الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ يعدو الجمزى، وأنشد مرتجزاً:
جزيت خيراً يا غلامي رجبا
…
دعوتك ابناً لي، فتدعوني أبا
بادر إلى أختك ليلى في الخبا
…
وقل: رزقت نزهة ومركبا،
وملبساً ومطعماً ومشرباً
…
وسترين من سهيلٍ كوكبا
فاستقبلي الضيف وقولي: مرحبا
ثم قال: يا بني من حاد عن الكيد، عاد بلا صيد. فاذهب معي الليلة للمبيت وكن من الشاكرين ما بقيت. فانطلقت أتبع ظله، حتى أتينا المظلمة. وأحيينا ليلتنا بالسمر، حتى انبثق السحر. فودعني وقال: اذهب إلى أهلك باليسرى، وأنا أذهب في ارتياد فترةٍ أخرى. فخلفت في الهم في تلك الديار وعدت إلى أهلي بالدرهم والدينار.
المقامة السابعة والعشرون وتعرف بالساحلية
قال سهيل بن عباد: ألقتني الرواحل إلى بعض السواحل. وكان عودي يومئذ رطيباً وفودي غربيباً. فطفت المعالم والمجاهل ووردت الحياض والمناهل. وشهدت المحاشد وافتقدت المشاهد. حتى إذا كنت بمجلس بعض الأمراء، وقد حفت به العلماء والشعراء. دخل شيخ عريض اللثام، قد أخذ بتلبيب غلام. وقال: أعز الله الأمير إني ربيت هذا الغلام مذ دب، إلى أن شب. واتخذته لي عمدة وعدة، في كل رخاء وشدة. واستأمنته في كل ملمة على كل مهمة. فلما كان بعض الأيام المواضي أرسلته بتقريظ إلى القاضي. فاستبدل القوافي، وحول ما في الأبيات من المديح الصافي، إلى الهجاء الجافي. فحكم القاضى علي بالحيس، وقال. المال فداء النفس، فخرجت لا درهم معي ولا فلس. فمر الغلام أن يعطيني حق الجناية علي، ويعوضني ما فقد على يده من يدي. فقال الأمير: وماذا كتبت من الأبيات وكيف بدل الحسنات بالسيئات؟ قال: أما المديح المكتوب، فعلى هذا الأسلوب:
أرى القاضي أبا حسنٍ
…
إذا استقضيته عدلا
وإن جاءته مسألة
…
لطالب رفده بذلا
إمام لا نظير له
…
نراه بيننا جبلا
قد اشتهرت خلائقه
…
فأصبح في الورى مثلا
وأما التبديل الذي طرا، فكما ترى:
أرى القاضي أبا حسنٍ
…
إذا استقضيته ظلما
وإن جاءته مسألة
…
لطالب رفده لؤما
إمام لا نظير له
…
نراه بيننا صنما
قد اشتهرت خلائقه
…
فأصبح في الورى عدما
فقال الأمير للغلام: أف لك يا عقق، يا ابن شارب الفلق أتجزي جزاء سنمار، ولا تخاف من العار؟ قال: يا مولاي إني غلام غر، لا أعرف الهر، من البر. غير أن هذا الشيخ قد استخدمني
بضع سنين، وهو يطعمني ولا يسقين. فلما أتيت القاضي بكتابه، شكوته إلى بعض حجابه. فقال: لا ظالم إلا سيبلى بأظلم وأخذ الأبيات فحرفها والله أعلم. فإن شئت فمر بسجني لعلي أملأ بطني. فقال الشيخ: بل فاسجنناً جميعاً، فإني أشد منه جوعاً. وكان بينهما قناة كصدر القناة. فقال: يا مولاي أرى أن تدفع إليهما، ما ستنفقه في السجن عليهما، واغتنم الراحة من كليهما. قال: لا جرم أن ذلك أجزم، وحصب كل واحدٍ منها بمائة درهم، قال سهيلٌ: وكنت قد استروحت ريح الخزام، وعرفت الشيخ والفتاة والغلام. فلما انصرفوا خرجت على الأثر، وإذا الشيخ ينشد على حذر:
هذا أبو ليلى وهذه ليلاه
…
يحوم في طلاب رزق مولاه
كطائرٍ وأنتما جناحاه
فزلفت مبتدراً إليه وقبلت مفرقة ويديه. وقلت: يا مولاي ألم يئن لك أن تسلك الجدد، وتترك اللدد؟ فحملق إلي كالغول،