فترتسم صورها على الشاشة البيضاء ويخيل للناظر أنها متحركة متواصلة مع أنها

بالحقيقة صور منقطعة لنفس الشيء في أوضاع مختلفة. وتعليل ذلك أن الشبح الذي يقع على شبكة العين يبقى مرتسما عليها برهة من الزمن بعد زوال الشيء المسبب للشبح. وفي احد جانبي الشريط يترك حقل لا يتجاوز عرضه ثلاثة مليمترات لأجل تسجيل الصوت وذلك على الكيفية الآتية.

إذا أحدث صوت أمام سماعة التلفون اهتزت طبلتها اهتزازا مماثلا لاهتزازات الجسم المصوت. وإذا وضعت السماعة في دائرة كهربائية حدث في شدة التيار تغيرات مماثلة لتغيرات الصوت. فإذا استعمل هذا التيار لإنارة مصباح كهربائي عادي لضاء هذا

ص: 57

المصباح بنور متغير التألق حسب تفاوت شدة التيار الكهربائي وبالتالي حسب تفاوت الصوت المحدث أمام السماعة.

لنضع الآن جهازا كهذا أمام المناظر المراد اخذ صوتها وصورها. فبينما الآلة الفوتوغرافية تأخذ الصور على الجزء الأكبر من الفلم لنجعل المصباح المتغير التألق يضيء شقا ضيقا يكون طوله بقدر عرض الحقل المخصص للصوت في الفلم وليكن الشق ملاصقا تقريبا للفلم. فترتسم على الحقل الضيق من الشريط صور الشق المذكور وتكون كثافة تألقها متفاوتة تفاوتا يطابق كل المطابقة تفاوت شدة الصوت.

فيكون لدينا فلم مسجلة فيه الصور والأصوات في نفس الوقت.

لنرجع الآن إلى الآلة العارضة للمناظر.

لندع نور الفانوس يقع على الفلم المتحرك ولنفرض شعاعا من النور واقعا على بطارية فوتو كهربائية بعد مروره بالحقل الضيق من الفلم الذي سجلت عليه الصور والأصوات كما مر آنفا. فيكون للواقع على البطارية متغير التألق تغيرا مماثلا لتغير الصوت الأصلي. فينشأ في البطارية الفوتو كهربائية تيار كهربائي متغير الشدة. ولنفرض أن هذا التيار المتغير يغذي آلة تلفونية آخذة ومجهرة للصوت. فتهتز طبلتها وتحدث في الهواء المجاور أصواتا مماثلة للأصوات الأصلية وموافقة للصور مرافقة تامة.

ميخائيل كزما

مهندس كيماوي

ص: 58