الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مقتطفات مما نقل عن الإمام أبي حنيفة]
الإمام أبو حنيفة: (1) .
قال الإِمام أبو حنيفة (2) - رحمه الله تعالى -: اعلموا يا أصحابي وإِخواني، أنَّ مذهب أهلِ السنة والجماعة على اثنتي عشرة خصلة:
الأولى: الإِيمان، وهو إِقرارٌ باللسان وتصديقٌ بالجَنان (3) .
والإِقرار وحده لا يكون إِيمانًا، لأنه لو كان إِيمانًا لكان المنافقون كلهم مؤمنون.
وكذلك المعرفة وحدها لا تكون إِيمانًا، لأنها لو كانت إِيمانًا لكان أهل الكتاب مؤمنين.
والمؤمن مؤمن حقًا، والكافر كافر حقًا، وليس في الإِيمان شك، كما أنه ليس في الكفر شَك، قال الله تعالى:{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 4]
وقال: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء: 151]
(1) النعمان بن ثابت بن زوطى الكوفي، ولد سنة (80 هـ) ، وتوفي سنة (150هـ) ببغداد، " سير أعلام النبلاء ":(6 / 390 - 404) .
(2)
" الطبقات السنية في تراجم الحنفية ": (1 / 156 - 160) .
(3)
لا يكتمل التعريف الصحيح للإِيمان، إِلا بإِضافة عمل الجوارح، وهو الذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة من دخول الأعمال في مسمى الإيمان.
والعاصون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلهم مؤمنون حقًا (1) وليسوا بكافرين.
وتقدير الخير والشر من الله تعالى، لأنه لو زعم أحد أن قدير الخير والشر من غيره، لصار كافرًا بالله تعالى، وبطل توحيده.
والثانية: نُقر بأن الأعمال ثلاثة؛ فريضة، وفضيلة، ومعصية:
فالفريضة بأمر الله ومَشيئتِه ورضائِه وقدره وتَخليقه وكتابته في اللوح المحفوظ.
والفضيلة ليست بأمر الله، ولكن بمشيئتِه ومحبته ورضائه وقدره وتخليقه وكتابته في اللوح المحفوظ.
والمعصية ليست بأمر الله، لكن بمشيئته لا بمحبته، وبقضائه لا برضائه، وبتقديره لا بتوفيقه، وبخذلانه وعلمه وكتابته في اللوح المحفوظ (2) .
(1) ولا ينفي عنهم ذلك كونهم عصاة، فهم مؤمنون عصاة.
(2)
الأمر قسمان:
1 -
كوني، كقوله تعالى:(إنما أمره إذا أراد شيئَاَ أن يقول له كن فيكون)، وقوله:(وكان أمر الله مفعولا) ، وهو مختص بالإِيجاد والخلق.
2 -
شرعي ديني، بقوله:(إن الله يأمر بالعدل والإحسان)، وقوله:(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إِلى أهلها) وهو أمر تخييري ابتلائي، وليس هو بمعنى القضاء والقدر. انظر " شفاء العليل " لابن القيم:(587 - 588) . وقال الشيخ علي القاري: (والطاعات كلها واجبة بأمر الله تعالى وبمحبته، لقوله تعالى: (والله يحب المحسنين) ، وبرضائه، لقوله تعالى في حق المؤمنين:(رضي الله عنهم ورضوا عنه) ، وعلمه وقضائه وتقديره، أي: بمقدار قدَّره. والمعاصي كلها، أي: صغيرها وكبيرها، بعلمه وقضائه وتقديره ومشيئته، إِذ لو لم يردها لما وقعت، لا بمحبته، لقوله تعالى:(فإِن الله لا يحب الكافرين) ، ولا برضائه، لقوله تعالى:(ولا يرضى لعباده الكفر) ، ولأن الكفر يوجب المقت الذي هو أشد الغضب، وهو ينافي رضى الله المتعلق بالإيمان وحسنِ الأدب، ولا بأمره، لقوله تعالى:(قل إن الله لا يأمر بالفحشاء)، وإِذاَ فهي داخلة في ذلك الأمر استحسانا. انظر " شرح الفقه الأكبر ":(83 - 84) .
والثالثة: نُقرّ بأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى، وهو حافظ للعرش، وغير العرش، من غير احتياج، فلو كان محتاجًا لما قدر على إِيجاد العالم وتدبيره.
والرابعة: نُقِرّ بأن القرآن كلامُ الله تعالى، غير مخلوق، ووحيه وتنزيله، لا هو ولا غيره، بل هو صفته على التحقيق، مكتوب في المصاحف، مقروءٌ بالألسنة، محفوظ في الصدور، غير حالٍّ فيها. والحِبر والكاغَدُ والكتابة مخلوق،
لأنها أفعال العباد؛ لأن الكتابة والحروف والكلمات والآيات آلة (1) القرآن، لحاجة العباد إِليها.
الخامسة: نُقرّ بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام؛ أبو بكر الصدِّيق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين، لقول الله تعالى:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ - أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ - فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة: 10 - 12]
وكل من كان أسبق إِلى الخير فهو أفضل عند الله تعالى، ويحبهم كل مؤمن تقي، ويبغضهم كل منافق شقيّ.
والسادسة: نُقر بأن العبدَ معِ أعماله وإِقراره ومعرفته مخلوق، فلما كان الفاعل مخلوقاَ، فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة.
والسابعة: نُقرّ بأن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ولم يكن لهم طاقة، لأنهم ضُعفاء عاجزون، فالله تعالى خالقهم
(1) في " الطبقات السنية ": (دلالة)، والمثبت: من شرح الفقه الأكبر. قال الشيخ علي القاري: " ونحن نتكلم بالآلات، أي: من الحلق واللسان والشفة والأسنان، والحروف، أي: الأصوات المعتمدة على المخارج المعهودات بالهيئات المعروفات، والله تعالى يتكلَم بلا آلة ولا حروف، والحروف مخلوقة، أي: كالآلات ". انظر " شرح الفقه الأكبر ": (51) .
ورازقهم، لقوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم: 40] والكسب بالعلم والمال من الحلال حلال، ومن الحرام حَرام.
والثامنة: نُقر بأن الاستطاعة مع الفعل، لا قبل الفعل، ولا بعد الفعل، لأنه لو كان قبل الفعل لكان العبد مستغنيًا عن الله تعالى وقت الحاجة، فهذا خلاف حكم النص، لقوله تعالى:{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38]
ولو كان بعد الفعل لكان من المحال، لأنه حصول بغير استطاعة ولا طاقة.
والتاسعة: نُقرّ بأن المسحَ على الخُفين واجب للمقيم يومًا وليلة (1) وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها، لأن الحديث ورد هكذا.
فمن أنكر فإِنه يُخشى عليه الكفر، لأنه قريب من الخبر المتواتر.
والقصر والإِفطار في السفر رخصةٌ بنص الكتاب.
(1) المقصود بالوجوب، هو على من يريد بقاء الخفين على والرجلين، فإنه يجب عليه المسح، فلو صلى من غير مسح لم تصح صلاته.
والعاشرة: نُقرُّ بأن الله تعالى أمر القلم أن يكتب، فقال القلم: ماذا أكتب يا ربِّ؟ فقال الله تعالى: اكتب ما هو كائن إِلى يوم القيامة، لقوله تعالى:{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ - وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر: 52 - 53]
والحادية عشرة: نُقرّ بأن عذاب القبر كائنٌ لا محالة، وسُؤالَ مُنكر ونكير حَقٌ، لورود الأحاديث.
والجَنَّة والنارَ حَقٌ، لقوله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47]
وقراءةَ الكتب حق، لقوله تعالى:{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14]
والثانية عشرة: نُقرُّ بأن الله تعالى يُحيي هذه النفوسَ بعدَ الموت، ويَبعثهم في يوم كان مقدارُه خمسين ألف سنة، للجزاء والثواب وأداء الحقوق، لقوله تعالى:{وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7]
ولقاء الله تعالى لأهلِ الحقِّ حقُّ بلا كَيْفية (1) ولا تشبيه
(1) يعني: لا نعلمهما، وإلا فله كيفية.
ولا وَجْه (1) .
وشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لكل من هو من أهل الجنة، وإِن كان صاحب الكبيرة.
وعائشة رضي الله عنها بعد خديجة الكبرى أفضل نساء العالمين، وأم المؤمنين، ومطهرة من الزنى بريئة عما قال الروافض، فمن شهد عليها بالزنى فهو ولد الزنى.
وأهل الجنة في الجنة خالدون، وأهل النار في النار خالدون، لقوله تعالى في حق المؤمنين:. . {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأعراف: 42] وفي حق الكفار:. . {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 39] والله تعالى أعلم.
(1) لعله يقصد الجهة، وفيها تفصيل.