الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منْ لَدُنْ آدم إِلى محمدٍ عليه الصلاة والسلام، ومِنْ أجله خَلَقَ الله الخلقَ، وجَعَلَ الجنةَ والنارَ، وفَرَّقَ الناس إِلى شقي وسعيدٍ، ولا يُقبلُ إِيمانُ المرءِ إِلا بالإِقرارِ به قولًا وعملا وهو يَتَضَمَّنُ توحيدَ الربوبية.
وقد عُنِيَ القرآنِ بتقريرِ هذا النوع من التوحيد، والبرهنة عليه بالأدِلَّةِ العقلية والبراهين الصحيحة، لأن الشِّرْكَ الذي وَقَعَ في جميع الأمم كان في هذا النوع، فإن عامة مشركي الأمم كانوا مُقِرِّينَ بربوبيته سبحانه، ولكنهم مع إِقرارِهم بربوبيته قد أشْرَكُوا بعبادتِه غَيْرَهُ.
[إثبات الأسماء والصفات مع الإقرار بمعناها وعدم التعرض لكيفيتها]
5 -
إثبات الأسماء والصفات مع الإقرار بمعناها وعدم التعرض لكيفيتها: تُعَدُّ مسألةُ الصفات من أجلِّ وأعظم ما تُكُلِّمَ فيه من أصول الاعتقاد، وقد اضطَرَبَتْ فيها أقوالُ الفلاسفة والمتكلِّمين، فمنهم مَنْ قال بالنفي المَحْضِ، ومنهم من أقرَّ بأسماء الله في الجملة ونَفَى الصفات، ومنهم من أقر بالأسماء والصفات، لكنه رَدَّ طائفةً منها، وتأوَّلَها، وصَرَفَها عن ظاهرها.
ومَذْهَبُ السلف في هذه المسألة: هو الإِيمانُ بكل ما وَرَدَ في كتاب الله وناطِقِ السنة من الأسماء والصفات من غير زيادة عليها، ولا نُقصانٍ منها، ولا تجاوُزٍ لها، ولا تأويلٍ لها بما يُخالِفُ ظاهرهَا، وقدِ انقضى عَصْرُ الصحابة والتابعين من السلف والأئمة على التسليم المُطْلَقِ بما جاءَ في الكتاب والسنة عن الذاتِ الإِلهية وصفاتها، ولم يتنازَعُوا في مسألةٍ واحدةٍ من مسائل الأسماءِ والأفعالِ، بل كلُّهم على إِثبات ما نَطَقَ به الكتابُ والسنة، كَلِمَتُهم واحدةٌ من أولِهم إِلى آخرهم، لم يَسُومُوها تأويلًا، ولم يُحَرِّفوها عن مواضعها تبديلًا.
وهم يعتقدون أن أسماء الله تعالى وصفاته تَوقيفيَّةٌ، لا يجوزُ إِطلاقُ شيءٍ منها على الله في الإِثبات أو النَّفي إِلا بإِذنِ الشرع، فلا يُثْبتونَ له سبحانه من الأسماء والصفات إلا ما أثبَتَهُ هو لنفسه، أو أثبَتَه له رسولُه صلى الله عليه وسلم، وأنَّ كل ما ثبتَ له من الأسماء والصفات لا يماثِل شيئًا من خلقه، ولا يُماثلُه شيءٌ، بل كل ما ثبتَ له من صفات الكمَال التي وَردَت في النصوص الصريحة، فهو مُختص به لا يَشْرَكُهُ فيه أحدٌ من خلقه، وإِذا كان هناك من الأسماء ما
يُطْلَقُ على صفاتِ الله كما يُطْلَقُ على صفات خَلْقه، فإن هذا ليس إِلا مَحْضَ اشتراكٍ في الاسم والمعنى العام، فلا يَلْزَمُ من اتفاقِهما في مسمَّى الصفة ومعناها العام اتفاقُهما في حقيقة الصفة، فإِذا كانت ذاتُه سبحانه لا تُمَاثِلُ الذوات، فكذلك صفاتُه لا تماثِلُ الصفاتِ، لأنه سبحانه لا تُضْرَب له الأمثالُ بخَلقِه لا في ذاته، ولا في صفاته.
ولم يَقُلْ أحدٌ منهم: إِن آيات الصفات لا يَعْلَمُ معناها إِلا الله، بدليل أنهم كانوا يثبتون لله ما تضمنته من صفات، ولو كان معنى الآيات والأحاديث غير مفهوم لهم ألبَتَّة، لما صَحَّ منهم الإثباتُ، إِذ كيف يثبتَون شيئًا لا يُعْقَل معناه، غايةُ الأمر أنهم لم يكونوا يبحثُون وراءَ هذه الظواهر عن كُنْهِ هذه الصفات، أو عن كيفية قيامِها بذاته تعالى، لأنَّ معرفةَ ذلك فوقَ مستوى العقل البشري، وهو من الغيب الذي استأثَر الله بعلمِه، فهو سبحانه أجلُّ من أن يُدرَكَ كُنْهُ ذاته وصفاته، أو يحاطَ بها علمًا:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]
وبهذا يُعلَمُ أنّ السلف الصالح كانوا أكثرَ فطنةً، وأحد ذكاءً من أصحاب الفِرَق، لأنهم عَرَفُوا أنه لا سبيل إِلى إِدراك