الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعلقوا بردنه وذيله. فقال: إن لي أسيراً أسعى في فدائه، قبل أن يهلك في عنائه بدائه. فلينفق ذو سعة من سعته، وكل يعمل على شاكلته. فأولج كل واحدٍ يده في هميانه، وأخرج له ما شاء الله من لجينه وعقيانه. فانثنى بعدما ودع وهو قد أثنى فأبدع. حتى إذا ولى قذاله ورجوت ابتذاله. حلت دون مسيره، أو يعرفني بأسيره. فقال: يا بني قد شربت في حان سويد بن الأضبط فاسترهن مني البربط. وهو ريحان نفسي، وريعان أنسي. فإن شئت أن تصحبني إلى العقبة، وتشركني في تحرير رقبة. وإلا فاذهب بالسلامة، ولا ملامة. قلت: لا جرم أن تقرير الرق، خيرٌ من تحرير البربط والزق. وانثنيت عنه فوراً، وأنا أمدحه تارةً وألومه طوراً.
المقامة الرابعة والأربعون وتعريف بالحلية
حكى سهيل بن عباد قال: نزلت بحلة في ديار الحلة. فلقيت بها شيخنا أبا ليلى يسحب في أكنافها ذيلاً، ويخطر ميلاً. فابتهجت به ابتهاج المحب بزيارة الحبيب، أو المريض بعيادة الطبيب. وانضويت هناك إلى حرزه وشددت يدي بغرزه. ولبثت في صحبته برهة أجد من حديثه أطرب نزهة، وأطيب نكهة. حتى إذا كان يوم الأضحى استوى على فرس أضحى، وقال: هلم نتضحى. فخرجنا نطس المراكل، بين تلك الشواكل. وما زلنا نتخلل القباب، ونتخطى اللحاء إلى اللباب. حتى مررنا بقوم من العلماء، قد تألفوا تألف الخندريس بالماء. فدخلنا؛ عليهم دخول المفاجي، وإذا هم يتداولون المعميات والأحاجي. فقال الشيخ: ما الذي أنتم فيه؟ لعلنا نقتفيه. فأعرضوا عنه بوجوه بأسرة، وقالوا: إنها لصفقة
خاصرة. فمن أنت يا من يركب في غير صهوته، ويشرب من غير ضهوته؟ قال: أنا الرقمع بن أصمع من بني السمعمع. ومن أنتم يا من يأبهون للنسب، ويعمهون عن الحسب؟ فذعروا لجوابه، وشعروا بصوابه. وقالوا: تحسبها حمقاء وهي باخس، فلا بد بيننا من حرب داحس. فنظر إليهم نظرة البازي وصال عليهم صولة الغازي. وقال: أما إن كان قد غركم الهزال، حتى دعوتم نزال. فلأرينكم لمحاً باصراً، وفتحتاً ناصراً. ثم تخازر كالأرمد وأنشد معمياً في محمد:
على من لا أسميه سلام
…
وإن ضاعت تحيتنا لديه
مليح لا أرى لي فيه حظاً
…
وفي قلبي دم من مقلتيه
ثم أدلم شفتيه كالعنبلي وأنشد معمياً في علي:
ما لي أنادي يا علي
…
ولا تلبي يا علي؟
للناس نفعك مبصراً
…
وإذا عميت فأنت لي
ثم اشرأب كتليع الظلمان، وأنشد معمياً في عثمان:
ماذا ترى أصنع في حسد
…
قد حجبوا عني بديع الزمان؟
لهم عيون راصدات لنا
…
إذا بدت عين تلاها ثمان
ثم قال: اللهم اهدنا سواء السبيل، وأنشد محاجياً في سلسبيل:
يا لوذعياً نراه
…
بكل ففن خليقا
ما ردف قول المحاجي
…
إن قال: أطلب طريقا؟
ثم قال: دونكم أيها الصعافيق وأنشد محاجياً في أباريق:
يا من إذا جاءه المحاجي
…
أصاب في كل ما أجابا
ماذا تراه يكون ردفاً
…
لقوله لم يرد رضابا؟
ثم اندفع كحجر من سجيل وأنشد محاجياً في نار جيل:
ألا يا من أحاجيه
…
أدارت خمرة الكأس
أبن لي ما يرادفه
…
لظى صنفٍ من الناس
قال: فلما فرع من معمياته وأحاجيه، جعل القوم يخبطون في دياجيه. وقالوا: شهد الله أنك لأعذب من القند وأوسع من هند مند. فأن أنين الثكلى، ورفع طرفه إلى الأفق الأعلى. وقال: اللهم فاطر السموات ومجيب الدعوات. أرفع منار العلم وآله، وأغنني عن منة العبد وسؤاله. وارزقني عمامة مضرجة وحلة مدبجة. حتى إذا دخلت على عبادك يعرون قدري، ويعظمون أمري. ثم اغرورقت عيناه بالعبرات وحشرجت أنفاسه بالزفرات. فأعجب