المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أميل القرن التاسع عشر - مجلة المنار - جـ ٨

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (8)

- ‌غرة المحرم - 1323ه

- ‌فاتحة السنة الثامنة

- ‌فتاوى المنار

- ‌رسالة البدعة في صلاة الظهر بعد الجمعة

- ‌انتقاد شواهد الطبعة الأولى من تفسيرابن جرير الطبري

- ‌التقريظ والانتقاد

- ‌الأخبار والآراء

- ‌تقريظ المنار

- ‌16 المحرم - 1323ه

- ‌حياة الأمم وموتها

- ‌رأي عالم أزهري في العلماء

- ‌تقويم المؤيد لعام 1323

- ‌الأخبار والآراء

- ‌الشيخ عبد الباقي الأفغاني(وفاته)

- ‌غرة صفر - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(1)

- ‌التحكيم بين الزوجين في الشقاق

- ‌(الأرض)دليل حركتها من القرآن

- ‌شهادة غير المسلم وخبره

- ‌رأي عالم أزهري في العلماء

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌البدع والخرافات

- ‌16 صفر - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(2)

- ‌فتاوى المنار

- ‌فتوى ابن حجر في تحريم الاجتماع للموالدوغيرها من البدع

- ‌أحوال المغرب الأقصى

- ‌غرة ربيع الأول - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(3)

- ‌فتاوى المنار

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 ربيع الأول - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(4)

- ‌تزويج الشريفة بغير كفءوسبّ العلماء، وإهانة كتب العلم

- ‌مصرف الهدايا والنذورلأضرحة الأولياء

- ‌تلقين الميت وأين يجلس الملقِّن

- ‌رش القبر بالماء

- ‌شعر الرأسحلقة أو تركه

- ‌صلاة الظهر بعد الجمعةوالخلاف في الدين

- ‌التقريظ

- ‌رأي رجل عظيم في المسلمين والمناروترك الأستاذ الإمام للأزهر

- ‌صدى الحادثة في أورباأو مقاومة النفوذين الفرنسي والإنكليزي للأستاذ الإمامفي الإصلاح

- ‌الاحتفال بالعيد المئوي لمحمد عليوالإيماء لانفصال مصر عن تركيا

- ‌غرة ربيع الثاني - 1323ه

- ‌ذبائح أهل الكتاب في عصر التنزيل

- ‌عذاب القبر

- ‌الحكمة في إنزال القرآن

- ‌استطراد في حفاظ القرآن بمصروحادثة جديدة

- ‌التقريظ

- ‌حضرموت واليمن

- ‌تنازع الدول في جزيرة العرب

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌استدراك

- ‌16 ربيع الثاني - 1323ه

- ‌الاتصال بين الآيات والسوروجمع القرآن

- ‌بلاد روسيا دار حرب أو إسلاموالروسيون كتابيون أم وثنيون

- ‌عمل الفقهاء بأقوال مذاهبهموإن خالفت الحديث الصحيح

- ‌إيراد على ترك التقليد

- ‌خرافة في سبب تحريم الخمر

- ‌التقريظ

- ‌انطفاء فتنة نجد واستقرار الأمرفي آل سعود

- ‌لائحة المساجد وما أنفذ منها

- ‌محاربة الوهم للعلمأو تأثير السعاية في الدولة العثمانية

- ‌حذر حكومة مدينة حلب من الثورة

- ‌الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌الوفدان الفرنسي والألمانيفي بلاد العرب

- ‌جمعية العروة الوثقى الخيرية

- ‌غرة جمادى الأول - 1323ه

- ‌المسلمون والقبط [*]أو آية الموت وآية الحياة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌أعمال مجلس إدارة الأزهر

- ‌تاريخ دول العرب والإسلام

- ‌كتاب زهر الربيعفي المعاني والبيان والبديع

- ‌الروزنامة التونسية

- ‌تذكار المهاجر

- ‌أنباء سوريا المزعجة- الدولة والرعية

- ‌نظرة في المبارزة

- ‌إصلاح الطرق الصوفية

- ‌مرض الأستاذ الإمام

- ‌اعتذار للقراء الكرام

- ‌إعذار بعد اعتذار

- ‌رأي غريب في عاقبة السُّكر

- ‌افتخار جريدتياللواء والعالم الإسلامي بالكذب

- ‌16 جمادى الأولى - 1323ه

- ‌مصاب الإسلام بموت الأستاذ الإمام

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(1)

- ‌غرة جمادى الآخر - 1323ه

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(2)

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌شكر واعتذار

- ‌16 جمادى الآخر - 1323ه

- ‌مرثية محمد حافظ أفندي إبراهيمفي الأستاذ الإمام رضي الله عنه

- ‌المنار الإسلامي واللواء الوطني

- ‌مشروع بناء مسجد في باريس

- ‌غرة رجب - 1323ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المجلد الأول من كتابأشهر مشاهير الإسلام

- ‌تاريخ التمدن الإسلامي

- ‌مرشد الهداياتإلى واجبات الحلاقين والدايات

- ‌ديوان الرافعي

- ‌حقوق المرأة في الإسلام

- ‌كتاب الرسائل الزينبية

- ‌تبرج النساء في مصر

- ‌خنوثة الرجال وفسوقهم

- ‌الحداد والمآتم

- ‌16 رجب - 1323ه

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(4)

- ‌المصاب العظيمبوالدنا البر الرحيم

- ‌نعيه إلينا وتعزيتنا عنه

- ‌غرة شعبان - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(5)

- ‌تزويج الشريفة بغير شريفوفضل أهل البيت

- ‌ضمان البضاعةوسلع التجارة والسيكارتو

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌تأبين الأستاذ الإمام

- ‌كتاب تعزية من عالم إنكليزي

- ‌16 شعبان - 1323ه

- ‌مذهب السلفوطريقة الحنابلة في التأليف

- ‌إعطاء الزكاة والصدقة للشرفاءومعاملتهم

- ‌لعن معاوية والترضي عنهوفيه حكم اللعن مطلقًا

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌تاريخ الأستاذ الإمام

- ‌شكر بعد شكر

- ‌غرة رمضان - 1323ه

- ‌نموذج آخرمن شرح عقيدة السفاريني

- ‌الحياة الزوجية(6)

- ‌أسئلة من سنغافوره

- ‌دعوى الرقيقةبعد موت السيد أنها أم ولد له

- ‌تفسير.. (فإذا هما اجتمعا لنفس مرة)

- ‌أسئلة من الجزائر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌البداوة من باب الآثار الأدبية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 رمضان - 1323ه

- ‌الدين في نظر العقل الصحيح(4)

- ‌(دعوة اليابان إلى الإسلام)

- ‌نصائح صحية للبنات من مجلة أبقراط

- ‌تاريخ الإصلاح في الأزهرأو أعمال مجلس إدارة الأزهر

- ‌تفسير الفاتحة ومُشْكِلات القرآن

- ‌إحصاء رسميلخسائر الدولتين في الحرب الأخيرة

- ‌تبرج النساء وأنصار الحجاب

- ‌موعظة وعبرة في وفاة حرة

- ‌غرة شوال - 1323ه

- ‌تقرير مشيخة علماء الإسكندرية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 شوال - 1323ه

- ‌الدينفي نظر العقل الصحيح(6)

- ‌روابط الجنسية والحياة المليةوفلسفة الاجتماع البشري

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة ذو القعدة - 1323ه

- ‌الحياة المِليَّة بالتربية الاجتماعية

- ‌تقرير مشيخة علماء الإسكندرية

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌شيخ الأزهروزينة الكسوة والمحمل،حكم الفرجة عليهما

- ‌16 ذو القعدة - 1323ه

- ‌تجارة الرقيقوأحكامه في الإسلام

- ‌أسئلة من دمياطتتعلق بقصة المولد النبوي

- ‌تعليم اللغات

- ‌مسلمو الصين والإسلام في اليابان

- ‌غرة ذو الحجة - 1323ه

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(5)

- ‌تتمة أجوبة الأسئلة الدمياطية

- ‌قصة المولد لدبيع

- ‌فائدة عظيمةفي بحث العمل بالحديث الضعيف

- ‌إزالة وهم

- ‌أبونا آدم ومذهب دارونمن باب الانتقاد على المنار

- ‌16 ذو الحجة - 1323ه

- ‌اشتراطالولي في النكاح

- ‌طعام أهل الكتاب ومجاملتهم

- ‌مسألة خلق أبينا آدم

- ‌انتقاد شواهد الطبعة الأولى من تفسيرابن جرير الطبري

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌خاتمة السنة الثامنة

- ‌شرط الاشتراك في السنة التاسعة

- ‌كلمة مع تحية المنار لقرائه المصطفين الأخيار

الفصل: ‌أميل القرن التاسع عشر

الكاتب: عبد العزيز محمد

‌أميل القرن التاسع عشر

المكتوب الثالث من أميل إلى أمه [*]

إفضاؤه إليها بحبه لقينة من الممثلات - كيف تعلق قلبه بها - ستعلامه

سيرتها- تمنيه إنقاذها مما هي فيه- طلبه المغفرة من أمه بعد اعترافه لها بالحب.

تحريرًا في 12 مايو سنة 186.

إني منذ عرفت نفسي ابنك أبثك جميع ما يسوءني وما يسرني، وما أكره وما

أحب، وأكاشفك بالخير والشر، ولا أكتم عنك شيئًا حتى إني لما كنت بحضرتك ما

كنت في حاجة إلى البيان؛ لأنك كنت تطالعين أفكاري في عيني وتبصرينها تجول

على جبيني، وهذه أول مرة لي في حياتي أسررت فيها سرًّا

وليت شعري أأبوح

به إلى قصب نهر الرين؟ إذًا لتضاحك مني كما تضاحك من أذني الملك ميداس [1]

أم أبثه إلى القمر؟ كلا فقد سمع كثيرًا من أمثاله أم أكنه في قلبي؟ إذن لأنَّبتني عليه

سريرتي. ما أنا بفاعل شيئًا من ذلك بل أريد أن أودعه صدر أمي.

على أن الإفضاء به ليس من السهولة بالمقدار الذي كنت أتوهمه فإني ما

أنشأت أخط هذه السطور الأولى من مكتوبي حتى ارتعشت يدي، وخفق قلبي ولست

إخالك إلا ساخرة مني، ولكن أقل ما أنا واثق به منك أنك لن تجدي علي أن صدقتك

الخبر؛ وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من إفشائه، وهو أني أحب.

الآن أراك تسألينني من هي التي تحبها، وأين رأيتها، وكيف عرفتها، وفي

هذه الأسئلة ما يزيدني حيرة وارتباكًا. في مدينة (بُن) ملعب من الطبقة الثانية

غير أنه مشهور بحسن اختيار القصص التمثيلية؛ فمما يمثل به قصة مريم

استوارت [2] ، وقصص شيلار [3] وقصة غويت عن فوست ومرغريتة [4] وغيرها

من القصص الشهيرة. وللموسيقى والأغاني الموقعة عليه في هذا الملعب يومان أو

ثلاثة تحل فيها محل الأدبيات والوقائع التمثيلية، وأنا أذهب إليه في بعض الأحيان

لسببين أولهما ترويح نفسي من عناء الدرس، وثانيهما إيلافها أصوات اللغة الألمانية؛

فمن نحو شهر ابتدأت قينة بافييرية [5] فتية تغني على الموسيقى هناك، وكان أول

ما غنته (قصة النبي) من توقيع مايربير فبلغت من الإجادة في تغنيتها إلى حد أن

جميع طلبة الجامعة كانوا يلهجون بذكرها كأنها آية من الآيات؛ فجريت معهم في

مصاف الإعجاب بها ولما انطلقت إلى الملعب؛ ورأيتها في باحة التمثيل كان كلي

عيونًا تبصر، وآذانًا تسمع، وليس صوتها هو الذي اشتد إعجابي به مع كونه من

أندى الأصوات وأندرها، بل الذي ملأني إعجابًا هو ما في تغنيتها من الروح، بل ما

في خلقها من الحسن والإتقان فبتُّ ليلي كله أحلم بها، ولا يفارقني طيفها، وكنت

أراها بين الأفلاك السماوية، وأسمع أنغام الكواكب الموسيقية؛ فكأن فيثاغورس [6]

كان يحب قينة عندما كان يحدث تلاميذه عن حسن ألحان النجوم.

ولخوفي من انقضاء إعجابي بها فيما يلي من التمثيل عاهدت نفسي على أن لا

أتخلف إلى الملعب ليالي تغنيتها، ولكني ما استطعت أن أوفي بعهدي وقد انتفى

عني كثيرًا خوف إقلالي من التحمس في حبها بما اكتشفته فيها على توالي الأيام من

الخصائص الجمة التي لم أكن لاحظتها من قبل، ولا بد من الاعتراف لَكِي بأني كنت

أجلس من الصف المواجه لباحة التمثيل بحيث أكون مرئيًّا لها، وقد حسب لحظي

مرة أو مرتين أنه لاقى لحظها

ولكن ربما كان هذا ضلالاً، ومع أن التمثيل

كان يمكث أكثر من أربع ساعات كنت دائمًا أجده في غاية القصر، وأغادر مقعدي

في ختامه وقلبي مفعم بما لا يوصف من الاضطراب.

خطر في ذهني أن أخاطبها بأبيات من الشعر أنظمها وأرسلها إليها غير ممضاة

مني على يد بواب (الملعب) الهَرِم؛ ففعلت؛ وكنت أقول في نفسي وقت نظمها أن

أقل فائدة لي منها أن تعلم أن واحدًا من الناس يحبها، ولكنها كانت أبياتًا رديئة وأقر

بأنها ما كانت تؤدي نصف ما كنت أضمره لها من عواطف الميل وهذا ما دعاني

إلى عدم الاعتقاد بصحة ما قيل من أن الشعر من لوازم الحب كما قرأته ذات مرة

في بعض الكتب، وليس في قدرة أحد ممن عدا المصطفين من الخلق أن يعبر عن

كل ما يجده في نفسه، ويا ليتني كنت واحدًا من هؤلاء النوابغ الممتازين.

كنت من مساعي في القرب من هذه الفتاة واقفًا عند الحد الذي بينته لك فبينما

أنا في يوم من أيام الآحاد أجوب المنتزه الذي تجتمع فيه نساء المدينة في نحو

الساعة الثانية بعد الظهر؛ إذا بها أقبلت آخذة نحوي في مخرف؛ فخطر ببالي أولاً

أن أتنكب هذا المخرف لسلوك إحدى السبل المقاطعة له؛ لأنه كان يخيل لي أن

سأصفق مما قام بنفسي من ضروب الانفعال والاضطراب غير أني تثبت ومشيت

مشيت الجندي الباسل الذاهب إلى حومة الوغى فرأيتها في بزة بالغة من الرونق

غايته على بساطتها. وارباه! كم وددت لو كنت في تلك الساعة قفازها أو زهرة

قلنسوتها أو مظلتها التي تقيها حر الشمس؟ أقول ذلك وإني لأعلم أنه كان مني

قبيحًا ولكن لا ينبغي أن أكتم عنك شيئًا من مواضع ضعفي.

إن في اللحظ خاصة الجذب فإني كنت آنس من لحظي إذا رنوت إليها أن كله

إقرار، وتصريح بالحب، ولما مر كل منا حذاء صاحبه جرى على وجهي لألاء

حسنها كما يجري لمعان البرق، ولم أجسر على الالتفات خلفي إلا بعد أن جاوزتها

بثلاثين خطوة فرأيتها قد بعدت عني مهرولة غير أني بصرت في المسافة التي بيني

وبينها بشيء أبيض يخفق خفوق جناح الحمامة من صفق الريح إياه فما تريثت في

التقاطه فإذا هو منديلها قد سقط منها

أو تعمدت إسقاطه فعدوت خلفها ودفعته

إليها فأظهرت الدهش من ضياعه، وتلطفت في إسدائي الشكر على رده وراقني أن

سمعتها تحسن التكلم بالفرنسية فلاح في ذهني أن أعرفها أني صاحب الشعر الذي

أرسل إليها، ولكني كنت من شدة الاضطراب الذي استولى على نفسي بحيث لم

أستطع تحريك شفتي بكلمة ما، ولا بد أن تكون حسبتني أبله.

يزعم العارفون بتركيب الحيوان، ومنافع أعضائه، أن الذاكرة لا تحفظ

الروائح وعذرهم في ذلك أنهم لم يحبوا في حياتهم؛ فإن منديلها وهو قطعة من

النسيج الباتستي [7] الرقيق كان يتضوع عن عطر لطيف لن أنساه ما دمت حيًّا. وفي

اليوم التالي لهذا اللقاء انطلقت إلى ما حول المدينة من الربى الزاهرة فجنيت باقة من

ألطف ما وجدته من الزهور البرية وأدلها على العفاف، ولما حان وقت التمثيل

خبأتها في قلنسوتي المدرسية وأخذت مجلسي في الملعب فغنت كعادتها بصوت يسمو

بسامعيه إلى السحاب؛ ولكن كان يخيل إلي أن هذه المرأة التي لاقيتها في الطريق

أمس ذلك اليوم أكمل من قينة، وإن كان استعدادها للتغنية مثارًا للإعجاب وبعد أن

انتهت من غنائها وانصرفت استعادها جميع السامعين فهطلت حولها باقات الزهر من

غرف الملعب والكراسي المقابلة لباحته، وآن لي أن ألقي إليها باقتي فاهتمت غاية

الاهتمام بأن تبصرني عند إلقائها مع تظاهري بالاختفاء خلف جيراني وما أدراك ما

فعلته حينئذ؟ لقد أهملت كل ما ألقاه غيري من الأزهار النادرة مثل زهرة الكامللية [8]

وزهر التين الهندي، والورد ذي الأسنة، وعمدت إلى باقتي الحقيرة المؤلفة

من أزهار برية فتناولتها وضمتها إلى قلبها، أفلا ترين في ذلك برهانًا على حبها لي؟

ستقولين لي أنت لا تعرفها، وقد تكون مخالفة تمام المخالفة لما تخيلته منها

وأنه كان ينبغي لك قبل أن تعلل نفسك بالأماني والأوهام أن تكون على بينة من

أخلاقها وكيفية معيشتها فأجيبك إن هذا أيضًا لم يفتني، وأقر بأني لم أقف من تحري سيرتها إلا على أخبار لا يزال فيها شيء من الغموض، ولم يجتمع لدي في هذا

الصدد إلا أقوال في غاية التعارض والتناقض، فأنت تعلمين مقدار ما للشبان فيما

بينهم من القسوة على النساء، ولا سيما الممثلات فقد بلغ الحسد من إفساد خلق الإنسان

إلى حد أن جعل من لذَّاته تمزيق أعراضهن مع ما لهن من الملكات التي هي مناط

الاستحسان العام ولست بمخفٍ عنك شيئًا مما يقولون؛ فبعضهم ينسب لها من هنات

الشباب ما يغير دمي، ويثير غضبي، وبعضهم يقول: إنها تعيش مع أمها في حي

منعزل عن المدينة، وقد أراني الطلبة هذه الأم تصحبها ليلاً عند خروجها من الملعب

من عامة النساء قد ذر شاربها، وإني لمتألم من تصور أن مثل تلك الزهرة قد نبتت

من هذه المدرة، ومهما يكن من وضاعة أصل تلك الجارية فمن الأفضل أن تعامل

بجميع ما يجب لفتاة مخلصة مثلها من صنوف الرعاية والتكريم.

على أننا إذا سلمنا حصول أسوأ ما يتأتى حصوله منها، وفرضنا أن سيرتها لم

تكن دائمًا، أفلا يكون الذنب في ذلك على مهنتها، وعلى من يعاشرونها من الناس؟

إني أراها بالغة من الظرف والكياسة مبلغًا أستبعد معه أن لا تكون لها نفس زكية،

وربما لم يتفق لها في حياتها أن تمثل لها الحب الصحيح المطهر للنفس بشرًا فاضلاً

كريمًا. وارباه أي فخر أناله لو أبيح لي أن أمد يدي إلى تلك الروح الملكية فأنتشلها

من درك الانحطاط الذي هبطت فيه لتعود إلى نور الهدى والفضيلة.

ها أنا ذا قد كشفت لك مكنون سري ونجوت بهذا الاعتراف من شديد زجر

سريرتي والآن أقع بين يديك راجيًا منك غفران خطيئتي. اهـ

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(*) معرب من باب تربية الشباب من كتاب أميل القرن التاسع عشر.

(1)

ميداس: بحسب ما جاء في أساطير اليونان هو ملك فريجيا وهي قطر من أقطار آسيا الصغرى اشتهر بواقعتين نذكر إحداهما فقط لاختصاصها بهذا الموضوع وهي أن أبولون بن المشترى حكمه في المناظرة التي قامت بينه وبين بان إله الرعاة في الموسيقى والشعر والفنون وكان بان صديقًا للملك فحكم له فلم يكتف أبولون في الانتقام من ميداس بسلخ جلده حيًّا بل جعل له بدلاً من أذنيه أذني حمار فغطاهما ميداس بتاج حتى لا يظهرا للناس ولما علم أن حلاقه لا بد له من رؤيتهما عاهده على كتمان أمرهما ولكن الحلاق لم يلبث أن ثقل عليه الكتمان فاحتفر حفرة في الأرض بمعزل عن الناس وأسر فيه قوله أن للملك ميداس أذني حمار فاتفق بعد حين أن نبتت في هذا المكان قصبات كانت كلما هزتها الريح كررت هذا القول.

(2)

مريم استوارت هي بنت يعقوب الخامس ملك إيقوسيا ومريم لورين ولدت سنة 1542 م وماتت سنة 1587 تزوجت بولي عهد فرنسا (من أول حكم فرنسيس الثاني) وبعد موت زوجها رجعت إلى ايقوسيا وتزوجت بهنري درنلي ثم بالكونت بوتويل ثم ثار عليها رعاياها فلاذت باليصابات ملكة إنكلترا التي حبستها 19 سنة ثم أمرت بإعدامها.

(3)

شيلار شاعر ألماني شهير ولد سنة 1759 م ومات سنة 1805 ومن أشهر قصصه المحزنة النهبة، ووالا نشنين، وغليوم تل.

(4)

غويت واسمه جان ولف جانج هو أكبر كاتب ألماني ولد في فرنك فور سيرلين سنة 1749 م ومات سنة 1832 وفوست اسم لشخص خرافي مشهور في حكايات الألمان بأنه تعاهد مع الشيطان.

(5)

نسبة إلى بافيير إحدى ولايات ألمانيا.

(6)

فيثاغورس فليسوف يوناني ولد في ساموس سنة 569 ق م ومات سنة 470 أقام بمصر وبابليون مدة طويلة ثم رجع إلى بلاد اليونان وأسس مدرسة في كروتون وهو أول من قال بالتناسخ وعرف نظام العالم الحقيقي.

(7)

الباتستي نسبة إلى باتست وهو أول صانع لهذا النسيج.

(8)

الكامللية زهرة يابانية جلبها إلى أوروبا مرسل ديني اسمه كامللي فنسبت إليه.

ص: 593