الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التربية الاجتماعية
للآنسة نبيهة الزبيدي
مما لا شك فيه إن الإنسان اجتماعي بطبعه، لا يمكنه بحال أن يعيش منفرداً، وحيداً، فالاجتماع هو من أبرز خصال الإنسان. ولكن لاجتماعية الأفراد درجات وإن تساوت في الجوهر فهي تختلف في درجات التخلق بها، فهناك أناس يعيشون متطفلين على البشر يأخذون ولا يعطون ولكن إلى جانب هذا الاختلاف بين الأفراد باعتبار الاجتماعية كذلك فإن هناك فروقاً ظاهرة بين الأمم بنفس الاعتبار. ونظرة خاطفة نلقيها على المجتمع الغربي والمجتمع الشرقي يتبين لنا الفرق واضحاً جلياً. كم من جمعيات في الغرب لمساعدة الفقراء والأخذ بيد المنكوبين فهم يقدمون كل ما يحتاج إليه المعوز من طعام وملبس ودواء. . . حتى الكتب واللعب فنرى كل فرد هناك يساهم في هذه المشاريع الخيرية. أما في بلادنا فنحن نتذمر من الفقر ولكننا لا نعرف السبل التي تقضي عليه وتستأصله أو على الأقل تخفف من وطأته، فكل منا يفكر بينه وبين نفسه دون أن يشترك مع غيره: يفكر بالبائس والفقير طالما يراه عيانا فإذا ما غاب عن ناظريه خمدت حميته وما ذلك لأن الشفقة لا تعرف إلى قلبه سبيلا، بل لأنه لم يتعود الحياة المجتمعة والقيام بمشاريع تستدعي التضامن والتشاور.
إننا لا نفكر في غيرنا تفكيراً اجتماعياً، وهذا ما يبدو من نظرة عابرة نلقيها على سلوكنا. ففي اجتماعاتنا العامة يجلس أحدنا في القطار فيحلو له أن يدخن مثلاً فلا يتردد لحظة واحدة في تنفيذ ما خطر له دون أن يحسب حساباً للجالسين حوله وأنه ربما ضايقهم بدخان سيجارته أو يروقه أن يفتح النافذة وبالفعل يفتحها دون أن يستأذن الحاضرين ودون أن يفكر بان البرد ربما أذاهم، واضر بصحتهم.
يدخل أحدنا محطة السكك الحديدية فيرى منظرا يستدعي الشفقة فهذا يدفع ذاك أمام شبك التذاكر، وهذه تدفع تلك، وكل يود بمساعدة منكبه أن يصل إلى شباك التذاكر قبل زميله.
ومن هنا يظهر الفرق واضحاً بيننا وبين الغربيين، فقد سمعت أن أحد الشرقيين وجد في أمريكا وبينما كان يتجول في أحد الشوارع مع صديقه ذات صباح إذا به يرى سلسلة بشرية تبدأ أمام باب أحد الأبنية وتمتد على طول الشارع تاركة المجال لمن يريد الانضمام
إلى نهايتها وسأل صديقه ما الخبر فأجابه: إن جريدة تصدر عن هذا البناء وقد تقرر إنقاص أعدادها بسبب أزمة الورق ولذا توافد الناس لأخذ الجريدة، هؤلاء الذين تراهم إنما ينتظرون دورهم لهذه الغاية. فتعجب الشرقي لذلك، ولكن ما زاد في عجبه إن كلبا كان يقف بين البشر منتظرا دوره لأخذ الجريدة.
إن روح النظام لدى الغربيين عادة فهم ليسوا بحاجة إلى من ينظم سير حياتهم إذ إن كلا منهم يعرف ما له من الحقوق وما عليه من الواجبات ولا أدل على ذلك من القصة الآتية:
نزل على أحد الانكليزيين ضيف شرقي وكان لدى الانكليزي أعمال كثيرة، فدفع إلى ضيفه بأدوات الصيد وطلب إليه أن يتسلى في الغابات ريثما يتم أعماله وعندما عاد الضيف كانت جعبته مليئة بالطيور ولما فضها أمام الانكليزي صاح هذا الأخير
_ ويحك لقد اصطدت الطير الأبيض والحكومة قد حرمت صيده
_ أنا لا أعلم ذلك
_ إذن سأذهب إلى خفير الغابة كي أدفع له ثمن الطير.
_ ولكن لم يرني أحد
_ فليكن. . . النظام هو النظام. . يجب حفظه والتمسك به
_ إذن سأدفع أنا الثمن.
_ لا سأدفع أنا لأنني لم أنبهك قبل ذهابك.
ثم سار إلى الغابة فدفع ثمن الطير للخفير.
والآن بعد هذه المقارنة البسيطة أقول أن التربية تتم على ثلاثة مراحل:
1ً_توليد الأفكار
2ً_توليد الميول والعواطف
3ً_تكوّن العادات
فلكي نربي الفرد تربية اجتماعية حقه علينا أن نسلك هذا السبيل بأن نفهم الروابط التي تربط الأفراد والجماعات وأنظمة المجتمع ثم الفوائد التي تنجم عن الاجتماع والتضامن وبذلك نولد العواطف المخلفة من شفقة ونخوة وتقوية الشعور بالغيرية ولا يكفي أن يفهم الفرد كل شيء نظريا بل عليه أن يمارس ذلك عملياً.
ففي المدارس يجب أن تقام، العاب رياضية، تتلاشى فيها الفردية كلعبة كرة السلة التي يمارسها فريقان يتكلم كل منهما بلغة (نحن) فيقول نحن غلبنا. نحن أصبنا الهدف. . . كما أن على المدرسة أن تعنى بنظام الحكم الذاتي الذي يدرب الطلاب على النظام والحرية في وقت واحد كما أن الجمعيات في المدارس والتمثيليات والمحاضرات مما يقوى روح الاجتماعية وبذلك يخرج الطالب وهو يشعر بكل ما يجب عليه أن يقوم به حيال المجتمع، ولا يجب أن يثقف الفرد ثقافة اجتماعية في المدارس فقط وإنما يجب أن تتعداها إلى المنزل والبيئة العامة. ففي المنزل يجب أن يشعر الطفل بحاجته إلى هذا وذاك وإن يوحى إليه أنه لا يستطيع القيام بعمل دون مناصرة غيره، إما في البيئة فهناك الهيئات الكشفية والجندية كل ذلك مما يقوى روح الاجتماعية عند الفرد.
هذا ولا يجب أن تقاس قوة الجماعة بقوة أفرادها، بل مما ينتج عنها من أعمال صادرة عن قوة أفرادها. لذا يجب علينا أن نقوي في أنفسنا حب المجتمع وأن نكون على بينة، إننا لن نرقى سلم الرقي، ما لم نثقف النشء في بلادنا ثقافة اجتماعية حقة.
نبيهة زبيدي