المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تجارة الرقيقوأحكامه في الإسلام - مجلة المنار - جـ ٨

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (8)

- ‌غرة المحرم - 1323ه

- ‌فاتحة السنة الثامنة

- ‌فتاوى المنار

- ‌رسالة البدعة في صلاة الظهر بعد الجمعة

- ‌انتقاد شواهد الطبعة الأولى من تفسيرابن جرير الطبري

- ‌التقريظ والانتقاد

- ‌الأخبار والآراء

- ‌تقريظ المنار

- ‌16 المحرم - 1323ه

- ‌حياة الأمم وموتها

- ‌رأي عالم أزهري في العلماء

- ‌تقويم المؤيد لعام 1323

- ‌الأخبار والآراء

- ‌الشيخ عبد الباقي الأفغاني(وفاته)

- ‌غرة صفر - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(1)

- ‌التحكيم بين الزوجين في الشقاق

- ‌(الأرض)دليل حركتها من القرآن

- ‌شهادة غير المسلم وخبره

- ‌رأي عالم أزهري في العلماء

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌البدع والخرافات

- ‌16 صفر - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(2)

- ‌فتاوى المنار

- ‌فتوى ابن حجر في تحريم الاجتماع للموالدوغيرها من البدع

- ‌أحوال المغرب الأقصى

- ‌غرة ربيع الأول - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(3)

- ‌فتاوى المنار

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 ربيع الأول - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(4)

- ‌تزويج الشريفة بغير كفءوسبّ العلماء، وإهانة كتب العلم

- ‌مصرف الهدايا والنذورلأضرحة الأولياء

- ‌تلقين الميت وأين يجلس الملقِّن

- ‌رش القبر بالماء

- ‌شعر الرأسحلقة أو تركه

- ‌صلاة الظهر بعد الجمعةوالخلاف في الدين

- ‌التقريظ

- ‌رأي رجل عظيم في المسلمين والمناروترك الأستاذ الإمام للأزهر

- ‌صدى الحادثة في أورباأو مقاومة النفوذين الفرنسي والإنكليزي للأستاذ الإمامفي الإصلاح

- ‌الاحتفال بالعيد المئوي لمحمد عليوالإيماء لانفصال مصر عن تركيا

- ‌غرة ربيع الثاني - 1323ه

- ‌ذبائح أهل الكتاب في عصر التنزيل

- ‌عذاب القبر

- ‌الحكمة في إنزال القرآن

- ‌استطراد في حفاظ القرآن بمصروحادثة جديدة

- ‌التقريظ

- ‌حضرموت واليمن

- ‌تنازع الدول في جزيرة العرب

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌استدراك

- ‌16 ربيع الثاني - 1323ه

- ‌الاتصال بين الآيات والسوروجمع القرآن

- ‌بلاد روسيا دار حرب أو إسلاموالروسيون كتابيون أم وثنيون

- ‌عمل الفقهاء بأقوال مذاهبهموإن خالفت الحديث الصحيح

- ‌إيراد على ترك التقليد

- ‌خرافة في سبب تحريم الخمر

- ‌التقريظ

- ‌انطفاء فتنة نجد واستقرار الأمرفي آل سعود

- ‌لائحة المساجد وما أنفذ منها

- ‌محاربة الوهم للعلمأو تأثير السعاية في الدولة العثمانية

- ‌حذر حكومة مدينة حلب من الثورة

- ‌الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌الوفدان الفرنسي والألمانيفي بلاد العرب

- ‌جمعية العروة الوثقى الخيرية

- ‌غرة جمادى الأول - 1323ه

- ‌المسلمون والقبط [*]أو آية الموت وآية الحياة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌أعمال مجلس إدارة الأزهر

- ‌تاريخ دول العرب والإسلام

- ‌كتاب زهر الربيعفي المعاني والبيان والبديع

- ‌الروزنامة التونسية

- ‌تذكار المهاجر

- ‌أنباء سوريا المزعجة- الدولة والرعية

- ‌نظرة في المبارزة

- ‌إصلاح الطرق الصوفية

- ‌مرض الأستاذ الإمام

- ‌اعتذار للقراء الكرام

- ‌إعذار بعد اعتذار

- ‌رأي غريب في عاقبة السُّكر

- ‌افتخار جريدتياللواء والعالم الإسلامي بالكذب

- ‌16 جمادى الأولى - 1323ه

- ‌مصاب الإسلام بموت الأستاذ الإمام

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(1)

- ‌غرة جمادى الآخر - 1323ه

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(2)

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌شكر واعتذار

- ‌16 جمادى الآخر - 1323ه

- ‌مرثية محمد حافظ أفندي إبراهيمفي الأستاذ الإمام رضي الله عنه

- ‌المنار الإسلامي واللواء الوطني

- ‌مشروع بناء مسجد في باريس

- ‌غرة رجب - 1323ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المجلد الأول من كتابأشهر مشاهير الإسلام

- ‌تاريخ التمدن الإسلامي

- ‌مرشد الهداياتإلى واجبات الحلاقين والدايات

- ‌ديوان الرافعي

- ‌حقوق المرأة في الإسلام

- ‌كتاب الرسائل الزينبية

- ‌تبرج النساء في مصر

- ‌خنوثة الرجال وفسوقهم

- ‌الحداد والمآتم

- ‌16 رجب - 1323ه

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(4)

- ‌المصاب العظيمبوالدنا البر الرحيم

- ‌نعيه إلينا وتعزيتنا عنه

- ‌غرة شعبان - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(5)

- ‌تزويج الشريفة بغير شريفوفضل أهل البيت

- ‌ضمان البضاعةوسلع التجارة والسيكارتو

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌تأبين الأستاذ الإمام

- ‌كتاب تعزية من عالم إنكليزي

- ‌16 شعبان - 1323ه

- ‌مذهب السلفوطريقة الحنابلة في التأليف

- ‌إعطاء الزكاة والصدقة للشرفاءومعاملتهم

- ‌لعن معاوية والترضي عنهوفيه حكم اللعن مطلقًا

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌تاريخ الأستاذ الإمام

- ‌شكر بعد شكر

- ‌غرة رمضان - 1323ه

- ‌نموذج آخرمن شرح عقيدة السفاريني

- ‌الحياة الزوجية(6)

- ‌أسئلة من سنغافوره

- ‌دعوى الرقيقةبعد موت السيد أنها أم ولد له

- ‌تفسير.. (فإذا هما اجتمعا لنفس مرة)

- ‌أسئلة من الجزائر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌البداوة من باب الآثار الأدبية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 رمضان - 1323ه

- ‌الدين في نظر العقل الصحيح(4)

- ‌(دعوة اليابان إلى الإسلام)

- ‌نصائح صحية للبنات من مجلة أبقراط

- ‌تاريخ الإصلاح في الأزهرأو أعمال مجلس إدارة الأزهر

- ‌تفسير الفاتحة ومُشْكِلات القرآن

- ‌إحصاء رسميلخسائر الدولتين في الحرب الأخيرة

- ‌تبرج النساء وأنصار الحجاب

- ‌موعظة وعبرة في وفاة حرة

- ‌غرة شوال - 1323ه

- ‌تقرير مشيخة علماء الإسكندرية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 شوال - 1323ه

- ‌الدينفي نظر العقل الصحيح(6)

- ‌روابط الجنسية والحياة المليةوفلسفة الاجتماع البشري

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة ذو القعدة - 1323ه

- ‌الحياة المِليَّة بالتربية الاجتماعية

- ‌تقرير مشيخة علماء الإسكندرية

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌شيخ الأزهروزينة الكسوة والمحمل،حكم الفرجة عليهما

- ‌16 ذو القعدة - 1323ه

- ‌تجارة الرقيقوأحكامه في الإسلام

- ‌أسئلة من دمياطتتعلق بقصة المولد النبوي

- ‌تعليم اللغات

- ‌مسلمو الصين والإسلام في اليابان

- ‌غرة ذو الحجة - 1323ه

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(5)

- ‌تتمة أجوبة الأسئلة الدمياطية

- ‌قصة المولد لدبيع

- ‌فائدة عظيمةفي بحث العمل بالحديث الضعيف

- ‌إزالة وهم

- ‌أبونا آدم ومذهب دارونمن باب الانتقاد على المنار

- ‌16 ذو الحجة - 1323ه

- ‌اشتراطالولي في النكاح

- ‌طعام أهل الكتاب ومجاملتهم

- ‌مسألة خلق أبينا آدم

- ‌انتقاد شواهد الطبعة الأولى من تفسيرابن جرير الطبري

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌خاتمة السنة الثامنة

- ‌شرط الاشتراك في السنة التاسعة

- ‌كلمة مع تحية المنار لقرائه المصطفين الأخيار

الفصل: ‌تجارة الرقيقوأحكامه في الإسلام

الكاتب: عبد الرحمن الكواكبي

‌تجارة الرقيق

وأحكامه في الإسلام

من آثار المرحوم السيد عبد الرحمن أفندي الكواكبي الشهير،

كتبها بعد سياحته الأخيرة قبل موته.

من كان مطلعًا على أحوال سواحل شرقي إفريقيا وسواحل جزيرة العرب

ويطلع على ما كتبه المستر..... بخصوص مسألة الرقيق وما نسبه فيها من

القصور للمؤتمر الدولي في زنجبار يستغرب جدًّا من تسرع وتهجم الكاتب

المذكور على مؤاخذة مصلحة الرقيق بدون تثبت في الأمر، ولو أن جنابه اعتنى بتحقيق مسألة الرقيق لظهرت له الحقائق الآتية:

(أولاً) أن هذه التجارة بهمة المؤتمر المشار إليه وحراسة أوربا الدائمة لم

يبق منها إلا اسمها تقريبًا.

(ثانيًا) هذه البقية مقصورة على شمال شرقي إفريقيا حيث نخَّاسة الجنس

السواكني والجنس الدنقلي يجلبون من السودان بعض الرقيق إلى الثغور المهملة

الإفريقية المقابلة من جزيرة العرب لثغور الوجه وينبع وجدة ورابغ وميلت

وقونفذة وجران.

(ثالثًا) تهريب الرقيق كاد ينحصر بسفائن جدة المشهور أصحابها بالمهارة

البحرية، وبالإقدام على المخاطرات، فهذه السفائن تنقل الرقيق من شرقي إفريقيا

إلى غربي جزيرة العرب يعني أن الثغور المذكورة التي تفصل بين السواحل الغربية

فيها وما بينهما من الثغور المهملة، تلك الثغور الباقية وحيدة في تجارة الرقيق بل

ومنذ سنين إلى الآن يتشكى أهل الحجاز من وجود قرصان في تلك المياه تحت

رياسة ابن غيبش والحكومة العثمانية لا تصغي لتلك الشكايات ألبتة.

(رابعًا) هذه السفائن ليست حرة في نقل الرقيق، إنما هي تخاف من بواخر

حراسة الرقيق، ولذلك تترصد أواخر الشهر القمري لتغتنم السرى ليلاً تحت ستار

الظلام فتقلع من الساحل الإفريقي إذا صادفت الريح موافقة عند غروب الشمس

وتصبح في شاطئ جزيرة العرب.

(خامسًا) إذا تعمق جنابه في التحقيق كما يفعله المغرمون بالحرية غرامًا

أصوليًّا يعرف أن البقية اليسيرة للرقيق هي تصدر من الحجاز مع قوافل الحجاج

فتدخل بالأكثر إلى نجد وأقل منها إلى اليمن وأقل من الجميع إلى بلاد سوريا وهذه

الأخيرة ما عاد يدخلها رقيق الذكور مطلقًا.

ثم لا بد أنه كتب ملاحظته في التدابير التي يراها تفيد في حسم هذا الأمر الذي

يشتكى منه، ونحن لأجل أن لا نترك عين هذا الاعتراض يتوجه علينا نقول: إن

أفعل التدابير في هذا الخصوص هي هذه:

(أولاً) أخذ سفائن جدة وينبع وسفائن سواكن وما في جوارها أيضًا التي

أصحابها من أهالي جدة تحت مراقبة قوية من قبل قناصل الدول المجتمعين في جدة

(ثانيًا) إبرام السفارات في الآستانة على الباب العالي أن تلزم حكومة

الحجاز بمنع بيع الرقيق علنًا حتى في سوقه المخصوص في مكة المسمى (الدكة)

كما هو الآن.

(ثالثًا) أن يصير تهديد الباب العالي تهديدًا مشتركًا دوليًّا بأن إذا بقيت تجارة

الرقيق مباحة في الحجاز فالدول (تسحب تنازلها عن إقامة وكلاء سياسيين لها في

ولاية الحجاز في غير جدة وذلك لأجل مراقبة تحرير الرقيق مع حماية الحجاج

المسلمين من رعايا الدول أو الذين في حمايتها) [1] .

لي صديق من علماء العرب المسلمين ومن مشاهير الأحرار والكتاب

السياسيين [2] فذاكرته في شأن خصوص الرقيق، والديانة الإسلامية، وما هو نظر

علماء الإسلام في هذه الخدمة للإنسانية القائمة بها الدول الغربية فقال:

إن الدين الإسلامي جوز الرق كسائر الأديان ولكن هذا الدين المترقي في

الحكمة التشريعية بالنسبة إلى كل الشرائع القديمة لم يمنع الأحكام القاسية المألوفة

منع مصادمة إنما شدد في ثبوتها وجعل للمبتلين بها كثيرة منقذة من العقوبات

الشديدة باسم الدين [3] ومن جملة ذلك أنه ضيق دائرة الرق جدًا بحيث يظهر بكل

وضوح أن قصد الشريعة الإسلامية إبطال الرق أساسًا بالتدريج كما يعلم من الأحكام

الآتية:

(1)

الشريعة حصرت الرق في المتولدين من أبوين رقيقين وفي أسرى

الحرب القانونية مع غير المسلمين، وغير العرب، وغير الأقارب؛ فإن هذه

الأصناف لا تسترق.

(2)

جعلت الاسترقاق غير الشرعي من أعظم المحرمات فيأتي في

المحرمات تالي النفس (وفي نسخة: ومبلغه منها أن يأتي بعد قتل النفس) .

(3)

جعلت العتق هو الكفارة الوحيدة لجملة خطايا دينية إذا وجد الرقيق

مهما بلغت قيمته.

(4)

جعلت العتق هو الكفارة العظمى لجميع أنواع الخطايا التعبدية.

(5)

جعلت العتق من أهم النذور.

(6)

جعلت العتق محللاً للحنث باليمين التي لا يتعلق بها حق من حقوق

الناس.

(7)

جعلت العتق أتم وفاء لحق شكر الله على النعمة، أو على السلامة من

خطر.

(8)

جعلت العتق أهم ما يوصي به المسلم بعد موته ليكافئه الله بعتقه من

عذاب الآخرة.

والحاصل أن الإسلام كاد أن يلزم أهله بأن كل فرد منهم يعتق ما يمكنه إعتاقه

من الرقيق، ولهذا لا يستمر الرقيق عند المسلم مدة طويلة قط بل مدة مؤقتة.

وكذلك الشريعة المدنية الإسلامية هم أعظم شريعة جاءت محامية عن الحرية

وذلك أنها:

(1)

جعلت الرق يسقط بمجرد أن يدعي الإنسان أنه حر إذا اعتبرت لزوم

تصديقه، لأنه يدعي حقًّا طبيعيًّا وألزمت مدعي ملكه بإثبات أصل رقيته.

(2)

جعلت إقرار الإنسان على نفسه بالرق ولو ألف مرة لا يسلب حريته

ولا يمنعه من ادعاء الحرية بعد.

(3)

جعلت الرق يسقط بورود لفظ العتق على لسان المالك ولو هازلاً أو

سكرانًا أو بلغة لا يفهمها أو مكرهًا على النطق بها.

(4)

جعلت رق الأنثى شبه ساقط بمجرد أن تلد ولدًا من مالكها فلا تنقل إلى

ملك آخر وبموته تصير حرة مطلقة.

(5)

جعلت القول قولها في أن حملها هو من مالكها، وإذا أنكر فقولها يؤثر

في عتقها، وإن لم يؤثر في ثبوت نسب الولد منه.

(6)

جعلت مالك جزء من رقيق ولو واحدًا من ألف إذا أعتق جزءًا عتق

الكل رغمًا عن باقي شركائه، وحق لهم تضمين المعتق خسارتهم فقط.

(7)

جعلت حكم القاضي بالعتق ينفذ مطلقًا ولو كان ظالمًا في حكمه.

(8)

جعلت خليفة المسلمين إذا رأى في اجتهاده (ولا بد أن يكون الخليفة

مجتهدًا شرعًا) أن كافة الأرقاء المملوكين للمسلمين رقيتهم غير صحيحة فحكم

بحريتهم جميعهم نفذ حكمه وصار العبيد أحرارًا دفعة واحدة، ولو خالف في حكمه

آراء بعض المذاهب الإسلامية القديمة إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية التي تقاوم

عادة الاسترقاق القديمة في البشر مقاومة شديدة. فشريعة الإسلام هي أول شريعة

دينية سياسية دافعت عن الحرية ونادت بإبطال الرق بتلك الوسائل وليست معاداة

الشريعة الإسلامية للرق من الغريب لأنها ظهرت في العرب الذين هم أحرص الأمم

على الحرية ونزلت في أرضهم التي نزلت فيها أيضًا صحف الحكمة على أبي

الأنبياء عليهم السلام وتحررت بلغتهم التي كتب بها أول قانون للحرية والإخاء

والمساواة، ولكن كما جرفت سيول برابرة الشمال رياض الرومان واليونان فأوقعتهم

في القرون الوسطى المظلمة، كذلك جرفت سيول المغول وإخوتهم رياض العرب

فأوقعتهم في مثل تلك القرون التي يسعون للخروج منها.

ومن ثم فالعلة الحقيقة لاستمرار الرق هي الأمراء المستبدون الذين لا يتقادون

للدين الإسلامي إلا لأجل تطبيقه على أهوائهم، فهم يتخذون الدين في الظاهر حجة

للتمتع بالرقيق لا سيما بعد أن قامت الأمم الغربية ودولها بتحريره، فهؤلاء الأمراء

يظهرون الآن أمام أوربا أنهم يودون منع الرقيق ولكن يخافون رعاياهم المسلمين لأن

الرقيق جائز شرعًا ولضرورة المحافظة على الآداب والعادات الإسلامية لا يمكنهم

إبطاله دفعة بل تدريجًا مع أن مسامير الرق في الحقيقة هي كبرياء الأمراء

والمقلدين لهم وليست هي الإسلام نفسه كما يفترونه عليه ولا بد أن يستغرب

الأوربيون إذا قلنا: إن علماء الدين الإسلامي ليس فيهم من يجوز الرقيق مطلقًا منذ

عدة قرون أي منذ لم تبق حرب قانونية إسلامية يراد بها حماية الدعوة الإسلامية

ونشرها أو يراد بها المدافعة عن الجمعية الإسلامية وكذلك لم يبق في الأمة أُسَراء

متسلسلين، وإنما العلماء الأحرار يسكتون ويتجاهلون خوفًا من الأمراء أو محاباة لهم

لأنهم يرون أن أعظم بيت في الأمراء المسلمين لم يزل منذ أربعة قرون تقريبًا متبعًا

قانونًا عائليًّا من مقتضاه عدم زواج ذكورهم بنساء غير رقيقات فأمهاتهم وزوجاتهم

جمعيهن رقيقات من الكرج أو الجركس. مع أن الرق لا ينطبق شرعًا على الكرج

منذ قرن ونصف؛ إذ انقطع دخول جيوش الإسلام إلى بلاد الكرج وكذلك لا ينطبق

على الجركس، لأنهم مسلمون ولما هو معروف أيضًا من أن الجركس يبيعون أولادهم

بيعًا أو يسترقون من المدينين لهم أولادهم في مقابلة ديونهم.

العلماء المسلمون إذا لم يسكتوا عن بيان هذا الخلل في الكرج والجركس

يلزمهم أن يحكموا ويصرخوا أيضًا بأن جميع أولئك الأمراء ليسوا بأولاد شرعيين،

وهؤلاء الأمراء يمكنهم بلا صعوبة أن يبطلوا هذا القانون العائلي كما أبطلوا أخيرًا

منذ أربعين سنة قانون قتل جميع أولاد الأميرات السلطانيات اللائي كن يزوجن

لأزواجهن بشرط أن لا يعقبن أولاد أبدًا وذلك للحرص على عظمة بيتهم الملوكي من

أن يكثر الانتساب إليه.

أما ما يقال عن حاجة المسلمين للرقيقات لأجل الخدمة فليس هناك حاجة

ضرورية، إنما هي كبرياء وعظمة وتقليد لأرباب البيوتات من الأمراء فقط كما أن

الخصيان لا ضرورة لوجودهم، والشريعة الإسلامية لا تجوز خصاء الحيوان فضلاً

عن الإنسان، وإذا وجد رجل مخصي بفعل الغير، فأكثر المذاهب الإسلامية ومن

جملتها المذهب الحنفي السلطاني تعتبره كسائر الرجال بلا فرق ولا تجوز استخدامه

في القصور بين النساء، ولا يخالف هذه المذاهب في ذلك غير المذهب الشافعي فقط.

الشريعة الإسلامية وعلماؤها الأحرار يشكرون أوربا على منعها الرقيق وهم

مسرورون من نجاح سعيها لتحقيقه ويتمنون لو أن أوربا تهتدي إلى وسيلة تكون

قاطعة مانعة بها يسد باب الرقيق بالكلية.

يقول صديقي المذكور أنه يلوح لفكرة من التدابير المؤثرة في هذا الشأن ما

يأتي:

(أولا) أن تستعمل أوربا نفوذها الأدبي في استقباح وجود الجنس الأسود

ذكورًا وإناثًا في قصور الأمراء بحجة قبح خلقتهم وأخلاقهم، وكذلك استقباح وجود

إناث بيض في تلك القصور أسيرات ذليلات بدون جناية ولا اختيار.

(ثانيًا) أن تحمل أوروبا الأمراء الشرقيين على اتباع عادات أمراء الغرب

بإعلان زواجهم الشرعي وتكرههم بالتدريج أن يطلبوا من دول أوربا أن لا تعتبر

رسمًا من ورثائهم الشرعيين في الإمارة كل مولود لهم من زوجة غير شرعية، وهذا

التحديد لأجل أن يعلن زواجها قبل الولادة بسبعة أشهر على الأقل ومنع إعلان

الزواج بعد ظهور الحمل.

(ثالثًا) أن تكلف الدول سفراءها في القسطنطينية وطنجة وطهران

وكابول وقناصلها في تونس ومصر وجدة (عوضًا عن مكة) بأن يستفتوا بواسطة

حكومات العواصم الإسلامية من المفتين الرسميين التابعين لمذاهب مختلفة عن

الحكم الشرعي في مسألة نصها كما يأتي:

ما قول علماء الشرع الإسلامي المحترمين في الإنسان هل يصح اعتباره

رقيقًا بشرائه من أوليائه أو بالسرقة أو بصورة الأسر، ولكن في حرب قامت بها فئة

صغيرة مسلمة خارجة عن الجامعة الإسلامية ومخالفة في ذلك الأسر عهد أكثر

سلاطين المسلمين عهدًا عامًّا دوليًّا بإبطال الأسر الحربي مقابل عدم وقوع الأسر

على كافة المسلمين [4] .

إن هذا الاستفتاء ينتج أن القسطنطينية تحاول في الجواب وتمنع علماء مكة

عن الجواب أما باقي العواصم فكلها تجيب بعدم جواز الرق، وهذا الجواب من

الباقين يكفي لامتناع الأمراء من فخفخة استخدام الرقيق خوفًا أدبيًّا من رعاياهم

ويكفي لامتناع الناس امتناعًا دينيًّا من تملك الرقيق فيصبح أنصار الرق من

المسلمين أعداء له، وبذلك يتم بعد سنين قلائل إبطال الاسترقاق من العالم فيرتفع عن

عاتق الإنسانية هذا العار العظيم والأولى أن يكون الاستفتاء مرفقًا بالنص العربي

السالف البيان لأجل أن لا يقع فيه تحريف من ترجمة إلى ترجمة فيجد العلماء

المتشرعون الرسميون مهربًا بالتأويل والمواربة في الجواب فيرضون السائلين

ويرضون الأمراء بخلاف ما إذا كان النص عربيًّا بلغة الشريعة الإسلامية ذاتها.

***

(المنار)

يعلم القراء أن علماء الإفرنج يعدون مسألة الرقيق من أكبر المطاعن في

الإسلام ويفتخرون بأن مدنيتهم أرقى من الإسلام؛ لأن الإسلام يأمر باستعباد البشر

وهم يحررون الأرقاء حبًّا في الإنسانية، وقد أرجع دعاة النصرانية ملكًا من ملوك

المسلمين عن الإسلام بحجة أن النصرانية والإسلام شيء واحد إلا أنها تفضله بهذه

المسألة رحمة بالبشر فرجع وتبعه قومه. على أن كتاب دينهم الذي ينصرونه

وينشرونه فيه من الشدة على الأرقاء ما لا يوجد له نظير في الإسلام، والإسلام لم

يأمر بالرق ولا جعله فرضًا ولا سنة، وإنما هو شيء كان عليه الناس من جميع الأمم

فوضع له من الأحكام ما يمحوه مع الحكمة. وهذه المقالة كان الكواكبي رحمه الله

تعالى - كتبها ولم ينقحها فنشرناها على علاتها بتصحيح ما دفاعًا عن الإسلام وضنًّا

بآثار هذا الرجل العاقل أن تضيع حتى إننا نشرنا ذلك الرأي الذي رمجه - أي أفسد

سطوره أو شطبه كما يقولون - وأما ما ذكره عن استرقاق الكرج والشركس فما أراه

إلا له لا لصديقه الذي نقل عنه تلك المسائل الشرعية في الرق فقد عهدناه يبحث في

هذه الشؤون، ونحن لا وقوف لنا على شيء من أحوال السراري والشركسيات

والكرجيات فنحكم في المسألة، فمن كان عارفًا بذلك من فضلاء القراء فليكتب إلينا

به وله الفضل وبما يراه نافعًا في المسألة.

هذا وإن للمرحوم الكواكبي كتابًا سماه (ماذا أصابنا؟ وكيف السلامة؟) أورده

ما لم يرجع عنه من آرائه في طبائع الاستبداد مع فوائد كثيرة سياسية واجتماعية

ولعلنا نجعله ملحقًا للمنار في العام القابل.

_________

(1)

هذه الجملة التي بين قوسين قد رمجت من الأصل وكأنه كان يريد أن يكتب في موضوعها رأيًا آخر وقد أصاب بحذفها على أن الدول لا تتجزأ على هذا الآن.

(2)

لا يخفى على القارئ أنه يعني بهذا الصديق: الأستاذ الإمام.

(3)

هذه العبارة مبهمة مقضبة والمراد منها أن الإسلام شدد في شروط جواز هذه الأمور كالرق وتعدد الزوجات تنفيرًا عنها وجعل للخروج منها منافذ كثيرة كما يأتي.

(4)

ينبغي أن يزاد في السؤال: وليست هذه الحرب لأجل حماية الدعوة الإسلامية إذ لا توجد حكومة شرعية تدعو إلى الإسلام.

ص: 841