المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول] - مجمل اعتقاد أئمة السلف

[عبد الله بن عبد المحسن التركي]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌[لا إله إلا الله أساس الوجود]

- ‌[مقتطفات مما نقل عن الإمام أبي حنيفة]

- ‌[مقتطفات مما نقل عن الإمام مالك]

- ‌[مقتطفات مما نقل عن الإمام الشافعي]

- ‌[مقتطفات مما نقل عن الإمام أحمد بن حنبل]

- ‌[مقتطفات مما نقل عن الإمام البخاري]

- ‌[مقتطفات مما نقل عن الإمام أبي جعفر الطحاوي]

- ‌[مقتطفات مما نقل عن الإمام أبي زيد القيرواني المالكي]

- ‌[مقتطفات مما نقل عن الإمام ابن تيمية]

- ‌[أثر المنهج في استقامة الاعتقاد وتوسطه]

- ‌[النتائج العملية للمنهج الصحيح]

- ‌[الجهاد الصادق في سبيل العقيدة]

- ‌[الأثر المبارك لجهاد ابن تيمية]

- ‌[من أعظم الآثار وأظهرها]

- ‌[دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[اعتقاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[أهمية الدولة في التمكين للدعوة]

- ‌[نماذج لهذا النصر والتمكين]

- ‌[جهود الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في الدعوة]

- ‌[العقيدة التوقيفية الجامعة]

- ‌[قواعد مهمة في دراسة مسائل العقيدة]

- ‌[القرآن مصدر الأدلة النقلية والعقلية]

- ‌[اتباع السلف الصالح في تفسير النصوص]

- ‌[الإيمان بمسائل الغيب محصور في الخبر الصادق]

- ‌[تقسيم التوحيد إلى توحيد الرُّبوبية وتوحيد الألوهية ووجوب التّصديق بها]

- ‌[إثبات الأسماء والصفات مع الإقرار بمعناها وعدم التعرض لكيفيتها]

- ‌[الجمع بين الإثبات والتنزيه]

- ‌[رفض التأويل الكلامي]

- ‌[تقييد العقل وعدَمُ الاعتداد به في غير مجاله]

- ‌[الأخذ بقياس الأوْلى]

- ‌[تحديد الألفاظ المتنازع عليها وتعيين مدلولاتها]

- ‌[تحديد معنى المتشابه وبيان أن القرآن كله واضح يمكن تفسيره]

- ‌[تأثير الأسباب الطبيعيّة في مسبباتها بإذن الله]

- ‌[الحسنُ والقبْحُ في الأفعال عقْليّان وشرعيان]

- ‌[إثبات العقيدة بخبر الواحد المتلقى بالقبول عملًا وتصديقًا]

- ‌[موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول]

- ‌[خاتمة]

الفصل: ‌[موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول]

[موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول]

15 -

موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول: فكُلّ ما ثبت من مسائل العقيدة في الكتاب، والسنة، يصدقها العقل الكامل الصحيح الذي يُستخدم بدقةِ وإِمعانٍ، لأن العقل الصريح في دلالته على المراد، لا يمكن أن يخالف المنقول الصحيح الثابت، لأن العقل والنقل وسيلتان لغايةٍ واحدةٍ، هي الوصولُ إِلى الله، والوسائل التي تؤدِّي إِلى غايةٍ واحدةٍ لا يمكن لها أن تتعارض.

يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية:

" المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط، وقد تأملت ما تنازع فيه الناس، فوجدت ما خالف النصوص الصريحة شبهات فاسدة يُعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع، وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار، كمسائل التوحيد والصفات، ومسائل القدر، والنبوات، والمعاد، وغير ذلك.

ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه السمع، الذي يقال إِنه يخالفه: إِما حديثٌ موضوعٌ، أو دلالةٌ ضعيفةٌ، فلا يصلح أن يكون دليلًا لو تجرد عن معارضة العقل الصريح، فكيف إِذا خالفه صريح المعقول!

ص: 157

ونحن نعلم أن الرسل لا يُخبِرون بمحالات العقول، بل بمحارات العقول، فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته.

16 -

عدم جواز تكفير المسلم بذنب فعله إذا كان دون الشرك الأكبر، وكان هذا الذنب مما اختلف فيه، ولا بخطأ أخطأ فيه: يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية (1) رحمه الله وهو بصدد الحديث عن قاعدة أهل السنة والجماعة في أهل الأهواء والبدع:

" ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ فيه، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة، فإن الله تعالى قال:

{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] وقد ثبث في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء، وغفر للمؤمنين خطأهم (2)

(1)" مجموعة الفتاوى لابن تيمية ": (3 / 282 - 285) .

(2)

أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الإِيمان، باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إِلا ما يطاق:(126) ، والترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب " ومن سورة البقرة ":(2992) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله)[البقرة: 284]، قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قولوا: سمعنا وأطعنا وسلّمنا " قال: فألقى الله الإِيمان في قلوبهم فأنزل الله عز وجل: (لا يكلف الله نفسًا إِلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إِن نسينا أو أخطأنا)، قال: قد فعلت، (ربنا ولا تحمل علينا إِصرا كما حملته على الذين من قبلنا)، قال: قد فعلت، (واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا)، قال: فعلت [الآية من سورة البقرة: 286] . كما أخرجه مسلم من طريق آخر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (125) .

ص: 158

والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أئمةُ الدين من الصحابة والتابعين من بعدهم، ولم يُكَفِّرهم عليُّ بن أبي طالب، وسعدُ بن أبي وقاص، وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم عليّ حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين، فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفارٌ، ولهذا لم يسبِ حريمهم، ولم يَغْنَمْ أموالهم.

وإِذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإِجماع لم يكفروا مع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلِط فيها من هو أعلم منهم!

ص: 159

فلا يحلُّ لإِحدى هذه الطوائف أن تُكفِّرَ الأخرى ولا تستحل دمها ومالها، وإِن كانت فيها بدعة محققة، فيكف إِذا كانت المكفرة لها مبتدعةً أيضًا!

وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ. والغالب أنهم جميعًا جُهالٌ بحقائق ما يختلفون فيه.

والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمةٌ من بعضهم على بعض، لا تَحِلّ إِلا بإِذن الله ورسوله.

قال النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا خطبهم في حجة الوداع:

«إِن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا» (1) .

وقال صلى الله عليه وسلم: «كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ: دمُهُ، وماله، وعِرضُه» (2) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" رب مبلغ أوعى من سامع ": (67) ، ومسلم في كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال:(1679) ، والترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء دماؤكم وأموالكم. . إِلخ:(2159) ، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب الخطبة يوم النحر:(3055، 3057، 3058)، وأحمد في مسنده:(1 / 230) .

(2)

أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذله. . إِلخ:(2564) ، وأبو داود في كتاب الأدب، باب في الغيبة:(4882) ، والترمذي في كتاب البرّ والصلة، باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم:(1927) ، وابن ماجه في كتاب الفتن، باب حرمة دم المؤمن وماله:(3933)، وأًحمد في مسنده:(2 / 277، 360) .

ص: 160

(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة. . إِلخ:(391) ، والنسائي في كتاب الإيمان وشرائعه، باب صفة المسلم:(4997) .

(2)

تقدم تخريجه في الصفحة (59) .

(3)

تقدم تخريجه في الصفحة (58) .

(4)

تقدم تخريجه في الصفحة (59) .

ص: 161

هذه الأحاديث كلها في الصحاح.

إِذا كان المسلم متأولا في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك، كما قال عمر بن الخطاب في حاطب بن أبي بلتعة:«يا رسول الله، دعني أضرب عُنُقَ هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنه قد شهد بدرا، وما يدريك، لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وهذا في " الصحيحين "(1) .

وفيهما أيضًا من حديث الإِفك: «أن أُسيدَ بن الحُضير قال لسعد بن عبادة: إِنك منافقٌ تُجادلُ عن المنافقين، واختصم الفريقان، فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهم» (2) فهؤلاء البدريون فيهم مَنْ قال لآخر منهم: إنك منافق، ولم يكفِّر النبي صلى الله عليه وسلم

(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب من شهد بدرًا:(3983) ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنه. . . إلخ:(2494) .

(2)

أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب حديث الإفك:(4141) ، ومسلم في كتاب التوبة، باب في حديث الإفك. . إلخ:(2770) .

ص: 162

لا هذا، ولا هذا، بل شَهِدَ للجميع بالجنة.

وكذلك ثَبَتَ في " الصحيحين "(1) عن أسامة بن زيد «أنه قتل رجلًا بعدما قال: لا إِله إِلَا الله، وعظَم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما أخبره، وقال: " يا أسامة، أَقَتَلْتَهُ بعدما قال: لا إِلى إِلا الله! " وكرر ذلك عليه حتى قال أسامةُ: تمنَّيتُ أني لم أكن أسلمتُ إِلا يومئذ» .

ومع ذلك لم يوجب عًليه قَوَدًا ولا ديةً ولا كفّارة، لأنه كان متأولًا ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوّذًا.

وهكذا السلفُ قاتل بعضُهم بعضًا من أهل الجمل وصفِّين ونحوهم، وكلّهم مسلمون مؤمنون، كما قال تعالى:

{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9]

(1) أخرجه البخاري في كتاب الديات، باب قول الله تعالى:(ومن أحياها. .) : (6872) ، ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله: (96، 97) .

ص: 163

فقد بيَّن الله تعالى أنهم مع اقتتالهم وبغي بعضهم على بعض إِخوة مؤمنون، وأمَرَ بالإِصلاح بينهم بالعدل، ولهذا كان السلفُ مع الاقتتال يوالي بعضُهم بعضًا موالاةَ الدِّين، لا يُعادُون كمعاداة الكفَّار، فيقبلُ بعضُهم شهادة بعضٍ، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون، ويتناكحون، ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض، مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك.

ص: 164