الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسامة لا ينزل في وجار جيأل. قلت: فكيف تعاميت وأنت أبصر من فراس في بهماء غلس. فنظر إلي نظرة الضرغام، وأنشد بصوت كالبغام:
تخلق الناس بالأدناس واعتمدوا
…
من الصفات الدها والمكر والحسدا
كرهت منظرهم من سوء مخبرهم
…
فقد تعاميت حتى لا أرى أحدا
ثم انطلق بي إلى مثواه وقاسمني شطر جدواه. وقال: أنت الليلة ضيفي وأنا غداً ضيف الهجير، فإن الصقر متى صاد بصير. فقضيت معه ليلة أرق من السابرية، وأطيب من الجاشرية. حتى نسخ الصبح آية الظلام، ونشر على الأفق حمر الأعلام. فودعني وذهب وأودعني اللهب.
المقامة التاسعة والأربعون وتعرف باللبنانية
روى سهيل بن عباد قال: ظعنت في نفر من معد بن عدنان، حتى مررنا بجبل لبنان. فراعنا ما به من الشعاب والأودية والمجالس والأندية. والخمائل والغياض، والمياه والرياض. والقرى والدساكر، والعشائر الملتفة كالعساكر. فلبثنا أياماً في جنباته نجول بين رعانه وهضباته. حتى نزلنا بقوم من العظماء، قد أحاطواً بفتى من العلماء. وهو ينشدهم الأبيات، ويُطرفهم بالغرائب والآيات. فوقفنا نسترق السمع، في خلال ذلك الجمع. وإذا شيخ من أبناء السبيل قد أقبل في ثوب رعابيل. فتخلل القوم ولم يسلم، ثم احقوقف مشيحاً ولم يكلم. فاستثقل القوم ظله، وأنكروا محله. وقالوا: إن هذا الشيخ قد بلغ الحدب، ولم يظفر من الأدب ولا بمثل الكدب. ثم أعرضوا عنه ازوراراً، واحتملوا فظاظته اضطراراً. فانتدب له الفتى وقال: من أين أقبلت يا أبا الشقعمق؟
لا كان يومك الشمقمق فزفر كفحيح الأفعى، وقال: استنت الفصال حتى القرعى. فمن أنت يا من لا يعرف الكوع، من البوع؟ قال: بل أنت من لا يعرف الكاع، من الباع إن كنت من أنماط هذا النمط، فما الفرق بين الميت والميت والوسط والوسط؟ وما فرق اليتيم بين الناس والبهائم في الوضع، وفرق الأم بين الفريقين في صيغة الجمع؟ فهمهم الشيخ وجمجم، وغمغم حنقاً ودمدم. وقال: ويك يا مرقعان يا أفرة المعمقان. إن كنت ابن مسألة أو كاشف
معضلة. فأنبئني بقيود القطع، وإلا فأعدد قفاك للصفع فرنا بعين المها، إلى السمهى. وأنشد:
يقال: جز الصوف زيد وحصد
…
نباته اليابس، والرطب خضد
وجدع الأنف وللأذن صلم،
…
وشتر الجفن وللكف جذم
وشرم الشفة إذ قص الشعر
…
وقضب الكرم لدى قطف الثمر
وقلم الظفر وحز اللحما
…
وحذق الحبل وبت الحكما
وقذ ريش السهم إذ قط القلم
…
وعصف الزرع وللنخل جرم
وقيل: قد السير. والنعل حذا
…
وجاب صخراً، قطع الثوب كذا
وحذف الذنب والغصن عضد
…
وفلح الحديد، فاحفظ ما ورد
قال: إن كنت من رجال العصر، فما هي قيود الكسر؟ فاستضحك طويلاً، ثم فكر قليلاً. وأنشد:
يقال: شج الرأس والأنف هشم
…
ووقص العنق وللسن هتم
وقصم الظهر لدى رتم الحجر
…
وحطم العظم كغصن قد هصر
وفضح الجبس، والنوى رضخ
…
ورض حباً رأس حية شدخ
وفقس البيض على فدغ البصل
…
وهد ذاك الركن من دك الجبل
وهضم القصب والخبز ثرد
…
ونقف الحنظل فاستجل الرشد
قال: فهل تعرف قيود الحصص، من مثل هذه القصص؟ فتململ
كالأفعوان، ثم نزا كالعنظوان. وأنشد:
كسرة خبز فدرة اللحم ترد
…
كتلة تمر فلذة من الكبد
ومن طعام لمظة وكسفه
…
من سحب ومن سويق نسفه
كذا صبابة من الشراب
…
جذوة نار حثوة التراب
ودرة من لبن فرزدقه
…
من العجين غرفة من مرقه
وصبرةٌ من حنطة ونقره
…
من فضة ومن حديد زبرة
خصلة شعر كبة من غزل
…
فرصة قطنٍ رُمةٌ من حبل
خرقة ثوب نبذة من مال
…
وهدأة الليل من الأمثال
قال سهيل: فلما أبان الفتى ما أبان، قال القوم: قد ظهر الشجاع من الجبان. فما أشبه هذه الألمعي بأتي عبيدة والأصمعي. ولقد اعتمانا ويمم
حمانا. فلنحبه بما هو الخليق به رعاية لحرمة أدبه. ثم أفاضوا عليه حلة من الإستبرق، وقبضة من الذهب الأصفر كبتاً لعدوة الأزرق. فطال على الشيخ واستطال، وقال: قد ذل من يصادم الأبطال فاعتصم الشيخ بالهزيمة، واقتفاه الفتى بماضي العزيمة. قال سهيل: فأشفقت على ذلك الشيخ الفاني، من صولة ذلك الفتى الجاني. وخرجت في إثرهما، لترقيح أمرهما. فإذا هما بجانب العقيق بين الأقحوان والشقيق، والشيخ قد لبس الحلة والفتى قائم لديه كالرقيق. فتوسمتها من كثب، وإذا هما ميمون ورجب، فصحت: يا للعجب! فارتفق الشيخ على يمينه، وأنشد والبشر يلوح من جبينه:
قد لاح صبح الشيب وارفض الدجى
…
والعمر ولى والردى قد عرجا
ورجب كالمهر عندي نتجا
…
أريد أن أروضه مخرجاً
حتى إذا فارقته مندرجا
…
رحت قرير العين صادق الرجا