المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أزمَةُ المراهَقَة للدكتور جميل محفوظ ولنتساءل عن مصير حب الولد لوالديه بعد - مجلة «المعرفة» السورية - جـ ٣

[عادل العوا]

الفصل: ‌ ‌أزمَةُ المراهَقَة للدكتور جميل محفوظ ولنتساءل عن مصير حب الولد لوالديه بعد

‌أزمَةُ المراهَقَة

للدكتور جميل محفوظ

ولنتساءل عن مصير حب الولد لوالديه بعد هذه العواطف والثورات؟ لا يزول بل يتبدل. ينتقد المراهق حركات والديه ويهزا من بعض عادات غير إن الحب باقٍ رغم الأشكال الجديدة التي يظهرها بها هذا الحب. ويخجل، في بعض الأحيان، هؤلاء المراهقون من الأوضاع الشاذة التي قاموا بها أمام أهليهم، ويندمون ندما كبيرا.

ينبثق من هذه الحملة، على الأهل، ونقدهم، شغف بشخص علويّ، يشبه ولا شك الصورة التي يكونها المراهق عن نفسه، وتتلو ذلك عاطفة نحو صديق أو رفيق والخلاصة فإن حب المراهق لأهله يدوم حتى من الخامسة عشرة ثم يتحول هذا الحب اعتباراً من هذا السن حتى نهاية الأزمة نحو أفراد أخر.

الثورة ضد المدرسة: يقول طالب إن التربية هي ضلال رهيب: ومهمتها إخماد وقتل الميول، يرغب الأهل والمجتمع في جعل الناشئة كالنماذج المفروضة. لا يمكن تبديلها أو تحويرها، لا تظهر قيمة وشخصية المرء إلا بالتخلص من تأثير التربية العقيمة. يقول آخر التربية سذاجة، والمدرسة عديمة النفع، الأساتذة هم من عامة الناس، تحرم المدرسة الصبي حريته وجماله، نريد تهديمها.

تشتد هذه الثورة ضد المعيدين والإدارة لأنهم مكلفون في حفظ واحترام النظام. كتبت فتاة في الخامسة عشرة من عمرها في مذكراته ما يلي ينقلب العدل الكثير إلى ظلم، وأرى نفسي مضطرة أن أقول كغيري: كفى، كفى، كفى، إذ أشعر الآن بثورة داخلية عنيفة. إن هذه الأجوبة وغيرها تظهر مدى ثورة الطلاب على المجتمع اعتقادا منهم بان حريتهم مسلوبة، ولا يفهمهم أحد.

أما الثورة على الأستاذ فهي اقل عنفا، لأنه يسعى لتنمية الملكات العقلية لدى طلابه ويربي النفس ويوقظ الروح. يرى الطفل، قبل سن الخامسة عشرة، معلمه ذلك الهبل الذي يطلب كثيراً من الوظائف. ويصبح بالنظر للمراهق بعد هذا السن القائد الروحي، هذا إذا تمكن الأستاذ من فهم طلابه ومن تحبيبهم في درسه وإلا فإن العلم شيء مزعج.

إن الثورة على المدرسة كالثورة على العائلة تؤدي إلى هرب غير إن هذا الهرب أقل

ص: 29

أهمية. ورغم عن المدرسة بالنظر للمراهق هي المأوى البغيض فإنهم لا بد واجدون فيها، على اختلاف الطلاب، واختلاف طباعهم، نفسا رضية يأنسون إليها ويسمونها بالنفس الشقيقة.

يجب أن لا يظن بأن الأزمة كلها ألم واضطراب، إذ هناك أويقات عذبة يشعر فيها المراهق بسرور شديد لأنه غريب عن العالم، يغلق عينيه لترفرف أجنحة أحلامه في سماء الخيال.

والخلاصة إن للمحيط تأثيراً في انبثاق الثورة، سيما إذا بالغ الراشد في ضغطه وزادت شقة الخلاف بينه وبين المراهق. هذا وإن العصيان يفترض وجود شخص يقاوم، في سن معين من حياته، العالم الخارجي ويفرض نفسه، لذا يجب أن ندرس الشخص ذاته، ليتسنى لنا التعمق في دراسة الأزمة لأننا حتى الآن تكلمنا فقط عن المظهر الخارجي وسننتقل إلى المظهر الداخلي.

فرض النفس_الغرابة

قلنا بأن الصفة الأساسية للحياة النفسية للمراهق هي شغفه بكل ما هو غريب، والانفراد بمزايا تفرقه عن باقي الناس، ينفر من كل تافه ويرغب في الشذوذ. يقول را يندرانات تاغور: بأنه كان يشعر، حينما كان مراهقاً، بميل عجيب إلى القيام بكل ما هو غريب، حتى أنه تعمد ألا ينام ليالٍ كاملة، قاصدا بذلك السلوك خلافاً للمعتاد.

يقول مراهق في مذكراته: الغرابة هي الجديد. يجب لن يكون الإنسان مخالفاً دائماً لما كان ولما هو كائن. يزعجني كل ما هو قديم. أهزأ غالباً بالحقيقة الموجودة في فكر ما، وكل ما يهمني منها هو غير المنتظر أي المفاجئ. أشعر في نفسي بشيء من الغرابة، أحب اللهو وحينما ألاحظ بأنني السبب في استغراب الناس أسر ضمنا.

تظهر الغرابة في انتقاء اللباس وكيفية ارتدائه، وفي الأوضاع التي يأخذها المراهق، وفي اللغة وفي الكتابة وأخيراً في تفكيره وعواطفه. تظهر الغرابة في كثير من هذه الأمور أو في جميعها وما تحليها على هذا الشكل إلا لتسهيل البحث.

اللباس: يرى المراهق أنه من الضروري مخالفة رفاقه، فيرتدي ألبسة ينفرد باقتنائها وتصبح لديه بغيضة إذا ارتداها غيره فيخلعها ويفتش عن ثانية. أما الفتيات فأنهن ميالات إلى تغيير الألوان والتفتيش عن الغريب منها. ولقد دلت أجوبة المراهقين على بعض أسئلة

ص: 30

بأن حب الغرابة في الألبسة يكون غالباً حوالي سن ال14 إلى ال 16 سنة.

يُلاحظ بان حب الظهور بواسطة الألبسة يضمحل ويتلاشى تماماً من سن ال 17 سنة ويحل محله حب ما هو عائد للشخص ولحياته الخاصة: العواطف، العقائد، والفكر. فيحتقر الطالب ضيق تفكيره السابق ويقذف بكل ما هو ظاهري وخارجي عن النفس، ويسعى لفرض شخصه بواسطة المعارف والمحاكمة وكثيراً ما يرتدي بعضهم ألبسة بسيطة لا تجلب النظر. يقول طالب بسن 19 سنة: اكره الألبسة والأوضاع الخارجية التي من شأنها أن تعرضني للأنظار.

الأوضاع: يقوم المراهق بما هو غريب منها، يدفعه على ذلك عاملان: أولهما الرغبة في إدهاش الناس والثاني الحصول على لذة وطمأنينة بقطع النظر عن المحيط. يصفر أحدهم بأصابعه، ويقوم آخر بحركات رياضية غريبة أو صعبة بالنسبة لرفاقه، ويغني البعض الآخر بشكل خاص. وهناك من ينفرد في أمكنة منعزلة للتدخين، أو يترك المدرسة لنزهة ليلية في بستان أو حديقة الخ. . .

اللغة والكتابة: لا يقل حب الغريب من الكلام أهمية عنه في الأوضاع، إذ يحتاج إلى خيال واسع. يحفظ الفتيان أمثلة ويستعملونها في مناسبة كأجوبة مقتضبة. يتلاعبون بالألفاظ أي يستهدفون من الكلمة معنىً ظاهراً وآخر مجازياً. يخترعون بعض الرموز للتفاهم بها كتابيا. أليست كل هذه المحاولات هي مخالفة للمعتاد وهي فرض النفس بالقيام بأمور تميزهم عن باقي الناس؟ يلاحظ تغير ظاهر في الكتابة عند الطلاب بسن 13_15 سنة فيتركون الكتابة المعوجة التي تشاهد عند الأطفال لينتقلوا إلى كتابة شخصية، فيها طابع الفرد. وتظهر الغرابة أيضاً في شكل التواقيع. يجاوب الكثير منهم عن سبب اختيارهم هذا الشكل دون غيره: بأنهم يحبون أن يتفردوا بما لا يعرفه أحد، ويبتدعون دون أن يفرض عليهم شي:

التفكير والعواطف: أما الناحية الفكرية والعاطفية فإنها لا تقل عن غيرها بطابعها الغريب، إذ يعمد المراهقون إلى التفكير بأمور لم يعالجها غيرهم، ويأخذ لهذا التفكير اتجاهين: المحاكمة المنظمة، والأحلام. يتمركز انتباههم نحو مسألة يحاولون حلها. ويقومون بمناقشات حول المبادئ، باستنتاجات تقودهم في بعض الأحيان إلى قبول ما هو غير

ص: 31

منطقي، فيعتدون عن الحقيقية وما ذلك إلا لتفضيلهم ما هو ناتج عن تفكير شخصي.

نرى الميل إلى الغريب أيضاً من العواطف، غير إن هذه تحاول أن تختبئ على عكس باقي الأمور، وتظهر غرابتها بشدتها وبعنفها وبلذتها وبكرمها وبخلودها، أي تتحلى بصفات خارقة للعادة.

يظهر لنا مما مر بأن المراهقين يشغفون بالغريب ويعرضون عن التافه ويؤكدون بأن جمال الغريب وروعته تنحليان ببعدهما عنه. ويرون في التافهة ضعفاً للشخصية ومرضاً قتالاً.

لم نبحث حتى الآن إلا المظهر الفردي للأزمة ولا شك بأن هناك مظهراً آخر

هو حب العمل الاجتماعي وهو / سن الفرق /. يبدأ بالظهور لدى الفتى اعتبارا من السنة الحادية عشرة حتى السادسة عشرة.

إن دراسة هذه الجمعيات الصغيرة تكشف لنا القناع عن رغبة المراهقين في استعمال رموز وإشارات يدهشون بها الناس غير أن هذا الشكل من الأزمة يتحول في سن السابعة عشرة إلى الابتعاد عن كل ما هو جماعي، حتى محاربته إذا اضطر المراهق إلى البقاء فيه. إنها لمشكلة كبيرة لا حظها جميع قادة الكشفية في العالم. وطرحت على بساط البحث والنقاش في المؤتمر الدولي للكشفية الذي عقد في لاهاي سنة 1937 وكنت ممن خدمهم الحظ بحضوره. لقد عولجت هذه المشكلة بتنظيم فرق النجادة على أساس جديد. فهي تسمح للمراهق أن يقوم بأعماله بصورة فردية أو مع واحد أو اثنين من رفاقه.

إن الملاحظة تسمح لنا بإبراز صفتين تتعلقان بغرض النفس: أولهما أن الطالب يظهر بمظهر الرجل في الخامسة عشرة من عمره، لأنه يرغب في الانتقال من سن الطفولة إلى الجولة، وثانيهما ظهوره بمظهر الطفل في سن العشرين. ويفسر بعضهم هذا الحادث وهذا الرجوع إلى الوراء بكره الطالب سلوك جميع الناس، إذ يرى صعوبة في قبول عاداتهم وتطبيقها. وهناك بادرة يمكن ذكرها بهذه المناسبة هي: إن المراهقات يبتعدن عن المظاهر الغريبة التي يقوم بها المراهق غير أنهن يملن إلى كل ما هو غريب من الناحية الفكرية والعاطفية، فهن شاعرات أكثر من الذكور.

سن الأنا أو الشعور بالشخصية

1_

اكتشاف الذات

ص: 32

هي مرحلة من الحياة شديدة الاضطراب. تبدأ في سن 13_14 سنة فيشعر الطالب بأنه تعرف إلى نفسه وإن شعوره بوجوده أصبح قوياً وعميقاً، فيتفتح أمامه عالم مجهولاً ويتراءى له الكون رائعاً مرتدياً أجمل الألوان. تمتد هذه المرحلة حتى سن العشرين وتكون عنصراً أساسياً للفعالية العقلية في سن السادسة إلى الثامنة عشرة.

أما الأسباب التي تؤثر في انبثاق الشخصية فهي خارجية وداخلية، ذكرنا الخارجية منه مطلع البحث ونذكر فيما يلي الداخلية منها:

القراءات: تسهل القراءات معرفة النفس والشعور بها، كقراءة روايات فيها مغامرات وأشعار حماسية وحوادث غرامية، يكون البطل فيها بالنظر للطالب الشخص المحبوب الذي يشبهه بل يعبر عن خلجات صدره ومشاعره، وبهذا يكتشف في نفسه حساسية قوية، فيعجب بها.

يكتشف الطالب نفسه بالتأمل الباطني أيضاً فيطلع على ثروته الفكرية وحصافة عقله، وكثرة آرائه، فيشعر بطمأنينة وراحة لهذه المنابع الدفاقة التي تنفجر عن روح غنية بالعاطفة النبيلة.

ويجب أن لا نظن بأن رجوعه إلى نفسه يفسح له المجال لمعرفتها وفهمها حق المعرفة والفهم. لا يرى هذه الصورة التي يكونها عن نفسه على حقيقتها إلا حينما يقترب من النضوج أي في نهاية المراهقة. أما الوحدة فإنها تعقب بصورة مباشرة الشعور بالأنا. ونرى هذه الظاهرة على شكلين: إما أن يبتعد المراهق عن الناس أجمع وإما أن يبقى معهم، غير أنه لا يشاركهم في أحاديثهم بل يحلق بخياله وتنتابه في كلتا الحالتين أويقات راحة وطمأنينة وأخرى فيها قلق وحنق.

ينمو عنه الطالب علاوة على حب الخلوة ميل إلى ما هو سر ولذا يصعب جداً معرفة ما يدور بخلد طالب ما عندما يُسأل عن بعض أمور، وهذا ما جعل دراسة سن المراهقة صعباً ودقيقاً.

2_

الاعتكاف على النفس

هو الرجوع إلى النفس والتفكير في العالم الداخلي مع الابتعاد عن الأشياء وعن الحوادث

ص: 33

الخارجية وعن كل ما هو ظاهريّ، أي هو الحياة مع أسرار النفس. نشاهد طلائعه في سن الثانية عشرة عند الفتيات والرابعة عشرة عند الفتيان، أي أنه معاصر للشعور بالأنا. ويمكننا القول بأن الحادثين متداخلان متشابكان رغم هذا التقسيم الاصطناعي.

أما العناصر التي يقدمها إلى الأنا هذا الاعتكاف على النفس فهي حس بتقدير الزمن أي الشعور بالمدة، ثم تكون تفكير شخصي أي عناصر عاطفية تتولد منه محاكمات ومفاهيم فردية، وأخيراً معرفة الذات وتفريق المراهق بين شخصه والأشياء المحيطة به معتمداً في ذلك على ثروته النفسية الفياضة.

3_

فرض الشخصية

يبدأ المراهق بفرض آرائه حينما يشعر بشخصيته وقيمتها الكبيرة ويقوم بأعمال فردية تدلنا على تشبث واعتماد على النفس. ونرى ظهور هذه الشخصية بصورة عنيفة وهجومية في بعض الأحيان. وقد يشعر الفرد بأنه مركز لكل حقيقة وما ذلك إلا لان قوة حيوية فيه تحاول التحرر والإشعاع، وميل شديد إلى المعرفة العالم أجمع دون الوقوف عند حد. تدفع هذه العوامل الناشئ إلى التجربة والعمل وإلى التغلب على كل صعوبة بإرادة قوية وعزيمة صادقة.

أما الحياة الأخلاقية فتتصف باحترام المراهق الشديد لخصيته التي اكتشفها حديثاً. ولا يرضى مطلقاً أن يتهم بالكذب أو غيره لأن التهمة من هذا النوع تجرح عواطفه النبيلة، فهو ينظر إلى الكاذب كالجبان النذل. وبجانب ذلك فهو حريص على تحمل نتائج أعماله ولا يتهرب من المسؤولية. ويعقب الشعور بالمسؤولية حب قوي لمعرفة الحقيقة. فنراه يميل إلى النقد واكتشاف الفكر ويتأرجح حماساً في سبر غور الأمور ورفع الستار عن المجهول.

والخلاصة فإن المراهقين يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن ثروتهم الفكرية كبيرة جداً ولا يمكن لأحد أن يجاريهم، فهم أشد ذكاءً وأقوى نفساً وأطهر أخلاقاً من جميع الناس، ونشاهد غالباً أن هذه النظرية المعجبة بالنفس تقودهم إلى حب السيطرة وإعطاء الأوامر.

تحرر الأنا

تبين لنا مما تقدم بأن ظهور الشخصية يتلوه اضطراب نفسي عميق يقض مضجع الناشئ

ص: 34

ويدفعه أخيراً للخروج من وحدته والتعبير عما يجول بخلده، فيسجل مذكراته، أو يكشف أسرار لصديق، أو يزداد ورعاً، أو ينتحر.

المذكرات_يسجل بعض الطلاب مذكراتهم ويبدأ لديهم هذا الميل في سن الخامسة عشرة إلى السابعة عشرة. ما الأسباب التي قادتهم إلى ذلك هي: اهتمامهم بأعمالهم الشخصية وبسلوكهم، وبتفكيرهم وبعواطفهم.

الصداقة: يحتاج المراهقون في كثير من الأحيان إلى صديق يختارونه ممن يتقارب معهم في التفكير ويطمعون وحده على أسرارهم ولا يكونون بذلك قد خرجوا عن وحدتهم إلا ليندمجوا في شخصية ثانية تشاركهم في العواطف، ويعتقد كل من الصديقين بأنه لا يمكنه التفاهم مع أي فرد من الناس سوى مع رفيقه. يقول مراهق في سن الثامنة عشرة: بأنه يرتاح جداً لصداقته مع رفيق له لأنه متأكد بأنه يحفظ له أسراره، ولأنها قطعا عهداً بأن لا يخفي أحدهما عن الآخر جميع الأمور التي لا يسمحان لا حد معرفتها.

ونرى أن هناك نوعاً من التقليد بين الصديقين لأن كلاً منهما معجب بالآخر يتبادل مع رفيقه عقائده وأفكاره وأسراره. غير أن هذه الصداقة لا تدوم بل تتلاشى مع الزمن.

التدين: أن الحياة الداخلية الناشئة تساعد على نمو شعلة الإيمان. يبدأ الهرب من التعاليم الدينية مع ظهور البلوغ ثم ينقلب هذا الهرب إلى حب صحيح وورع عميق إذ تحلق الروح نحو الخالق، وبهذه الواسطة تتحرر من انقباضها على نفسها وتستمد قوتها من العناية الربانية.

الانتحار: وهو قليل الوقوع. ينتج عن عراك نفسي طويل، ينتهي بالمراهق إلى الخروج من المأزق الذي هو فيه. ولنضرب مثلا ما كتبه طالب قبل انتحاره: إن العالم سيتخلص من مغفل مثلي. ويقصد بذلك أن الناس لم تفهمه فحكمت عليه بأنه مغفل. وكتبت فتاة انكليزية قبل انتحارها إنها الطمأنينة كبيرة يشعر بها المرء حينما يعلم بأنه بعد بضع دقائق لن يكون بحاجة إلى طعام أو نوم أو ضحك أو حزن.

جميل محفوظ

ص: 35