المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المصدرات بـ تن - مجلة «الثقافة» السورية - جـ ٣

[خليل مردم بك]

الفصل: ‌المصدرات بـ تن

‌المصدرات بـ تن

للأب انستاس ماري الكرملي

استفدت كثيرا من النبذة المعنوية ب (تن) المنشورة في مجلة المجمع العلمي

(57: 13) وفي أثناء وقوفي عليها بدت لي بعض نظرات أودعها هنا لعلها تقدح شررا يساعد على الاستزادة من الحقيقة.

1.

التن - الطن

وأول شيء يتبين لي من خلال الاجتهاد، أن لـ (تن) مقابلا في العربية عرف منذ القديم هو (الطن). قال في التاج: الطن بالضم، القامة. وقال ابن الأعرابي: ومنه قولهم: فلان لا يقوم بطن نفسه فكيف بغيره؟ وقال ابن دريد: هو قول العامة، ولا احسبها عربية صحيحة آه - قلنا: ليس ذلك من كلام العامة في شيء، بل من الألفاظ التي وردت في عدة لغات معا، أي من متفق اللغات فهو بالفارسية (تن) وبالزندية (تنو) وبالهندية القديمة (تن) وبالارمية (طان) وبالتركية القديمة (تن). ومن الطن قالت العرب: الطني أي الرجل الجسيم، ولم ينكر فصاحتها وصحتها ابن دريد نفسه. فأنت ترى من كل هذا أن المادة شائعة في جميع اللغات.

ثم إن العرب زادت في أوله الباء فقالت: البطن، وهو القسم الأعظم من الإنسان والباء الأول تدل على المائية أو على سائل. فقولك (البطن) كقولك العضو الأعظم في الإنسان الذي فيه تجري السوائل وهو منبعها كالمرة والصفراء والدم ومقر الأطعمة والاشربة إلى نحوها. ثم أرادوا أن يتوسعوا في المعنى ويطلقوا لفظا على مجموع الأعضاء كلها، فغيروا شيئا في لفظه (البطن) حرفا وشكلا فقالوا (البدن)، فجاءت بمعنى الجسم كله ولهذا لا يحق لنا أن نقول أن (البطن) من كلام العامة، ولا نقول إنها من الفارسية إذ هي أيضا في سائر اللغات كما رأيت.

ومما يدل على أن (الطن) قديم في لغتنا أن الناطقين بها ادخلوه في تراكيب ألفاظهم ومنه: (طنثر) الرجل: أكل الدسم حتى تثقل جسمه وقد (تطنثر)

وقلبوا طنثر فقالوا (نطثر) ومنه (النطثرة) وهي أكل الدسم حتى يثقل على القلب أو حتى يثقل جسمه. ولا جرم أن الكلمة منحوتة من (الطن) بمعنى الجسم و (الثر) الذي هو

ص: 33

الغزارة والكثرة.

وقالوا طنحت الإبل طنحا أي بشمت وسمنت. وقيل: طنحت بالحاء سمنت. وطنخت بالخاء المعجمة: بشمت. حكى ذلك الأزهري عن الأصمعي. وقال غيره بجعلها واحدا. (عن التاج بتصريف قليل) وهي مشتقة من الطن مذيلا بالحاء للدلالة على السعة والامتلاء على ما هو معهود في هذا الحرف إذا وقع ذيلا.

ومن (الطن) و (الفساد)، نحت السلف (الطنفس) كزبرج، وهو الرديء السمح القبيح، كأن ليس فيه سوى الجسد وليس فيه شيء من محاسن النفس هذا ولو أردنا أن نذكر كل ما جاء من تراكيب الطن لا وغلنا في البحث بعيدا على غير جدوى، إذ النتيجة واحدة في كل ما يرى في مركباتها ومنحوتاتها.

2.

التنبل

ذكر السيد أدي شيران أن (التنبل) مخفف (تن برور). قال الشيخ الأستاذ: وهما كلمتان (تن) بمعنى جسد، بدن و (برور) بمعنى مربي (كذا. لعلها

مرب)، مغذي (كذا. لعلها مغذ) فالبليد الكسلان تراه مشغولا براحة بدنه، مكثرا لتغذيته بألوان الطعام، فيسمن ويضخم ويصبح غير قادر على السعي، ولا نشيط الحركة في العمل أهل

قلنا: إن التنبل عند الفرس غير ال (تن برو)، فالأول يعني الكسلان والثاني يعني المتأنق في أكله وشربه أو كما نقول (المتفق) وقد يتأنق المرء في معاشه ويكون مع ذلك نشيطا، كما قد يكون الكسلان نحيفا فهذه الصفات الجسدية ليست من اللازمة للصفات النفسية. وإذا كان لابد من القول بنحت التنبل فهو من (تن) و (بل) وهو الجاهل البليد والثقيل.

وقد ذكر صاحب التاج بمعنى التنبل: (الطنبل) كجعفر، والمعنى واحد لأنه قال في تفسيره إياه: هو البليد الأحمق الوخم الثقيل. ولم يعزه إلى قائله. ولعله له وهو منقول عن الفارسية. فقد قال في مستدرك مادة ت ن ب ل: والتنبل كجعفر: البليد الثقيل الوخم. لغة عامية اهـ. وكان عليه أن يقول في كليهما: معرب عن الفارسية.

3.

التجفاف

هذه الكلمة لا صلة لها بالفارسية فهي عربية محضة. وقول بعضهم أن أصله

ص: 34

(تنبناه) أي حارس البدن، هو من الأقوال الوهمية إذ ليس في الفارسية (تنبناه) بمعنى التجفاف. وحق للأستاذ المغربي الكبير أن يقول: لا أراني مرتاحا إلى ما قالوه (لعلها: لما قالوه، إذ يقول الفصحاء الحذاق: ارتاح له لا إليه) من تعريب التجفاف، فانه بالكلمات العربية أشبه والى صيغتها ومعانيها اقرب اهـ. -

على إننا لا نرى رأي الأستاذ المغربي في أن التجفاف بالكسر، مأخوذة من التجفاف بالفتح بمعنى التيبيس كالتجفيف، وان قال بذلك صاحب المصباح، إذ يرى أن سبب تسمية تجفاف الفرس بهذا الاسم هو ما فيه من الصلابة والنبوسة - قلنا:

وليست الصلابة واليبوسة في التجفاف فقط، بل في الركاب أيضا واللجام والحكمة والشكيمة إلى غيرها. فهذا تعليل واه لا يقبله ذو منطق صادق. والذي عندنا أن التجفاف لغة في التكفاف، مصدر كف للكثرة. يقال: كفه عن الشر

والضرر، فكف هو، أي دفعة عنه وصرفه ومنعه، فاندفع وانصرف وامتنع. ومصدر كف تكفافا مقيس عند جماعة عظيمة من أئمة النحاة واللغة. وجعل الكاف جيما أو بالعكس أكثر من أن يحصى راجع المزهر طبعة بولاق 109: 1

و224 وكانت لغة بعضهم: إما تغيير صيغة المصدر إلى اسم المصدر، فذلك لا بد منه ذهابا إلى معنى جديد، وصرفا للأذهان من معنى المصدر إلى معنى الآله.

بقى علينا أن بعض الآلات سميت بالمصدر، فهذا أيضا مبذول عندهم ف (التمتان) بالكسر، و (التمتن) خيوط الخيام، و (التمثال) بالفتح مصدر مثل تمثيلا و (التمثال) بالكسر: الصورة المصورة. - والتسبيغة. بيضة من حلق تلبس على الرأس. - والسرد: مصدر سرد واسم جامع للدروع وسائر الحلق. -

والشرك خروق الحلق، إلى غيرها مما هو مستفيض في دواوينهم.

4.

التبان

هو صحيح الاشتقاق من تن وبان أي حافظ الجسم واستعمله الفرس والترك والعرب لما يستر العورة المغلطة من الثياب.

5.

المنتان

الذهاب إلى انه من منثن العربية هو من قبيل خرافات العجائز. واشتياقه من نيمثن

ص: 35

وانه وقع فيه القلب أمر معقول ومألوف ومأنوس وكثير النظائر في العربية. وقد جاء بعدة معان وان كان الغالب في شكله انتصاف الجسد من فوق إلا أن شكل قطعة وتفصيله اختلف عند قوم دون قوم، وفي عصر دون عصر.

فـ المنتان ورد بمعنى ما يسميه الترك والفرس أر خالق وهو نوع من القباء ينزل إلى دوين الركبتين. - وجاء بمعنى الزبون وزان دخول وهو قباء يلبس تحت الثوب لكنه قصير الردنين ولعل الإفرنج اخذوا منه والزبون معروف عند البغداديين منذ العهد القديم إلى يومنا هذا؟ ويريدون به البقاء الضيق الردنين. وقد عرف الزبون السيد مرتضى فذكره في تاج عروسه إذ قال: الزبن بالتحريك: ثوب على تقطيع البيت كالحجلة. ومنه الزبون الذي يقطع على قدر الجسد ويلبس آه - وجاء المنتان بمعنى السنلخ كجعفر، وهو قباء مفتوح من الأمام، وله ردنان قصيران وهو الذي سمي قبل نحو مائتي عام بـ

الكاتبي، لان الكتاب العثماني والإيرانيين كانوا يتخذونه في أثناء القيام بوظائفهم. - وجاء أيضا بمعنى الترلك كزبرج وهو كالسنلخ إلا انه افخر

منه وأثخن مجسا وادفأ للجسم. وقد تلاعبوا بلفظه فقالوا أيضا ترليك

ودرلك

ودرليك. وكان يلبس معه حذاء يتصل به ران فيبلغ الركبتين. وكثيرا ما يكون الترلك مغضنا. وقد رأيت من يلبسه في بغداد بين سنة 1876 و 1885 واغلب لا بسيه كانوا من العلماء والفقهاء، وكان الخف اصفر اللون، وكذلك عنقه أي الران. ولم ينقطع لبسه عند الفرس إلا قبيل الحرب العامة.

ومن غريب ما حل بهذا اللفظ (الترلك) أن هذا الاسم منسي اليوم بهذا المعنى. وأطلق بعد ذلك على ما يلبس في الرجل ويصل إلى الركبتين. فصار الترلك ملبوس الرجل بعد أن كان ملبوس أعلى البدن. وهذا من باب المجاورة. فكأنهم أرادوا أن يقولوا الحذاء المجاور للترلك، ثم استغنوا عن هذه الكلمات الثلاث بكلمة واحدة فصار الترلك - كما قال صاحب محيط المحيط - الخف أو ما يلبس في الرجل في البيت من جلد أو قماش ويعرف بالقلشين. وكلاهما عامي عربي - قلنا: وهو تركي فارسي كما رأيت. - ومثل هذا التحول في معنى اللفظة الواحدة وقع في العربية نفسها من باب المجاورة، أي لقرب الشيء الواحد

ص: 36

من الشيء الآخر قال في التاج: الرواية: المزادة فيها الماء. ويسمى البعير والبغل والحمار الذي يستقي عليه: رواية، على تسمية الشيء باسم غيره لقربه منه. هذا نص ابن سيده، إلا انه اقتصر على البعير الذي يستقى عليه. . . اهـ كلام التاج.

6.

التنور والتنورة

القول بان (التنورة) مركبة من تن بمعنى بدن. ونورة التي لا يعرف معناها، ناشئ من مشابهة هجائها الأول للثن، ولأنها ملبوس. وإلا فالتنورة مأخوذة من (التنور) مع هاء التخصيص لا غير. والتنور مخبز مستدير طويل له من أعلاه فتحة كبيرة مستديرة ليدخل فيها ما يخبز. وفتحة صغيرة من الأسفل

لإخراج الرماد الزائد منه. والتنورة مصنوعة على هيئة تنور. والتنور هي كذلك في الارمية بزيادة ألف في الآخر. وهي كذلك في الزندية أي (تنورا) بلا تشديد، وبالفهلوية (تنور) وكذلك بالفارسية الحديثة والتركية فهي إذا مشتركة في جميع اللغات. وعندنا إنها غير منحوتة من (تن) و (نورة) المجهولة المعنى، بل مشتقة من مادة (ن ور) الدالة على النور والنار. فالتاء في الأول زائدة لا أصلية، بخلاف ما يظنه جمهور اللغويين الغربيين والشرقيين. فتنور وزنه تفعول، بفتح التاء، ولو كانت أصلية لقيل تنور بضمها. قال الزبيدي في ديوانه في مادة

(ذ ن ب): وتذنوب بالفتح، وتاؤه زائدة. وفي اللسان العرب: التذنوب: البسر الذي قد بدأ فيه الارطاب من قبل ذنبه، ويضم. وهذه نقلها الصاغاني عن الفراء (وهي لغة بني أسد على ما قال في اللسان ونقله صاحب التاج)، وحينئذ يحتمل دعوى أصالتها اهـ كلام الزبيدي.

قلنا: وإنما قالوا التاء أصيلة في تذنوب لتحمل على فعلول، لا على تفعول. وفعلول في جميع موزوناته مضموم الأول، ماخلا بعض الشواذ. وأما تفعول، فالغالب عليه فتح التاء، لأنها زائدة، بل هي الإشارة إلى زيادتها. وعليه قالوا: تعضوض

وترنوق وتنوم بالفتح فيها.

وجاء (التنور) في الأرمية والفارسية بمعنى النثرة وهي الدرع السلسة الملبس أو الواسعة. - وبمعنى الحوف أو الرهط وهو جلد يشق كهيئة الإزار تلبسه الجواري والصبيان. -

ص: 37

وبمعنى الوتر وهو ثوب كالسراويل لا ساقي له. - وبمعنى النقبة وهي ثوب كالإزار تجعل له حجزة مطيفة من غير نيفق ويشد كما يشد السراويل وهي المسماة الآن عند بعضهم بالتنورة. - وبمعنى الجديلة وهي شبه انب من ادم تتزر به النساء والصبيان. وبمعنى كل ثوب ينزل من الخصر إلى القدمين، كائنا ما كان، من ادم أو نسيج أو زرد أو حلق. - فالتنورة على الحقيقة غير علمية. - بل مقيسة قياسا عربيا لا أمت فيه ولا عوج. وهو من باب المشابهة والكلمة مختومة بتاء التخصيص وهو أمر أشهر من أن يذكر.

7.

التنباك

الذهاب إلى أن (التنباك) مأخوذة من (تن) و (باك) من الخرافات التي يستغنى عن ذكرها في مجلة أدبية، فضلا عن مجلة علمية. و (التنباك) و (التبغ) من أصل واحد هو تباكو اسم جزيرة من جزر الانتيل. ولا يلتفت إلى ما يثرثر به بعض الخرافيين

8.

التن

ومما يدخل في باب هذا الموضوع (التن) بكسر التاء وتشيد النون. وله عدة معان، من جملتها: الشخص والمثال (عن أبي زيد ذكره ابن مكرم).

وهو بهذا المعنى ينظر إلى (تن) الفارسية والزندية والفهلوية وغيرها. وهي في هذه اللغات بفتح فسكون.

هذا ما مر بخاطرنا حين مطالعة نبذة الأستاذ شيخا المغربي العلامة اللغوي الكبير وفقنا الله جميعا لخدمة اللغة والوطن.

بغداد

الأب انستاس ماري الكرملي

ص: 38