الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقب أو سمى وإن شاء كنى،
…
أرسلك الله حديقةً لنا
فيها نزاهةٌ وظل وجنى!
قال: أكرمت يا سهيل، فشمر الذيل، وبادر الليل. قلت: إني لك أطوع من ثواب، وأتبع من البادية لمواقع السحاب. وخرجت في صحبته تلك الليلة إلى السواد، وكنت أود لو أصحبه إلى برك الغماد.
المقامة الثالثة والعشرون وتعرف بالموصلية
قال سهيل بن عباد: شخصت من حلب الشهباء، إلى الموصل الحدباء حتى إذا دخلتها أتيت الخان، وإذا شيخنا الخزامي في حجرة على الخوان. فلما رآني وثب عن الطعام، وابتدرني بالسلام.
فابتهجت به ابتهاج الساري بالقمر، ونسيت ما مر بي من بوارح السفر. ثم جلسنا نتناول ما طهت ليلى من الألوان، وهي تختلف إلينا باللحوم والألبان. فقال الشيخ: قد جمعنا بين ليلى وعمها، أفلا نجمع بين ليلى وأمها؟ فما لبثت أن جاءت بزجاجة بيضاء، فيها سلافةٌ سوداء. وقالت: ما أحسن الليل إذا اجتمع بسهيل! قال: وكان في الخصرة فتى من ركب القيروان، عليه مطرف من الأرجوان. فعلق الجارية وافتتن بها، لما رأى من ظرفها وأدبها. فقال: ليس في الموصل إن شاء الله إلا صلة الحبل، واجتماع الشمل. فقالت: إذا اجتمع الرجل بأهله، فسيغنيه الله من فضله. ففطن الشيخ ذو الهول والغول، لما دار بينهما من لحن القول. وقال: قد قضى الله باليسرى، فلك البشرى. واعلم أنه قد خطب إلي أكرم الأصهار، على مهر ألف دينار. فلم يسمح بفراق جنتي جناني، ولم يطب عن روحي وراحي وريحاني.
غير أن البيع مرتخص وغال، فلا يحول بيننا المال. قال: إن في يدي مائة دينارٍ إن كانت تكفيها، فبورك لك فيها. قال: هيهات، ولكن هات! فلما قبض المال قال: جعل مباركاً أينما كان، ولكن تنظرني هنيهة من الزمان. فتواعدا إلى أجل مسمى، وذهب الفتى جذلان بكشف الغمى، وانكشاف المعمى. قال: فلما حان أجل الزفاف، أقبل الفتى كالغداف. فوجد الشيخ يتأهب للرحيل، ويودع من هناك من أبناء السبيل. فأجفل الفتى أي إجفال، وقال: ما بالكم تزمون الجمال؟ قال: يا بني إني صرفت الدنانير بين الجفان والكؤوس، فلم يبق لي ما يقوم بتجهيز العروس. فأردت أن أتحول إلى الحلة إذ ذاك، لأقضي حقها بتلية لي هناك. فأشهد الفتى أن ليس له عنده
عرض ولا نقد، وقال: هلم إلى القاضي لإمضاء العقد. فانطلق معه الشيخ والجارية، وهو يريد أن يأخذها ولو بقرطي مارية. فلما دخلوا على القاضي قال الشيخ: يا مولاي إن هذا الفتى قد خطب امرأتي إلي، وهي غير مطلقةٍ من عصمتي ولا مطلقةٍ من يدي. فاعقد له عليها إن رأيت، وإلا فق له: اذهب من حيث أتيت! فقال الفتى: كلا يا مولاي إنها سليلته، لا حليلته. فقال القاضي: إن جئت ببينة لذاك، وإلا فقد سقطت دعواك. ولما نظر القاضي إلى توقفه، أمر بطرده عن موقفه، وأخذ يعنف الشيخ سوء تصرفه. فتباكى الشيخ وتنهد، ثم أشار إلى القاضي وأنشد:
قد رجم الدهر بشهب النحس
…
حتى هممت بفراق عرسي
خوفاً عليها من حلول الرمس
…
لشدة العيش وضنك النفس!
ما برحت، مذ أربع أو خمس،
…
تصبح في مجاعة وتمسي!
ولا أرى في راحتي من فلس
…
يقوم بالطعم لها واللبس
وهي فتاة من سراة عبس،
…
أخوالها من آل عبد شمس
معتادة نحر المهى بالأمس،
…
وشرب ألبان العشار الدخس
وملبس السندس والدمقس،
…
لكنها من طيب ذاك الغرس
قد أنفت ارتكاب الرجس
…
فأنكسرت خروجها من حبسي
وقد شكوت علتي للنطس
…
عساه يسقيني شراب الورس
فيكتفي الناقه شر النكس
ولما فرغ الشيخ من الإنشاد رق له القاضي حتى استهل دمعه أو كاد. وقال: أيها الشيخ لا عجب، إذا أدركتك حرقة الأدب. فاعتثم الآن بهذه الدريهمات على أمر نفسك، وأنفق مما رزقك الله حلالاً طيباً واتق الله في أمر عرسك. فأخذ نحلة القاضي وأثنى عليه
بما استحق، وقال: مثلك من قضى الحق، وقضى بالحق قال سهيل: فلما فصلنا عن باحة القضاء، وحصلنا في ساحة الفضاء. قال: يا بني أقرب وخذ هذه الرقعة واكتب:
قل للذي رام الفتاة المحصنة:
…
إن كنت تبغي شركة عن بينه،
فلنتهايا سنة بعد سنة
…
لكن هذا العام يقضى لي أنه
إذ قد بدأت فيه بعض أزمنه
…
حتى إذا ما نفدت هذه الهنة
زفقتها حالية مزينة
…
إليك إذ تبغي، بأي الأمكنة
لكن على شريطة معينة
…
تبذل لي من مهرها نصف الزنة!
ثم قال: يا فلان، قد استحيت من دخولي الخان. فأرى أن تترك الجواد وتنساب وتأخذ ما لي هناك من الأسباب، وتلصق هذه