المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسلمون والقبط [*]أو آية الموت وآية الحياة - مجلة المنار - جـ ٨

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (8)

- ‌غرة المحرم - 1323ه

- ‌فاتحة السنة الثامنة

- ‌فتاوى المنار

- ‌رسالة البدعة في صلاة الظهر بعد الجمعة

- ‌انتقاد شواهد الطبعة الأولى من تفسيرابن جرير الطبري

- ‌التقريظ والانتقاد

- ‌الأخبار والآراء

- ‌تقريظ المنار

- ‌16 المحرم - 1323ه

- ‌حياة الأمم وموتها

- ‌رأي عالم أزهري في العلماء

- ‌تقويم المؤيد لعام 1323

- ‌الأخبار والآراء

- ‌الشيخ عبد الباقي الأفغاني(وفاته)

- ‌غرة صفر - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(1)

- ‌التحكيم بين الزوجين في الشقاق

- ‌(الأرض)دليل حركتها من القرآن

- ‌شهادة غير المسلم وخبره

- ‌رأي عالم أزهري في العلماء

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌البدع والخرافات

- ‌16 صفر - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(2)

- ‌فتاوى المنار

- ‌فتوى ابن حجر في تحريم الاجتماع للموالدوغيرها من البدع

- ‌أحوال المغرب الأقصى

- ‌غرة ربيع الأول - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(3)

- ‌فتاوى المنار

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 ربيع الأول - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(4)

- ‌تزويج الشريفة بغير كفءوسبّ العلماء، وإهانة كتب العلم

- ‌مصرف الهدايا والنذورلأضرحة الأولياء

- ‌تلقين الميت وأين يجلس الملقِّن

- ‌رش القبر بالماء

- ‌شعر الرأسحلقة أو تركه

- ‌صلاة الظهر بعد الجمعةوالخلاف في الدين

- ‌التقريظ

- ‌رأي رجل عظيم في المسلمين والمناروترك الأستاذ الإمام للأزهر

- ‌صدى الحادثة في أورباأو مقاومة النفوذين الفرنسي والإنكليزي للأستاذ الإمامفي الإصلاح

- ‌الاحتفال بالعيد المئوي لمحمد عليوالإيماء لانفصال مصر عن تركيا

- ‌غرة ربيع الثاني - 1323ه

- ‌ذبائح أهل الكتاب في عصر التنزيل

- ‌عذاب القبر

- ‌الحكمة في إنزال القرآن

- ‌استطراد في حفاظ القرآن بمصروحادثة جديدة

- ‌التقريظ

- ‌حضرموت واليمن

- ‌تنازع الدول في جزيرة العرب

- ‌الانتقاد على المنار

- ‌استدراك

- ‌16 ربيع الثاني - 1323ه

- ‌الاتصال بين الآيات والسوروجمع القرآن

- ‌بلاد روسيا دار حرب أو إسلاموالروسيون كتابيون أم وثنيون

- ‌عمل الفقهاء بأقوال مذاهبهموإن خالفت الحديث الصحيح

- ‌إيراد على ترك التقليد

- ‌خرافة في سبب تحريم الخمر

- ‌التقريظ

- ‌انطفاء فتنة نجد واستقرار الأمرفي آل سعود

- ‌لائحة المساجد وما أنفذ منها

- ‌محاربة الوهم للعلمأو تأثير السعاية في الدولة العثمانية

- ‌حذر حكومة مدينة حلب من الثورة

- ‌الجمعية الخيرية الإسلامية

- ‌الوفدان الفرنسي والألمانيفي بلاد العرب

- ‌جمعية العروة الوثقى الخيرية

- ‌غرة جمادى الأول - 1323ه

- ‌المسلمون والقبط [*]أو آية الموت وآية الحياة

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌أعمال مجلس إدارة الأزهر

- ‌تاريخ دول العرب والإسلام

- ‌كتاب زهر الربيعفي المعاني والبيان والبديع

- ‌الروزنامة التونسية

- ‌تذكار المهاجر

- ‌أنباء سوريا المزعجة- الدولة والرعية

- ‌نظرة في المبارزة

- ‌إصلاح الطرق الصوفية

- ‌مرض الأستاذ الإمام

- ‌اعتذار للقراء الكرام

- ‌إعذار بعد اعتذار

- ‌رأي غريب في عاقبة السُّكر

- ‌افتخار جريدتياللواء والعالم الإسلامي بالكذب

- ‌16 جمادى الأولى - 1323ه

- ‌مصاب الإسلام بموت الأستاذ الإمام

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(1)

- ‌غرة جمادى الآخر - 1323ه

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(2)

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌شكر واعتذار

- ‌16 جمادى الآخر - 1323ه

- ‌مرثية محمد حافظ أفندي إبراهيمفي الأستاذ الإمام رضي الله عنه

- ‌المنار الإسلامي واللواء الوطني

- ‌مشروع بناء مسجد في باريس

- ‌غرة رجب - 1323ه

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌المجلد الأول من كتابأشهر مشاهير الإسلام

- ‌تاريخ التمدن الإسلامي

- ‌مرشد الهداياتإلى واجبات الحلاقين والدايات

- ‌ديوان الرافعي

- ‌حقوق المرأة في الإسلام

- ‌كتاب الرسائل الزينبية

- ‌تبرج النساء في مصر

- ‌خنوثة الرجال وفسوقهم

- ‌الحداد والمآتم

- ‌16 رجب - 1323ه

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(4)

- ‌المصاب العظيمبوالدنا البر الرحيم

- ‌نعيه إلينا وتعزيتنا عنه

- ‌غرة شعبان - 1323ه

- ‌الحياة الزوجية(5)

- ‌تزويج الشريفة بغير شريفوفضل أهل البيت

- ‌ضمان البضاعةوسلع التجارة والسيكارتو

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌تأبين الأستاذ الإمام

- ‌كتاب تعزية من عالم إنكليزي

- ‌16 شعبان - 1323ه

- ‌مذهب السلفوطريقة الحنابلة في التأليف

- ‌إعطاء الزكاة والصدقة للشرفاءومعاملتهم

- ‌لعن معاوية والترضي عنهوفيه حكم اللعن مطلقًا

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌تاريخ الأستاذ الإمام

- ‌شكر بعد شكر

- ‌غرة رمضان - 1323ه

- ‌نموذج آخرمن شرح عقيدة السفاريني

- ‌الحياة الزوجية(6)

- ‌أسئلة من سنغافوره

- ‌دعوى الرقيقةبعد موت السيد أنها أم ولد له

- ‌تفسير.. (فإذا هما اجتمعا لنفس مرة)

- ‌أسئلة من الجزائر

- ‌أميل القرن التاسع عشر

- ‌البداوة من باب الآثار الأدبية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 رمضان - 1323ه

- ‌الدين في نظر العقل الصحيح(4)

- ‌(دعوة اليابان إلى الإسلام)

- ‌نصائح صحية للبنات من مجلة أبقراط

- ‌تاريخ الإصلاح في الأزهرأو أعمال مجلس إدارة الأزهر

- ‌تفسير الفاتحة ومُشْكِلات القرآن

- ‌إحصاء رسميلخسائر الدولتين في الحرب الأخيرة

- ‌تبرج النساء وأنصار الحجاب

- ‌موعظة وعبرة في وفاة حرة

- ‌غرة شوال - 1323ه

- ‌تقرير مشيخة علماء الإسكندرية

- ‌الأخبار والآراء

- ‌16 شوال - 1323ه

- ‌الدينفي نظر العقل الصحيح(6)

- ‌روابط الجنسية والحياة المليةوفلسفة الاجتماع البشري

- ‌الأخبار والآراء

- ‌غرة ذو القعدة - 1323ه

- ‌الحياة المِليَّة بالتربية الاجتماعية

- ‌تقرير مشيخة علماء الإسكندرية

- ‌آثار علمية أدبية

- ‌شيخ الأزهروزينة الكسوة والمحمل،حكم الفرجة عليهما

- ‌16 ذو القعدة - 1323ه

- ‌تجارة الرقيقوأحكامه في الإسلام

- ‌أسئلة من دمياطتتعلق بقصة المولد النبوي

- ‌تعليم اللغات

- ‌مسلمو الصين والإسلام في اليابان

- ‌غرة ذو الحجة - 1323ه

- ‌ملخص سيرة الأستاذ الإمام(5)

- ‌تتمة أجوبة الأسئلة الدمياطية

- ‌قصة المولد لدبيع

- ‌فائدة عظيمةفي بحث العمل بالحديث الضعيف

- ‌إزالة وهم

- ‌أبونا آدم ومذهب دارونمن باب الانتقاد على المنار

- ‌16 ذو الحجة - 1323ه

- ‌اشتراطالولي في النكاح

- ‌طعام أهل الكتاب ومجاملتهم

- ‌مسألة خلق أبينا آدم

- ‌انتقاد شواهد الطبعة الأولى من تفسيرابن جرير الطبري

- ‌التقريظ

- ‌الأخبار والآراء

- ‌خاتمة السنة الثامنة

- ‌شرط الاشتراك في السنة التاسعة

- ‌كلمة مع تحية المنار لقرائه المصطفين الأخيار

الفصل: ‌المسلمون والقبط [*]أو آية الموت وآية الحياة

الكاتب: مسلم غيور

‌المسلمون والقبط [*]

أو آية الموت وآية الحياة

قرأنا في جريدة الوطن القبطية مقالة عنوانها (التعليم الديني والحكومة) بحث

فيها كاتبها في مشروع الحكومة الجديد من إعفاء حفاظ القرآن من الخدمة العسكرية

بحثًا قال فيه: إن الحكومة المصرية رأت أن هؤلاء الحفاظ كثروا في هذه الديار كما

كثر الرهبان والشمامسة والقسيسون في كل بلاد نصرانية تعامل خَدَمة الدين معاملة

الحكومة المصرية لهم فأرادت حكومة مصر أن تخص هذا الإعفاء بمن يستحقه،

أي وهو من يتعلم من مبادئ القراءة والكتابة ما يمكنه من خدمة الدين بتعليم القرآن

الكريم وغيره مما يتعلمه الأولاد في المكاتب لا من يدعون أنهم يخدمون الدين والعلم

وهم أبعد الناس عن ذلك. قال الكاتب:

(وظاهر من هذا أن الحكومة المصرية أرادت أن تعلي قدر الدين الإسلامي

بما نوت من الإصلاح؛ لأنها رأت أن الإعفاء بلا تدقيق ولا حساب يجعل الدين

سلاحًا يتسلح به كل طالب للتخلص من الخدمة المفروضة على كل وطني فالذين

يتذرعون بهذه الذريعة ويجعلون أنفسهم من الفقهاء حبًّا في الخداع والتخلص من

خدمة الوطن وليس حبًّا بالعلم والدين، إنما يؤدي فعلهم إلى إسقاط حرمة الدين بين

الناس) إلى أن قال: (فحكومة مصر قصدت خدمة الدين بتنقية صفوفه من الذين

لا يصلحون لخدمته والاشتهار بين الناس باسمه وبإعادته إلى مجده الأول حين كان

العلماء والفقهاء (هم) الذين توفرت فيهم شروط العلم والفقه، وليس الذين هربوا من

واجب وطني وجعلوا الدين حيلة وواسطة للفرار منه) .

جعل الكاتب القبطي الغيور على ملته وقومه هذا الكلام مقدمة وتمهيدًا لمطالبة

الحكومة بأن تعامل خَدمة الدين من القبط كما تريد أن تعامل خَدمة الدين من

المسلمين بأن تشترط في إعفاء الشمامسة والعرفاء وغيرهم من خَدمة الكنيسة، أو

الدير من القرعة العسكرية أن يكونوا متعلمين من مبادئ القراءة والكتابة ما يجعلهم

محترمين في أعين المتعلمين، ويمكنهم من إحسان خدمة الدين. وقال: (إذا كانت

الحكومة تشترط عليهم مثل الذي تريد أن تشترطه على الفقهاء (أي: الحفاظ) فإنها

تحسن إلى الأمة القبطية أكبر إحسان وترقي في درجة الذين يخدمون دين النصرانية

بين رعاياها وهي تخطو خطوة كبرى في سبيل الإصلاح المطلوب للبطركخانات)

ثم أطال في بيان أعمال هؤلاء في خدمة ملتهم، وقال: (إن الأمة القبطية كلها

ألسنة صارخة بمطالبة الحكومة بهذا الإصلاح) .

قرأت هذه المقالة فكان يتمثل لي عند كل جملة منها ما كتب في (المؤيد) من

المقالات الطويلة العريضة والنبذ الموجزة في أخباره المحلية الصارخة بالتألم

والشكوى من مشروع الحكومة: إنه إهانة للدين والقرآن، وتحقير لخَدمة الإسلام،

وإنزال لهم عن مرتبة خَدمة النصرانية في الاحترام، إذ لا تشترط الحكومة في

إعفاء القساوس والرهبان والشمامسة ونحوهم معرفة بالقراءة والكتابة ولا بمبادئ

الحساب ولا بإتقان ما يقرءون من كتب الدين، وتمثل لي بالمقابلة بين ما تشكو منه

الجريدتان الفرق بين آيات الموت وآيات الحياة، الجريدة الإسلامية تشكو من العلم

وتعده إهانة لدينها وهضمًا لحقوق حملة كتابه، وذلك أظهر آيات موت الأمم إن

كانت الأمة على رأي المؤيد أو راضية بقوله وقول من شايعوه على ذلك. والجريدة

القبطية تشكو من الجهد وتعد إقرار خدمة دينها عليه إهانة لهم وتقصيرًا من الحكومة

في مساواتهم بالمسلمين في العناية بدينهم وإعانتهم على إصلاح قومهم وذلك أظهر

آيات الحياة والطائفة القبطية على رأيها لا محالة.

عجبًا للمؤيد يذكر كل سنة في الكلام على نتيجة الامتحان في المدارس سبق

القبط للمسلمين في التعلم؛ إذ المشتغلون والناجحون من الأولين أكثر منهم في

الآخرين ويظهر التبرم والشكوى من ذلك فما باله قام يحارب العلم والتعليم في

مشروع حفظ القرآن ومشروع الكتاتيب؟ إن كان لا يعرف فضيلة العلم لذاته قل أو

كثر، بل يعرفه بميل القائمين بأمر البلاد أو عدمه فيذم ما رغبوا فيه ويمدح ما

رغبوا عنه فليسكت عن الشكوى من قلة المتعلمين من المسلمين؛ لأن جناب اللورد

كرومر الذي بيده أزمّة البلاد يشكو من ذلك في تقاريره كل عام.

إن رغبة القبط فيما يزعم المؤيد أن المسلمين يرغبون عنه، وبكاء الجريدة

القبطية على ما تبكي منه الجريدة الإسلامية هو أدل على الفرق البعيد بين الفريقين

من كثرة عدد المتعلمين في أحدهما وقلته في الآخر؛ لأن الرغبة عن العلم والبكاء منه

أدل على موت الأمة من ترك الكثيرين له؛ إذ يجوز أن يكون الترك لعذر غير

الكراهة والتنوُّر [1] .

كذلك الرغبة في العلم وطلبه والبكاء من فقده أدل على الحياة من مجرد القيام

به من أفراد كثيرة)

إلخ.

...

...

...

...

(مسلم غيور)

(المنار)

إننا لم نقرأ كل ما نشره المؤيد في هذه المسألة ولكننا قرأنا بعضه فلم نره

صوابًا، وفي هذه المقالة حدة في الإنحاء عليه قد استثقلناها فحذفناها ومقصودنا

بالذات المقابلة بين المسلمين والقبط في هذا الأمر لا سيما بعد أن مضى زمن على ما

نشرته جريدة الوطن القبطية؛ فلم نر من القبط من انتقده وما حذفناه ليس منه، وقد

بينا رأينا في المسألة معززًا بالدلائل والبراهين.

_________

(*) أشرت في مقالة (حياة الأمم وموتها) التي نشرت في الجزء الثاني من هذه السنة إلى الفرق بين المسلمين والقبط في العناية بالمعارف وطالما عزمت على كتابة مقالات في المقابلة بين مسلمي مصر وقبطها وبين المسلمين والنصارى عامة، ثم أرجأتها وقد نشرت من عهد قريب مقالة في المقطم تتعلق بالموضوع خاصة بمسألة إعفاء حفاظ القرآن من القرعة العسكرية بإمضاء (مسلم غيور) فأحببت نشرها هنا لما فيها من الذكرى والاعتبار.

(1)

التنور هنا لا معنى له فهو تحريف حتما.

ص: 321

الكاتب: محمد توفيق صدقي

الدين في نظر العقل الصحيح

محمد توفيق صدقي

(1)

قرأت في إحدى المجلات العربية مقالة بقلم أحد طلبة المدارس العالية، ذكر

فيها شيئًا من المذهب المادي في مصير الإنسان وأصله، وتبجح بأن هذا هو معتقده

وأن لا حق بعد ذلك، ولما كانت هذه الأفكار وأمثالها مما يخالج قلوب شبابنا اليوم؛

حتى صار جمهورهم لا يعبأ بعقائد الدين، ويظن أنها ضرب من أساطير الأولين لا

حاجة لعصرنا الحاضر بها تحركت نفسي لكتابة شيء في هذا الموضوع بعد عمل

الفكر وإحالة النظر في أطرافه، وجعلت اعتمادي فيما أقول على البراهين العقلية

الصحيحة التي تنتهي إلى البديهيات بحيث لا تجد فرقًا بينها وبين البراهين

الرياضية؛ لتكون أعظم مؤثر في قلوبهم، وليعلموا أن الدين في حججه يفوق المادية

في نظرياتها وأوهامها. ولإيفاء المقام حقه رأيت أن أبدأ بذكر حكم العقل في المادة

من جهة تركيبها، وتحليلها، وأصلها من حيث الحدوث والقدم، ثم أنتقل إلى

براهين وجود الخالق وما يليق به من الصفات، ثم أتكلم عن الروح والبعث، وأختم

كلامي بأدلة النبوة عمومًا، والمحمدية خصوصًا، وبذلك يتم الاعتقاد الإسلامي،

ويكون الإنسان مؤمنًا بالله واليوم الآخر والنبوة وما أتت به.

المادة وتركيبها:

الأجسام التي نراها شاغلة حيزًا من الفراغ تقبل القسمة إلى أجزاء أصغر منها

وكل جزء يقبل القسمة إلى ما هو أصغر منه، وهكذا فإذا استرسل العقل في القسمة،

فإما أن يقف عند حد أو لا يقف، فإن لم يقف كان ذلك قولاً بأن كل جسم أخذناه

بيدنا وحصرناه بين أصابعنا مركب من أجزاء لا نهاية لها وهذه الأجزاء مهما صغرت

فلا يمكن أن تحصر لعدم تناهيها. لكن هي محصورة بالحس؛ إذًا هذا الفرض باطل.

بقي القول بأن العقل لا بد أن يقف عند حد في القسمة، فهذا الحد إما أن يكون

له امتداد أو ليس له امتداد، فإن كان له امتداد فالعقل يتصور قبوله للقسمة ونرجع

إلى ما قلناه في الشق الأول: إذا لم يبق إلا القول بأنه لا امتداد له. وإذا ثبت هذا

علمت أن جميع الأجسام مركبة من أجزاء لا امتداد لها مطلقًا ولكن لها وضع معين

فهي مثل النقط الهندسية، وإنما تمتاز عنها في أنها أشياء وجودية لا وهمية. هذه

الأجزاء هي ما نسميه بالجواهر الفردة ويسمي حملتها الماديون (بالمادة) أو

(الأثير) وقالوا: إن اجتماع بعضها ببعض على أوضاع مختلفة وبأعداد مختلفة قد

نشأت عنه العناصر الأصلية، فيجوز أن تكون كل ذرة من الأوكسيجين مركبة من

جوهرين مثلا والذرة من عنصر آخر مركبة من ثلاثة أو أربعة وباتحاد العناصر

المختلفة بعضها ببعض تكونت المركبات، وسواء صحت هذه النظريات أو لم تصح

فالشيء الذي لا شك فيه هو وجود الجوهر الفرد وأنه الجزء الذي لا يتجزأ ومنه

تركبت الموجودات.

حدوث المادة:

قلنا: إن الجوهر الفرد هو ما ليس له امتداد، وله وضع معين وهو شيء

وُجودي كل ما كان له وضع معين فالعقل يتصور جواز انتقاله من موضع إلى آخر

وهذا الانتقال هو الحركة، فلو فرضنا أن الجوهر الفرد قديم لتصور العقل إمكان

تحركه من مكان إلى آخر، ولو أمكن ذلك لأمكن وجود حركات في الأزل لا أول لها

وهذا محال؛ لأنه يستلزم جواز تحرك الجوهر حركات لا عدد لها قبل كل حركة،

وكونها لا عدد لها يستلزم أنها لا تحصر، ولا تدخل تحت عد وإتيان الجوهر الفرد

بها يدل على أنه يمكن عدها وعد ما لا يعد تناقض بديهي البطلان؛ إذا ثبت أن

الجوهر لا يجوز أن يتحرك في الأزل، لكن جواز تحركه من لوازم ذاته بحيث لا

يتصور وجوده بدون ذلك الجواز، وحيث إن فرض وجوده في الأزل يؤدينا إلى

المحال، وما يؤدي إلى المحال محال ثبت أنه لا يمكن أن يكون موجودًا في

الأزل، أي إنه حدث بعد أن لم يكن.

وجود الواجب:

يقسّمون المعلوم إلى قسمين: واجب لذاته، وغير واجب لها، فالواجب لذاته

هو ما كان وجوده من لوازم ذاته بحيث لا يمكن أن ينفك عنها. وغير الواجب

قسمان: موجود بالفعل، وغير موجود. وغير الموجود قسمان: جائز وجوده،

ومستحيل. والمستحيل: هو ما لا يمكن وجوده، فكل موجود إما أن يكون واجبًا أو

جائزًا ولا ثالث لهما، أما الواجب فسبق تعريفه وأما الجائز فهو ما جاز عليه الوجود

والعدم ولا يرجح أحدهما إلا بمرجح، إذا عرفت هذا فنقول:

الجوهر الفرد موجود فإما أن يكون واجبًا أو جائزا لا يمكن أن يكون واجبًا؛

لأنه قد ثبت أنه كان معدومًا في الأزل، والواجب لا يمكن أن ينفك عنه الوجود لا

أزلا ولا أبداً، إذًا هو جائز والجائز لا يمكن أن يرجح وجوده على عدمه إلا بمرجح

والمرجح لا يمكن أن يكون سوى الواجب إذ لم يبق سواه غير المستحيل، إذًا

الواجب موجود قطعًا.

أحكام الواجب:

قد سبق أن الوجود لا ينفك عنه أي: إنه قديم باقٍ، فلا أول لوجوده ولا آخر

له وهذا بمقتضى التعريف السابق. ومن أحكامه أنه ليس له وضع معين ولا جهة

يشار إليه فيه وإلا لتصور العقل جواز تحركه ولو جازت عليه الحركة لكان حادثًا،

ولو كان حادثًا لما كان واجبًا، وحيث ثبت أنه لا وضع ولا جهة له ثبت أنه لا

امتداد له وإلا لشغل حيزًا من الفراغ وتعين له الموضع والجهة.

إذا عرفت هذا علمت أنه لا يجوز عليه الحلول ولا الاتحاد ولا التجسد؛ لأنه

لو حلّ أو اتحد بجسم المسيح على مذهب أو تجسد وظهر بصورة المسيح على

المذهب الآخر كما يقول النصارى لوجبت له الحركة وإلا لما كان للحلول والاتحاد

والتجسد معنى حقيقيًّا تعالى الله عن أن يظهر في مخلوق أو يتصور بصورته.

ومن أحكامه التفرد بالوجود؛ لأنه لو كان هناك واجبان فأكثر وخلق أحدهما

جائزًا من الجائزات فإما أن يبقى الآخر قادرًا على خلق هذا الشيء بعينه أو غير

قادر، فإن بقي قادرًا أمكنه تحصيل الحاصل وهو محال؛ لأنه يستلزم أن يكون

للشيء الواحد وجودات متعددة، وإن لم يبق قادرًا زالت قدرته القديمة عن بعض

الأشياء، والقديم لا يزول؛ لأن قدمه إما أن يكون لذاته أو لشيء آخر قد اقتضى

وجوده، فإن كان قدمه لذاته فلا يمكن أن يزول من الذات ما هو لها وإن كان لغير

ذاته فما دام المقتضي موجودًا فلا يمكن أن يزول المقتضى.

هذا واعلم أن قول النصارى: إنه واحد في الذات،ثلاثة في الأقانيم - مُحال

لأنهم يعتقدون أن كل أقنوم يمتاز عن الآخر بخواص كثيرة، فالأول يمتاز بخاصية

الأبوة، والثاني بالبنوة وبالحلول أو التجسد، والثالث بالانبثاق، وأن الامتياز بينهم

حقيقي بحيث إن ما يثبتونه لأحدهم لا يمكن أن يثبتوه للآخر. إذا عرفت هذا أقول

الشيء الذي به الامتياز إذا ثبت لأحد الأقانيم فهو ثابت لذاته، وإذا ثبت لذاته فهو

ثابت لذات الله تعالى، وبما أنه علة للامتياز فلا يمكن أن يثبت للأقنوم الآخر وإذا لم

يثبت له لم يثبت لذاته، وإذا لم يثبت لذاته لم يثبت لذات الله وعليه يكون الشيء

الواحد ثابتًا للذات وغير ثابت لها، فمثلاً: إذا قلنا: إن الابن حلّ أو تجسد أي إن

ذاته حلت أو تجسدت كانت ذات الله حالة أو متجسدة، ولكن الآب لم يحلّ ولم

يتجسد فذات الله لم تحل ولم تتجسد، وعليه تكون ذات الله حالة أو متجسدة وغير

حالة ولا متجسدة وهذا تناقض ظاهر البطلان.

بقي عليّ أن أذكر كلمة صغيرة في القدرة قبل ترك هذا الموضوع وهي أنها لا

تتعلق بالمستحيل. وخلق حوادث في الأزل مستحيل؛ لأنه يستلزم وجود حوادث لا

أول لها وهو باطل وعليه فالقدرة الأزلية لا توجد الحوادث إلا في غير الأزل،

والأزل لا يمكن العقل تصوره فهو ليس مركبًا من لحظات لا أول لها؛ لأن ذلك

أيضًا باطل فلم يكن ثَمَّ دهر ولا زمان بخلاف ما إذا فرضنا أن الجوهر الفرد قديم

فإنه يستلزم جواز وجود الحركات في الأزل وذلك يستلزم تعاقبها وتعاقبها يستلزم

وجود الزمان، أما خلق الحوادث في غير الأزل فلا يستلزم وجود لحظات متعاقبة

ولا وجود متجددات في الأزل.

والخلاصة: أن الواجب قديم باق قدير متفرد بالوجود ليس كمثله شيء، وهو

السميع البصير.

الروح والبعث:

عناصر الجسم الكيماوية معروفة ومشهورة وعناصره (الهستولوجية) هي ما

يسمونه بالخليات، وكل خلية حية بذاتها بحيث يمكن بقاؤها حية بعد انفصالها عن

الجسم مدة من الزمن، وتأتي من الأعمال مثل ما تأتيه في الجسم؛ فمثلاً كرات الدم

البيضاء إذا فصلت عن الجسم ووضعت في وسط مناسب لحياتها تبقى حية مدة

فتتحرك وتتغذى وتنقسم، وليس الأمر قاصرًا على الخليات، بل ما تركب منها من

الأعضاء والعضلات وغيرها؛ وإذا فصل من الجسم يبقى حيًّا مدةً؛ فمثلاً: قلب

الضفدعة يستمر على ضرباته بضع دقائق، وكذا العضلات الأخرى من الجسم

تنقبض وتنبسط إذا نبهت، ثم إن جميع وظائف الجسم وحواسه ومدركاته لها مراكز

مخصوصة في المخ والنخاع الشوكي؛ بحيث إذا أتلف هذا المركز بطلت الوظيفة،

وبين المراكز والأعضاء اتصال بالأعصاب الحساسة والمحركة؛ ولهذه الحقائق

المحسوسة ظن الماديون أن لا معنى للقول بالروح؛ إذ لا أثر لها في الحياة ولا في

غيرها ولو كان هناك شيء يليق أن يسمى روحًا، فالمخ أولى الأشياء بهذه التسمية ثم

إنهم شاهدوا أن الجسم دائم في التغير والانحلال والتركيب بحيث إن جسم الإنسان

في بضع سنين يكون قد تغير كله وأتى بدله جسم آخر. وفسروا شعور الإنسان

بشخصه أنه لم يتغير طول حياته بأن الانطباعات والتأثرات المخصوصة في جوهر

المخ تتجدد في كل مادة. وبعد أن أنكروا ما يسميه علماء الأديان روحًا وأنه شيء

يقوم بذاته، ولا يتغير، وأنه ليس من مادة عالمنا هذا إلى آخره بعد أن أنكروا ذلك

ووجدوا أن جسم الإنسان بعد الموت ينحل ويدخل في تراكيب النباتات والحيوانات

الأخرى، ومن بينها الإنسان قالوا: إذًا البعث مستحيل؛ لأن الإنسان ليس له روح

مخصوصة تممتاز عن جسمه وليس جسمه ثابتًا له بل ربما دخل في جسم إنسان

آخر وعليه فالحشر روحيًّا كان أو جسديًّا ضرب من المحال.

هذا هو ملخص مذهبهم. والناقد البصير يرى أنه مبني على المحسوس

والمعقول إلا في نقطة واحدة هي محور غلطه ومركز شططه وهي قولهم: إن

شعور الإنسان بشخصه من أول العمر إلى آخره ناشئ عن الانطباعات المخصوصة

وتجدّدها في كل مادة تدخل في تركيب مخّه لا لشيء ثابت من أول الحياة إلى آخرها؛

إذًا لا علاقة بيني الآن وبين شخصي بعد بضع سنين سوى الانطباعات

المخصوصة المتماثلة في المادتين. أقول: المتماثلة؛ لأنها لا يمكن أن تكون هي

بعينها؛ لأنها أعراض لا قيام لها بذاتها ولا تنتقل من مادة إلى أخرى فكأنه بعد

مرور بضع سنين على الإنسان يعدم من الوجود ويوجد شخص آخر غيره ومع ذلك

يشعر كل بأنه هو الآخر بعينه لتماثل الانطباعات فيهما ولو سلمنا ذلك فلماذا لا يكون

البعث من هذا القبيل؟ وإذا وجد شخص آخر فيه مثل ما فيَّ من الانطباعات فهل

أشعر بأني أنا هو وهو يشعر بأنه أنا؟ وما الفرق بين هذه وتلك؟ وهل إذا عدم

أحدنا يشعر الآخر بإنه هو الأول بعينه؟ كلا، ثم كلا، إذاً لا بد أن يكون هناك

شيء ثابت في الإنسان من أول الحياة إلى آخرها وبه تتحقق شخصيته ويمتاز

وجوده وسواء كان هذا الشيء من عالمنا هذا أو من عالم آخر فلا يهمنا، وهذا

الشيء هو روح الإنسان وجوهره وحقيقته وحيث إننا لا ندري مكانه ولا كنهه فلا

يمكننا الحكم بأن يدخل في تركيب إنسان آخر، ولم لا يجوز أن يبقى محفوظًا إلى يوم

القيامة ثم يعاد في جسم جديد.

ولا عبرة بالجسم الأول المتبدل المتغير الداخل في تركيب غيرنا بعد انحلاله؛

فإن شخصية الإنسان لا تتحقق به ولا تتوقف عليه. إذا علمت هذا أيقنت أن للإنسان

روحًا بالمعنى المتقدم وكذا لكل حيوان له شعور بشخصه وأن ليس البعث ضربًا من

المحال بل هو من الجائزات، وسنأتي في مقال آخر بأدلة النبوة وصدق ما أتت به

وبعد ذلك نثبت بالبرهان النقلي وجوب البعث يوم القيامة.

...

...

...

...

... الإمضاء

...

...

...

محمد توفيق صدقي

...

...

...

...

الطبيب بسجن طُرى

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 330