الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: صالح بن علي اليافعي
السنن والأحاديث النبوية
(5)
بحث العمل بالأحاديث القولية والأحاديث الفعلية
يقول حضرة الدكتور: أمّا السُّنّة القولية (الأحاديث) فبعضها نسخ بالقرآن،
وبعضها الآخر نُسِخَ بالأحاديث الأخرى. ونحن نقول: ما الدليل الذي قام لدى
حضرة الدكتور في التفرقة بين السنة القولية والسنة الفعلية؟ ولِمَ لا يكون النسخ في
الفعلية؟ وما الدليل على ذلك؟ أليس من المُقَرّر والمسلم أن أصل كل تشريع إنما
هو القول؟ وهل يعرف الواجب والحرام ، والسنة والمكروه إلى غير ذلك إلا بالقول؟
ألم يكن من المعلوم أن الأفعال تتطرقها احتمالات كثيرة إذا لم يقارنها البيان بالقول،
وقد تبقى مجملة لا يتعين المراد منها إلا به؟
يقول حضرة الدكتور: (فبعضها نسخ بالقرآن) ويقال عليه: إن نسخ السنة
بالقرآن؛ قد قال الإمام الشافعي: إنه لا يكون، حتى حَكَى بعض الشافعية عنه أنه
قال حيث وقع نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة عاضدة له.
حضرة الدكتور لم يذكر ذلك عنه، بل نقل بعض قوله ، وترك البعض ودونك
قول الإمام في الرسالة: (لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه، ثم قال: وهكذا سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا ينسخها إلا سنته) فإن جاز الاستدلال بقول الإمام
هناك جاز هنا ، وإلا فلا في الموضعين.
وقوله: (وبعضها الآخر نسخ بالأحاديث الأخرى) يقال عليه: فهذه الأخرى
الناسخة هل هي معلومة أم لا، وهل هذه هي المدونة عند أهل الحديث أم هي
أحاديث غيرها؟ وأين هي؟ وَمَنْ أدراك بها ، فإنك قد قررْتَ أنك لا تقبل النسخ إلا
أن تجد الله أو رسوله قال هذا ناسخ وهذا منسوخ ، وينقل إلينا ذلك بالتواتر؛ فَهَلَاّ
أنصفْتَ مناظريك؟
وقوله: (وعندنا أنه لن يبقَ منها شيء يجب العمل به غير موجود في القرآن)
الجواب عليه هنا أن يقال: إن هذه مجرد دعوى لا يستطيع حضرته أن يقيم البينة
عليها هو ولا غيره ، فإن في السنن من الأحكام والآداب أضعاف ما في القرآن ،
وهي بفضل الله تعالى لا تخالف مقاصد القرآن ، وهي مطابقة للعقل ، ولا يمكن أن
يستغني عنها البشر ، ولولا خوف الإطالة لأتينا بجمل منها ، وبيّنا ما لها وما عليها ،
ومقدار الحاجة إليها فليتتبع ذلك حضرته.
بل نقول: ولا يبعد أن القرآن محتاج إلي السنة أكثر من احتياج السنة إليه،
يوضحه أن القرآن الكريم ذو أوجه والسنة مبينة للمراد منه تارة وشارحة ومفسرة
أخرى. أو تأتي بأحكام زائدة على ما فيه يشرعها الله على لسان رسوله - صلى الله
عليه وسلم - لشدّة حاجة البشر إليها إظهارًا لكرامة رسوله صلى الله عليه وسلم
عليه وليتعودوا طاعته واتباعه كما أَمَر بذلك في كتابه، ولئلا تجرّهم الشبهات إلى
ردّ بيانه للكتاب الكريم. ولبسط ذلك محل آخر.
يقول حضرته: (لأنها لم تكن إلا شريعة وقتية تمهيدية لشريعة القرآن الثابتة
الباقية) وأقول: هذه دعوى وتعليل لما شاء بما شاء ، وكل أحد يمكنه أن يدعي،
فأين الدليل؟ أما قوله تعليلاً لذلك: نُهِيَتِ الصحابة عن كتابتها، فيقالُ عليه: إن
مسألة النهي عن الكتابة والترخيص فيها هي مسألة لا تدلّ على نسخ السنن النبوية
بأحد الدلالات مطلقًا، والقارئ يرى أن حضرة الدكتور قد ملأ الكون صياحًا بالإنكار
على العمل بالظّنّ، فما لنا نراه قد انسلّ هنا إلى هَدْم ما كان أسسه، ثم يَعْمِد إلى هدْمِ
القصور اليقينية، فيرد جميع السنن ويلغي طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
التي أمر الله بها في غير موضع من كتابه ، والأحاديث المتواترة لفظًا ومعنًى في
وُجُوب اتباعه واتباع سنته. ويرد إجماع الصحابة، بل جميع الأمة، ما له يردّ ذلك
كله بالخرص والتخمين الذي لا يبلغ إلى أضعف مراتب الظن، بل لا يصح أن
يعتبره معتبر، فليعتبر حضرته بمناقضته لنفسه بنفسه.
إن أمر النهي عن الكتابة لم ينقل إلينا متواترًا، بل قد اختلف في رفعه إلى
المعصوم صلى الله عليه وسلم وفي نسخه، وقد عارضه ما هو أقوى منه، ولم
ينصَّ فيه على أن المراد منه أن السنن موقت شرعها، أو أنها منسوخة بعد مُدّة كذا
من الزمن ، ولا أنه نُهِيَ عنها لأجل أن تندثر السنن بطول الزمن. إن أحد هذه
الأمور التي ذكرناها تمنع الاستدلال على ما قصده حضرة الدكتور، فكيف يصح أن
يكون ما هذا حاله معارضًا لجميع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وإجماع
الصحابة، بل وسائر المسلمين! فطاعة الرسول ووجوب اتباع سننه معلوم
بالضرورة من دين الإسلام - لا سِيَّمَا إذا كان حديث النهي عن الكتابة مُعَلّلاً بعلة
منصوصة عن رواية، وهو خوف الالتباس بالمصحف. وكل من روي عنه من
الصحابة النهي أو الامتناع عن كتابة الحديث فهو دائر على هذه العلة، كما صرحوا
بذلك. ومنهم من خاف أن يقع في الوعيد على الكذابين، ومنهم من نهى عن كتابة
رأيه ، فاشتبه ذلك على الناظرين ، فظنوا أنه نهي عن كتابة السنة النبوية، وليس
الأمر كذلك - فالقول بأن نهيهم عن كتابة العلم أو الحديث نصّ في النهي عن كتابة
السنن النبوية هو قول بالخرص.
ثم هل يجوز لمن لا يُجَوِّز العملَ بالظن أن يأخذ أقوالهم في أمر قد صرحوا
بسببه أن يتركه ويهمله ، ثم يحمل قولهم على غير ما أرادوه، بل على ما نُهُوا عنه،
وهو ترك اتباع السنة واعتقاد وجوب اتباعها. ثم نقول: الحقُّ أن الأمور المعللة
يدور حكمها مع عللها، وحيث زالت العلة زال الحكم، وهو هنا خوف الالتباس
بالمصحف، فقد وقع الإجماع على جواز - بل استحباب - كتابة الحديث، وقال
بعضهم بالوجوب، وهو الحق. هذا كله إذا سلمنا أن حديث النهي مرفوع وأنه غير
منسوخ. ومن اطلع على القاعدة الأصولية من أنه إذا وقع التعارض بين دليلين
أحدهما مانع والآخر مرخص مثلاً ، عرف أن الإجماع على كتابة السنن غير
معارض لنص؛ لأنه بعد تساقط الدليلين المتعارضين، أعني حديث النهي عن
الكتابة وأحاديث الأمر والترخيص فيها، تبقى البراءة الأصلية ، والإجماع إن لم نقل
هو حجة، فهو مؤيد لها.
ونحن نسأل حضرة الدكتور، هل حكم حديث النهي عامّ وباقٍ أم لا؟ فإنْ قُلت
بالأخير، فقد وافقتنا، وحينئذ لا يصحّ لك الإلزام به. وإن قلت بالأول لزمك أن
تمنع عن كتابة جميع العلوم المستنبطة من القرآن بل أولى من ذلك كله أن تمنع عن
كتابة سائر العلوم.
إن كان الاختلاف في كتابة السنة قادحًا في العمل بها مسوغًا لاقتراح أن علة
ذلك وسببه كونها شريعةً مؤقتةً - فإن الاختلاف قد وقع في جميع القرآن وكتابته،
وأول من خالف في ذلك الخليفة الأول ، ثم رجع إلى قول عمر رضي الله عنه
قِيل يسوغ أن يقال: إن الصِّدِّيق رضي الله عنه لم يخالف في ذلك إلا لأن شريعة
القرآن مؤقتة؟ لا - لا - في الأمرين، فإن قيل: إن الصِّدِّيق قد وقع الإجماع عليه،
والفاروق لما سأل الصحابة رأيهم في جمع السنن أشاروا عليه بجمعها، ولكنه
خالفهم للسبب الذي ذكرناه، كما صرح بذلك هو؛ إذ لم يحن له الوقت المناسب
الذي يزول فيه خوف الالتباس، ولما كان هو إذ ذاك صاحب الأمر لم يستطع من
أشار عليه منهم أن يفعل غير ما أمضاه الخليفة.
ومن تفكر في أهل زماننا بل منذ أزمان قديمة رأى صحّة هذا التعليل
المنصوص دراية كما هو صحيح رواية ، فإنك تجد مصداق ذلك فيما نراه من
انكباب الناس وانهماكهم على كُتُب شحنت بآراء مشايخهم وأسلافهم حتى جعلوها
كالمصاحف، بل قدموها على المصحف وعلى السنة النبوية على صاحبها ألف
صلاة وتحية.
أما قوله: (ولم يعاملها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بالعناية
التي عُومِلَ بها القرآنُ لِتزول مِن بينِ المسلمين وتندثر) فأقول: أي المعاملات يريد
حضرة الدكتور؟ فإنْ كان يريد أن القرآن يمتاز بأنه كلام الله لفظًا ومعنى، وأنه
معجز متحدّى به، وأنه متعبّد بتلاوته، وأنه كلام الخالق غير المخلوق ونحو ذلك ،
فهذا صحيح وسنن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تعامل بهذه
المعاملة كلها، فكما أن الله جلَّ وعلا هو الربّ والإله المعبود ومحمد - صلى الله
عليه وسلم - عبده ورسوله وداعٍ إليه بإذنه ، فلا يعامل بما يعامل به الإله مما يخصّ
الألوهية والربوبية ، فكذلك كلامه صلى الله عليه وسلم لا يعامل بما يعامل به
القرآن من كل الوجوه كما تقدم، وإن أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يعامل سنته بما يعامل به القرآن مِن حيثية التشريع ، كأن يأمر الأمة بما لا يجب
الائْتِمَار به ، وينهاهم عمّا لا يجب أن ينتهوا عنه ، أو أنه يعتقد ذلك ، أو أن
أصحابه يرون عدم وُجُوب اتّباعه في جميع أقواله وأفعاله ، وفيما شرع الله مِن الدِّينِ
على لسانه، فإرادة هذا منه صلى الله عليه وسلم أو منهم هو أمحل المحال،
وحضرة الدكتور نجله أن يعني ذلك، فمن زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم
أوجب ما ليس بواجب ، وحرّم ما ليس بحرام على الأمة، وأنه يعلم ذلك ويعتقده،
أو أن أصحابه يعتقدون ذلك، أو أنهم لم يأتمروا به.. إلخ، فخطؤه فوق كل خطأ،
وافتراؤه فوق كل افتراء، ومع ذلك كله هو غير مستند إلى شيء يصحّ الاعتماد
عليه حتى ولا شبهة.
فقول القائل: إن ما أوجبه أو حرمه النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو
مقيّد بوقت حياته - هل يصحّ ويثْبُت بدعوى عدم الكتابة أو دعوى النهي عنها أو
أنها لم تكتب مدونة مرتبة؟ قد قدمنا أن عدم الكتابة مطلقًا لم يرد فيها إلا حديث
واحد قد اخْتُلِفَ في رفْعِه وسبب النهي منصوص كما قدمناه مع معارضته لما هو
أصحّ منه.
فهل يصح أن يكون ذلك الحديث المذكور ناسخًا للآيات الكثيرة القرآنية
المصرحة بوجوب ولزوم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه؟ إنّ
طاعة الله لا ينازع أحد في وجوبها في وقته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته،
وإنها - أي طاعة الله - واجبة علينا كما هي واجبة على أول الأمة.
لكنّا نرى القرآنَ مصرّحًا بأنّ طاعة الله مشروطة بطاعة الرسول - صلى الله
عليه وسلم - وهل طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الائتمار بأمْرِه
والانتهاء لنهيه، وإلا لم تكن له طاعة ، وقد عرفت ثبوتها ودَلَّ القرآنُ عليها نصًّا
كما يأتي، وهي لا تكون إلا في سننه القولية، كما قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ
رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً * مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ
عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} (النساء: 79-80) أمّا الاتِّبَاع والتَّأَسِّي، فيكون في الفعلية العمليّة
والقوليّة.
مهما يمكن لأحد أن يعبّر عن وُجُوب اتّباع أحد وطاعته لا يمكنه أن يعبّر عن
ذلك بأكثر وأوضح مما عبّر الله به في وُجُوب اتباع رسوله محمد - صلى الله عليه
وسلم - فإنْ كان ذلك قابلاً للتشكيك لزم أنْ لا يوجد في العالم خير يوثق به وبدلالته.
إن الله جلّ شأنُه لم يأمر بطاعته في القرآن إلا وأمر بطاعة رسوله - صلى
الله عليه وسلم - معه ، بل قد يُفْرِدُ الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
ويجعلها شرطًا لطاعته ولم يفرد طاعته عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
ثم هو تارةً يأمر باتباعه ، وتارةً يأمر بالتحاكم إليه ، ويجعل ذلك من شرائط الإيمان ،
وكذلك تسليم ذلك له ، وعدم وجدان الحرج - وتارةً يأمر بالتأسّي به ، وتارةً يقول:
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر: 7) ، وتارةً يُعْلِمنا
بأنه المبلّغ عنه المؤتمن ، وتارةً ينسب التحليل والتحريم إليه صلى الله عليه وسلم
- ثم نراه ينبّه في محلّ آخرَ بأنّه لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلاّ وَحْيٌ يُوحَى -
وتارةً يأمره أنْ يحكم ، وأن لا يحكم إلا بما أراه الله - وتارةً يقول له: {قُلْ إِن كُنتُمْ
تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران: 31) ، فجعل اتباع الرسول -
صلى الله عليه وسلم مقدمًا على طلبتهم محبة الله وبابًا لمحبة الله لهم وهذا لا يمكن
أن يخص بقوم دون قوم وزمان دون زمان - وتارة ينهى عن التقدم بين يديه بقول أو
فعل، وتارة ينهى عن التولي عنه وعن أمره - وتارة ينهى عن مخالفة أمره، وتارة
ينهى عن التسوية بين دعائه ودعاء غيره، وقد قرر أنه الداعي إلى الله حتى إنهم
كانوا يرون إجابته غير مبطلة للصلاة، وتارة وتارة يحذر عن مخالفتهم أمره:
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (النور: 63) الآية - وتارة ينهى أن يجعلوا
لأنفسهم الخيرة من أمرهم مع أمره - وتارةً ينهى عن مشاقّته، وأن من شاقّه فقد
شاقّ الله، وتارةً يجعل من صفات الإيمان بالله المبادرة إلى طاعة الرسول - صلى
الله عليه وسلم - إلى غير ذلك مِن أساليب التعبير والتفنن فيه لإيضاح وُجُوب اتّباع
الرسول صلى الله عليه وسلم فإن القرآن ملآن مِن أوله إلى آخره بذلك حتى
القصص ، فإنها إنما سِيقَت للاعتبار وليطاع الله ويطاع رسوله - صلى الله عليه
وسلم - ويتبع وليؤمن الناس بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فهل يصحّ أنْ يهدم هذا كله بشبهة حديث أبي سعيد رضي الله عنه على
ما فيه مما قدمناه؟ أم هل يسوغ أن يقال: إن الصحابة رضي الله عنهم خالفوا
ذلك كله ، وإنهم لم يعتنوا بسنته إذا رأينا أحدهم احتاط في الرواية ، أو حكم بخلاف
السنة بعذر أنها لم تبلغه ، ولو بلغته لرجع إليها كما قد شوهد عنهم الرجوع إليها في
جميع أحوالهم، وهل يصحّ اعتبار قول مَن خالف ما ذكرناه كائنًا مَن كان ما لم يكن
عن الله أو عن رسوله ، وقد عرفت حكمها في ذلك.
فكيف يصح قول الدكتور إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم
يعاملوا السنن النبوية بغير ما عاملوا به القرآن إلا لتندثر وتزول من بين المسلمين
مع ما عرفت مما قدمناه عن القرآن. وَلِمَ لَمْ يصرح الله ولا رسوله - صلى الله
عليه وسلم - ولا أصحابه رضي الله عنه بما صرح به حضرة الدكتور؟
إنّ مَن تتبع أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ووصاياه ومواعظه وخطبه
يجدها موافقة لِمَا دلّ القرآن عليه، ومناقضة لما زعمَه حضرة الدكتور: (إنِّي
تَارِكٌ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي) ، والأحاديث متواترة في أمْرِه
صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عنه، وفي وجوب اتباع سننه أيضًا تواترًا معنويًا،
أما أقوال الصحابة رضي الله عنهم في اتباع الكتاب والسنة، فأكثر من أن
تستقصى، بل ذلك إجماع عنهم وعن سائر المسلمين، وكل ما خالف الكتاب والسنة ،
فإنما هو عند الصحابة رضي الله عنهم من الرأي المذموم، وهو الظن
المشئوم الذي حذر الله عنه في كتابه ، فحمله حضرة الدكتور على الرواية والمروي
بلا بيّنة، بل بناءً على اصطلاح المصطلحين. على أن كل مَن سِوَى الرسول
صلى الله عليه وسلم غير معصوم من الخطأ والسهو.
هذا ولا يحيط بسنته صلى الله عليه وسلم إلا مجموع الأمة ، وما عند
الأمة من ذلك قد دوّن وها هو بين أيدينا ، فهلمّوا بنا إلى اقتفائه واتباعه - صلى الله
عليه وسلم - الذي لا حياة ولا نجاة لنا إلا به {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: 46){فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (النور: 63) الآية
{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ} (النور: 52)
نسأل الله لنا ولأخينا الدكتور الهداية والتوفيق لصراط الذين أُنعم عليهم من النبيين
والصِّدِّيقِينَ والصالحين، وأن يوفق من أراد له الهداية، إنه سميع مجيب ، وآخر
دعوانا أَنِ الحمد لله ربّ العالمين ، وصلى الله وسلم على رسوله الأمين وآله
وأصحابه الطيبين ومتبعيهم بإحسان إلى يوم الدين آمين.
…
...
…
...
…
... كتبه بيده وقاله بفمه
…
...
…
...
…
الحقير صالح بن علي اليافعي عفا الله عنه
(المنار)
إذا أراد الدكتور محمد توفيق أفندي صدقي أن يرد على هذه الرسالة، فالمرجو
منه أن يبين ما يراه منتقدًا منها بالاختصار ، ولا يطيل في أصل الموضوع، وأن
يُسلِّم بغير المنتقد عنده تسليمًا صريحًا.
((يتبع بمقال تالٍ))
_________