المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رسالة البدعة في صلاة الظهر بعد الجمعة - مجلة المنار - جـ ٨

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (8)

- ‌غرة المحرم - 1323ه

- ‌فاتحة السنة الثامنة

- ‌فتاوى المنار

- ‌رسالة البدعة في صلاة الظهر بعد الجمعة

- ‌انتقاد شواهد الطبعة الأولى من تفسيرابن جرير الطبري

- ‌التقريظ والانتقاد

- ‌الأخبار والآراء

- ‌تقريظ المنار

- ‌16 المحرم - 1323ه

- ‌حياة الأمم وموتها

- ‌رأي عالم أزهري في العلماء

- ‌تقويم المؤيد لعام 1323

- ‌الأخبار والآراء

- ‌الشيخ عبد الباقي الأفغاني(وفاته)

- ‌غرة صفر - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(1)

- ‌التحكيم بين الزوجين في الشقاق

- ‌(الأرض)دليل حركتها من القرآن

- ‌شهادة غير المسلم وخبره

- ‌رأي عالم أزهري في العلماء

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌البدع والخرافات

- ‌16 صفر - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(2)

- ‌فتاوى المنار

- ‌فتوى ابن حجر في تحريم الاجتماع للموالدوغيرها من البدع

- ‌أحوال المغرب الأقصى

- ‌غرة ربيع الأول - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(3)

- ‌فتاوى المنار

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 ربيع الأول - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(4)

- ‌تزويج الشريفة بغير كفءوسبّ العلماء، وإهانة كتب العلم

- ‌مصرف الهدايا والنذورلأضرحة الأولياء

- ‌تلقين الميت وأين يجلس الملقِّن

- ‌رش القبر بالماء

- ‌شعر الرأسحلقة أو تركه

- ‌صلاة الظهر بعد الجمعةوالخلاف في الدين

- ‌التقريظ

- ‌رأي رجل عظيم في المسلمين والمناروترك الأستاذ الإمام للأزهر

- ‌صدى الحادثة في أورباأو مقاومة النفوذين الفرنسي والإنكليزي للأستاذ الإمامفي الإصلاح

- ‌الاحتفال بالعيد المئوي لمحمد عليوالإيماء لانفصال مصر عن تركيا

- ‌غرة ربيع الثاني - 1323ه

- ‌ذبائح أهل الكتاب في عصر التنزيل

- ‌عذاب القبر

- ‌الحكمة في إنزال القرآن

- ‌استطراد في حفاظ القرآن بمصروحادثة جديدة

- ‌التقريظ

- ‌حضرموت واليمن

- ‌تنازع الدول في جزيرة العرب

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌استدراك

- ‌16 ربيع الثاني - 1323ه

- ‌الاتصال بين الآيات والسوروجمع القرآن

- ‌بلاد روسيا دار حرب أو إسلاموالروسيون كتابيون أم وثنيون

- ‌عمل الفقهاء بأقوال مذاهبهموإن خالفت الحديث الصحيح

- ‌إيراد على ترك التقليد

- ‌خرافة في سبب تحريم الخمر

- ‌التقريظ

- ‌انطفاء فتنة نجد واستقرار الأمرفي آل سعود

- ‌لائحة المساجد وما أنفذ منها

- ‌محاربة الوهم للعلمأو تأثير السعاية في الدولة العثمانية

- ‌حذر حكومة مدينة حلب من الثورة

- ‌الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌الوفدان الفرنسي والألمانيفي بلاد العرب

- ‌جمعية العروة الوثقى الخيرية

- ‌غرة جمادى الأول - 1323ه

- ‌المسلمون والقبط [*]أو آية الموت وآية الحياة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌أعمال مجلس إدارة الأزهر

- ‌تاريخ دول العرب والإسلام

- ‌كتاب زهر الربيعفي المعاني والبيان والبديع

- ‌الروزنامة التونسية

- ‌تذكار المهاجر

- ‌أنباء سوريا المزعجة- الدولة والرعية

- ‌نظرة في المبارزة

- ‌إصلاح الطرق الصوفية

- ‌مرض الأستاذ الإمام

- ‌اعتذار للقراء الكرام

- ‌إعذار بعد اعتذار

- ‌رأي غريب في عاقبة السُّكر

- ‌افتخار جريدتياللواء والعالم الإسلامي بالكذب

- ‌16 جمادى الأولى - 1323ه

- ‌مصاب الإسلام بموت الأستاذ الإمام

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(1)

- ‌غرة جمادى الآخر - 1323ه

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(2)

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌شكر واعتذار

- ‌16 جمادى الآخر - 1323ه

- ‌مرثية محمد حافظ أفندي إبراهيمفي الأستاذ الإمام رضي الله عنه

- ‌المنار الإسلامي واللواء الوطني

- ‌مشروع بناء مسجد في باريس

- ‌غرة رجب - 1323ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المجلد الأول من كتابأشهر مشاهير الإسلام

- ‌تاريخ التمدن الإسلامي

- ‌مرشد الهداياتإلى واجبات الحلاقين والدايات

- ‌ديوان الرافعي

- ‌حقوق المرأة في الإسلام

- ‌كتاب الرسائل الزينبية

- ‌تبرج النساء في مصر

- ‌خنوثة الرجال وفسوقهم

- ‌الحداد والمآتم

- ‌16 رجب - 1323ه

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(4)

- ‌المصاب العظيمبوالدنا البر الرحيم

- ‌نعيه إلينا وتعزيتنا عنه

- ‌غرة شعبان - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(5)

- ‌تزويج الشريفة بغير شريفوفضل أهل البيت

- ‌ضمان البضاعةوسلع التجارة والسيكارتو

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌تأبين الأستاذ الإمام

- ‌كتاب تعزية من عالم إنكليزي

- ‌16 شعبان - 1323ه

- ‌مذهب السلفوطريقة الحنابلة في التأليف

- ‌إعطاء الزكاة والصدقة للشرفاءومعاملتهم

- ‌لعن معاوية والترضي عنهوفيه حكم اللعن مطلقًا

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌تاريخ الأستاذ الإمام

- ‌شكر بعد شكر

- ‌غرة رمضان - 1323ه

- ‌نموذج آخرمن شرح عقيدة السفاريني

- ‌الحياة الزوجية(6)

- ‌أسئلة من سنغافوره

- ‌دعوى الرقيقةبعد موت السيد أنها أم ولد له

- ‌تفسير.. (فإذا هما اجتمعا لنفس مرة)

- ‌أسئلة من الجزائر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌البداوة من باب الآثار الأدبية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 رمضان - 1323ه

- ‌الدين في نظر العقل الصحيح(4)

- ‌(دعوة اليابان إلى الإسلام)

- ‌نصائح صحية للبنات من مجلة أبقراط

- ‌تاريخ الإصلاح في الأزهرأو أعمال مجلس إدارة الأزهر

- ‌تفسير الفاتحة ومُشْكِلات القرآن

- ‌إحصاء رسميلخسائر الدولتين في الحرب الأخيرة

- ‌تبرج النساء وأنصار الحجاب

- ‌موعظة وعبرة في وفاة حرة

- ‌غرة شوال - 1323ه

- ‌تقرير مشيخة علماء الإسكندرية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 شوال - 1323ه

- ‌الدينفي نظر العقل الصحيح(6)

- ‌روابط الجنسية والحياة المليةوفلسفة الاجتماع البشري

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة ذو القعدة - 1323ه

- ‌الحياة المِليَّة بالتربية الاجتماعية

- ‌تقرير مشيخة علماء الإسكندرية

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌شيخ الأزهروزينة الكسوة والمحمل،حكم الفرجة عليهما

- ‌16 ذو القعدة - 1323ه

- ‌تجارة الرقيقوأحكامه في الإسلام

- ‌أسئلة من دمياطتتعلق بقصة المولد النبوي

- ‌تعليم اللغات

- ‌مسلمو الصين والإسلام في اليابان

- ‌غرة ذو الحجة - 1323ه

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(5)

- ‌تتمة أجوبة الأسئلة الدمياطية

- ‌قصة المولد لدبيع

- ‌فائدة عظيمةفي بحث العمل بالحديث الضعيف

- ‌إزالة وهم

- ‌أبونا آدم ومذهب دارونمن باب الانتقاد على المنار

- ‌16 ذو الحجة - 1323ه

- ‌اشتراطالولي في النكاح

- ‌طعام أهل الكتاب ومجاملتهم

- ‌مسألة خلق أبينا آدم

- ‌انتقاد شواهد الطبعة الأولى من تفسيرابن جرير الطبري

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌خاتمة السنة الثامنة

- ‌شرط الاشتراك في السنة التاسعة

- ‌كلمة مع تحية المنار لقرائه المصطفين الأخيار

الفصل: ‌رسالة البدعة في صلاة الظهر بعد الجمعة

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌رسالة البدعة في صلاة الظهر بعد الجمعة

البحث الثالث

في عرض المسألة على كتاب الله وسنة رسوله

اعلم أن الله عز وجل قد أمر بفهم كتابه الكريم، والعمل بسنة رسوله الرؤوف

الرحيم، قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد: 24)

وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر: 7)

وأخبرنا عليه الصلاة والسلام أنه ترك لنا شيئين لا نَضل إذا تمسكنا بهما أبدًا وهما:

كتاب الله وسنة رسوله، وقد أمرنا الله بأن نعرض ما تنازع فيه الناس واختلفوا

على الله ورسوله، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي

الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ

وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: 59) وقال أيضًا: {إِنَّمَا كَانَ

قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (النور: 1) وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا

يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء: 65) فهذه الآيات

ونحوها تدل أبلغ دلالة على أن المرجع مع الاختلاف إنما هو إلى حكم الله ورسوله،

وحكم الله كتابه، وحكم رسوله بعد أن قبضه الله هو ما صح عنه من الأحاديث، ولا

يقال: إن ما استشهدت به وارد في أمر مخصوص فلا يصلح دليلاً؛ لأنا نقول:

(إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) وهو مطلق حكم في مطلق اختلاف

ومشاجرة، ولا ريب أن الأمر هنا للوجوب؛ إذ إن الله قد تعبدنا بكلامه وكلام

رسوله دون سواهما من الخلق؛ لأنهما هما عليهما المعول وكلام غيرهما قد يخطئ

وقد يصيب؛ فلذا قال إمام أهل المدينة مالك بن أنس رضي الله عنه: (ما منا

إلا من رَدَّ ورُدَّ عليه إلا صاحب هذا القبر) وأشار إلى قبر الرسول الأعظم - صلى

الله عليه وسلم - وقد نقل عن الأئمة الأربعة وغيرهم - رضوان الله عليهم -

جمل كثيرة كلها دالة على أن الإنسان لا بد أن يعرض الأحكام كلها على الكتاب

والسنة، فما وافقهما عمل به، وما خالفهما نبذه وراء ظهره.

ولما كانت مسألتنا هذه مما اختلفت المذاهب فيها ليس بين الشافعية وغيرهم

فقط؛ بل بين الشافعية أنفسهم - أمواتهم وأحيائهم - وجب علينا أن نعرضها على كتاب الله وسنة رسوله، وقد بينا مسألة التعدد بيانًا شافيًا، وعرفنا أنه لم يرد نص يمنعه من القرآن ولا الأحاديث، وأن مذهب الشافعي يقتضي التعدد عند الحاجة إليه.

وقد بقي علينا عرض مسألة صلاة الظهر بعد الجمعة مع تعددها فنقول:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى

ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الجمعة: 9)، ثم قال: {فَإِذَا

قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّّهَ كَثِيراً

لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة: 10) فأنت ترى أنه قد أمرنا بأن ننتشر في الأرض بعد

انقضاء الصلاة ونطلب من فضل الله ولم يأمرنا أن نصلي الظهر بعد الجمعة ولم

يقل إن تعددت فصلوها، فمن أين استنبطنا هذه الصلاة ومن أين أتينا بها حتى إنه

قد ورد أن النبي ما كان يصلي سنة الجمعة البعدية في المسجد، بل كان يذهب

ويصليها في البيت عملاً بهذه الآية؛ لأنه تعالى أمر بالانتشار بعد صلاة الجمعة يدل

على ذلك ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله

عليه وسلم - كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته) رواه الجماعة، وعنه (أنه

إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعًا، وإذا كان

بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد)

رواه أبو داود، قال الآلوسي عند تفسير هذه الآية: (وأخرج أبو عبيد وابن

المنذر والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن بر الحراني، قال: رأيت عبد الله

ابن بر المازني صاحب النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة خرج فدار

في السوق ساعة ثم رجع إلى المسجد فصلى ما شاء الله تعالى أن يصلي فقيل له لأي

شىء تصنع هذا، قال: إني رأيت سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم هكذا

صنع وتلا هذه الآية (فإذا قضيت الصلاة) إلخ، فعلم من هذا أن الكتاب لا ينطق

بلزوم الظهر بعد الجمعة مع التعدد بل يفهم منه خلاف ذلك لأن الأمر بالانتشار

مطلق غير مقيد.

وأما السنة السَّنية، والأحايث النبوية، فهي طافحة بما يدل على خلاف ذلك

ويناقضه كل التناقض، إذ معلوم من الدين بالضرورة أنه لم يثبت عن النبي القول

بصلاتها مع تعدد الجمعة وأنت تعلم أن الدين قد كمل في عهده - صلى الله عليه

وسلم - بحكم قوله تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ

لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (المائدة: 3) فلا حاجة لنا إذن بعبادة لم نُؤمر بها.

هذا ولو أردنا أن نبحث لوجدنا التعدد لحاجة الغير حاجة ليس شرطًا في صحة

الجمعة تفسد بفقده لما علمت في البحث الأول من أنه لم يرد نصّ عن المعصوم ولا

عن الصحابة ناطق أو مقتض لعدم جواز التعدد ولو لغير ضرورة، وأما كونها

لم تفعل إلا في مصلى واحد فليس بدليل لما أوضحناه لك سابقًا إيضاحًا شافيًا، ولما

هو مقرر من أنه لا ينسب لساكت قول، على أن إيجابكم عدم التعدد؛ لأنها لم تعدد

في زمن الرسول يلزمكم أن توجبوا الخروج لصلاة العيد خارج البلد؛ لأن النبي -

صلى الله عليه وسلم كان يخرج لصلاتها مع الصحابة إلى الصحراء ولا قائل

منكم بذلك والمسألتان سواء [*] .

فالحق الذي لا محيد عنه أن المصلى الواحد ليس شرطًا في صحة الجمعة

وإنما هو حكمة من حِكَمِها، ولو تعددت الجمعة فهي صحيحة، ولا ظُهر بعدها

سواء أكان تعددها لضرورة أم لا لأنه لم يرد ما يحظر ذلك، بل الوراد خلافه فقد

روي عن ابن عباس أنه يجيز للرجل أن يصلي الجمعة منفردًا في بستانه. قال ذلك

الشعراني في (كشف الغمة) .

وإني ذاكر لك الأحاديث الدالة على عدم مشروعية الظهر بعد الجمعة بحال من

الأحوال حتى لو لم تصل الجمعة [1] :

عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائمًا

يوم الجمعة فجاءت عير من الشام، فانتقل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر

رجلاً فنزلت هذه الآية التي في الجمعة، {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُواً انفَضُّوا إِلَيْهَا

وَتَرَكُوكَ قَائِماً} (الجمعة: 11) الآية، رواه أحمد، ومسلم، والترمذي، وفي

رواية أقبلت عير ونحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فانفض الناس إلا

اثنا عشر رجلاً فنزلت هذه الآية (وإذا رأوا

إلخ) رواه أحمد والبخاري،

فنسألكم معشر الفقهاء الذين توجبون لصحة الجمعة أربعين رجلاً أحرارًا مقيمين لا

يظعنون صيفًا ولا شتاءً يستمعون أركان الخطبة كلها ويقيمون الجمعة، كيف أن

النبي عليه الصلاة والسلام لم يُعِد الجمعة أو لم يصل الظهر؟ لأن جمعته غير

صحيحة إذ لم يبق وهو يخطب إلا اثنا عشر رجلاً، ولا شك أنه لا يسعكم إلا التسليم

بأن الجمعة لا يشترط فيها العدد المخصوص وهو غير مذهبكم، أو أن تقولوا يحتمل

أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر أو أعاد الجمعة، والحال أنه لم

يثبت ذلك قطعًا والدين لا يثبت بالاحتمال أو تقولوا: حقًّا إن صلاة الظهر بعد

الجمعة بدعة لا تجوز؛ لأن النبي لم يفعلها ولو لزمت لفعلها يوم العير [**] .

ومن الأدلة على عدم طلب الظهر بعد الجمعة، بل على عدم مشروعيتها يوم

الجمعة مطلقًا، صليت الجمعة أم لم تصل، ما ورد من اجتماع عيد وجمعة في عهد

الرسول الأكرم فصلى العيد ورخص في الجمعة، ولم يرد أنه أمرهم بالظهر لأنه لم

يثبت ذلك وهاك النصوص:

عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، وسأله معاوية هل شهدت مع رسول الله -

صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا؟ قال: (نعم صلى العيد أول النهار ثم

رخص في الجمعة؛ فقال من شاء أن يجمع فليجمع) رواه أحمد وأبو داود وابن

ماجه وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

أنه قال: (اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون)

رواه أبو داود وابن ماجه وعن وهب بن كيسان، قال (اجتمع عيدان على عهد ابن

الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب ثم نزل فصلى ولم يصل

للناس يوم الجمعة فذكرت ذلك لابن عباس؛ فقال: (أصحاب السنة) رواه النسائي

وأبو داود بنحوه لكن من رواية عطاء ولأبي داود عن عطاء قال: (اجتمع يوم

الجمعة ويوم الفطر على عهد ابن الزبير في يوم واحد فجعلهما جميعًا فصلاهما

ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر) .

فهذه الأحاديث ناطقة بلسان فصيح على منبر الحق بأنه لا ظُهر بعد الجمعة بل

إن الظهر لم تشرع ذلك اليوم أقيمت الجمعة أم لم تقم، وفيما روي عن ابن عباس،

وقد سئل عن رجل صلى الجمعة منفردًا في بستانه فقال: (لا بأس إذا قام شعار

الجمعة بغيره) ، دليل على ما نقول لأن صلاته على ما أشترطه الفقهاء فاسدة، وإن

كنا لا نقول بصحة الجمعة في غير جماعة لما روى أبو داود من حديث طارق بن

شهاب: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك، أو

امرأة، أو صبي أو مريض) وفي حديث أبي هريرة، وحديث جابر (ذكر

المسافر) .

وقد قال في نيل الأوطار بعد ما أورد حديث أبي داود السابق، وحديث

النسائي وظاهره أنه لم يصل الظهر وفيه: أن الجمعة إذا سقطت بوجه من الوجوه

المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر، وإليه ذهب عطاء حكى

ذلك عنه في البحر، والظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة أصل، وأنت خبير

بأن الذي افترضه الله تعالى على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة، فإيجاب

صلاة الظهر على من تركها لعذر أو لغير عذر محتاج إلى دليل، ولا دليل يصلح

للتمسك به على ذلك فيما أعلم) . اهـ

وأنت تعلم أن مؤلفه الإمام الشوكاني من مشاهير حفاظ الحديث وفقهائه المعول

عليهم وربما يثقل هذا القول على فقهاء العصر، في كل قرية ومصر، اللهم إلا من

كان محبًا للحقيقة منهم.

قال في كشف الغمة: وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (من ترك صلاة

الجمعة لغير عذر فليتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار فإن لم يجد فبدرهم أو

نصف درهم أو صاع حنطة أو نصف صاع أو مُدّ) فأنت ترى أنه لم يأمره

بصلاة الظهر بل أمره بالصدقة، ولا يقال أمره بالظهر والصدقة لأنه لم يثبت ذلك

والخير في الاتباع والشر في الابتداع.

(الخلاصة)

اعلم أن صفوة الكلام أن تعدد الجمعة للحاجة جائز عند الإمام الشافعي، وأن

الجمع في بلدتنا ونحوها متعددة للحاجة، وعليه فصلاة الظهر بعدها غير واجبة ولا

مسنونة بل هي بدعة غير جائزة وعلمت أن القول بصلاتها بعد الجمعة مبني على

التعدد لغير حاجة في بعض الصور وقد وفينا الكلام حقه في الأبحاث السابقة فراجعه

بدقة وإنصاف، والله أعلم.

هذا ما أردت إنشاءه وإيراده في هذه الرسالة فعسى أن تكون فصل الخطاب،

فقد جمعت من الكلام ما هو أضوأ من الشمس، وأنور من البدر، ومن الأدلة

الساطعة، والبراهين الناصعة، ما أزال عن وجه الحقيقة الغشاء، فبدت وضّاحة

الجبين، غَرَّاء الطلعة، وفيها كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد، فاجعلها اللهم

خالصة لوجهك الكريم.

_________

(*) اللهم إلا ما ورد عن صلاته إياها في المسجد لمطر وقع كما في حديث أبي هريرة عند أبي داود وابن ماجه والحاكم وذلك لعذر كما رأيت. اهـ منه.

(1)

اختلف العلماء في صلاة الجمعة هل فرضت بطريق الأصالة، أم بطريق البدل عن الظهر فمنهم من قال بالأول ومنهم من قال بالثاني، وهذه الأحاديث التي سنسردها لك تؤكد مذهب القائلين بأنها فرضت بطريق الأصالة لا البدل إلا حديث العير فليس فيه دليل لهم.

(**) وقد علمت من هذا الحديث أن الأربعين ليسوا بشرط في صحة الجمعة فلو صلاها رجلان في مكان لم يكن فيه غيرهما لفعلا ما يجب عليهما، فإن خطب أحدهما فقد عملا بالسنة، وإن تركا

الخطبة فهي سنة فقط؛ لأنه لم يرد ما يدل على وجوبها، وقد قال عليه الصلاة والسلام (الجمعة واجبة على كل قرية، وإن لم يكن فيها إلا أربعة)، وما رُوي عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال:(أول جمعة جمع بنا أسعد بن زرارة في بقيع الخصمان قيل لكعب كم كنت يومئذ، قال أربعون رجلاً فجمع بنا قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم من مكة) ، فهو مما لا يستدل به على عدم صحتها، بأقل من العدد المذكور؛ لأن الجمهور على أن وقائع الأعيان لا تصلح دليلاً للعموم، ولذا قال الشعراني الشافعي في كشف الغمة قال شيخنا رضي الله عنه (والظاهر أن العدد المذكور ليس بشرط ولو كان أسعد وجد دون الأربعين لجمع بهم وأقام شعار الجمعة فهي واقعة حال) ولذلك اختلفت مذاهب العلماء في العدد، فذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن الجمعة تصح من الواحد وذهب إبراهيم النخعي، وداود وأهل الظاهر إلى أنها تصح من اثنين، وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري رضي الله عنهما إلى أنها تنعقد بأربعة أحدهم الإمام إلى آخر ما قال وأما الرجولية والإقامة والحرية فهي شروط لوجوبها دون صحتها إذ لا تجب الجمعة على المرأة والمسافر والرقيق لحديث أبي داود الآتي ولكن إن فعلوها تصح منهم فلو صلى رقيقان أو مسافران الجمعة مثلا أحدهما إمام والآخر مأموم صحت منهما، وقد ورد أن النبي صلى الجمعة في بعض أسفار مع الصحابة فلو كان يشترط في صحتها الإقامة لما فعلها الرسول ولا تحضرني الآن ألفاظ الحديث.

ص: 24